الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الواجب على الكفاية
ص ــ مسألة: الواجب على الكفاية على الجميع، ويسقط بالبعض.
لنا: اثم الجميع بالترك باتفاق.
قالوا: يسقط بالبعض.
قلنا: استبعاد.
قالوا: كما أُمِرَ بواحدٍ [مبهم] أُمِرَ بعضٌ [مبهمٌ].
قلنا: إثم واحد مبهمٍ لا يعقل.
قالوا: {فلولا نفر} .
قلنا: يجب تأويله على المسقط، جمعاً بين الأدلة.
ش ــ اختلف الأصوليون في أن الواجب على الكفاية واجب على الجميع ويسقط الوجوب بفعل البعض، أو على بعض غير معين.
فمنهم من ذهب إلى الثاني، ومنهم من ذهب إلى الأول، واختاره
المصنف واستدل بما تقريره: لو لم يجب على الجميع لما أثم الجميع بالترك؛ فإن التأثيم بترك ما لا يجب عليه ليس بحكمة، لكنه يأثم بالإجماع.
واستدل الخصم بوجوه:
الأول: الواجب على الكفاية يسقط بفعل بعض، والواجب على الجميع ليس كذلك، فالواجب على الكفاية ليس على الجميع.
والصغرى ظاهرة، وبيان الكبرى: بأن الواجب على المكلف لا يسقط عنه بفعل غيره.
ولقائل أن يقول: الواجب على الجميع لا يسقط بفعل بعض إذا كان فرض عين أو [57/ب] فرض كفاية، والأول مسلم ولا يفيد والثاني عين النزاع.
وأجاب المصنف: بأنه مجرد استبعاد، وهو لا يقتضي الامتناع، فيجوز أن يسقط الوجوب عن المكلف بفعل غيره.
وفيه نظر؛ لأن الواجب إذا كان على الجميع فالواقع منه إنما هو عن الفاعل لا غير؛ لصرف ماله إلى ما عليه، فلا يقع عن غيره.
وأما إذا كان الواجب على غير الفاعل، فوقوعه عنه مستبعد؛ لأنه في الماليات، وفي الحج عن الغير بالنص، وما نحن فيه من
الأول.
والثاني: أن الأمر بواحد مبهم جائز، كخصال الكفار، فيجوز أمر واحد مبهمٍ قياساً عليه، والجامع تعدد متعلق الوجوب مع سقوط الوجوب بفعل البعض.
وأجاب عنه المصنف بالفرق، وهو أن الإثم بترك واحد [مبهم] من أمور متعددة ممكن معقول. فجاز أن يتعلق به الوجوب.
وأما إثم واحد مبهم فلا يعقل، فلا يتعلق به الوجوب.
ولقائل أن يقول: لا نسلم أن ترك واحد مبهم معقول، إذ كل ما ترك منها معين فلا يكون متعلق الوجوب.
سلمنا لكن الفرق باطل عند المحققين لاشتماله على التزام دليل المعلل، وهو خلل في المناظرة، ولا نتصابه معللاً بعد ما كان سائلاً وهو غصب.
والثالث: قوله ــ تعالى ــ: {فَلَولَا نَفَرَ مِن كُلِّ فِرقَة مِّنهُم طَائِفَة لِّيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ} فإنه يدل على أن الواجب على الكفاية على بعض غير معين؛ لأن طلب الفقه من فروض الكفاية، والآية أوجبت على كل فرقة أن ينفر منهم طائفة، وتلك الطائفة غير معينة، فيكون المأمور بعضها غير معين.
وأجاب عنه المصنف: بأن الطائفة كما يحتمل أن يكونوا هم الذين أوجب الله عليهم طلب الفقه، يحتمل أن يكونوا الذين يسقطون الوجوب بالمباشرة عن الجميع فتكون الآية حجة عليهم بعد ما كانت حجة لهم؛ لأن طلب الفقه حينئذٍ يكون واجباً على الجميع، ويسقط بفعل بعضهم.
وقال: {{جمعاً بين الأدلة} }، وفسروه بأن احتمال الثاني وإن كان مرجوحاً لكنه يحمل عليه جمعاً بين الأدلة، فأما لو حملنا الطائفة على الذين أوجب الله عليهم بطل دليلنا، وهو الإجماع على تأثيم الجميع بتركه ولو حملناها على المسقطين لم يبطل دليلنا ولا العمل بالآية فتعين المصير إليه؛ لأن إعمال الدليل واجب بقدر الإمكان.
وفيه نظر؛ لأن تأثيم الجميع بتركه لا يدل على أنه واجب على الكل لأنا لو فرضنا أنه واجب على بعض مبهم أثموا بتركه بالإجماع.
الأمر بواحد من أمور متعددة
ص ــ مسألة: الأمر بواحد من أشياء، كخصال الكفارة مستقيم.
وقال بعض المعتزلة: الجميع واجب.
وبعضهم: الواجب ما يفعل.
وبعضهم: الواجب واحد [58/أ] معين ويسقط به وبالآخر.
لنا: القطع بالجواز، والنص دلّ عليه.
وأيضاً وجوب تزويج أحد الخاطبين، واعتاد واحد من الجنس.
فلو كان التخيير يوجب الجميع لوجب تزويج الجميع، ولو كان معيناً لخصوص أحدهما امتنع التخيير.
ش ــ واختلفوا ــ أيضاً ــ في أن الأمر بواحد من أمور متعددة كخصال الكفارة مستقيم، أو لا. ويسميه الفقهاء الواجب المخير فذهب الأشاعرة إلى أنه مستقيم، والتعيين إلى المكلف بفعله.
وقال بعض المعتزلة، يعني الجبائي وابنه: الكل واجب على
التخيير.
وقال بعضهم: الواجب هو ما يفعله المكلف منها.
وذهب آخرون: إلى أن الواجب واحد معين عند الله، لكن يسقط الوجوب به وبغيره من الأمور المتعددة.
وحاصله: جوازه مقطوع به عقلاً، وكل ما هو كذلك وجب القول باستقامته.
وفيه نظر؛ لأن العقل عند الأشاعرة غير مثبت لشيء فكان تحريره غير معتبر. والنص دلّ عليه، أي على جوازه سمعاً.
أما الأول: فلأن السيد إذا قال لعبده: أمرتك أن تخيط هذا الثوب أو تسقي هذا البستان اليوم أيهما فعلت اليوم اكتفيت به، وإن تركتهما عاقبتك، وليس مرادي أن تجمع بينهما، بل أمرتك أن تفعل واحداً منهما لا بعينه، ولا يمكن في هذا أن يقال: إنه لم يأمر بشيء لأنه هدد بالعقاب على تركه، ولا أنه أمر بالجميع؛ لأنه صرح بنقيضه ولا واحداً بعينه؛ لأنه صرّح بالتخيير، فتعين أن يكون المأمور واحداً لا بعينه.
وأما الثاني: فقوله ــ تعالى ــ: {فَكَفَّارَتُهُ إِطعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ} الآية بكلمة التخيير.
ولقائل أن يقول: ليس في الآية ما يدل على ذلك؛ لأن كلمة التخيير لبيان أن المكلف مختار في أن يسقط الوجوب بأيها شاء، وأمّا المكلف به فهو الجميع.
واستدل المصنف بفرعين من الفقه وهما:
أن الرجل إذا وكل بتزويج أحد الخاطبين، أو بعتق أحد عبديه على التخيير، ليس له أن يجمع بينهما ولو أوجب التخيير الجمع لوجب ذلك فدل على جواز تعلق الأمر بواحد لا بعينه، وهذا البيان أن التخيير لا يوجب الجميع.
وقوله: {{ولو كان مُعَيّناً} } لبيان أن التخيير لا يوجب واحداً معيناً، كما أن لا يوجب الجميع.
وبيانه: لو كان التخيير يوجب التعيين لبطل التخيير؛ لأنه حينئذٍ كان موجباً لنقيضه، لأن التخيير يُجَوّزُ ترك المعين، والتعيين لا يُجَوّزُه، وكل ما كان موجباً لنقيضه فهو ممتنع، لكن لا يجوز إبطاله لتنصيص المتكلم عليه.
ولقائل أن يقول: على الأول، المدعى قاعدة كلية فلا يجوز إثباتها بصورة جزئية.
سلمناه: لكن الاستدلال بالفرع على الأصل دور.
سلمناه لكن المانع منع عن وجوب تزويج الخاطبين، وهو أن شرعية النكاح
لقطع التنازع في النساء ودفع اشتباه الأنساب ووجوبه يستلزم ذلك [58/ب] فما فرض لقطع شيء ودفعه لا يكون كذلك. هذا خلف باطل.
والجمع في الاعتاق إضرار منهي عنه.
وعلى الثاني، بأن التخيير يوجب الخصوص بالنظر إلى المكلف.
وأحدهما لا بعينه بالنسبة إلى المكلف [به] على ما هو مذهب بعضهم فلا تنافي بينهما.
ص ــ المعتزلة: غير المعين مجهول، ويستحيل وقوعه فلا يكلف به.
والجواب: أنه معين من حيث هو واجب، وهو واحد من الثلاثة، فينتفي الخصوص فصح إطلاق غير المعين عليه.
قالوا: لو كان الواجب واحداً، من حيث هو أحدها لا بعينه، مبهما لوجب أن يكون المخير فيه واحداً لا بعينه من حيث هو أحدها. فإن تعدد لزم التخيير بين واجب وغير واجب. وإن اتحدا لزم اجتماع التخيير والوجوب.
وأجيب: بلزومه في الجنس وفي الخاطبين.
والحق أن الذي وجب لم يخير فيه، والمخير فيه لم يجب لعدم التعيين. والتعدد يأبى كون المتعلقين واحداً. كما لو حرّم واحداً وأوجب واحداً.
ش ــ قالت المعتزلة: غير المعين مجهول، والمجهول لا يكلف به، لأن الشعور بالمكلف به شرط صحة التكليف، وغير المعين يستحيل وقوعه، لأن الواقع مشخص البتة، وكل ما يستحيل وقوعه لا يكلف به، لئلا يلزم التكليف بالممتنع،
وهذان الوجهان مبنيان على عدم جواز التكليف بالمحال، والاختلاف فيه معروف، فكان رد المختلف على المختلف.
وأجاب المصنف: بأن واحداً من الثلاثة معين من وجه، ومجهول من آخر من حيث أنه واجب معين، ويصح التكليف به من هذه الجهة، ومجهول من حيث أنه واحد من الثلاثة، ومن هذه الجهة ينتفي الخصوص ويصح إطلاق غير المعين عليه.
وهذا فاسد؛ لأن الكلام في أن واحداً لا بعينه، هل يتعلق به الوجوب فيصير واجباً أو لا. فلو وصِف ذلك الواحد بالوجوب قبل تعلق الوجوب به لكان تحصيلاً للحاصل، وهو محال.
وقالوا ــ أيضاً ــ: لو كان الواجب واحداً من حيث هو أحدها لا بعينه مبهماً لوجب أن يكون المخير فيه واحداً لا بعينه من حيث أحدها؛ لأن الكلام في الواجب المخير، فإذا كان الواجب المخير واحداً كان المخير فيه واحداً لكن التالي باطل؛ لأنه يستلزم أحد المحالين التخيير بين الواجب وغيره أو اجتماع التخيير والوجوب في أمر واحد، وما يستلزم المحال محال فالتالي محال، فالمتقدم مثله.
وبيان ذلك: أن الواحد الذي هو الواجب، إمّا أن يكون هو الواحد المخير فيه أو غيره، والأول يستلزم الثاني، والثاني الأول، واستحالته من حيث أن المكلف إذا كان مخيراً بين الواجب وغيره جاز له اختيار [59/أ] غير الواجب، وغير الواجب يجوز تركه، فيفضي إلى ترك الواجب مع انتفاء الإثم اللازم للوجوب المستلزم لانتفائه، فما فرضناه واجباً لم يكن واجباً. هذا خلف باطل.
واستحالة الأول للجمع بين المتنافيين في شيء واحد.
ولقائل أن يقول: واحد لا بعينه من أمور لا يتعدد أصلاً.
فقوله: {{إن تعددا لزم التخيير} } يكون فرض محال، فجاز أن يستلزم محالاً آخر، ولو فرض جواز تعدده بطل الملازمة، لفساد بيانه وهو قوله: الكلام في الواجب المخير، فإذا كان الواجب المخير واحداً كان المخير فيه واحداً.
وقوله: يلزم التخيير بين الواجب وغيره، غير مستقيم؛ لأن شيئاً منها قبل التخيير لم يكن واجباً، حتى يلزم التخيير بين الواجب وغيره، والجمع بين المتنافيين في شيء واحد محال إذا اتحدت الجهة، وما نحن فيه ليس كذلك على ما سيظهر.
وأجاب المصنف بما معناه: ما ذكرتم يلزمكم في التوكيل بإعتاق واحد من أوقاته، وتزويج المرأة من أحد الخاطبين، فإن الواجب اعتاق واحد لا بعينه، وتزويجها من أحدهما لا بعينه، وكل ما هو جواب لكم عن هاتين الصورتين فهو جوابنا عن صورة النزاع.
ولقائل أن يقول: كلامهم في الواجب المخير وليس في الصورتين وجوب؛ لأن التوكيل عقد غير لازم، ولهذا جاز للمأمور أن لا يفعل شيئاً من ذلك، ويجوز أن تكونا متفرعتين على أصل آخر غير هذا الأصل، وقد أشرنا إلى نبذ من ذلك.
وقال: {{والحق أن الذي وجب لم يخير فيه} } لما كان جوابه إقناعياً، أشار إلى ما هو الحق، يعني أن الواجب غير مخير فيه؛ لأن الواجب واحد من الثلاثة من حيث هو واحد لا بعينه، والمخير فيه معين وهو كل من الثلاثة على التعيين وهو غير واجب.
ولقائل أن يقول: الكلام في الواجب المخير، ولا يجوز أن يكون المخير في غير الواجب؛ لأن جر صفة على الواجب، ولا يجوز أن يشتق لشيء والفعل غير قائم
به، وقد تقدم.
فإن تعدد عاد ترديدهم المتقدم في بطلان التالي فلا يصح الجواب بالتزام التعدد.
ولعل الحق فيه المصير إلى الاتحاد، ويجتمع الوجوب والتخيير باعتبارين: فالوجوب يكون من حيث أن واحداً منها لا بد منه جزاءً للجناية والتخيير من حيث أن المكلف له أن يعين ذلك المبهم بجعله أحد المعنيين فكان واحداً لا بعينه واجباً، والمكلف مخير في ذلك الواحد المبهم أن يجعله معيناً بما شاء منها.
وقوله: {{والتعدد يأبى} } دليل آخر على أن الواجب والمخير فيه لا يتحدان.
وتقريره: الوجوب والتخيير متنافيان، وكل متنافيين تأبى وحدة المتعلق؛ لأن المتعلَّق لازم للمُتَعلَّق، وتنافي اللوازم يدل على تنافي الملزومات كما لو حرّم الشارع أمراً وأوجب آخر.
ولقائل أن يقول: سلمنا أن تعدد المُتَعلّق يستلزم تعدد المُتَعلَّق [59/ب] لكن المُتَعلَّق فيما نحن فيه متعدد كما ذكرنا، وذلك كافٍ.
ألا ترى إلى الصلاة في أرض مغصوبة تعلق بها الوجوب والحرمة باعتبارين لا يقال: ذلك مبني على الحسن والقبح بالوجه والاعتبار وذلك غير ملتزم كما تقدم.
لأنا نقول: ذلك مذهبهم، فهم ملتزموه.
ص ــ قالوا: يعم ويسقط وإن كان بلفظ التخيير، كالكفاية.
قلنا: الإجماع ثمة على تأثيم الجميع، وههنا بترك واحد وأيضاً: فتأثيم واحد لا بعينه غير معقول. بخلاف التأثيم على ترك واحد من ثلاثة.
قالوا: يجب أن يعلم الآمر الواجب.
قلنا: يعلمه [حسبما] أوجبه.
فإذا: أوجب غير معين وجب أن يعلمه غير معين؟
ش ــ ما تقدم كان دليلاً للمعتزلة على نفي مذهب الخصم، وهذا دليل لهم على إثبات مذهبهم، وهو: أن الكل واجب.
تقريره: الواجب المخير يعم الجميع، ويسقط بفعل البعض كما في الواجب على الكفاية، والجامع الاشتراك في الوجوب مع سقوطه بفعل البعض، وورود النص بلفظ التخيير لا ينافي عموم الوجوب وسقوطه بفعل البعض، فيكون لفظ التخيير لبيان الواجب الذي هو الجميع يجوز أن يسقطه المكلف بما شاء من الأمور المتعددة.
ولقائل أن يقول: سقوط الواجب على الجميع بفعل البعض على خلاف القياس بفعل النبي ــ صلى الله عليه وسلم ــ فلا يجوز القياس عليه.
وأجاب المصنف بالفرق من وجهين:
الأول: أن الاجماع منعقد على أن الواجب على الكفاية يأثم الجميع بتركه وههنا إنما يأثم المكلف بترك واحد.
والثاني: أن تأثيم مكلف واحد لا بعينه غير معقول؛ إذ لا يمكن عقاب أحد الشخصين لا على التعيين، بخلاف تأثيم المكلف على ترك واحد لا بعينه فإنه معقول، لجواز العقاب على أحد الفعلين.
ولقائل أن يقول: الاستدلال بكونه غير معقول تناقض؛ لأن مذهب المجيب أن العقل ليس بمثبت أحد الفعلين لشيء وقد تقدم الكلام على الفرق واستحالة ترك المبهم.
وقالوا ــ أيضاً ــ الواجب يجب أن يعلمه الآمر، وكل ما يعلمه الآمر لا يكون غير معين، والمعين هو الجميع فيجب.
أمّا بيان الصغرى: فلأن الآمر طالب للمأمور به وهو الواجب، وطلب المجهول محال.
وأمّا بيان الكبرى: فلأن المعلوم غير متميز عن غيره، والمتميز يكون متعيناً.
وأجاب المصنف: بأنا لا نسلم أن كل ما يعلمه الآمر لا يكون غير معين، لأن الآمر يعلم الواجب على الوجه الذي أوجبه، وإذا أوجب واحداً غير معين وجب أن يعلم غير معين، وكون المعلوم معيناً باعتبار تميزه عن غيره في العقل لا ينافي عدم تعينه باعتبار كونه واحداً من الثلاثة.
ولقائل أن يقول: هذا بناءً [60/أ] على أن العلم تابع للمعلوم وهو ههنا ليس
بصحيح؛ لأن الواجب ما تعلق به الوجوب وهو حادث، وتبعيّة العلم القديم للواجب الحادث محال.
ص ــ قالوا: علم ما يفعل فكان الواجب.
قلنا: فكان الواجب لكونه واحداً منها لا بخصوصه للقطه بأن الخلق فيه سواء.
ش ــ هذا دليل القائلين بأن الواجب واحد معين وهو ما يفعله المكلف.
وتقريره: علم الله ما يفعل المكلف من خصال الكفارة، وكل ما علم الله متعين في علمه، فما يفعل العبد متعين في علمه، والوجوب تعلق به وإلا كان تكليفاً بما لا يقع، لاستحالة وقوع ما لا يعلمه الله وكل ما تعلق به الوجوب فهو واجب، وهو إنما يصح إذا سلم عن الاعتراض بعدم العلم بالجزئيات على الوجه الجزئي، والمناظر لا يتقيد بمذهب فله أن يعترض به.
وأجاب المصنف: بأن الواجب ما يفعله، وهو قول بموجب العلة، أي سلمنا أن الواجب ما يفعله المكلف، لكن من حيث هو أحدها لا بعينه، لا من حيث خصوصيته، وإلاّ يلزم تفاوت المكلفين فيه، فإنه إذا فعل أحد المكلفين واحداً منها والآخر غيره، فإذا قلنا: الواجب هو ما فعله بخصوصه لا من حيث أحدها، كان الواجب على هذا المكلف غير الواجب على ذلك، فيلزم تفاوت المكلفين، وهو باطل؛ للقطع بتساويهم وفيه نظر؛ لأن وجوب التساوي في
التكليف بالواجب المخير إما أن يكون قبل الفعل أو بعده، والأول مسلّم؛ لعدم العلم بالواجب على كل واحد من المكلفين.
وأما الثاني فممنوع. لِمَ لا يجوز أن يكون التفاوت موجوداً لحكمة يعلمها لنفس التخيير، ويتبين لنا ذلك بعد الفعل.