الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الموسع
ص ــ الموسع.
الجمهور: أن جميع وقت الظهر، ونحوه وقت لأدائه.
القاضي: الواجب: الفعل أو العزم، ويتعين آخراً وقيل: وقته أوله. فإن آخره فقضاء.
بعض الحنفية: آخره، فإنه قدمه فنفل يسقط الفرض.
الكرخي: إلا أن يبقى بصفة المكلف فما قدمه واجب.
لنا: أن الأمر قيّد بجميع الوقت. فالتخيير والتعيين تحكم.
وأيضاً: لو كان معيناً لكان المصلي في غيره مقدماً، فلا يصح أو قاضياً، فيعصى، وهو خلاف الإجماع.
القاضي: ثبت في الفعل والعزم حكم خصال الكفارة.
وأجيب: بأن الفاعل ممتثل لكونها صلاة قطعاً، [لا لأحد] الأمرين ووجوب العزم في كل واجب من أحكام الإيمان.
الحنفية: لو كان واجباً أولا عصى بتأخيره؛ لأنه ترك.
قلنا: التأخير والتعجيل فيه كخصال الكفارة.
ش ــ قيل:
الواجب الموسع
في التحقيق راجع إلى المخير؛ إذ الصلاة
المرادة في كل جزء من أجزاء الوقت غير المرادة في غيره بحسب الشخص، والواجب [60/ب] أحد الأشخاص المتميزة بالأوقات من حيث هو واحد لا بعينه، كخصال الكفارة، فلذلك لم يفرده بجعله مسألة على حدة.
وفيه نظر؛ لأن المصلي في أثناء الوقت إنما يصلي الصلاة الفريضة عليه لا إحدى الصلوات الفائتة عليه.
واعلم أن الواجب المؤقت إمّا أن يكون بمقدار الوقت أو زائداً عليه أو ناقصاً عنه. والأول: يسمى معياراً كوقت الصوم، والثاني: ليس بواقع، والتكليف به تكليف بالمحال، والثالث: هو الواجب الموسع الذي نحن فيه، ويسمى ظرفاً، وقد اختلف فيه، فذهب الجمهور من أصحاب الشافعي: إلى أن جميع الوقت، كوقت الظهر للظهر، أو العصر للعصر، وقت لأداء الواجب.
وذهب القاضي أبو بكر الباقلاني: إلى أنه وقت لأداء الفعل الواجب أو العزم والواجب في أوله أحدهما، ويتعين الفعل في آخره.
وذهبت طائفة: إلى أن الوقت هو أوله، فإن أخره وأتى به في آخره فهو قضاء.
وقال بعض الحنفية: الوقت آخره، فإن أتى به في أوله كان نفلاً يسقط به الفرض.
وقال الكرخي: المأتى به في أوله موقوف، فإن بقى الآتي به على صفة المكلفين فما قدمه صار فرضاً، وإن لم يبق كان نفلاً.
والدليل على المذهب المختار، على ما ذكره المصنف وجهان:
الأول: أن الأمر بصلاة الظهر قيّد بجميع وقت الظهر، ولم يتعرض لتخصيصه بجزء من أجزاء ذلك الوقت، وليس في ذات الأجزاء ما يقتضي ترجيح بعض على غيره فكان الجميع في الوقتية سواء والتعيين للمكلف في إيقاع الفعل في أيها شاء.
فالتخيير بين الفعل والعزم في أوله، وتعيين أول الوقت أو آخره تحكم صرف.
ولقائل أن يقول: تعيين أول الوقت أو آخره جاز أن يسمى تحكماً وأمّا إدخال العزم في البين بدلاً فوضع للشرع ابتداءً، وهو باطل لا يسمى تحكماً.
وأن يقول: الوقت شرط للأداء لا محالة، وهو اسم لجميع الأجزاء لا محالة، والشرط مقدم على المشروط لا محالة، وذلك يقتضي أن يقع الأداء بعد الوقت تحقيقاً لتقدم الشرط، فما فرضناه أداءً كان [أو] قضاءً، وذلك خلف باطل.
والثاني: أنه لو كان جزء من أجزاء الوقت معيناً لم تصح الصلاة إن قدمت عليه، ولصار قضاءً إن أُخِّرت عنه، وكان عصياناً، واللازم بقسميه باطل بالإجماع.
وللخصم أن يقول: الجزء معين على تقدير وقوع الفعل فيه، فإن لم يقع انتقل إلى جزء آخر إلى آخر الوقت؛ لكونه واجباً موسعاً، وحينئذٍ لا تثبت الملازمة.
وشبهه القاضي: ما أشار إليه المصنف بقوله: {{ثبت في الفعل والعزم، ــ أي قبل آخر الوقت ــ حكم [61/أ] خصال الكفارة} } من حيث هو وجوب أحدهما لا بعينه وذلك؛ لأن العل لما جاز تركه بلا بدل، فيكون الواجب في أوّل الوقت أحدهما.
وهذا فاسد؛ لأن الحكم بثبوت حكم الكفارة للعزم مسبوق بكون العزم ثابتاً شرعاً من حيث هو أحدهما، وليس ذلك بثابت.
وأجاب المصنف: بأن الفاعل في أول الوقت ممتثل، لكونها صلاة واجبة لا لكونها أحد الأمرين.
وللخصم أن يقول: جعلت العزم بدلاً عند خلو أول الوقت عن الفعل وإذا وجد الفعل فيه فلا بدل فكيف يتصور أحد الأمرين.
وقوله: {{ووجوب العزم} }، يعني إن سلمنا أن العزم واجب فليس ذلك لكونه بدلاً عن الفعل بل من حيث أن كل حكم من أحكام الإيمان فيجب العزم على فعله إذا [كان] واجباً، لقوله ــ صلى الله عليه وسلم ــ:{{إنما الأعمال بالنيات} }.
وقالت الحنفية: لو كان الفعل واجباً في أول الوقت لعصى المكلف بتأخيره الواجب عن وقته، لكنه ليس بعاصٍ بالإجماع.
وأجاب المصنف: بأن التأخير والتعجيل في الواجب الموسع، كخصال الكفارة فكما أن تارك أحد الخصال لا يعصى إذا أتى بغيره. كذلك تارك الواجب الموسع في أول الوقت لا يعصى إذا أتى به في آخره.
وهذا كما ترى لا تعلق له بشرطية الخصم لا بمنع الملازمة ظاهراً ولا بمنع بطلان التالي.
ولعله معارضة، وهي أسوأ حال المناظرة. فإن تُكُلّفَ بجعله منعاً للملازمة مستنداً بالتشبيه فاسد؛ لأن المصلي إنما يصلي فرضاً عليه لا أحد الأمور على سبيل البدل وقد تقدم مثله.
عصيان من أخر الواجب الموسع
ص ــ مسألة: من أخر مع ظن الموت قبل الفعل، عصى اتفاقاً.
فإن لم يمت ثم فعله في وقته فالجمهور: أداء.
وقال القاضي: قضاء.
فإن أراد وجوب نية القضاء فبعيد.
ويلزمه لو اعتقد [انقضاء] الوقت قبل الوقت فعصى بالتأخير.
ومن أخّر مع ظن السلامة فمات فجأة، فالتحقيق لا يعصى بخلاف ما وقته العمر.
ش ــ لم يفرد المصنف الواجب الموسع بذكر {{مسألة} } وجعله تبعاً للواجب المخير مع بعد فيه، وأفرد هذه المسألة عن الواجب الموسع مع شدة اتصالها به، وذلك تقريب للبعيد وتبعيد للقريب.
القائلون بالواجب الموسع أجمعوا على أن من أخّر الواجب الموسع عن أول الوقت مع ظن موته قبل الفعل عصى؛ لأن أول الوقت بناءً على ظنه صار كآخره، ومن أخّر عن آخره عصى فكذا من أخر عن أوله.
فإن لم يمت ثم فعل الواجب الموسع في الوقت [61/ب] فالجمهور على أنه أداء؛ لأنه فعل في وقته المقدر له أولاً شرعاً.
وقال القاضي: هو قضاء؛ لأنه تضيق عليه الوقت بظنه وصار كآخره فكان الفعل بعد انقضاء الوقت وذلك قضاء لا محالة.
وزيفه المصنف: بأنه إن أراد بكونه قضاء: وجوب نية القضاء فبعيد؛ لأن القضاء ما يؤتى به خارج وقته المقدر له شرعاً وهذا ليس كذلك؛ لأن الشرع جعل الكل وقتاً.
فإن قال: جعل الشرع ظنه دليلاً على كون البعض وقته، ولهذا صار عاصياً بتركه فيه بالاتفاق، فكان الفعل خارجاً عن الوقت المقدر شرعاً فكان قضاءً.
أجيب: بأن الظن دليل إذا لم يظهر خطؤه بيقين وقد ظهر.
ولم يذكر المصنف الشق الآخر من الترديد وهو يوهم فساد التزييف؛ لجواز أن يكون ذلك الشق جائز الإرادة فلا يكون التزييف صحيحاً، ولعل الشق الآخر هو المعروف، وهو أن يقال: وإن أراد غيره فلا بد من البيان، ليتصور ثم يتكلم عليه.
ولعمري أن ما ذهب إليه القاضي ظاهر الفساد؛ لأنه إذا صلى بعد ذلك فإمّا
أن يرفع عصيان التأخير، أو لا.
فإن رفع لم يكن قاضياً؛ لأن عصيان القاضي لا يرتفع، وإن لم يرفع لزم عقاب من أطاع الله فيما أوجب عليه من العبادة في الوقت المقدر لها شرعاً، وذلك خلاف الشرع والعقل.
وقال المصنف: ويلزمه يعني القاضي أن المكلف لو اعتقد قبل دخول الوقت أن الوقت قد دخل، وأنه إن [لم] يشتغل بالواجب انقضى الوقت فأخر، فعصى بالتأخير. وصلى بعده في الوقت المقدر له شرعاً كان ما فعله في الوقت المقدر شرعاً بعد ظهور خطئه بيقين قضاء؛ لأنه تضيق الوقت عليه بناءً على اعتقاده. فوقوعه بعد ذلك في الوقت المقدر له شرعاً يكون خارجاً عن وقته المضيق.
ولقائل أن يقول: لا يلزمه ذلك؛ لأن الوقت إذا لم يدخل كان عملُ الظنّ جَعْلُ غير الوقت الشرعي وقتاً، وذلك فرع إلى الشركة في وضع الشرع وهو باطل.
وأمّا فيما نحن فيه فإن عَملَ الظن تضييق ما كان موسعاً عليه، وفي تشديد في الاحتياط في باب العبادة، وهو مشروع.
وقوله: {{ومن أخر مع ظن السلامة} } معطوف على قوله: {{ومن أخّر مع ظن الموت} } يعني إذا أخّر الواجب الموسع عن أول وقته على ظن السلامة، فمات فجأة في الوقت، فالتحقيق أنه لا يعصى؛ لجواز تركه إذا لم يظن موته إلى آخر الوقت.
وقد أجمع السلف على ذلك، وهذا بخلاف ما وقته العمر كالحج، فإنه لو أخر مع ظن السلامة ومات عصى؛ لأن البقاء [62/أ] إلى سنة أخرى ليس بغالب على الظن.