الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قلت: ننظر الآن ما مدى قيمة هذا الاسناد الذى يأتى الجرح الشديد عن طريقه فى التابعى المذكور، وقد ثبت لدينا عدالته بإجماع المحدثين الذين مر ذكرهم عند الحافظ فى التهذيب؟
رجال الاسناد:
ابن الفرج الاصبهانى: قال الخطيب فى تاريخه باسناده الجيد عن محمد الحسن بن الحسين النوبختى يقول: كان أبو الفرج الاصبهانى، أكذب الناس، كان يدخل سوق الوراقين وهي عامرة، والدكاكين مملؤة بالكتب، فيشترى شيئا كثيرا من الصحف، ويحملها إلى بيته، ثم تكون رواياته كلها منها، ثم قال الخطيب وكان أمويا يتشيع (1).
وقال الذهبى فى سير أعلام النبلاء: كان وسخا زريا (2).
قلت: وفى اسناد هذه الابيات رجل آخر مجهول، وهو ذكوان القرشي، ولم أجد له ترجمة فى المراجع التى بين يدى، الا ما قال فيه الحافظ ابن حجر: قيل: ان أباه أي عبد اللَّه بن ذكوان القرشي -كان اخا أبي لؤلؤة قاتل عمر (3).
ومهما يكن من أمر، فإن هذه الابيات لا تجوز أن تنسب الى
(1) تاريخ بغداد للخطيب (398/ 440/ 11).
(2)
نقلا عن الاعلام لخير الدين الزركلى (88/ 5).
(3)
تهذيب التهذيب للحافظ ابن حجر (503/ 5).
عبيد اللَّه بن عبد اللَّه بن عتبة، عن طريق هذا الاسناد الذى كاد أن يكون موضوعا.
ولا ذنب للمستشرق الالمانى على نقلها مع جهل حال رجال الاسناد، ولكن الذنب على من وضع هذه الرواية -لمجرد كون عبيد اللَّه المذكور شاعرا-، ونسبها الى ذاك التقى الزاهد الثقة الامام.
ولقد وجد كتاب المستشرق جوزيف هوروفتس مملوءا بهذه السخافات الواهية، والحكاية المكذوبة التى لا تخلو منها صفحة من صفحات الكتاب، الا أن هذا المثالي الواحد فيه كفاية على رد كتابه، وعلى ما درجوا عليه، من وضع مخططات جهنمية، وأساليب ماكرة، لتدمير الثقافة الاسلامية، وهم فى ديارهم، وجامعاتهم التى لم تؤسس إلا على هذا الأساس، لكى تؤدى لهم هذه الخدمات على يد من يفد إليهم من ديار المسلمين، بعد أن يمنحوهم تلك الشهادات التى هى فى الواقع شهادة فى الاستشراق وللاستشراق، ولم تكن شهادة علمية يرضى اللَّه تعالى عنها، والمؤمنون، وأما موقف من حمل تلك الشهادة من المسلمين فلربما أن يكون الحامل لها كشافا عوراتهم، وخبيئاتهم للمسلمين إن شاء اللَّه تعالى، كما فعل الفيلسوف الاسلامى، وشاعر الشرق الاسلامى الدكتور محمد اقبال رحمه اللَّه تعالى فى كتابه الفذ "بانك درا"(1) إلا أن
(1) هو كتاب ألفه الدكتور فى اللغة الاردية بعد عودته من أوربا، وطبع عشر مرات فى لاهور، نشره ابنه جاويد اقبال، وهو عبارة عن أحاسيس، ومشاعر نحو امجاد الاسلام والمسلمين الماضية وانطباعات حملها الدكتور فى نفسه، نحو تأخر هذه الأمة المجيدة، في أشعار رقيقة، كف عما يقوم به الغرب والشرق من أعمال شنيعة ضد الاسلام والمسلمين.
هذا الموقف نادر جدا بالنسبة لما هو حال شباب المسلمين اليوم، قال محمد بن سيرين -أحد أئمة التابعين الكبار، فيما روى مسلم فى مقدءطة صحيحه باسناده عنه، قال: إن هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذون دينكم.
وقال ابن المبارك: الاسناد من الدين، ولولا الاسناد، لقال من شاء، ما شاء (1).
هناك رواية أخرى، أخرجها مسلم فى مقدمة صحيحه أيضا، وهى صالحة للمتابعات والشواهد، قال أبو عقيل صاحب بهية: كنت جالسا عند القاسم بن عبيد اللَّه، ويحيى بن سعيد، قال فقال يحيى: للقاسم: يا أبا محمد: إنه قبيح على مثلك، عظيم أن تسأل عن شئ من أمر هذ، الدين فلا يوجد عندك عنه علم، ولا فرج، أو علم، ولا مخرج؟
فقال له القاسم: وعم ذاك؟
قال: لانك ابن أمامى هدى، أبى بكر، وعمر، قال: يقول له القاسم: أقبح من ذاك عند من عقل عن اللَّه، أن أقول: بغير علم، أو آخذ، عن غير ثقة، قال: فسكت فما أجابه (2).
(1) انظر مقدمة صحيح مسلم ص 84، والالماع للقاضى عياض ص 17.انظر نفس المصدر ص 87.
(2)
مقدمة صحيح مسلم 90 - 91 بشرح النووى انظر كتاب العلم لابن أبي خيثمة ص 116 و 138 واقضاء العلم العمل للخطيب البغدادى 205 - 211.
قلت كل هذه الدوافع التى جعلتنى أن أختار هذا الموضوع للتحقيق، والتمحيص، حتى ادرك ما مدى الاصالة التى بقيت عندنا، بعد وقوع تلك المؤامرة التاريخية الخطيرة التى مر ذكرها.
ولست فى ذلك مبتدعا أو محدثا، لما مر بكم بعض تلك النصوص، من مقدمة صحيح مسلم، انظر مقدمة جامع مسانيد الامام أبى حنيفة لابي المؤيد الخوارزمى فى أحاديث موضوعة فى مناقب الامام أبى حنيفة رحمه اللَّه تعالى (1).
ولما كان لوضع الاحاديث فى التشريع الاسلامى على يد هؤلاء الأعداء أثر سئ جدا كما مر بكم بعض الامثلة، هيأ اللَّه تعالى لبقاء هذه الرسالة السامية رجالا مخلصين، يدافعون عنها، ويذبون عن سنة نبيها صلى الله عليه وسلم، فأتوا بعجب العجاب فى هذا الميدان، فكانت خدماتهم فريدة فى العالم كله، يقول الدكتور اسبرنكر -أحد المستشرقين الالمان- مهما افتخر المسلمون بعلم اسماء الرجال فهو افتخار قليل بالنسبة لما سجل لهم من حياة رجال الحديث، وجمع لهم من هذه الثروة العلمية الهائلة التى لم تعرف أمة من أمم الأرض بهذا العلم سواهم (2).
ولما تحقق لدى ما اشرت إليه، فى الصفحات السابقة من وجود أحاديث كثيرة موضوعة مكذوبة على رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم
(1) ص 17 - 22 طبع الكتاب بالهند فى سنة 1332 هـ فى مجلدين.
(2)
نقلا عن سيرة البخارى للشيخ عبد السلام المباكفررى فى اللغة الاردية ص 31.