الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفرع الرابع في استفتاح المأموم فيما يجهر به الإمام
المدخل إلى المسألة:
* إذا جهر الإمام بالقرآن كان على المأموم الاستماع والإنصات لقراءته، قال تعالى:{وَإِذَا قُرِاءَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُون} [الأعراف: 204]، قال الإمام أحمد: أجمع الناس أنها نزلت في الصلاة.
* الاستماع لقراءة الإمام والإنصات له فرض والاستفتاح مستحب، فلا يترك الواجب لتحصيل المستحب.
* شرعت الصلاة لإقامة ذكر الله، فإذا كان المأموم لا يسمع قراءة الإمام لطرش، أو لبعد، أو لغيرهما شرع له الاستفتاح فيما يجهر به إمامه.
[م-516] اختلف العلماء في استفتاح المأموم في الصلاة الجهرية إذا شرع الإمام بالقراءة:
فقيل: يستفتح مطلقًا، وهو مذهب الشافعية، والمشهور من مذهب الحنابلة، قال الشافعية: ما لم يَخْشَ فوت الفاتحة
(1)
.
(1)
. قال النووي في المجموع (5/ 16): «وأما المأموم إذا أدرك الإمام بعد فراغه منه وشروعه في القراءة أتى به إن لم يَخْشَ فوت الفاتحة قبل ركوع الإمام نص عليه الشافعي في الأم واتفقوا عليه» .
وقال أيضًا في المجموع (4/ 213): «قال أصحابنا: إذا حضر مسبوق، فوجد الإمام في القراءة، وخاف ركوعه قبل فراغه من الفاتحة فينبغي أن لا يقول دعاء الافتتاح والتعوذ، بل يبادر إلى الفاتحة» .
فقوله: (وجد الإمام في القراءة) دليل على أن ذلك في الصلاة الجهرية، ومفهوم كلامه أنه إذا لم يخش فوت الفاتحة أنه يأتي بدعاء الاستفتاح قبل أن ينصت لقراءة إمامه. =
* وجه القول بالاستفتاح والإمام يقرأ:
وجه ذلك عند الشافعية أن مذهبهم قائم على أن قراءة الإمام ليست قراءة للمأموم، وكذلك سائر أذكار الصلاة، فكل واحد منهما له صلاته المستقلة، فكان على المأموم أن يقرأ الفاتحة حتى في الصلاة الجهرية، وكذلك القول في سائر الأذكار لا يتحملها الإمام عن المأموم، فكان له أن يأتي بكل ذكر مشروع في صلاته ما لم يخش فوات الفاتحة؛ لأن الفاتحة قراءتها واجبة على المأموم، فلا ينشغل عنها بذكر مستحب.
وأما وجه القول بالاستفتاح عند الحنابلة، والإمام يقرأ:
بأن سماع المأموم لقراءة الإمام يقوم مقام قراءته، بخلاف الاستفتاح والاستعاذة، فإن الإمام لا يجهر بهما، فلا ينوب استفتاح الإمام وتعوذه عن المأموم، فكان
= وانظر: المجموع (3/ 318، 319)، المهذب للشيرازي (1/ 179)، البيان للعمراني (2/ 376)، أسنى المطالب (1/ 149)، نهاية المحتاج (1/ 472)، مغني المحتاج (1/ 352).
وفي حاشية الشرواني على تحفة المحتاج (2/ 29): «لا يفوت دعاء الافتتاح على المأموم بشروع إمامه في الفاتحة» .
وأما في مذهب الحنابلة، فقال في شرح منتهى الإرادات:(1/ 263، 264): «وسن لمأموم أن يستفتح وأن يتعوذ في صلاة جهرية كالصبح؛ لأن مقصود الاستفتاح والتعوذ لا يحصل باستماع قراءة الإمام؛ لعدم جهره بهما، بخلاف القراءة» .
فجعلوا سماع قراءة الإمام قائمًا مقام قراءة المأموم، ولا يغني المأموم استفتاح الإمام وتعوذه مع عدم الجهر بهما، فكان عليه أن يستفتح في الجهرية، وإطلاقه ذلك يشمل ما إذا كان يسمع قراءة الإمام أو كان لا يسمعه. وهذا فيما اختلف فيه الإقناع مع المنتهى، انظر: نص الإقناع في القول الثالث فسوف أنقله إن شاء الله تعالى.
وقال المرداوي في تصحيح الفروع (2/ 194): «قوله: «هل يستحب له الاستفتاح والتعوذ في صلاة الجهر كالسر، أم يكرهان، أو إن سمعه كرها، أم يكره التعوذ؟ فيه روايات انتهى.
إحداهن: يستحب الاستفتاح، والاستعاذة مطلقًا، جزم به في الرعايتين في صلاة الجماعة، والحاويين
…
» إلى آخره.
وقال في الهداية (ص: 95): «وهل يستحب أن يستفتح المأموم ويستعيذ فيما يجهر فيه الإمام، أو يكره؟ على روايتين» .
وانظر الإنصاف (2/ 232، 233)، الفروع (2/ 194)، منتهى الإرادات (ص: 287)، المحرر (1/ 60)، نيل المآرب شرح دليل الطالب (1/ 173).
مشروعًا في حقه أن يأتي بهما، ولو كان الإمام يجهر في القراءة.
وقيل: لا يستفتح المأموم مطلقًا، سواء أكان ذلك في جهر الإمام أم في حال سكوته، وهو رواية عند الحنابلة، اختارها ابن تيمية كما في الإنصاف، وبه قال ابن حزم، وهذان قولان متقابلان
(1)
.
* وجه هذا القول:
أن الاستفتاح والتعوذ تابعان للقراءة، فإذا كره المتبوع كره التابع
(2)
.
كالثناء الذي يسبق الدعاء فإذا منع الدعاء منعت توابعه.
ويمكن أن يستدل له بأنه إذا كان الإمام يتحمل القراءة عن المأموم مطلقًا في السرية والجهرية كما هو المشهور من المذهب، فإنه لا يمنع أن يتحمل عنه من باب أولى دعاء الاستفتاح، وحتى لا يخلط على الإمام أو على من بجانبه بسبب همهمته.
* ويناقش:
بأن الاستفتاح أهو مشروع من أجل القراءة، أم هو مشروع من أجل افتتاح الصلاة؟ الظاهر الثاني؛ لأن قراءة كتاب الله لا يشرع لها إلا التعوذ في أولها، والبسملة إن كانت القراءة في أول السورة، وأما الاستفتاح فهو خاص بالصلاة، وإذا لم تكن من توابع القراءة لم يتحملها الإمام عن المأموم،، وتحمل الإمام عن المأموم على القول به ليس هو في كل شيء في الصلاة، وإنما هو في القراءة فيما يجهر به الإمام على الصحيح، وقيل: في قراءة ما زاد على الفاتحة، وفي التشهد الأول إذا تركه الإمام سهوًا، وفي سهو المأموم في صلاته إذا لم يفته شيء من الصلاة، وفي المسبوق إذا دخل مع الإمام وقد فاتته ركعة فإنه سيجلس مع الإمام في غير موضع جلوسه، ويدع الجلوس متابعة للإمام في موضع جلوسه،
(1)
. قال المرداوي في تصحيح الفروع (2/ 194): والرواية الثانية: يكرهان مطلقًا -يعني الاستفتاح والتعوذ- صححه في التصحيح، واختاره الشيخ تقي الدين، وأطلقهما في الهداية والمستوعب، والخلاصة، والمقنع، وغيرهم .... ». وانظر: الإنصاف (2/ 232).
وانظر قول ابن حزم في المسألة السابقة، فقد ناقشته، ولله الحمد.
(2)
. انظر: الممتع في شرح المقنع (1/ 461)، المبدع شرح المقنع (2/ 61).
وسيتحمل ذلك عنه الإمام، وفي السترة للصلاة، فلا يوجد نص يدل على تحمل الإمام عن المأموم دعاء الاستفتاح، والأصل أن إنصات المأموم إنما هو لاستماع القرآن، ولا قراءة في سكوت الإمام، ولا في الصلاة السرية.
وقيل: يستفتح في سكتات الإمام، وإذا لم يسمع قراءته، وهو مذهب الحنفية، ورواية عند أحمد، اختارها صاحب الإقناع خلافًا لما في المنتهى، وصححه ابن قدامة في المغني
(1)
.
(2)
.
* وجه القول بأنه لا يستفتح إلا في سكتات الإمام:
أن الإمام إذا جهر بالقرآن كان على المأموم الاستماع والإنصات لقراءته، قال تعالى:{وَإِذَا قُرِاءَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُون} [الأعراف: 204].
قال ابن تيمية في الفتاوى الكبرى: «قال الإمام أحمد في قوله تعالى: {وَإِذَا قُرِاءَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُون} [الأعراف: 204]، قال: أجمع الناس أنها نزلت في الصلاة.
وقد قيل: في الخطبة، والصحيح أنها نزلت في ذلك كله»
(3)
.
(1)
. الجوهرة النيرة على مختصر القدوري (1/ 51)، البحر الرائق (1/ 327)، النهر الفائق (1/ 208).
وقال في الإقناع (1/ 162): «ويستحب أن يستفتح ويستعيذ فيما يجهر فيه الإمام إذا لم يسمعه» . وانظر: النكت والفوائد على مشكل المحرر (1/ 60)، المغني (1/ 405)، المبدع (2/ 61).
(2)
. المغني (1/ 405).
(3)
. الفتاوى الكبرى (5/ 355)، المستدرك على مجموع الفتاوى (3/ 128)، وقد خرجت الآثار في نزول الآية، انظر المجلد السابع (ص: 229) عند الكلام على تحية المسجد، والإمام يخطب.
* الراجح:
أن المسبوق إذا دخل مع الإمام، وقد جهر الإمام بالقراءة فعليه أن يستمع لقراءة إمامه، والاستماع والإنصات واجب عليه، ولا ينشغل عن ذلك بدعاء الافتتاح، وهو نافلة، والله أعلم.
* * *