الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
نَفسًا إِلَّا وُسعَهَا}.
وأما الأول ك
الصلاة في الدار المغصوبة
فإن لها جهتين: كونها صلاة وكونها غصباً، وكل من الجهتين معقول بدون الأخرى. فقد اختلفوا فيه فذهب أكثر الفقهاء إلى جواز اجتماعهما فيه، فتصح الصلاة المرادة في دار مغصوبة.
وذهب القاضي: إلى عدم جوازه، فلا تصح الصلاة المذكورة، لكنه قال: يسقط الطلب عن المكلف عند الصلاة لا بها.
وذهب أحمد بن حنبل وأكثر المتكلمين، إلى أنه لا يجوز ذلك، ولا تصح إذا أتى بها ولا يسقط عنه الطلب.
واستدل المصنف على مذهب الجمهور [63/ب] بوجهين:
أحدهما: أنا نقطع بطاعة العبد وعصيانه إذا أمره المولى بالخياطة، ونهاه عن أن تكون الخياطة في مكان مخصوص للجهتين فكان واجباً وحراماً فكذلك الصلاة
في الدار المغصوبة. وفيه نظر؛ لأنه إنما يتم على تقدير كون العقل حجة وأن الحسن والقبح يكونان بالوجوه والاعتبارات، والمصنف لم يقل بهما.
والثاني: أنه لو لم يصح اجتماعهما لكان عدم الصحة؛ لاتحاد متعلقي الوجوب والحرمة؛ لانتفاء غيره بالاتفاق، والتالي باطل؛ لعدم اتحاد المتعلقين؛ لأن متعلق الأمر الصلاة، ومتعلق النهي كونها في الدار المغصوبة، واحدهما غير الآخر.
واختيار المكلف الجمع بينهما، أي بين الصلاة وكونها في الدار المغصوبة لم يخرجهما عن حقيقتهما لتتحد الجهتان، وهذا ــ أيضاً ــ مبني على كون الحسن والقبح بالوجوه والاعتبارات، وهو مناقض لما تقدم من نفيه.
واستدل على المذهب بما تقريره. لو لم يصح اجتماع الوجوب والتحريم بجهتين لما ثبت صلاة مكروهة ولا صيام مكروه؛ لأن التضاد بين الوجوب والكراهة كهو بينه وبين التحريم. فكما أنه منع الجمع بينهما يمنع بين الوجوب والكراهة، لكن الصلاة في معاطن الإبل والأودية والحمّام نص الشارع على كراهتها.
وأجاب المصنف: بأنه إن اتحد الكون، أي الجهة التي تعلق بها الوجوب والكراهة فلا نسلم ثبوت صلاة مكروهة تكون جهة وجوبها وكراهتها متحدة، ولا
صوم كذلك، وإلا، أي وإن لم تتحد الجهة المذكورة لم يفد الدليل؛ لأن النهي عن الصلاة المكروهة حينئذٍ يكون راجعاً إلى وصف جائز الانفكاك عنها، كالتعرض لنفار الإبل في أعطانها، ولخطر السيل في بطن الوادي، ولخوف الرشاش في الحمام والأمر راجع إلى الصلاة مطلقاً، فيجوز تعلق الوجوب والكراهة بهاتين الجهتين المتغايرتين.
وأما الصلاة في الأرض المغصوبة فإن الجهة التي تعلق النهي بها وهو كونها في الدار المغصوبة لا تنفك عن الصلاة فلم يلزم من جواز اجتماع الوجوب والكراهة جواز اجتماع الحرمة والوجوب، وهو ليس بصحيح؛ لأن متعلق الوجوب في الصلاة في الدار المغصوبة مطلق الصلاة ومتعلق الحرمة بها في الدار المغصوبة، وهو ينفك عن الصلاة فكان النهي في الصورتين راجعاً إلى وصف الصلاة، ومتعلق الحرمة جائز الانفكاك فلا فرق بينهما.
واستدل ــ أيضاً ــ: بأنه لو لم تصح الصلاة في الدار المغصوبة لما سقط التكليف؛ أنه إنما سقط بإتيان المأمور به، وما لم يكن صحيحاً لا يكون إتياناً بالمأمور به، لكنه يسقط بالإجماع على ما قاله القاضي، ويدل ــ أيضاً ــ على تحقق الإجماع.
أن السلف لم يأمروا بقضاء الصلوات المؤداة في الدار المغصوبة.
وأجاب [64/أ] المصنف: بمنع الإجماع؛ فإن أحمد خالف الفقهاء في سقوط التكليف بأداء الصلاة في الدار المغصوبة وهو أقعد بمعرفة الإجماع من غيره؛ لأنه قد بالغ في تفتيش النقل ومع مخالفته ضعف دعوى الإجماع.
وفيه نظر؛ لأنه نقل عن أحمد أنه قال: من ادعى الإجماع فقد كذب فيجوز
أن يكون قوله بعدم سقوط التكليف بناءً على ذلك، فلا يكون معتبراً، وإلا بطل الإجماعات.
ص ــ قال القاضي والمتكلمون: لو صحت لاتحد المتعلقان؛ لأن الكون واحد، وهو غصب.
وأجيب: باعتبار الجهتين بما سبق.
قالوا: لو صحت لصح صوم يوم النحر بالجهتين.
وأجيب: بأن صوم يوم النحر غير منفك عن الصوم بوجه فلا يتحقق جهتان. أو بأن نهي التحريم لا يعتبر فيه تعدد إلا بدليل خاص فيه.
ش ــ قال القاضي والمتكلمون: لو صحت الصلاة في الدار المغصوبة لاتحد متعلق الأمر والنهي؛ لأن الكون الذي هو الصلاة في الدار المغصوبة نفسه الغصب، لكن لا يصح ذلك لئلا يلزم التكليف بالمحال، وهو الإتيان بشيء يكون واجباً وهو بعينه حرام.
وأجاب المصنف: بأنا لا نسلم اتحاد المعلقين؛ لأن الكون المخصوص له جهتان جهة الصلاة وجهة الغصب، ولا شك في تغايرهما وجواز انفكاك أحدهما عن الآخر، فبالأولى متعلق الأمر، وبالأخرى متعلق النهي.
وفيه نظر؛ لأن اعتبار الجهة في الحسن والقبح ههنا مناقض لما تقدم؛ ولأن إحدى الجهتين إن كانت مما ينفك عن الأخرى كان مناقضاً ــ أيضاً ــ لما تقدم من الفرق بين الصلاة المكروهة في معاطن الإبل وأمثالها فإنه فرق بينهما هناك بكون
الوصف منفكا فيها دون صلاة في الأرض المغصوبة. وان كانت مما لا ينفك اتحد الجهتان.
والحق أنه ينفك؛ لأن متعلق الامر مطلق الصلاة وهي تتحقق في المسجد.
وقالوا-أيضا-لو صحت الصلاة في الدار المغصوبة للجهتين لصح الصوم يوم النحر كذلك لأن المصحح وهو تعدد الجهة موجود في الصوم - أيضا- قالوا: لكن التالي باطل بالإجماع.
وفيه نظر؛ لان المراد بعد الصحة ان كان البطلان فدعوى الاجماع باطلة؛ لان أبا حنيفة لم يقل به؛ وان كان عدم الجواز مع الكراهة فكذلك؛ لان أبا حنيفة وأصحابه يقولون بالجواز مع الكراهة، وان كان غير ذلك فلابد من البيان.
وأجاب المصنف بوجهين:
أحدهما: بالفرق بين المسألتين، بأن الجهتين في الصوم لا تنفك إحداهما عن الأخرى؛ لأن جهة الأمر كونه صوما، وجهة النفي كونه صوما يوم النحر، وصوم يوم النحر لا ينفك عن الصوم، لاستلزام الأخص الأعم، والشيء الواحد إنما يتعلق به الأمر والنهى باعتبار جهتين تنفك إحداهما عن الأخرى كالصلاة في الدار المغصوبة.
ولقائل أن يقول: تعدد الجهة ليس بمنحصر فيما ذكرتك؛ لجواز أن تكون إحداهما الصوم والأخرى الإعراض عن الضيافة في يومها، فمتعلق الوجوب مطلق الصوم، ومتعلق الحرمة الإعراض عن الضيافة، واحداهما تنفك عن الأخرى، فإن الصوم يوجد بلا إعراض، والإعراض قد يوجد بلا صوم بأن لا يفطر بشيء من غير نيه الصوم أو الاحتماء أو لغير ذلك.
والثاني: أن نهى صوم يوم النحر نهي تحريم، والمنهى عنه نهي التحريم لا
يعتبر فيه تعدد الجهتين إلا بدليل خاص فيه، وليس بموجود في صوم يوم النحر، وهذا لأن نهي التحريم يقتضي الانتهاء قطعا، واعتبار تعدد الجهة يقتضي جواز الإتيان وهما متنافيان، فإذن لا يجوز اعتبار الجهتين في نهي التحريم إلا بدليل خارجي وقد دل في الصلاة فإن قوله:(أقم الصلاة) دل على اعتبار جهة الصلاة، وقوله-? -:"من غضب شبرا من الأرض طوقه الله يوم القيامة" الحديث دل على اعتبار جهة الغصب فاعتبر تعددها بالدليل الخارجي وليس في صوم يوم النحر ما يدل على ذلك.
وهذا ليس بشيء فان قوله - تعالى -: {كتب عليكم الصيام} دل على اعتبار الصوم، وفي الأحاديث الدالة على ذلك كثرة، وقوله -? -:" فإنها أيام اكل وشرب وبعال" دل على اعتبار ترك الصوم في يوم النحر فكانا سواء.
ص- وأما من توسط أرضا مغصوبه فحظ الأصولي فيه بيان استحالة تعلق الأمر
والنهي معاً بالخروج، وخطأ أبى هاشم وإذا تعين الخروج للأمر قطه بنفي المعصية به بشرطه وقول الإمام باستصحاب حكم المعصية مه الخروج، ولا نهى، بعيد. ولا جهتين لتعذر الامتثال.
ش- لما فرغ عن اثبات كون مثل الصلاة في الدار المغصوبة مأمورا به ومنهيا عنه، أراد ان يفرق بينها وبين الخروج من الأرض المغصوبة؛ فإنه لا يصح ان يكون متعلق الامر والنهى معا، كذا قالوا. وفيه نظر؛ لأنه لاحظ للأصولي في بيان الفرق بل حظه ما نذكره:
اعلم أن من توسط أرضا مغصوبه فسئل الأصولي عن الحكم الشرعي فيه من الخروج والإقامة فليس له في ذلك حظ. بل ذلك موكول الى رأى الفقيه، وإنما حظ الأصولي أن يبين أن تعلف الأمر والنهى معا بالخروج عنها مستحيل؛ اذ بيس جهتان يتعلق الأمر بإحدييهما والنهي بالأخرى وكذلك حظ الأصولي فيه أن يبين خطأ مذهب أبى هاشم، وهو عصيانه بالخروج والإقامة جميعا، وذلك لأن الإقامة إذا كان عصيانا كانت منهيا عنها فيكون الخروج مأمورا به.
وإذا كان الخروج عنها عصيانا منها عنه كانت الإقامة مأمورا بها، فيلزم ان يكون كل واحد منها مأمورا به ومنهيا عنه بدون تعدد الجهة لما سنذكره وذلك محال فكان مذهب أبى هاشم خطأ.
وقوله: "وإذا تعين" جهة أخرى في بيان خطئه وهي: أنه إذا تعبن الخروج عند كون الإقامة معصيه لكونه متعلق الأمر وجب ان يقطع بنفي المعصية، إذ المأمور به لا يمكن أن يكون معصيه لكن بشرط نفى المعصية عن نفسه، وهو ان يقصد الخروج عن الغصب لا التصرف في ملك الغير ليصير الخروج مأمور به، فكان القول بكونه معصيه خطأ. إذا عرف أن المأمور به لا يكون، معصيه، فقول إمام الحرمين يتعين
الخروج لكونه مأمورا به، ولا يكون النهى متعلقا، ولكن يستصحب حكم المعصية مع الخروج؛ إذ الموجب لها وهو الغصب باق. بعيد؛ لأنه يلزم أن يكون المأمور به معصيه، لعد الموجب لها، وهو النهي.
ولقائل أن يقول: لعمري ان نسبه الإمام إلى الخطأ أحرى من أبي هاشم؛ لأن أبا هاشم قال بقيام المعصية، لقيام دليله وهو النهي.
وأما الإمام فقد أثبت المعلول ونفى العلة، وهو خطأ ظاهر.
وقوله: "ولا جهتن" جواب عما عسى أن يقال: يجوز تعلق الأمر والنهى معا بالخروج من جهتين كما في الدار المغصوبة.
وتقريره: لا جهتين للخروج حتى يتعلق الأمر والنهى بهما؛ لأنه يتعذر الامتثال بالخروج على تقدير كونه منهيا عنه ولو كان له جهتان لم يتعذر.
ولقائل أن يقول: الخروج من حيث أنه شغل الأرض المغصوبة في الحال ان يكون متعلق النهى، ومن حيث انه سعى في إزالة الغصب يكون متعلق الأمر، فكان له جهتان، وان كان الخروج بشرط نفى المعصية عن نفسه كما تقدم متعلق الأمر، ولا بشرط شيء يكون متعلق النهى، فكان له جهتان.
وأن الاستدلال بتعذر الامتثال غير صحيح؛ لأنه متفرع على اتحاد الجهة. وتصور الامتثال بعد تحقق التعدد كتصور في الصلاة في الأرض المغصوبة.