المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المحكوم عليه: المكلف - الردود والنقود شرح مختصر ابن الحاجب - جـ ١

[البابرتي]

فهرس الكتاب

- ‌ المباديء

- ‌ فائدته:

- ‌ استمداده

- ‌ الدليل

- ‌النظر:

- ‌حد العلم

- ‌ الذكر الحكمي

- ‌تقسيم العلم

- ‌معرفة الحد وتقسيمه

- ‌مادة المركب:

- ‌الذاتي

- ‌تمام الماهية

- ‌ الجنس والنوع

- ‌العرضي

- ‌صورة الحد

- ‌ القضية

- ‌ الأمارات

- ‌وجه الدلالة في المقدمتين

- ‌الضروريات

- ‌صورة البرهان

- ‌ القياس الاقتراني

- ‌النقيضان:

- ‌العكس المستوي

- ‌ عكس النقيض

- ‌تقسيم المقدمتين إلى أربعة أشكال

- ‌ الشكل الأول

- ‌ الشكل الثاني

- ‌ الضروب المنتجة

- ‌ الشكل الثالث:

- ‌ الشكل الرابع

- ‌ قياس الخلف

- ‌ مبادئ اللغة

- ‌ اقسامها: مفرد ومركب

- ‌تقسيم المفرد إلى اسم وفعل وحرف

- ‌المركب

- ‌تقسيم آخر للمفرد

- ‌المشترك

- ‌ الترادف

- ‌ وقوعه

- ‌الحقيقة

- ‌المجاز

- ‌اللفظ قبل الاستعمال ليس بحقيقة ولا مجاز

- ‌ مسألة: إذا دار اللفظ بين المجاز والاشتراك

- ‌في وقوع الحقائق الشرعية

- ‌الإيمان والإسلام

- ‌القرآن المعرّب

- ‌المشتق

- ‌ مسألة: اشتراط بقاء المعنى في كون المشتق حقيقة

- ‌ الحروف

- ‌ الحرف لا يستقل بالمفهومية

- ‌الواو

- ‌ مسألة: الواو للجمع المطلق

- ‌ إبتداء الوضع

- ‌ليس بين اللفظ ومدلوله مناسبة طبيعية

- ‌التحسين والتقبيحومن هنا مبادئ الأحكام الشرعية

- ‌ دليل المعتزلة على أن الحسن والقبح ذاتيان

- ‌مسألتان في شكر المنعموفي الأشياء قبل ورود الشرع

- ‌ مسألتان على التنزل:

- ‌الأولى شكر المنعم

- ‌الوجوب

- ‌الواجب على الكفاية

- ‌ الواجب الموسع

- ‌ما لا يتم الواجب إلا به

- ‌أحكام الحرام

- ‌ مسألة: يستحيل كون الشيء واجباً حراماً من جهة واحدة

- ‌الصلاة في الدار المغصوبة

- ‌المندوب

- ‌المكروه

- ‌أحكام المباح

- ‌خطاب الوضع

- ‌الأول: الحكم على الوصف المعين بكونه سببا

- ‌الثالث: الحكم على الوصف بالشرطية

- ‌ الصحة والبطلان

- ‌الرخصة والعزيمة

- ‌المحكوم فيه الأفعال

- ‌شرط المطلوب: الإمكان

- ‌مساله: لا تكليف إلا بفعل

- ‌مساله: قال الأشعري: لا ينقطع التكليف بفعل حال حدوثه

- ‌المحكوم عليه: المكلف

- ‌الأدلة الشرعية

- ‌ الأدلة الشرعية: الكتاب والسنة والإجماع، والقياس، والاستدلال

- ‌ المحكم والمتشابه

- ‌ السنة وأفعاله ــ صلى الله عليه وسلم

- ‌ المسألة الثالثة: في التقرير

- ‌الإجماع

- ‌ تعريفه

- ‌ ثبوته

- ‌المبتدع

- ‌ المسألة الثانية: في اعتبار قول المبتدع في الإجماع

- ‌ الخبر

- ‌تعريف الخبر

- ‌تسمية غير الخبر إنشاءً وتنبيهاً

- ‌تقسيم الخبر إلى صدق وكذب

- ‌تقسيم الخبر إلى ما يعلم صدقه وإلى ما يعلم كذبه

- ‌ الشرائط المختلف فيها في المخبرين

- ‌خبر الواحد

- ‌شرائط الراوي أربعة

- ‌الأول: البلوغ

- ‌ الثاني: الإسلام

- ‌ الرابع: العدالة

- ‌ الكبائر

- ‌رواية مجهول الحال

- ‌هل العمل بالشهادة والرواية يكون تعديلاً

- ‌ مسألة حكم الحاكم المشترط العدالة بالشهادة تعديل باتفاق

- ‌ إذا قال: أُمِرنا أو نُهِيّنَا أو أوجب، أو حرّم

- ‌ مسألة: إذا قال: من السنة كذا

- ‌ مسألة: إذا قال: كنا نفعل، أو كانوا

- ‌ قراءة الشيخ على الراوي

- ‌ قراءة غير الراوي على الشيخ

- ‌ إذا كذب الأصل الفرع، سقط القبول

- ‌ إذا انفرد العدل بزيادة والمجلس واحد

- ‌ مسألة: [خبر] الواحد في الحد

- ‌حمل الصحابي ما رواه على أحد محمليه

- ‌الخبر المخالف للقياس

- ‌ المنقطع

الفصل: ‌المحكوم عليه: المكلف

و‌

‌المحكوم عليه: المكلف

ص-المحكوم عليه المكلف.

مسالة: الفهم شرط التكليف. وقال به بعض من جوز المستحيل لعد الابتلاء.

لنا: لو صح لكان مستدعى حصوله منه طاعة، كما تقدم، ولصح تكليف البهيمة؛ لأنهما سواء في عدم الفهم.

قالوا: لو لم يصح لم يقع، وقد اعتبر طلاق السكران وقتله وإتلافه.

وأجيب: بأن ذلك غير تكليف بل من قبيل الأسباب، كقتل الطفل وإتلافه.

قالوا: {لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى} .

قلنا: يجب تأويله، إما بمثل "لا تمت وأنت ظالم". وإما على أن المراد الثمل لمنعه التثبيت، كالغضب.

ش-الأصل الرابع: المحكوم عليه وهو المكلف، وفيه ثلاث مسائل.

الأولى: الفهم شرط التكليف عند المحققين وبعض من يجوز التكليف بالمحال -أيضا- تركوا أصلهم، بناء على أن فائدة التكليف الابتلاء وهو إنما يكون بالتهيؤ للامتثال وإن لم يكن الامتثال والتهيؤ له لا يحصل بلا فهم فلو جاز انتفى فائدة التكليف.

ص: 447

واستدل المصنف للمحققين بوجهين:

أحدهما: أنه لو صح بلا فهم الخطاب لكان مستدعى حصوله من المكلف على وجه الطاعة؛ لأن المكلف به مطلوب، والمطلوب مستدعى الحصول، لكن لا يصح ذلك؛ لأن الاستدعاء ممن لا يفهم عبث.

والثاني: أن صحة ذلك تستلزم صحة تكليف البهيمة، لتساويهما في عدم الفهم، والتالي باطل بالإجماع.

ولقائل أن يقول: عدم الفهم إن كان لعدم العقل صحت الملازمة، وإن كان [73/ب] لغيره من العوارض فهي ممنوعة.

واستدل المجاوزون بالوقود، فإنه لو لم يصح ما وقع؛ لأن الوقوع فرع الجواز، لكنه وقع، فإن طلاق السكران وقاله وإتلافه معتبر وهو غير فاهم.

وأجيب: بأنا لا نسلم أنه تكليف بل هو من قبيل الأسباب التي هي أنواع خطاب

ص: 448

الوضع، كقتل الطفل وإتلاف البهيمة إذا أرسلت فأتلفت الزرع، فإن الضمان عليهما ليس باعتبار التكليف، بل من حيث أن فعلهما جعل سببا له فيؤدى الولي وصاحبها الضمان، أو الصبي إذا بلغ، كذلك جعل فعل السكران سببا لأفعاله الصادرة عنه.

ولقائل أن يقول: سلمنا أن فعل الصبي والبهيمة سبب، لكن الضمان من حيث أن الولي والممالك مكلفان بالأداء، ألا ترى أن البهيمة لو انفلتت بغير إرسال فأتلفت، فلا ضمان، وكذلك البهائم الوحشية فدل أن السبب لا يستقل بوجوب الضمان ما لم يكن مكلفا، وليس غير السكران من يكون مكلفا دونه فكان مكلفا.

واستدلوا -أيضا-بقوله-تعالى-: {لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى} فإنه صريح في كون السكران مكلفا بالنهى عن الصلاة حاله السكر.

وأجيب: بأن الآية مأكولة لئلا يبطل ما ذكرنا من الدليل على عدم جواز تكليف من لا يفهم، وفي تأويلها وجهان:

أحدهما: أن النهى عن السكر حالة إرادة الصلاة إن نزلت قبل التحريم لا عن الصلاة حاله السكر، وذلك مثل ما بقال: لا تمت وأنت ظالم. فإن النهى عن الظلم عند الموت، لا عن الموت حاله الظلم.

والثاني: أن المراد بالسكران: الثمل. وهو الذي ظهر منه مبادئ النشاط

ص: 449

والطرب وما زال عقله، وسمى سكرانا تسميه للشيء باسم ما يؤل إليه، وإنما نهى عن الصلاة في تلك الحالة، وإن كان فاهما، لعدم التثبت في الصلاة؛ لأنه يعسر عليه في تلك الحالة إتمام الخشوع ومحافظة أركان الصلاة على الوجه الصحيح، كالغضبان.

وقوله - تعالى-: {حتى تعلموا ما تقولون} معناه حتى يتكامل فيكم العقل والفهم.

ولقائل أن يقول: المصير إلى تأويل الآية إنما يصح إذا كان ما يقابلها في قوتها دفعا للتعارض، وما ذكر من الدليل رأى فلا يكون في القوة بحيث بحوج إلى تأويل النص الصريح، وأن الحقيقة في المستشهد به متعذرة، لكون النهى عن الموت عبثا؛ لأن المخاطب غير متمكن من كف النفس عنه أو تركه إياه فصار إلى المجاز ضرورة كما في قوله - تعالى -:{ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون} .

بخلاف ما فيه من المثال، فإن النهى عن قربان الصلاة متصور فلا يصار إلى المجاز، على أن النهى عن السكر غير متصور، كالموت فيكون معناه: لا تشربوا الخمر قبل الصلاة، حتى لا تكونوا سكارى حالة الصلاة، فتكون الآية لتحريم الخمر، الفرض أنها نزلت قبل التحريم ولا يجوز أن يكون المراد به ثمل؛ لأنها حينئذ تكون مشتمله على مجازين: أحدهما: تسميه الثمل سكران [74/أ].

والثاني: حمل قوله: {حتى تعلموا ما تقولون} على يتكامل فيكم العقل مع إمكان العمل بالحقيقة، وهو يمنع العمل بمجاز واحد فضلا عن المجازين على أن

ص: 450

عدم التثبت وعدم إتمام الخشوع وعدم محافظة أركان الصلاة في الثمل ممنوع.

ص-مساله: قولهم: الأمر يتعلق بالمعدوم، وإن لم يرد تنجيز التكليف، وإنما أريد التعلق العقلي.

لنا: لو لم يتعلق به لم يكن أزليا؛ لأن من حقيقته التعلق، وهو أزلي.

قالوا: أمر ونهى وخبر من غير متعلق موجود محال.

قلنا: محل النزاع وهو استبعاد.

ومن ثمة قال ابن سعيد: إنما يتصف بذلك فيما لا يزال.

وقال: القديم الأمر المشترك.

وأورد: أنواعه فيستحيل وجوده.

قالوا: يلزم التعدد.

قلنا: التعدد باعتبار المتعلقات لا يوجب تعددا وجوديا.

ش-المسألة الثانية: الأمر يتعلق بالمعدوم عند الأشعري لا على معنى أن المعدوم يجوز أن يكون مأمورا بالإتيان بالمأمور به حال كونه معدوما؛ فإنا المجنون والصبي ليسا بالمأمورين بالإتيان بالمأمور به فضلا عن المعدوم، بل على معنى أن الطلب القائم بذات الله - تعالى- يجوز أن يتعلق بالمعدوم الذي هو ثابت في علمه - تعالى - في الأزل، بحيث أنه إذا وجد واستعد لفهم الخطاب يكون مكلفا بذلك الطلب القديم من غير تجدد طلب.

وقالت المعتزلة: لا يجوز أن يكون الأمر أزلياً.

ص: 451

واستدل المصنف على مذهب الأشعري: بأن الأمر لو لم يتعلق بالمعدوم بالمعنى المذكور، لم يكن الأمر أزلياً؛ لأن التعلق بالغير جزء من حقيقة الأمر، فإذا لم يتعلق بالمعدوم لم يكن التعلق موجوداً فلم يكن الأمر موجوداً؛ لأن الكل ينتفي بانتفاء جزئه، لكنه أزلي لما بين في الكلام أن خطاب الله قديم.

فقوله: {{لأن من حقيقته التعلق} } إشارة إلى بيان الملازمة.

وقوله: {{وهو أزلي} } إشارة إلى نفي التالي.

ولقائل أن يقول: هذه المسألة من مسائل الكلام فإيرادها ههنا خبط.

واستدل المعتزلة: بأن خطاب الله في الأزل أمر ونهي وخبر والأمر والنهي والخبر من غير متعلق موجود محال، فخطاب الله في الأزل محال. أمّا الصغرى؛ فلأنه المفروض، وأمّا الكبرى فلأن كلاً منها يستحيل بدون متعلق موجود إخراجاً لها عن وصمة اللاغية.

وقال المصنف: أنه محال النزاع، يعني أن استحالتها من غير متعلق موجود خارجي، عين النزاع.

فإنا نقول: يجوز أن يكون متعلقاً عِلْمِيّاً لا يحتاج إلى خارج غاية ما في الباب استبعاد التعليق بدون متعلق خارجي، وهو لا يدل على الامتناع.

قوله: {{من ثمة} } أي استعداد خطاب بلا سامع.

ص: 452

قال عبد الله بن سعيد: إن الأمر والنهي والخبر إنما يتصف بها كلام الله فيما لا يزال الذي يقابل الأزل.

وقال القديم: هو الأمر المشترك بين الثلاثة الذي هو الكلام فقد جمع بين المصلحتين: إثبات الكلام في الأزل، والحكم بحدوث الأمر والنهي والخبر الموجب لرفع الاستبعاد.

وَأُورِدَ عَلَى عبد الله بن سعيد أن الأمر والنهي والخبر أنواع الكلام ولا نوع له سواه، فحينئذٍ يستحيل وجود الكلام في الأزل على تقدير كون أنواعه حادثة؛ لأن الجنس لا يوجد إلا في أحد أنواعه، وإذا لم يتحقق شيء من أنواعه في الأزل لم يتحقق هو فيه.

ولقائل أن يقول: هذه الأنواع، أنواع الكلام النفسي أو الكلام اللفظي، والثاني مسلّم، وليس الكلام فيه، والأول ممنوع.

وقوله: {{وقالوا} } يعني المعتزلة استدلوا بدليل آخر على عدم خطاب الله في الأزل بما تقريره: لو كان كلام الله في الأزل كان متعدداً؛ لأنه عبارة عن الأمر والنهي والخبر، وذلك متعدد، لكن اتفق الجمهور على أن كلام الله واحد في الأزل لا تعدد

ص: 453

فيه كما أن علمه واحد، ومع وحدته محيط بجميع الأشياء.

وأجيب: بمنع الملازمة.

قوله: {{لأنه عبارة عن الأمر والنهي والخبر} }.

قلنا: ذلك تعدد اعتباري في المتعلقات، فإنها متعلقات كلام الله والتعدد باعتبارها لا يوجب التعدد في وجوده، والجمهور إنما اتفقوا على انتفاء التعدد في الوجود دون الاعتبار.

ومعنى وحدة الكلام في ذاته وتعدده باعتبار المتعلقات: أن الكلام في نفسه واحد، وباعتبار أن يكون متعلقاً بما لو فُعِلَ استحق فاعله المدح، ولو ترك استحق الذم، يكون أمراً، وباعتبار تعلقه بما لو ترك استحق فاعله المدح، وإن فعل استحق الذم يكون نهياً.

وباعتبار تعلقه بما لا طلب فيه، كان خبراً.

ولقائل أن يقول: قوله: التعدد اعتباري لا يكاد يصح؛ لأن الاعتبار ينعدم بعدم المعتبر، والمعتبر غير موجود في الأزل فلا يكون في كلامه في الأزل أمر ولا نهي فلا يكون طلب، فلا يكون خطاب، والحال أن الطلب والخطاب قديم، وقد ذكرنا أن هذه المسألة من الكلام، بل سمي أصول الدين: علم الكلام بسبب هذا البحث فلا يليق إيراد [هـ] ههنا.

ص ــ مسألة: يصح التكليف بما علم الآمر انتفاء شرط وقوعه عند وقته. فلذلك يعلم قبل الوقت.

وخالف الإمام والمعتزلة. ويصح مع جهل الآمر اتفاقاً.

ص: 454

لنا: لو لم يصح لم يعص أحد أبداً؛ لأنه لم يحصل شرط وقوعه من إرادة قديمة أو حادثة.

وأيضاً: لو لم يصح لم يعلم تكليف؛ لأنه بعده، ومعه ينقطع، وقبله لا يعلم. فإن فَرَضه متسعاً فرضنا زمناً زمناً، فلا يعلم أبداً. وذلك باطل.

وأيضاً: لو لم يصح [لم] يعلم إبراهيم ــ صلى الله عليه وسلم ــ وجوب الذبح والمنكر معاند.

وقال القاضي: الإجماع على تحقق الوجوب والتحريم قبل التمكن.

ش ــ المسألة الثالثة: في أنه هل يصح التكليف بفعل علم الآمر انتفاء شرط وقوع ذلك الفعل عن المكلف عند وقته أو لا.

فذهب الجمهور إلى صحته، وفرعوا على ذلك علم المكلف قبل وقت الفعل أنه مكلف به، فلو لم يصح التكليف بما علم الآمر انتفاء شرط وقوعه من المكلف، لم يتمكن من العلم بكونه مكلفاً به قبل الوقت؛ ضرورة توقف العلم قبل الوقت بكونه مكلفاً به، على العلم بتحقق شرط وقوع الفعل منه عند الوقت.

ولقائل أن يقول: إن أريد بالمكلف المقلد الذي لم يدرك هذا المعنى فمسلم، ولكنه لا يتناول الجميع فلا يصلح دليلاً، وإن أريد المجتهد الذي أدرك هذا المعنى فممنوع، لجواز أن لا يقطع بكونه مكلفاً قبل الوقت لتردده في وقوع شرط الفعل المكلف به.

وأن يقول: إن هذه المسألة راجعة إلى أن الامتناع بالغير هل ينافي التكليف أو لا؟ وقد تقدم، فكانت يستغنى عنها.

?

ص: 455

وخالفهم إمام الحرمين والمعتزلة.

وأمّا التكليف بما جهل الآمر انتفاء شرط وقوعه من المكلف عند الوقت فصحيح بالإتفاق، كما إذا قال السيد لعبده:{{صم غداً} } فإن هذا مشروط ببقاء العبد غداً، وهو مجهول للآمر.

واستدل المصنف على مذهب الجمهور بثلاثة أوجه:

الأول: لو لم يصح ذلك لم يعص أحد من المكلفين أبداً بترك ما أمر به أو نهي عنه؛ لأن وقوع كل فعل مشروط بإرادة قديمة هي إرادة الله ــ تعالى ــ كما هو مذهب أهل الحق، أو بإرادة حادثة هي إرادة الخلق كما هو مذهب المعتزلة. فإذا ترك المكلف الفعل فقد علم الله ــ تعالى ــ أنه لا يريد وقوع ذلك الفعل منه.

والفرض أن لا تكليف عند العلم بانتفاء شرط وقوع الفعل، وإذ لا تكليف فلا عصيان، لكن التالي باطل بالإجماع فيلزم بطلان المقدم هذا على تقدير الإرادة القديمة.

وأمّا على الإرادة الحادثة فيقال: علم الله ــ تعالى ــ أن المكلف لا يريد أن يفعل فيكون عالماً بانتفاءِ شرط وقوع الفعل فلا يكون مكلفاً بذلك الفعل فلا يكون عاصياً.

والثاني: لو لم يصح، لم يُعْلم تكليف أصلاً؛ لأنه ينقطع بعد الفعل اتفاقاً ومعه عند المعتزلة، والمنقطع معدوم، والمعدوم لا يعلم تكليفاً وإلا لكان العلم على خلاف الواقع فلا يكون علماً. وقبل الفعل لا يجزم بوقوع الشرط عند وقت الفعل،

ص: 456

وإذا لم يجزم بوقوع الشرط لم يجزم بوقوع المشروط. فلا يعلم التكليف قبل الفعل. وإذا لم يعلم قبل الفعل ومعه وبعده لا يعلم أصلاً.

قوله: {{فإن فَرَضَهُ متسعاً} } جواب عما يقال: لا نسلم الملازمة، لجواز أن نفرض التكليف بالفعل موسَّعاً، كالواجب الموسع، فإنه إذا انقضى من الوقت القدر الذي يمكن المكلف من الإتيان بالفعل الواجب فيه ولم يأت بعد، فقد علم التكليف بالفعل؛ لعلمه حينئذ بتمكنه من الفعل.

وتقرير الجواب أن يقال: نفرض زمناً زمناً، أي يجري الوقت الموسع إلى ما قبل الفعل ومعه وبعده.

ونقول: التكليف لم يعلم قبل أول الزمان الموسع، لعدم الجزم بتمكنه من الفعل، ولا مع أوّل الزمان الموسع، إن وقع الفعل فيه، ولا بعده، لانقطاع التكليف. وكذا في بقية الأجزاء.

ولقائل أن يقول: لا نسلم عدم الجزم بوقوع الشرط قبل الفعل لم لا يجوز أن يكون الإنسان إذا بلغ أول جزء من الوقت ولم يجد نفسه عادماً شيئاً من الأفعال الاختيارية أن يجزم بوقوع شرط التكليف ويعلمه ويتمكن؟ سلمناه، لكن إذا مضى أوّل جزء من الفعل ينقطع معه التكليف، فلم لا يجوز أن يحصل معه العلم كما أنه ينقطع معه التكليف؟

سلمناه، لكن إذا انقضى الفعل وانقطع التكليف لم لا يجوز أن يتبين له أنه كان مكلفاً من أوّل الفعل؟ والجهل إنما يلزم أن لو علم نفسه مكلفاً بعد الانقضاء؛ لأنه خلاف الواقع، أمّا إذا علم أنه كان مكلفاً قبل الحال فهو مطابق للواقع.

وأمّا فرض الوقت زمناً زمناً فليس بمجرد ظاهراً؛ لأنه بعد ما مضى الجزء الأول من الموسع علم أنه كان متمكناً ولم يأت به، فكان عالماً بالتكليف.

ولا نسلم انقطاع التكليف بعد أوّل الزمان؛ لأن التكليف في جميع الوقت على

ص: 457

ذلك التقدير.

والثالث: لو لم يصح ذلك لم يعلم إبراهيم ــ صلوات الله عليه وسلامه ــ وجوب ذبح ولده؛ لأن الله ــ تعالى ــ علم انتفاء شرط وقوعه، وإذا لم يكن مكلفاً به لم يكن عالماً به، لكنه علم به؛ لأنه أخذ في مقدماته من الإضجاع، وتلّ الجبين، وإمرار المُدْيَة.

ومن أنكر علم إبراهيم ــ عليه السلام ــ بوجوب الذبح فهو معاند.

وفيه نظر؛ لأن هذا الوجه بعينه هو تكرار التفريع الذي ذكره في مطلع البحث بقوله: {{فلذلك يعلم قبل الوقت} } على أن في ذلك سراً آخر يذكر مشافهة.

واحتج القاضي أبو بكر على صحة التكليف بما علم الآمر انتفاء شرط وقوعه: بأن الإجماع منعقد قبل ظهور المخالف على أن كل واحد من الوجوب والتحريم قد تحقق قبل التمكن من الفعل؛ فإن البالغ العاقل مأمور بالطاعات، منهي عن المعاصي، وهما مع عدم الأمر والنهي محال. فلو لم يصح التكليف بما علم الآمر انتفاء شرط وقوعه لم يتحقق الوجوب والتحريم قبل التمكن من الفعل، لجواز ظهور انتفاء شرط الوقع عند الوقت.

ص: 458

ولقائل أن يقول: معنى قولهم: مأمور الطاعات ومنهي عن المعاصي فيما علم الآمر شرط وقوع الفعل عند الوقت.

[ولقائل أن يقول] فلم ينهض دليلاً على ذلك.

ص ــ المعتزلة: لو صح لم يكن الإمكان شرطاً فيه.

وأجيب: بإن الإمكان المشروط أن يكون مما يأتي فعله عادة عند وقته واستجماع شرائطه. والإمكان الذي هو شرط الوقوع محل النزاع.

وأيضاً: يلزم أن لا يصح مع جهل الآمر.

قالوا: لو صح لصح مع علم المأمور.

وأجيب: بانتفاء فائدة التكليف.

وهذا يطيع ويعصي بالعزم والبشر والكراهة.

ش ــ قالت المعتزلة: لو صح التكليف بذلك لم يكن إمكان المكلف به شرطاً فيه؛ لأن الفعل الذي علم الآمر انتفاء شرط وقوعه ليس بممكن؛ لأن العلم بعدم الشرط لا يحتمل نقيضه، وإذا عدم الشرط عدم المشروط ضرورة فكان ممتنعاً، لكن إمكانه شرط بالإتفاق.

ولقائل أن يقول: المراد بالامتناع الذاتي أو ما لغير. والأول ممنوع والثاني مسلّم؛ فإن شرط التكليف إمكان المكلف به، والامتناع بالغير لا ينافيه، كما تقدم.

ص: 459

وأجاب المصنف بجوابين:

أحدهما: أن الإمكان الذي هو شرط صحة التكليف هو أن يكون المكلف به مما يأتي فعله عادة عند دخول وقته واستجماع شرائطه والفعل الذي علم الآمر انتفاء شرط وقوعه ممكن بهذا الإمكان، وامتناعه بسبب [انتفاء] شرط وقوعه لا ينافي هذا الإمكان، بل الإمكان الذي هو شرط وقوع الفعل ينافي امتناعه بسبب انتفاء شرط وقوعه وكون هذا الإمكان شرطاً لصحة التكليف محل النزاع.

وحاصله أن للفعل إمكاناً من حيث التكليف به، وإمكاناً من حيث وقوعه، والأول لا ينافيه الامتناع بسبب انتفاء شرط وقوعه.

والثاني ينافيه، ولكن ليس ذلك الإمكان شرط التكليف بل هو محل النزاع.

ولقائل أن يقول: لا نسلم أن الفعل الذي علم الآمر انتفاء شرط وقوعه ممكن على معنى أنه عند دخول وقته واستجماع شرائطه يتأتى وقوعه من المكلف؛ لأن الاستجماع محال، والموقوف على المحال محال.

فإن قيل: المراد لو فرض استجماع شرائطه.

قلنا: ذلك فرض محال، والمحال جاز أن يستلزم محالاً آخر فلا يثبت به المطلوب.

والثاني: لو صح ما ذكرتم لم يصح التكليف بما إذا جهل الآمر انتفاء شرط وقوعه؛ لأن مثل هذا الفعل قد يكون ممتنعاً، لجواز انتفاء شرط وقوعه وفيه نظر؛ فإنه يجوز أن تمنع الملازمة، لجواز أن لا يكون الفعل ممتنعاً.

وقالت ــ أيضاً ــ المعتزلة: لو صح التكليف بما علم الآمر انتفاء شرط وقوعه، لصح بما علم المأمور انتفاء شرط وقوعه، قياساً عليه.

والجامع كون كل واحد منهما معلوماً عدم حصوله.

ولقائل أن يقول: العلم بعدم الحصول لا يصلح أن يكون جامعاً؛ لأن الجامع

ص: 460

لابد وأن يكون علة في الأصل، وههنا ليس كذلك؛ إذ لا يصح أن يقال: إنما كلفه به لعلمه بعدم الحصول.

وأجاب المصنف: بالفرق. فإن محل الوفاق إنما لا يصح التكليف به لانتفاء فائدة التكليف، وهو الامتثال أو العزم عليه. وإذا علم المأمور امتناع الفعل، يمتنع الامتثال منه والعزم جميعاً.

بخلاف ما إذا لم يعلم المأمور امتناع الفعل، فإنه قد يعزم فيطيع بالعزم والبشر، وقد يعصى بالترك والكراهة.

وقد تقدم أن الفرق غير صحيح عند المحققين لوجهين مرّ ذكرهما.

ص: 461