الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الرابع عشر فيما نزل من القرآن فى نوع آخر من المتخلفين فى الغزوة
قال اللَّه تعالى: {وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللَّهِ إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} التوبة: 106.
قال أبو جعفر: مفسرا لهذه الآية:
قال اللَّه تعالى ذكره: ومن هؤلاء المتخلفين منكم حين شخصتم لعدوكم أيها المؤمنون، آخرون، ورفع قوله آخرون عطفا على قوله: وآخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا، وآخرون مرجون: يعنى مرجئون لامر اللَّه تعالى: وقضائه، يقال منه: ارجأته، ارجئه ارجاء، وهو مرجأ بالهمز، وترك الهمز وهما لغتان معناهما واحد، وقد قرأت القراء بهما جميعا. وقيل: عنى بهذه الآية هؤلاء الاخرين من نفر ممن تخلف عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فى غزوة تبوك، فندموا على ما فعلوا، ولم يعتذروا الى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم عند مقدمه، ولم يوثقوا أنفسهم بالسوارى، فأرجأ اللَّه أمرهم الى أن صحت توبتهم، فتاب عليهم، وعفا عنهم (1).
(1) تفسير ابن جرير الطبرى (21/ 11).=
قال أبو جعفر:
حدثنى المثنى، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثنى معاوية، عن علي،
= قال ابن الجوزى فى زاد المسير (497 - 498/ 3) نزلت الآية فى كعب بن مالك، ومرارة بن الربيع، وهلال بن أمية، وكانوا فيمن تخلف عن تبوك من غير عذر، ثم لم يبالغوا فى الاعتذار كما فعل أبو لبابة وأصحابه ولم يوثقوا أنفهم بالسوارى: فوقف رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أمرهم ونهى الناس عن كلامهم ومخالطتهم حتى نزل قوله تعالى: {وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا} . . . وهكذا قال القرطبى فى تفسيره (252/ 8).
قال ابن كثير. فى تفسيره (237/ 4) مع البغوى: قال ابن عباس، ومجاهد، وعكرمة والضحاك وغير واحد، هم الذين خلفوا عن التوبة وهم ثلاثة ثم ذكر أسماءهم. وهكذا قال صاحب البحر المحيط (97 - 98/ 5).
وقال السيد صديق حسن فى فتح البيان (194 - 195/ 4): ذكر اللَّه جل وعلا ثلاثة أقسام فى المتخلفين:
1) المنافقون الذين مردوا على النفاق.
2) التائبون المعترفون بذنوبهم.
3) الذين بقى أمرهم مرقوفا فى تلك الحال: هم المرجئون لامر اللَّه من أرجيته وأرجأته إذا أخرته. وهما لغتان وقراءتان.
وقال السيد قطب فى ظلال القرآن (17/ 11): وهؤلاء هم القسم الاخير من المتخلفين عن غزوة تبوك -غير المنافقين المعتذرين والمخطئين المعترفين. وهذا القسم الاخير لم يكن حتى نزول هذه الآية قد بت فى أمرهم بشئ. وكان أمرهم موكولا الى اللَّه كما سيأتي.
انظر غريب القرآن لابن قتيبة ص 192.
عن ابن عباس، قال: وكان ثلاثة منهم يعنى من المتخلفين عن غزوة تبوك، لم يوثقوا أنفسهم بالسوارى، أرجئوا برهة، لا يدرون أيعذبون أو يتاب عليهم، فأنزل اللَّه {لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ}. . الى قوله:{إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} (1).
(1) تفسير ابن جرير الطبرى (21/ 11).
قلت: إن هذا الاثر ضعيف مع انقطاعه. وقد مر بكم تفصيله مرارا. وقد رجعت الآن عن تضعيفه كما مر آنفا.
وقال الامام ابن كثير فى تفسيره (237/ 4) مع البغوى: قال ابن عباس: هم الذين خلفوا عن النوبة وارجئوا وهم مرارة بن الربيع، كعب بن مالك، وهلال بن أمية، قعدوا عن غزوة تبوك، فى جملة من قعد كسلا، وميلا الى الدعة، والحفظ وطيب الثمار، والظلال، لا شكا ونفاقا، فكانت منهم طائفة ربطوا أنفسهم بالسوارى، كما فعل أبو لبابة، وأصحابه، وطائفة لم يفعلوا ذلك وهم الثلاثة المذكورون الخ. . انظر زاد المسير لابن الجوزى (497/ 3). وفتح البيان لصديق خان (194 - 195/ 4) والبحر المحيط لابن حيان (97/ 5) والقرطبى (252/ 8). الدر المنثور للسيوطى (276/ 3). وكتاب التسهيل للكلبى (84/ 2) والاحكام الكبرى لعبد الحق الاشبيلى ص 213. وقال الالوسى فى روح المعافى (16 - 17/ 11): وقرأ أهل المدينة. والكوفة غير أبى بكر (مرجون) بغير همز. والباقون (مرجئون) بالهمز وهم لغتان يقال: ارجئه وأرجيته باعطيته ومن هذه المادة (المرجئة) احدى فرق أهل القبلة وقد جاء فيه الهمز وتركه وسموا بذلك لتأخيرهم المعصية عن الاعتبار فى استحقاق العذاب. حيث قالوا: لا عذاب مع الايمان فلم يبق للمعصية عندهم أثر سموا المرجئة لانهم يرجون العمل عن النية، أى يؤخرونه فى الرتبة عنها وعن الاعتقاد الخ. . .
قلت: هذا الاثر صحيح على طريق المحدثين ولم ار لاحد من المفسرين أورده بغير هذا الاسناد. واللَّه تعالى أعلم.
قال أبو جعفر:
حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا سويد بن عمرو (1)، عن حماد ابن زيد، عن أيوب، عن عكرمة {وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللَّهِ} قال: هم الثلاثة الذين خلفوا (2).
قال أبو جعفر:
حدثنى محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبى نجيح، عن مجاهد، فى قوله:{وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللَّهِ} قال هلال بن أمية، ومرارة الربيع، كعب بن مالك من الأوس والخزرج (3).
(1) سويد بن عمرو وهو، سويد بن عمرو الكلبى، أبو الوليد الكوفى العابد، من كبار العاشرة، مات سنة أربع: ثلاثين ومأتين، أفحش ابن حبان القول فيه، ولم يأت بدليل / م - ت - س - ق انظر التقريب (341/ 1).
(2)
تفسير ابن جرير الطبرى (21/ 11).
قلت: إن هذا الاثر ضعيف مع أنه مقطوع من كلام عكرمة بن عبد اللَّه، مولى ابن عباس، أصله بربرى، ثقة، ثبت، عالم بالتفسير، لم يثبت تكذيبه عن ابن عمر، ولا تثبت عنه بدعة، من الثالثة مات سنة 107 وقيل بعد ذلك /ع انظر التقريب (30/ 2).
قال السيوطى فى الدر المنثور (376/ 3): أخرج ابن المنذر عن عكرمة ثم ذكر المتن ولم ينسب اخراجه الى ابن جرير الطبرى.
وأورد الاثر الشوكانى فى فتح القدير (383/ 2):
(3)
تفسير ابن جرير الطبرى (22/ 11).=
قال أبو جعفر:
حدثنى المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة (1)، قال: ثنا شبل (2)، عن ابن أبى نجيح، عن مجاهد، {وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللَّهِ} هلال بن أمية، ومرارة بن الربيع، كعب بن مالك من الأوس والخزرج (3).
= قلت: هذا الاثر صحيح الاسناد من كلام مجاهد وهو مقطوع.
وقد أورده السيوطى فى الدر المنثور (376/ 3): ونسب اخراجه الى ابن المنذر، وابن أبى حاتم، وأبى الشيخ. وكذا الشوكانى فى فتح القدير (383/ 2)، والامام ابن كثير فى تفسيره (387/ 2) والقرطبى فى تفسيره (252/ 8). انظر الاصابة للحافظ ابن حجر فى ترجمة كعب بن مالك (285 - 286/ 3).
وفى ترجمة مرارة بن الربيع (386/ 3) ذكر الحافظ بعض تلك الروايات التى تتعلق بتخلفهم عن غزوة تبوك ثم قصة توبتهم ونزول القرآن فيهم.
انظر الرازى فى تفسيره فذكر الرواية (191/ 16) ولم ينسبها لاحد. والكشاف للزمخشرى (567/ 1) وأسباب النزول للسيوطى ص 124.
قلت: وإن كان هذا الاثر مقطوعا الا أن له شاهدا قويا أخرجه ابن جرير الطبرى من طرق كثيرة (22/ 11). وهى تنتهى الى قتادة وبعضها الى الضحاك وغيرهم من التابعين.
(1)
أبو حذيفة هو موسى بن مسعود النهدى بفتح النون، أبو حذيفة البصرى، صدوق سيء الحفظ، وكان يصحف، من صغار التاسعة/ خ - د ت ق انظر التقريب (288/ 2).
(2)
أما شبل فهو شبل بن عباد المكى القارى، ثقة، رمي بالقدر، من الخامسة، قيل: مات سنة 148.
(3)
تفسير ابن جرير الطبرى (22/ 11).=
قال ابن جرير الطبرى:
حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول: فى قوله {وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللَّهِ} هم الثلاثة الذين أخروا عن التوبة، يريد غير أبى لبابة وأصحابه، ولم ينزل اللَّه عذرهم، فضاقت عليهم الأرض بما رحبت، وكان أصحاب رسول اللَّه
= قلت: هذا الاثر صحيح الاسناد الى مجاهد، ان كان المثنى هو محمد بن المثنى الذى هو أبو موسى العنزى ثقة ثبت من شيوخ البخارى. وان كان هو المثنى بن ابراهيم الاملى حسب قول الشيخ أحمد شاكر فلا علم لى به. ولم أجد له ترجمة فى المراجع التى بين يدى.
قال الشيخ محمود شاكر فى تحقيقه على تفسير ابن جرير الطبرى (466/ 14): الاثر 17177 مرارة بن ربعى. هكذا جاء فى المخطوطة فى هذا الخبر وفى الذى يليه، وصححه فى المطبوعة مرارة الربيع. ثم جاء فى رقم (17183) فى المخطوطة مرارة بن ريعة وكلاهما غير مشهور المعروف فى كتب تراجم الصحابة، والكتب الصحاح فهو فيها جميعا، مرارة الربيع الانصارى من بنى عمرو بن عوف الخ.
قلت: ما ذكره الشيخ وجيه لأن البخارى ومسلم وغيرهما صرحا بأن هذا هو مرارة بن الربيع الذى تخلف عن غزوة تبوك وقال الحافظ فى الاصابة (377/ 3) مرارة بن الربيع الانصارى الاوسى من بنى عمرو ابن عوف. ويقال أن أصله من قضاعة حالف بنى عمرو بن عوف صحابى مشهور وهو احد الثلاثة الذين تيب عليهم، اخرجاه فى الصحيحين من حديث كعب بن مالك فى قصة توبته وفيه (هل لقى أحد مثل ما لقيت؟، قالوا: هلال بن أمية ومرارة بن الربيع. . الخ
انظر تجريد اسماء الصحابة للذهبى (66 - 67/ 2) فإنه أكد بأنه مرارة بن الربيع.
وقال الذهبى: وقيل: اسمه ابن ربيعة وهذا ضعيف.
-صلى الله عليه وسلم فيهم فرقتين: فرقة تقول: هلكوا حين لم ينزل اللَّه فيهم ما أنزل فى أبى لبابة وأصحابه، وتقول فرقة أخرى: عسى اللَّه أن يعفو عنهم، وكانوا مرجئين لامر اللَّه، ثم أنزل اللَّه رحمته ومغفرته، فقال:{لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ} .. الآية وأنزل {وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا} . . . الآية (1).
(1) تفسير ابن جرير الطبرى (22/ 11).
قلت: لا حاجة الى تخريج هذا الاثر لأن اسناده ضعيف جدا وواه. وقد تكلمت على هذا الاسناد بالتفصيل فيما مضى من الاسانيد. لأن أبا جعفر الطبرى رحمه اللَّه تعالى يقول: فى هذا الاثر حدثت بصيغة المجهول فمعناه أنه لم يرو عنه مباشرة، بل بواسطة اخرى وهذه الواسطة مجهولة: لا نعلم عن حالها، ثم الحسين هذا هو الحسين بن الفرج الخياط البغدادى كذبه يحيى بن معين وقال: وكان يسرق الحديث فى الصغر. قاله الخطيب فى تاريخه واما المتن فقد روى من عدة طرق مرسلة صحيحة فتكون تقوى بعضها بعضا وتقوم بها الحجة واللَّه تعالى أعلم.
وقد أخرج الطبرى هنا (22/ 11) فى تفسيره رواية مقطوعة من كلام قتادة باسناد صحيح وهي تنص على هذا المعنى الذى اشار اليه اثر الضحاك بن مزاحم.
* * *