الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
صورة الحد
ص- وصورة الحد: الجنس الأقرب ثم الفصل.
ش- يريد الحد الحقيقي وأن لم يكن ملتزما في هذا الفن كما أشير إليه من قبل ولما علم أن لكل مركب مادة وصورة، أشار إلى أجزاء الحد الذى هو مركب، ولما كان الصورة مستلزمة للمادة من غير عكس ذكر الصورة، وجعل اللام في قوله:"وصورة الحد" للعهد، والمعهود الحد الحقيقي، وهو ملبس؛ لأن المتقدم أقسام الحد كلها فلم يتعين الحقيقي إلا بالعناية وهو مخل بمعنى العهد والمعنى صورة الحد الحقيقي الجنس الأقرب إلى وضعه ثم الفصل؛ لأنه لو يوضع كذلك لم يحصل للحد صورة وجدانية مطابقة للحدود.
ص- وخلل ذلك: نقص، وخلل المادة: خطأ ونقص.
فالخطأ: كجعل الموجود والواحد جنسا. وكجعل العرضي الخاص بنوع فصلا فلا ينعكس، وترك بعض الفصول فلا يطرد.
وكتعريفه بنفسه، مثل: الحركة. عرض نقله، والإنسان حيوان بشر.
وكجعل النوع والجزء جنسا. مثل: الشر: ظلم الناس، والعشرة خمسة وخمسة.
ش- أي الخلل الواقع في صورة الحد بأن يوضع الفصل أولا، نقص لما ذكرنا، وليس بخطأ؛ لأنه يفيد تمييز المحدود عن غيره تمييزا ذاتيا وهو المقصود. وأما الخلل الواقع في مادته فخطأ ونقص فأن كان من كان من جهة المعنى فهو الأول، وأن كان من جهة اللفظ فهو الثاني، والأول على أنواع منها: أن يجعل العرض (14/ب) العام جنسا فيقال: الإنسان موجود ناطق، أو واحد.
ومنها: أن يجعل العرض الخاص فصلا، فيقال: الإنسان هو الحيوان الكاتب فلا ينعكس الحد حينئذ؛ لوجود المحدود بدونه.
ومنها: أن يترك بعض الفصول، فيقال في حد الإنسان: حيوان ناطق، ويترك قوله: كاتب، عند من يرى اشتراك الناطق بين الإنسان والملائكة فلا يطرد لوجود الحد حينئذ بدون المحدود في الملائكة.
ومنها: تعريف الشيء بنفسه، مثل الحركة: عرض نقله، والإنسان: حيوان بشر فإن تعريف الإنسان مشتمل على البشر، وتعريف الحركة مشتمل على النقلة، وهما نفس الإنسان والحركة. ومثل بمثالين للجوهر والعرض.
ومنها: أخذ نوع الشيء أو جزئه الغير المحمول مكان جنسه كقولهم: الشر ظلم الناس، إذ الظلم نوع من الشر أخذ مكان الجنس.
وقولهم: العشرة خمسة وخمسة، فإن الخمسة غير محمولة على العشرة وقد أخذت مكانه، فكان أخذ غير الجنس مكان الجنس وهو خطأ واعلم أن هذه الأقسام المذكورة ليست منحصرة في الحد الحقيقي على الوجه الذى اعتبر المصنف الحد الرسمي؛ فإنه اعتبره على وجه يتناول الحدود الناقصة فيشتمل على الجنس والفصل، فيمكن وقوع الخطأ المذكور في الحد الرسمي.
ص- ويختص الرسمي باللازم الظاهر، لا يخفي مثله، ولا بخفي، ولا بما تتوقف عقليته عليه. مثل: الزوج: عدد يزيد على الفرد بواحد.
وبالعكس فإنهما متساويان ومثل: النار: جسم كالنفس، فإن النفس أخفى. ومثل: الشمس: كوكب نهاري، فإن النهار يتوقف على الشمس. والنقص، كاستعمال الألفاظ الغريبة، والمشتركة، والمجازية.
ش- الحد الرسمي يختص باللازم المختص الظاهر. لابد من هذه الأمور الثلاثة والمصنف أخل بذكر واحد، أما اللزوم؛ فلأنه لو لم يكن لازما لجاز صدق المحدود بدونه، فيلزم عدم الانعكاس. وأما الاختصاص؛ فلأنه لو لم يكن مختصا لجاز صدقه بدون المحدود، فيلزم عدم الاطراد.
وأما الظهور؛ فلأنه لو لم يكن ظاهرا لم يفد؛ لأن المساوي في الظهور والخفاء عند العقل لا يصلح للتعريف، لاستلزامه التحكم، والأخفى أشد امتناعا، لترجيح المرجوح، وما يتوقف تعقله على تعقل المحدود كذلك؛ لامتناع توقف الشيء على ما يتوقف عليه.
مثلا ما يساويه في الظهور والخفاء قولنا: الزوج عدد يزيد على الفرد بواحد.
أخذ [الفرد] في تعريف (الزوج)، وهما متساويان في الظهور والخفاء وبالعكس، أي يقال: الفرد عدد يزيد على الزوج بواحد.
ومثال الأخفى: النار جسم كالنفس، والنفس أخفى عند العقل.
ومثال ما يتوقف عقليته عليه: الشمس كوكب نهاري؛ فإن تعقل النهار موقوف على تعقل الشمس، فإنه عبارة عن وقت ظهور الشمس فوق دائرة الأفق. وكل من هذه الثلاثة أردا مما قبله، فلهذا (15/أ) أخره عنه وهي مختصة بالرسمي؛ إذ لا مدخل للخفاء والتوقف في الذاتي.
وأما النقص وهو: الخلل في المادة من جهة اللفظ كما تقدم فهو بأمور -أيضا -
منها: استعمال ألفاظ غريبة بالنسبة إلى السامع كتعريف الخلق بالديدن.
ومنها: استعمال ألفاظ مشتركة، نحو: الشمس عين.
ومنها: استعمال ألفاظ مجازية، نحو: الطواف صلاة.
وإنما أخر النقص لم يذكر عقيب الخطأ؛ لتعلقه بالحقيقي والرسمي.
ص- ولا يحصل الحد ببرهان؛ لأنه وسط يستلزم حكما على المحكوم عليه.
فلو قدر في الحد لكان مستلزما "عين المحكوم عليه؛ ولأن الدليل يستلزم تعقل ما يستدل عليه. فلو دل عليه لزوم الدور.
فإن قيل: فمثله في التصديق.
قلنا: دليل التصديق على حصول ثبوت النسبة أو نفيها لا على تعقلها.
ومن ثم لم يمنع الحد، ولكن يعارض ويبطل "بخلله".
أما إذا قيل: الإنسان حيوان ناطق. وقصد مدلوله لغة أو شرعا، فدليله النقل
بخلاف تعريف الماهية.
ش- أي لا يمكن إقامة للبرهان على ثبوت الحد للمحدود لوجهين:
أحدهما: أنه وسط يستلزم حكما على المحكوم عليه، أي حكما يفضي إلى الحكم بالمحكوم به على المحكوم عليه، كما إذا قلنا الخمر حرام؛ لأنها تؤثر الخلل في العقل وكل ما يؤثر الخلل في العقل فهو حرام.
فقولنا: لأنه يستلزم الحكم بأنها تؤثر الخلل في العقل، وذلك يفضى الحكم بالمحكوم به في نفس القضية المذكورة أولا، وهو الحرمة على المحكوم عليه وهو الخمر، وهذه فائدة (تستلزم) حكما.
ويجوز أن يكون معناه؛ لأنه وسط يستلزم حكما، المحكوم به على.
المحكوم عليه، وهو في النتيجة.
وعلى كل من التقديرين معنى البرهان: أن يستلزم الشيء حكما على المحكوم عليه، فلو قدر في الحد كان مستلزما عين المحكوم عليه لا حكما عليه وهو خلف وبيان الملازمة يقتضى التنبيه على أمر هو أن المطلوب إما تصور أو تصديق، والأول طريقه هو هو، والثاني: ثبوته له وتوسيط ثبوته له بين هو هو يستلزم ثبوت هو لهو وذلك يستدعى المغايرة التي تنافي هو هو.
والثاني: أن الدليل يستلزم عليه، والمستدل عليه هو الحكم بثبوت الحد للمحدود فيكون الدليل موقوفا على تعقل المحدود والحد، والحكم بثبوت أحدهما لآخر فلو دل على ثبوت الحد للمحدود لكان ثبوت الحد للمحدود موقوفا على الدليل، وتعقل الحدود موقوف على ثبوت الحد للمحدود ضرورة استفادة تعقل المحدود من ثبوت الحد له، فيكون تعقل المحدود موقوفا على الدليل عليه، والدليل عليه موقوف على تعقله فيلزم الدور، وعلى هذا الوجه نقض إجمالي ذكره المصنف بقوله: الدليل في التصديق موقوف على تعقل التصديق أن صح قولكم الدليل يستلزم تعقل ما يستدل عليه، وحينئذ لو كان التصديق ثابتا بالدليل لزم الدور.
وأجاب بقوله: "دليل التصديق على حصول ثبوت النسبة أو نفيها لا على تعقلها".
وتقريره: الدليل يذكر في التصديقات (15/ب) إنما هو على إيقاع الحكم الإيجابي وانتزاعه لا على الدليل على ثبوت النسبة أو نفيها موقوف على تعقلها لا على ثبوتها فلا يلزم الدور.
ولقائل أن يقول: الدليل يستلزم تعقل ما يستدل عليه مطلقا أو إذا لم يكن في
التصور، أي فأن كان الأول فممنوع لم لا يجوز أن الدليل في التصورات يفيد تعقل المحدود من حيث هو كذلك من غير سبق تعقله كدلالة اللفظ على المعنى.
وإن كان الثاني: فهو مسلم ولا يفيد المطلوب.
هذا وأن سلوك طريق هو هوهوهو فلا تعدل عنه.
ولما فرغ من بيان بطلان اكتساب الحد بالبرهان، فرع عليه عدم جواز المنع فيه؛ لأن المنع يشعر بطلب الدليل. عليه ممتنع، وقال:"ولكن يعارض ويبطل بخلله"، والمعارضة هي: المقابلة على سبيل الممانعة، وذلك إنما يتحقق في الحد بإيراد حد آخر راجح عليه بوجه من الوجوه، أو مساو له.
ولقائل أن يقول: كلامه إما فاسد أو متسامح فيه؛ لأنه أن أراد بقوله: " ومن ثم لم يمنع الحد" الحد الحقيقي فهو فاسد؛ لأن الحد الحقيقي لا يتعدد كما مر، وأن أراد غيره ففيه تسامح، لأنه نفي المنع عن الحد وذكر المعارضة التي فيها ممانعة.
وأما إبطاله بإثبات خلله، فإما بعدم اطراده أو انعكاسه أو غيرهما من الشرائط المعتبرة في الحد، فبإثباته يبطل الحد.
قوله: "وأما إذا قيل: الإنسان حيوان ناطق "الظاهر أنه معطوف على قوله: "ولا يحصل الحد ببرهان "يعني إذا قصد بذكر الحد تعريف الماهية لا يحصل بالدليل، وأما إذا قصد به أنه مدلوله لغة أو شرعا، فلا يمتنع إثباته بالدليل؛ لأنه الذي يَحُد