الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المسألة الثانية في فضل التأمين
المدخل إلى المسألة:
* ثبوت الفضل للعبادة ومقداره توقيفي.
* قوله صلى الله عليه وسلم: (فإن الملائكة تؤمن) جملة تعليلية للأمر بالتأمين.
* إذا افق تأمين المأموم تأمين الإمام كان ذلك مظنة أن يوافق تأمين الملائكة، فيمكن للمكلف تحري ذلك، والطمع في حصوله.
* لا يلزم من إطلاق الملائكة أن ذلك يقع من جميعهم، فهو عام أريد به الخصوص، كما في قوله تعالى:{الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ} . والقائل رجل واحد.
[م-555] ورد في فضل التأمين أحاديث، من ذلك:
(ح-1424) ما رواه البخاري من طريق مالك، عن ابن شهاب، عن سعيد بن المسيب، وأبي سلمة بن عبد الرحمن، أنهما أخبراه،
عن أبي هريرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا أمن الإمام، فأمنوا، فإنه من وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه
(1)
.
قال ابن العربي: «فترتيب المغفرة للذنب على أربع مقدمات ذكر منها ثلاثًا، وأمسك عن واحدة؛ لأن ما بعدها يدل عليها:
المقدمة الأولى: تأمين الإمام.
الثانية: تأمين من خلفه.
(1)
. صحيح البخاري (780)، وصحيح مسلم (72 - 410).
الثالثة: تأمين الملائكة.
الرابعة: موافقة التأمين.
فعلى هذه المقدمات الأربع تترتب المغفرة، وإنما أمسك عن الثالثة اختصارًا؛ لاقتضاء الرابعة لها فصاحة»
(1)
.
وقوله صلى الله عليه وسلم: (
…
فأمنوا فإنه من وافق تأمينه تأمين الملائكة
…
) فأمر بالمبادرة بالتأمين، وعلل ذلك بقوله:(فإنه من وافق تأمينه تأمين الملائكة) فيه إشارة إلى أنه إذا بادر وأَمَّن مع تأمين الإمام فإنه يوافق تأمين الملائكة، ذلك لأن الملائكة توافق تأمين الإمام دائمًا، وإلا لما صح أن تكون الجملة الثانية تعليلًا للجملة الأولى
(2)
.
(ح-1425) وروى النسائي من طريق بقية بن الوليد، عن محمد بن الوليد الزبيدي، قال: أخبرني الزهري، عن أبي سلمة،
عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا أمن القارئ فأمنوا، فإن الملائكة تؤمن، فمن وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه
(3)
.
وهذا إسناد جيد، وهو يبين أن قوله:(فإن الملائكة تؤمن) جملة تعليلية للأمر بالتأمين.
قال ابن المنير نقلًا من فتح الباري: «الحكمة في إيثار الموافقة في القول والزمان أن يكون المأموم على يقظة للإتيان بالوظيفة في محلها؛ لأن الملائكة لا غفلة عندهم فمن وافقهم كان متيقظًا»
(4)
.
[م-556] واختلف العلماء بالمراد بموافقة الملائكة في التأمين:
فقيل: المراد موافقتهم بالوقت، وهو مذهب الجمهور
(5)
.
وقيل: المراد بموافقة الملائكة بالصفة، بأن يكون تأمينه من غير علة من رياء، أو سمعة، أو إعجاب وبهذا يكون تأمينه موافقًا في الإخلاص لتأمين الملائكة، اختار
(1)
. أحكام القرآن لابن العربي (1/ 11).
(2)
. انظر التعليق على المنتقى لشيخنا ابن عثيمين رحمه الله (1/ 99).
(3)
. سنن النسائي (925)، وفي الكبرى (999).
(4)
. فتح الباري لابن حجر (2/ 265).
(5)
. النهر الفائق (1/ 212).
ذلك ابن حبان، كما في قوله صلى الله عليه وسلم: ألا تَصُفُّون كما تَصُفُّ الملائكة
(1)
.
ولا يمتنع أن تكون الموافقة فيهما في الوقت وفي الإخلاص، والله أعلم.
وظاهر الحديث: تأمين جميع الملائكة:
فقال عكرمة: ملائكة السماء يصفون في السماء كصفوف أهل الأرض، فإذا توافقا في التأمين غفر لمن في الأرض.
(ث-351) روى عبد الرزاق، عن معمر قال:
حدثني من سمع عكرمة يقول: صفوف أهل الأرض على صفوف أهل السماء، فإذا وافق آمين في الأرض آمين في السماء غفر له
(2)
.
قال ابن حجر: «مثله لا يقال بالرأي، فالمصير إليه أولى»
(3)
.
وهذا صحيح بشرط أن يثبت عن عكرمة، ولم يثبت؛ لإبهام شيخ معمر.
وظاهر أثر عكرمة أن لكلٍّ صلاته على وجه الاستقلال؛ لأن القول بأن أهل السماء يصلون صفوفًا تبعًا لأهل الأرض مع اختلاف المكان يحتاج إلى توقيف، فظاهر أثر عكرمة أنه لا اتحاد بينهما في الصلاة، فإذا وقع توافق في التأمين بينهما ترتب عليه هذا الفضل.
ومثل هذا لا يمكن أن يُرَغَّب فيه أحد؛ لأنه لا أحد يمكنه تحري ذلك؛ لكونه من الغيبيات، وهو خلاف حديث: (إذا أمن الإمام فأمنوا فإنه من وافق تأمينه تأمين الملائكة
…
) إلخ فإن فيه اتحادًا في الدعاء، فالإمام يدعو، والملائكة والمصلون يؤمنون على دعائه، فإذا وافق تأمين المأموم تأمين الإمام كان ذلك مظنة أن يوافق تأمين الملائكة، فيمكن للمكلف تحري ذلك، والطمع في حصوله بخلاف التأويل الأول.
وتقدم لنا رواية النسائي (إذا أمن القارئ فأمنوا، فإن الملائكة تؤمن، فمن وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه)
(4)
.
(1)
. صحيح ابن حبان (5/ 108) إكمال المعلم (2/ 309)، فتح الباري (2/ 265).
(2)
. المصنف (2648).
(3)
. فتح الباري (2/ 265).
(4)
. سنن النسائي (925)، وفي الكبرى (999).
فهو صريح أن الملائكة تؤمن على دعاء الإمام.
وقيل: المراد بالملائكة ممن يشهد تلك الصلاة وقت التأمين
(1)
.
قال ابن حجر: «ظاهره: أن المراد بالملائكة جميعهم، واختاره بن بزيزة.
وقيل: الحفظة منهم.
وقيل: الذين يتعاقبون منهم، إذا قلنا: إنهم غير الحفظة، والذي يظهر أن المراد بهم من يشهد تلك الصلاة من الملائكة ممن في الأرض، أو في السماء»
(2)
.
وقال في تحفة المحتاج: «والمراد بالملائكة المؤمنون على أدعية المصلين والحاضرون لصلاتهم»
(3)
.
وقال بعضهم: إذا قال الحفظة: آمين قالها من فوقهم حتى ينتهي إلى أهل السماء
(4)
.
والراجح والله أعلم أن تأمين الملائكة على دعاء الإمام لا يلزم منه اتحاد المكان، فالحديث لم يرد فيه إلا أن الملائكة تؤمن، فالوقوف عند حدود النص هو الجزم بتأمين الملائكة فقط على دعاء الإمام، ولا يلزم من تأمين الملائكة أن يكونوا صفوفًا يصلون لأنفسهم أو يصلون مع الإمام، فيشمل الملائكة ممن يشهدون الصلاة في الأرض، ويشمل غيرهم من ملائكة السماء ممن يسمع دعاء الإمام، ويؤمن على دعاء المصلين، ولا يلزم من إطلاق الملائكة أن ذلك يقع من جميعهم، فهو عام أريد به الخصوص، كما في قوله تعالى:{الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ} . والقائل رجل واحد.
* والدليل على تأمين ملائكة السماء.
(ح-1426) ما رواه البخاري من طريق مالك، عن أبي الزناد، عن الأعرج،
عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا قال أحدكم: آمين، وقالت
(1)
. النهر الفائق (1/ 212)، إكمال المعلم بفوائد مسلم (2/ 308)،.
(2)
. فتح الباري (2/ 265).
(3)
. تحفة المحتاج (2/ 49).
(4)
. النهر الفائق (1/ 212).
الملائكة في السماء آمين، فوافقت إحداهما الأخرى غفر له ما تقدم من ذنبه
(1)
.
ورواه مسلم من طريق المغيرة (هو ابن عبد الرحمن الحزامي) عن أبي الزناد به
(2)
.
وإذا أمن بعض ملائكة السماء على دعاء الإمام فمن باب أولى أن يؤمن الملائكة في الأرض ممن يشهد صلاة الإمام، إلا أن حديث الأعرج عن أبي هريرة عام في كل من يقول: آمين، وحديث سعيد بن المسيب وأبي سلمة عن أبي هريرة مقيد بالتأمين حال الصلاة، وهل يحمل المطلق على المقيد؛ لاتفاقهما في الثواب، وفي التأمين؟ قولان، أقربهما نعم؛ لأن تأمين الصلاة مستمد شرفه وفضله من كونه داخل الصلاة: أعظم أركان الإسلام العملية، ومرتبط بأعظم سورة في القرآن، وهي فاتحة الكتاب، فله مزيد فضل على التأمين على مطلق الدعاء خارج الصلاة.
* ومن الأحاديث الدالة على فضل التأمين أيضًا:
(ح-1427) ما رواه ابن ماجه من طريق عبد الصمد بن عبد الوارث، قال: حدثنا حماد بن سلمة، قال: حدثنا سهيل بن أبي صالح، عن أبيه،
عن عائشة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما حسدتكم اليهود على شيء ما حسدتكم على السلام والتأمين
(3)
.
[حسن]
(4)
.
(1)
. صحيح البخاري (781).
(2)
. صحيح مسلم (75 - 410).
(3)
. سنن ابن ماجه (856).
(4)
. الحديث رواه عن عائشة: أبو صالح السمان، ومحمد بن الأشعث بن قيس.
أما حديث أبي صالح، فرواه ابن ماجه (856)، قال: حدثنا إسحاق بن منصور.
ورواه إسحاق بن راهويه (1122)، وعنه أبو العباس السراج في حديثه (428)،
ورواه البخاري في الأدب المفرد (988) حدثنا إسحاق، ولم ينسبه ليتميز، والإمام البخاري يروي عن إسحاق بن منصور، وعن إسحاق بن راهويه، وكلاهما قد رويا الحديث، وكلاهما ثقة فلا يضره إبهامه، (إسحاق بن منصور، وإسحاق بن راهويه) عن عبد الصمد بن عبد الوارث.
ورواه البخاري في التاريخ الكبير (1/ 22) عن موسى بن إسماعيل، كلاهما (عبد الصمد وموسى) عن حماد بن سلمة، عن سهيل به.
ولم ينفرد به حماد بن سلمة، بل تابعه على ذلك خالد بن عبد الله الواسطي (ثقة) =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
=فقد أخرجه ابن خزيمة (574) من طريقه، عن سهيل بن أبي صالح به، بلفظ: دخل يهودي على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: السأم عليك يا محمد، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: وعليك، فقالت عائشة فهممت أن أتكلم فعلمت كراهية النبي صلى الله عليه وسلم لذلك فَسَكَتُّ، ثم دخل آخر، فقال: السأم عليك، فقال: عليك، فهممت أن أتكلم فعلمت كراهية النبي صلى الله عليه وسلم لذلك، ثم دخل الثالث، فقال: السأم عليك، فلم أصبر حتى قلت: وعليك السأم وغضب الله ولعنته إخوان القردة والخنازير، أَتُحَيُّونَ رسول الله صلى الله عليه وسلم بما لم يُحَيِّهِ الله؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله لا يحب الفحش ولا التفحش قالوا قولًا فرددنا عليهم، إن اليهود قوم حُسَّدٌ، وهم لا يحسدونا على شيء كما يحسدونا على السلام، وعلى آمين.
فهذا إسناد رجاله كلهم ثقات إلا سهيل بن أبي صالح، فهو صدوق، والحديث في الصحيحين مختصرًا من طريق الزهري، عن عروة، عن عائشة في ذكر اعتداء اليهود بالسلام، ورد عائشة عليهم، وجواب النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: مهلًا يا عائشة إن الله رفيق يحب الرفق في الأمر كله
…
الحديث، وليس فيه حسد اليهود على التأمين والسلام.
وأما حديث محمد بن الأشعث، عن عائشة:
فأخرجه أحمد (6/ 134، 135) حدثنا علي بن عاصم (ضعيف).
والبيهقي في السنن الكبرى (2/ 82) وفي الشعب (2707) من طريق سليمان بن كثير العبدي (متكلم فيه)، والبخاري في التاريخ الكبير (1/ 22) من طريق حصين بن نمير (صدوق)، ثلاثتهم، عن حصين بن عبد الرحمن السلمي، عن عمر بن قيس (ثقة وثقه أبو حاتم وابن معين وغيرهما وليس هو سندل الضعيف)، عن محمد بن الأشعث به، وزاد فيه:(إنهم لا يحسدوننا على شيء كما يحسدوننا على يوم الجمعة، التي هدانا الله لها وضلوا عنها، وعلى القبلة التي هدانا الله لها وضلوا عنها، وعلى قولنا خلف الإمام آمين)، فزاد القبلة والجمعة، ولم يذكر السلام. ولفظ حصين بن نمير: على الجمعة والتأمين.
ومحمد بن الأشعث روى عنه جماعة، ولم يوثقه إلا ابن حبان، فهذا إسناد صالح في المتابعات، والله أعلم.
وخالفهم هشيم كما ذكر ذلك الدارقطني في العلل (14/ 346) فرواه عن حصين، عن عمر بن قيس، عن محمد بن الأشعث، عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلًا، قال الدارقطني: والقول قول من ذكر فيه عائشة. اهـ
وتابع مجاهد عمر بن قيس، إلا أن في إسناده عبد الله بن ميسرة متفق على ضعفه، واضطرب في لفظه.
فأخرجه البخاري في التاريخ الكبير (1/ 22)، وأسلم في تاريخ واسط (ص: 134، 135)، وابن حبان في المجروحين (2/ 32)، والبيهقي في السنن الكبرى (2/ 82)، والخطيب في موضح الجمع والتفريق (2/ 215) من طريق مسلم بن إبراهيم، حدثنا عبد الله بن ميسرة، حدثنا إبراهيم بن أبي حرة، عن مجاهد، عن محمد بن الأشعث به. لفظ البخاري وابن حبان وأسلم والخطيب:(ما حسدونا بالسلام والتأمين) وهذا موافق لحماد ابن سلمة.
ولفظ البيهقي: (التسليم والتأمين واللهم ربنا ولك الحمد)،
ولفظ ابن عدي: (ما حسدونا على السلام والأذان).
ومن الأحاديث الدالة على فضل التأمين أن إجابة دعاء الفاتحة رتب على التأمين.
(ح-1428) فقد روى مسلم من طريق أبي عوانة، عن قتادة، عن يونس بن جبير، عن حطان بن عبد الله الرقاشي،
عن أبي موسى الأشعري، قال:
…
إن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطبنا، فبين لنا سنتنا وعلمنا صلاتنا. فقال: إذا صليتم فأقيموا صفوفكم، ثم ليؤمكم أحدكم، فإذا كبر فكبروا، وإذا قال {غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلَا الضَّالِّين} [الفاتحة: 7]، فقولوا: آمين، يجبكم الله .... الحديث
(1)
.
* * *
(1)
. صحيح مسلم (62 - 404).