الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تقسيم الخبر إلى صدق وكذب
ص ــ الخبر صدق وكذب؛ لأن الحكم إمّا مطابق للخارجي، أو لا.
الجاحظ: إمّا مطابق مع الاعتقاد ونفيه، أو لا مطابق مع الاعتقاد ونفيه.
فالثاني فيهما ليس بصدق ولا كذب؛ لقوله: {افترى على الله كذباً أم به جنّة} .
والمراد الحصر، ولا يكون صدقاً؛ لأنه لا يعتقدونه.
وأجيب بأن المعنى: افترى أم لم يفتر، فيكون مجنوناً؛ لأن المجنون لا افتراء له] أو ا [قصد أم لم يقصد للجنون.
ش ــ لما فرغ من تعريف الخبر بأقسامه، وله تقسيمات باعتبارات ستذكر.
ينقسم إلى صدق وكذب، ولا واسطة بينهما عند الجمهور؛ لأن الحكم الذي هو مدلول الخبر، إمّا أن يكون مطابقاً للواقع، أو لا. فإن كان فهو صدق، وإلا فهو كذب.
وقال الجاحظ: ينقسم إلى صادق وكاذب، وإلى ثالث ليس
إياهما؛ لأن الخبر إمّا أن يكون مطابقاً، أو لا.
فإن كان، فإمّا أن يكون معه اعتقاد المطابقة، أو لا.
والثاني إمّا أن يكون معه اعتقاد اللا مطابقة، أو لا.
وإن لم يكن فإمّا أن يكون معه اعتقاد اللامطابقة، أو لا. والثاني إمّا أن يكون معه اعتقاد المطابقة، أو لا. فذلك ستة أقسام:
الأول منها: وهو المطابق للواقع والاعتقاد ــ صدق.
والرابع: وهو غير المطابق له مع اعتقاد عدم المطابقة ــ كذب.
والأربعة الباقية: ليست بصدق ولا بكذب.
مثال الصدق: {{زيد في الدار} } إذا كان فيها مع اعتقاد أنه فيها.
ومثال الكذب: {{زيد في الدار} } إذا لم يكن فيها مع اعتقاد أنه ليس فيها.
احتج بقوله ــ تعالى ــ: {أَفْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَم بِهِ جِنَّةُم} .
ووجهه أن النبي ــ ? ــ لما أخبر عن نبوته حصر الكفار إخباره ذلك بطريق منع الخلو في الافتراء وإخبار من به جنة.
والافتراء هو الكذب. والإخبار حالة الجنون ليس بكذب؛ لأنهم أوقعوه قسيماً له، ولا صدق؛ لأنهم لم يعتقدوا صدقه.
وفيه نظر؛ لأن الاعتبار لاعتقاد المخبر لاعتقاد السامعين.
وأجاب المصنف: بأن المعنى افترى أم لم يفتر فيكون مجنوناً؛ لأن المجنون لا افتراء له قصد أو لم يقصد؛ للجنون.
وحاصل معناه: أن الترديد بين الكذب، وغير الخبر؛ لأن مؤداه افترى بل هو مجنون لم يفتر؛ لأنه يستلزم القصد، والمجنون لا قصد له.
فكان معناه: إخباره كاذب أو ليس [100/ب] بخبر؛ لأن به جنّة.
والمجنون قصد أم لم يقصد لا معتبر بخبره.
وفيه نظر؛ لأن عبارته لا تساعده؛ ولأنه جعل الترديد بين الافتراء وعدمه، وأخبر بأن المجنون لا افتراء له قصد أو لم يقصد؛ لجنونه.
فيكون معناه: افترى أم لم يفتر إن كانت متصلة، بل لم يفتر إن كانت منقطعة لأنه مجنون، ولا يلزم من ذلك أنه لم يخبر؛ لأن انتفاء الافتراء لجنونه لا يستلزم عدم إخباره، فلم يكن الترديد بين الافتراء وعدم الخبر.
نعم لو قال: المعنى افترى أم لم يخبر؛ لأنه مجنون لا معتبر بخبره، كان أنسب وإن لم يخل عن مناقشة.
والظاهر أن المعنى ــ والله أعلم ــ أتعمد الكذب أم مجنون لا يعلم ما يقوله.
ص ــ قالوا: قالت عائشة: ما كذب ولكنه وهم.
وأجيب: بتأويل ما كذب عمداً.
ش ــ القائلون بالواسطة، احتجوا بقول عائشة ــ رضي الله عنها: ما كذب، ولكنه وهم. روى الترمذي أن ابن عمر ــ رضي الله عنهما ــ قال: إن النبي ــ صلى الله عليه وسلم ــ
قال: {{الميت يعذب ببكاء أهله عليه} } فقالت عائشة ــ رضي الله عنها ــ: يرحمه الله ــ لم يكذب، ولكنه وهم.
إنما قال رسول الله ــ صلى الله عليه وسلم ــ: لرجل مات يهودياً: {{إن الميت ليعذب وإنهم ليبكون عليه} }.
ووجه الاستدلال: أن قولنا: {{ولكنه وهم} } يدل على أن خبر ابن عمر رضي الله عنه ــ لم يكن كذباً؛ لأنه وقع قسيماً للكذب بالاستدراك ولم يكن صدقاً بالضرورة، فثبت الواسطة.
وأجاب المصنف: بأن معناه: ما كذب عمداً نفت الكذب المتعمد، ولا يلزم من انتفائه انتفاء المطلق.
ولقائل أن يقول: هذا الجواب إنما يكون واقعاً إذا كان {{وهم} } بمعنى كذب غير متعمد، وليس ذلك معناه اللغوي، ولا الاصطلاحي.
وقد جاء في رواية عمرة عن عائشة ــ وقد ذكر لها أن عبد الله بن عمر يقول:
إن الميت ليعذب ببكاء الحي عليه ــ أنها قالت: {{يغفر الله لأبي عبد الرحمن أمّا إنه لم يكذب، ولكنه نسى، أو أخطأ} }، ولا شك أن الخطأ والنسيان ليس عبارة عن كذب غير عمد فكأن الدلالة لما كانت لجاحظ.
ص ــ وقيل: إن كان معتقداً فصدق وإلا فكذب؛ لقوله: {إِنَّ المُنَافِقِينَلَكَاذِبُونَ (1)} .
وأجيب: لكاذبون في شهادتهم.
وهي لفظية.
ش ــ ومن الناس من ذهب إلى أن الخبر منحصر في الصدق، والكذب، لكن لا على الوجه الذي اعتبره الجمهور.
وتقريره: أن الخبر إمّا أن يكون مطابقاً ومعتقداً للمخبر أو لا. فإن طابق واعتقد كان صدقاً، وإن لم يكن كذلك سواء كان انتفاؤه بانتفاء المطابقة، أو الاعتقاد، أو كليهما كان كذباً.
والصدق بهذا التفسير عين الصدق] و [بتفسير الجاحظ.
وأمّا الكذب بهذا التفسير فهو أعمّ من الكذب بتفسير الجاحظ.
واستدلوا بقوله ــ تعالى ــ: {إِذَا جَاءَكَالمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشهَدُإِنَّكَلَرَسُولُاللَّهِوَاللَّهُ يَعلمإِنَّكَلَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشهَدُإِنَّالمُنَافِقِينَلَكَاذِبُونَ (1)} .
كذب الله المنافقين في إخبارهم عن رسالة محمد ــ صلى الله عليه وسلم ــ وإن طابق الواقع حيث
لم يكن معتقداً لهم فدل [101/أ] على اعتبار اعتقاد المطابقة.
وأجاب المصنف بقوله: {{لكاذبون في شهادتهم} } ومعناه أن المتقدم على التكذيب خبران:
أحدهما: قوله: {{نشهد} }.
والثاني: قوله {{إنك لرسول الله} }.
والتكذيب متوجه إلى الأول؛ لأن شهادتهم وإن طابقت الواقع لكنهم لم يعتقدوا المطابقة، فكانت خبراً كذباً. هذا ما قيل في توجيه الجواب.
وفيه نظر؛ لأنه تقرير لمذهب الخصم، لأن مذهبه أن صدق الخبر إنما يكون بمطابقة الواقع، وأن يكون معتقداً المخبر، وإذا انتفى أحدهما، أو كلاهما كان كذباً على أن كون (نشهد) إخباراً يتوجه إليه التكذيب ممنوع، بل هو إنشاء للشهادة.
قوله {{وهي لفظية} } أي المنازعة؛ لأنه إن اعتبر اعتقاد المطابقة في الصدق، والكذب كان عدم الاعتقاد واسطة وإلا فلا.