الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الثامن والعشرون فيما نزل من القرآن فى أوصاف المنافقين الذين تخلفوا عن غزوة تبوك، وغيرهم
قال اللَّه تعالى: {وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ} التوبة: 124.
قال أبو جعفر:
يقول تعالى ذكره: {وإذا أنزل اللَّه سورة من سور القرآن على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، فمن هؤلاء المنافقين الذين ذكرهم فى هذه السورة، من يقول: أيها الناس أيكم زادته هذه السورة إيمانا؟ يقول: تصديقا باللَّه وآياته، يقول اللَّه: {فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا} من الذين قيل لهم ذلك {فَزَادَتْهُمْ} السورة التى أنزلت {إِيمَانًا وَهُمْ} يفرحون بما أعطاهم اللَّه من الإيمان واليقين.
فإن قال قائل: أو ليس الإيمان فى كلام العرب: التصديق والإقرار؟ قيل: بلى. فإن قيل: فكيف زادتهم السورة تصديقا وإقرارا؟ قيل: زادتهم إيمانا حين نزلت، لأنهم قبل أن تنزل السورة لم يكن لزمهم فرض الإقرار بها والعمل بها بعينها إلا فى جلة إيمانهم بأن كل
ما جاءهم به نبيهم صلى الله عليه وسلم من عند اللَّه فحق، فلما أنزل اللَّه السورة لزمهم فرض الإقرار بأنها بعينها من عند اللَّه، ووجب عليهم فرض الإيمان بما فيها من أحكام اللَّه وحدوده وفرائضه، فكان ذلك هو الزيادة التى زادهم نزول السورة حين نزلت، من الإيمان والتصديق بها (1).
قال اللَّه تعالى: {وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُوا وَهُمْ كَافِرُونَ} التوبة: 125.
(1) تفسير ابن جرير الطبرى (72/ 11).
قلت: يصف الرب تعالى فى هذه الآية عباده المؤمنين الذين يزيد إيمانهم بنزول القرآن الكريم، قال ابن الجوزى فى زاد المسير (518 - 519/ 3):{فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا} هذا قول المنافقين بعضهم لبعض استهزوا بقول اللَّه تعالى {فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا} لأنهم إذا صدقوا بها وعملوا بما فيها، زادتهم إيمانا.
وقال القرطبى فى تفسيره (298 - 299/ 8): {ما} صلة والمراد المنافقون (أيكم زادته هذه إيمانا} كتب الحسن الى عمر بن عبد العزيز أن للإيمان سننا، وفرائض من استكملها فقد استكمل الإيمان ومن لم يستكمل، لم يستكمل الإيمان، قال عمر بن عبد العزيز: فإن أعش فسأبينها لكم، وإن مت فما أنا على صحبتكم بحريص. ذكره البخارى فى الصحيح. وقال ابن المبارك: لم أجد بدا من أن أقول بزيادة الإيمان، وإلا رددت القرآن.
قلت: هو كذلك وزيادة الإيمان ثابتة بنص الكتاب الكريم والسنة الصحيحة ولا يمكن ردها. انظر الجمان فى تشبيهات القرآن ص 360.
قال أبو جعفر:
يقول تعالى ذكره: {وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ} نفاق وشك فى دين اللَّه، فإن السورة التى أنزلت زادتهم رجسا الى رجسهم، وذلك أنهم شكوا فى أنها من عند اللَّه، فلم يؤمنوا بها ولم يصدقوا، فكان ذلك زيادة شك حادثة، فى تنزيل اللَّه، لزمهم الإيمان به، عليهم، بل ارتابوا بذلك، فكان ذلك زيادة فتن من أفعالهم، الى ما سلف منهم نظيره من الفتن والنفاق، وذلك معنى قوله تعالى:{فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُوا} يعنى هؤلاء المنافقين انهم هلكوا {وَهُمْ كَافِرُونَ} : يعنى وهم كافرون باللَّه وآياته (1).
(1) تفسير ابن جرير الطبرى (73/ 11).
قلت: هذا وصف للمنافقين الذين يزيدهم اللَّه نفاقا وإرجافا فى قلوبهم عند نزول القرآن الكريم. قال ابن الجوزى فى زاد المسير (519/ 3): وفى المراد بالرجس ثلاثة أقوال:
أحدها: الشك، قاله ابن عباس. والثانى: الإثم، قاله مقاتل، والثالث: الكفر، لأنهم كلما كفروا بسورة زاد كفرهم، قاله الزجاج.
وقال القرطبى فى تفسيره (299/ 8): {فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ} أى شك وريب. ونفاق، وقد تقدم انظر تفسير القرطبى (197/ 1){فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ} أى شكا الى شكهم كفرا الى كفرهم، وقال مقاتل: إثما الى إثمهم، والمعنى متقارب. وهكذا قال ابن كثير (273/ 4) مع البغوى، وقال الألوسى فى روح المعانى (51/ 11): أى نفاقا {فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ} أى نفاقا مضموما الى نفاقهم، فالزيادة متضمنة معنى الضم ولذا عديت بإلى، وقيل: إلى معنى مع ولا حاجة إليه. =
قال اللَّه تعالى: {أَوَلَا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لَا يَتُوبُونَ وَلَا هُمْ يَذَّكَّرُونَ} التوبة: 126.
قال أبو جعفر:
اختلف القراء فى قراءة قوله {أَوَلَا يَرَوْنَ} فقرأته عامة قراء الأمصار {أولا يرون} بالياء، بمعنى أو لا يرى هؤلاء الذين فى قلوبهم مرض النفاق. وقرأ ذلك حمزة {أو لا ترون} بالتاء، بمعنى أو لا ترون أنتم أيها المؤمنون أنهم يفتنون.
والصواب عندنا من القراءة فى ذلك: الياء على وجه التوبيخ من اللَّه لهم، لإجماع الحجة من قراء الأمصار عليه وحجة معناه. فتأويل الكلام إذن: أو لا يرى هؤلاء المنافقون أن اللَّه يختبرهم فى كل عام مرة أو مرتين، بمعنى أنه يختبرهم فى بعض الأعوام مرة، فى بعضها مرتين. ثم لا يتوبون يقول: ثم هم مع البلاء الذى يحل بهم من اللَّه والإختبار الذى
= قلت: كل هذه الأقوال متقاربة لا فرق كبير بين هذه الأقوال قال الرازى فى التفسير الكبير (231 - 232/ 16): والمراد من الرجس، إما العقائد الفاسدة أو الأخلاق المذمومة، فإن كان الأول، كان المعنى أنهم مكذبين بالسور النازلة قبل ذلك والآن صاروا مكذبين بهذه السورة الجديدة فقد انضم كفر الى كفر، وإن كان الثانى كان المراد أنهم كانوا فى الحسد والعداوة، واستنباط وجوه المكر، والكيد والآن ازدادت تلك الأخلاق الذميمة بسبب نزول هذه السورة الجديدة.
قلت: قد يكون المراد كلا الأمرين أو أكثر واللَّه تعالى أعلم بالصواب.
يعرض لهم، لا ينيبون من نفاقهم، ولا يتوبون من كفرهم، وهم لا يتذكرون بما يرون من حجج اللَّه، ويعاينون من آياته، ليتعظوا بها، ولكنهم مصرون على نفاقهم (1).
قال أبو جعفر:
واختلف أهل التأويل فى معنى الفتنة التى ذكر اللَّه فى هذا الموضع
(1) تفسير ابن جرير الطبرى (73/ 11).
قال ابن الجوزى فى زاد المسير (519 - 520/ 3) وفى معنى (يفتنون) ثمانية أقوال:
أحدها: يكذبون كذبة أو كذبتين يضلون بها، قاله حذيفة بن اليمان.
والثانى: ينافقون ثم يؤمنون ثم ينافقون، قاله أبو صالح عن ابن عباس.
والثالث: يبتلون بالغزو فى سبيل اللَّه، قاله الحسن، وقتادة.
والرابع: يفتنون بالسنة، والجوع، قاله مجاهد.
والخامس: بالأوجاع والأمراض، قاله عطية العوفى.
والسادس: ينقضون عهدهم مرة أو مرتين، قاله يمان.
والسابع: يكفرون باللَّه وبرسوله صلى الله عليه وسلم فيما أخبرهم، قاله مقاتل بن سليمان.
والثامن: يفضحون، بإظهار نفاقهم، قاله مقاتل بن حيان.
قلت: كل هذه الأقوال أشار إليها السيوطى فى الدر المنثور (293/ 3) ولم يصح منها أى شيء من حيث الاسناد وأما من حيث الواقع فهو صحيح وقد تكون الفتنة المشار إليها فى القرآن كل هذه الأشياء المذكورة واللَّه تعالى أعلم انظر ابن كثير مع البغوى (273 - 274/ 4) والقرطبى (299 - 300/ 8).
أن هؤلاء المنافقين يفتنون بها، فقال بعضهم: ذلك اختبار اللَّه إياهم بالقحط والشدة.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن وكيع (1)، ثنا ابن نمير (2)، عن ورقاء، عن ابن أبى نجيح (3) عن مجاهد {أَوَلَا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ} قال: بالسنة والجوع (4).
(1) ابن وكيع هو سفيان بن وكيع بن الجراح، أبو محمد الرؤاسى الكوفى، كان صدوقا، إلا أنه ابتلى بوراقة، فأدخل عليه ما ليس من حديثه، فنصح فلم يقبل، فسقط حديثه، من العاشرة/ ت - ق انظر التقريب (312/ 1).
(2)
أما ابن نمير فهو عبد اللَّه بن نمير، بنون، مصغرا، الهمدانى، أبو هشام الكوفى ثقة، صاحب حديث، من أهل السنة، من كبار التاسعة مات 199 وله أربع وثمانون سنة/ ع انظر التقريب (457/ 1).
(3)
أما ابن أبى نجيح فهو عبد اللَّه بن أبى نجيح، يسار المكى، أبو يسار الثقفى مولاهم، ثقة رمى بالقدر، وربما دلس، من السادسة، مات 131 أو بعدها/ ع انظر التقريب (456/ 1).
(4)
انظر تفسير ابن جرير الطبرى (73/ 11).
قلت: هذا الأثر مقطوع، من كلام مجاهد بن جبير المكى، وفى إسناده ضعف لأن فيه سفيان بن وكيع وهو ساقط الحديث إلا أن الأثر الآتى بإسناد صحيح يؤيده. انظر الدر المنثور للسيوطى (293/ 3) إذ قال السيوطى: أخرج ابن أبى شيبة، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبى حاتم، وأبو الشيخ عن مجاهد، ثم ذكر الأثر انظر فتح القدير للشوكانى (398 - 399/ 2). والقرطبى (299/ 8) والبغوى مع ابن كثير (274/ 4). وفتح البيان للسيد صديق حسن خان =
قال أبو جعفر:
حدثنى محمد بن عمرو (1)، قال: ثنا أبو عاصم (2)، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبى نجيح، عن مجاهد، فى قول اللَّه تعالى {يُفْتَنُونَ} قال: يبتلون {فِي كُلِّ عَامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ} قال: بالسنة والجوع (3).
= (221 - 222/ 4). والقاسمى فى تفسيره (3302 - 3303/ 8). والكشاف للزمخشرى (577/ 1). والبحر المحيط لأبى حيان (116 - 117/ 5) وقال الألوسى فى روح المعانى (51/ 11): الفتنة هنا بمعنى البلية والعذاب، وقيل: بمعنى الإختبار، والمعنى أو لا يرون أنهم يختبرون بالجهاد مع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، فيعاينون ما ينزل عليه من الآيات، لاسيما الآيات الناعية عليهم قبائحهم. ثم ذكر أثر مجاهد. إلا أنه رجح العموم.
قلت: والعموم أولى لأن العبرة بعموم اللفظ واللَّه أعلم.
(1)
محمد بن عمرو فهو محمد بن عمرو بن العباس. أبو بكر الباهلي البصرى ثقة انظر تاريخ بغداد (127/ 3) وذكر الخطيب وفاته سنة 243 هـ.
(2)
أبو عاصم، هو الضحاك بن مخلد بن الضحاك بن مسلم الشيبانى، أبو عاصم النبيل، البصرى، ثقة ثبت، من التاسعة، مات سنة 212 هـ أو بعدها/ ع / انظر التقريب (273/ 1).
(3)
انظر تفسير ابن جرير الطبرى (74/ 11) والدر المنثور (293/ 3) وزاد المسير لابن الجوزى (519/ 3) والقرطبى فى تفسيره (299/ 8) وفتح البيان للسيد صديق حسن خان (220/ 4). والكشاف للزمخشرى (573/ 1) والبحر المحيط لأبى حيان (116 - 117/ 5).
قلت هذا الأثر مقطوع من كلام مجاهد بن جبر المكى رضي اللَّه تعالى عنه بصحيح الاسناد وقد تكون السنة والجموع من جملة الفتن التى افتتن بها هؤلاء المنافقون. وأخرج ابن جرير الطبرى =
قال أبو جعفر:
وقال آخرون: بل معناه: إنهم يختبرون بالغزو والجهاد. وذكر من قال ذلك حدثنا بشر (1)، قال حدثنا يزيد (2) قال: ثنا سعيد (3)، عن قتادة قوله:{أَوَلَا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ} قال: يبتلون بالغزو فى سبيل اللَّه فى كل عام مرة أو مرتين (4).
= فى تفسيره (74/ 11) هذا الأثر عن مجاهد بإسناد آخر وهو يقول: حدثنا المثنى، قال: ثنا شبل، عن ابن أبى نجيح، عن مجاهد ثم ذكر نحوه.
قلت: رجال هذا الاسناد كلهم ثقات إلا المثنى فهو لم أجد له ترجمة. ثم قال أبو جعفر: حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثنى حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، ثم ذكر مثل ما ذكر عن طريق محمد بن عمرو، قلت: رجال هذا الاسناد كلهم ثقات إلا سنيد بن داود المصيصي فهو ضعيف انظر ترجمته (335/ 1) فى التقريب.
(1)
بشر هو بشر بن معاذ العقدى بفتح المهملة والقاف - أبو سهل البصرى الضرير، صدوق، من العاشرة، مات سنة بضع وأربعين ومائتين/ ت س - ق. انظر التقريب (101/ 1).
(2)
يزيد، وهو يزيد بن زريع، بتقديم الزاى، مصغرا، البصرى، أبو معاوية، ثقة، ثبت، من الثامنة، مات 182/ ع انظر التقريب (364/ 2).
(3)
أما سعيد فهو سعيد بن أبى عروبة، مهران: اليشكرى، مولاهم، أبو النضر البصرى ثقة حافظ، له تصانيف، لكنه كثير التدليس، واختلط، وكان من أثبت الناس فى قتادة، من السادسة مات سنة سبع وخمسين ومائة/ ع انظر التقريب (302/ 1).
(4)
تفسير ابن جرير الطبرى (74/ 11). =
قال أبو جعفر:
وقال آخرون: بل معناه: أنهم يختبرون بما يشيع المشركون من الأكاذيب على رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وأصحابه. فيفتتن بذلك الذين فى قلوبهم مرض وذكر من قال ذلك. حدثنا أحمد بن إسحاق (1)، قال: ثنا
= قلت: ذكره الحافظ فى طبقات المدلسين فى الطبقة الثانية ص 9 فإذن لا يضر تدليسه لأنه من الطبقة الثانية ولأن التدليس المضر يبدأ من الطبقة الثالثة فما فوق. انظر الدر المنثور فإنه أشار الى رواية قتادة هذه (293/ 3) قال أخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبى حاتم، وأبو الشيخ عن قتادة ثم ذكر الأثر. قلت: الأثر هذا صحيح الاسناد، الى قتادة.
وأخرج ابن جرير الطبرى فى تفسيره (74/ 11): أثرا آخر بهذا المعنى عن الحسن بقوله: حدثنا محمد بن عبد الأعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن الحسن مثله.
قلت: إسناد هذا الأثر الى حسن البصرى صحيح. وإلى هذا الأثر أشار ابن كثير فى تفسيره (274/ 4) مع البغوى وابن الجوزى فى تفسيره (518/ 3) والألوسى فى روح المعانى (151/ 1).
قلت: فلا مانع من أن تكون هذه الأشياء المذكورة كلها من الفتن التى افتتن بها المنافقون المتخلفون عن غزوة تبوك وغيرها.
(1)
أحمد بن إسحاق هو أحمد بن إسحاق بن عيسى الأهوازى، ينسب الى الأهواز: بفتح الألف وسكون الهاء، وهى بلدة خرب أكثرها وكان محلها -زمن ابن الأثير- يقال له: سوق الأهواز، البزار بالباء المفتوحة والزاى المشددة آخره، صاحب السلعة، أبو إسحاق صدوق، من الحادية عشرة، مات سنة 250 هـ / د انظر التقريب (11/ 1).
* * *
أبو أحمد (1) قال: ثنا شريك (2)، عن جابر (3)، عن أبى الضحى (4)، عن حذيفة (5) قال: كان لهم فى كل عام كذبة أو كذبتان (6).
(1) أبو أحمد هو محمد بن عبد اللَّه بن الزبير بن عمرو بن درهم الأسدى، أبو أحمد الزبيرى الكوفى، ثقة ثبت، إلا أنه يخطئ فى حديث الثورى، من التاسعة، مات 203/ ع انظر التقريب (176/ 2).
(2)
شريك هو شريك بن عبد اللَّه النخعى الكوفى، القاضى بواسط، ثم الكوفة، أبو عبد اللَّه، صدوق، يخطئ كثيرا تغير حفظه منذ أن ولى القضاء بالكوفة، وكان عادلا فاضلا عابدا، شديدا على أهل البدع، من الثامنة، مات سنة 187 هـ / خت م - عم انظر التقريب (351/ 1).
(3)
جابر، هو جابر بن يزيد بن الحارث الجعفى، أبو عبد اللَّه الكوفى، ضعيف رافضى من الخامسة، مات سنة 127 هـ وقيل سنة 132 هـ / د ت س انظر التقريب (123/ 1).
(4)
أبو الضحى هو مسلم بن صبيح، بالتصغير، الهمدانى، أبو الضحى الكوفى، العطار مشهور بكنيته، ثقة، فاضل، من الرابعة، مات سنة مائة/ ع انظر التقريب (245/ 2).
(5)
حذيفة هو حذيفة بن اليمان، واسم اليمان، حسيل مصغرا، ويقال: حسل بكسر ثم سكون، العبسى، بالموحدة، حليف الأنصار، صحابي جليل من السابقين، صح فى مسلم عنه أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أعلمه بما كان، وما يكون الى أن تقوم الساعة، وأبوه صحابى أيضا، استشهد بأحد، ومات حذيفة فى أول خلافة على سنة 36/ ع انظر التقريب (156/ 1).
(6)
تفسير ابن جرير الطبرى: (74/ 11).
قلت: هذا الخبر ضعيف لأن فيه جابر الجعفى وهو ضعيف والخبر قد أخرجه غير ابن جرير الطبرى ابن المنذر فى تفسيره وابن أبى حاتم وأبو الشيخ، وابن مردويه. انظر الدر المنثور للسيوطى (293/ 3) وزاد المسير لابن الجوزى (519/ 3) وابن كثير فى تفسيره (274/ 4) مع البغوى. =
قال اللَّه تعالى: {وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ نَظَرَ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ هَلْ يَرَاكُمْ مِنْ أَحَدٍ ثُمَّ انْصَرَفُوا صَرَفَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ} التوبة: 127.
قال أبو جعفر:
قال اللَّه تعالى ذكره: وإذا ما أنزلت سورة من القرآن فيها عيب هؤلاء المنافقين الذين وصف جل ثناءه صفتهم فى هذه الصورة، وهم عند رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، نظر بعضهم الى بعض، فتناظروا: هل يراكم من أحد إن تكلمتم أو تناجيتم بمعايب القوم يخبرهم به، ثم قاموا فانصرفوا من عند رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، ولم يستمعوا قراءة السورة التى فيها معايبهم، ثم ابتدأ جل ثناءه قوله {صَرَفَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ} فقال: صرف اللَّه عن الخير،
= ثم قال ابن جرير: وأولى الأقوال فى ذلك بالصحة: أن يقال: إن اللَّه عجب عباده المؤمنين من هؤلاء المنافقين، ووبخ المنافقين فى أنفسهم بقلة تذكرهم وسوء تنبههم لمواعظ اللَّه تعالى يعظهم بها، وجائز أن تكون تلك المواعظ الشدائد التى ينزلها بهم من الجوع والقحط، وجائز أن يكون ما يريهم من نصرة رسوله صلى الله عليه وسلم على أهل الكفر به، ويرزقه من إظهار كلمته على كلمتهم، وجائز أن يكون ما يظهر للمسلمين من نفاقهم، وخبث سرائرهم بركونهم الى ما يسمعون من أراجيف المشركين برسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، وأصحابه ولا خبر يوجب صحة بعض ذلك دون بعض، من الوجه الذى يجب التسليم له، ولا قول فى ذلك أولى بالصواب من التسليم لظاهر قول اللَّه تعالى، وهو:{أَوَلَا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ} بما يكون زاجرا لهم، ثم لا ينزجرون ولا يتعظون.
والتوفيق، والإيمان باللَّه، ورسوله قلوب هؤلاء المنافقين، ذلك {بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ} يقول: فعل اللَّه بهم هذا الخذلان، وصرف قلوبهم عن الخيرات، من أجل أنهم قوم لا يفقهون عن اللَّه مواعظه، استكبارا ونفاقا (1).
(1) تفسير ابن جرير الطبرى (75/ 11).
قال القرطبى فى تفسيره (299 - 300/ 8): "ما" صلة، والمراد المنافقون، إذا حضروا الرسول صلى الله عليه وسلم وهو يتلو القرآن وفيه فضيحتهم أو فضيحة أحد منهم جعل ينظر بعضهم الى بعض نظر الرعب على جهة التقرير.
ثم قال القرطبى: {صَرَفَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ} دعاء عليهم، أى قولوا لهم هذا ويجوز أن يكون خبرا من صرفها عن الخير مجازاة على فعلهم، وهى كلمة يدعى بها.
أخبر اللَّه تعالى فى هذه الآية أنه صارف القلوب، ومصرفها، وقالبها، ومقلبها ردًا على القدرية فى إعتقادهم، أن قلوب الخلق بأيديهم وجوارحهم بحكمهم، يتصرفون بمشيئتهم، ويحكمون بإرادتهم، واختيارهم، ولذلك قال مالك فيما روى عنه أشهب ما أبين هذا فى الرد على القدرية. انظر تفسير الآية فى زاد المسير لابن الجوزى (520/ 3) وابن كثير فى تفسيره (273 - 274/ 4) مع البغوى والسيوطى فى الدر المنثور (293/ 3) وروح المعانى للألوسى (51 - 52/ 11) والبحر المحيط لأبى حيان (117/ 5) والكشاف للزمخشرى (573/ 1) وفتح البيان للسيد صديق حسن خان (221 - 222/ 4) وتفسير القاسمي (3303 - 3304/ 8) وفتح القدير للشوكانى (398 - 400/ 2) وفى ظلال القرآن للسيد قطب (45 - 46/ 11) وغرر الفوائد ودرر القلائد (514/ 1) وبصائر ذوى التمييز (236 - 237/ 1).
* * *