الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المشترك
ص- مسألة: المشترك واقع على الأصح.
لنا: أن القرء للطهر والحيض معا على البدل من غير ترجيح.
واستدل: لو لم يكن لخلت أكثر المسميات؛ لأنها غير متناهية.
وأجيب: بمنع ذلك في المختلفة والمتضادة. ولا يفيد في غيرها. ولو سلم فالمتعقل متناه. وإن سلم فلا نسلم أن المركب من المتناهي، متناه. وأسند بأسماء العدد. وإن سلم منعت الثانية ويكون كأنواع الروائح.
واستدل: لو لم يكن لكان الموجود في القديم والحادث متواطئا؛ لأنه حقيقة فيهما. وأما الثانية؛ فلأن الموجود إن كان الذات فلا اشتراك، وإن كان صفة فهي واجبة في القديم فلا اشتراك.
وأجيب: بأن الوجوب والإمكان لا يمنع التواطؤ كالعالم والمتكلم.
ش- أي هذه مسألة، وهي مفعلة من السؤال.
وفي الاصطلاح: مطلوب يبرهن عليه في العلم إن كسبيا.
ولم يذكر المصنف تعريفه اكتفاء بذكره في التقسيم بقوله: "إن كانت حقيقة للمتعدد فمشترك"؛ ولأنه يعرف من هذا الحكم المذكور ههنا على ما يوميء إليه،
وهو إما أن يكون واجب الوقوع أو ممتنعة أو ممكنة، والممكن إما واقع أو غير واقع فهذه أربع احتمالات.
قال: لكل منها قائل، لكن لا فرق بين الواجب والممكن الواقع، ولا بين الممتنع والممكن الغير الواقع فلهذا لم يتعرض صاحب الإحكام إلا لهما، وتابعة المصنف -رحمهما (الله) وذكر دليل القائلين بالوقوع، وزيف دليل المخالف وقد علم بالاستقراء في هذا المختصر أنه يشير بلفظ:"لنا" إلى الدليل الصحيح على مطلوبه، وبلفظ:"استدل" -على بناء المفعول- إلى الدليل الفاسد على ذلك، وبلفظ:"قالوا" إلى دليل المذهب الباطل، وإن كان المذكور واحدا نظرا إليه وإلى أتباعه. هذا إذا كان مذهب المخالفة متعينا وإن لم يكن عبر عنه بذكر صاحب المذهب باسمه أو بالنسبة إلى المذهب، أو يذكر المذهب فيقول مثلاً:"القاضي"
"الإمام" أو "المبيح" أو" المحرم" أو "الإجابة" أو "التحريم".
واختار مذهب القائلين بالوقوع، واستدل عليه بقوله:"إن القرء للطهر والحيض معا على البدل من غير ترجيح" واحترز بقوله: "معا" عن أن يكون لواحد فقط، وبقوله:"على البدل" عن التواطاء، وعن أن يكون موضوعا للجميع دفعة، وبقوله:"من غير ترجيح" عن الحقيقة (28/ب) والمجاز، وهو يرشد إلى أن المشترك: لفظ موضوع لأكثر من واحد يتناوله على سبيل البدل من غير ترجيح.
ومعنى كلامه أن أهل اللغة اتفقوا على أن القرء للحيض والطهر معا على البدل من غير ترجيح فكان المشترك واقعا.
ورد: بأنه لم ينقل عن أهل اللغة أنه مشترك، بل الموجود اتحاد الاسم وتعدد المسمى، وجاز أن يكون اطلاقه عليهما بمعنى واحد مشترك بينهما وبكونه حقيقة في أحدهما مجازا في الآخر. وإن خفي علينا الحقيقة بل الحمل على أحد هذين أولى، دفعا للاشتراك اللفظي لكونه مخلا وللمجاز لكونه على خلاف الأصل، وتقريرا للقاعدة المستقرة: أن اللفظ الدائر بين اللفظي والحقيقة والمجاز يحمل على الحقيقة على ما سيأتي.
وأجيب: بأن تردد الذهن بينهما من علامات الاشتراك على ذلك احتمال بعيد لم ينشأ عن دليل، واعتبار مثله يفضي إلى ارتفاع الاعتماد على دلالات الألفاظ، وفي ذلك من الفساد ما لا يخفى.
واستدل: بأن المشترك لو لم يقع لخلت أكثر المسميات عن الألفاظ؛ لأن
المعاني غير متناهية؛ فإن من جملتها الأعداد والروائح، وهي غير متناهية، والألفاظ لكونها مركبة من الحروف المتناهية متناهية وتوزيع المتناهي على غير المتناهي لا يتصور فيلزم خلوه، لكن خلوه عنها محال، لكون الحاجة ماسة إلى التعبير عنها بالألفاظ فلا بد من الاشتراك.
واجيب: تمنع الملازمة، وتقريره، لا نسلم صدق الملازمة.
قوله: "لأن المعاني غير متناهية" قلنا: إن أردتم بالمعاني، المتضادة كالسواد والبياض والحمرة، والمختلفة، أي غير المتضادة، كالحركة والبياض، والعلم، والكتابة ونحوها فلا نسلم عدم تناهيها.
وإن أردتم غير ذلك، أي المتماثلة كأفراد الأنواع في المقولات العشر فعدم تناهيها مسلم، ولكن لا يفيد في بيان الملازمة، إذ يكفي أن يوضع اللفظ بإزاء الحقيقة المشتركة بالتواطؤ، فلا يلزم خلوها عن الألفاظ.
سلمنا أن المختلفة والمتضادة غير متناهية، وأن المتماثلة لا يكفي وضع اللفظ بإزاء الحقيقة المشتركة بينها، فلا نسلم أن ما يجب له اللفط غير متناه؛ لأن ما يجب أن يوضع له اللفظ لا بد وأن يكون متعقلا وهو منها متناه، لامتناع إحاطة الذهن بغير المتناهي ولئن سلمنا أن المتعقل غير متناه، لكن لا نسلم تناهي الألفاظ.
فقوله: "لأنها مركبة من الحروف المتناهية".
قلنا: لا نسلم أن المركب من المتناهي متناه. لم لا يجوز أن يكون كأسماء العدد فإنها متناهية، والمر كب منها غير متناه، سلمنا أن المركب من التناهي متناه
حتى يلزم صدق الملازمة، لكن نسلم انتفاء التالي [29/أ] فإن خلو أكثر المسميات عن الألفاظ جائز كأنواع الروائح.
ولقائل أن يقول: قوله: "إن أردتم بالمعاني المتضادة" قسمة غير حاصرة لجواز أن يكون المراد المجموع الحاصل من ذلك كله.
وقوله: "ولا يفيد في غيرها" فاسد؛ لأن الحاجة إلى معرفة الجزئيات المدركة لكل أحد إن لم تكن أمس من معرفة الكليات، فلا أقل من المساواة.
وقوله: "والمعتقل منها متناه" لامتناع إحاطة الذهن بغير المتناهي، إنما يستقيم إذا كان الواضع غير الله، فإن المدرك حينئذ نفسه وهي حادثة لا يمكن الاحاطة بما لا يتناهى، أما إذا كان الواضع هو الله -تعالى- فهو محيط بجميع الأشياء أزلا وأبدا فيجوز أن يكون المستدل بهذا الدليل من كان ذلك مذهبه، وأما منع أن المركب من المتناهي متناه فغير موجه والمركب من أسماء الأعداد متناه، وعدم التناهي إن تحقق فهو في المعدود لا في العدد، فإن له أصولا معلومة وتكرارها باعتبار المعدود لا يسمى غير متناه.
وأما جواز خلو أكثر المسميات عن الألفاظ فممنوع، والاستناد بأنواع الروائح فاسد؛ لأن غاية ما يقال فيها: أنه ما وصل إلينا عن العرب اسم كل رائحة من الروائح، فلم يعلم، وعدم العلم بالشيء لا يستلزم عدمه في نفسه، على أن الترادف واقع على الأصح كما سيأتي، وهو دليل ظاهر على أن الألفاظ أكثر من المسميات فمن أين يلزم الخلو؛ ولأن الثاني خلو أكثر المسميات، والروائح ليست كذلك.
واستدل -أيضا- على وقوع المشترك بإطلاق "الموجود" على القديم والحادث وتقريره: الموجود مطلق على القديم والحادث بطريق الحقيقة، لانتفاء صحة
النفي، وذلك وقوع المشترك اللفظي، فإن إطلاقه عليهما لو لم يكن بالاشتراك اللفظي لكان "الموجود" فيهما متواطئا، أي مقولا بالاشتراك المعنوي، لأنه بطريق الحقيقة، وما كان كذلك لا ينفك عن أحهما، فإذا انتفى أحدهما تحقق الآخر لكن لا يجوز أن يكون متواطئا؛ لأن الموجود إما أن يكون عين ماهية القديم أو صفة زائدة فيه فإن كان الأول: لم يصح أن يكون مشتركا بينه وبين الحادث معنى لتخالفهما بالحقيقة قطعا، وإلا أمكن الواجب أو وجب الممكن. فتحقق الاشتراك اللفظي.
وإن كان الثاني: فكذلك؛ لأن صفة القديم قديمة، وصفه الحادث حادثة فانتقى التواطؤ وتحقق المطلوب.
وأجيب: بأنا لا نسلم انتقاء التالي؛ فإنا نختار أن يكون صفة زائدة، وكونها واجبا في القديم وممكنا في الحادث لا ينافي التواطاء؛ لأن الموجود إذا كان صفة لذات القديم والحادث كان معنى كونه واجبا أن ذات القديم من حيث هي تقتضى تلك الصفة، ومعنى كونه ممكنا أن ذات الممكن من حيث هي لا تقتضيها، ويجوز أن تكون صفة واحدة مشتركة بين ماهيتين مختلفتين بالحقيقة أحدهما تقتضيها لذاتها فتكون واجبة، والأخرى [29/ب] لا تقتضيها فتكون ممكنة فيها مع اشتراكها بينهما معنى، كالعالم والمتكلم؛ فإن كل واحد منهما مشترك بين القديم والحادث من حيث المعنى، والواجب يقتضى وجوبه، والممكن يقتضى إمكانه، وهذا الجواب فاسد؛ لأن إطلاق "الموجود" على القديم أولى وأقدم من إطلاقه على الحادث فيكون مشككا. وهو ممتنع.
وكذا الكلام في العالم والمتكلم، واعلم أن في كلامه تسامحا؛ فإن كلامه في أقسام مباداء اللغة ومسائل تتعلق بها، وإثبات أن المشترك واقع أو ليس بواقع لا
يتعلق بمباديء اللغة فيكون من المسائل المتعلقة بها. والدلائل المذكورة في هذا الاستدلال والذي قبله نسبة أن يكون من الكلام، وكان خلط المباداء الكلامية باللغوية، وذلك خبط.
ص- قالوا: لو وضعت لاختل المقصود من الوضع.
قلنا: يعرف بالقرائن.
وإن سلم فالتعريف الإجمالي مقصود كالأجناس.
ش- مانعو وقوع المشترك قالوا: لو وضعت الأسماء المشتركة لاختل المقصود من الوضع؛ لأن المقصود منه الفهم التفصيلي حال الخطاب، والمخاطب قد لا يفهم المراد، لتردد ذهنه بين معانيه، لكن الاختلال في المقصود لا يصح لإفضائه إلى مفاسد لا تخفى.
…
وأجاب المصنف: بمنع الملازمة.
تقريره: لا نسلم أن اللفظ إذا كان مشتركا لا يفهم المخاطب المعنى المراد، لجواز أن يعرفه بالقرائن. وإن سلم أنه لا يفهم المراد، لكن لا نسلم أن المقصود من الوضع هو الفهم التفصيلي مطلقا، لجواز أن (يعرفه بالقرائن) يكون المراد الفهم الإجماليفي بعض الصور كما في أسماء الأجناس، فإنها تدل على ما وضعت له إجمالا لا تفصيلا.
وههنا بحث وهو: أن المراد بقوله: "لاختل المقصود من الوضع" مطلقا أو من وضع المشترك. فإن كان الأول، فالملازمة ممنوعة وهو ظاهر، وإن كان الثاني، فهو موقوف على معرفة أن المقصود من وضع المشترك ما هو؟ ولا يتم إلا إذا كان المقصود منه التفاهم، وهو ممنوع.
لم لا يجوز أن يكون المراد من وضع المشترك الإيهام بحكم يترتب على
ذلك وجوابه بمنع الملازمة -بقوله: لا نسلم أن اللفظ إذا كان مشتركا لم يفهم منه المخاطب المعنى المراد غير موجه؛ لأن تردد الذهن بين معنييه يمنع الفهم لا محالة.
وقوله: لجواز أن يعرف مراد المتكلم بالقرائن كذلك، لعدم اتصاله بمحل البحث، فإن المنتفي هو انتفاء التفاهم الذي يحصل بالوضع، وذلك حاصل.
وأما أن القرينة تدل أو لا تدل فليس بمناف لمراد المستدل.
وأما قوله: "كالأجناس" فكذلك؛ لأن اسم الجنس ما وضع لشيء ولما أشبهه، كرجل وهو ذكر من بني آدم (جاوز) حد البلوغ، ودلالته على ما وضع له تفصيلية؛ فإن وضعه لذلك ليس بالنطر إلى ما تحته من الأفراد بل إلى نفس الحقيقة، ولا إجمال في (30/أ) دلالته عليها.
ص- مسألة: ووقع في القرآن على الأصح، لقوله -تعالى-:(ثلاثة قروء)، و (عسعس) لأقبل وأدبر.
قالوا: إن وقع مبينا طال بلا فائدة، وغير مبين غير مفيد.
وأجيب: بأن فائدته مثلها في الأجناس.
وفي الأحكام الاستعداد للامتثال إذا بين.
ش- المسألة الثانية: المشترك على تقدير وقوعه في كلام العرب، واقع في القرآن -أيضا، لقوله -تعالى-:(ثلثه قروء)، وقد تقدم الكلام عليه. وقوله:(والليل إذا عسعس) أي أقبل وأدبر ذكره
الجوهري وغيره من أهل اللغة. وفيه النظر المتقدم إن كان على ذكر منك. والمناسب لتراكيبه و"في القرآن" عطفا على قوله: "المشترك واقع" فتأمل.
وقال المانعون: لو وقع المشترك في القرآن، فإما أن يقع مبينا أو غيره.
والأول، تطويل بلا فائدة؛ فإن قوله: ثلاثة أطهار، يغنى عن ثلاثة قروء هي الأطهار.
والثاني، غير مفيد، لعدم الفهم التفصيلي وغير المفيد لا يقع به الخطاب وفيه نظر، فإنا لا نسلم أنه إذا وقع مبينا كان تطويلا بلا فائدة؛ لأن الفرض وقوعه في القرآن، ومقتضى الحال قد يكون الإطناب.
فالقول بعدم الفائدة حينئذ نفي لإعجاز القرآن، وفي ذلك ما لا يخفى والمصنف أجاب على الشق الثاني كأنه قال: لا نسلم أنه إذا وقع غير مبين لم يكن مفيدا، بل يفيد فائدة أسماء الأجناس إن كان في غير الأحكام، ويفيد الاستعداد