المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

بسم الله الرحمن الرحيم   ‌ ‌المقدمة الحمد للَّه الذى أرسل رسوله بالهدى ودين - الذهب المسبوك في تحقيق روايات غزوة تبوك

[عبد القادر بن حبيب الله السندي]

فهرس الكتاب

- ‌كلمة الناشر

- ‌ خلاصة الرسالة

- ‌الإِهداء

- ‌شكر وتقدير

- ‌المقدمة

- ‌رجال الاسناد:

- ‌منهج البحث

- ‌العقبات التى واجهت البحث

- ‌قصة مشكلة غريبة

- ‌مخطط السير فى منهج البحث

- ‌فوائد التخرج

- ‌ثمرة الرسالة

- ‌رموز الرسالة

- ‌الإِعتذار

- ‌الفصل الأول فى وجه تسمية الغزوة باسم تبوك

- ‌الفصل الثانى فى وجه تسمية الغزوة بالعسرة

- ‌الفصل الثالث فى سبب وقوع غزوة تبوك

- ‌الفصل الرابع فى السنة التى وقعت فيها غزوة تبوك

- ‌الفصل الخامس فى بعوث الرسول صلى الله عليه وسلم الى القبائل قبل غزوة تبوك

- ‌الفصل السادس فى استنفار الرسول صلى الله عليه وسلم أصحابه الى تبوك

- ‌الفصل السابع فى تخليف رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم عليا على أهله فى غزوة تبوك

- ‌الفصل الثامن فى تخلف كعب بن مالك وأصحابه رضي الله عنهم فى غزوة تبوك

- ‌الفصل التاسع فيما نزل من القرآن فى التائبين الثلاثة فى غزوة تبوك

- ‌الفصل العاشر فيما نزل من القرآن فى الذين اعترفوا بذنوبهم

- ‌الفصل الحادى عشر فيما نزل من القرآن فى أخذ الصدقة عن الذين اعترفوا بذنوبهم فى غزوة تبوك

- ‌الفصل الثانى عشر فيما نزل من القرآن كاشفا المتخلفين فى غزوة تبوك

- ‌الفصل الثالث عشر فيما نزل من القرآن عن نهي الاستغفار للذين تخلفوا عن غزة تبوك بدون عذر مشروع

- ‌الفصل الرابع عشر فيما نزل من القرآن فى نوع آخر من المتخلفين فى الغزوة

- ‌الفصل الخامس عشر فيما نزل من القرآن فى معاتبة المتخلفين فى الغزوة

- ‌الفصل السادس عشر فى دليل رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم الى تبوك

- ‌الفصل السابع عشر فى عدد جيش غزوة تبوك

- ‌الفصل الثامن عشر فى الالوية فى غزوة تبوك

- ‌الفصل التاسع عشر فى نفقة أبى بكر الصديق رضي اللَّه تعالى عنه فى غزوة تبوك

- ‌الفصل العشرون فى نفقة عمر بن الخطاب فى غزوة تبوك وغيره من الصحابة رضي الله عنهم

- ‌الفصل الحادى والعشرون فى نفقة عثمان رضي اللَّه تعالى عنه فى غزوة تبوك

- ‌الفصل الثانى والعشرون فى نفقة عبد الرحمن بن عوف -رضي اللَّه تعالى عنه- فى غزوة تبوك

- ‌الفصل الثالث والعشرون فى تصدق علبة بن زيد رضي اللَّه تعالى عنه عرضه فى غزوة تبوك

- ‌الفصل الرابع والعشرون فيما نزل من القرآن فى الثناء على الذين أنفقوا أموالهم فى غزوة تبوك

- ‌الفصل الخامس والعشرون فيما نزل من القرآن فى فقراء الصحابة الذين تخلفوا عن غزوة تبوك لفقرهم وعجزهم

- ‌الفصل السادس والعشرون فى المنافقين فى غزوة تبوك، وما قاموا به من أعمال شنيعة

- ‌الفصل السابع والعشرون فيما نزل من القرآن فى المستأذنين بعدم حضور غزوة تبوك

- ‌الفصل الثامن والعشرون فيما نزل من القرآن فى أوصاف المنافقين الذين تخلفوا عن غزوة تبوك، وغيرهم

- ‌الفصل التاسع والعشرون فيما نزل من القرآن فى منافقى الأعراب الذين تخلفوا عن غزوة تبوك

- ‌الفصل الثلاثون فيما نزل من القرآن فى أعذار المنافقين الواهية

- ‌الفصل الحادى والثلاثون فى قصة أبى خيثمة ولحوقه برسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بغزوة تبوك

- ‌الفصل الثانى والثلاثون فى قصة أبى ذر رضي اللَّه تعالى عنه ومقالة الرسول صلى الله عليه وسلم فى حقه بغزوة تبوك، وموته

- ‌الفصل الثالث والثلاثون فى خطبته صلى الله عليه وسلم بتبوك

- ‌الفصل الرابع والثلاثون فيما نزل من القرآن فيمن بنى مسجد الضرار

- ‌الفصل الخامس والثلاثون فيما نزل من القرآن فى مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم

- ‌الفصل السادس والثلاثون فى خبر خالد وأكيدر بتبوك

- ‌الفصل السابع والثلاثون فى قبوله صلى الله عليه وسلم هدية صاحب أيلة بتبوك

- ‌الفصل الثامن والثلاثون فى قدوم رسول قيصر الى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بتبوك

- ‌الفصل التاسع والثلاثون فى تبشير الرسول صلى الله عليه وسلم أصحابه بتبوك بما خصه اللَّه به من خصائص نبوية

- ‌الفصل الاربعون الرسول صلى الله عليه وسلم يخبر أصحابه عن كنز فارس والروم

- ‌الفصل الحادى والأربعون فى معجزاته صلى الله عليه وسلم فى غزوة تبوك وقبول دعائه صلى الله عليه وسلم فيما يتعلق بالظهر

- ‌الفصل الثانى والأربعون فى قصة حية كبيرة اعترضت سبيل المسلمين فى غزوة تبوك

- ‌الفصل الثالث والأربعون فى كرامة إضاءة الاصابع لبعض الصحابة فى غزوة تبوك

- ‌الفصل الرابع والأربعون فى معجزة نزول المطر بدعاء الرسول صلى الله عليه وسلم فى غزوة تبوك

- ‌الفصل الخامس والاربعون فى قصة الياس صلى الله عليه وسلم لقاءه برسول اللَّه صلى الله عليه وسلم غزوة تبوك

- ‌الفصل السادس والأربعون فى معجزة نبع الماء من أصابعه صلى الله عليه وسلم فى غزوة تبوك

- ‌الفصل السابع والاربعون فى المعجزة ما أخبر بها صلى الله عليه وسلم من اشراط الساعة فى غزوة تبوك ووقوع ذلك

- ‌الفصل الثامن والاربعون فى معجزاته صلى الله عليه وسلم فى زيادة طعام فى غزوة تبوك

- ‌الفصل التاسع والاربعون فى معجزته صلى الله عليه وسلم فى فوران العين فى غزوة تبوك

- ‌الفصل الخمسون فى تكريمه صلى الله عليه وسلم بعض أصحابه فى غزوة تبوك وهو صلاته خلف عبد الرحمن بن عوف رضي اللَّه تعالى عنه

- ‌الفصل الحادى والخمسون فيما أخبر به صلى الله عليه وسلم فى غزوة تبوك عن مناديل سعد بن معاذ

- ‌الفصل الثانى والخمسون فى حديثه صلى الله عليه وسلم مع معاذ بن جبل رضي الله عنه "قوام هذا الأمر الصلاة، ذروة سنامه الجهاد

- ‌الفصل الثالث والخمسون فيما جاء فى صلاته صلى الله عليه وسلم-على معاوية بن معاوية الليثى فى غزوة تبوك

- ‌الفصل الرابع والخمسون فيما جاء فى وفاة عبد اللَّه ذى البجادين وصلاة الرسول صلى الله عليه وسلم عليه ودفنه إياه فى غزوة تبوك

- ‌الفصل الخامس والخمسون فى الاحكام الشرعية فيما جاء فى الوضوء مرة مرة فى غزوة تبوك

- ‌الفصل السادس والخمسون فيما جاء فى غزوة تبوك من سترة المصلى

- ‌الفصل السابع والخمسون فيما جاء فى قصة المار بين يدى الرسول صلى الله عليه وسلم وهو فى صلاته بغزوة تبوك

- ‌الفصل الثامن والخمسون فيما جاء فى الجمع بين صلاتين جمع تأخير فى غزوة تبوك

- ‌الفصل التاسع والخمسون فيما جاء فى الجمع بين صلاتين فى غزوة تبوك جمع تقديم

- ‌الفصل الستون فيما جاء عن الرسول صلى الله عليه وسلم فى شراب النبيذ وهو فى غزوة تبوك

- ‌الفصل الحادى والستون فيما جاء فى خرص الثمار عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وهو فى غزوة تبوك

- ‌الفصل الثانى والستون فيما جاء فى البيع والشراء فى غزوة تبوك

- ‌الفصل الثالث والستون فيما جاء فى أهبة الميتة عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وهو فى غزوة تبوك

- ‌الفصل الرابع والستون فيما جاء فى اهداره صلى الله عليه وسلم ثنتى العاض وهو فى غزوة تبوك

- ‌الفصل الخامس والستون فيما جاء عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فى كراء الدابة على النصف أو السهم وهو فى طريقه الى غزوة تبوك

- ‌الفصل السادس والستون فيما نزل من القرآن فى حثه على الصدق ولزوم الصادقين

- ‌الفصل السابع والستون فى قوله تعالى: {فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ} الآية

- ‌الفصل الثامن والستون فيما نزل من القرآن فى البشارة للمقاتلين فى سبيل اللَّه

- ‌الفصل التاسع والستون فيما جاء فى مدة إقامته صلى الله عليه وسلم فى غزوة تبوك

- ‌الفصل السبعون فيما جاء عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم مقالته فى فضيلة الشام وهو فى غزوة تبوك

- ‌الفصل الحادى والسبعون فيما جاء عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فى أخبار ديار ثمود

- ‌الفصل الثانى والسبعون فيما جاء فى استقباله صلى الله عليه وسلم عند عودته من غزوة تبوك

- ‌الفصل الثالث والسبعون فيما جاء فى موت عبد اللَّه بن أبى سلول رأس المنافقين

- ‌جريدة المصادر

- ‌المخطوطات

- ‌(ألف)

- ‌(الباء)

- ‌(التاء)

- ‌(الثاء)

- ‌(الجيم)

- ‌(الحاء)

- ‌(الخاء)

- ‌(الدال)

- ‌(الذال)

- ‌(الراء)

- ‌(الزاء)

- ‌(السين)

- ‌(الشين)

- ‌(الصاد)

- ‌(الضاد)

- ‌(الطاء)

- ‌(الغين)

- ‌(الفاء)

- ‌(الكاف)

- ‌(اللام)

- ‌(الميم)

- ‌(النون)

- ‌(الاستدراك)

- ‌جريدة المصادر المطبوعة

- ‌(الألف)

- ‌(الباء)

- ‌(التاء)

- ‌(الثاء)

- ‌(الجيم)

- ‌(الحاء)

- ‌(الخاء)

- ‌(الدال)

- ‌(الذال)

- ‌(الراء)

- ‌(الزاء)

- ‌(السين)

- ‌(الشين)

- ‌(الضاد)

- ‌(الطاء)

- ‌(العين)

- ‌(الغين)

- ‌(الفاء)

- ‌(القاف)

- ‌(الكاف)

- ‌(اللام)

- ‌(الميم)

- ‌(النون)

- ‌(الهاء)

- ‌(الواو)

- ‌المؤلف فى سطور

الفصل: بسم الله الرحمن الرحيم   ‌ ‌المقدمة الحمد للَّه الذى أرسل رسوله بالهدى ودين

بسم الله الرحمن الرحيم

‌المقدمة

الحمد للَّه الذى أرسل رسوله بالهدى ودين الحق، ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وإمام الأولين والآخرين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد:

فإنه لما كان علم المغازى والسير من العلوم النافعة الشريفة التى تنافس فيها المتنافسون، وشمر عن ساعد الجد فى تحصيلها العاملون المخلصون.

اذ هو علم يحث المسلم النبيل عل الاقتداء بنبيه المصطفى صلى الله عليه وسلم، وإلى التخلق بحقائق أقواله وأفعاله صلى الله عليه وسلم التى توصله إلى دار السلام، وإنه لعلم نافع عظيم يطلع المسلم خلال دراسته التى درج عليها المحدثون القدماء فى الاسلام -على ما كانت عليه الصورة الاسلامية الحقيقية فى العهد النبوى الشريف وفى العهود الاولى من الخلافة الاسلامية الراشدة.

وليس ثمة شك، أن دراسة هذا العلم والتعمق فيه لهى دراسة

ص: 10

تعين على تفسير كتاب اللَّه تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم كما قال عز من قائل: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا} (1) وقال أيضا: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} (2) وكما صح عن الصديقة بنت الصديق رضي اللَّه تعالى عنهما فيما روى عنها سعد بن هشام رحمه اللَّه تعالى قال: سألت عائشة رضي اللَّه تعالى عنها، فقلت: أخبرينى عن خلق رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم؟ فقالت رضي الله عنها: كان خلقه القرآن (3).

فالآيتان الكريمتان والحديث وما فى معناها، يدل دلالة واضحة على أنه صلى الله عليه وسلم كان صورة واضحة، ومثالا حيا، لما جاء به كتاب اللَّه تعالى من أحكام، وآداب، ومعاملات، فبقى الحال -برهة من الزمن- فى العهد النبوى الشريف، وفيما بعد من الخلافة الراشدة، -على أحسن ما يرام، لقرب العهد به صلى الله عليه وسلم، ثم تطاول الوقت، وكر الدهر، -وللَّه فى ذلك حكمة بالغة- فاتى على المسلمين

(1) سورة الاحزاب رقم الآية (21).

(2)

سورة آل عمران رقم الآية (31).

(3)

رواه أحمد فى مسنده (45، 91، 111، 163، 188/ 6) ومسلم فى صحيحه فى كتاب المسافرين، وأبو داود فى سننه فى كتاب التطوع، والترمذي فى جامعه فى كتاب البر، والنسائي فى سننه فى قيام الليل، وابن ماجه فى سننه، كتاب الاحكام، والدارمي فى سننه، كتاب الصلاة.

ص: 11

عهد وقعت فيه الكارثة العظمى، والمصيبة الكبرى، مصداقا لقوله صلى الله عليه وسلم: فيما روى عنه عمرو بن عوف رضي اللَّه تعالى عنه، قال:"فواللَّه ما الفقر أخشى عليكم، ولكنى أخشى عليكم أن تبسط الدنيا عليكم، كما بسطت علي من كان قبلكم، فتنافسوها كما تنافسوها، وتلهيكم، كما ألهتهم"(1).

فظهر هذا اللهو واضحًا جليًا فى حياة المسلمين بعد أن فقدوا تلك القيادة الرشيدة العالمية، فاستغل الاعداء الماكرون -من اليهود عليهم لعائن اللَّه، ومن لف لفهم من أمم الشرق والغرب فرصة اللهو هذه، فوجهوا خلالها تلك الطعنات الخبيثة، الى صميم رسالتنا الخالدة، والى حاملها صلى الله عليه وسلم، والى أصحابه البررة الكرام، والى كل من حمل هذا العلم صافيا نقيا.

فأول ما بدأ به هؤلاء الاوباش هو أن أوجدوا جماعة كبيرة فى صفوف المسلمين، بعد أن غذوها غذا ماديا الحاديا يمكن أن يحولوا به مجرى التاريخ الاسلامى الحافل، الى ما أرادوا به من ايقاع الفتن، والشرور، والاضطراب، والى كل ما من شأنه أن لا تبقى هذه الأمة المجيدة على اصالتها، وروحها الطاهرة النقية المهذبة عن طريق الوحى السماوى، ورسالتها السامية الخالدة.

(1) أخرجه البخارى فى الصحيح، فى عدة مواضع: الجزية (1) مغازى (12) رقاق (7) ومسلم فى الزهد، حديث رقم (6) الترمذى فى السنن، القيامة، وابن ماجه فتن (18) ومسند الامام أحمد، (137/ 4، 327/ 1).

ص: 12

فظهر الوضع فى حديث رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قبل ظهور تلك الفلسفة العلمانية اللادينية التى ضيعت على هذه الامة ثقافتها الدينية، وسياستها الحكيمة، فأخذ هذا الوضع يتطور تطورا خطيرا، ولم يكن محصورا على أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم فحسب بل فى أحاديث الصحابة رضي اللَّه تعالى عنهم، التى توقع بينهم الفرقة، والشقاق.

أخرج الحاكم فى مستدركه، بإسناده عن عبد اللَّه بن مسعود رضى اللَّه تعالى عنه فى قصة وفاة أبي ذر رضي اللَّه تعالى عنه، وفيه، أن عثمان نفى أبا ذر إلى الربذة الحديث (1).

وفى إسناد هذا الخبر، بريدة بن سفيان الاسلمى، وهو شيعي رافضى، كما قال عنه الذهبى فى الميزان: بريدة بن سفيان الاسلمي، قال البخاري: فيه نظر وقال أبو داود: لم يكن بذاك، وكان يتكلم فى عثمان.

وقال الدارقطي: متروك. وقيل كان يشرب الخمر، وهو مقل (2).

وقال الحافظ ابن حجر: ليس بالقوي، وفيه رفض من السادسة (3).

قلت: إن لم يكن هذا الحديث قد بلغ درجة الوضع إلا أنه قريب منه، وهو حديث منكر، وقد أخرجه ابن إسحاق فى السيرة (4)، ومحمد

(1) انظر الحاكم فى المستدرك (50 - 51/ 3).

(2)

ميزان الاعتدال للذهبي (306/ 1).

(3)

تقريب التهذيب (96/ 1) وتهذيب التهذيب (433 - 434/ 1).

(4)

سيرة ابن هشام (168/ 4).

ص: 13

ابن جرير الطبري فى تاريخه (1) وكما سترى الكلام على هذا الحديث فى موضعه من هذه الرسالة، فى وفاة أبي ذر رضي اللَّه تعالى عنه بالتفصيل (2).

هكذا بدأ هذا الهجوم على الاسلام، منذ أول يوم عن هذا الطريق اللاذع الرهيب الذى اتخذه المستشرقون، اساسا قويا، ومنهاجا صلبا فى الهجوم على الاسلام بعد أن مهد لهم الطريق، عن هؤلاء الوضاعين الكذابين المنتسبين الى الاسلام -والاسلام منهم براء- فنشط هؤلاء المستشرقون نشاطا مرموقا فى مهمتهم الشيطانية فى الهجوم الشنيع الخفي الذى لا يتمكن من إدراكه أحد إلا من رزقه اللَّه تعالى، علما واسعا، وثقافة عالية.

أورد المستشرق الالماني جوزيف هوروفتس فى ترجمة ابان بن عثمان الاموى رحمه اللَّه تعالى بعد أن ساق فى ترجمته عدة روايات مختلفة بطرق فنية رائعة مع ذكر مصادرها كما سيأتى فحاول أخيرا أن يتكلم بشئ خفي يمس به عدالة هذا التابعى الإِمام فلم يجد ما يبرر به إمام النقد العلمى إن وجه إليه، فحاول -بطريق فنى رائع أجمل- فى أن يأتي بشئ يقربه عينه ويثلج صدره، ويطفئ غيظه فأتى فى ترجمة ابان بن عثمان هذه العبارة (ولم تقصر عناية أهل المدينة على العلوم الدينية وحدها، بل عنوا أعظم عناية بالموسيقي والشعر).

(1) تاريخ الأمم والملوك (371/ 2).

(2)

انظر الفصل الثاني والثلاثين ص 303 - 309.

ص: 14

ومن الخطا أن يظن أنه لا توجد صلات بين العلماء والشعراء، وإن علماء الدين كانوا جميعا معادين للشعر، بل وجد فى المدينة نفسها اعلام من العلماء الدينيين قد برزوا فى قول الشعر، وأشهر مثل لذلك تتحقق فيه هذه الصلة، عبيد اللَّه بن عبد اللَّه بن عتبة، حفيد عتبة بن مسعود، وهو ممن حارب مع النبي- فى أحد، وقد خصص أبو الفرج الاصبهاني فى "كتاب الاغانى" فصلا لعبيد اللَّه هذا، وأورد طائفة من شعره، وفعل مثل ذلك ابن سعد أيضا فى طبقاته، وهو معدود من فقهاء المدينة السبعة، وحينما تيّمَه حب هذلية حسناء دعا الفقهاء الستة الآخرين فى اشعاره التى يخاطبها بها، ليشهدوا على قوة حبه الذى برح به قال:

أحبك حبا لو علمت ببعضه

لجدت عليّ ولم يصعب عليك شديد

وحبك -يا أم الصبي- مدلهى

شهيدى أبو بكر، وأى شهيد

ويعلم وجدى القاسم بن محمد

وعروة ما القى بكم، وسعيد

ويعلم ما أخفى سليمان علمه

وخارجة يبدى لنا ويعيد

متى تسألى عما أقول فتخبرى

فللحب عندى طارف وتليد (1)

قلت: من العجب جدا أمر هذه الابيات التى هي ترجمة صحيحة عن نفسية عبيد اللَّه بن عبد اللَّه بن عتبة إن صح الاسناد إليه.

فعلينا أن نرجع الى ترجمة عبيد اللَّه هذا المذكور حتى نعرف عن شخصيته، وحقيقته هل هذه الابيات تتفق مع ترجمته؟ أو هناك فى دس

(1) انظر المغازى الأولى ومؤلفوها جوزيف هورفتس ترجمة حسين نصار 6 - 7 الطبعة الحلبية الاولى سنة 1369 هـ بمصر.

ص: 15

من دسائس الأعداء الماكرين؟ قال الحافظ ابن حجر فى ترجمته: قال الواقدى: كان عالما، وكان ثقة فقيها، كثير الحديث، والعلم، شاعرا، وقد عمى، وقال العجلى: كان أعمى، وكان أحد فقهاء المدينة، تابعي ثقة، رجل صالح جامع للعلم، وهو معلم عمر بن عبد العزيز.

وقال أبو زرعة: ثقة مأمون، امام.

وقال ابن حبان فى الثقات: كان من سادات التابعين.

وقال ابن جرير الطبرى: كان مقدما فى العلم، والمعرفة بالاحكام، والحلال والحرام، وكان مع ذلك شاعرا مجيدا.

وقال ابن عبد البر: كان أحد الفقهاء العشرة، ثم السبعة الذين تدور عليهم الفتوى، وكان عالما فاضلا مقدما فى الفقه، تقيا، شاعرا محسنا، لم يكن بعد الصحابة الى يومنا فيما علمت فقيه أشعر منه ولا شاعر أفقه منه.

وقال عمر بن عبد العزيز: لو كان عبد اللَّه حيا ما صدرت الا عن رأيه انتهي كلام الحافظ ملخصا (1) قلت وهو من رجال الكتب الستة وقد أخرج له البخاري جملة من الاحاديث فى الاحكام، قبل أن ندرس اسناد هذه الابيات نقف هنا قليلا، ونسأل الاستاذ جوريف هوروفتس كيف أدخلت هذه الابيات المنسوبة الى عبيد اللَّه بن عبد اللَّه ابن عتبة فى ترجمة أبان بن عثمان، وأنت تتكلم على مؤلفى المغازى الأولى، وعبيد اللَّه بن عبد اللَّه لم يكن مؤلف المغازى مع اعترافك؟

(1) تهذيب التهذيب (23 - 24/ 7)

ص: 16

ب - وهل هناك ارتباط وثيق مع المعاني التى تحمل هذه الابيات فى طياتها مع الشخصية المباكة التى ترى ما قيل فى ترجمتها؟

ثم السؤال الأخير:

جـ - هل درست اسناد هذه الابيات؟

وأنا أتولى الجواب:

أ - لا مناسبة أبدا بين ايراد هذه الابيات فى ترجمة ابان بن عثمان بن عفان رحمه اللَّه تعالى. الا للنيل من شخصية مماثلة فى الزهد، والورع، واسقاط عدالته.

ب - لا تتفق هذه المعاني القبيحة التى تشم منها رائحة الزنا مع شخصية عبيد اللَّه بن عبد اللَّه المذكور المترجم لها آنفا.

جـ - اما الاسناد فهو كاد أن يكون موضوعا كما سترى.

قال أبو الفرج الاصبهاني (1):

حدثنا محمد بن جرير الطبرى، والحرمى بن العلاء، ووكيع، قالوا: حدثنا الزبير بن بكار، قال: حدثنى اسماعيل بن يعقوب، عن أبي الرتاد، عن أبيه، قال: قدت المدينة امرأة من ناحية مكة، من هذيل، وكانت جميلة، فخطبها الناس، وكادت تذهب بعقول أكثرهم، فقال فيها عبيد اللَّه بن عبد اللَّه ابن عتبة بن مسعود ثم ساق الابيات المذكورة.

(1) الأغانى (96/ 8) طبعة بولاق.

ص: 17