المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌شرط المطلوب: الإمكان - الردود والنقود شرح مختصر ابن الحاجب - جـ ١

[البابرتي]

فهرس الكتاب

- ‌ المباديء

- ‌ فائدته:

- ‌ استمداده

- ‌ الدليل

- ‌النظر:

- ‌حد العلم

- ‌ الذكر الحكمي

- ‌تقسيم العلم

- ‌معرفة الحد وتقسيمه

- ‌مادة المركب:

- ‌الذاتي

- ‌تمام الماهية

- ‌ الجنس والنوع

- ‌العرضي

- ‌صورة الحد

- ‌ القضية

- ‌ الأمارات

- ‌وجه الدلالة في المقدمتين

- ‌الضروريات

- ‌صورة البرهان

- ‌ القياس الاقتراني

- ‌النقيضان:

- ‌العكس المستوي

- ‌ عكس النقيض

- ‌تقسيم المقدمتين إلى أربعة أشكال

- ‌ الشكل الأول

- ‌ الشكل الثاني

- ‌ الضروب المنتجة

- ‌ الشكل الثالث:

- ‌ الشكل الرابع

- ‌ قياس الخلف

- ‌ مبادئ اللغة

- ‌ اقسامها: مفرد ومركب

- ‌تقسيم المفرد إلى اسم وفعل وحرف

- ‌المركب

- ‌تقسيم آخر للمفرد

- ‌المشترك

- ‌ الترادف

- ‌ وقوعه

- ‌الحقيقة

- ‌المجاز

- ‌اللفظ قبل الاستعمال ليس بحقيقة ولا مجاز

- ‌ مسألة: إذا دار اللفظ بين المجاز والاشتراك

- ‌في وقوع الحقائق الشرعية

- ‌الإيمان والإسلام

- ‌القرآن المعرّب

- ‌المشتق

- ‌ مسألة: اشتراط بقاء المعنى في كون المشتق حقيقة

- ‌ الحروف

- ‌ الحرف لا يستقل بالمفهومية

- ‌الواو

- ‌ مسألة: الواو للجمع المطلق

- ‌ إبتداء الوضع

- ‌ليس بين اللفظ ومدلوله مناسبة طبيعية

- ‌التحسين والتقبيحومن هنا مبادئ الأحكام الشرعية

- ‌ دليل المعتزلة على أن الحسن والقبح ذاتيان

- ‌مسألتان في شكر المنعموفي الأشياء قبل ورود الشرع

- ‌ مسألتان على التنزل:

- ‌الأولى شكر المنعم

- ‌الوجوب

- ‌الواجب على الكفاية

- ‌ الواجب الموسع

- ‌ما لا يتم الواجب إلا به

- ‌أحكام الحرام

- ‌ مسألة: يستحيل كون الشيء واجباً حراماً من جهة واحدة

- ‌الصلاة في الدار المغصوبة

- ‌المندوب

- ‌المكروه

- ‌أحكام المباح

- ‌خطاب الوضع

- ‌الأول: الحكم على الوصف المعين بكونه سببا

- ‌الثالث: الحكم على الوصف بالشرطية

- ‌ الصحة والبطلان

- ‌الرخصة والعزيمة

- ‌المحكوم فيه الأفعال

- ‌شرط المطلوب: الإمكان

- ‌مساله: لا تكليف إلا بفعل

- ‌مساله: قال الأشعري: لا ينقطع التكليف بفعل حال حدوثه

- ‌المحكوم عليه: المكلف

- ‌الأدلة الشرعية

- ‌ الأدلة الشرعية: الكتاب والسنة والإجماع، والقياس، والاستدلال

- ‌ المحكم والمتشابه

- ‌ السنة وأفعاله ــ صلى الله عليه وسلم

- ‌ المسألة الثالثة: في التقرير

- ‌الإجماع

- ‌ تعريفه

- ‌ ثبوته

- ‌المبتدع

- ‌ المسألة الثانية: في اعتبار قول المبتدع في الإجماع

- ‌ الخبر

- ‌تعريف الخبر

- ‌تسمية غير الخبر إنشاءً وتنبيهاً

- ‌تقسيم الخبر إلى صدق وكذب

- ‌تقسيم الخبر إلى ما يعلم صدقه وإلى ما يعلم كذبه

- ‌ الشرائط المختلف فيها في المخبرين

- ‌خبر الواحد

- ‌شرائط الراوي أربعة

- ‌الأول: البلوغ

- ‌ الثاني: الإسلام

- ‌ الرابع: العدالة

- ‌ الكبائر

- ‌رواية مجهول الحال

- ‌هل العمل بالشهادة والرواية يكون تعديلاً

- ‌ مسألة حكم الحاكم المشترط العدالة بالشهادة تعديل باتفاق

- ‌ إذا قال: أُمِرنا أو نُهِيّنَا أو أوجب، أو حرّم

- ‌ مسألة: إذا قال: من السنة كذا

- ‌ مسألة: إذا قال: كنا نفعل، أو كانوا

- ‌ قراءة الشيخ على الراوي

- ‌ قراءة غير الراوي على الشيخ

- ‌ إذا كذب الأصل الفرع، سقط القبول

- ‌ إذا انفرد العدل بزيادة والمجلس واحد

- ‌ مسألة: [خبر] الواحد في الحد

- ‌حمل الصحابي ما رواه على أحد محمليه

- ‌الخبر المخالف للقياس

- ‌ المنقطع

الفصل: ‌شرط المطلوب: الإمكان

‌المحكوم فيه الأفعال

ص- المحكوم فيه: الأفعال.

‌شرط المطلوب: الإمكان

. ونسب خلافه إلى الأشعري. والإجماع على صحة التكليف بما علم الله أنه لا يقع.

لنا: لو صح التكليف بالمستحيل، لكان مستدعى الحصول؛ لأنه معنى الطلب. ولا يصح؛ لأنه لا يتصور وقوعه. واستدعاء حصوله فرعه لأنه لو تصور مثبتا لزم تصور الأمر على خلاف ماهيته، وهو محال.

فإن قيل: لو لم يتصور لم يعلم إحالة الجمع بين الضدين؛ لأن العلم بصفه الشيء فرع تصوره.

قلنا: الجمع المتصور جمع المختلفات، وهو المحكوم بنفيه ولا يلزم من تصوره منفيا عن الضدين تصوره مثبتا.

فإن قيل: يتصور ذهنا للحكم عليه ولا في الخارج.

قلنا: فيكون الخارج مستحيل، والذهني بخلافه.

وأيضا: فيكون الحكم بالاستحالة على ما ليس بمستحيل.

وأيضا: الحكم على الخارج يستدعى تصوره للخارج.

ش-الأصل الثالث هو المحكوم فيه، وهو الأفعال التي تعلقت بها

ص: 426

الأحكام. وهي إما أن تكون ممتنعه لذاتها، أو لا، والأول: لا يصح التكليف به عند العامة، وحكي عن أبى الحسن الأشعري جوازه.

والثاني: إما أن يكون ممتنعا لغيره، او لا. والثاني: لا نزاع لأحد في أن التكليف به صحيح؛ وكذا الأول بالإجماع.

وقد احتج المصنف على عدم صحة التكليف بالمحال. أي الممتنع لذاته بأنه لو صح التكليف بالمحال لكان مستدعى الحصول، لأن التكليف طلب، ومعنى الطلب استدعاء الحصول، لكنه لا يصح طلب حصوله؛ لأن طلب حصوله يستلزم تصور وقوعه لكونه فرعه، وتصور وقوعه منف؛ لأنه لو تصور مثبتا لزم تصور الأمر على خلاف ماهيته، فإن ماهية الممتنع هو ما لا يتصور وقوعه، وماهية الممكن هو ما يتصور وقوعه فلو تصور الممتنع مثبتا لزم قلب الحقائق.

قوله: "فإن قيل: لو لم تصور" معارضه لمقدمة المعلل.

ص: 427

تقريرها: لو لم يتصور وقوع المحال امتنع التصديق بإحالة الجمع بين الضدين؛ لأن التصديق بصفه الشيء فرع تصوره فالعلم بمعنى التصديق في الموضعين.

ولقائل أن يقول: المقدم إما أن يكون نفى التصور على ما هو الظاهر من لفظه، أو نفى تصور الوقوع. فإن كان الأول فليس مما نحن فيه؛ لأن كلامنا في وقوعه كما تقدم في مقدمه المعلل، وإن كان الثاني فالملازمة ممنوعه، فإن الحكم بإحالة الحم بين الضدين فرع على التصور الجمع لا على تصور وقوعه.

وأجاب المصنف: بأن الجمع المتصور، يعنى بين الضدين في الخارج جمع بين المختلفات، وهو المحكوم بنفيه فهو متصور من حيث النفي ولا يلزم من تصوره منفيا عن الضدين تصوره مثبتا ليلزم تصور المحال على خلاف ماهيته. وإنما سمى ذلك مختلفات؛ لأنه لا تضاد بين الصور الحاصلة في الذهن.

والضمر في قوله: " ولا يلزم من تصوره منفيا " إن رجع الى الجمع بين المختلفات فليس بصحيح؛ لأنه ليس منفيا عن الضدين؛ لأنها ليست مضادة، وإن رجع الى الجمع بين الضدين لم يكن ذكر المختلفات مناسبا، لخفاء معناه، ولا يناسب في التحقيق إلا ذكره [69/ب].

وقوله: ويلزم من تصوره منفيا عن الضدين تصوره مثبتا ليس بصحيح؛ لأن تصور السلب موقوف على تصور الإيجابيات، إذ السلب المطلق غير معقول ابتداء.

ولهذا قيل: الإيجاب أبسط من السلب.

وقوله: " فإن قيل يتصور ذهنا للحكم عليه " منع، لقوله: "ولا يلزم من تصوره

ص: 428

منفياً تصوره مثبتا".

وتقريره: لا نسلم ذلك بل يلزم من تصوره منفيا تصوره مثبتا في الذهن؛ لأنه محكوم عليه فيه فلابد من تصوره، ولا يلزم في الخارج فيلزم تصور الشيء على خلاف ماهيته.

وأجاب عنه بثلاث أجوبه:

الأول: أنه إن كان كذلك فيكون الجمع بين الضدين في الخارج مستحيلا ولا يتصور ثبوته فيه بالاتفاق، وليس نزاعكم فيه ويكون الجمع بينهما في الذهن ممكنا ويتصور ثبوته فيه، وذلك تصور ثبوت ممكن لا محاله فلا يكون مما نحن فيه.

الثاني: أنه حينئذ يكون الحكم باستحالة الجمع بين الضدين حكما باستحالة ما ليس بمستحيل؛ لأن الجمع بينهما في الذهن هو المحكوم عليه.

الثالث: أن الجمع بين الضدين مستحيل في الخارج، والحكم على المستحيل في الخارج يستدعى تصور ثبوته في الخارج لا في الذهن، فالتصور الذهني لا يدل على ثبوت المجال الذي هو الجمع بين الضدين في الخارج.

ولقائل أن يقول: الحق أن التأمل في كلام المعلل عن الأصل يقطع هذا الشغب وذلك لأن معنى كلامه هناك: التكليف بالممكن لئلا يكون عبثا، والمستحيل ليس بممكن فلا يقع التكليف به.

ص-المخالف: لو لم يصح لم يقع؛ لأن العاصي مأمور، وقد علم الله - تعالى - أنه لا يقع.

وأخبر أنه لا يؤمن.

وكذلك من علم بموته، ومن نسخ عنه قبل تمكنه.

ولأن المكلف لا قدرة له إلا حال الفعل، وهو حينئذ غير مكلف فقد كلف غير مستطيع.

ولأن الأفعال مخلوقه لله - تعالى.

ص: 429

ومن هذين نسب تكليف المحال الى الأشعري.

وأجيب: بأن ذلك لا يمنع تصور الوقوع لجوازه منه، وهو غير محل النزاع.

وبأن ذلك يستلزم أن التكاليف كلها تكليف بالمستحيل وهو باطل بالإجماع.

ش-استدل المخالف على جواز التكليف بالمحال: بأنه لو لم يصح لم يقع؛ لأن الوقوع مسبوق بالإمكان، لكنه وقع وبينه بوجوه:

منها: أن العاصي بترك الفعل مأمور بالإتيان، وإلا لم يكن عاصيا بتركه، والإتيان به محال، لأن الله -تعالى-علم عدم وقوعه فلا يقع، وإلا صار علمه جهلا، وكان العاصي مكلفا بما لا يمكن وقوعه.

ومنها: أمر الكفار بالإيمان وأخبر أنهم لا يؤمنون بقوله - تعالى-: {لقد حق القول على اكثرهم فهم لا يؤمنون} فلا يقع منهم الإيمان لئلا يلزم الكذب في خبره، فكان تكليفا بالممتنع.

ومنها: أن الله - تعالى - كلف من علم موته قبل تمكنه من الفعل وكذلك كلف من نسخ عنه الفعل قبل تمكنه منه وذلك تكليف بالمحال لا محالة.

ومنها: أن المكلف لا قدرة له على الفعل إلا حال صدور الفعل منه؛ لأنها

ص: 430

لو تقدمت تعلقت بغيره، لاحتياجها إلى متعلق موجود، فلا يكون قدرة لهذا الفعل، فالقدرة حال صدور الفعل، والفعل حينئذ غير مكلف به، لاستحاله التكليف بإيجاد الموجود فيكون التكليف قبل صدوره ولا قدرة حينئذ فكان التكليف بالمحال.

ولقائل أن يقول: هذا الوجه فاسد؛ لأن تمامه باستحالة التكليف بإيجاد الموجود وهو باطل؛ لأن الكلام في أن التكليف بالمستحيل جائز، فكما يجوز التكليف بإيجاد الممتنع يجوز الموجود؛ لأنهما في عدم طريان الموجود سيان.

ومنها: أن أفعال العبد مخلوقه لله - تعالى - على ما عرف في موضعه وكل ما [هو [مخلوق لله لا يكون مقدورا للعبد، وإلا لزم وقوع مقدور واحد بقدره قادرين بقدرة الاختراع محال.

وإما بقدرتين: إحداهما قدره الاختراع، والأخرى الاكتساب فلا يسلم أنه محال.

ومذهب أبى الحسن الأشعري: أن لا قدرة للفاعل على الفعل إلا حال إيجاد الفعل، وأن أفعال العبد مخلوقة لله - تعالى -، ومن هذين نسب إليه جواز التكليف بالمحال؛ لأن القول بأحدهما يستلزمه فضلا عن القول بهما.

وأجاب المصنف عن ذلك بجوابين:

أحدهما: أن الصور المذكورة يمكن تصور وقوعها من المكلف، لجواز

ص: 431

صدورها منه بحسب الذات وان امتنع صدورها منه بأمر خارجي، وهو تعلق علم الله -تعالى- بعدم وقوعه فيكون غير محل النزاع؛ لأن النزاع إنما هو في الممتنع بالذات.

ولقائل أن يقول: وقوع التكليف بما لا يقع دل على المراد به ليس الامتثال بالفعل فالإمكان مع عدم الوقوع والامتناع سيان في جواز اعتقاد أن المكلف به لو كان ممكنا جائز الوقوع امتثل.

والثاني: أنه يلزم مما ذكرتم أن تكون التكاليف كلها تكيفا بالمحال وهو باطل بالإجماع.

أما استلزام كون القدرة مع الفعل، وكون الفعل مخلوقا لله - تعالى - إياه فظاهر. وأما استلزام علم الله -تعالى- ذلك؛ فلأنه لو وجب كل ما علم الله وقوعه وامتنع كل ما علم الله عدم وقوعه، كانت الأفعال إما واجبه أو ممتنعه، والتكليف بهما محال.

ولقائل أن يقول: هذا غير صحيح لعدم اتصاله بمحل النزاع؛ فإن الكلام في التكليف بالمحال وما علم الله وجوده ليس بمحال فيكون التكليف به تكليفا بالمحال.

وأما ما علم الله -تعالى- عدمه فالتكليف به تكليف بالمحال؛ لكونه محالا، وفيه النزاع بأنه يجوز أن يكلف به لا لوقوعه بل لاعتقاده أنه لو كان ممكنا خصل الامتثال، أو لا يجوز، ولا يلزم من ذلك أن يكون التكليف بذلك مستلزما لأنه تكون التكاليف كلها تكليفا بالمحال.

ص-قالوا: ملف أبا جهل [70/ب] تصديق رسوله في جميع ما جاء به ومنه أنه لا يصدقه، فقد كلفه بأن يصدقه في ألا يصدقه وهو يستلزم أنه لا يصدقه.

والجواب: أنهم كلفوا بتصديقه.

وإخبار رسوله كإخبار نوح.

ص: 432

ولا يخرج الممكن عن الإمكان بخبر أو علم.

نهم لو كلفوا بعد علمهم لانتفت فأئده التكليف، ومثله غير واقع.

ش-هذا دليل آخر لمجوزي التكليف بالمحال.

وتقريره: أن الله - تعالى - كلف أبا جهل تصديق رسول -? -في جميع ما جاء به؛ لأنه كلفه بالإيمان به، وهو تصديق بجميع ما جاء به، ومما جاء به أنه لا يصدقه، فكان مكلفا بتصديقه الرسول -?-في أنه لا يصدقه، وهذا الخبر يستلزم ألا يصدقه، وإلا لزم الكذب في خبر الله - تعالى - فكان مكلفا بالتصديق حال عدم تحقيقه، وهو تكليف بالجمع بين الضدين، فكان التكليف بالمحال واقعا.

ولقائل أن يقول: التكليف بتصديقه بجميع ما جاء به إما أن يكون قبل الإخبار بأنه لا يصدقه أو بعده. لا سبيل إلى الثاني؛ لانتفاء فأئده التكليف لكونه بعد العلم بأنه لا يصدقه كما يجئ فتعين الأول، وحينئذ لا يلزم التكليف بالجمع بالضدين؛ ولأن التكليف بالتصديق لا يصح إلا حال عدم التصديق، وليس ثمة جمع بين الضدين، وإنما كان كذلك أن لو كان مكلفا بالتصديق وعدمه، بل هو مكلف بالتصديق بما جاء به ومن جملته أنه لا يؤمن فكان الاستحالة باعتبار أنه مكلف بما أخبر أنه لا يحصل من المكلف لاعتبار الجمع بين الضدين، فكان ذكر هذا الدليل

ص: 433

مستدركاً؛ لأنه من قبيل أنه كلف الكافر بالإيمان وأخبر أنه لا يؤمن وقد تقدم فيما قبله.

وأجاب المصنف بما حاصله: أنه ليس بمحل نزاع؛ لأنه ممكن في ذاته ممتنع لغيره، ومحل النزاع الممتنع لذاته.

وتقريره على ما ذكره: أبو جهل وأمثاله كلفوا بتصديق الرسول فيما جاء به، وتصديق الرسول فيما جاء به أمر ممكن في نفسه، وإخبار الرسول عليه السلام بأنهم لا يصدقونه، كإخبار نوح عليه السلام في قوله - تعالى -:{لن يؤمن من قومك إلا من قد ءامن} والممكن لا يخرج عن إمكانه بخبر الرسول بعدم وقوعه، وبعلم الله - تعالى - أيضا بعدم وقوعه. غاية ما في الباب أنه يكون ممتنعا بسبب الخبر والعلم.

والامتناع بالغير لا ينافي الإمكان فلا يكون تكليفهم بتصديق الرسول تكليفا بالممتنع بالذات الذي هو محل النزاع.

نعم لو كلفوا بتصديقه بعد علمهم أنهم لا يصدقونه، لانتفت فأئده التكليف؛ إذ الفائدة ابتلاء، وذلك مع العلم بعد صدور الفعل عن المكلف غير متصور، والتكليف بالفعل مع علم المكلف بعدم وقوع الفعل منه غير واقع.

ولقائل أن يقول: قوله: "كإخبار نوح".

لا مدخل له في الجواب أصلا.

وقوله: "ومثله غير واقع" يقتضي ألا يكون الكفار المنزل فيهم: {إن الذين كفروا سواء عليهم ءأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون} بعد النزول وعلمهم بذلك مكلفين بالإيمان، وليس كذلك، وإلا لما جاز ذمهم وقتالهم وغير ذلك.

ص: 434

ص-مسأله: حصول الشرط الشرعي ليس شرطا في التكليف قطعا، خلافا لأصحاب الرأي.

وهي مفروضة في تكليف الكفار بالفروع.

والظاهر [الوقوع [.

لنا: لو كان شرطا لم تجب صلاة على محدث وجنب، ولا قبل النية، ولا "الله أكبر " قبل النية، ولا السلام قبل الهمزة. وذلك باطل قطعا.

ش-ذكر في المحكوم فيه ثلاث مسائل:

الأولى: أن خصول الشرط الشرعي ليس شرطا في التكليف بالمشروط عند جمهور الأشعار والشافعية، وقال أصحاب الرأي، يعنى الحنفية: هو شرط.

وسماهم أصحاب الرأي؛ لأن رأيهم في هذه المسألة أظهر من رأي غيرهم.

والمرد بالشرط الشرعي: ما يتوقف عليه صحة المشروط شرعا. كالوضوء للصلاة.

ص: 435

وهذه المسألة فرضت في تكليف الكفار بالشرائع حاله الكفر، وإن كانت أعم من ذلك.

والظاهر عند المصنف: أن التكليف بالمشروط عند عدم الشرط الشرعي واقع واستدل: بأنه لو كان شرطا في صحة التكليف لم تجب صلاة على محدث وجنب، ولم تجب صلاة قبل النية، ولم يجب -أيضا- "الله أكبر" قبل النية، ولا السلام قبل الهمزة؛ لأن الطهارة عن الحدث الأصغر والأكبر والنية شرط شرعي لصحة الصلاة، والنية شرط لصحة التلفظ بالله أكبر. والهمزة شرط شرعي لصحة التلفظ بالسلام وإذا لم يحصل الشرط - الذي هو حصول هذه الشرائج - انتفى المشروط وهو وجوب هذه الأمور، واللازم باطل قاطعا، فالملزوم مثله.

ولقائل أن يقول: [الملازمة [ممنوعة، وإنما لزم أن لو لم تكن الأهلية قائمه مقامه شرعا؛ فإن المسلم بالإيمان حصل له أهلية حكم الآخرة، وهو الثواب فأقيمت مقام الشرط شرعا؛ لأن الظاهر من حاله أنه إذا خوطب بأداء ما التزمه بالإيمان يحصل شرطه [ولا أهلية] للكافر فافترقا.

ص: 436

ص-قالوا: لو كلف بها لصحت منه.

قلنا: غير محل النزاع.

قالوا: لو صح لأمكن الامتثال.

وفي الكفر لا يمكن وبعده يسقط.

قلنا: يسلم ويفعل، [كالمحدث [.

الوقوع.

{ومن يفعل ذلك} و {لم نك من المصلين}

قالوا: لو وقع لوجب القضاء.

قلنا: القضاء بأمر جديد.

فليس بينه وبين وقوع التكليف ولا صحته [ر [بط عقلي.

ش-الحنفية قالوا: لو كلف الكافر بالشرائع لصح أداؤها منهم لئلا يكون التكليف بلا فأئده؛ فإنه عبث.

وأجاب المصنف: بأنه غير محل النزاع، ووجه كلامه على وجهين:

أحدهما: أن النزاع في أنهم مخاطبون بها على معنى استحقاقهم العذاب على ترك المشروط استحقاقهم إياه على ترك الشرط لا على أنهم مكلفون بالإتيان بالمشروط حال عدم الشرط وإذا لم يكن مكلفا به حال عدم الشرط لم يلزم أن يصح لو أتى به حال عدم الشرط.

ولقائل أن يقول: هذا يستلزم أن تكون فائدة هذا التكليف عقوبتهم وهي لا تصلح أن تكون فائدة لأنها ما يكون الشيء به أحسن حالا كما

ص: 437

تقدم، ولا نسلم بأن التكليف بها أحسن حالا من تكليف تكون فائدته إذا ما كلف به، ويستلزم أن تكون العقوبة في مقابلة ترك الشرط أمرا معلوما بمقدار معلوم وفي مقابله ترك المشروط ترك المشروط غير ذلك، والعقل لا يهتدى إلى المقادير، والشرع لم يبينه، ومن ادعى البيان فعليه البيان.

الثاني: أن النزاع في أن المكلف حال عدم الشرط يكون [مكلفا [بالفعل بأن يأتي به بعد إتيانه بالشرط وحينئذ لم يلزم من التكاليف بهذا المعنى صحة العبادة لو أتى بها قبل الشرط.

ولقائل أن يقول: هذا يؤدى إلى ألا يكون للتكليف فائدة أصلا، لا أداء العبادة، ولا العقوبة على تركها؛ لأنه يكون مكلفا بها بشرط تقديم شرطها، فإذا لم يقدمه لم يعاقب على عدمها لأن عدمها لعدم شرطها، بل يعاقب على ترك شرطها، وهو عذاب الكفر.

وأما الأداء فإنه ليس بفائدة هذا التكليف عندهم.

وقالوا -أيضا-: لو صح تكليف الكافر بالشرائع لأمكن الامتثال، وإلا كان تكليفا بالمحال، لكنه لا يمكن؛ لأنه في حاله الكفر مستحيل لعدم شرطه وهو الإسلام، وبعدها كذلك؛ لأنها الإسلام يجب ما قبله.

وأجاب المصنف باختيار الشق الثاني قال: يجوز أن يسلم ويفعل كالمحدث يتوضأ ويفعل.

ولقائل أن يقول: حينئذ يكون تكليف بآخر لا الذي قبله.

ص: 438

قوله: " الوقوع" هو بيان ما ادعى في مطلع البحث أن الظاهر وقوعه وذلك بآيتين:

إحداهما: قوله - تعالى-: {ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاما ?يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهانا ?} ووجه ذلك أن الله - تعالى- ذكر المنتهين عن الشرك، وقتل النفس المحرم، والزنا، وعطف عليه قوله:{ومن يفعل ذلك} إلى آخره. وأشار بلفظ "ذلك" إلى جميع ما تقدم؛ لأن العود إلى البعض خلاف الظاهر، فيكون تضاعف العذاب والخلود فيه في مقابله الجميع. فلو لم يكن الكفار مكلفين بالفروع لما استحقوا العذاب بفعل هذه المحرمات.

ولقائل أن يقول: يجوز أن يكون {يضاعف له العذاب} من باب التمثيل شبه حال مرتكب الأمور بحال من جنى جنايات لكل منها عقوبة معينه يستحقها، وليس هناك في الحقيقة تضاعف؛ إذ ليس فيها ولا في غيرها بيان أن المستحق منها بالكفر ماذا؟ ليكون ما عداه في مقابلة ترك العبادات على أن التضاعف لا يتحقق فيما لا

ص: 439

يتناهى، وعذاب الكفار مما لا يتناهى.

والثانية: قوله - تعالى-: {قالوا لن نك من المصلين} .

ووجه ذلك أن الله - تعالى-حكى عن الكفار: أنهم عللوا دخول النار بترك الصلاة والزكاة، ولم يكذبهم الله -تعالى-، ولم يحكم العقل، بكذبهم، فيكون الظاهر مرادا ويكون ترك الصلاة والزكاة عله لدخول النار.

ولقائل أن يقول: معنى قوله: {لم نك من المصلين} لم نك من معتقدي فريضتها ولو لم يكن كذلك لكذبهم الله - تعالى -؛ لأن ترك العبادة مع الكفر ليس بعله لدخول النار بالدلائل التي قدمناها.

وقوله: ولم يحكم العقل بكذبهم فاسد؛ لأنه ليس بحاكم عندهم.

ومما يدل على صحة التأويل قولهم: {من المصلين} أسي الذين كانوا يصلون، والذين كانوا يصلون هم المؤمنون، فكأنهم قالوا:" لم نك من المؤمنين " فهو دليل لنا حينئذ.

وقوله: وقالوا، يعنى الحنفية: لو وقع تكليف الكفار بالشرائع بموجب القضاء؛ لأن المكلف بالعبادة يلزمه الامتثال بالأداء، فإن لم يكن فبالقضاء، لكن لا يجب

ص: 440

القضاء.

وأجاب المصنف: بأن القضاء بأمر جديد، ليس بمترتب على وجوب الأداء.

وقوله: ليس بينه، أي بين وجوب القضاء وصحة التكليف ولا وقوعه ربط عقلي حتى يلزم من وقوع التكليف بالعبادات أو صحته قضاؤها، فإن التكليف قد يقع بالأداء دون القضاء كالجمعة، وبالعكس كصوم الحائض.

ولقائل أن يقول: لا نسلم أن وجوب القضاء لا يترتب على وجوب الأداء؛ فإن القضاء ما فعل بعد وقت الأداء استدراكا لما سبق له وجوب مطلقا، أي بالنظر إلى انعقاد سبب الوجوب لا بالنظر إلى المستدرك كما تقدم، فلو كانوا مكلفين بالشرائع لتحقق سبب الوجوب في حقهم كالمسلمين، ومن تحقق في حقه سبب الوجوب لزم القضاء وان سلمنا ذلك كان القضاء لازماللأمر الجديد على ما ذكرتك، وهو لازم للتكليف بالأداء في المسلمين فيما لا خلف له فلو كلف الكفار بذلك لزم الأمر الجديد أو التحكم أو الصرف وهو باطل.

ص: 441