الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
في وقوع الحقائق الشرعية
ص ــ مسألة: الشرعية واقعة خلافاً للقاضي، وأثبتت المعتزلة [الد] ينية أيضاً.
لنا: القطع بالاستقراء أن الصلاة للركعات، والزكاة والصيام والحج كذلك، وهي في اللغة: الدعاء، والنماء، والإمساك مطلقاً، والقصد مطلقاً.
قولهم: باقية والزيادات شروط.
رُدّ: بأن في الصلاة، وهو غير داعٍ ولا متبع.
قولهم: مجاز.
إن أريد به استعمال الشارع لها فهو المدعى. وإن أريد أهل اللغة فخلاف الظاهر؛ لأنهم لم يعرفوها؛ ولأنها تفهم بغير قرينة.
ش ــ اختلف [العلماء] في ان الحقائق الشرعية واقعة أو لا، فمنعه القاضي
وأجازه غيره واختاره المصنف.
والمعتزلة قسمتها إلى دينية وغيرها. ولما كان الوقوع دليل الجواز اكتفى المصنف بذكره.
والخلاف مفروض فيما استعمله الشارع من الأسماء اللغوية المناسبة كلفظ الصلاة والصوم والحج وغيرها.
واما ما وضعه الشرع مخترعاً من غير نقل من اللغة لعلاقة كلام فيه.
قال القاضي: تلك الألفاظ مستعملة في المعاني اللغوية، والزيادات التي في المعاني الشرعية شروط زيدت على المعاني اللغوية لجواز إطلاقها على الشرعية، فإن إطلاقها عليها بدون هذه الزيادات غير مجزئة.
ومن الناس من ذهب إلى أنها مجازات لغوية لم تبلغ رتبة الحقائق.
والمعتزلة قالوا: الأسماء الشرعية إن كانت في الأفعال كالصلاة والصوم، والزكاة، والحج تسمي شرعية غير دينية.
وإن كانت في المشتقات كالمؤمن، والفاسق، والكافر تسمى دينية، واستدل المصنف على ما اختاره بقوله:{{لنا} } القطع بالاستقراء أن الصلاة في الشرع موضوعة للأفعال المخصوصة وهي في اللغة للدعاء، والزكاة للمقدار المعين المخرج من نصاب حولي، وهي فيها للنماء.
والصيام: للإمساك عن الأكل والشرب والجماع نهاراً مع النية، وهي فيها للإمساك مطلقاً.
والحج: للقصد إلى زيارة أماكن معلومة في أوقات مخصوصة، وهي فيها لمطلق القصد. وقد استعملها الشرع [فيما] وضعت له بطريق الحقيقة؛ لأنها تسبق إلى الذهن عند الإطلاق بلا قرينة وما كان كذلك فهو
حقيقة.
قيل: إنما لم يقتصر المصنف على [37/أ] تقييد القصد بالمطلق بل قيد الإمساك ــ أيضاً ــ به، لئلا يتوهم رجوع {{مطلقاً} } إلى كل واحد مما قبله أو إلى الأخير فقط وهما غير مرادين.
ولقائل أن يقول: لا نسلم أن ما يسبق إلى الذهن عند الإطلاق بلا قرينة يكون حقيقة، لم لا يجوز أن يكون مجازاً هجرت حقيقته بالشرع فإنه لا يحتاج حينئذٍ إلى القرينة كالذي هجر حقيقته عرفاً، كما إذا حلف لا يأكل رأساً فإنه لا يحنث بأكل رأس العصفور والجراد وإن كان حقيقة.
وقوله: {{قولهم، باقية والزيادات شروط} } إيراد مناقضة من المانعين للدليل المذكور على الوجه الذي ذكر في أول البحث.
وقوله: {{رُدّ} } خبر قوله: {{قولهم} } وهو جواب هذه المناقضة.
وتقريره: لو كانت هذه الألفاظ في الشرع مستعملة في مفهوماتها اللغوية لما استعملت في صورٍ لم تتحقق فيها، لكنها استعملت في صلاة الأخرس المنفرد، وليس فيها دعاء ولا اتباع، وليس معناها لغة إلا الدعاء والاتباع.
ولقائل أن يقول: هذا مشترك الإلزام؛ لأن الخلاف في ألفاظ منقولة عن المعاني اللغوية إلى الشرعية لمناسبة بينهما.
فيقال: لو كانت هذه الألفاظ مستعملة في الحقائق الشرعية المناسبة لما جاز
استعمالها فيما لا يوجد فيه المناسبة كصلاة المنفرد الأمي.
وقوله: {{قولهم، مجاز} } إيراد مناقضة أخرى، وكأنها من جهة من يرى أنها مجازات لم تبلغ رتبة الحقائق كما مر.
وتقريرها: لا نسلم أنها في معانيها الشرعية مستعملة بطريق الحقيقة لم لا يجوز أن يكون بطريق المجاز لتحقق العلاقة بين المفهومات فإن الصلاة للدعاء، وهي جزء الأفعال المخصوصة، وكذلك غيرها وتسمية الكل باسم الجزء مجاز، وتقرير الجواب من وجهين:
أحدهما: أن يقال: إن أريد بكون هذه الألفاظ مجازات أن الشارع استعملها في غير موضوعاتها اللغوية، وغلب استعمالها فيها فهو المدعى لأنا لا نريد من الحقائق الشرعية إلا منقولات استعملها الشارع في معان غير الأول، وذلك حاصل إن شئتم وافقونا في التسمية أو لا وإن أريد بذلك أن أهل اللغة قد استعملوها في هذه المعاني فليس بصحيح؛ لأنهم لم يعرفوا هذه المعاني قبل الشرع فكيف استعملوها لها؛ فإن استعمال اللفظ في معنى مسبوق بعلمه.
ولقائل أن يقول: دعوى الخصم: {{أنها موضوعات لغوية استعملت في غير موضوعاتها} } وهب أن المستعمل هو الشرع، لكن إنما تكون حقائق شرعية إذا كان هو الواضع والمستعمل ليكون تخاطباً آخر والخصم لا يلتزم أن الشرع وضعه، فكيف يكون مراده عين المدعى؟
والثاني: أن استعمال هذه الألفاظ لهذه المعاني لا يجوز أن يكون بطريق المجاز؛ لأنها تفهم عند الانطلاق بلا قرينة.
والمجاز لا يفهم بدونها. وفيه نظر من وجهين [37/ب]:
أحدهما: ما ذكرنا أن حقائقها مهجورة، ومثله لا يحتاج إلى قرينة، ونزيده بياناً، وهو أن الكلام إنما وضع لاستعمال الناس في حاجاتهم للإفهام، والمطلوب به ما يسبق إليه الافهام، فإذا تعارف الناس استعماله للشيء بطريق المجاز صار المجاز بسبب استعمالهم كالحقيقة لا يحتاج إلى قرينة.
والثاني: أن قوله: {{لأنها تفهم بغير قرينة} }، معناه أنه لا يجوز أن يكون مجازاً، فيقال: لا يجوز أن يكون مجازاً شرعياً أو لغوياً، فإن أريد الأول كان الدليل صحيحاً، لكن الخصم لم يقل إنها مجازات شرعية، وإن أريد الثاني، كان الدليل غير صحيح؛ لأن اللغوي قد لا يفهم تلك المعاني إلا بقرينة.
ص ــ القاضي: لو كانت كذلك، لفهمها المكلف. ولو فهمها لنقل لأنا مكلفون مثلهم. والآحاد لا تفيد، ولا تواتر.
والجواب: أنها فهمت بالتفهيم بالقرائن، كالأطفال.
قالوا: لو كانت لكانت غير عربية؛ لأنهم لم يضعوها.
وأما الثانية: فلأنه يلزم أن لا يكون القرآن عربياً.
وأجيب: بأنها عربية بوضع الشارع لها مجازاً. أو {{أنزلناه} } ضمير السورة، ويصح إطلاق اسم القرآن عليها، كالماء والعسل، بخلاف نحو المائة والرغيف.
ولو سُلم فيصح إطلاق اسم العربي على ما غالبه عربي، كشعر فيه فارسية [و] عربية.
ش ــ استدل القاضي على أن هذه الألفاظ ليست حقائق شرعية: بأنها لو
كانت كذلك لزم تفهيم الشارع المكلفين بها تحقيقاً لموجبها ولم يفهم إذ لو فهمهم لنقل إلينا نقلاً يفهم به مراد الشارع لأنا مكلفون مثلهم، والتكليف يوجبه، والنقل بالآحاد غير مفيد لأنها ليست بقطعية، والتواتر غير موجود وإلا لم يقع النزاع.
ولقائل أن يقول: ما المراد بالتفهيم تفهيم كونها موضوعة للمعاني الشرعية بوضع الشارع ومستعملة فيها، أو تفهيم المراد بها؟
فإن أريد الأول، فلا نسلم أنه لا بد له منه بل يكفي فهم مراده، وإن أريد الثاني، فلا نسلم أنه [لو] لم يفهمه، بل فهمه بالقول، كما في حديث الأعرابي، وبفعله ــ صلى الله عليه وسلم ــ وقوله، والآحاد لا يفيد ممنوع؛ فإنها لا تفيد إذا كانت المسألة قطعية
وليس ما نحن فيه كذلك، ولئن سُلم فإنما لا يفيد إذا لم يقع بياناً لمجمل الكتاب، وههنا وقعت بياناً لقوله ــ تعالى ــ:{وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ} .
وقوله: {{الجواب} } جواب النقض بمنع الملازمة الثانية، أي لا نسلم أنها لو فهمها الشارع المكلفين لنقل إلينا، لجواز أن يكون تفهيمه إياهم بالقرائن، كالوالدين مع الأطفال، وإذا جاز ذلك لا يلزم النقل، لجواز أن يفهم ــ أيضاً ــ بالقرائن من غير نقل.
ولقائل أن يقول: الفهم الحاصل بالقرائن للمكلفين غير حاصل لنا لأنا لم نشاهدها، والعمل بهذه الألفاظ واجب البتة، فإما أن يكون ذلك بنقل أنهم [38/أ] فهموا بالقرائن، أو لا.
والثاني يفضي إلى انتفاء العمل الواجب، والأول، إن كان بالآحاد فلا يفيد، وإن كان بالقرائن فلم يوجد والعجب أن الخصم لا يجوز أن تكون الآحاد مفيدة، فيجاب بقرائن كقرائن الوالدين مع الأطفال.
وقوله: {{لو كانت لكانت} } دليل آخر على أنها ليست حقائق شرعية؛ لأنها لو كانت لكانت غير عربية، لأن العربية هي التي وضعته العرب، وهذه ليست كذلك، حيث لم يضعوها لهذه المعاني، لكنها عربية لاشتمال القرآن العربي عليها، والمشتمل على العربي وغير العربي غير عربي، فلا بد أن تكون حقائق لغوية لا شرعية.
ولقائل أن يقول: إذا كان الواضع هو الله فهو واضع الحقائق الشرعية كما أنه
واضع الحقائق اللغوية، فكما جاز أن توصف اللغوية بالعربية جاز وصف الشرعية بها. وأجاب المصنف بوجهين:
أحدهما: منع الملازمة، أي لا نسلم أنها لو كانت حقائق شرعية كانت غير عربية؛ لأن العربي ليس هو الذي يفيد ما وضعه واضع اللغة، بل هو الذي يفيد معناه على طريقة العرب من حقيقة ومجاز وهذه الألفاظ كذلك؛ لأن الشارع وضعها لمحل المجاز اللغوي فتكون مجازات لغوية صارت حقائق شرعية بحسب الشهرة، فلم تخرج عن كونها عربية.
ولقائل أن يقول: سلمنا أن طريقة العرب إفادة المعني بحسب الحقيقة أو المجاز، لكن هل يشترط اتحاد المستعمل في التخاطب، أو لا؟
والأول، مسلم ونصره، والثاني، ممنوع.
وثانيهما: منع بطلان التالي بأن يقال: لا نسلم أن هذه الألفاظ عربية واشتمال القرآن عليها لا ينافي عربيته؛ لأن المراد بكونه عربياً أكثره، والضمير في قوله:{إِنَّا أَنزَلنَاهُقُرآنًا عَرَبِيّا} للسورة، فلا يستلزم الكل، والمشتمل على العربي وغيره قرآن تسمية باسم الأغلب.
فإن قيل: القرآن اسم للكل فكيف يرجع الضمير إلى البعض؟
أجاب المصنف: بأنه من باب ما يشترك القليل والكثير منه في الاسم والرسم، كالماء والعسل، وغيرهما بخلاف المائة والرغيف، فإن كلاً منهما اسم للمجموع فلا يصح إطلاقه على الجزء.
وقوله: {{ولو سلم} } يعني لو سلم أن القرآن اسم للمجموع كالمائة والرغيف، لكن يصح إطلاق العربي على ما غالبه عربي كشعر فيه ألفاظ فارسية وغالبه عربية جاز إطلاق العربي عليه. وبالعكس. وهو تفسير ما ذكرنا أن المشتمل على العربي وغيره قرآن. والحاصل أن إطلاق القرآن على بعضه بطريق الحقيقة إن كان كالماء، وبطريق المجاز إن كان المائة وكلاهما صحيح.
ولقائل أن يقول: التزام أن هذه الألفاظ الشرعية غير عربية مع أنها لا توجد في كلام غير العرب، ولا يفهمها من لا يعرف لسانهم إضافة وصف إلى ما يقتضي خلافه، وهو فساد الوضع.