الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الواو
ص-
مسألة: الواو للجمع المطلق
لا لترتيب، ولا معية عند المحققين.
لنا: النقل عن الأئمة أنها كذلك.
واستدل: لو كانت للترتيب لتناقض (وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا) مع الأخرى.
ولم يصح "تقاتل زيد وعمرو".
ولكن جاء زيد وعمرو بعده تكرارا، وقبله {تناقضا} .
وأجيب: بأنه مجاز. لما سنذكر.
ش- اختلف الأصوليون في (44/ب) مفهوم الواو.
فمنهم من ذهب إلى أنه الترتيب.
ومنهم من ذهب إلى أنه المعية.
وذهب المحققون إلى أنه الجمع المطلق، واختاره المصنف.
واستدل: بأنه المنقول عن أئمة اللغة، ونقلهم حجة في اللغويات.
وقد استدل -أيضا-: بأنها لو كانت لترتيب لتناقض قوله -تعالى- في سورة البقرة: (وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُولُوا حِطَّةٌ)، وقوله -تعالى- في سورة الأعراف:(وَقُولُوا حِطَّةٌ وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا)؛ لأن القصة واحدة فلو كانت للترتيب كان الأمر بدخول الباب مقدما على الأمر بالقول بالآية الأولى، ولم يكن مقدما بالآية الثانية، وذلك تناقض لكنه لا تناقض؛ لأنه كذب وهو على الله محال.
وبأنها لو كانت للترتيب لما صح قول القائل: (تقاتل زيد وعمرو)؛ لأن التفاعل يقتضي حصول الفعل من الجانبين معا، لكن أجمع أهل اللغة على صحته.
وبأنها لو كانت للترتيب، لكان:(جاء زيد وعمرو بعده) تكرارا؛ لإفادة الواو البعدية، ولكان:(جاء زيد وعمرو قبله) تناقضا؛ لأن مقتضى الواو إذ ذاك يناقض القبلية، ولكن أجمعوا على صحة التركيبين.
وأجاب المصنف عن جميع ذلك بمنع الملازمة؛ فإنه يجوز أن يكون استعماله في الصور المذكورة مجازا، وإن كانت حقيقة في الترتيب فلا يلزم شيء مما ذكر من المحالات.
لا يقال: الأصل في الاستعمال الحقيقة؛ لأنه يستلزم الاشتراك، وهو خلاف الأصل.
ولقائل أن يقول: فليكن مجازا في الترتيب دفعا للاشتراك اللفظي.
وقيل: إذا كانت مستعملة في الترتيب والمعية- أيضا- وليس جعله حقيقة في أحدهما أولى من العكس - تجعل حقيقة في القدر المشترك بينهما وهو الجمع المطلق فيصح الاستدلال.
وفيه نظر، لأنه إنما يصح إذا كان معناه لا بشرط شيء فأما إذا كان معناه بشرط فلا يكون الجمع المطلق القدر المشترك بينهما.
ص- قالوا: (ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا).
قلنا: الترتيب مستفاد من غيره.
قالوا: (إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ)، وقال:(ابدؤا بما بدأ الله به).
قلنا: لو كان له لما احتيج إلى (ابدؤا).
قالوا: رد على قائل: (ومن عصاها فقد غوى) وقال: قل: (ومن عصى الله ورسوله).
قلنا: لترك إفراد اسمه بالتعظيم بدليل أن معصيتهما لا ترتيب فيها.
قالوا: إذا قال لغير المدخول بها: أنت طالق وطالق وطالق وقعت واحدة، بخلاف أنت طالق ثلاثا.
وأجيب: بالمنع وهو الصحيح.
قول مالك: والأظهر أنها مثل (ثم) إنما قاله في المدخول بها يعني يقع الثلاث (ولا ينوي في التأكيد).
ش- تمسك القائلون بالترتيب بوجوه -أيضا- منها:
قوله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا) فإن تقديم
الركوع على السجود مستفاد من هذه الآية، وليس فيها ما يدل على ذلك إلا الواو (45/أ) فكان للترتيب.
وأجاب المصنف: بأن الترتيب مستفاد من غيره، يعني قوله - صل الله عليه وسلم-:(صلوا كما رأيتموني أصلي).
ولقائل أن يقول: الواو في الآية المذكورة إما أن يفيد الترتيب، أو لا. والأول يفيد المطلوب، والثاني، فساد الاحتجاج بالحديث؛ لأنها حينئذ تفيد مطلق الجمع لعدم ثالث عنده فيكون الحديث مخالفا للآية، فيكون مردودا، لقوله عليه السلام:(إذا روي لكم عني حديث فاعرضوه على كتاب الله فما وافق فاقبلوه، وما خالف فردوه).
ومنها: قوله -تعالى-: (إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ)، وقال النبي -صل الله عليه وسلم- (ابدؤا بما بدأ الله به) حين قالوا: بأيهما نبدأ يا رسول الله؟
فلو لم يكن للترتيب ما قال في جوابهم: (ابدؤا بما بدأ الله به).
وأجاب المصنف: بأنه لو أفاد الترتيب لفهموه؛ إذ هم من أهل اللسان وما احتاجوا إلى السؤال. وهو معارض بالمثل.
ومنها: ما روى عدي بن حاتم رضي الله عنه أن
رجلاً خطب عند النبي -صل الله عليه وسلم- فقال: من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعصهما فقد غوى، فقال رسول الله -صل الله عليه وسلم-:(بئس الخطيب أنت قل: ومن يعص الله ورسوله) فلو كانت الواو للجمع المطلق لما ذمه رسول الله -صل الله عليه وسلم-، إذ لا فرق حينئذ بين ما قاله الخطيب وما علمه النبي - صل الله عليه وسلم- وأجاب المصنف: بأن الذم إنما كان لترك افراد اسمه بالتعظيم، بدليل عدم الترتيب بين معصية الله ومعصية الرسول، بل إنما هي هي وفيه نظر؛ لأنه جاء في الحديث:(أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما) فقد جمع بين الضميرين. وقد ذكرنا تمام هذا البحث في (الإشراق شرح مشارق الأنوار).
ومنها: ما استدلوا به، ما وقع في الفروع، وهو ما إذا قال الرجل لامرأته، وهي غير مدخول بها: أنت طالق طالقطالق، فإنه يقع واحدة، وإن قال لها: أنت
طالق ثلاثاً يقع ثلاث. ولو لم يكن الواو للترتيب لم تفترق الصورتان.
وأجاب المصنف بمنع الافتراق في الحكم، بل الواقع فيها ثلاث، وهو مذهب بعض أصحاب مالك، وأحمد، وليث، والشافعي في القديم وقال: وهو الصحيح.
وأما من فرق بينهما، فيقول: الطلاق إذا قرن بالعدد فالواقع إنما هو بالعدد دون الوصف، ألا ترى أن من قال لامرأته:(أنت طلق ثنتين) لا يقع إلا ثنتان؛ فإنه مفهوم لا ينوى في التأكيد إلا أنها مثل (ثم)، ولو كان للوصف مدخل لوقع ثلاث، فيقع بقوله:(أنت طالق ثلاثا) ثلاث.
وأما إذا قال: (أنت طالق) فالواقع إنما هو بالوصف، وقد صادف العدد غير مدخول بها فوقع طلقة وبانت لا إلى عدة فلا يقع شيء بعده.
وقوله: (وقول مالك: والأظهر أنها مثل (ثم)).