الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
رواية مجهول الحال
ص ــ مسألة: مجهول الحال لا يقبل.
وعن أبي حنيفة قبوله.
لنا: الأدلة تمنع من الظن، فخولف في العدل فيبقى ما عداه.
وأيضاً: الفسق مانع فوجب تحقق ظن عدمه، كالصبا والكفر.
قالوا: الفسق سبب التثبت فإذا انتفى. انتفى.
قلنا: لا ينتفي إلا بالخبرة أو التزكية.
قالوا: نحن نحكم بالظاهر.
وردّ: بمنع الظاهر، وبنحو {وَلَا تَقفُ} .
قالوا: ظاهر الصدق كإخباره بالذكاة، وطهارة الماء ونجاسته، ورِقّ جاريته.
وردّ: بأن ذلك مقبول مع الفسق، والرواية أعلى رتبة.
ش ــ إذا جهل حال الراوي من العدالة والفسق لم تقبل روايته عند أكثر العلماء.
وقبله أبو حنيفة ــ رحمه الله ــ.
قالوا: الأدلة السمعية، كقوله ــ تعالى ــ:{إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ} .
وقوله: {وَلَا تَقفُمَالَيسَلَكَبه عِلمٌ} . وقوله: {وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغنِيمِنَ الحَقِّشيئا (28)} مانعة من العمل بالظن مطلقاً، لكن خولف في الظن الحاصل من قول العدل لاختصاصه بزيادة ظهور الثقة، وبعده عن التهمة فبقيت معمولاً بها في غير العدل لسلامته عن المعارض.
وفيه نظر؛ لأن ما ذكر من زيادة ظهور الثقة ونحوه لا يصلح معارضاً للقرآن لا محالة، فيجب العمل به مطلقاً، لكنه ليس كذلك فكان متروك الظاهر لا يصلح حجة.
ولأن أنا حنيفة ــ رحمه الله ــ اعتمد على شهادة النبي ــ صلى الله عليه وسلم ــ بخيرية القرن الذي كان فيه، فكانت العدالة ظاهرة في زمنه.
وقالوا ــ أيضاً ــ: الفسق مانع عن قبول رواية صاحبه، فوجب تحقق ظن عدمه، قياساً على الكفر والصبا. فإنهما لما كانا مانعين عن قبول رواية صاحبهما، وجب تحقق ظن عدمهما، دفعاً للمفسدة.
وفيه نظر؛ فإن الظن كان متحققاً في زمنه اعتماداً على شهادة النبي ــ عليه السلام ــ.
واحتجت الحنفية على قبول رواية المجهول بأوجه:
منها: أن سبب التثبت هو الفسق بالنص، وهو فيه منتفٍ؛ لأن الأصل عدمه، فينتفي التثبت ويجب القبول.
وأجاب المصنف: بمنع انتفاء الفسق، بل إنما ينتفي إذا عُلِمَ عدم فسقه بالخبرة، أو التزكية.
ولقائل أن يقول: اشتراط العلم في ذلك متعذر قطعاً، والظن حاصل بالزمن.
ومنها [111/ب] قوله ــ صلى الله عليه وسلم ــ: {{نحن نحكم بالظاهر} }.
ومجهول الحال الظاهر منه لا من حاله العدالة فيحكم بقوله.
وأجاب بمنع ظهور العدالة من المسلم، فإن الفرض أنه مجهول الحال.
وفيه نظر؛ لأنه لم يقل: إن الظاهر من حاله العدالة، بل قال: الظاهر من المسلم العدالة والفرق بيّن، على أن منع ظهور العدالة عن المسلم إمّا أن يكون في زماننا، أو في زمان أبي حنيفة، أو مطلقاً، والثالث سوء ظن بالصحابة. والثاني رَدٌّ لشهادة النبي ــ صلى الله عليه وسلم ــ والأول ليس بمراد لأبي حنيفة.
وقال: ــ وأيضاً ــ مُعَارَضٌ بقوله ــ تعالى ــ {وَلَا تَقفُمَالَيسَلَكَبه عِلمٌ} فإنه يدل على عدم اعتبار قوله، لعدم العلم به.
وفيه نظر؛ لما تقدم أن الاستدلال بهذه الآية لا يتم، على أنها تدل على اشتراط العلم، وهو ليس بشرط بالاتفاق.
ومنها: أن مجهول الحال ظاهر الصدق فيما رواه كما أنه ظاهر الصدق في إخباره بكون اللّحم مذكى، وطهارة الماء ونجاسته، وَرِقَّ جاريته وقول ظاهر الصدق مقبول.
وأجاب بالفرق من وجهين:
الأول: أن إخباره فيما ذكرتم من الصور مقبول مع الفسق، فكذا مع كونه مجهول الحال. بخلاف روايته فإنه لا تقبل مع الفسق، فكذلك مع الجهل بحاله.
وفيه نظر، أمّا أولاً: فلأن مبناه الفرق، وقد علمت ما فيه.
وأما ثانياً: فلأن الفاسق إذا أخبر بما ذكر من الصور بحكم رأي المبتلى به لا يقبل مثله.
وأمّا ثالثاً: فلأن قوله: بخلاف روايته؛ فإنها لا تقبل مع الفسق، فكذلك لم تقبل مع الجهل ظاهر الفساد.
والثاني: أن الرواية أعلى رتبة من الإخبار فيما ذكرتم من الصور ولا يلزم من قبول إخبار مجهول الحال فيما هو أدنى رتبة، قبوله فيما هو أعلى رتبة.
وفيه نظر؛ لأن كل واحد منهما متعدٍ إلى الغير، وفي ذلك سيّان في المرتبة؛ ولأن مبناه على الفرق.
ص ــ مسألة: الأكثر أن الجرح والتعديل يثبت بالواحد في الرواية دون الشهادة.
وقيل: لا فيهما.
وقيل: نعم فيهما.
الأول: شرط فلا يزيد على مشروطه، كغيره.
قالوا: شهادة فيتعدد.
وأجيب: بأنه خبر.
قالوا: أحوط.
أجيب: بأن الآخر أحوط.
والثالث: ظاهر.
ش ــ اختلف العلماء في أن الجرح والتعديل هل يثبت بخبر الواحد أو لا؟
فالأكثر أنهما يثبتان به الرواية دون الشهادة.
وقيل: لا يثبتان به فيهما.
وقيل: يثبتان به فيهما.
حجة الأكثرين: أن الرواية تثبت بخبر الواحد، وكل من الجرح والتعديل شرط الرواية، والشرط لا يزيد على مشروطه في طريق إثباته كما في غير محل النزاع.
وإنما قيل: في طريق إثباته؛ لأن الشرط قد يزيد على مشروطه في طريق تحصيله، كما في النكاح؛ فإنه سنة، وحضور الشاهدين شرطه، وهو واجب.
وأمّا الشهادة فلا بد فيها من التعدد، ولا تثبت بخبر الواحد وحجة النافين فيهما جميعاً: أن الجرح والتعديل شهادة فلا بد [112/أ] من تعدد الجارح والمعدل، كسائر الشهادات.
وأجيب: بأنهما من باب الإخبار دون الشهادة، ولا يشترط التعدد.
ولقائل أن يقول: لو كان كذلك ثبتا به في الشهادة، فكان حجة على الأكثرين.
وقالوا ــ أيضاً ــ: اعتبار العدد فيهما أحوط، والعمل به أولى.
وأجيب: بأن عدم التعدد أحوط؛ لاحتمال تضييع الأحكام عند اشتراط العدد. وإذا كان كذلك وقع التعارض بين جهتي الترجيح ولا مرجح فيسقط الدليل.
ولقائل أن يقول: الترجيح الأول راجع إلى ذات الجرح والتعديل، والثاني إلى حالٍ من أحوالهما. والأول أولى لا محالة.
وحجة المذهب الثالث: ظاهر مما سبق، وهو أن الجرح والتعديل خبر فلا يحتاج إلى التعدد مطلقاً.
ص ــ مسألة: قال القاضي: يكفي الاطلاق فيهما.
وقيل: لافيهما.
وقال الشافعي: في التعديل.
وقيل: بالعكس.
وقال الإمام: إن كان عالماً كفى فيهما وإلا لم يكف.
القاضي: إن شهد من غير بصيرة لم يكن عدلاً. وفي محل الخلاف، مدلس.
وأجيب: بأنه قد يبني على اعتقاده. أو لا يعرف الخلاف.
الثاني: لو اكتفى لأثبت مع الشك للالتباس فيهما.
أجيب: بأنه لا شك مع إخبار العدل.
الشافعية: لو اكتفى في الجرح، لأدى إلى التقليد للاختلاف فيه.
العكس: العدالة ملتبسة لكثرة التصنع، بخلاف الجرح.
الإمام: غير العالم يوجب الشك.
ش ــ واختلفوا ــ أيضاً ــ في أنه هل يكفي في التعديل والجرح إطلاق العدالة، والفسق بدون ذكر السبب، أو لا؟
فقال القاضي: يكفي الإطلاق فيهما.
وقيل: لا يكفي في واحد منهما.
وقال الشافعي: يكفي في التعديل دون الجرح.
وقيل: بالعكس.
وقال إمام الحرمين: إن كان المعدل والجارح عالمين بسبب الفسق والعدالة كفى الإطلاق فيهما، وإلا فلا.
واستد القاضي: بأن الكلام في إطلاق العدل، وحاله لا يخلو عن ثلاثة: عن عدم علم بالسبب، وعلم به وهو مختلف فيه، وعلم به وهو متفق عليه.
والأول: يفضي إلى عدم عدالته؛ لأنه تكلم بغير بصيرة، والعدل لا يفعله، فمن فرضناه عدلاً لم يكن كذلك، هذا خلف.
والثاني: يفضي إلى التدليس، والمدلس، أي الملبس ــ لا يكون عدلاً فتعين الثالث، فكان إطلاقه دليلاً على العلم بالعدالة أو عدمهما.
وأجيب: بأنه قد يبني المعدل أو الجارح على اعتقاده العدالة أو الفسق بأمر ظنه سبباً ولم يكن سبباً، أو أطلق بناء على سبب ولم يعرف الخلاف، فلا يكون مدلساً.
وفيه نظر؛ لأنه صدق عليه حينئذٍ أنه شهد من غير بصيرة وهو قادح في العدالة.
واستدل من قال: لا يكفي الإطلاق فيهما، بأنه لو كفى وقع الإلتباس الموجب للشك؛ لجواز أن يكون الإطلاق عن سبب، وعن ما ظُنّ أنه سبب وليس بسبب، والحمل على السبب ترجيح بلا مرجح، فلزم الالتباس.
وأجيب: بأنه لا يشك عند إخبار العدل [112/ب] فإن فرض عدالته ترجح كونه عن سبب.
وفيه نظر؛ فإن الذي ذكره المصنف جواباً للقاضي إن صح فهو وارد على هذا، وإن لم يصح، صح مذهب القاضي.
واستدلت الشافعية: بأنه لو اكتفى في الجرح، أدى إلى تقليد المجتهد؛ لأن الاختلاف واقع في سبب الجرح، فالمجتهد إذا اكتفى بقول الجارح أنه مجروح، ولم
يعرف ما هو سبب الجرح عند الجارح مع جواز أن يكون ما هو عند الجارح سبب، لا يكون سبباً عند المجتهد، لزم تقليد المجتهد الجارح في ذلك، وذلك غير جائز على ما سيأتي.
وهذا بخلاف أسباب التعديل، فإنها لكثرتها لا تنضبط فلا يمكن ذكرها فيكتفي فيه بالإطلاق.
وفيه نظر؛ لأن فرض العدالة يقتضي أن يكون الجرح بما هو سبب متفق عليه، وإلا كان مدلساً.
واستدل من قال بعكس مذهب الشافعي: بأن العدالة متلبسه يتعسر الاطلاع عليها؛ لكثرة التصنع فربما يظهر الرجل صلاحية بالتصنع. بخلاف الجرح فإنه لا يمكن التصنع فيه. فلا بد في العدالة من ذكر سببها، لدفع الإلتباس. فلا يجب ذكره في الجرح لعدم الالتباس.
وفيه نظر؛ لأن من امتثل الأوامر واجتنب النواهي كان عدلاً، وإظهار الصلاحية غير قادح، إلا إن كان على خلاف ما في باطنه، وذلك أمر لا يطلع عليه.
واحتج الإمام بأن المعدل أو الجارح إن كان غير عالم، ولم يذكر السبب فيهما يكون قوله موجباً للشك؛ لأنه إذا كان غير عالم، احتمل أن يجعل ما هو موجب للجرح موجباً للعدالة، وبالعكس. فلم يحصل الجرح والتعديل بتعديله وجرحه.
ولقائل أن يقول: التعديل عند عدم العلم بأسباب العدالة ممن فُرِضَ عدلاً غير متصوّر، والإقدام على الجرح والتعديل ممن لا يعلم أسبابه قادح في عدالته، فكان وجه الإمام ضعيفاً في جانبيه.
ص ــ مسألة: الجرح مقدم.
وقيل: الترجيح.
لنا: أنه جمع بينهما. فوجب.
أمّا عند إثبات معّين ونفيه باليقين فالترجيح.
ش ــ إذا وقع التعارض بين الجرح التعديل، فقال قوم: يقدم الجرح مطلقاً.
وقال آخرون: لا بد من الترجيح في كل صورة، فأيهما ترجح قُدم على الآخر.
واختار المصنف التفصيل فقال: إذا عين الجارح سبب الجرح، ونفاه المعدل بطريق يقيني، قُدّم أحدهما على الآخر بالترجيح. وذلك مثل أن يقول الجارح: رأيته قتل فلاناً. ويقول المعدل: رأيت فلاناً المدَّعَى قَتْلَه، حيّاً وإذا لم يعين الجارح سبب الجرح، أو عينه ولم ينفه المعدّل، أو نفاه بطريق غير يقيني، فالجرح مقدم.
واستدل بما تقريره: إن تقديم الجرح في الصور الثلاث جمع بين الترجيح وتقديم الجرح، فوجب تقديم الجرح.
وإنما قلنا: إن تقديم الجرح في الصور الثلاث جمع بين الترجيح وتقديمه؛ لأن الجرح في الصور الثلاث راجح.
أمّا في الأولى؛ فلأن الجارح اطّلَع على ما لم يعرفه المعدل ولم ينفه.
وأمّا في الثانية؛ فلأن المعدل لم يتعرض لنفي ما أثبته الجارح.
وأمّا في الثالثة؛ فلأنه لم ينفه بطريق يقيني.
وأمّا في غير الصور الثلاث وهو الصورة التي عيّن فيها الجارح سبب الجرح،
ونفاه المعدل بطريق يقيني فيقدم أحدهما على الآخر بالترجيح.
والترجيح يتحقق بكثرة العدد وشدة الورع والتحفظ. هذا ما ذكره شيخي ــ العلامة رحمه الله. ودلالة لفظ المصنف عليه حقيقة.
ومن الشارحين من حمل كلام المصنف على أن العمل بالجرح في غير صورة التعيين، فيكون جمعاً بينهما، فيكون أولى.
أمّا إذا عين سبب الجرح ونفاه المعدل بطريق يقيني فلا يمكن الجمع والعمل بأحدهما من غير مرجح لا يجوز، فلا بد من الترجيح، وهو مثله فكان في دلالة لفظ المصنف اختلال.