الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحدود لا تثبت بالقياس إلا إذا كان جلياً، وهذا ليس كذلك.
ص ــ
الحروف
، معنى قولهم:
الحرف لا يستقل بالمفهومية
، أن نحو {{من} } و {{إلى} } مشروط في دلالتها على معناها الإفرادي ذكر متعلقها.
ونحو {{الابتداء} } و {{الانتهاء} } و {{ابتدأ} } و {{انتهى} } غير مشروط فيها ذلك.
[وأما نحو {{ذو}} و {{فوق}} و {{تحت}} وإن لم تذكر إلا بمتعلقها لأمرٍ فغير مشروط فيها ذلك، لما عُلِمَ من أن وضع {{ذو}} بمعنى {{صاحب}} ليتوصل به إلى الوصف بأسماء الأجناس اقتضى ذكر المضاف إليه. وأن وضع {{فوق}} بمعنى مكان، ليتوصل به إلى علوٍ خاص اقتضى ذلك، وكذلك البواقي].
ش ــ قال النحويون: الحرف لا يستقل بالمفهومية. ومعناه: أنه لا دلالة له على معناه الإفرادي بدون ذكر متعلقه، وذلك مثل {{من} } و {{إلى} } مثلاً، فإنه لا دلالة [له] على شيء حتى يذكر متعلقه.
فيقال: من كذا، أو إلى كذا، وليس معناهما الابتداء والانتهاء.
واستدل على ذلك بأن {{من} } و {{إلى} } مشروط في دلالتهما على معناهما الإفرادي
ذكر متعلقهما، والابتداء والانتهاء ليس بمشروط في الدلالة على ذلك {{فمن} } و {{إلى} } ليس بالابتداء والانتهاء، وإنما قال:{{وابتدأ} } و {{انتهى} } لئلا ينازع أحد بأنه إن لم يكن مفهومهما الابتداء، والانتهاء فليكونا اسمي {{ابتدأ} } و {{انتهى} }، وإشارة إلى أن الاسم والفعل متشاركان في كونهما غير مشروطين في دلالتهما على المعنى الإفرادي بذكر المتعلق، بخلاف الحرف. وقيد المعنى بالإفرادي؛ لأن المعنى التركيبي مشروط في الدلالة على الاسم والفعل بذكر ما يحصل به من أحد المسندين.
وأورِدَ بالأسماء اللازمة للإضافة {{كذو} } و {{فوق} } و {{تحت} } وأمثالها فإنها لا تفيد معناها الإفرادي إلا بشرط يذكر متعلقها وهو [44/أ] المضاف إليه.
وأجيب: بالفرق، بأن ذكر المتعلق في الحرف مشروط من أول الوضع، وأما الأسماء المذكورة فلم يشترط الواضع في دلالتها على معناها الافرادي ذكر المتعلق، وإنما كان عدم الانفكاك لأمر وهو أنه علم بالاستقراء أن وضع {{ذو} } بإزاء {{صاحب} } ليتوصل به إلى وصف الأسماء بأسماء الأجناس، فلأجل حصول غرضه من الوضع اقتضى ذكر المضاف إليه لا لأجل دلالته على ما وضع بإزائه.
وكذلك عُلِمَ أن {{فوق} } وضع بإزاء مكان عالٍ ليتوصل به إلى علوٍ خاص فلذلك اقتضى ذكر متعلقه.
فإن قولنا: زيد فوق الدار، إنما يتخصص كون مكانه [عالياً] بالاقتران بالدار وقس الباقي عليه.
هذا ما ذكروه، وتساوى المحققون وغيرهم في ذلك، وهذا كلام اضطراري ليس فيه من التحقيق ولا الاخالة شيء، وذلك لأنه يجوز أن يقال {{من} } وضع بإزاء ابتدأ، ليتوصل به إلى ابتداء خاص مثال:{{خرجت من البصرة إلى الكوفة} }.
وأما أن ذلك باعتبار أن الواضع شرط عند وضع {{من} }، ولم يشترط عند وضع {{ذو} } فهو دعوى مجردة، والاستقراء إن دل على شيء في هذا لا يزيد على وجود أن كل واحد منهما في الاستعمالات مستعمل مقروناً بذكر المتعلق.
وأما على الاشتراط عند الوضع في أحدهما دون الآخر فليس له دلالة أصلاً والمنازع مكابر، على أن نفس تركيبهم، وهو قولهم: لا يستقل بالمفهومية لا يستقيم في الإفادة إلا بتحمل عظيم؛ لأن معناه الأصلي: الحرف لا يدُلّ على معناه إلا بذكر متعلقه.
والعبارة الصحيحة فيه: الحرف لا يستقل في الدلالة على مفهومه إلا بالمفهومية، فيحتاج أن يقال: الحرف لا يستقل في الدلالة على شيء ينسب إلى المفهوم، وذلك تمحل لا محالة، والذي ظهر لي في هذا المقام أن الحرف: ما وضع للتعبير عن نسبة كقولك: {{من} } للابتداء، و {{إلى} } للانتهاء، و {{على} } للاستعلاء، و {{إن} } و {{أن} } للتأكيد، و {{كأن} } للتشبيه، و {{ليت} } للتمني، و {{لا} } للنفي، و {{الهمزة} } للاستفهام وغير ذلك، والمقصود فهمها.
والحرف وصلة وأداة، غير مقصود بنفسه، فإذا قلنا:{{خرجت من البصرة} } فإنما المقصود بذكر {{من} } معرفة مبتدأ الخروج لا غير، وهو معنى قولهم: الحرف يدل
على معنى في غيره.
وأما "ذو" وأمثاله. فليس المقصود به معرفة المال فقط، بل معناه وهو "الصاحب"- أيضا- مقصود.
وكذلك "زيد فوق الدار" ليس المقصود معرفة الدار، بل معرفة علوه على الدار. هذا والله أعلم بالصواب.