الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
في
السنة وأفعاله ــ صلى الله عليه وسلم
ص ــ السنة.
مسألة: الأكثر على أنه لا يمتنع عقلاً على الأنبياء معصية.
وخالف الروافض.
وخالف المعتزلة إلا في الصغائر. ومعتمدهم التقبيح العقلي والإجماع على عصمتهم بعد الرسالة من تعمد الكذب في الأحكام؛ لدلالة المعجزة على الصدق.
وجوزه القاضي غلطاً، وقال: دلت على الصدق اعتقاداً.
وأما غيره من المعاصي، فالإجماع على عصمته من الكبائر، وصغائر الخِسَّة. والأكثر على جواز غيرهما.
ش ــ لما فرغ من بحث الكتاب، شرع في السنة، ذكر أحكامها في أربع مسائل. وجعل الأولى في بيان عصمة الأنبياء؛ لأنها كالمقدمة لما بعدها فإن السنة
?
تنقسم إلى أقوال وأفعال، فيجب أن يعلم بأنها حقة توجب التأسي وهو إنما يتحقق بعد بيان عصمتهم فيقل الخلاف الواقع فيها.
ونُقِلَ عن أكثر الأصوليين أنه لا يمتنع عقلاً أن يصدر عنهم قبل البعثة صغيرة أو كبيرة، خلافاً للروافض فيهما، وللمعتزلة في الكبائر.
ومعتمد الفريقين التقبيح العقلي؛ فإن إرسال من لم يكن معصوماً من الكبائر على رأي المعتزلة، أو منها ومن الصغيرة على رأي الروافض يوجب التنفير عنه، وهو مناف لمقتضى الحكمة، فيكون قبيحاً عقلاً، وأما بعد البعثة فالإجماع منعقد على
?
عصمتهم من تعمد الكذب في الأحكام، لدلالة المعجزة على صدقهم. وأما وقوع ذلك منهم غلطاً، فقد جوزه الباقلاني وقال: دلالة المعجزة إنما هي على صدقتهم فيها قصداً واعتقاداً. وأما ما يقع منهم غلطاً، فالمعجزة لا تدل على صدقهم فيه.
وأما غير الكذب من المعاصي، فالإجماع منعقد على عصمتهم من الكبائر مطلقاً، والصغائر الدالة على خسة فاعلها ونقص مروءته كسرقة كسرة.
وأما غير ذلك فالأكثر على جواز صدورهم منهم.
ولقائل أن يقول: هذه المسألة من مسائل الكلام لا محالة فذكرها في أصول الفقه في غير موضعه، وقد تقدم أمثاله.
ص ــ مسألة: فعله ــ صلى الله عليه وسلم ــ ما وضح فيه أمر الجبلَّة، كالقيام والقعود، والأكل والشرب، أو تخصيصه، كالضحى، والوتر، والتهجد، والمشاورة، والتخيير، والوصال، والزيادة على أربع، فواضح. [وما سواهما]، إن وضح أنه بيان بقول أو قرينة، مثل {{صلوا} } و {{خذوا} }. وكالقطع من الكوع، والغسل إلى المرافق اعتبر اتفاقاً.
وما سواه، إن عُلِمَت صفته، فأمته مثله.
وقيل: في العبادات.
وقيل: كما لم تعلم.
وإن لم تعلم فالوجوب، والندب، والإباحة، والوقف.
والمختار: إن ظهر قصد القرينة فندب، وإلا فمباح.
ش ــ المسألة الثانية: فيما يثبت بأفعاله ــ صلى الله عليه وسلم ــ وهي على أقسام:
?
ما وضح فيه أمر الجبلة، كالقيام والقعود، والأكل والشرب والحكم فيه الإباحة. وما وضح تخصيصه به، كالضحى، والوتر، والتهجد،
والمشاورة، وتخيير نسائه بينه وبين زينة الدنيا، والوصال في
?
الصوم، والزيادة على أربع في النكاح، والحكم فيه تخصيصه به وعدم تعبدنا. وما لم يصح فيه شيء من ذلك، وهو لا يخلو من أن يتضح فيه أنه بيان لمجمل بمقارنة قول، كالأفعال الصادرة عنه ــ صلى الله عليه وسلم ــ في الصلاة، والحج. فإنه وضح كونها بياناً ــ عليه السلام:{{صلوا كما رأيتموني أصلي} } و {{خذوا عني مناسككم} } أو يتضح ذلك بقرينة، كما إذا ورد لفظ مجمل ولم يبينه حتى وقع الحاجة إلى بيانه، ففعل فعلاً صالحاً للبيان، فإن فعله ذلك يوضح كونه بياناً لذلك المجمل بقرينة الحال، كقطع يد السارق من الكوع، فإنه بيان لآية
?
السرقة بقرينة الحال. وكغسل الأيدي مع المرفق، فإنه بيان لقوله ــ تعالى ــ {وَأَيْدِيَكُمْإِلَالْمَرَافِقِ} وإن لم يصح كونه بياناً لقول مجمل فلا يخلو أن تعلم صفة الفعل من الوجوب، والندب، والإباحة، أو لا.
فإن عُلِمَت وجب الاقتداء به على الوجه الذي فعله في العبادات وغيرها، وهو مختار المصنف.
وقيل: في العبادات خاصة.
وقيل: حكم ما عُلِمَت صفته كحكم ما لم يعلم.
وإن لم تعلم صفته:
?
فمنهم من ذهب إلى: الوجوب، وهو مذهب الحنابلة، وبعض المعتزلة، وابن سريج، وابن أبي هريرة من الشافعية.
ومنهم من ذهب إلى: الندب، وهو مذهب إمام الحرمين، وقيل: أحد قولي الشافعي.
ومنهم من ذهب إلى: الإباحة، وهو مذهب مالك.
ومنهم من وقف، وهو مذهب الغزالي، وجماعة من الشافعية.
?
ومنهم من فصل قال: إن ظهر قصد القربة، فندب، وإلا فمباح، وهو مختار المصنف.
ص ــ لنا: القطع بأن الصحابة كانوا يرجعون إلى فعله المعلوم صفته.
وقوله ــ تعالى ــ {فَلَمَّا قَضَى زَيد} إلاخرها.
وإذا لم تعلم وظهر قصد القربة ثبت الرجحان فلزم الوقوف عنده. والوجوب زيادة لم تثبت.
وإذا لم يظهر، فالجواز، والوجوب والندب زيادة لم تثبت.
وأيضاً لما نفى الحرج بعد قوله: {زَوَّجنَاكَهَا} فهمتالإباحةمعاحتمالالوجوبوالندب.
ش ــ استدل المصنف على ما اختاره من القسمين:
أما على الأول، وهو ما علم صفته فبوجهين:
أحدهما: أن الصحابة ــ رضي الله عنهم ــ كانوا يرجعون إلى فعله الملعون صفته عند كل حادثة، ويقتدون به من غير نكير منهم، كرجوعهم إلى تقبيله ــ عليه السلام ــ للحجر الأسود. وإلى تقبيله ــ عليه السلام ــ لنسائه وهو
?
صائم. وذلك دليل إجماعهم على أن حكمهم حكمه ــ عليه السلام ــ فيما عُلِمَ صفته، وإلا ما أفاد المراجعة.
والثاني: قوله ــ تعالى ــ {فَلَمَّا قَضَى زَيد مِّنهَا وَطَرا زَوَّجَاكَهَا لِكَي لَا يَكُونَ عَلَى المؤمنين حَرَجٌفيأَزوَاجِأَدعِيَائِهِم} . ووجهالتمسكأناللهتعالاعللنفيالحرجعنالمؤمنينفينكاحأزواجأدعيائهمبتزويجرسوله زوجة دعيه زيد. فلو لم يكن حكم الأمة حكمه ــ عليه السلام ــ في الفعل المعلوم صفته، لم يكن للتعليل معنى؛ لأنه لا يلزم من نفي الحرج عنه، نفيه عنهم.
وأما على الثاني: وهو أن ما لم تعلم صفته، إن كان عبادة فندب، وإلا فمباح فبان ذلك الفعل.
أما إن ظهر منه ــ عليه السلام ــ أنه قصد حال الإتيان به القربة أو لم يظهر. فإن دل على رجحان فعله على الترك؛ لأن غير الراجح لا يقصد به قربة، فإن قصد القربة بالفعل إنما هو لإيجاده، فلزم الوقوف عند الرجحان، وهو القدر المشترك بين الواجب والمندوب. وخصوصية الوجوب ــ وهو الذم على الترك ــ زيادة لا تثبت إلا
?
بدليل، والفرض عدمه. وإذا كان الفعل راجحاً ولم يكن واجباً، تعين أن يكون مندوباً وإن لم يظهر قصد القربة، لم يكن فعله راجحاً على الترك. فأما أن يكون محظوراً، وهو نادر في فعله لا يحمل عليه، أو مباحاً لا حظر فيه، فتعين وخصوصية الوجوب والندب زيادة لم تثبت إلا بدليل، والفرض عدمه.
وأيضاً لو لم تكن الإباحة راجحة في صورة عدم قصد القربة لما فهم الإباحة من قوله ــ تعالى ــ: {زَوَّجنَاكَهَا} الآية؛ لامتناع ترجيح المرجوح أو المساوي، لكنها فهمت فتعين أن يكون مباحاً، لكن مع احتمال الوجوب والندب.
ص ــ الموجب: {وَمَا آتَاكُمُالرَّسُولُ} .
أجيب بأن المعنى: ما أمركم لمقابلة {وَمَا نَهَاكُم} .
قالوا: {فَاتَّبِعُوهُ} .
أجيب: في الفعل على الوجه الذي فعله، أو في القول، أو فيهما.
قالوا: {لَّقَد كَانَ} إلاخرها، أي من كان يؤمن فله فيه أسوةً حسنة.
قلنا: معنى التأسي: إيقاع الفعل على الوجه الذي فعله.
قالوا: خلع نعليه فخلعوا، وأقرهم على استدلالهم، وبين العلة.
قلنا: لقوله: {{صلوا} } أو لفهم القربة.
قالوا: لما أمرهم بالتمتع، تمسكوا بفعله.
قلنا: لقوله: {{خذوا} } أو لفهم القربة.
قالوا: لما اختلف في الغسل بغير إنزال، سأل عمرُ عائشة ــ رضي الله عنهما ــ فقالت: فعلته أنا ورسول الله ــ صلى الله عليه وسلم ــ فاغتسلنا.
قلنا: إنما استفيد من {{إذا التقى الختانان فقد وجب الغسل} } أو لأنه بيان {وَإِن كُنتُم جُنُبا} ،أولأنهشرطالصلاةأولفهمالوجوب.
قالوا: أحوط، كصلاة، ومطلقة لم تتعينا. والحق أن الاحتياط فيما ثبت
وجوبه. أو كان الأصل، كالثلاثين. أما ما احتمل لغير ذلك فلا.
ش ــ القائلون بالوجوب فيما لم تعلم صفة فعله. استدلوا: بالكتاب والسنة والإجماع والقياس.
أما الكتاب: فمنه قوله ــ تعالى ــ: {وَمَا آتَاكُمُالرَّسُولُ فَخُذُوهُ} ، أمر امتثال ما أتى به؛ لأن الأخذ ههنا مجازٌ عنه، والأمر للوجوب ومما أتى به فعله الذي لم تعلم صفته فكان امتثاله واجباً.
وأجاب المصنف بأن معناه: وما أمركم، بدليل مقابلة، قوله:{وَمَا نَهَاكُم} والأمرلايتناولالفعل، فلميتصلبمحلالنزاع.
ومنه قوله ــ تعالى ــ: {فَاتَّبِعُوهُ} ، أمر بالمتابعة، وهي الإتيان بمثل فعله. فكان مثل فعله واجباً.
وأجاب: بأن المتابعة في الفعل إنما هي إذا وقع على الوجه الذي فعله المُتَّبع، وذلك يقتضي العلم بصفة الفعل، والنزاع في خلافه أو المراد بالمتابعة: المتابعة في القول، وهي امتثال أمره ونهيه، أو المراد بها: المتابعة فيهما، أي في القول والفعل. وعلى كل تقدير لم يجب الفعل الذي لم تعلم صفته. ومنه قوله ــ
?
تعالى ــ: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ} ظاهره يدل على أن التأسي بالرسول ــ عليه السلام ــ من لوازم رجاء الله ــ تعالى ــ واليوم الآخر. والرجاء بهما هو الإيمان بهما، فكان مضمونه: من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فله أسوةً حسنة في رسول الله، فوجب التأسي بفعله ــ عليه السلام ــ، وإلا لجاز تركه؛ لأن غير الواجب يجوز تركه، لكن تركه، ترك الإيمان بالله واليوم الآخر.
وأجاب: بأن التأسي إيقاع الفعل على الوجه الذي فعله، وذلك يستلزم العلم بالصفة، والفرض خلافه.
واستدلوا بالسنة بدليلين:
أحدهما: أنه ــ صلى الله عليه وسلم ــ لما خلع نعليه في صلاة الجنازة فهموا الوجوب، فخلعوا نعالهم، فسألهم النبي ــ صلى الله عليه وسلم ــ {{لم خلعتم نعالكم}}؟ فقالوا: لأنك خلعت. فأقرهم على استدلالهم وبين علة اختصاصه بالخلع حتى حصل الفرق بينه وبينهم فقال: {{أخبرني جبريل أن في أحدهما قذراً} }.فلولا أن الفعل الذي لم تعلم صفته واجب لما خلعوا، وما أقرهم الرسول ــ عليه السلام ــ على استدلالهم، ولما احتاج إلي بيان علة اختصاصه به.
?
وأجاب المصنف: بأن فهم الوجوبلم يكن من فعله، بل من قوله ــ عليه السلام ــ:{{صلوا كما رأيتموني أصلي} } فإنه لما سبق هذا الكلام فهموا وجوب المتابعة. أو لأنهم خلعوا ندباً، لفهمهم قصد القرية بخلعه ــ عليه السلام ــ
وفيه نظر؛ لأنه يقتضي سبق قوله: {{صلوا} } والتاريخ مجهول؛ ولأنه إن سبق كان في الصلاة المطلقة، وصلاة الجنازة ليست كذلك؛ ولأن ظهور قصد القربة دليل على الندب لا الوجوب إذا كان الفعل صالحاً للقربة، وذلك في خلع النعال ممنوع.
والثاني: أنه ــ صلى الله عليه وسلم ــ أمر أصحابه عام الحديبية بالتمتع وهو لم يتمتع. فقالوا: مالك تأمرنا بالتمتع ولم تتمتع؟ وذلك دليل على أنهم فهموا من فعله وجوب المتابعة، والرسول عليه السلام ــ لم ينكر، بل عين عذراً يختص به، ولو لم يكن فعله
?
موجباً لأنكر.
وفيه نظر؛ لأنه ــ عليه السلام ــ أمرهم بذلك فلم يفهموا منه الوجوب واعترضوا عليه فأنّي فهموه من فعله وهو أبعد من القول في الدلالة.
وأجاب المصنف: بأنهم إنما فهموا وجوب المتابعة من قوله ــ عليه السلام ــ: {{خذوا عني مناسككم} }، أو فهموا الندب؛ لفهمهم قصد القربة من فعله دون الوجوب.
وفيه نظر؛ لأن الأمر بالتمتع كان عام الحديبية، قوله:{{خذوا عني} } بعد ذلك عام حجة الوداع، فكيف يصلح دليلاً.
واستدلوا بالإجماع ــ أيضاً ــ، وتقريره: أن الصحابة ــ رضي الله عنهم ــ لما اختلفوا في وجوب الغسل إذا التقى الختانان من غير إنزال، رجع عمر إلى قول عائشة ــ
?
رضي الله عنهما ــ إذ قالت: {{فعلته أنا ورسول الله فاغتسلنا} }، فأجمعوا على وجوب الغسل بغير إنزال، فلو لم يتقرر عندهم أن فعله ــ عليه السلام ــ موجب لم يجمعوا على ذلك.
وفيه نظر؛ لأنه إجماع لاحق لمخالفة الأنصار، فقد لا يلتزم حجيته.
?
سلمناه، ولكن سند الإجماع يجوز أن يكون فعلاً منه ــ عليه السلام مندوباً.
وأجاب المصنف: بأن الوجوب استفيد من قوله ــ عليه السلام ــ {{إذا التقى الختانان وجب الغسل} } وأنزل أو لم ينزل.
وفيه نظر؛ لأنهم لو استفادوا منه ما رجعوا إليها.
أواستفادوه من فعله لا من حيث هو موجب، بل اعتبار أنه وقع بياناً لقوله ــ تعالى ــ:{وَإِن كُنتُمْجُنُبًافَاطَّهَّرُوا} ، ولا نزاع في كون مثله موجباً.
وفيه نظر؛ لأن النص محكم متضح المعنى فلا يحتاج إلى [بيان].
سلمناه، ولكن بين بقوله ــ عليه السلام ــ:{{إذا التقى الختانان} } فالبيان بعده تبيين المبين، وهو غير جائز، لكونه تحصيلاً للحاصل وبأن الغسل شرط الصلاة، وقد بين رسول الله ــ ? مساواته لأمته فيما يتعلق بالصلاة بقوله:{{صلوا كما رأيتموني أصلي} } ففهموا وجوبه من ذلك لا لأن فعله موجب.
وفيه نظر؛ لأن ذلك لو كان ما زاد على الدلالة على المساواة في الوجوب شيئاً فلا بد من دليل الوجوب في حقه لتساويه الأمة فيه.
وقول عائشة، لم يدل إلا على وجود الفعل منه، فلم تكن صفته معلومة. فلولا أن ما لم تعلم صفته موجب لما أجمعوا [81/ب] على الوجوب.
وبأن الصحابة ــ رضي الله عنهم ــ فهموا مما حكته عائشة الوجوب، فيكون من القسم الذي علمت صفته.
?
وفيه نظر؛ لأن حكاية عائشة ــ رضي الله عنها ــ لم تدل على الوجود، والصحابة أوجبوا فدل على أن الفعل موجب، فهو عين النزاع.
واستدلوا ــ أيضاً ــ بالقياس، وتقريره: فعله الذي لم تعلم صفته دار بين كونه للوجوب ولغيره، فالأحوط أن يحمل على الوجوب قياساً على قضاء خمس صلوات تركت منها واحدة ونسيت، فإن كل واحدة منها لما دارت بين أن تكون هي المتروكة وأن لا تكون وجب قضاء الجميع؛ لأنه أحوط. وقياساً على من طلق إحدى نسائه واشتبهت المطلقة بغيرها، فإن الأحوط الكف عن وطئهن جميعاً.
وأجاب المصنف: بالفرق، وهو أن الاحتياط يتحقق في المقيس عليه دون المقيس؛ لأنه إنما يتحقق فيما ثبت وجوبه، كالصلاة الفائتة، والكف عن المطلقة، أو كان الوجوب هو الأصل فيبقى بالاستصحاب، كصوم يوم ثلاثين من رمضان، إذا غمّ ليلة الثلاثين فيحتاط في مثله على حفظ الوجوب.
وأما ما احتمل أن يكون واجباً، وأن لا يكون كما في المقيس، فالاحتياط لا يوجب الوجوب.
ولقائل أن يقول: لا نسلم أن الاحتياط منحصرٌ فيما ذكرتم، لِمَ لا يجوز أن يحتاط في إيجاب ما دار بين أن يكون واجباً وغيره، وأن ما ذكرتم من الفرق باطل عند المحققين، وقد تقدم غير مرّة.
ص ــ الندب: الوجوب يستلزم التبليغ، والإباحة منتفية بقوله: {لَّقَد كَانَ
?
لَكُم} وهو ضعيف.
الإباحة هو التحقق، فوجب الوقوف عنده.
أجيب: إذا لم يظهر قصد القربة.
ش ــ استدل من قال بأن الفعل الذي لم تعلم صفته مندوب بدليل، تقريره: السبر والتقسيم، وهو أن ذلك الفعل، إما أن يكون حراماً أو مكروهاً أو واجباً أو ندباً أو مباحاً؛ لعدم غيرها بالإتفاق.
ولا سبيل إلى الأول، والثاني كذلك، ولا إلى الثالث؛ لأن الوجوب يستلزم التبليغ لقوله ــ تعالى ــ:{* يَاأَيُّهَاالرَّسُولُبَلِّغْمَاأُنزِلَإِلَيْكَ} . ولميبلغوإلالعلمصفته، وهوخلافالمفروض.
ولا إلى الخامس، وهو الإباحة؛ لأن الكلام في الاقتداء، وهو حسن لقوله ــ
تعالى -: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ)، والإباحة لا توصف بالحسن، فتعين الرابع وهو الندب.
وضعفه المصنف، بأنا لا نسلم أن الوجوب يستلزم التبليغ، وقوله:(بلغ) ليس فيه ما يدل على اختصاص الوجوب به.
سلمناه، ولكن لا نسلم أن هلم يبلغ، فإن قوله:(وَاتَّبِعُوهُ) يدل على التبليغ.
سلمناه، لكن دليلكم ينفي الندب أيضاً، بأن يقال: لو كان للندب لاستلزم التبليغ لقوله -تعالى- (بلغ) ولم يبلغ، وإلا لعلم صفته.
ولقائل أن يقول: إنكار استلزام الوجوب [82/أ] التبليغ مكابرة لا تستحق الجواب.
واختصاص الوجوب به، لأن التبليغ لإقامة الحجة يوم القيامة، وذلك فيما يكون تركه خللاً في أمر المعاد، ولا يتحقق ذلك إلا في الوجوب والحرمة.
وقال الشارحون في وجه الضعف من جهة الإباحة: إنا لا نسلن انتفاء الإباحة.
وقوله: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ) الآية، لا يدل على حسن التأسي بل على حسن التأسي به، لأن الحسنة صفة الإسوة فجاز أن يكون للإباحة، ويكون التأسي بها حسناً، بأن يؤتي بها على الوجه الذي أتى به من غير اختلاف.
وفيه نظر؛ لأن حسن التأسي باعتبار حسن المتأسى به، ألا ترى أن الفعل إن