الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
التحسين والتقبيح
ومن هنا مبادئ الأحكام الشرعية
ص- الأحكام: لا يحكم العقل بأن الفعل حسن أو قبيح في حكم الله - تعالى- ويطلق لثلاثة أمور إضافية: لموافقته الغرض ومخالفته، ولما أمرنا بالثناء عليه والذم، ولما لا حرج في فعله ومقابلته.
وفعل الله تعالى- حسن بالاعتبارين الأخيرين.
وقالت المعتزلة والكرامية والبراهمة: الأفعال حسنة وقبيحة لذاتها فالقدماء: من غير صفة. [وقوم: بصفة].
وقوم: بصفة في القبيح.
والجبائية: بوجوه واعتبارات.
ش- لما فرغ عن ذكر ما يستمد منه من اللغة، شرع في بيان ما يستمد منه من الأحكام، ورتب الكلام على أربعة أصول، لأن الحكم يستدعي حاكما، ومحكوما عليه، ومحكوما به.
واختلف العلماء في فعل المكلف إذا تعلق به حكم الله، هل يحكم العقل بحسنه أو قبحه، أو لا؟
فذهبت الأشاعرة إلى نفيه، وقالوا: يطلق الحسن والقبح على ثلاثة أمور إضافية.
الأول وهو مشهور: أن الفعل إذا كان موافقا لغرض الفاعل فهو الحسن وإن كان مخالفا لغرضه فهو القبيح، والغرض ما لأجله يصدر المعلول عن العلة، فعلى هذا إذا كان الفعل موافقا لغرض شخص دون آخر فهو حسن بالنسبة إلى الأول قبيح بالنسبة إلى الثاني، فهو إضافي لا محالة.
الثاني: أن الحسن يطلق على فعل أمرنا الشارع بالثناء على فاعله، والقبيح على فعل أمرنا بالذم على فاعله، وهذا يختلف باختلاف ورود أمر الشرع في الأفعال فيكون -أيضا- إضافيا.
الثالث: أنه يطلق الحسن على فعل لا حرج على فاعله في الاتيان به والقبيح على فعل [48/ب] في الإتيان به حرج على فاعله وهو -أيضا- يختلف باختلاف الأحوال والأزمان، والأشخاص.
وفعل الله لا يكون حسنا بالاعتبار الأول، لأن الله - تعالى- منزه عن أن يكون فعله لغرض، وهو حسن بالاعتبارين الأخيرين.
أما بالاعتبار الثاني، فلأنه أمر الشارع بالثناء على فاعله، وأما بالاعتبار الثالث، فلأنه لا حرج في فعله، والحسن بالمعنى الثاني يتناول الواجب والمندوب، لأن كل واحد منهما أمرنا الشارع بالثناء على فاعله، ولا يتناول المباح، لأنه لم يأمر الشارع بذلك، وبالمعنى الثالث يتناول المباح والمكروه أيضا، لأن كل واحد منهما لا حرج
في فعله.
والقبيح بالتفسيرين الأخيرين يختص بالحرام، لأنه أمر الشارع بالذم لفاعله، وفي فعله حرج، [ولا] يتناول المباح والمكروه بالتفسيرين؛ لأنه لم يأمر الشارع بالذم لفاعلهما، ولا حرج في فعلهما، فالمكروه والمباح ليسا بحسن ولا قبيح على التفسير الثاني.
وقالت المعتزلة والكرامية والبراهمة: الأفعال حسنة لذاتها، لكن منها: ما يهتدى العقل إلى الحسن والقبح فيه بالضرورة، كإنقاذ الغرقى، والكذب الذي لا نفع فيه.
ومنها: ما يدرك بالعقل بالنظر والاستدلال، كحسن الصدق الذي فيه ضرر، وقبح الكذب الذي فيه نفع.
ومنها: ما يدركه بالسمع كحسن الصلاة والحج. والشرع كاشف للحسن والقبح لا موجب لهما.
ثم إن القائلين بالحسن والقبح الذاتيين اختلفوا.
فقالت القدماء: ليس في الفعل صفة تقتضي حسنه أو قبحه، بل الفعل يقتضي لذاته أحدهما.
وقال بعض المتأخرين: حسن الفعل وقبحه لأجل صفة زائدة على الفعل لازمة له تقتضي حسنه أو قبحه، قالوا: الزنا قبيح، لأنه مشتمل على مفسدة اختلاط النسب المفضي إلى هلاك الولد.
والصوم حسن لاشتماله على كسره قوة الشهوة الباعثة على الفساد.
وقال آخرون: إن الفعل القبيح متصف بصفة توجب قبحه، والفعل الحسن لذاته حسن، ويقولون: إن كان في الفعل ما يؤدي إلى مفسدة كان قبيحا أن لم يكن كان حسنا.
وقالت الجبائية: حسن الأفعال وقبحها بوجوه واعتبارات، والوجه عرضي مفارق مع قطع النظر عن الغير، والاعتبار عرضي مفارق بالنظر إلى الغير أفاده شيخي العلامة رحمه الله وذلك كالمواقعة بلا ملك إذا تحقق الاشتباه من جانب دون آخر، فهو حسن في حق من اشتبه عليه، قبيح في حق من لم يشتبه فهو حسن من وجه قبيح من وجه وعليك تطبيقه على تعريفه.
ولقائل أن يقول: قوله: (لا يحكم العقل بأن الفعل حسن أو قبيح) ليس
بصحيح على إطلاقه؛ لأنه يحكم بذلك إن كانا بالتفسير الأول.
وكان الواجب أن يذكر الأقسام، ثم يذكر أن حكم العقل منفي عن أي قسم منها.
وأيضا قوله [49/أ](وفعل الله حسن) لا تعلق له بهذا المبحث، بل هذا المبحث كله من مسائل الكلام، ولكن يذكره في الأصول من يذكره بأن لتصور الأحكام الذي يستمد منه الأصولي نوع تعلق به من حيث أن يعرف أن المباح هو الذي لا يكون مكروها ألبته، والواجب يكون حسنا البتة لا غير فكان ذكره ههنا في غير محله.
ص- لنا: لو كان ذاتيا لما اختلف، وقد وجب الكذب إذا كان فيه عصمة نبي، والقتل والضرب وغيرهما.
وأيضا: لو كان ذاتيا لاجتمع النقيضان في صدق من قال: لأكذبن غدا، وكذبه.
واستدل: لو كان ذاتيا لزم قيام المعنى بالمعنى؛ لأن حسن الفعل زائد على مفهومه، وإلا لزم من تعقل الفعل تعقله، ويلزم وجوده [لأن] نقيضه لا حسن، وهو سلب، وإلا استلزم حصوله محلا موجودا، ولم يكن ذاتيا، وقد وصف الفعل به، فيلزم قيامه به.
واعترض: بإجرائه في الممكن.
وبأن الاستدلال بصورة النفي على الوجود، دور؛ لأنه قد يكون ثبوتيا أو منقسما، فلا يفيد ذلك.
واستدل: فعل العبد غير مختار، فلا يكون حسنا ولا قبيحا لذاته إجماعا، لأنه إن كان لازما فواضح، وإن كان جائزا فإن افتقر إلى مرجح عاد التقسيم وإلا فهو اتفاقي.
وهو ضعيف؛ لأنا نفرق بين الضرورية والاختيارية ضرورة، ويلزم عليه
فعل الباري.
وأن لا يوصف بحسن ولا قبح شرعا.
والتحقيق أنه يترجح بالاختيار.
ش- استدل المصنف على نفي مدعى الخصم بدليلين؛ لأن بنفيه يلزم مدعاه.
أحدهما: لو كان الحسن ذاتيا، أي لذات الفعل، أو لصفة تقتضيها ذاته، لما اختلف، أي لم يصر الحسن قبيحا وبالعكس، لأن الذاتي لا يزول، لكن قد يصير القبيح حسنا كالكذب إذا كان في عصمة نبي عن الهلاك، و [القتل] إذا كان قصاصا، والضرب إذا كان حدا.
ولقائل أن يقول: الوصفان من محتملات المطلق [والمتصف] بأحدهما المقيد، ولا اختلاف ثمة البتة.
والثاني: أنه لو كان كذلك لاجتمع النقيضان في صدق من يقول: لأكذبن غدا وكذبه، لأنه لا يخلو إما أن يكذب في الغد أو يصدق، فإن كذب لزم قبحه لكذبه في نفس الأمر وحسنه لاستلزامه صدق الخبر الأول؛ فإن المستلزم للحسن حسن فاجتمع في الخبر الثاني الحسن واللا حسن، وهو اجتماع النقيضين وإن صدق لزم حسنه في نفسه وقبحه، لاستلزامه كذب الخبر الأول، وفيه ما في الأول، والوجهان ليسا بدافعين للجبائية لقولهم بالوجه والاعتبار.
واستدل -أيضا-: بأن الحسن والقبح لو كان ذاتيا للفعل لزم قيام العرض بالعرض؛ لأن الحسن زائد على نفس الفعل إذ هو ليس نفسه، ولا داخلا فيه، حيث
لم يلزم من تعقله تعقله، فإنا نعقل الصوم ولا يخطر ببالنا حسنه وهو موجود؛ لأن نقيضه وهو اللا حسن سلب لعدم [49/ب] استلزام حصوله محلا وجوديا.
يجوز أن يقال: المعدوم لا حسن، والوجودي ليس كذلك، وإذا كان أحد النقيضين سلبا يكون الآخر موجودا، لاستحالة ارتفاعهما، ولأن الحسن لو لم يكن موجودا لم يكن ذاتيا، لأن المعدوم مسلوب، والذاتي لا يسلب، لكنه ذاتي فيكون موجودا وإذا ثبت أنه زائد وموجود، وقد وصف الفعل به، لزم قيام العرض بالعرض وهذا باطل باتفاق المتكلمين، وموضعه الكلام.
ولقائل أن يقول: قيام العرض بالعرض محال مطلقا، أو بشرط أن لا يكون القائم اعتباريا.
والثاني مسلم، ولكن الحسن اعتباري بالتفاسير المارة، ويؤيده قول الجبائية والأول ممنوع، فإن الاعتباري جاز أن يقوم بالمعدوم فضلا عن العرض.
واعترض على الدليلين بنقض إجمالي وتفصيلي:
أما الأول فتقريره أن يقال: لو كان الفعل ممكنا لزم قيام العرض بالعرض؛ لأن إمكان الفعل زائد عليه، لعدم استلزام تعقله، ووجودي، لأنه نقيض للا إمكان وهو عدمي، لا تصاف العدم به، والفعل يوصف به فيلزم قيام العرض بالعرض.
وأما الثاني، فلأنا لا نسلم أن الحسن وجودي.
قوله: لأن نقيضه لا حسن وهو سلب.
قلنا: سلب صورة أو معنى، والثاني ممنوع، والأول مسلم، ولكن الاستدلال به على وجودية الحسن دور؛ لأن وجوديته حينئذ تكون موقوفة على إثبات أن لا حسن سلبي معنوي، وكونه كذلك موقوف على إثبات أن الحسن وجودي وذلك دور.
وإنما لم تكن صورة السلب كافية في ذلك، لأنها قد تكون ثبوتية كاللا معدوم فإنه لا يكون إلا موجودا، وقد تكون منقسمة إلى الثبوتي والعدمي كاللا امتناع فإنه يصدق على الموجود والمعدوم الممكنين، وإذا كان كذلك فما لم يثبت كون نقيضه موجودا لم يلزم كونه عدميا، وهذا الذي ذكره من النقض التفصيلي مختص بالوجه الأول من الدليل.
وأما على الوجه الثاني: فما ذكره شيخي العلامة رحمه الله وهوه أن يقال: لا نسلم أن الحسن لو كان عدميا لم يكن ذاتيا للفعل.
قوله: (لأن العدمي ليس من الصفات الذاتية للشيء).
قلنا: ممنوع، فإن كل أمر مقتض لا تصافه بنقيض مباينه، فإن الإنسان يكون مقتضيا لا تصافه بكونه لا فرسا.
واستدل -أيضا-: بأن فعل العبد غير مختار، وكل ما ليس بمختار ليس بحسن ولا قبيح لذاته.
أما الصغرى فلأن فعل العبد إما أن يكون لازما لا يتمكن العبد من تركه، أو جائزا يتمكن منه، والأول واضح، لأن ما لا يتمكن من تركه ضروري، والضروري غير مختار.
والثاني، إن افتقر إلى مرجح عاد التقسيم بأن يقال الفعل مع المرجح إما أن يكون لازما، أو جائزا، والأول ضروري، والثاني يعود فيه التقسيم فإما أن ينتهي إلى ضروري، أو بتشكيك، أو ينتهي إلى اتفاقي وإن لم يفتقر إلى مرجح كان اتفاقيا، لأن صدوره في زمان [50/أ] دون آخر لما لم يكن الأمر كان اتفاقيا وهو ليس بمختار.
وأما الكبرى فبالإجماع.
وضعف المصنف هذا الاستدلال بوجوه منها: أن هذا الدليل تشكيك في الضروريات، لأنا قاطعون بأن فعل العبد اختياري، للقطع بالتفرقة بين الضرورة والاختيار، فإن الضرورية [تصدر] عن العبد، إن أبى، كحركة الإنسان إلى أسفل بالقسر. والاختيارية لا تصدر إذا أبى، كحركته بالإرادة في السطوح المستوية، والتشكك في الضروريات لا يستحق الجواب.
ولقائل أن يقول: هذا لا [يستقيم] على مذهب الشيخ أبي الحسن الأشعري، لأن أفعال العباد عنده ، كحركات المرتعش.
ومنها: نقض إجمالي، وهو أن يقال: لو صح الدليل الذي ذكرتم على أن فعل العبد غير مختار، لزم أن يكون فعل الله -تعالى- غير مختار؛ لأنه إما أن يكون لازما أو جائزا، والأول ضروري، والثاني إن افتقر إلى مرجح عاد التقسيم، وإن لم يفتقر كان اتفاقيا، والكل غير مختار، لكنه مختار فلا يكون الدليل صحيحا ولقائل أن يقول: إن التزم الخصم ذلك في مقام المناظرة بناء على مذهب الحكيم اندفع النقض.
ومنها -أيضا-: نقض إجمالي، وهو أن الدليل المذكور لو كان صحيحا بجميع مقدماته لم يوصف فعل العبد بالحسن والقبح شرعا، لأن فعل العبد غير مختار لما ذكرتم وغير المختار لا يتصف بالحسن والقبح شرعا بالإجماع.
ولقائل أن يقول: دعوى الإجماع باطلة؛ لأن أبا الحسن الأشعري يقول باضطرارية أفعال العباد، ويقول باتصافها بهما شرعاً.
وقال المصنف: والتحقيق أنه يترجح بالاختيار، ومعناه: أن فعل العبد جائز بذاته، ويترجح أحد جانبيه من الصدور وعدمه باختياره، وعند تعلق الاختيار به يصير لازما، واللزوم بالغير لا ينافي كونه جائزا بالذات فيجوز أن يكون حسنا أو قبيحا من حيث ذاته، لأنه لم يبلغ إلى حد اللزوم عن الاختيار، فإن المانع عنه هو ما يكون لازما بغير اختيار، وهو الوجوب السابق عليه.
ولقائل أن يقول: الذي ظهر من كلامه هذا أن فعل العبد جائز مفتقر إلى مرجح فيتأتى للخصم أن يقول: الفعل مع ذلك المرجح، إما أن يكون لازما أو جائزا مفتقرا أو اتفاقيا، وهو أول المسألة.
ص- وعلى الجبائية: لو حسن الفعل أو قبح لغير الطلب لم يكم تعلق الطلب لنفسه، لتوقفه على أمر زائد.
وأيضا: لو حسن الفعل أو قبح لذاته، أو صفته لم يكن الباري مختارا في الحكم، لأن الحكم [بالمرجوح] على خلاف المعقول، فيلزم الآخر، فلا اختيار.
ومن السمع (وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا) لاستلزام مذهبهم خلافه.
ش- هذا دليل على إبطال مذهب الجبائية.
وتقريره: لو كان حسن الفعل وقبحه لغير حسن الطلب من الوجوه والاعتبارات لم يكن تعلق الطلب [50/ب] لنفس الفعل، بل لأجل ذلك الاعتبار العارض بالقياس إلى غيره، لأن التعلق حينئذ يتوقف على حصول ذلك الاعتبار الزائد على الفعل، والتالي باطل، لأن التعلق نسبة بين الطلب والفعل، والنسبة بين الأمرين لا تتوقف إلا على حصولهما. والطلب قديم فإذا حصل الفعل تعلق الطلب به سواء عرض ذلك
الاعتبار للفعل أو لم يعرض.
ولقائل أن يقول: الطلب لتحصيل الفعل فلو تعلق به بعد حصوله لزم تحصيل الحاصل. وهو محال، ولأن المراد بالفعل إن كان من حيث هو فليس بحاصل في الخارج، وإن كان بصفة يلزم المدعي.
وإن كان أريد بالحصول الحصول العلمي، فهو قديم، وما نحن فيه ليس من ذلك.
وقوله: (وأيضا) دليل على إبطال مذهب الخصوم على العموم.
وتقريره: لو حسن الفعل أو قبح لذاته أو لصفة لازمة أو اعتبارية عارضة له، لم يكن الباري مختارا في الحكم؛ لأن الفعل الحسن يكون حينئذ راجحا على القبيح في أن يكون متعلقا لحكم الوجوب، والفعل القبيح يكون راجحا على الحسن في أن يكون متعلقا لحكم التحريم وحينئذ لا يخلو إما أن يكون الحكم متعلقا بما هو راجح بالنسبة إليه، أو بما هو غير راجح، والتالي باطل، لئلا يلزم ترجيح المرجوح، فإنه خلاف صريح العقل، فتعين الأول ضرورة وإذا كان الحكم بالراجح ضروريا لم يكن مختارا في حكمه.
ولقائل أن يقول: كون الفاعل مختارا يقتضي القدرة، ومتعلقها الإمكان، وليس للوصف الزائد مدخل ضروريا كان أو غيره، ولأن العمل بخلاف صريح العقل قبيح أو ممتنع، لكن بالنسبة إلى الشاهد، وأما بالنسبة إلى الغيب فممنوع وسيأتي مثل هذا في كلامه.
وقوله: (ومن السمع) دليل آخر على نفي الحسن والقبح العقليين، مأخوذ من
السمع، وهو قوله -تعالى-:(وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا).
ووجهه: أن الآية تقتضي نفي التعذيب بمباشرة بعض الأفعال وترك بعضها قبل بعثة الرسل.
ومذهب المعتزلة: يستلزم تعذيب تارك بعض الأفعال، ومباشر بعضها قبل ذلك، لأن الحسن والقبح على مذهبهم يتحقق قبل البعثة.
والحسن في بعض الأفعال يستلزم كونه واجبا، والقبح يستلزم كونه حراما فيكون بعض الأفعال قبل البعثة واجبا، وبعضها حراما، وترك الواجب ومباشرة المحرم يستحق به العذاب. فالتعذيب قبل البعثة لازم لمذهب المعتزلة، وهو مناف لمقتضي الآية، ومنافي اللازم مناف للملزوم، فمذهبهم مناف لمقتضي الآية.
ولقائل أن يقول: ترك الواجب يستدعي استحقاق العذاب، لا العذاب. فمذهبهم يوجب استحقاق العذاب، ومقتضي الآية نفي التعذيب فلا يكون مذهبهم [51/أ] منافيا لمقتضى الآية.
لا يقال: مذهب المعتزلة أن التعذيب على ارتكاب الصغائر قبل التوبة وعلى الكبائر قبلها واجب على الله تعالى- فيكون التعذيب لاستحقاق العذاب.
لأنا نقول: الملازمة بعد الخطاب أو قبله، والأول مسلم ولا يفيد، والثاني ممنوع، فإن القبح وإن كان ذاتيا يستحق به العذاب، لكن يجوز أن يكون مشروطا بالخطاب، على أن قوله: على ارتكاب الصغائر قبل التوبة لم يعرف مذهباً لهم، بل