الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الخامس عشر فيما نزل من القرآن فى معاتبة المتخلفين فى الغزوة
قال أبو جعفر:
يقول تعالى ذكره: لم يكن لأهل المدينة، مدينة رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ومن حولهم من الاعراب سكان البوادى، الذين تخلفوا عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فى غزوة تبوك، وهم من أهل الايمان به أن يتخلفوا فى أهاليهم ولا دارهم ولا يرغبوا بأنفسهم عن نفسه، فى صحبته فى سفره، والجهاد معه، ومعاونته على ما يعانيه فى غزوه ذلك. يقول: إنه لم يكن لهم هذا، وبسبب أنهم لا يصيبهم فى سفرهم إذا كانوا معه ظمأ وهو العطش والنصب، ويقول: ولا تعب {وَلَا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} يعنى:
ولا مجاعة فى إقامة دين اللَّه ونصرته، وهدم منار الكفر، {وَلَا يَطَئُونَ مَوْطِئًا} يعنى أرضا، يقول: ولا يطئون أرضا يغيظ الكفار وطوءهم إياهم {وَلَا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلًا} يقول: ولا يصيبون من عدو اللَّه وعدوهم شيئا فى أموالهم وأنفسهم وأولادهم إلا كتب اللَّه لهم بذلك كله ثواب عمل صالح قد ارتضاه {إِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ} يقول: إن اللَّه لا يدع محسنًا من خلقه أحسن فى عمله، فأطاعه فيما أمره، وانتهى عما نهاه عنه ان يجازيه على احسانه، ويثيبه على صالح عمله، فذلك كتب لمن فعل ذلك من أهل المدينة، ومن حولهم من الاعراب ما ذكر فى هذه الآية: الثواب على كل ما فعل فلم يضيع له أجر فعله ذلك (1).
(1) تفسير ابن جرير الطبرى (64/ 11).
قال ابن الجوزى فى زاد المسير (515 - 516/ 3): قال ابن عباس: المراد بهذه الآية مزينة، وجهينة، وأشجع، وأسلم، وغفار {أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ} فى غزوة غزاها. وقال السيد صديق حسن خان فى فتح البيان (215/ 4): زبادة تأكيد لوجوب الغزو مع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم. انظر البحر المحيط (111 - 112/ 5) والكشاف (571 - 572/ 1) والرازى (223 - 224/ 16) وروح المعانى (46 - 48/ 11) والقرطبى (290 - 293/ 8) وكناب التسهيل (87/ 2) والدر المنثور (292/ 3). وابن كثير مع البغوى (266 - 267/ 4). انظر ما قاله السيوطى فى الاكليل تحت هذه الآية ص 123. إذ يقول: استدل بها أبو حنيفة على جواز الزنا بنساء أهل الحرب فى دار الحرب. قلت: هذا لا يثبت عن الامام أبى حنيفة رحمه اللَّه تعالى باسناد صحيح عنه واللَّه أعلم. انظر الاعتصام للشاطبى 226/ 2.
قال أبو جعفر:
وقد اختلف أهل التأويل فى حكم هذه الآية، فقال بعضهم: هى محكمة، وانما كان ذلك لرسول اللَّه صلى الله عليه وسلم خاصة، لم يكن لاحد أن يتخلف إذا غزا خلافه، فيقعد عنه، إلا من كان ذا عذر، فأما غيره من الأئمة والولاة، فان لمن شاء من المؤمنين إن يتخلف خلافه تخلف إذا لم يكن بالمسلمين اليه ضرورة (1).
(1) تفسير ابن جرير الطبرى (64/ 11).
قلت: قال ابن الجوزى فى تفسيره (515 - 516/ 3): قال شيخنا على بن عبيد اللَّه:
اختلف المفسرون فى هذه الآية، فقالت طائفة: كان فى أول الامر لا يجوز التخلف عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم حين كان الجهاد يلزم الكل، ثم نسخ ذلك بقوله:{وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً} التوبة: 122 وقالت طائفة: فرض اللَّه تعالى على جميع المؤمنين فى زمان النبي صلى الله عليه وسلم من لا عذر له الخروج معه، لشيئين:
أ- أنه الواجب عليهم أن يقووا أنفسهم به.
ب- أنه إذا سرج الرسول فقد خرج الدين كله، فأمروا بالتظاهر لئلا يقل العدد وهذا الحكم باق الى وقتنا، فلو خرج امير المؤمنين الى الجهاد، وجب على عامة المسلمين متابعته لما ذكرنا فعلى هذا فالآية، محكمة. قال أبو سليمان لكل آية وجهها، وليس للنسخ على احد الآيتين طريق.
قلت: لا مدخل للنسخ بين الآيتين والجمع ممكن إذ ليس هناك دليل صريح من كتاب اللَّه تعالى ولا من سنة رسوله صلى الله عليه وسلم يومى الى النسخ لا بالنص ولا بالظاهر ولا بالاشارة وأن الخروج الى الغزوة، بناء على استنفار الامام واجب محتم على كل مسلم قادر يستطيع أن يحمل السلاح،=
قال أبو جعفر، الذين ذهبوا الى نسخ الآية. . . ثم قال: ذكر من قال ذلك.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله:{ما كان لاهل المدينة ومن حولهم من الاعراب أن يتخلفوا عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ولا يرغبوا بأنفسهم عن نفسه} هذا إذا غزا نبى اللَّه صلى الله عليه وسلم بنفسه -فليس لاحد أن يتخلف، ذكر لنا أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: لولا أن أشق على أمتى ما تخلفت خلف سرية تغزو فى سبيل اللَّه، ولكنى لا أجد سعة، فانطلق بهم معى، ويشق عليّ أو أكره أن أدعهم بعدى (1).
= وقد أذن له ابواه وكل ما فى الأمر، هو أن الاستنفار، لا يكون إلا لاعلاء كلمة اللَّه تعالى ورد عدوان الظالمين على أرض مسلمة أو مهاجمة الاشرار الذين بغوا على المسلمين من الكفار وغيرهم، شرط أن يكون هناك نظام قائم مستمد من كتاب اللَّه تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم فى البلاد التى دعى إمامها الى الجهاد، وإما إذا كان هناك نظام لا يتفق مع الاسلام أصلا بل يناقضه ويحاربه فلا يجب على المسلم أن يلبي الدعوة خصوصا إذا كان الحاكم محاربا للَّه ولرسوله صلى الله عليه وسلم.
انظر فتاوى السبكى (294/ 1).
(1)
تفسير ابن جرير الطبرى (64 - 65/ 11).
قلت: اسناد هذا الاثر صحيح الى قتادة والاثر مقطوع. وقد يكون هذا استنباطا منه رحمه اللَّه تعالى. والحديث قد أخرجه البخارى فى كتاب الجهاد والنسائي. ومالك فى موطأه وفى معناه اخرج الإمام أحمد فى مسنده (231/ 3).=
قال أبو جعفر:
حدثنا علي بن سهل (1)، قال: ثنا الوليد بن مسلم (2)، قال: سمعت الأوزاعى (3)، وعبد اللَّه بن المبارك (4)، والفزارى (5)، والسبيعى،
= الآية ما كان لأهل المدينة الخ. . داعية كل مسلم يدعره إمامه الى الجهاد، ويستنفره لإعلاء كلمته يجب عليه أن يخرج الى الغزو إذا كان اليه حاجة المسلمين وإلا كان منافقا ما دام لا مانع لديه من الحضور. والآية وان كانت نزلت فى سبب خاص إلا أنها عامة فالعبرة بعموم الالفاظ، لا بخصوص الاسباب، واللَّه تعالى أعلم.
(1)
علي بن سهل، هو علي بن سهل بن قادم، الرملي، نسائي الاصل، صدوق، من كبار الحادية عشرة، مات سنة احدى وستين ومأتين/ د س انظر التقريب (38/ 2).
(2)
الوليد بن مسلم هو الولد بن مسلم القرشى مولاهم، أبو العباس الدمشقى، ثقة، لكنه كثير التدليس والتسوية، أى يدلس تدليس التسوية: وهو: أن يسقط من سنده شيخه لكونه ضعيفا أو صغيرا ويأتى بلفظ محتمل أنه سمع عن الثقة الثانى تحسينا للحديث: من الثامنة، مات آخر سنة أربع أو أول سنة خمس وتسعين: مائة /ع انظر التقريب (336/ 2).
قلت: ذكره الحافظ فى طبقات المدلسين فى الطبقة الرابعة ص 18.
(3)
الاوزاعى، هو عبد الرحمن بن عمرو بن أبى عمرو الاوزاعى، أبو عمرو الفقيه، ثقة، جليل، من السابعة، مات سنة 157/ع انظر التقريب (497/ 1).
(4)
وعبد اللَّه بن المبارك. هو عبد اللَّه بن المبارك المروزى، مولى بنى حنظلة، ثقة، ثبت، فقيه، عالم جواد مجاهد، جمعت فيه خصال الخير، من الثامنة، مات سنة 181 وله ثلاث وستون /ع انظر التقريب (1/ 445).
(5)
أما الفزارى فهو ابراهيم محمد بن الحارث بن أسماء بن خارجة بن حفص بن حذيفة الفزارى الامام=
وابن جابر (1)، وسعيد بن عبد العزيز (2) يقولون فى هذه الآية:{مَا كَانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ} . . . الى آخر الآية إنها لأول هذه الامة وآخرها، من المجاهدين فى سبيل اللَّه (3).
= أبو إسحاق الفرازى، ثقة حافظ، له تصانيف، من الثامنة مات 158/ ع انظر التقريب (41/ 1).
(1)
وابن جابر هو عبد الرحمن بن يزيد بن جابر الأزدى، أبو عتبة، الشامى الدارانى، ثفة من السابعة، مات بضع وخمسين ومائة/ ع انظر التقريب (502/ 1).
(2)
اما سعيد بن عبد العزيز فهو التنوخى بفتح التاء وضم النون المخففة: ينسب الى عدة قبائل اجتمعوا قديما بالبحرين الدمشقى، ثقة، امام سواه أحمد بالاوزاعى، وقدمه على أبى مسهر ولكنه اختلط فى آخر عمره من السابعة، مات سنة 167، وقيل: بعدها بعدها / بخ م - انظر التقريب (301/ 1).
(3)
تفسير ابن جرير الطبرى (65/ 11) انظر تفسير القرطبى (292 - 293/ 8) قلت: ليس هذا الاثر فى محل الاحتجاج حسب أصول الحديث، الا أنه يستأنس به استئناسا قويا فى المعنى الذى ذهب اليه هؤلاء الأئمة رحمهم اللَّه تعالى ويظهر من تراجمهم بأنهم من الجبال العظام لكلامهم وزن ثقيل، خصوصا فى مثل هذه المعانى التى استنبطوها من كتاب اللَّه تعالى، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وان الاستهانة بالجهاد فى نظر المسلمين، إلا ما شاء اللَّه تعالى. قد أدت الى مخاطر جسيمة خطيرة لا يمكن حصر نتائجها. فالرأى السديد الذى ذهبوا اليه إن لم يكن هناك نص يخالفهم هو رأيهم. واللَّه أعلم. ولا يخفى عيكم، قيمة هؤلاء العلمية لدى الامة ثم موافقة قتادة رحمه اللَّه تعالى اياهم فى نفس هذا المعنى أمر ذو شأن عظيم، فلا معنى لمخالفة رأيهم فى النظر الصحيح هذا الاعتداء الصارخ، الذى تواجهه الامة الاسلامية، فى كافة الجهات من أطراف العالم من قبل الاعداء الماكرين إنما هو نتيجة حتمية لما أهمله المسلمون من فريضة الجهاد، وعدم مبالاتهم به، =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= وذلك، أمر خطير قد يؤدى فى المستقبل إذا بقى الحال على ما هر الآن الى مسخ هذه الامة ومحوها عن الوجود، وهذا -لا سمح اللَّه- ان وقع فتلك حادثة خطرة، يرتقب لها الاعداء وتخطط منذ مئات السنين، اللهم يا ولى الاسلام والمسلمين الهمنا مراشد امورنا وتولنا فيمن توليت ووفقنا لما هو صالح لنا فى ديننا ودنيانا.
* * *