الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تقسيم العلم
ص- والعلم ضربان: علم بمفرده، ويسمي: تصورا ومعرفة، وعلم بنسبة، ويسمي: تصديقا وعلما.
ش- أراد أن العلم ينقسم إلى تصور وتصديق، كما قال المنطقيون.
فالأول: كعلمنا بالإنسان والكاتب، والنسبة من حيث الحصول في العقل.
والثاني: كعلمنا بإيقاع النسبة ونزعها في قوله: الإنسان كاتب. أو ليس بكاتب.
وبعض العلماء يسمي الأول: معرفة، والثاني: علما، بالاشتراك اللفظي أو الغلبة، وكان هذا المسمى نظرا إلى ما عليه النحويون من استعمال
المعرفة في المتعدي إلى واحد، واستعمال العلم في المتعدي إلى المفعولين لوجود النسبة حينئذ.
واعترض على المصنف: بأن العلم من مقولة أن ينفعل، والحكم إلى الايقاع أو الانتزاع من
…
مقولة أن يفعل فكيف يحص تقسيمه إلى التصديق الذى هو الفعل وإلى التصور الذى هو الانفعال.
واجيب: بأنا لا نسلم أن العلم انفعال فأنه قد يكون فعليا كما إذا تصورنا في أنفسنا شيئا ثم ظهرناه في الخارج.
ورد: بأن العلم قد يكون انفعاليا كما إذا جردنا من الشخصيات حقيقة كلية فذلك في جانب السائل كاف. بل الجواب أن يقال: العلم ينقسم إلى تصور ساذج، وإلى تصور مع التصديق، ويكون العلم منقسما إلى نوعين من التصور لا إلى تصور وتصديق، لكن يسمي أحدهما تصورا، والآخر تصديقا، ولعل قول المصنف:"علم بمفرده" أي تصور ساذج ليس معه شيء آخر.
"وعلم بنسبة"، أي تصور ملصق بنسبة هي التصديق إشارة إلى ذلك.
واعلم أن (11/أ) تعريف العلم بما تقدم من قوله: "صفة توجب تمييزا لا يحتمل النقيض" ينافي انقسامه إلى التصور والتصديق؛ لأن قوله: "لا يحتمل النقيض" سلب، وتصوره مسبوق بتصور الايجاب، والتصور لا نقيض له لينفي احتماله. لا يقال:"لا يحتمل النقيض" أعم من أن لا يكون له نقيض فلا يحتمل النقيض، ومن أن يكون له نقيض لكن لا يحتمله؛ لأنا نقول: يستلزم أن تكون البهائم عالمة كما
تقدم.
ص- وكلاهما ضروري ومطلوب، فالتصور الضروري: ما لا يتقدمه تصور يتوقف عليه؛ لانتقاء التركيب في متعلقة؛ كالوجود والشيء، والمطلوب بخلافه، أي تطلب مفرداته بالحد، والتصديق الضروري: ما لا يتقدمه تصديق يتوقف عليه والمطلوب بخلافه، أي يطلب بالدليل.
ش- أي كل واحد من التصور والتصديق ينقسم إلى ضروري ومطلوب، أي مكتسب، والتصور الضروري: هو ما لا يتقدمه تصور يتوقف عليه وهو يتناول قسمين: مالا يتقدمه تصور لكنه لا يتوقف عليه.
والمطلوب بخلاف الضروري، وهو ما يتقدمه تصور يتوقف عليه.
وفسره بقوله: "أي تطلب مفرداته بالحد" يعني مفردات التصور فأنه لما كان مركبا على زعمه وقد أريد تصوره بالحد لابد أن تطلب أجزاؤه أولا ليحد المركب بها. ومثل للضروري بالوجود، والشيء، ولم يمثل للمطلوب لظهوره بكثرته.
وقوله: "لانتفاء التركيب في متعلقة" تعليل لعدم توقف التصور على تصور يتقدمه؛ لأن متعلقة إذا كان بسيطا لم يتوقف تصوره على تصور متقدم وعلى هذا يلزم
أن يكون كل مركب مطلوبا وهو خلاف ما عليه الجمهور.
ويلزم أن يكون تصور البسائط موقوفا على تصور متقدم عليه، وليس بلازم لجواز أن يكون تصور البسيط موقوفا على تصور لازم خارج عن حقيقته.
واعلم أنه عرف الضروري بتعريف واستدل على ذلك بقوله: "لانتقاء التركيب" وهو فاسد. وعرف التصديق الضروري بما لا يتقدمه تصديق يتوقف عليه. والمطلوب بخلافه، أي يطلب بالدليل.
يريد هو ما يتقدمه تصديق يتوقف عليه. فحينئذ يطلب ذلك التصديق بالدليل؛ لأن الموصل إلى التصديق المجهول هو الدليل.
مثال الضروري: النفي والاثبات لا يجتمعان، ومثال المطلوب: العالم حادث.
والتعريف المذكور للتصديق الضروري موافق لما ذهب إليه الجمهور فجاز وأن يكون طرفاه كسبيين، وأن ما لا يتقدمه ولكن لا يتوقف عليه، وأن كان تصور طرفيه أو أحدهما كسبيا جاز أن يكون ضروريا.
ص- وأورد على التصور: أن كان حاصلا فلا طلب، وإلا فلا شعور به فلا طلب.
وأجيب: بأنه يشعر بها وبغيرها والمطلوب تخصيص بعضها بالتعيين، وأورد ذلك على التصديق.
وأجيب بأنه (11/ب) تتصور النسبة بنفي أو إثبات.
ثم يطلب تعيين أحدهما. ولا يلزم من تصور النسبة حصولها، وإلا لزم النقيضان.
ش- اعترض على التصور الكسبي، بأنه لا يجوز أن يحصل شيء بالكسب لأنه إما أن يكون حاصلا أو لا، فأن كان حاصلا امتنع تحصيل الحاصل، وأن لم يكن حاصلا امتنع تحصيل، وأن لم يكن حاصلا امتنع توجه الطلب نحوه؛ لأن النفس لا تتوجه إلى ما ليس بمشعور به.
وأجيب: بأنه يشعر بها وبغيرها، وحاصله أن المراد بتحصيل التصور كسبا تعيين بعض ما كان مشعورا به عن غيره، ولهذا لابد من ذكر أمر عام وأمر مخصص، وهو معنى قول من قال: طلب حصول التصور في الذهن عبارة عن تفصيل مجمل أو تفصيل مفصل بالنسبة، فأن الإنسان إنما يصح منه الطلب اذا أدرك بالإجمال لشيء، ما أو بالتفصيل بالنسبة إلى شيء ما، كإنسان وفرس فطلب الأول تفصيل مجمل، والثاني تفصيل مفصل.
قوله: "وأورد ذلك" أي الاعتراض على التصديق، وتقريره كما في التصور. والجواب بالإجمال والتفصيل، يعني بتصور النسبة الحكمية من غير تعيين السلب والإيجاب، ثم يطلب تعيين أحدهما.
وتقريره: أنا نختار أن لا يكون التصديق حاصلا ولا يمتنع طلبه.
قوله: "لأنه لا يكون مشعورا به" قلنا: ممنوع؛ لجواز أن تكون النسبة الإيجابية والسلبية متصورة ولا تكون حاصلة، فمن حيث التصور يتوجه الذهن نحوه، ثم يطلب تعيين أحدهما.
قوله: "ولا يلزم" جواب عما يقال النسبة الايجابية والسلبية اذا كانت متصورة كانت حاصلة فيمتنع طلب حصولها.
وتقريره: لا يلزم من تصور الحكم الإيجابي والسلبي حصوله، وإلا لزم اجتماع
النقيضين عند تعقل السلب؛ لأنه لا يكون إلا بعد تعقل الإيجاب وإضافة السلب إليه؛ إذ السلب المطلق لا تمييز له.
وفيه النظر؛ لأن قوله: "لا يلزم من تصور الحكم حصوله" ممنوع.
قوله: "وإلا لزم الاجتماع النقيضين".
قلنا: ممنوع. بل اجتماع صورتهما؛ ويجوز اجتماعهما في العقل؛ فأنه يحكم بالتناقض بينهما، فلا (بد) من تصوره، وتصوره منهما يتوقف على تصورهما لا محالة، وتصورهما، هو حصول صورتهما فيه، كما عرف في موضعه.