الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الإيمان والإسلام
ص ــ المعتزلة: الإيمان؛ التصديق.
وفي الشرع: العبادات، لأنها الدين المعتبر.
والدين: الإسلام، والإسلام: الإيمان. بدليل {ومن يبتغ} فثبت أن الإيمان: العبادات.
وقال: [38/ب]{فأخرجنا من كان فيها من المؤمنين} إلى آخرها.
وعورض بقوله: {قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا} .
قالوا: لو لم يكن لكان قاطع الطريق مؤمناً، وليس بمؤمن، لأنه مخزي، بدليل {من تدخل النار فقد أخزيته} ، والمؤمن لا يُخزى بدليل:{يوم لا يخزى الله النبي والذين آمنوا معه} .
وأجيب: بأنه للصحابة، أو مستأنف.
ش ــ استدل المعتزلة على أن الأسماء الدينية موضوعات مبتدأه لا تعلق لها بالمفهومات اللغوية.
وتقريره: أن الإيمان في اللغة: التصديق.
وفي الشرع: العبادات، أي فعل الواجبات.
أما الأول: فبالنقل عن أئمة اللغة، وأما الثاني، فلأن العبادات هي الدين المعتبر، والدين المعتبر هو الإسلام، والإسلام هو الإيمان، فالعبادات هي الإيمان.
أما أن العبادات هي الدين المعتبر فلقوله ــ تعالى ــ: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعبُدُوا اللَّهَ مُخلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ القَيِّمَةِ (5)} ، أي دين الملة المستقيمة، ووجه ذلك أنه ذكر العبادات، ثم أشار إليها بأنها هي الدين المستقيم، وهو المعتبر من الأديان لا محالة.
وأما أن الدين المعتبر هو الإسلام فلقوله ــ تعالى ــ: {إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الإِسلَامُ} ، أخبر أن الدين عند الله، يعني المعتبر هو الإسلام.
وأما أن الإسلام هو الإيمان، فلأن الإيمان مقبول من مبتغيه وغير الإسلام ليس
بمقبول من مبتغيه، لقوله ــ تعالى ــ:{وَمَن يَبتَغِ غَيرَ الإِسلَامِ دِينا فَلَن يُقبَلَ مِنهُ (85)} ، فالإيمان ليس غير الإسلام وفيه نظر؛ لأن القياس المذكور ينتج العبادات هي الإيمان، وليس ذلك مطلوبهم، وإنما مطلوبهم: الإيمان هو العبادات.
وإن عكست النتيجة صارت: بعض الإيمان العبادات، ولا يحصل به المطلوب على أنه استدلال في التعريف، وهو فاسدٌ.
ثم ذكر دليلاً آخر لهم على أن الإسلام هو الإيمان، ووجه ذلك: أن الله ــ تعالى ــ استثنى المسلم من المؤمن في قوله: {فَأَخرَجنَا مَن كَانَ فِيهَا مِنَ المُؤمِنِينَ (35) فَمَا وَجَدنَا فِيهَا غَيرَ بَيت مِّنَ المُسلِمِينَ (36)} وبيانه أن {{غير} } في قوله {غَيرَ بَيت} إما أن تحمل على ظاهره، أو معنى {{إلا} } أو على أمر ثالث وهو باطل، فتعين أحد الأولين و {{ظاهره} } كذلك؛ لاستلزامه أن يكون عدم الوجدان ثابتاً بالنسبة إلى {غَيرَ بَيت مِّنَ المُسلِمِينَ (36)} وهو باطل؛ لأن الوجدان ثابت بالنسبة إلى غير بيت المسلمين، فإن بيوت الكفار غير بيت من المسلمين وقد وجدت فتعين حمله على {{إلا} } فيكون استثناءً مفرغاً، ومعناه: فما وجدنا فيها أحداً من المؤمنين إلا أهل البيت من المسلمين وهو استثناء المسلمين من المؤمنين، فدل على أن الإسلام هو الإيمان. وكان المناسب
أن يذكر هذا الدليل تلي قوله: {ومن يبتغ} وكأنه أخرهُ لاختصاصه بالمعارضة المذكورة بعد قوله: {{وعُوْرِضَ} } بقوله ــ تعالى ــ: {قُل لَّم تُؤمِنُوا [39/أ] وَلَكِن قُولُوا أَسلَمنَا} .
وتقريرها: ما ذكرتم من الآيتين وإن دل على أن الإسلام هو الإيمان ولكن عندنا ما ينفيه، وهو أن الإسلام لو كان هو الإيمان لما ثبت عند سلب الإيمان. وإلا لزم اجتماع النقيضين، لكن ثبت بالنص فلا يكون هو هو.
وأجيب: بأن الثابت هو الإسلام، بمعنى الاستسلام وهو الإذعان والانقياد، كالذي كان عليه المنافقون، وليس الكلام فيه.
وقالت المعتزلة ــ أيضاً ــ: لو لم يكن الإيمان في الشرع العبادات، أي فعل الواجبات، لكان قاطع الطريق مؤمناً، لقيام الإيمان به حينئذٍ وهو تصديق النبي ــ صلى الله عليه وسلم ــ بما علم مجيؤه به إذ لا قائل بالفصل لكنه ليس بمؤمن، لكونه مخزى، والمؤمن لا يخزى فقاطع الطريق ليس بمؤمن، أما أنه مخزى؛ فلأنه يدخل النار لقوله ــ تعالى ــ:{وَلَهُم فِي الأخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (33)} ، وكل من دخل النار فهو مخزى لقوله ــ
تعالى ــ: {رَبَّنَا إِنَّكَ مَن تُدخِلِ النَّارَ فَقَد أَخزَيتَهُ} .
وأما أن المؤمن لا يخزى، فلقوله ــ تعالى ــ:{يَومَ لَا يُخزِي اللَّهُالنَّبِيَّوَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ} .
وأجيبوا: بأنا لا نسلم انتفاء التالي، والقياس المذكور في بيانه غير مستقيم؛ لأن الكبرى وهو قوله:{{والمؤمن لا يخزى} } لا يصدق كلية وهي شرط في الشكل الأول. وقوله ــ تعالى ــ: {وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ} مخصوص بالصحابة لخصيصهم بالمعية، ولا يلزم كون المؤمنين المصاحبين غير مخزيين أن يكون غيرهم كذلك. هذا على تقدير أن يكون {وَالَّذِينَ آمَنُوا} معطوفاً على ما قبله.
وإن كان مبتدأ خبره {نُورُهُم يَسعَى} فلم يبق لهم اتصال بمحل النزاع أصلاً.
ولقائل أن يقول: استدلالهم هذا مبني على أصل لهم، وهو: أنه لا فرق في هذا المعنى بين المصاحبين وغيرهم؛ لأن صاحب الصغيرة من المؤمنين ليس ممن يدخل النار عندهم، وصاحب الكبيرة الغير تائب ليس من المؤمنين، والتائب منهم لا يدخل النار، كمن لا ذنب له، فلم يبق فرق بين المصاحب وغيره في عدم الخزي، وإنما التفاوت بينهما في ارتفاع الدرجات، وعلى هذا لا يكون الجواب صحيحاً.
ص ــ مسألة: المجاز واقع، خلافاً للأستاذ. بدليل الأسد للشجاع، والحمار
للبليد، وشابت لمة الليل.
المخالف: يخل بالتفاهم. وهو استبعاد.
ش ــ اختلف الأصوليون في وقوع المجاز، منعه الأستاذ أبو إسحاق الإسفراييني، وأجازه الباقون، واختاره المصنف مستدلاً بأن استعمال الأسد
للشجاع، والحمار للبليد، وشابت لمة الليل لظهور الصبح. واقع لا محالة، وكذا لغيرها من المعاني بطريق الحقيقة، فلو كانت هذه المعاني ــ أيضاً ــ بطريق الحقيقة لم يسبق الذهن إلى أحدهما عند عدم القرينة، لكن يسبق إلى غيرها فكانت فيها مجازات.
واستدل الأستاذ المخالف: بأنه لو وقع لاختل التفاهم؛ لأن إطلاق اللفظ على المفهوم المجازي [39/ب] إن كان بقرينة فقد يذهل المخاطب عنها فلا يفهم، وإن كان بغيرها تبادر إلى الذهن المفهوم الحقيقي، واختل فهم المراد.
وأجاب المصنف: بأن هذا يدل على استبعاد وقوع المجاز. وفيه مراعاة للأستاذ، وإلا فهو فاسد؛ لأن الذهول عرضي مفارق، غير شامل، نادر الوقوع فأنى يقاوم القاطع المذكور.
ص ــ مسألة: وهو في القرآن، خلافاً للظاهرية. بدليل {ليس كمثله شيء} ، {واسأل القرية} ، {يريد أن ينقض} {فاعتدوا عليه} ، {سيئة مثلها} وهو كثير.
قالوا: المجاز كذب؛ لأنه ينفي فيصدق.
قلنا: إنما يكذب إذا كانا معاً للحقيقة.
قالوا: يلزم أن يكون الباري متجوزاً.
قلنا: مثله يتوقف على الأذن.
ش ــ قيل: {{الواو} } للحال من ضمير {{واقع} } وليس بصحيح لاستلزامه أن
يتقيد الوقوع بكونه في القرآن، لكنه واقع في غيره.
والحق أنه مبتدأ، ولو قال:{{أيضاً} } كان أحسن، فإن هذا بيان خلاف آخر بين الظاهرية؛ أي الذين لا يجوزون التأويل في القرآن، وبين المحققين، فإنهم قالوا بوقوعه فيه مستدلين بقوله ــ تعالى ــ:{لَيسَ كَمِثلِهِ شَيء} فإنه موضوع لنفي مثل المثل، وقد استعمل في غير ما وضع له، وهو نفي المثل بقرينة قوله:{وَهُوَ السَّمِيعُالْبَصِيرُ (11)} بطريق الحصر فكان مجازاً.
ومنهم من استدل على كونه مجازاً بأنه لو كان المراد به الحقيقة {{نفي مثل المثل} } لزم نفيه. تعالى وتقدس؛ لأنه مثل مثله، وليس بشيء؛ لأن المجاز يحتاج إلى قرينة فإن وجدت فلا حاجة إلى إقامة الدليل، وإن لم توجد لا يفيد الاستدلال. والكلام على هذه الآية ــ الكريمة ــ كثير لا يحتمله هذا المختصر.
وبقوله: {وَسئَلِالقَريَةَ} فإنها موضوعة لأماكن من مدر فاستعملت في أهلها بقرينة السؤال فكان مجازاً. وعلماء البيان يسمون الأول مجازاً بالزيادة، وهو أن يذكر لفظان وأريد معنى أحدهما.
والثاني، مجازاً بالحذف، وهو أن يذكر لفظ واحد ويراد معنى لفظين والظاهر خصوصهما بالتركيب الإضافي فلا يكون {فبما رحمة} من الأول، ولا {يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُم أَن تَضِلُّوا} من الثاني.
وبقوله ــ تعالى ــ: {يريد أن ينقض} فإن الإرادة وضعت لذي شعور واستعملت في ميلان الجدار بقرينة الجدار فكان
مجازاً.
وبقوله ــ تعالى ــ: {فَمَنِ اعتَدَى عَلَيكُم فَاعتَدُوا عَلَيهِ بِمِثلِ مَا اعتَدَى عَلَيكُم} أطلق الاعتداء على القصاص وهو ضده، أو سببه.
ومثله: {وَجَزَاؤُا سَيِّئَة سَيِّئَة مِّثلُهَا} وجزاء السيئة حسنة بقرينة لفظ {{جزاء} } وإنما كثر الأمثلة لتقرير وقوعه في القرآن.
وقالت الظاهرية: المجاز كذب، والكذب في القرآن غير واقع. أما الثاني، فظاهر، وأما الأول، فلأن سلبه صادق، يجوز أن يقال: البليد ليس بحمار فإثباته يكون كاذباً ضرورة صدق نقيضه [40/أ] وتحقيق جوابه أن اتحاد محل السلب
والإيجاب شرط للتناقض، والنفي للحقيقة والإثبات للمجاز فلم يتحد.
وقالوا ــ أيضاً ــ: لو جاز وقوعه في القرآن لزم أن يكون الباري متجوزاً لأن ثبوت المشتق منه لشيء يستدعي صحة إطلاق اسم المشتق عليه.
والجواب: أن إطلاق أسماء الله توقيفية ولم يرد فيه إذن شرعي.