الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الثانى والثلاثون فى قصة أبى ذر رضي اللَّه تعالى عنه ومقالة الرسول صلى الله عليه وسلم فى حقه بغزوة تبوك، وموته
قال ابن هشام: قال ابن إسحاق:
ثم مضى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم سائرا، فجعل يتخلف عنه الرجل، فيقولون: يا رسول اللَّه، تخلف فلان، فيقول:"دعوه، فان يك فيه خير فسيلحقه اللَّه تعالى بكم، وإن يك غير ذلك فقد أراحكم اللَّه منه". وتلوم أبو ذر على بعيره، فلما أبطأ عليه، أخذ متاعه فحمله على ظهره، ثم خرج يتبع أثر رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ماشيا. ونزل رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فى بعض منازله، فنظر ناظر من المسلمين فقال: يا رسول اللَّه، إن هذا الرجل يمشى على الطريق وحده، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم:"كن أبا ذر". فلما تأمله القوم، قالوا: يا رسول اللَّه هو واللَّه أبو ذر، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم:"رحم اللَّه أبا ذر، يمشى وحده، ويموت وحده، ويبعث وحده".
ثم قال ابن إسحاق: فحدثنى بريدة بن سفيان الاسلمى، عن محمد بن كعب القرظى، عن عبد اللَّه بن مسعود، قال: لما نفى عثمان أبا ذر الى الربذة، أصابه بها قدر، لم يكن معه أحد إلا امرأته وغلامه، فأوصاهما أن غسلانى وكفنانى ثم ضعانى على قارعة الطريق، فأول ركب يمر بكم فقولوا: هذا أبو ذر صاحب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، فأعينونا على دفنه، فلما مات فعلا ذلك به. ثم وضعاه على قارعة
الطريق، وأقبل عبد اللَّه بن مسعود فى رهط من أهل العراق معه عمار فلم يرعهم إلا بالجنازة على ظهر الطريق، قد كادت الابل تطؤها، وقام إليهم الغلام فقال: هذا أبو ذر صاحب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، فأعينونا على دفنه. فاستهل عبد اللَّه بن مسعود يبكى ويقول: صدق رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، تمشى وحدك، وتموت وحدك، وتبعث وحدك، ثم نزل هو وأصحابه فواروه، ثم حدثهم عبد اللَّه حديثه وما قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فى مسيره الى تبوك (1).
(1) سيرة ابن هشام (167/ 4).
قلت: أخرجه ابن سعد فى الطبقات الكبرى (234 - 235/ 4) باسناده إذ يقول: أخبرنا أحمد ابن محمد بن أيوب، قال: حدثنا إبراهيم بن سعد، عن محمد بن اسحاق، قال: حدثنى بريدة ابن سفيان الأسلمى، عن محمد بن كعب القرظى عن عبد اللَّه بن مسعود ثم ذكر الحديث.
قلت: بريدة بن سفيان الاسلمى لا يحتج بحديثه، قال: الذهبي فى الميزان (306/ 1) قال البخارى: فيه نظر. قال أبو داود: لم يكن بذلك. وكان يتكلم فى عثمان. قال الدارقطني: متروك. وقيل: كان يشرب الخمر، وهو مقل، وقد أخرج هذا الحديث الحاكم فى المستدرك (50/ 3) وصححه ووافقه الذهبي فى التلخيص والواقدى فى مغازيه (1000/ 3) معلقًا، ومحمد ابن جرير الطبرى فى تاريخه (371/ 2) بهذا الاسناد، وابن عبد البر فى الدرر معلقا ص 236.
والامام ابن كثير فى البداية والنهاية (8 - 9/ 5) والشيخ عبد الملك العصامى فى سمط النجوم العوالى (213/ 2) والشيخ حسين محمد الديار بكرى فى تاريخ الخميس (141/ 2) والعلامة نور الدين الحلبى فى السيرة الحلبية (290/ 3) وأشار الى تخلف أبى ذر فى غزوة تبوك محمد بن سعد فى الطبقات (166/ 2) الإمام ابن الأثير فى الكامل (280/ 2) ابن حزم فى جوامع السيرة ص 252 - 255 وابن سيد الناس فى عيون الأثر باسناد محمد بن إسحاق (219/ 2) =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= والشيخ عبد الباقى الزرقانى على المواهب اللدنية للقسطلانى (84/ 3) والسهيلى فى الروض الأنف وعزاها الى ابن إسحاق (217 - 218/ 2) والامام ابن القيم فى زاد المعاد وعزاها الى ابن اسحاق (4 - 5/ 3) وقال الإمام ابن القيم فى نهاية القصة: وفى هذه القصة نظر وقال الحافظ فى الإصابة (65/ 4): وفى السيرة النبوية لابن إسحاق بسند ضعيف عن ابن مسعود ثم ذكر الحديث. ثم قال الحافظ وكانت وفاته بالربذة سنة احدى وثلاثين، وقيل التى بعدها، وعليه الأكثر، ويقال: أنه صلى عليه عبد اللَّه بن مسعود. وفى قصة رويت بسند لا بأس به، وقال المدائنى: أنه صلى عليه ابن مسعود بالربذة ثم قدم المدينة، فمات بعده بقليل.
قلت: لم يصح هذا الاسناد وسوف يأتى الحديث الذى أخرجه ابن حبان والحاكم ومحمد بن سعد فى الطبقات الكبرى فى موت أبى ذر (234 - 238/ 1) وأحمد بن عبد اللَّه الاصبهانى فى الحلية باسناده عن محمد بن إسحاق (169/ 1) وكذا ابن عبد البر فى الاستيعاب (252 - 254/ 1) بصيغة التمريض. وذكر الحديث الإمام ابن الأثير فى أسد الغابة باسناده عن محمد بن إسحاق عن بريدة بن. سفيان الأسلمى (187 - 188/ 5).
قلت: اسناد هذا الحديث ضعيف جدا، واللَّه تعالى أعلم بالصواب. انظر تخرج الحافظ للكشاف (319/ 2) إذ نسب إخراج هذا الحديث الى ابن إسحاق فى المغازى، والحاكم فى المستدرك، والبيهقى فى الدلائل، ثم سكت ولم يبين درجة الحديث. انظر كتاب دول الاسلام للذهبى (14/ 1) ومواسم الأدب وآثار العجم (70/ 2) انظر الانساب للبلاذرى (52 - 56/ 5) انظر: الاشارة الى سيرة المصطفى لمغلطاى ص 84، ومزيل الاشتباه فى أسماء الصحابة ص 120.
قال محمد بن سعد:
أخبرنا عفان بن مسلم (1)، حدثنا وهيب بن خالد (2)، قال: حدثنا عبد اللَّه بن عثمان بن خثيم (3)، عن مجاهد (4)، عن إبراهيم، يعنى ابن الاشتر (5) أن أبا ذر حضره الموت وهو بالربذة، فبكت امرأته، فقال: ما يبكيك؟ قالت: أبكى أنه لا يد لى بتغييبك، وليس عندى ثوب يسعك كفنا، قال: لا تبكى فانى سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، ذات يوم،
(1) هو عفان بن مسلم بن عبد اللَّه الباهلي، أبو عثمان الصغار، البصرى، ثقة ثبت، قال ابن المديني: كان إذا شك فى حرف من الحديث تركه، وربما وهم، وقال ابن معين: أنكرناه فى صفر سنة 219 هـ ومات بعدها بيسير، من كبار العاشرة/ ع التقريب (25/ 2).
(2)
هو وهيب ابن خالد بن عجلان، الباهلي، مولاهم، أبو بكر البصرى، ثقة ثبت، لكنه تغير قليلا بآخره، من السابعة، مات سنة 165 هـ، وقيل بعدها/ ع التقريب (339/ 2).
(3)
هو عبد اللَّه بن عمان بن خثيم، بالمعجمة والمثلثة، مصغرا، القارى ثقة.
(4)
هو مجاهد بن جبر، بفتح الجيم وسكون الموحدة، أبو الحجاج، المخزومى مولاهم المكى، ثقة، إمام فى التفسير وفى العلم، من الثالثة، مات سنة احدى أو اثنتين أو ثلاث أو أربع ومائة، وله ثلاث وثمانون/ ع التقريب (229/ 2).
(5)
إبراهيم بن الاشتر، واسمه مالك بن الحارث النخعي عن أبيه، وعمر، وعنه ابنه مالك ومجاهد، وغيرهما، ذكره ابن حبان فى الثقات قال الحافظ فى تعجيل المنفعة ص 20: إبراهيم المذكور كان من أعيان الأمراء بالكوفة، وكان شجاعا، وهو الذى قتل عبيد اللَّه بن زياد الأمير فى وقعة الخازر سنة 67، وكان إبراهيم فى جيش المختار حينئذ ثم أنه بغى على المختار مع مصعب بن الزبير حتى قتل المختار، وقتل إبراهيم بن الاشتر بعد ذلك مع مصعب بن الزبير فى أول سنة 72، وحديثه فى مسند أبى ذر، رواه عنه ابنه عن أم ذر، عن أبى ذر من رواية مجاهد عنه فى قصة موت أبى ذر.
وأنا عنده فى نفر يقول: ليموتن رجل منكم بفلاة من الأرض تشهده عصابة من المؤمنين، قال: فكل من كان معى فى ذلك المجلس مات فى جماعة وقرية، فلم يبق منهم غيرى، وقد أصبحت بالفلاة أموت، فراقبى الطريق، فانك سوف ترين ما أقول لك، فإنى واللَّه ما كذبت ولا كذبت. قالت: وانّى ذلك، وقد انقطع الحاج؟ قال: راقبى الطريق. فبينا هي كذلك اذ هي بالقوم تخب بهم رواحلهم، فأقبل القوم حتى وقفوا عليها فقالوا: مالك؟ قالت: امرأ من المسلمين تكفنونه، وتؤجرون فيه، قالوا: ومن هو؟ قالت: أبو ذر، ففدوه بآبائهم، وأمهاتهم، ووضعوا سياطهم فى نحورها يبتدرونه: ابشروا انتم النفر الذين قال فيكم رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ما قال: ابشروا سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، يقول: ما من امرأين من المسلمين هلك وبينهما ولدان أو ثلاثة، فاحتسباه صبرا فيريان النار أبدا، ثم قال: قد أصبحت اليوم حيث ترون، ولو أن ثوبا من ثيابى يسعنى لم اكفن إلا فيه، انشدكم اللَّه، ألا يكفنى رجل منكم كان أميرا أو عريفا، أو بريدا، فكل القوم كان نال من ذلك شيئا إلا فتى من الأنصار كان مع القوم قال: أنا صاحبك، ثوبان فى عيبتى من غزل امى، واحد ثوبيّ هذين اللذين عليّ، قال: أنت صاحبى فكفنى (1).
(1) الطبقات لابن سعد (232 - 234/ 4).
قلت: هذا الحديث بهذا الاسناد حسن ان شاء اللَّه، وقد أخرج الحديث الإمام أحمد =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= فى مسنده (155/ 5) باسناد آخر وهو أيضا حسن وفيه يحيى بن سليم الطائفي، قال الحافظ فى التقريب (349/ 2): يحيى بن سليم الطائفي نزيل مكة، صدوق سيء الحفظ، من التاسعة، مات سنة 193 هـ أو بعدها/ ع التقريب (349/ 2) وقال الحافظ فى التهذيب (226/ 11): عن عبد اللَّه بن أحمد بن حنبل عن أبيه وكان قد اتقن حديث ابن خثيم، قلت: وهو يروى عن عبد اللَّه بن عثمان بن خثيم عند أحمد بن حنبل وغيره ولذا سلم هذا الاسناد عن التضعيف وقال الحافظ فى مقدمة الفتح 451 - 452: وثقه ابن معين، والعجلى، وابن سعد، وقال أبو حاتم محله الصدق، ولم يكن بالحافظ، وقال النسائي: ليس به بأس، وهو منكر الحديث عن عبيد اللَّه بن عمر وقال الساجى: اخطأ فى أحاديث رواها عن عبيد اللَّه بن عمر انظر التعديل والتجريح للباجى 154 - 155 ق. قال الحافظ فى المقدمة 452: لم يخرج له الشيخان من روايته عن عبيد اللَّه بن عمر شيئا بل ليس له فى البخارى سوى حديث واحد، عن اسماعيل بن أمية عن سعيد المقبرى، عن أبى هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم يقول اللَّه تعالى: ثلاثة أنا خصيمهم الحديث وله أصل عنده من غير هذا الوجه، واحتج به الباقون.
قلت: وقد أخرج حديث يحيى بن سليم عن عبد اللَّه بن عثمان بن خثيم فى موت أبى ذر الحاكم فى المستدرك (344 - 345/ 3) وسكت عليه الذهبي فى التلخيص، وابن حبان فى صحيحه (209 - 210/ 2) وأورده الهيثمى فى موار الظمآن فى زوائد ابن حبان (560 - 561) واسناد ابن حبان فى صحيحه وكذا الهيثمي فى الموارد واحد، وهو قوله أخبرنا أبو خليفة، ثنا على ابن المدينى، ثنا يحيى بن سليم، حدثنى عبد اللَّه بن عثمان بن خثيم، عن مجاهد، عن إبراهيم ابن الاشتر، عن أبيه، عن أم ذر ثم ساق القصة بتمامها، أبو خليفة الذى يروى عنه =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= ابن حبان، هو الإمام الثقة محدث البصرة الفضل بن الحباب الجمحى البصرى انظر تذكرة الحفاظ للذهبى (270 - 271/ 2) والميزان (350/ 3) ولسان الميزان (438 - 439/ 4) وقد أخرج هذا الحديث ابن سعد بهذا الاسناد فى طبقاته (233 - 234/ 4) وهو اسناد حسن ان شاء اللَّه تعالى. وأورد هذا الحديث الإمام ابن القيم فى زاد المعاد (4 - 5/ 3) والسيوطى فى الخصائص الكبرى (63 - 64/ 4) ونسب إخراجه الى ابن إسحاق والحاكم والبيهقى.
قلت: ليس هذا الحديث فى السنن الكبرى فيما علمت بل فى الدلائل وقال الحافظ فى الإصابة (430/ 4): فى ترجمة أم ذر: انها امرأة أبى ذر الغفارى، قال ابن مندة لها ذكر فى وفاة أبى ذر، ووصل ذلك أبو نعيم من طريق مجاهد عن إبراهيم بن الاشتر وأورد هذا الحديث أبو نعيم فى الحلية (169/ 1) وكذا الإمام ابن الجوزى فى صفة الصفوة (234 - 238/ 1) وابن عبد البر فى الاستيعاب (252 - 254/ 1) والبدء والتاريخ (93 - 95/ 5) من طريق الاشتر النخعي انظر قصة الاشتر فى الكامل للمبرد (363/ 1) والمؤتلف للآمدى فى ترجمة الاشتر النخعي (31 - 33) وطبقات الشعراء لابن المعتز ص (217) ووقعة صفين ص (212) انظر الامامة والسياسة لابن قتيبة (37 - 38/ 1) هو مدسوس على ابن قتيبة وليس من تأليفه واللَّه أعلم. ورياض النفوس فى طبقات علماء القيروان، وافريقية (47 - 48/ 1).