المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌خبر الواحد ص ــ خبر الواحد: ما لم ينته إلى التواتر. وقيل: - الردود والنقود شرح مختصر ابن الحاجب - جـ ١

[البابرتي]

فهرس الكتاب

- ‌ المباديء

- ‌ فائدته:

- ‌ استمداده

- ‌ الدليل

- ‌النظر:

- ‌حد العلم

- ‌ الذكر الحكمي

- ‌تقسيم العلم

- ‌معرفة الحد وتقسيمه

- ‌مادة المركب:

- ‌الذاتي

- ‌تمام الماهية

- ‌ الجنس والنوع

- ‌العرضي

- ‌صورة الحد

- ‌ القضية

- ‌ الأمارات

- ‌وجه الدلالة في المقدمتين

- ‌الضروريات

- ‌صورة البرهان

- ‌ القياس الاقتراني

- ‌النقيضان:

- ‌العكس المستوي

- ‌ عكس النقيض

- ‌تقسيم المقدمتين إلى أربعة أشكال

- ‌ الشكل الأول

- ‌ الشكل الثاني

- ‌ الضروب المنتجة

- ‌ الشكل الثالث:

- ‌ الشكل الرابع

- ‌ قياس الخلف

- ‌ مبادئ اللغة

- ‌ اقسامها: مفرد ومركب

- ‌تقسيم المفرد إلى اسم وفعل وحرف

- ‌المركب

- ‌تقسيم آخر للمفرد

- ‌المشترك

- ‌ الترادف

- ‌ وقوعه

- ‌الحقيقة

- ‌المجاز

- ‌اللفظ قبل الاستعمال ليس بحقيقة ولا مجاز

- ‌ مسألة: إذا دار اللفظ بين المجاز والاشتراك

- ‌في وقوع الحقائق الشرعية

- ‌الإيمان والإسلام

- ‌القرآن المعرّب

- ‌المشتق

- ‌ مسألة: اشتراط بقاء المعنى في كون المشتق حقيقة

- ‌ الحروف

- ‌ الحرف لا يستقل بالمفهومية

- ‌الواو

- ‌ مسألة: الواو للجمع المطلق

- ‌ إبتداء الوضع

- ‌ليس بين اللفظ ومدلوله مناسبة طبيعية

- ‌التحسين والتقبيحومن هنا مبادئ الأحكام الشرعية

- ‌ دليل المعتزلة على أن الحسن والقبح ذاتيان

- ‌مسألتان في شكر المنعموفي الأشياء قبل ورود الشرع

- ‌ مسألتان على التنزل:

- ‌الأولى شكر المنعم

- ‌الوجوب

- ‌الواجب على الكفاية

- ‌ الواجب الموسع

- ‌ما لا يتم الواجب إلا به

- ‌أحكام الحرام

- ‌ مسألة: يستحيل كون الشيء واجباً حراماً من جهة واحدة

- ‌الصلاة في الدار المغصوبة

- ‌المندوب

- ‌المكروه

- ‌أحكام المباح

- ‌خطاب الوضع

- ‌الأول: الحكم على الوصف المعين بكونه سببا

- ‌الثالث: الحكم على الوصف بالشرطية

- ‌ الصحة والبطلان

- ‌الرخصة والعزيمة

- ‌المحكوم فيه الأفعال

- ‌شرط المطلوب: الإمكان

- ‌مساله: لا تكليف إلا بفعل

- ‌مساله: قال الأشعري: لا ينقطع التكليف بفعل حال حدوثه

- ‌المحكوم عليه: المكلف

- ‌الأدلة الشرعية

- ‌ الأدلة الشرعية: الكتاب والسنة والإجماع، والقياس، والاستدلال

- ‌ المحكم والمتشابه

- ‌ السنة وأفعاله ــ صلى الله عليه وسلم

- ‌ المسألة الثالثة: في التقرير

- ‌الإجماع

- ‌ تعريفه

- ‌ ثبوته

- ‌المبتدع

- ‌ المسألة الثانية: في اعتبار قول المبتدع في الإجماع

- ‌ الخبر

- ‌تعريف الخبر

- ‌تسمية غير الخبر إنشاءً وتنبيهاً

- ‌تقسيم الخبر إلى صدق وكذب

- ‌تقسيم الخبر إلى ما يعلم صدقه وإلى ما يعلم كذبه

- ‌ الشرائط المختلف فيها في المخبرين

- ‌خبر الواحد

- ‌شرائط الراوي أربعة

- ‌الأول: البلوغ

- ‌ الثاني: الإسلام

- ‌ الرابع: العدالة

- ‌ الكبائر

- ‌رواية مجهول الحال

- ‌هل العمل بالشهادة والرواية يكون تعديلاً

- ‌ مسألة حكم الحاكم المشترط العدالة بالشهادة تعديل باتفاق

- ‌ إذا قال: أُمِرنا أو نُهِيّنَا أو أوجب، أو حرّم

- ‌ مسألة: إذا قال: من السنة كذا

- ‌ مسألة: إذا قال: كنا نفعل، أو كانوا

- ‌ قراءة الشيخ على الراوي

- ‌ قراءة غير الراوي على الشيخ

- ‌ إذا كذب الأصل الفرع، سقط القبول

- ‌ إذا انفرد العدل بزيادة والمجلس واحد

- ‌ مسألة: [خبر] الواحد في الحد

- ‌حمل الصحابي ما رواه على أحد محمليه

- ‌الخبر المخالف للقياس

- ‌ المنقطع

الفصل: ‌ ‌خبر الواحد ص ــ خبر الواحد: ما لم ينته إلى التواتر. وقيل:

‌خبر الواحد

ص ــ خبر الواحد: ما لم ينته إلى التواتر.

وقيل: ما أفاد الظن.

ويبطل عكسه بخبر لا يفيد الظن.

والمستفيض: ما زاد نقلته على ثلاثة.

ش ــ لما فرغ من الخبر المتواتر بين خبر الواحد وعرّفه بأنه: خبر لم ينته إلى حد التواتر، إمّا بأن لا يكون المخبر جماعة، أو يكون ولكن لم يفد إخبارهم العلم، لانتفاء شرط، أو يفيده لكن لا بنفسه بل بالقرائن الزائدة على ما لا ينفك عن المتواتر.

وفيه نظر؛ فإنه منقوض بالمشهور؛ فإنه خبر لم ينته إلى حد التواتر وليس بخبر واحدٍ.

وقيل: خبر الواحد: ما أفاد الظن. ونقضه المصنف بعكسه؛ فإن واحداً إذا

ص: 632

أخبر بخبر ولم يفد الظن فهو خبر واحد [104/ب] بالاتفاق وإن لم يفد الظن، فقد وجد المحدود بدون الحد.

وفيه نظر؛ لأن ذلك خبر واحد لغوي لا اصطلاحي، وليس الكلام في اللغوي.

نعم هو غير مطرد؛ لأن القياس يفيد الظن، وليس خبر واحد، فقد وجد الحد بدون المحدود، وفي ترتيب كلامه تسامح؛ لأنه قدم خبر الواحد على المشهور، فلم يكن الوضع مناسباً للطبع.

وعرفه: بما زاد نقلته على ثلاثة، وهو فاسد؛ لأن المتواتر كذلك.

ص ــ مسألة: قد يحصل العلم بخبر الواحد [العدل] بالقرائن لغير التعريف.

وقيل: وبغير قرينة.

وقال أحمد: ويطرد.

والأكثر: لا بقرينة ولا بغيرها.

لنا: لو حصل بغير قرينة لكان عادياً، فيطرد، ولأدى إلى تناقض المعلومين ولوجب تخطئة المخالف.

وأمّا حصوله بقرينة فلو أخبر ملك بموت ولد مشرف مع صراخ وجنازة وانهتاك حريم ونحوه لقطعنا بصحته.

واعترض: بأنه حصل بالقرائن.

وردّ: بأنه لولا الخبر لجوّزنا موت آخر.

ص: 633

قالوا: دليلكم يأباه.

قلنا: انتفى الأول؛ لأنه مطرد في مثله. وانتفى الثاني؛ لأنه يستحيل حصول مثله في النقيض. وانتفى الثالث؛ لأنا نخطئ المخالف لو وقع.

قالوا: قال: {وَلَا تَقفُ} {إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ} .

فنهى وذم، فدل على أنه ممنوع.

وأجيب: بأن المتبع الإجماع.

وبأنه مؤول فيما المطلوب فيه العلم من الدين؟

ش ــ لما فرغ من تعريفه ذكر فيه ست مسائل:

الأولى: قد يحصل العلم بخبر الواحد العدل بالقرائن لغير التعريف.

وتحقيقه بتقسيم هو: أن خبر الواحد العدل إمّا أن يكون معه قرينة، أو لا. فإن كانت فإمّا أن تكون للتعريف، كموافقته للدليل العقلي، أو خبر الصادق ــ عليه السلام ــ. أو لغير التعريف، كالأمارات الدالة على صدق الخبر، كالبكاء وشق الجيوب ونحو ذلك.

والخبر الذي معه قرينة للتعريف لا أثر له في إفادة العلم بصدقه؛ فإن المفيد له الدليل العقلي الذي يقتضي العلم بمتعلق الخبر، أو الخبر الصادق.

وأمّا الذي معه القرينة لغير التعريف، فقد قال المصنف:{{أنه قد يحصل العلم به} }.

وقيل: كما يحصل العلم بخبره مع القرينة، يحصل بغيرها ــ أيضاً.

ص: 634

وقال أحمد: {{ويطرد} } أي يحصل العلم بخبر كل واحد عدل، سواء كان معه قرينة، أو لا.

والأكثر: على أن خبر الواحد العدل لا يفيد العلم مطلقاً.

ولقائل أن يقول: قد تقدم في أول الكتاب أن العلم ما عنه ذكر حكمي لا يحتمل متعلقه النقيض بوجه من الوجوه المذكورة ثمة.

ولا شك أن النفوس في صحة الاتصاف بالعلوم متفاوتة، فمن نفس تتصف بالعلم بشئ بتنبيه أو إشارة أو غير ذلك.

لا تتوقف لشدة المناسبة بينها وبين ذلك الشيء، وأخرى تتوقف بحيث لا يُنْجِعُ البرهان فيهما؛ لعدمها بينهما. فالحكم على كل واحد بأن خبر الواحد بقرينة أو بغيرها يفيده العلم بعيد عن التحقيق [105/أ].

واستدل المصنف على أنه بدون القرينة لا يفيده وبها يفيده.

أمّا على الأول فبوجوه منها:

أن خبر الواحد العدل لو أفاد العلم أفاده عادة؛ لأن العقل لا يستقل بإدراك ما لأجله أفاد ذلك الخبر العلم، ولو كان عادة لاطرد، أي حصل بخبر كل عدل؛ لأن

ص: 635

الموجب لحصوله ــ وهو خبر العدل ــ متحقق في كل عدل فيلزم من الشرطيتين أن خبر الواحد العدل لو كان موجباً للعلم لحصل العلم بخبر كل عدل، لكنه ليس كذلك.

وفيه نظر؛ لأن بطلان التالي ممنوع، وهو مذهب أحمد.

ومنها: أن خبره لو أفاد العلم تناقض المعلومان؛ لإمكان أن يخبر عدل عن شيء، وآخر عن نقيضه، والفرض إفادة كل منهما العلم.

وفيه نظر؛ لأن المقتضي يقتضي إفادة كل منهما العلم ولكن المانع ــ وهو التعارض ــ منعه، فلم يفد واحد منهما.

ومنها: لو حصل العلم بخبر كل عدل، لوجب تخطئة مخالفه، وهو ظاهر لوجوب تخطئة مخالف اليقين. وبالتالي باطل بالاتفاق.

وفيه نظر؛ فإن بطلان التالي ممنوع؛ فإن بعض المجتهدين يُخَطّئُ بعضاً من مخالفي خبر الواحد، ومذهبه أنه يفيد الظن فضلاً عمن ذهب إلى أنه يفيد العلم، ولهذا نقل عن السلف أنهم كانوا يقولون: في الفروع: مذهبي صواب يحتمل الخطأ، ومذهب الخصم خطأ يحتمل الصواب.

وأمّا على الثاني: وهو أن خبر الواحد العدل بقرينة يفيد العلم فبأنه لو أخبر ملكٌ بموت ولده المشرف على الموت مع صراخ وجنازة، وانهتاك حريم ونحوه، كخروج نسائه على حالات مستقبحة معتادة في موت مثله، لقطعنا بصحة خبره.

واعترض: بأن العلم حصل بالقرائن لا بخبر الملك.

وأجيب: بأنه لولا الخبر بموت الولد لجوّزنا موت غيره من ملازمته.

وفيه نظر؛ لأن من جملتها إشراف الولد، والفرض عدمه في غيره. فإن فُرِضَ اشتراكه بين اثنين فاتت القرينة.

واعترض على ما اختاره المصنف بما تقريره أن يقال: الأدلة التي ذكرتم على

ص: 636

أن خبر الواحد العدل لا يفيد العلم بغير قرينة، بعينها قائمة على أنه لا يفيده مع القرينة ــ أيضاً.

وأجاب بمنع قيامها على ذلك التقدير، بل هي منفية.

أمّا الأول: فلأنا لا نسلم أن حصول العلم بخبر الواحد العدل مع قرينة غير مطرد، بل العلم يحصل به دائماً.

وفيه نظر؛ لأن نقيضه ممكن؛ إذ لا يلزم بفرض وقوعه محال.

وأمّا الثاني: فلأن الملازمة ممنوعة، لاستحالة حصول مثل ذلك في نقيضه.

وفيه نظر؛ فإن الاستحالة ممنوعة؛ فإن أنهى ما يقدر ذلك في صورة الموت، وإحياء الميت ممكن فجاز أن ينقلب خبر الموت إلى الحياة، والقرائن إلى أضدادها.

وأمّا الثالث: فلأن انتفاء التالي ممنوع؛ لأنا نحكم بوجوب تخطئة المخالف. وفيه نظر؛ لأنه مشترك كما تقدم.

واستدل القائلون بإفادته العلم مطلقاً، بما تقريره: لو لم يفد العلم خبر الواحد العدل بغير قرينة العلم لما جاز اتباعه.

والتالي باطل بالاتفاق. أمّا الملازمة فلأنه لو لم يفد العلم فإمّا أن يفيد الظن، أو لا. والثاني لا يتبع بالإجماع. والأول كذلك، لقوله ــ تعالى ــ:{وَلَا تَقفُمَالَيسَلَكَبِهِ عِلمٌ} ، ولقوله ــ تعالى ــ:{إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ} .

ووجه الاستدلال: أن الله ــ تعالى ــ نهى في الآية الأولى عن اتباع ما ليس بمعلوم، وذم في الثانية على متابعة الظن، فدل على أن اتباع الظن ممنوع. وقد ثبت أن اتباع خبر الواحد العدل واجب، فكان مفيداً للعلم.

وأجاب عنه: بأن المتبع الإجماع، يعني أنا لا نتبع خبر الواحد، بل المتبع

ص: 637

الإجماع الدال على كون الخبر حجة، والإجماع قطعي.

وفيه نظر؛ لأن دعوى الإجماع باطلة؛ فإن من العلماء من يمنع حجيته؛ لأنه لا يوجب العلم بالاتفاق، ولا العمل ــ أيضاً ــ لانتفاء لازمه.

سلمناه، لكن الإجماع على كونه موجباً للعمل، لا يوجب أن يفيد العلم.

وبأن الإتباع في الآيتين مؤول بالاتباع فيما يكون المطلوب فيه العلم من الدين يعني المطالب الاعتقادية التي لا تتعلق بالعمل، كإثبات الصانع ووحدته؛ فإن اتباع الظن في ذلك حرام، والمخصص الإجماع الدال على وجوب العمل بالظن فيما هو من الفروع.

وفيه نظر؛ لأن من العلماء من يمنع حجيته في حق العمل فلا إجماع وقد تقدم آنفاً.

ص ــ مسألة: إذا أخبر واحد بحضرته ــ صلى الله عليه وسلم ــ ولم ينكر لم يدل على صدقه قطعاً.

لنا: يحتمل أن ما سمعه، أو ما فهمه، أو كان بيّنه، أو رأى تأخيره، أو ما علمه، أو صغّرَه.

مسألة: إذا أخبر واحد بحضرة خلق كثير ولم يكذبوه، وعُلِمَ أنه لو كان كذباً لعلموه، ولا حامل على السكوت، فهو صادق قطعاً للعادة.

ش ــ إذا أخبر واحد بحضرة الرسول ــ صلى الله عليه وسلم ــ ولم ينكر خبره، لم يدل عدم إنكاره ــ عليه السلام ــ على صدقه قطعاً، بل يدل عليه ظناً.

وقيل: قطعاً، وإلاّ لأنكر.

ص: 638

قلنا: يحتمل أنه ــ عليه السلام ــ لم يسمعه، أو سمع ولم يفهم، أو فهم وقد كان بيّنه قبل ذلك أنه كذب، فلم يحتج إلى الإنكار.

أو رأى مصلحة في تأخيره إلى وقت آخر، أو ما عَلِمَ الرسول كذب خبره لكونه دنيوياً، أو استصغر النبي ــ عليه السلام ــ كذبه.

وقيل: ويحتمل أن يكون ذلك من الصغائر، والصغيرة غير ممتنعة منه ــ عليه السلام ــ، والحمل على الأول أولى، ومع هذه الاحتمالات كيف يدل عدم الإنكار على صدقه قطعاً.

وأمّا إذا أخبر واحد بحضرة جمع كثير ولم يكذبوه [وبلغ كثرتهم] إلى حد علم أن الخبر لو كان كذباً لعلموه، وعلم أنه لا حامل لهم على السكوت وهي المسألة الثالثة، فقد قال المصنف:{{إنه صدق قطعاً للعادة} }؛ فإنها تحتمل جهل الكل بكذبه، ومع الإطلاع فهي حاكمة بأن السكوت مع اختلاف الآراء والأمزجة دليل الصدق.

ص ــ مسألة: إذا انفرد واحد فيما تتوفر الدواعي على نقله، وقد شاركه خلق كثير، كما لو انفرد واحد بقتل خطيب على المنبر في مدينة فهو [106/أ] كاذب قطعاً

ص: 639

خلافاً للشيعة.

لنا: العلم عادة.

ولذلك نقطع بكذب من ادعى أن القرآن عورض.

قالوا: الحوامل المقدرة كثيرة.

ولذلك لم ينقل النصارى كلام المسيح في المهد.

ونقل انشقاق القمر، وتسبيح الحصا، وحنين الجذع، وتسليم الغزالة، وإفراد الإقامة، وإفراد الحج، وترك البسملة، آحاداً.

وأجيب: بأن كلام عيسى إن كان بحضرة خلق فقد نقل قطعاً، وكذلك غيره مما ذكر، واستغنى عن الاستمرار بالقرآن الذي هو أشهرها. وأمّا الفروع فليس من ذلك.

وإن سلّم فاستغنى لكونه مستمراً، أو كان الأمران سائغين.

ش ــ المسألة الرابعة: إذا انفرد واحد بالخبر عن شيء توفرت الدواعي على نقله وقد شاركه خلق كثير في مشاهدة ذلك الشيء كما لو انفرد شخص واحد بالخبر عن قتل خطيب على منبر في مدينة، فهو كاذب قطعاً عندنا. خلافاً للشيعة.

لنا: أن العادة تقضي بكذب مثل ذلك الخبر. ولذلك نقطع بكذب من ادعى أن القرآن عورض؛ لأنها مما تتوفر الدواعي على نقلها لكثرة الأعداء، فلو عورضت لنقلت إلينا.

وقالت الشيعة: لا نسلم أن صدق مثل ذلك يستلزم؛ لجواز أن لا ينقلوا

ص: 640

لأعراض حاملة على كتمان ما شاهدوا، وهي كثيرة، كغرض عائد إلى الكل في أمر البلد، أو إصلاح معاش، أو خوف من عدوٍ غالب، أو ملك قاهر، أو أغراض عائدة إلى كل منها.

ولذلك لم ينقل النصارى كلام المسيح في المهد مع غرابته التي تتوفر الدواعي إلى نقلها.

ونقل انشقاق القمر، وتسبيح الحصا في كف رسول الله ــ صلى الله عليه وسلم ــ وحنين

ص: 641

الجذع إليه.

وتسليم الغزالة عليه، وإفراد الإقامة، وإفراد الحج.

وترك البسملة في أول الفاتحة في الصلاة، بطريق الآحاد، مع أنها من

ص: 642

الوقائع التي تتوفر الدواعي إلى نقلها.

وأجاب المصنف: بأن العادة تقضي بامتناع اشتراك الجمع العظيم في الحامل على الكتمان، كما تقضي بامتناع اجتماع الجمع العظيم على مأكل واحدٍ.

والصور المذكورة لا تدل على مدعاكم؛ لأن كلام عيسى ــ عليه السلام ــ في المهد إن لم يكن بحضور جمع كثير لم يرد نقضاً، وإن كان بحضورهم فقد نقل نقلاً قطعياً أولاً لما ذكرنا من الدليل، ثم لم ينقل بعد ذلك لاشتمال القرآن عليه، فاستغنى عن استمرار نقله بالقرآن.

وكذلك غيره من الصور المذكورة من المعجزات لم ينقل متواتراً؛ لعدم توفر الدواعي إلى نقلها، أو ضعفت؛ لأن المقصود الذي هو صدق رسالته قد حصل بالقرآن الذي هو أعظم المعجزات الدالة على صدقها؛ لبقائه على صفحات الدهر، فاستغنى به عن غيره.

وأمّا الفروع المذكورة فليست من ذلك، أي ما تتوفر الدواعي إلى نقلها.

وإن سُلّمَ فقد استغنى عن نقلها متواتراً، لكونها مستمرة في الأنام والأعوام. أو كان الأمران، أي إفراد الإقامة وتثنيتها، وإفراد الحج وقرانه، والبسملة وتركها

ص: 643

سائغين، فنقل كل ما ثبت عنده فلم يتواتر لذلك. كذا [106/ب] بعض الشروح.

وفيه نظر من أوجه:

الأول: أن محل النزاع ما إذا انفرد واحد بنقل ما تتوفر الدواعي إلى نقله، وذلك لا يستلزم أن ينقل متواتراً، بل إذا بلغ إلى حد الشهرة خرج عن محل النزاع.

الثاني: أن كلام عيسى ــ عليه السلام ــ في المهد إن كان بحضور جمع عظيم لا يلزم أن ينقل نقلاً قطعياً، ودعوى ذلك دعوى بلا دليل.

والدليل المذكور مدفوع بوقوع ما ذكروا من كثرة الحوامل المقدرة.

الثالث: أن قوله {{واستغنى عن الاستمرار بالقرآن الذي هو أشهرها غير مفيد؛ لأن الناقل هو النصارى، ولم يقولوا بصحة القرآن} }.

الرابع: أن الفروع المذكورة ليست مما تفرد بنقله واحد فلم يتصل بالمبحث فالتزام الجواب عنها التزام جهل.

الخامس: أن الجواب على الوجه المذكور في المتن، على تقدير صحته إنما هو عما استشهدوا به من النظائر، وأصل نكتتهم باقٍ، وهو ليس بصحيح عند المحصلين.

ص ــ مسألة: التعبد بخبر الواحد العدل جائز عقلاً. خلافاً للجبّائي.

لنا: القطع بذلك.

قالوا: يؤدي إلى تحليل الحرام وعكسه.

قلنا: إن كان المصيب واحداً، فالمخالف ساقط، كالتعبد بالمفتي، والشهادة.

وإلا فلا يرد.

وإن تساويا فالوقف أو التخيير يدفعه.

قالوا: لو جاز لجاز التعبد به في الإخبار عن الباري ــ تعالى ــ.

قلنا: للعلم بالعادة بأنه كاذب.

ص: 644

ش ــ المسألة الخامسة: ذهب الجمهور إلى التعبد بخبر الواحد العدل جائز عقلاً، خلافاً للجبائي.

لنا: القطع بأنا لو فرضنا ورود الشرع بالتعبد به لم يلزم منه محال، ولا نعني بالجواز العقلي إلا ذلك.

وقالوا: لو جاز ذلك أدى إلى تحليل الحرام، وتحريم الحلال؛ لجواز أن يخبر عدل بحرمة فعل، وآخر بحله. والفرض جواز العمل بقول كل منهما فيؤدي إلى ذلك لا محالة. وهذا لا يلزم إذا كان القول الواحد راجحاً يسقط به المرجوح كما تبين.

وأجاب المصنف: بأن المصيب في الإجتهاد إن كان واحداً كما هو مذهب عامة أهل السنة، سقط الدليل؛ لأن الحكم حينئذٍ واحد منهما، وهو الثابت في علم الله ــ تعالى ــ، والحكم المخالف لحكم المصيب ساقط ليس بحكم في علم الله.

وإن كان المجتهد مأموراً بالعمل بموجبه، كما في التعبد بالإفتاء، وشهادة الشاهدين؛ فإنه يجب العمل بهما، وإن كان خطأً. ولا يلزم من العمل به تحريم

ص: 645

ما حل، ولا عكسه؛ لأن حكمهما ليس بحكم ثابت في علم الله؛ لأن الحكم فيه أحدهما.

وإن كان كل مجتهد مصيباً فلا يرد ــ أيضاً ــ ما ذكرتم؛ لأن كل واحد من الحكمين ثابت في علم الله من غير أن يغير أحدهما الآخر.

قوله: {{وإن تساويا} } إشارة إلى الجواب عمّا يقال: ما ذكرتم إنما يتم إذا كان أحد الخبرين راجحاً. والآخر مرجوحاً [107/أ] ليسقط المرجوح المخالف للصواب الذي هو الراجح.

وأمّا إذا تساوى الخبران لزم اجتماع الحكمين المتنافيين في واقعة واحدة. وتقريره: لا نسلم اجتماع المتنافيين على ذلك التقدير؛ فإنه على ذلك التقدير يتوقف حتى يتبين الرجحان، كما هو مذهب بعض. أو يتخير بينهما كما هو مذهب بعض. وبذلك يندفع المحال.

وفيه نظر؛ لأن المصيب إذا كان واحداً، والحكم ما هو الثابت عند الله ينبغي أن لا يلتفت إلى الرجحان في الظاهر، لجواز أن يكون ذلك مرجوحاً في علم الله، والحكم عنده ما دلّ عليه المرجوح.

وقالت ــ أيضاً ــ الجبائية: لو جاز التعبد بخبر الواحد العدل عن

ص: 646

الرسول ــ صلى الله عليه وسلم ــ، لجاز عن الباري ــ تعالى وتقدس ــ بأنه أرسله؛ لأن الموجب لجواز ذلك هو الظن بالصدق، وهو حاصل فيه حصوله في الأول، لكن لا يجوز التعبد بخبر الواحد عن الله بإرساله بدون معجزة دالة على صدقه.

ولقائل أن يقول: سلمنا أن الموجب في الأول هو الظن، لكنه لا يكفي في الثاني؛ لأنه من الاعتقادات، ولا بد فيها من القطع.

وأجاب المصنف: بالفرق، بأنه عُلِمَ بالعادة أن المخبر عن الله ــ تعالى ــ بالرسالة كاذب بدون معجزة تصدقه، ولا كذلك خبر العدل عن الرسول.

ولقائل: أن يقول: عُلِمَ بالعادة أن العدل لا يكذب، وإلا لم يكن عدلاً وذلك خلف فاستوى الصورتان، على أن الفرق غير معتبر عند المحققين، وقد تقدم غير مرة.

ص ــ مسألة: يجب العمل بخبر الواحد.

خلافاً للقاساني، وابن داود، والرافضة.

والجمهور بالسمع.

وقال أحمد، والقفال، وابن سريج، والبصري؛ بالعقل.

لنا: تكرر العمل به كثيراً في الصحابة والتابعين شائعاً ذائعاً من غير نكير. وذلك يقضي بالاتفاق عادة، كالقول قطعاً.

قولهم: لعل العمل بغيرها.

ص: 647

قلنا: عُلِمَ قطعاً من سياقها أن العمل بها.

قولهم: قد أنكر أبو بكر خبر المغيرة حتى رواه محمد بن مسلمة.

وأنكر عمر خبر أبي موسي الأشعري في الاستئذان حتى رواه أبو سعيد.

وأنكر خبر فاطمة بنت قيس.

وأنكرت عائشة خبر ابن عمر.

وأجيب: إنما أنكروا عند الارتياب.

قالوا: لعلها أخبار مخصوصة.

قلنا: نقطع بأنهم عملوا لظهورها، لا لخصوصها.

ش ــ المسألة السادسة: القائلون بجواز التعبد بخبر الواحد العدل اختلفوا في وجوب التعبد به.

فذهب كثير من الأصوليين إلى وجوبه.

وذهب القاساني، وابن داود، والرافضة: إلى حرمة التعبد

ص: 648

به. والقائلون بالوجوب اتفقوا على أنه ثبت سمعاً.

وقال أحمد، والقفال، وابن سريج، وأبو عبد الله البصري: إنه يثبت بالعقل ــ أيضاً.

واحتج المصنف ـعلى وجوب العمل به سمعاً ــ بأنه تكرر العمل بخبر الواحد العدل في زمن الصحابة، والتابعين كثيراً شائعاً ولم ينكر منهم أحد وذلك يقضي عادة

ص: 649

باتفاقهم على وجوب العمل بذلك، كما أن قولهم بوجوب العمل يدل قطعاً [107/ب] على أنهم اتفقوا على وجوب العمل به.

وردّ: بأن تكرر العمل به يدل على الجواز، دون الوجوب.

وأجيب: بأن الجواز يدل على الوجوب؛ لعدم القائل بالفصل وفي كلامه نظر من وجهين:

أحدهما: أن الذي ذكره إنما هو قياس على السمع، والقياس على السمع ليس بسمع.

والثاني: أن الجواز والوجوب لو كانا متساويين في هذا الموضوع كان ذكر هذه المسألة مستدركاً؛ لأن الجواز عُلِمَ مما قبلها، وهو يستلزم الوجوب؛ لعدم القائل بالفصل.

وقالوا: لعل العمل بغيرها، يعني لا نسلم أن الصحابة عملوا بأخبار الآحاد، بل لعلهم عملوا بغيرها حين سمعوها، فلا ينهض دليلاً.

وأجاب: بأنه عُلِمَ قطعاً من سياق تلك الأخبار، وبقرينة الحال أنهم عملوا في تلك الصور لأجل تلك الأخبار، ولا يخفى على من اطلع على قرائن الأحوال.

وفيه نظر؛ لأن أقوالهم لا تفيد القطع ما لم تبلغ حد التواتر فضلاً عن قرائن الأحوال.

وقالوا ــ أيضاً ــ: سلمنا أنهم عملوا بخبر الواحد، لكنهم لم يجمعوا على ذلك، بل تحقق الإنكار من بعضهم؛ فإنه ثبت أن أبا بكر ــ رضي الله عنه ــ أنكر خبر المغيرة،

ص: 650

وهو أن رسول الله ــ صلى الله عليه وسلم ــ أعطى الجدة السدس حتى شهد له محمد بن مسلمة.

وأن عمر ــ رضي الله عنه ــ أنكر خبر أبي موسى الأشعري في الاستئذان وهو ما

ص: 651

روي أنه سمع رسول الله ــ صلى الله عليه وسلم ــ يقول: {{إذا استأذن أحدكم على صاحبه ثلاثاً فلم يؤذن له فلينصرف} } حتى رواه أبو سعيد الخدري ــ رضي الله عنه.

وأنكر عمر ــ رضي الله عنه ــ أيضاً ــ خبر فاطمة بنت قيس في السكنى، وقال:{{لا ندع كتاب ربنا وسنة نبينا بقول امرأة ما ندري أصدقت أم كذبت، أحفظت أم نسيت} }.

ص: 652

وأن عائشة ــ رضي الله عنها ــ أنكرت خبر ابن عمر ــ رضي الله عنهما ــ أن الميت ليعذب ببكاء أهله.

وأجاب: بأنهم إنما أنكروا عند الارتياب.

وتحقيقه: أنه ثبت منهم العمل، وثبت منهم الإنكار، فلا بد من التوفيق فيحمل الإنكار على الارتياب في الراوي، والعمل على غيره.

وفيه نظر؛ لأن الكلام في العدل، والارتياب في عدالة الصحابة زيغ نعوذ بالله منه.

وقالوا ــ أيضاً ــ: لعل الأخبار التي عملوا بها أخبار مخصوصة تلقوها بالقبول وذلك لا يستلزم وجوب العمل بخبر الواحد العدل مطلقاً.

وأجاب: بأنا نقطع أن الصحابة ــ رضي الله عنهم ــ عملوا لأجل ظهور تلك الأخبار صادقة، لا لخصوص تلك الأخبار، فحيث يظهر الصدق وجب العمل به.

وفيه نظر؛ لأنه دعوى قطع بلا قاطع.

ص ــ وأيضاً: التواتر أنه كان ينفذ الآحاد إلى النواحي لتبليغ الأحكام واستدل بظواهر.

مثل: {فلولا نفر من} إلى قوله: {لعلهم يحذرون} .

{إن الذين يكتمون} ، {إن جاءكم فاسق} .

وفيه بعد.

ص: 653

ش ــ هذا دليل آخر على وجوب العمل بخبر الواحد.

وتقريره: تواتر أنه ــ صلى الله عليه وسلم ــ كان ينفذ آحاد الصحابة إلى القبائل لتبليغ الرسالة [108/أ] والأحكام، فلو لم يجب العمل بخبر الواحد ما أفاد البعث.

وقد استدل ــ أيضاً ــ على وجوب العمل بخبر الواحد بآيات:

منها قوله ــ تعالى ــ: {فَلَولَانَفَرَمِنكُلِّفِرقَةمِّنهُمطَائِفَةلِّيَتَفَقَّهُوافِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُوا قَومَهُمإِذَارَجَعُواإِلَيهِملَعَلَّهُميَحذَرُونَ (122)} .

ووجه التمسك بها أن الله ــ تعالى ــ أوجب الحذر بإخْبَارٍ مخوف يحصل من واحد، أو اثنين، ولولا أن خبر الواحد يوجب العمل، لما وجب الحذر به؛ وذلك لأن الفرقة ثلاثة، فتكون الطائفة واحداً أو اثنين، ولعل للترجي وهو على الله محال، فيحمل على الوجوب، لاشتراكهما في الطلب.

ومنها قوله ــ تعالى ــ: {إِنَّ الَّذِينَ يَكتُمُونَ مَا أَنزَلنا مِنَ البَيِّنَاتِ وَالهُدَى} إلى قوله: {أُوْلَئِكَ يَلعَنُهُمُ اللَّهُ} .

ص: 654

ووجهه: أن الله وعّد على كتمان الهدى، فيجب على من سمع من النبي ــ صلى الله عليه وسلم ــ شيئاً ــ إظهاره، فلو لم يجب قبوله كان الاظهار كعدمه.

ومنها قوله ــ تعالى ــ: {إِن جَاءَكُمفَاسِقُبِنَبَإفَتَبَيَّنُوا} .

ووجهه: أن الله ــ تعالى ــ أمر بالتبين في خبر الفاسق، وتعليق الحكم على الصفة مشعر بالعلية، فيجب أن لا يتبين خبر غير الفاسق؛ لانتفاء علته، فيجب العمل بخبره.

قال المصنف: {{وفيه بعد} }. ووجه البعد إجمالاً: أن الآيات المذكورة ليست بقطعية الدلالة على المطلوب. فصارت في الدلالة، كخبر الواحد فلا يجب العمل بها، فكانت كالمتنازع فيه.

ص ــ قالوا: {وَلَا تَقفُ} {إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ} وقد تقدم.

ويلزمهم أن لا يمنعوه إلا بقاطع.

قالوا: توقف رسول الله ــ صلى الله عليه وسلم ــ في خبر ذي اليدين حتى أخبره أبو بكر وعمر.

قلنا: غير ما نحن فيه.

وإن سلّم فإنما توقف للريبة بالانفراد، فإنه ظاهر في الغلط ويجب التوقف في مثله.

ش ــ القائلون بعدم وجوب العمل بخبر الواحد تمسكوا بالآيتين، وقد تقدم وجه التمسك، والجواب في المسألة المتقدمة، فلا يحتاج إلى إعادته.

ويلزمهم من التمسك بالآيتين أن لا يمنعوا العمل بخبر الواحد إلا بدليل قاطع؛ لأنهما دلتا على أن التمسك بما لا يفيد العلم غير جائز فلا يجوز منع العمل بخبر الواحد بالآيتين؛ لعدم قطعية دلالتهما على ذلك.

ص: 655

وهنا بحث مشكل وهو: أن الأشاعرة عطلوا العقل عن الدلالة رأساً، وذهبوا إلى أن دلالة الألفاظ غير قطعية. فلزمهم من ذلك أن لا يكون شيءٍ مّا معلوماً لهم، لا في أصول الديانات، ولا في الفروع ولزمهم من ذلك أن لا يكفروا أحداً ممن ينكر شريعة من الشرائع؛ لكونها غير قطعية.

وقالوا ــ أيضاً ــ: توقف رسول الله ــ صلى الله عليه وسلم ــ في خبر ذي اليدين، وقصته ما روى أن رسول الله ــ صلى الله عليه وسلم ــ صلى إحدى صلاتي العشي ركعتين، وفي القوم أبو بكر، وعمر فقال ذو اليدين أقصرت الصلاة أم نسيت يا رسول الله؟ فقال ــ صلى الله عليه وسلم ــ:{{كل ذلك لم يكن} } ثم قال: {{أحق ما يقوله ذو اليدين} }؟ فقال أبو بكر، وعمر: نعم. فرجع وأتم الصلاة أربعاً، وسجد للسهو. ولو كان خبر الواحد يوجب العمل ما توقف

ص: 656

عليه السلام.

وأجاب المصنف بأن هذه الصورة [108/ب] ليست مما نحن فيه؛ لأن الكلام في أنه يوجب العمل علينا لا على رسول الله ــ عليه السلام.

سلمناه، ولكن توقف رسول الله ــ صلى الله عليه وسلم ــ لبعد انفراده بمعرفة ذلك دون الباقين، فإن ذلك ظاهر في غلطه، فتوقف لذلك.

واعلم أن حديث ذي اليدين يدل على أن صدق الخبر إنما هو بمطابقته لاعتقاد المخبر فهو حجة على الجمهور، وقد ذكرت ذلك والجواب عنه في الإشراق شرح مشارق الأنوار. فليطلب ثمة.

ص ــ أبو الحسين: العمل بالظن في تفاصيل المعلوم الأصل واجب عقلاً، كالعدل في مضرة شيء، وضعف حائط.

وخبر الواحد كذلك؛ لأن الرسول بعث للمصالح، فخبر الواحد تفصيل لها.

وهو مبني على التحسين.

سلمنا ولا نسلمه في الشرعيات.

سلمنا، وغايته قياس ظني في الأصول.

قالوا: صدقه ممكن فيجب احتياطاً.

قلنا: إن كان أصله المتواتر فضعيف.

وإن كان المفتي فالمفتي خاص وهذا عام.

سلمنا، لكنه قياس شرعي.

قالوا: لو لم يجب، لخلت وقائع.

رُدّ بمنع الثانية.

ص: 657

سلمنا، لكن الحكم: النفي، وهو مدرك شرعي بعد الشرع.

ش ــ احتج أبو الحسين على وجوب العمل بخبر الواحد عقلاً، بأنه إذا عُلِمَ أصل كلي كدفع المضار وجلب المنافع، وجب عقلاً العمل بالظن في تفاصيل ذلك الأصل المعلوم، فإذا أخبر واحد عدل عن مضرة شيء مخصوص، أو عن ضعف جدار، وجب على العاقل الاحتزاز عن ذلك الشيء عقلاً، والهروب عن الحائط كذلك، وهذا المعنى متحقق في خبر الواحد؛ لأن الرسول ــ صلى الله عليه وسلم ــ بعث لتبيين الأحكام الشرعية المشتملة على مصالح العباد، وخبر الواحد يفيد الظن في تفاصيل تلك الأحكام والمصالح، فوجب العمل به عقلاً.

وأجاب المصنف: بأن هذا الدليل مبني على قاعدة التحسين العقلي وهي باطلة، كما تقدم.

سلمنا صحتها، لكن لا نسلم أن العمل بالظن، وتفاصيل الأصل المعلوم واجب في العقليات، بل العقليات أولى أن لا يجب فيها العمل بالظن.

سلمنا وجوبه في العقليات، لكن لا نسلم في الشرعيات؛ لجواز أن يكون خصوصية الصور العقلية شرطاً لوجوب العمل. أو خصوصية الصور الشرعية مانعة للوجوب.

سلمنا وجوبه فيها قياساً على العقليات، لكن غاية هذا الدليل قياس يفيد الظن. وهو مسائل في الأصول.

وقالوا: صدق خبر الواحد ممكن، وكل ما كان كذلك يجب العمل به، كالمتواتر، وقول المفتي.

وأجاب: بأن القياس على المتواتر ضعيف، لعدم الجامع؛ لأن وجوب العمل

ص: 658

بالمتواتر لإفادته العلم، لا لإمكان الصدق.

وعلى المفتي قياس مع الفارق؛ فإن وجوب العمل بقول المفتي شرع خاص لا يعم الأشخاص كلها، وبخبر الواحد عام يعمهم.

ولئن سلمنا صحة القياس عليهما، لكنه قياس شرعي؛ إذ العمل في الأصلين واجب بالدليل الشرعي فلا يتصل [109/أ] بمحل النزاع؛ لأن المطلوب إثبات وجوب العمل به عقلاً.

ولقائل أن يقول: كلام الخصم دليل عقلي من الشكل الأول، على الوجه الذي ذكر، والكلام على الفرق قد تقدم غير مرة.

وقوله: {{قياس شرعي} } إنما هو على تفسيره تفسير بالتشهي لا يلزم على الخصم به شيء.

وقالوا ــ أيضاً ــ: لو لم يجب العمل بخبر الواحد، لخلت وقائع عن الحكم والتالي باطل بالإجماع، فالمقدم كذلك.

وبيان الملازمة أنه إذا لم يوجد في الوقائع الحادثة من الدليل سوى خبر الواحد، ولم يوجب الحكم خلت عن الحكم بالضرورة.

وأجاب بمنع الثانية، أي التالي، يعني لا نسلم بطلان خلو بعض الوقائع عن الحكم؛ فإن التي اتفق على امتناع خلوّها عنه، هي التي لها دليل، لا التي لا دليل عليها.

سلمنا صحة نفي التالي، لكن لا نسلم الملازمة؛ فإنه إذا لم يوجب خبر الواحد العمل كان هناك نفي الحكم، ونفي الحكم حكم.

قوله: {{وهو مدرك شرعي} } بعد الشرع إشارة إلى جواب ما يرد على أن نفي الحكم حكم.

وتقريره: نفي الحكم ليس حكماً شرعياً؛ لأنه يستند إلى عدم الدليل وعدم الدليل عقلي.

ص: 659

وتقرير الجواب: أن عدم الحكم وإن كان ثابتاً عند عدم الدليل وقبل الشرع لكنه بعد ثبوت الشرع مدرك شرعي.

ولقائل أن يقول: عدم الحكم ليس وجوباً، ولا حرمة، ولا ندباً، ولا كراهة، ولا إباحة، والأحكام منحصرة فيها. وأن الظاهر أن المراد بالمدرك الشرعي: ما يدرك به حكم شرعي، وذلك منحصر في الكتاب، والسنة، والإجماع، والقياس، والاستدلال وعدم الحكم ليس منها بالضرورة. وإن كان المراد بالمدرك غير ذلك، فلا بد من تصوره أولاً.

ص: 660