الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
نفسه وهو محال، والمصنف أطلق الدور على الثاني بطريق المشاكله، أو بالنظر إلى أن محظور الدور وهو توقف الشيء على نفسه موجود، هذا أقوى ما ذكروه، وفيه نظر؛ لأن الأقسام غير حاصرة، لوجود قسم آخر وهو التصديق بوجود الأحكام من حيث هو، وهو من مسائل الكلام، فيكون من المباداء. ويمكن أن يجاب عنه، بأن وجود الأحكام من حيث هو، أن كان في الذهن فهو تصورها، وأن كان في الخارج فلا يمكن إلا متعلقا بأفعال المكلفين، وقد تقدم أنه لا يجوز الاستمداد به أنفا، ورد: بأنه لا يدفع كون قسمته غير حاصرة فأن قيل: ظهر من هذا أن الأحكام من حيث تصورها من المباداء، وقد تقدم أنها من حيث كذلك هو الفقه، فيكون الفقه من مبادئ الأصول، لكن الفقه يتوقف على الأصول فجاء الدور.
فالجواب: أن الفقه هو الأحكام من حيث تصورها، ومن هذه الحيثية ليس بموقوف على الأصول بل من حيث استنباطها من الأدلة، ومن هذه الحيثية ليست بمباد فلا دور.
ص-
الدليل
لغة: المرشد، والمرشد: الناصب، والذاكر وما به الإرشاد.
ش- عرف الدليل تعريفا لفظيا لبيان (6/ب) مفهومه اللغوي بما هو أخفي، لاحتياجه إلى تعريف بلفظ آخر، وهو: الناصب والذاكر، أي الناصب للعلامة والذاكر، أي الناصب للعلامة والذاكر لها، وما به الإرشاد أي العلامة التي نصبت للتعريف.
وقوله: "وما به الإرشاد" يجوز أن يكون معطوفا على المرشد، وأن يكون
معطوفًا على الذاكر، لأن المرشد كما يطلق على الناصب لعلامة يطلق على العلامة المنصوبة؛ إذ الفعل قدينسب إلى الآلة.
قيل: قوله: "الدليل لغة المرشد" إلى قوله: "مبادئ اللغة" من المباداء الكلامية، وإنما لما ذكر أن استمداده من الكلام والعربيةوالأحكام، اراد أن يبين ما يستمد منه على الترتيب فبدأ بالكلام ورد: بأن بحث الدليل، والقواعد المنطقية غير مخصوص بالكلام؛ ونسبته إلى الكلام، كنسبته إلى الأصول؛ لأن المنطق آلة لجميع العلوم الكسبية.
والأولى أن يقال: لما ذكر الدليل في حدى الأصول والفقه، ولم يسبق شيء يعرف منه الدليل، أراد أن يشير إلى معناه.
وقيل: قوله "لغة" يشير إلى بيان أنه من المباداء اللغوية، وليس كذلك لأنه لم يتعرض لذلك بعد، وإنما يتعرض له بعد حين بقول مبادئ اللغة.
وفي الجملة أن كان بيان الدليل ما لا بد منه فهو من حيث اللغة، وأما على الوجه الذى ذكره من حيث الاصطلاح، والأشكال المنطقية التي هي قواعد أهل الضلال، فليس بجائز، فلا أقل أن لا يكون محتاجا إليه، فأنا نعلم بيقين أن النص الخاص يتناول المخصوص، والإجماع على شيء لم يتصد له أهل الهدى.
ص- وفي الاصلاح، ما يمكن التوصل بصحيح النظر فيه إلى مطلوب خبري.
وقيل: إلى العلم به، وهو يخرج الأمارة.
وقيل: قولان فصاعدا يكون عنه قول آخر.
وقيل: يستلزم لنفسه، فتخرج الأمارة.
ش- ذكر للدليل بحسب الاصطلاح أربع تعريفات، بحسب مطالب الفقهاء والمتكلمين، فأن من طل الفريقين متقدمين ومتأخرين، والمتقدمون من كل منهما لم يخلطوا اصطلاحهم باصطلاح المنطقيتين، والمتأخرون منهم خلطوه به، ومطالب الفقهاء ليس بمشروط فيها العلم فلم يشترط في تعريفهم للدليل الإفضاء إلى العلم.
والتعريف الأول: للفقهاء المتقدمين، والثاني: للمتكلمين المتقدين، والثالث: للفقهاء المتأخرين، والرابع: للمتكلمين المتأخرين.
فقوله: "بصحيح النظر فيه" يخرج المقدمات الكاذبة، التي يمكن أن يتوصل بالنظر الفاسد فيها إلى مطلوب خبري، ضرورة امتناع التوصل بصحيح النظر فيها إلى
مطلوب خبري؛ لأن النظر (7/ أ) إنما يكون صحيحا إذا كانت مادته صادقة، وإنما قيد بالإمكان لئلا يخرج عنه المقدمات الصادقة التي يمكن أن يتوصل بالنظر الصحيح والفاسد فيها إلى مطلوب خبري وفي إمكان التوصل بالنظر الفاسد فيها إلى مطلوب خبري، لا ينافي إمكان بصحيح النظر فيها إلى مطلوب خبري.
وقوله "إلى مطلوب خبري" يريد التصديقي لئلا يخرج عنه المطلوب الطلبي فأن المطالب الشرعية فيها المطالب الطلبية، يخرج ما يمكن أن يتوصل بصحيح النظر فيه إلى مطلوب تصوري، أي الأقوال الشارحة.
ودخل في هذا التعريف الأمارة؛ لأن المطلوب الخبري أعلم من أن يكون علمياً أو ظنيا.
قوله: "وقيل" إشارة إلى التعريف الثاني، وتقديره الدليل: ما يمكن أن يتوصل بصحيح النظر فيه إلى العلم بالمطلوب الخبري، فتخرج الأمارة؛ لأنه يتوصل بها إلى الظن، والدليل بهذا المعنى أخص منه مطلقا بالمعنى الأول.
وقوله: "وقيل: قولان "إشارة إلى التعريف الثالث، وأراد بقوله "قولان" قضيتين، و (بقوله: فصاعدا) ليتناول: القياس البسيط
والمركب.
وقوله: "يكون عنه" يريد أعلم من أن يكون لازما أو غيره، ليتناول الأمارة وخرج عنه قضيتان لم يحصل منهما شيء آخر.
وقوله: "قول آخر" أي يكون مغايرا لكل واحدة من القضيتين، ليخرج عنه مجموع آية قضيتين اتفقتا؛ فأنه يستلزم أحدهما، وهذا التعريف للفقهاء المتأخرين.
وقوله: "وقيل: يستلزم" إشارة إلى التعريف الرابع، وهو لمتأخري المتكلمين، وتقديره: الدليل قولان فصاعدا يستلزم لنفسه قولا آخر أعم من أن يكون الاستلزام بينا أو غيره، فيتناول الأشكال الأربعة، والقياس الاستثنائي ويخرج عنه بقوله "لنفسه" قياس المساوة، كقولنا (أ) مساو لـ (ب)، و (ب) مساو لـ (ج)، فأنه يلزمه (أ) مساو لـ (ج)، ولكن لا لنفسه، بل بواسطة مقدمة أجنبية غير لازمة لإحدامقدمتي القياس، وهو قولنا: كل ما هو مساو لـ (ب) مساو لـ (ج).
وكذا خرج عنه القول المؤلف من قولين المستلزم لقول آخر بواسطة عكس نقيض إحدى مقدمتيه، كقولنا: جزء الجوهر يوجب ارتفاعه ارتفاع الجوهر، وما
ليس بجوهر لايوجب ارتفاعه ارتفاع الجوهر.
فأنه يستلزم قولنا: جزء الجوهر جوهر، ولكن لا لنفسه، بل بواسطة عكس نقيضه المقدمة الثانية، وهو قولنا: وما يوجب ارتفاعه ارتفاع الجوهر فهو جوهر.
وكذا خرج عنه: الأمارة؛ فأنها لا يستلزم لنفسها قولا آخر؛ إذ ليس بين الأمارة وما تفيده ربط عقلي يقتضى لزوم القول الآخر عنها.
واعترض على التعريفين الآخرين: بأنهما لا يصدقان على ما رتبه المستدل في نفسه من المقدمات لتحصيل مطلوبة، وإخراجه عنه باطل؛ إذ هو الذى شده إلى مطلوبه.
وأجيب: بأن المراد بالقول أعم من أن يكون عقليا، أو لفظيا، وضعف: بأن القول العقلي غير معقول (7/ب) وبأن الجمع بين المعنيين من لفظ واحد ليس بمتفق عليه.
ص- ولا بد من مستلزمات للمطلوب حاصل للمحكوم عليه. فمن ثم وجيب المقدمتان.
ش- أراد أن يبين أن الدليل لابد أن يكون مركبا من مقدمتين؛ لأن المطلوب الخبري إذا كان مجهولا لا بد أن يكون في الدليل أمر يوجب العلم أو الظن به، وإلا كان أجنبيا لا يفيد العلم أو الظن به، وذلك الأمر يسمي وسطا، وهو معنى