المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

وفيه نظر؛ لجواز أن يكون مراده بالأمة الموجودين منهم المجتهدين - الردود والنقود شرح مختصر ابن الحاجب - جـ ١

[البابرتي]

فهرس الكتاب

- ‌ المباديء

- ‌ فائدته:

- ‌ استمداده

- ‌ الدليل

- ‌النظر:

- ‌حد العلم

- ‌ الذكر الحكمي

- ‌تقسيم العلم

- ‌معرفة الحد وتقسيمه

- ‌مادة المركب:

- ‌الذاتي

- ‌تمام الماهية

- ‌ الجنس والنوع

- ‌العرضي

- ‌صورة الحد

- ‌ القضية

- ‌ الأمارات

- ‌وجه الدلالة في المقدمتين

- ‌الضروريات

- ‌صورة البرهان

- ‌ القياس الاقتراني

- ‌النقيضان:

- ‌العكس المستوي

- ‌ عكس النقيض

- ‌تقسيم المقدمتين إلى أربعة أشكال

- ‌ الشكل الأول

- ‌ الشكل الثاني

- ‌ الضروب المنتجة

- ‌ الشكل الثالث:

- ‌ الشكل الرابع

- ‌ قياس الخلف

- ‌ مبادئ اللغة

- ‌ اقسامها: مفرد ومركب

- ‌تقسيم المفرد إلى اسم وفعل وحرف

- ‌المركب

- ‌تقسيم آخر للمفرد

- ‌المشترك

- ‌ الترادف

- ‌ وقوعه

- ‌الحقيقة

- ‌المجاز

- ‌اللفظ قبل الاستعمال ليس بحقيقة ولا مجاز

- ‌ مسألة: إذا دار اللفظ بين المجاز والاشتراك

- ‌في وقوع الحقائق الشرعية

- ‌الإيمان والإسلام

- ‌القرآن المعرّب

- ‌المشتق

- ‌ مسألة: اشتراط بقاء المعنى في كون المشتق حقيقة

- ‌ الحروف

- ‌ الحرف لا يستقل بالمفهومية

- ‌الواو

- ‌ مسألة: الواو للجمع المطلق

- ‌ إبتداء الوضع

- ‌ليس بين اللفظ ومدلوله مناسبة طبيعية

- ‌التحسين والتقبيحومن هنا مبادئ الأحكام الشرعية

- ‌ دليل المعتزلة على أن الحسن والقبح ذاتيان

- ‌مسألتان في شكر المنعموفي الأشياء قبل ورود الشرع

- ‌ مسألتان على التنزل:

- ‌الأولى شكر المنعم

- ‌الوجوب

- ‌الواجب على الكفاية

- ‌ الواجب الموسع

- ‌ما لا يتم الواجب إلا به

- ‌أحكام الحرام

- ‌ مسألة: يستحيل كون الشيء واجباً حراماً من جهة واحدة

- ‌الصلاة في الدار المغصوبة

- ‌المندوب

- ‌المكروه

- ‌أحكام المباح

- ‌خطاب الوضع

- ‌الأول: الحكم على الوصف المعين بكونه سببا

- ‌الثالث: الحكم على الوصف بالشرطية

- ‌ الصحة والبطلان

- ‌الرخصة والعزيمة

- ‌المحكوم فيه الأفعال

- ‌شرط المطلوب: الإمكان

- ‌مساله: لا تكليف إلا بفعل

- ‌مساله: قال الأشعري: لا ينقطع التكليف بفعل حال حدوثه

- ‌المحكوم عليه: المكلف

- ‌الأدلة الشرعية

- ‌ الأدلة الشرعية: الكتاب والسنة والإجماع، والقياس، والاستدلال

- ‌ المحكم والمتشابه

- ‌ السنة وأفعاله ــ صلى الله عليه وسلم

- ‌ المسألة الثالثة: في التقرير

- ‌الإجماع

- ‌ تعريفه

- ‌ ثبوته

- ‌المبتدع

- ‌ المسألة الثانية: في اعتبار قول المبتدع في الإجماع

- ‌ الخبر

- ‌تعريف الخبر

- ‌تسمية غير الخبر إنشاءً وتنبيهاً

- ‌تقسيم الخبر إلى صدق وكذب

- ‌تقسيم الخبر إلى ما يعلم صدقه وإلى ما يعلم كذبه

- ‌ الشرائط المختلف فيها في المخبرين

- ‌خبر الواحد

- ‌شرائط الراوي أربعة

- ‌الأول: البلوغ

- ‌ الثاني: الإسلام

- ‌ الرابع: العدالة

- ‌ الكبائر

- ‌رواية مجهول الحال

- ‌هل العمل بالشهادة والرواية يكون تعديلاً

- ‌ مسألة حكم الحاكم المشترط العدالة بالشهادة تعديل باتفاق

- ‌ إذا قال: أُمِرنا أو نُهِيّنَا أو أوجب، أو حرّم

- ‌ مسألة: إذا قال: من السنة كذا

- ‌ مسألة: إذا قال: كنا نفعل، أو كانوا

- ‌ قراءة الشيخ على الراوي

- ‌ قراءة غير الراوي على الشيخ

- ‌ إذا كذب الأصل الفرع، سقط القبول

- ‌ إذا انفرد العدل بزيادة والمجلس واحد

- ‌ مسألة: [خبر] الواحد في الحد

- ‌حمل الصحابي ما رواه على أحد محمليه

- ‌الخبر المخالف للقياس

- ‌ المنقطع

الفصل: وفيه نظر؛ لجواز أن يكون مراده بالأمة الموجودين منهم المجتهدين

وفيه نظر؛ لجواز أن يكون مراده بالأمة الموجودين منهم المجتهدين في كل عصر، وأن يمنع أنه إذا لم يكن في عصر مجتهد، واتفق على أمر من الأمور الدينية الأمة فيه أن لا يكون إجماعاً، ولا ينعكس ــ أيضاً ــ بتقدير اتفاق المجتهدين على أمر عقلي أو عرفي؛ لأنه إجماع، وليس الحد صادقاً عليه؛ لأنه ليس من الأمور الدينية.

وردّ: بجواز أن يكون تعريفه للإجماع الشرعي، وما عداه لا يكون عنده إجماعاً، فلا يلزم عدم الانعكاس.

ص ــ وخالف النظام وبعض الروافض في‌

‌ ثبوته

.

قالوا: انتشارهم يمنع نقل الحكم إليهم عادة.

وأجيب: بالمنع لجدهم وبحثهم.

قالوا: إن كان عن قاطع فالعادة تحيل عدم نقله. والظني يمتنع الاتفاق عليه عادة؛ لاختلاف القرائح.

وأجيب: بالمنع فيهما؛ فقد يستغنى عن نقل القاطع بحصول الإجماع.

وقد يكون الظني جلياً.

قالوا: يستحيل ثبوته عنهم عادة؛ لخفاء بعضهم، أو انقطاعه أو أسره، أو خموله، أو كذبه، أو رجوعه قبل قول الآخر. ولو سلّم فنقله مستحيل عادة؛ لأن الآحاد لا تفيد، والتواتر بعيد.

وأجيب عنهما: بالوقوع. فإنا قاطعون بتواتر النقل بتقديم النص القاطع على المظنون.

ش ــ اتفق الجمهور على ثبوته، وخالفهم النظام من المعتزلة وبعض

ص: 517

الروافض، وقالوا: لا يثبت الإجماع أصلاً؛ لأن اتفاق المجتهدين على حكم لا يتصور قبل نقله إليهم، وذلك ممتنع؛ لانتشارهم شرقاً وغرباً، والانتشار يمنع الوصول إليهم عادة.

وأجاب المصنف: بأنا لا نسلم أن العادة تقضي بمنع الانتشار، ونقل الحكم إليهم؛ لأن المجتهدين لا يزالون يبحثون عن أدلة الأحكام جادين فيه، ومع البحث والجد لا يمتنع النقل إليهم وإن كانوا منتشرين.

وفيه ما فيه؛ لأن السير ما بين المشرق والمغرب إذا كان حثيثاً مستديماً ربما تزيد مدته على قرن، وفي ذلك فوات الحادثة لا محالة.

وقالوا ــ أيضاً ــ: اتفاقهم على أمرٍ لا عن سند لا يجوز، وإلا لكان خطأ فلا بد منه.

فإن كان قاطعاً لنقل إلينا في مل إجماع؛ لإحالة العادة عدم النقل فيما يتوفر الداعي إلى نقله من القطعيات، لكن لم ينقل إلينا المستند في كل إجماع.

وإن كان ظنياً توقف اتفاقهم على توافق آرائهم فيه، وتوافقها في الظني ممتنع

ص: 518

عادة؛ لاختلاف القرائح في مقتضى الظن.

وأجاب المصنف: بمنع المقدمتين، أمّا الأولى فأن يقال: لا نسلم أن اتفاقهم لو كان عن قاطع وجب نقله إلينا، والعادة إنما تحيل عدم نقل القاطع إن لم يستغن عن نقل القاطع، وهو ممنوع فقد يستغني عنه بحصول الإجماع.

وأمّا الثانية فأن يقال: لا نسلم أن الظني يمنع توافق الآراء عادة واختلاف القرائح إنما هو في الظني الخفي. وأما إذا كان جلياً فيجوز توافق القرائح فيه، فيكون موجباً للحكم في جميع القرائح.

وفيه نظر؛ لأنه إنما يتم لو انعقد ما انعقد من الإجماع بالسند الظني عن ظني جلي، وإثباته كإثبات أصل الإجماع.

وقالوا ـأيضاًـ: إن ثبت الإجماع [لا] يثبت إلا عن المجتهدين؛ لأن إجماعهم هو المعتبر، لكن يستحيل ثبوته عنهم عادة لخفاء بعض المجتهدين عند اتفاقهم بحيث لا يعلم وجود [هـ] أو لانقطاعه عن الناس لا يخالطهم بعد العلم بوجوده، أو لوقوعه أسيراً لم يتمكن من الالتحاق بالباقين، أو لخموله لا يعرف كونه مجتهداً، أو لكذبه بأن أفتى لتغير اجتهاده قبل إفتاء الآخر بذلك الحكم.

وإنما قيد بقوله: {{قبل إفتاء الآخر} }؛ لأنه لو رجع بعده كان خرقاً للإجماع.

ولو سُلِّم ثبوته، لكن نقله مستحيل عادة؛ لأن الآحاد لا يفيد، والتواتر بعيد؛ لاحتياجه إلى خبر [جماعة] يستحيل تواطؤهم على الكذب أن جميع المجتهدين أفتوا بذلك.

وأجاب المصنف: بأنه واقع، وذلك يستلزم الثبوت والنقل جميعاً فإنا قاطعون بسبب تواترا لنقل أن الصحابة ــ رضي الله عنهم ــ أجمعوا على تقديم النص القاطع

ص: 519

على المظنون.

ولقائل أن يقول: هذا لا يدل على الثبوت ولا على النقل. أما النقل فلأنه يحتاج إلى خبر جماعة يستحيل تواطؤهم على الكذب أن جميع الصحابة أجمعوا على ذلك

وأمّا على الثبوت؛ فلأن قطعية دلالات الألفاظ غير قطعيةٍ لاختلاف فيها، وإذا لم يوجد نص قاطع لا يثبت إجماعهم على تقديمه على المظنون.

ص ــ وهو حجة عند الجميع.

ولا يعتد بالنظام وبعض الخوارج والشيعة.

وقول أحمد: من ادعى الإجماع فهو كاذب، استبعاد لوجوده.

الأدلة:

منها: أجمعوا على القطع بتخطئة المخالف.

والعادة تحيل إجماع هذا العدد الكثير من العلماء المحققين على قطع في شرعي من غير قاطع، فوجب تقدير نص فيه. وإجماع الفلاسفة وإجماع اليهود وإجماع النصارى غير وارد.

لا يقال: أثبتم الإجماع بالإجماع، أو أثبتم الإجماع بنص يتوقف عليه؛ لأن المثبت كونه حجة ثبوت نص عن وجود صورة منه بطريق عادي لا يتوقف وجودها ولا دلالتها على ثبوت كونه حجة. فلا دور.

ومنها: أجمعوا على تقديمه على القاطع، فدل أنه قاطع، وإلا تعارض الإجماعان؛ لأن القاطع مقدم.

فإن قيل: يلزم أن يكون المحتج عليه عدد التواتر؛ لتضمن الدليلين ذلك.

قلنا: إن سُلّم فلا يضر.

ش ــ إجماع أهل الحل والعقد حجة شرعية عند جمهور

ص: 520

العلماء. إلا النظام وبعض الخوارج والشيعة، ولا معتبر بهم؛ لأنهم ليسوا من أهل الحق.

وقوله: {{وقول أحمد} } جواب عما يقال: أحمد بن حنبل من أهل الحق، وقد قال:{{من ادعى الإجماع فقد كذب} }.

وتقريره: أن ذلك ليس إنكاراً منه لحجيّته بل استبعاد لوجوده وهذا إنما يستقيم

ص: 521

إذا ثبت عنه القول بحجيته.

والدليل على الحجية: أنهم أجمعوا على القطع بتخطئة مخالف الإجماع، وما لا يكون قاطعاً لا يجوز القطع بتخطئة مخالفه فالإجماع لا يجوز أن لا يكون قاطعاً.

أمّا الكبرى فظاهرة وأمّا الصغرى؛ فلأنه ثبت ذلك عنهم بالتواتر.

والعادة تحيل اجتماع لهذا العدد الكثير من العلماء المحققين على قطع في أمرٍ شرعي من غير قاطع يدل على ما أجمعوا على قطعه فوجب ــ بحكم العادة ــ تقدير نص قاطع يدل على القطع بتخطئة مخالف الإجماع. هذا تقرير الدليل، ولمّا تفطن لِمَا يَرِدُ عليه تعرض للدفع. أما الوارد عليه فأمران:

أحدهما: أن يقال: أجمع الفلاسفة على قِدَمِ العالم، واليهود على أن لا نسخ لشريعتهم، والنصارى على أن عيسى صلب وقطعوا بذلك، ولم يكن ثمة نص قاطع.

ص: 522

وأجاب: بأن ذلك غير وارد قيل: لأنهم ليسوا بجمع كثير ولا متفقين في أمرٍ شرعي، ولا قاطعين على ذلك. والعادة لا تحيل اجتماع الجمع القليل على غير أمر شرعي، غير قاطعين من غير قاطع.

وفيه نظر؛ فإن نفي الكثرة عن الفلاسفة واليهود والنصارى غير صحيح، وكذلك نفي القطع عنهم.

وكذلك كون النسخ والصلب غير شرعي فإنهما راجعان إلى الجواز وعدمه، مذكوران في التوراة والإنجيل.

وأن اجتماع هذا العلماء المحققين على [القطع] في شرعي يجوز أن يكون بظني، كخبر الواحد والقياس، كما سيجيئ في كلامه.

والثاني: أن يقال: أثبتم الإجماع، أي حجيته بالإجماع، والكلام في حجيته، الثاني كهو في الأولى.

وأثبتم حجية الإجماع بنص يتوقف على الإجماع، وكل ذلك دورٌ.

وأجاب: بأن المدعى كونه حجة، وأثبتاه بثبوت نص قاطع مستفاد من وجود صورة من الإجماع بطريق عادي، وتلك الصورة لا يتوقف وجودها على كون الإجماع حجة.

ودلالتها على ثبوت النص القاطع أيضاً لا يتوقف على كونه حجة. فلا يكون دوراً. فإن كون الإجماع حجة حينئذ يتوقف على ثبوت النص القاطع، وثبوت النص القاطع يتوقف على وجود صورة من صور الإجماع، ولم يتوقف وجود تلك الصورة

ص: 523

ودلالتها على ثبوت النص [على كون الإجماع حجة؛ لأن وجود تلك الصورة مستفاد من التواتر، ودلالتها على ثبوت النص] مستفادة من العادة.

ولقائلٍ أن يقول: في هذا الدليل خلل آخر غير الدور، والدور باقٍ أمّا بقاؤه؛ فلأنكم قلتم الإجماع حجة؛ لأنهم أجمعوا على القطع بتخطئة مخالف الإجماع، وهذا صورة من صوره لا محالة، فلا يثبت به شيء حتى تثبت حجيته.

وأمّا الخلل الآخر: فهو أنكم قلتم العادة تحيل إجماعهم على القطع بتخطئة المخالف من غير قاطع، والعادة ليست بحجة في عظائم الأمور والإجماع منها؛ لكونه أصلاً من أصول الشرع.

سلمناه، لكن لا نسلم اقتضاء قاطع؛ لأن المحتاج إليه سند الإجماع، ويجوز أن يكون أمراً ظنياً.

وأمّا الكلام على قطعية دلالة النص فقد مرّ.

قوله: {{ومنها: أجمعوا} } دليل آخر على كون الإجماع حجة قطعية.

وتقريره: أجمع العلماء المحققون على تقديم الإجماع على النص القاطع، ولولا أنه قاطع لما قدموه.

أمّا إجماعهم على ذلك فبالتواتر.

وأمّا بيان الملازمة فبدفع تعارض الإجماعين؛ فإنه ثبت بالتواتر ــ أيضاً ــ أنهم أجمعوا على أن القاطع مقدم على غيره. فهذا الإجماع يقتضي تقدم القاطع على غيره، والإجماع الأول يدل على تقدم الإجماع على القاطع، فلو لم يكن الإجماع قاطعاً كان أحدهما مقتضياً لجواز تقدم غير القاطع على القاطع. والآخر [يقتضي عدم تقدمه]، لوجوب تقدم القاطع على غيره، وذلك تعارض والعادة تحيل وقوع التعارض بين قولي مثل هذا العدد من العلماء المحققين.

ص: 524

وفيه نظر: أمّا أولاً؛ فلأن تقديم الإجماع على النص القاطع مستبعد جوازاً فضلاً عن الوقوع لا سيما وقد أنكر وجوده طائفة، وحجيته طائفة، وكونه قاطعاً طائفة أخرى.

وأمّا ثانياً: فلأن هذا الدليل معارض باستلزام تعارض الإجماعين. وذلك لأن الإجماع على تقدير كونه قاطعاً بتقديمه على النص القاطع بالإجماع يستلزم تقدم القاطع على القاطع، والإجماع منعقد على تقدم القاطع على غير القاطع فتعارض الإجماعان.

وأمّا ثالثاً: فلأن تعارض الإجماعين يندفع بجعل أحدهما ناسخاً للآخر، أو مخصصاً إن جُهِلَ التاريخ.

فإن قيل: كل واحد من الدليلين الدالّيْنِ على كون الإجماع حجة قطعية يقتضي أن يكون الإجماع المحتج به على كونه حجة ما بلغ المجمعون فيه عدد التواتر؛ لتضمن كل واحد منهما ذلك.

أمّا الأول: فلأن العادة إنما تحيل اجتماع العدد الكثير على القطع في شرعي من غير قاطع إذا بلغ عددهم عدد التواتر.

وأمّا الثاني: فلأن العادة إنما تقضي بامتناع التعارض بين أقوال مثل هذا العدد إذا بلغوا حد التواتر. وإذا كان كذلك، فلا يكون اتفاق من نقص عددهم عن عدد التواتر حجة. والاختصاص كونه حجة باتفاق المجتهدين، بل كل طائفة بلغوا عدد التواتر إجماعهم يكون حجة، وإن لم يكونوا مجتهدين.

أجاب المصنف: بمنع استلزام الدليلين لذلك؛ فإن العادة تحيل اجتماع المحققين على القطع في أمر شرعي بغير قاطع، بلغوا حد التواتر أو لا.

والعادة تحكم بامتناع التعارض بين أقوال جمع من المحققين بلغوا حد التواتر أو لا.

ص: 525

سلمنا استلزامهما لذلك، لكن لا يضر؛ لأن اللازم حينئذ كون القاطعين بتخطئة مخالف الإجماع، والقاطعين بتقدم الإجماع على النص عددهم عدد التواتر لا كون أهل الإجماع.

ولقائل أن يقول: إذا كان لازماً في القَاطِعِين فالخصم يمنع بلوغهم حد التواتر، فلا تثبت إذ ذاك حجية الإجماع؛ لبنائها عليهما فكان ضاراً.

ص ــ الشافعي: {وَيَتَّبِع غَيرَسَبِيلِ المُؤمِنِينَ} .

وليس بقاطع؛ لاحتمال في متابعته أو مناصرته، أو الاقتداء به، أو في الإيمان، فيصير دوراً؛ لأن التمسك بالظاهر إنما يثبت بالإجماع، بخلاف التمسك بمثله في القياس.

ش ــ استدل الشافعي ــ رحمه الله ــ على حجية الإجماع بقوله ــ تعالى ــ {وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعدِمَاتَبَيَّنَلَهُالهُدَى وَيَتَّبِع غَيرَسَبِيلِ المُؤمِنِينَ} ووجه ذلك أنه ــ تعالى ــ جمع في الآية بين مشاقة الرسول واتباع غير سبيل المؤمنين في الوعيد. فيجب أن يكون اتباع غير سبيل المؤمنين حراماً، وإلا لما جمع بينه وبين الحرام الذي هو المشاقة في الوعيد؛ لأن الجمع بين المباح والحرام في الوعيد لا يجوز. لا يصدر عن الحكيم {{إن زنيت وشربت الماء عاقبتك} }، وإذا كان اتباع غير سبيل المؤمنين حراماً كان اتباع سبيل المؤمنين واجباً. والحكم المجمع عليه سبيل المؤمنين؛ إذ المراد بالسبيل ما يختاره الإنسان لنفسه من قول أو فعل.

وزيّفه المصنف بأنه ليس بقاطع في الدلالة على المطلوب وهو متابعة الإجماع؛ لأن اتباع سبيل المؤمنين عام يتناول اتباعهم في متابعة الرسول ــ صلى الله عليه وسلم ــ واتباعهم في

ص: 526

نصره ودفع الأعداء عنه. أو اتباعهم في الاقتداء بالرسول، أو اتباعهم في الإيمان به. ودلالة [العام] على فرد بعينه من أفراده ليس بقطعي؛ لجواز تخصيص العام وإخراج ذلك الفرد منه.

وإذا لم يكن قطعياً، وتمسك به في كون الإجماع حجة، لزم الدور. لأن غاية ما في الباب أنه يدل على وجوب اتباع سبيل المؤمنين ظاهراً. والظاهر إنما يثبت كونه حجة بالإجماع. فلو أثبتنا كون الإجماع حجة بها دار.

وهذا [بخلاف] التمسك بمثل هذا الظاهر في كون القياس حجة كالتمسك بقوله ــ تعالى ــ {فَاعتَبِرُوايَاأُوْلِيالأَبصَارِ (2)} فإنه يستلزم الدور؛ لأن التمسك بالظاهر ما ثبت بالقياس.

والكلام على الآية التي استدل بها الشافعي على حجية الإجماع كثير جداً تصحيحاً وتزييفاً، وقد ذكرنا جملة من ذلك في التقرير شرح أصول الإمام فخر الإسلام.

ص: 527

ص ــ الغزالي بقوله: {{لا تجتمع أمتي} } من وجهين:

أحدهما: تواتر المعنى لكثرتها، كشجاعة على وجود حاتم. وهو حسن.

والثاني: تلقى الأمة لها بالقبول. وذلك لا يخرجها عن الآحاد.

واستدل: إجماعهم يدل على قاطع في الحكم؛ لأن العادة امتناع إجماع مثلهم على مظنون.

وأجيب: بمنعه في الجلي وأخبار الآحاد بعد العلم بوجود العمل بالظاهر.

ش ــ واستدل الغزالي ــ رحمه الله ــ بقوله ــ صلى الله عليه وسلم ــ: {{لا تجتمع أمتي على الخطأ} } من وجهين.

أحدهما: أنه تظاهرت الروايات عن رسول الله ــ صلى الله عليه وسلم ــ في عصمة هذه الأمة عن الخطأ، كقوله:{{لا تجتمع أمتي على الضلالة} }. و {{سألت الله أن لا تجتمع أمتى على الضلالة فأعطانيها} }. و {{يد الله على الجماعة ولا يبالي الله بشذوذ من

ص: 528

شذ}}.

وغير ذلك مما فيه كثرة، وكل واحد منها إن لم يصل إلى حد التواتر فالقدر المشترك فيها متواتر، كشجاعة علي، وجود حاتم، وإذا كان كذلك، وجب أن

ص: 529

يكون الإجماع حجة.

واستحسنه المصنف؛ لأنه أثبت حجيته بالتواتر المفيد للقطع.

وفيه نظر من وجهين:

الأول: أن هذا الوجه لا يربو على إجماع الصحابة على حجية الإجماع، ولا ينفع ما لم تثبت حجية الإجماع.

والثاني: إن أفاد لم يزد على كونه حجة، وأمّا على كونه حجة قطعية فلا. والنزاع في ذلك.

والآخر: أن الأمة قرناً بعد قرن تلقتها بالقبول، واحتج بها بعض، وأجاب عنها آخرون، وكل ذلك دليل صحتها.

وزيفه المصنف: بأن ذلك لا يخرجها عن الآحاد. فهي ظنية لا تفيد القطع، وفيه نظر؛ لكون التلقي في الصدر الأول، فكانت مشهورة وخرجت عن الآحاد، فجاز أن يستدل بها، لكن على الحجية لا على القطعية. ومن الناس من استدل: بأن إجماع المجمعين على الحكم يدل على دليل قاطع يستند الإجماع إليه؛ لأن العادة تحيل اجتماع مثل هذا الجمع الكثير من العلماء على المظنون.

وفيه نظر؛ لأنا لا نسلم صلوح العادة للغلبة في مثل هذا الأمر سلمناه، لكنها تفيد الظن لا اليقين.

وزيفه المصنف، بمنع إحالة العادة اجتماعهم على مظنون؛ فإن سند الإجماع إذا كان قياساً جلياً، أو خبر واحد، بعد العلم بوجوب العمل بالظاهر الذي هو مظنون، جاز أن ينعقد به الإجماع.

ولقائل أن يقول: هذا يناقض ما ذكره في الدليل الأول على حجية الإجماع.

ص ــ المخالف: {تِبيَانالِّكُلِّشَيء} ، {فَرُدُّوهُ} ونحوه.

ص: 530

وغايته الظهور.

وأجيب: بأنه لم يكن حينئذ حجة.

ش ــ المخالف استدل على عدم حجية الإجماع بالكتاب والسنة.

أمّا الكتاب، فقوله ــ تعالى ــ:{وَنَزَّلنَاعَلَيكَالكِتَابَتِبيَانالِّكُلِّشَيء} .

ووجهه: أن الحكم الذي يتوخى إثباته بالإجماع شيء، وهو ظاهر وكل ما هو شيء فالكتاب تبيان له، لقوله ــ تعالى ــ:{تِبيَانالِّكُلِّ شَيء} فلا يحتاج إلى الإجماع.

وقوله ــ تعالى ــ: {فَإِن تَنَازَعتُمفِيشَيءفَرُدُّوهُإِلَاللَّهِوَالرَّسُولِ} .

ووجهه: أن الأحكام الشرعية مما تنازع فيه المجتهدون، أو آراء مجتهد واحد، وذلك ظاهر، وكل ما شابه ذلك فردوه إلى الكتاب والسنة بالآية، فلم يكن الإجماع محتاجاً إليه.

بل المصير إليه مخالفة الكتاب، وهي حرام.

وقوله ــ تعالى ــ: {وَمَا اختَلَفتُم فِيهِ مِن شَيءفَحُكمُهُ إِلَى اللَّهِ} . فليس إلى الإجماع.

وزيفه المصنف: بأن غايته؛ أي غاية هذا الاستدلال الظهور، فلا يعارض القطعي الدال على كون الإجماع حجة.

ولقائل أن يقول: الدليل الذي ذكره على حجية الإجماع لم يبلغ حد القطع، كما تقدم بيان كل في موضعه. فكان ظاهراً في مقابلة ظاهر وتعارضا.

ص: 531

وأمّا السنة: فحديث معاذ ــ رضي الله عنه ــ وهو أنه حين وجهه إلى اليمن قاضياً سأله: {{بم تقضي} }؟ قال: بكتاب الله. قال ــ عليه السلام ــ: {{فإن لم تجد} }؟ قال: بسنة رسول الله، قال:{{فإن لم تجد} }؟ قال: اجتهد برأيي. ولم يذكر الإجماع.

وصوبه رسول الله ــ صلى الله عليه وسلم ــ وقال: {{الحمد لله الذي وفق رسول رسوله بما يرضي رسوله} }. ولو كان الإجماع حجة للقنه.

ص: 532

وأجيب: بأن الإجماع لم يكن في زمن النبي ــ صلى الله عليه وسلم ــ حجة، فلذلك سكت عنه.

وقد ذكرنا في التقرير أجوبة عن استدلالهم بالكتاب والسنة فليطلب ثمة.

ص: 533

ص ــ مسألة: وفاق من سيوجد، لا يعتبر اتفاقاً.

والمختار أن المقلد كذلك.

وميل القاضي إلى اعتباره.

وقيل: يعتبر الأصولي.

وقيل: الفروعي.

لنا: لو اعتبر لم يتصور.

وأيضاً: المخالفة عليه حرام. فغايته مجتهد خالف وعُلِمَ عصيانه.

ش ــ هذه المسألة في بيان أهل الإجماع، اتفقوا على أن أهله، أهل الفقه. فإذا اتفقوا على حكم شرعي كان إجماعاً، ولا يعتبر فيه موافقة من سيوجد بعد انقراض عصرهم، أو وجد ولم يبلغ رتبة الاجتهاد في عصرهم بالاتفاق.

وأمّا موافقة المقلد، وهو من لا يكون مجتهداً ففيه خلاف.

والمقلد يتناول العامي الذي لا يعلم الفروع ولا الأصول، والذي يعلم الأصول دون الفروع، وعكسه.

والمختار عند المصنف أنه لا يعتبر بموافقته مطلقاً.

وميل القاضي إلى اعتباره مطلقاً.

ومنهم من اعتبر موافقة الأصولي الذي لا يعلم الفروع.

ص: 534

وقيل: يعتبر عكسه.

واستدل المصنف على عدم اعتباره بوجهين:

الأول: لو اعتبر موافقة المقلد فيه لم يتصور الإجماع؛ لأن المقلدين لكثرتهم، وتباين أماكنهم لا يتصور اتفاق كلمتهم لكن قد دلّ الدليل على وجوده.

وفيه نظر؛ لأن أهل الإجماع كذلك.

والثاني: أن المقلد يحرم عليه مخالفة العلماء، وكل من حَرُمَ مخالفته لا تعتبر موافقته في الإجماع.

أمّا الصغرى فظاهرة، وأما الكبرى، فكالمجتهد الذي لم يوجد وقت الانعقاد، فإنه يحرم عليه مخالفة الإجماع بعد علمه بالإجماع، وموافقته غير معتبرة، بل المقلد أولى؛ لأنه إذا لم تعتبر موافقة القادر على الاستنباط، وهو المجتهد الذي وجد بعد الإجماع، فلأن لا تعتبر موافقة غير القادر أولى.

وفيه نظر؛ لأن هذا المجتهد إنما لم تعتبر موافقته؛ لكونه لم يوجد وقت الإجماع، وانقراض العصر ليس بشرط على الصحيح، والمقلد كان موجوداً وقت الإجماع، فكان قياساً مع الفارق، وهو لا يجوز.

ص: 535