الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الثامن والاربعون فى معجزاته صلى الله عليه وسلم فى زيادة طعام فى غزوة تبوك
قال الواقدى: وقال رجل من بنى سعد بن هزيم، جئت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وهو جالس بتبوك، فى نفر من أصحابه، وهو سابعهم، فوقفت فسلمت، فقال: اجلس، فقلت: يا رسول اللَّه، أشهد أن لا اله إلا اللَّه، وإنك رسول اللَّه، قال: أفلح وجهك، ثم قال: يا بلال: أطعمنا، قال: فبسط بلال نطعا، ثم جعل يخرج ما حميت له، فأخرج خرجات بيده من تمر معجون بالسمن، والاقط، ثم قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: كلوا فأكلنا، حتى شبعنا فقلت: يا رسول اللَّه إن كنت لأكل هذا وحدى، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: الكافر يأكل فى سبعة أمعاء، والمؤمن يأكل فى معى واحد، قال: ثم جئته من الغد، متحينا لغدائه لأزداد فى الاسلام يقينا، فإذا عشرة نفر حوله، قال: فقال: هات يا بلال قال: فجعل يخرج من جراب تمرا بكفه قبضة، قبضة فقال أخرج، ولا تخف من ذى العرش إقتارا، فجاء بالجراب، فنثره قال: فحرزته مدين، قال: فوضع النبي صلى الله عليه وسلم يده على التمرة، ثم قال: كلوا باسم اللَّه، فأكل القوم، أكلت معهم، وكنت صاحب تمر، قال: فأكلت حتى ما أجد له مسلكا قال: وبقى على النطع مثل الذى جاء به بلال، كأنا لم نأكل منه تمرة واحدة، قال: ثم عدت من الغد، قال: وعاد نفر، حتى باتوا، وكانوا عشرة، أو يزيدون رجلا، أو رجلين فقال: يا بلال أطعمنا، فجاء بذلك الجراب بعينه، اعرفه، فنثره، ووضع
رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يده عليه، فقال كلوا باسم اللَّه، فأكلنا، حتى نهلنا، ثم رفع مثل الذى صب، ففعل مثل ذلك ثلاثة أيام (1).
(1) مغازى الواقدى (1017 - 1018/ 3).
انظر ترجمة الواقدى فى التاج المكلل ص 123.
قلت: هكذا أورده الواقدى بدون اسناد، والمتن لا غرابة فيه، وقد سبق قبل هذا المتن، متن مماثل عن ابن أبى سبرة أخرجه الواقدى فى مغازيه كنت قلت هناك أن حديثا صحيحا أخرجه البخارى عن جابر رضي اللَّه تعالى عنه (90/ 5) فى كتاب المغازى. وأما ما جاء فى هذا الحديث بعض الفاظ نبوية فهي: الكافر يأكل فى سبعة أمعاء، والمؤمن يأكل فى معي واحد فهو حديث صحيح أخرجه البخارى فى كتاب الأطعمة (62/ 7) إذ قال رحمه الله باب المؤمن يأكل فى معي واحد، ثم قال: حدثنا محمد بن بشار، حدثنا عبد الصمد، حدثنا شعبة، عن واقد بن محمد، عن نافع قال: كان ابن عمر، لا يأكل، حتى يؤتى بمسكين يأكل معه، فأدخلت رجلا يأكل معه، فأكل كثيرا، فقال يا نافع: لا تدخل هذا عليّ، سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: المؤمن يأكل فى معي واحد، والكافر يأكل فى سبعة أمعاء. أخرجه مسلم فى كتاب الأطعمة أيضا (2/ 1084) وسنن الدارمي (2/ 99) والإمام أحمد فى مسنده (21، 43، 45، 275، 318، 375، 415، 435، 437، 455/ 2) و (333، 346، 357، 392/ 3)، (336/ 4)، (370، 335، 397/ 5).
وقال السيوطى فى الخصائص الكبرى (104/ 2) أخرج أبو نعيم عن الواقدى ثم ذكر القصة بتمامها، وقال المعلق على الخصائص للعلامة الدكتور محمد خليل هراس: معلقا على هذه الرواية: هي حكايات، وأقاصيص، عن المجهولين معجزة تكثير الطعام فى غزوة تبوك ثابتة فى الصحيح، ولا نحتاح الى الحكايات الوهمة التى يولع بها هؤلاء القصاص الكذابون انتهى.
قلت: ليس هذا الذى أخرجه الواقدى غريبا، بالنسبة لبقية معجزاته صلى الله عليه وسلم وخصائصه وقد صح عندنا ما هو أعظم مما ذكره الواقدى واللَّه تعالى أعلم بالصواب. انظر غريب الحديث لأبى عبيد (22/ 3) وزاد المسلم فيما اتفق عليه البخارى ومسلم رحمهما اللَّه تعالى (374 - 376/ 3).
قال محمد بن عمر الواقدى: حدثنى ابن أيى سبرة، عن موسى ابن سعد، عن عرباض بن سارية قال: كنت مع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بتبوك، فقال ليلة لبلال هل من عشاء؟ فقال: والذى بعثك بالحق، لقد نفضنا جربنا، قال: انظر، عسى أن تجد شيئا، فأخذ الجراب ينفضها جرابا جرابا، فتقع التمرة والتمرتان، حتى رأيت فى يده سبع تمرات، ثم دعا بصفحة، فوضع التمر فيها، ثم وضع يده فيها على التمرات، وقال: كلوا باسم اللَّه، فأكلنا ثلاثة أنفس، فأحصيت أربعا وخمسين تمرة، أعدها عدا، ونواها فى يدى الأخرى، وصاحباى يصنعان، كذلك فشبعنا، ورفعنا أيدينا، فإذا التمرات السبع كما هى، فقال يا بلال: ارفعها، فإنه لا يأكل منها أحد إلا نهل منها شبعا، فلما كان من الغد، دعا بلالا بالتمرات، فوضع يده عليهن، ثم قال: كلوا باسم اللَّه، فأكلنا، حتى شبعنا، أنا والعشرة ثم رفعنا أيدينا، وإذا التمرات كما هى، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: لولا انى استحى من ربى لاكلنا من هذه التمرات حتى نرد المدينة عن آخرنا، وأعطاهن غلاما، فولى، وهو يلوكهن (1).
(1) مغازى الواقدى (1036 - 1038/ 3).
قلت: هذا الحديث منكر بهذا الاسناد: قال الحافظ فى التقريب (397/ 2) فى ترجمة ابن أبى سبرة: أبو بكر بى عبد الرحمن بى محمد بن أبى سبرة، بفتح المهلة، وسكون الموحدة، ابن أبى رهم، ابن عبد العزى القرشى، العامرى المدنى، قيل: اسمه عبد اللَّه، وقيل: محمد، وقد ينسب الى جده، رموه بالوضع، قال مصعب الزبيرى: كان عالما من السابعة، مات 162 / ق وقال المعلق فى الهامش بدلا "من عالم" كان غاليا، أى من الشيعة الغلاة، انظر الميزان =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= للذهبى (503 - 504/ 4) وجاء فيه: روى عبد اللَّه، وصالح أبناء أحمد عن أبيهما قال: كان يضع الحديث.
قلت: أخرج الحديث أبو نعيم فى دلائل النبوة بهذا الاسناد (454 - 455). وأورده السيوطى فى الخصائص الكبرى (103/ 2) وقال المحقق الدكتور العلامة محمد خيل هراس. مشيرا الى هذا الحديث: حديث موضوع لأن العرباض بن سارية لم يشهد تبوك بل كان أحد السبعة الذى قال اللَّه فيهم: {وَلَا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ} الآية، قلت: ترجم له الحافظ ابن حجر فى الإصابة (466/ 2) ولم يذكر شيئا يتعلق بهذا الرواية.
قلت: إن هذه الرواية موضوعة بهذا الاسناد، وأما المعنى فقد ثبت فى غزوة أخرى وهى غزوة الاحزاب، فقد أخرج البخارى فى كتاب المغازى (90/ 5) عن جابر رضي اللَّه تعالى عنه قال: إنا يوم الخندق نحفر، فعرضت كدية شديدة، فجاؤا الى النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: هذه كدية عرضت فى الخندق، فقال: أنا نازل، ثم قام، وبطنه معصوب بحجر، ولبثنا ثلاثة أيام لا نذوق ذواقا، فأخذ النبي صلى الله عليه وسلم المعول، فضرب، فعاد كثيبا أهيل، أو أهيم، فقلت يا سول اللَّه إئذن لى الى البيت، فقلت لأمرتى: رأيت بالنبى صلى الله عليه وسلم شيئا ما كان فى ذلك صبر، فعندك شئ؟ قالت عندى شعير، وعناق، فذبحت العناق، وطحنت الشعير، حتى جعلنا اللحم فى البرمة، ثم جئت النبي صلى الله عليه وسلم، والعجين قد انكسر، والبرمة بين الاثافى قد كادت أن تنضج، فقلت: طعيم لى فقم أنت يا رسول اللَّه، ورجل أو رجلان، قال كم هو؟ فذكرت له، قال: كثير طيب، قال قل لها: لا تنزعى البرمة، ولا الخبز من التنور، حتى آتى، فقال: قوموا، فقام المهاجرون والأنصار، فلما دخل على امرأته قال: ويحك، جاء النبي صلى الله عليه وسلم بالمهاجرين والأنصار، ومن معهم، قالت: هل سألك؟ =
قال السيوطى:
أخرج أبو نعيم من طريق أَبى خالد الخزاعى يزيد بن يحيى، عن محمد بن حمزة ابن عمرو الاسلمى عن أبيه، عن جده، قال خرج رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم الى غزوة تبوك، كنت على النحى، فى ذلك السفر، فنظرت الى نحى السمن، قد قل ما فيه، وهيأت للنبي صلى الله عليه وسلم طعاما، فوضعت النحى (1) فى الشمس، ونمت، فانتبهت بخرير النحى، فقمت، وأخذت رأسه بيدى، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: ورآني، لو تركته لسال الوادى سمنا (2).
= قلت نعم، فقال: ادخلوا ولا تضاغطوا، فجعل يكسر الخبز، ويجعل عليه اللحم، يخمر البرمة، والتنور إذا أخذ منه، ويقرب الى أصحابه، ثم ينزع، فلم يزل يكسر الخبز، ويغرف، حتى شبعوا وبقى بقية، قال كلى هذا، واهدى، فان الناس، اصابتهم مجاعة.
قلت: أخرج البخارى حديثا آخر بهذا المعنى وذكر فى أن أهل خندق كانوا ألف رجل، (91/ 2) ثم قال جابر: فاقسم باللَّه، لقد أكلوا حتى تركوه وانصرفوا، وان برمتنا لتغط، كما هى، وإن عجيننا ليخبز كما هو.
قلت: فهذا الذى أخرجه الواقدى فى مغازيه لو كان بسنده صحيحا لم تكن فيه غرابة أصلا، بل الغرابة كلها عن الواقدى وعمن روى هذه الحكاية عنه لانهم متروكون ومتهمون بالكذب ولذا رد علماء الحديث حديثهم واللَّه تعالى أعلم بالصواب.
(1)
النحى بكسر النون، الزق، أو كان للسمن خاصة.
(2)
الخصائص الكبرى للسيوطى (107/ 2).
قلت: لم أجد هذا النص فى دلائل النبوة لابى نعيم (453 - 461) وأما أبو خالد الخزاعى، فلم أجد له ترجمة تطمئن إليها النفوس، إلا ما ذكر الذهبى فى الميزان (441/ 4): يزيد بن يحيى =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= ابن الصباح، لا يعرف، وقال أبو حاتم: ليس بالقوى، فإذا كان هو هذا فالحديث ضعيف بهذا الاسناد وإلا فالعلم عند اللَّه، وقال ابن أبى حاتم فى الجرح والتعديل 297/ 2/ 4 ويزيد بن يزيد الخزاعى الكوفى، روى عن سليمان بن رزين الاسلمى وأبى بكر محمد بن حمزة بن عمرو الاسلمى، روى عنه موسى بن إسحاق الانصارى الخطمى.
قلت: قد يكون وقع التحريف فى هذا الاسم عن بعض النساخ فهو يزيد بن يزيد الخزاعى، لأن العلامة التى ذكرها ابن أبى حاتم على معرفة الرجل، تنطبق على يزيد بن يزيد الخزاعى، وعلى كل حال، ليس الأمر واضحا أمامى ولذا أتوقف عن تصحيح هذا الاسناد أو تضعيفه، ولم أجد هذا النص فى كتب الحديث أو كتب السير التى بين يدى، والنص ليس غريبا، لأن معناه قد ثبت باسانيد جياد كما مر بكم واللَّه أعلم.
* * *