المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌[مُقَدِّمَة] بسم الله الرحمن الرحيم ــ ‌ ‌[حاشية الدسوقي] الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي كَمَّلَ ذَوِي - الشرح الكبير للشيخ الدردير وحاشية الدسوقي - جـ ١

[محمد بن أحمد الدسوقي]

فهرس الكتاب

- ‌[مُقَدِّمَة]

- ‌(بَابُ أَحْكَامِ الطَّهَارَةِ)

- ‌[فَصْلٌ بَيَان الْأَعْيَانَ الطَّاهِرَةَ وَالنَّجِسَةَ]

- ‌[فَصْلٌ حُكْمَ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ]

- ‌[فَصْلٌ أَحْكَامُ الْوُضُوءِ]

- ‌[شُرُوط الْوُضُوء]

- ‌(فَرَائِضُ الْوُضُوءِ)

- ‌[سُنَن الْوُضُوء]

- ‌[فَضَائِل الْوُضُوء]

- ‌[مَكْرُوهَات الْوُضُوء]

- ‌[فَصْلٌ آدَابُ قَضَاءِ الْحَاجَةِ]

- ‌[حُكْم الِاسْتِبْرَاء وصفته]

- ‌(فَصْلٌ فِي نَوَاقِضِ الْوُضُوءِ)

- ‌[فَصْلٌ مُوجِبَاتِ الطَّهَارَةِ الْكُبْرَى]

- ‌[فَرَائِض الْغُسْل]

- ‌[سُنَن الْغُسْل]

- ‌[مَنْدُوبَات الْغُسْل]

- ‌[صفة الْغُسْل]

- ‌[فَصْلٌ مَسْحُ الْخُفِّ وَمَسْحِ الْجَوْرَب]

- ‌[شُرُوط الْمَسْح عَلَى الْخُفَّيْنِ]

- ‌[شُرُوط الْمَاسِح عَلَى الْخَفّ]

- ‌[مُبْطِلَات الْمَسْح عَلَى الْخَفّ]

- ‌(فَصْلٌ) فِي التَّيَمُّمِ

- ‌[شَرَائِط جَوَازِ التَّيَمُّم]

- ‌[مُوجِبَات التَّيَمُّم]

- ‌[وَاجِبَات التَّيَمُّم]

- ‌[سُنَن التَّيَمُّم]

- ‌[فَضَائِل التَّيَمُّم]

- ‌[مُبْطِلَات التَّيَمُّم]

- ‌(فَصْلٌ) فِي مَسْحِ الْجُرْحِ أَوْ الْجَبِيرَةِ بَدَلًا عَنْ الْغَسْلِ لِلضَّرُورَةِ

- ‌[شَرْط الْمَسْح عَلَى الْجُرْح]

- ‌(فَصْلٌ) فِي بَيَانِ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ وَالِاسْتِحَاضَةِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ

- ‌[بَيَان الْحَيْض وَمَا يَتَعَلَّق بِهِ]

- ‌[مُدَّة الْحَيْض]

- ‌ مَوَانِعَ الْحَيْضِ

- ‌[بَيَان النِّفَاس وَمَا يَتَعَلَّق بِهِ]

- ‌ بَيَانِ أَوْقَاتِ الصَّلَاةِ

- ‌[بَابٌ فِي بَيَانِ أَوْقَاتِ الصَّلَاةِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ مِنْ الْأَحْكَام]

- ‌(فَصْلٌ) فِي الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِمَا

- ‌[شُرُوط صِحَّة الْأَذَان وَمَنْدُوبَاته]

- ‌[مِنْ يَجُوز لَهُ الْأَذَان]

- ‌[فَصْلٌ شُرُوطِ صِحَّةِ الصَّلَاةِ]

- ‌[الشَّرْط الْأَوَّل وَالثَّانِي طَهَارَة الْحَدَث وَالْخَبَث]

- ‌[فَصْلٌ الشَّرْطِ الثَّالِثِ وَهُوَ سَتْرُ الْعَوْرَةِ]

- ‌[فَصْلٌ الشَّرْطِ الرَّابِعِ وَهُوَ اسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ]

- ‌(فَصْلُ) (فَرَائِضُ الصَّلَاةِ)

- ‌[سُنَنُ الصَّلَاةِ]

- ‌ مَنْدُوبَاتِ الصَّلَاةِ

- ‌[مَكْرُوهَات الصَّلَاة]

- ‌[فَصْلٌ حُكْمُ الْقِيَامِ بِالصَّلَاةِ وَبَدَلُهُ وَمَرَاتِبُهُمَا]

- ‌ قَضَاءُ الْفَوَائِتِ

- ‌[فَصْلٌ قَضَاءُ الْفَوَائِتِ وَتَرْتِيبُ الْحَاضِرَتَيْنِ وَالْفَوَائِتِ فِي أَنْفُسِهَا وَيَسِيرِهَا مَعَ حَاضِرَةٍ]

- ‌[تَرْتِيب الْحَاضِرَتَيْنِ]

- ‌[تَرْتِيب الْفَوَائِت فِي أنفسها وَيَسِيرهَا مَعَ حَاضِرَة]

- ‌[مَا تَبْرَأ بِهِ الذِّمَّة عِنْد جَهْل الْفَوَائِت]

- ‌[فَصْلٌ حُكْمُ سُجُودِ السَّهْوِ وَمَا يَتَعَلَّق بِهِ]

- ‌[مُبْطِلَات الصَّلَاة]

- ‌(فَصْلٌ) فِي سُجُودِ التِّلَاوَةِ

- ‌ فَصْلٌ فِي بَيَانِ حُكْمِ صَلَاةِ النَّافِلَةِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا

- ‌[فَصْلٌ حُكْمُ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا]

- ‌ شُرُوطِ الْإِمَامَةِ

- ‌[مِنْ تكره إمَامَته]

- ‌[مَكْرُوهَات صَلَاة الْجَمَاعَة]

- ‌[شُرُوط الِاقْتِدَاء بِالْإِمَامِ]

- ‌ الْأَوْلَى بِالْإِمَامَةِ

- ‌[فَصَلِّ الِاسْتِخْلَاف فِي الصَّلَاة]

- ‌[صِحَّة الِاسْتِخْلَاف]

- ‌فَصْلٌ فِي أَحْكَامِ صَلَاةِ السَّفَرِ

- ‌[الْجَمْع بَيْن الصَّلَاتَيْنِ الْمُشْتَرَكَتَيْنِ فِي الْوَقْت وَأَسْبَاب الْجَمْع]

- ‌[صفة الْجَمْع بَيْن الصَّلَاتَيْنِ]

- ‌[فَصْلُ فِي بَيَانِ شُرُوطِ الْجُمُعَةِ وَسُنَنِهَا وَمَا يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ]

- ‌[شُرُوط صِحَّة صَلَاة الْجُمُعَةَ]

- ‌[شُرُوط وُجُوب الْجُمُعَةَ]

- ‌[مَنْدُوبَات الْجُمُعَةَ]

- ‌[سُنَن الْجُمُعَةَ]

- ‌[مَكْرُوهَات الْجُمُعَةَ]

- ‌[الْأَعْذَار الْمُبِيحَة لِلتَّخَلُّفِ عَنْ الْجُمُعَةَ]

- ‌[فَصْلٌ حُكْمَ صَلَاةِ الْخَوْفِ]

- ‌ فَصْلٌ فِي أَحْكَامِ صَلَاةِ الْعِيدِ

- ‌[سُنَن صَلَاة الْعِيد]

- ‌[وَقْت صَلَاة الْعِيد]

- ‌[كَيْفِيَّة أَدَاء صَلَاة الْعِيد وَمَنْدُوبَاتهَا]

- ‌[مَكْرُوهَات صَلَاة الْعِيد]

- ‌[فَصْلٌ حُكْمَ صَلَاةِ الْكُسُوفِ وَالْخُسُوفِ]

- ‌[مَنْدُوبَات صَلَاة الْكُسُوف وَالْخُسُوف]

- ‌[وَقْت صَلَاة الْكُسُوف]

- ‌[فَصْلٌ حُكْمَ صَلَاةِ الِاسْتِسْقَاءِ]

- ‌[مَنْدُوبَات صَلَاة الِاسْتِسْقَاء]

- ‌[فَصْلٌ أَحْكَامَ الْمَوْتَى]

- ‌[كَيْفِيَّة تَغْسِيل الْمَيِّت]

- ‌[أَرْكَان صَلَاة الْجِنَازَة]

- ‌[الْمَنْدُوبَاتِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالْمُحْتَضَرِ وَالْمَيِّتِ]

- ‌[مَنْدُوبَاتِ غُسْلِ الْمَيِّت]

- ‌ مُسْتَحَبَّاتِ الْكَفَنِ

- ‌ مَنْدُوبَاتِ التَّشْيِيعِ

- ‌ مَنْدُوبَاتٍ تَتَعَلَّقُ بِالدَّفْنِ

- ‌(زِيَارَةُ الْقُبُورِ)

- ‌[مِنْ لَا يَجِب تَغْسِيلهمْ]

- ‌[بَابُ الزَّكَاةِ]

- ‌[زَكَاةِ النَّعَمِ]

- ‌ زَكَاةِ الْحَرْثِ

- ‌[زَكَاةُ النَّقْد]

- ‌[زَكَاة نَمَاءِ الْعَيْنِ]

- ‌ بَيَانِ حُكْمِ الْفَائِدَةِ

- ‌ زَكَاةِ الدَّيْنِ

- ‌ زَكَاةِ الْعُرُوضِ

- ‌ زَكَاةِ الْمَعْدِنِ

- ‌[فَصْلٌ مَنْ تُصْرَفُ لَهُ الزَّكَاةُ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ]

- ‌ زَكَاةِ الْأَبْدَانِ وَهِيَ زَكَاةُ الْفِطْرِ

- ‌[جنس الصَّاع فِي زَكَاة الْفِطْر]

- ‌[بَابُ الصِّيَامِ]

- ‌ شَرْطُ صِحَّةِ الصَّوْمِ

- ‌[شُرُوطٍ وُجُوب كَفَّارَة الْإِفْطَار]

- ‌[أَنْوَاعُ الْكَفَّارَةِ ثَلَاثَةً عَلَى التَّخْيِيرِ]

- ‌[الْجَائِزَاتِ لِلصَّائِمِ]

- ‌(بَابٌ فِي الِاعْتِكَافِ)

- ‌[شُرُوط صِحَّة الِاعْتِكَاف]

- ‌[مَكْرُوهَاتِ الِاعْتِكَاف]

- ‌[الْجَائِزَ لِلْمُعْتَكِفِ]

- ‌[مَا يَنْدُبُ لِمُرِيدِ الِاعْتِكَافِ]

- ‌ مُبْطِلَاتُ الِاعْتِكَافِ

الفصل: ‌ ‌[مُقَدِّمَة] بسم الله الرحمن الرحيم ــ ‌ ‌[حاشية الدسوقي] الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي كَمَّلَ ذَوِي

[مُقَدِّمَة]

بسم الله الرحمن الرحيم

ــ

[حاشية الدسوقي]

الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي كَمَّلَ ذَوِي الْأَحْلَامِ بِمَعْرِفَتِهِمْ عِلْمَ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ. وَهَدَاهُمْ لِاسْتِخْرَاجِ دُرَرِ الْأَحْكَامِ فَاسْتَخْرَجُوهَا مِنْ بَحْرِهَا وَأَوْدَعُوهَا كَنْزَهَا بِدَقَائِق الْأَفْهَامِ. وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى مَنْ أَتَى بِالْكَلَامِ الْحَسَنِ وَاخْتُصِرَ لَهُ الْكَلَامُ. وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ الْحَافِظِينَ لِشَرِيعَتِهِ مِنْ التَّغْيِيرِ وَالتَّبْدِيلِ عَلَى مَمَرِّ السِّنِينَ وَالْأَيَّامِ.

(وَبَعْدُ) فَيَقُولُ الْعَبْدُ الْفَقِيرُ مُحَمَّدُ بْنُ عَرَفَةَ الدُّسُوقِيُّ الْمَالِكِيُّ هَذِهِ تَقْيِيدَاتٌ عَلَى شَرْحِ شَيْخِنَا الْعَلَّامَةِ مُفِيدِ الطَّالِبِينَ وَمُرَبِّي الْمُرِيدِينَ الْمَرْحُومِ الشَّيْخِ أَحْمَدَ الدَّرْدِيرِ الْعَدَوِيِّ لِمُخْتَصَرِ الْعَلَّامَةِ أَبِي الضِّيَاءِ خَلِيلِ بْنِ إِسْحَاقَ الَّذِي أَلَّفَهُ فِي الْفِقْهِ عَلَى مَذْهَبِ إمَامِ الْأَئِمَّةِ وَنَجْمِ السُّنَّةِ الْإِمَامِ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ اقْتَبَسَهَا مِنْ كُتُبِ الْأَئِمَّةِ الْأَعْلَامِ مُشِيرًا بِمَا صُورَتُهُ (بْن) لِلْعَالِمِ الْعَلَّامَةِ سَيِّدِي مُحَمَّدٍ الْبُنَانِيِّ مُحَشِّي الشَّيْخِ عَبْدِ الْبَاقِي وَبِمَا صُورَتُهُ (طفى) لِلْعَلَّامَةِ الشَّيْخِ مُصْطَفَى الرَّمَاصِيِّ مُحَشِّي التَّتَّائِيِّ وَبِمَا صُورَتُهُ (ح) لِلْعَلَّامَةِ سَيِّدِي مُحَمَّدٍ الْحَطَّابِ. وَحَيْثُ قُلْت: شَيْخُنَا فَالْمُرَادُ بِهِ شَيْخُنَا الْعَلَّامَةُ أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ الصَّعِيدِيُّ الْعَدَوِيُّ مُحَشِّي الْخَرَشِيِّ وَصَاحِبُ التَّآلِيفِ الشَّرِيفَةِ وَالتَّحْقِيقَاتِ الْمُنِيفَةِ وَحَيْثُ ذَكَرْتُ (عبق) فَالْمُرَادُ بِهِ الْعَلَّامَةُ الشَّيْخُ عَبْدُ الْبَاقِي الزَّرْقَانِيُّ وَحَيْثُ ذَكَرْتُ (شب) فَالْمُرَادُ بِهِ الشَّيْخُ إبْرَاهِيمُ الشَّبْرَخِيتِيُّ وَحَيْثُ ذَكَرْت (خش) فَالْمُرَادُ بِهِ الْعَلَّامَةُ عِيسَى مُحَمَّدٌ الْخَرَشِيُّ وَحَيْثُ ذَكَرْت (مج) فَالْمُرَادُ بِهِ مَجْمُوعُ خَاتِمَةِ الْمُحَقِّقِينَ الْعَلَّامَةُ الشَّيْخُ مُحَمَّدٌ الْأَمِيرُ وَأَسْأَلُ اللَّهَ التَّوْفِيقَ لِتَمَامِهَا وَالنَّفْعَ بِهَا كَالنَّفْعِ بِأَصْلِهَا وَهُوَ حَسْبِي وَنِعْمَ الْوَكِيلُ

ص: 2

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[حاشية الدسوقي]

(قَوْلُهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) لَا بَأْسَ بِالتَّكَلُّمِ عَلَيْهَا مِنْ حَيْثُ الْفَنُّ الْمَشْرُوعُ فِيهِ الْمُؤَلَّفُ فِيهِ هَذَا الْكِتَابُ.

فَنَقُولُ: إنَّ مَوْضُوعَ هَذَا الْفَنِّ أَفْعَالُ الْمُكَلَّفِينَ؛ لِأَنَّهُ يُبْحَثُ فِيهِ عَنْهَا مِنْ جِهَةِ مَا يَعْرِضُ لَهَا مِنْ وُجُوبٍ وَنَدْبٍ وَحُرْمَةٍ وَكَرَاهَةٍ وَلَا شَكَّ أَنَّ الْإِتْيَانَ بِهَذِهِ الْجُمْلَةِ فِعْلٌ مِنْ الْأَفْعَالِ وَحِينَئِذٍ فَيُقَالُ: إنَّ حُكْمَ الْبَسْمَلَةِ الْأَصْلِيَّ النَّدْبُ؛ لِأَنَّهَا ذِكْرٌ مِنْ الْأَذْكَارِ وَالْأَصْلُ فِي الْأَذْكَارِ أَنْ تَكُونَ مَنْدُوبَةً وَيَتَأَكَّدُ النَّدْبُ فِي الْإِتْيَانِ بِهَا فِي أَوَائِلِ ذَوَاتِ الْبَالِ وَلَوْ شِعْرًا كَمَا انْحَطَّ عَلَيْهِ كَلَامُ ح وَحَكَى الْخِلَافَ قَبْلَ ذَلِكَ عَنْ الشَّعْبِيِّ وَالزُّهْرِيِّ وَحَمَلَهُ عَلَى شِعْرِ غَيْرِ الْعِلْمِ وَالْوَعْظِ ثُمَّ قَدْ تَعْرِضُ لَهَا الْكَرَاهَةُ وَذَلِكَ فِي صَلَاةِ الْفَرِيضَةِ عَلَى الْمَشْهُورِ مِنْ الْمَذْهَبِ وَعِنْدَ الْأُمُورِ الْمَكْرُوهَةِ كَشَرَابِ الْخَلِيطَيْنِ وَتَحْرُمُ إذَا أَتَى بِهَا الْجُنُبُ عَلَى أَنَّهَا مِنْ الْقُرْآنِ لَا عَلَى أَنَّهَا ذِكْرٌ بِقَصْدِ التَّحَصُّنِ وَكَذَا تَحْرُمُ عِنْدَ الْإِتْيَانِ بِالْحَرَامِ عَلَى الْأَظْهَرِ وَقِيلَ بِكَرَاهَتِهَا فِي تِلْكَ الْحَالَةِ وَارْتَضَاهُ شَيْخُنَا فِي حَاشِيَةِ الْخَرَشِيِّ وَتَحْرُمُ فِي ابْتِدَاءِ بَرَاءَةٌ عِنْدَ ابْنِ حَجَرٍ وَقَالَ الرَّمْلِيُّ بِالْكَرَاهَةِ، وَأَمَّا فِي أَثْنَائِهَا فَتُكْرَهُ عِنْدَ الْأَوَّلِ وَتُنْدَبُ عِنْدَ الثَّانِي وَلَمْ أَرَ لِأَهْلِ مَذْهَبِنَا شَيْئًا فِي ذَلِكَ وَلَيْسَ لَهَا حَالَةُ وُجُوبٍ

ص: 3

الْحَمْد لِلَّهِ الَّذِي فَضْل عُلَمَاء الشَّرِيعَة عَلَى مِنْ سِوَاهُمْ وَجَعَلَهُمْ مَلْجَأ لِعِبَادِهِ فِي الدَّارَيْنِ

ــ

[حاشية الدسوقي]

إلَّا بِالنَّذْرِ وَلَا يُقَالُ: إنَّ الْبَسْمَلَةَ وَاجِبَةٌ عِنْدَ الذَّكَاةِ مَعَ الذِّكْرِ وَالْقُدْرَةِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ الْوَاجِبُ مُطْلَقُ ذِكْرِ اللَّهِ لَا خُصُوصُ الْبَسْمَلَةِ كَمَا عَلَيْهِ الْمُحَقِّقُونَ

بَقِيَ شَيْءٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّهُ هَلْ تَجِبُ بِالنَّذْرِ وَلَوْ فِي صَلَاةِ الْفَرِيضَةِ بِمَنْزِلَةِ مَنْ نَذَرَ صَوْمَ رَابِعِ النَّحْرِ وَمَنْ نَذَرَ صَلَاةَ رَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعَصْرِ أَوْ لَا يَجِبُ أَنْ يُوفِيَ بِذَلِكَ النَّذْرِ لَمْ أَرَ مَنْ تَعَرَّضَ لِذَلِكَ وَالظَّاهِرُ اللُّزُومُ خُصُوصًا وَبَعْضُ الْعُلَمَاءِ مِنْ أَهْلِ الْمَذْهَبِ يَقُولُ بِوُجُوبِهَا فِي الْفَرِيضَةِ، وَهَذَا إذَا كَانَ غَيْرَ مُلَاحَظٍ بِالنَّذْرِ لَهَا الْخُرُوجُ مِنْ الْخِلَافِ وَإِلَّا كَانَتْ وَاجِبَةً قَوْلًا وَاحِدًا وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا لَا تَكُونُ مُبَاحَةً؛ لِأَنَّ أَقَلَّ مَرَاتِبِهَا أَنَّهَا ذِكْرٌ، وَأَقَلَّ أَحْكَامِهِ أَنَّهُ مَنْدُوبٌ، وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَجَازَتْ كَتَعَوُّذٍ بِنَفْلٍ الْمُوهِمُ لِذَلِكَ وَقَوْلُ الشَّاطِبِيِّ (وَفِي الْإِجْزَاءِ خَيْرُ مَنْ تَلَا) الْمُرَادُ بِهِ عَدَمُ تَأَكُّدِ الطَّلَبِ وَنَفْيُ الْكَرَاهَةِ فَلَا يُنَافِي أَنَّ أَصْلَ النَّدْبِ ثَابِتٌ وَأَنَّ الْإِنْسَانَ إذَا قَالَهَا حَصَلَ لَهُ الثَّوَابُ، وَكَوْنُ الْإِنْسَانِ يَذْكُرُ اللَّهَ وَلَا ثَوَابَ لَهُ بَعِيدٌ جِدًّا

(قَوْلُهُ: الَّذِي) نَعْتٌ لِاسْمِ الْجَلَالَةِ وَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ الْمَوْصُولَ وَصِلَتَهُ فِي تَأْوِيلِ الْمُشْتَقِّ فَكَأَنَّهُ قَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الْمُفَضِّلِ لِعُلَمَاء الشَّرِيعَةِ عَلَى غَيْرِهِمْ وَإِنَّمَا عَدَلَ عَنْ التَّعْبِيرِ بِالْوَصْفِ الْمُشْتَقِّ لِلْمَوْصُولِ مَعَ أَنَّ الْمُشْتَقَّ أَخْصَرُ؛ لِأَنَّ صِفَاتِهِ تَعَالَى كَأَسْمَائِهِ تَوْقِيفِيَّةٌ عَلَى الْمُخْتَارِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُطْلَقَ عَلَيْهِ إلَّا مَا وَرَدَ عَنْ الشَّارِعِ إطْلَاقُهُ وَلَمْ يَرِدْ إطْلَاقُ الْمُفَضِّلِ عَلَيْهِ فَلِذَا تُوُصِّلَ بِالْمَوْصُولِ لِوَصْفِهِ بِصِلَتِهِ.

وَإِذَا عَلِمْت أَنَّ الْمَوْصُولَ وَصِلَتَهُ فِي تَأْوِيلِ الْمُشْتَقِّ وَأَنَّ الْمَوْصُوفَ وَصِفَتَهُ كَالشَّيْءِ الْوَاحِدِ وَأَنَّ تَعْلِيقَ الْحُكْمِ بِمُشْتَقٍّ يُؤْذِنُ بِعِلِّيَّةِ مَا مِنْهُ الِاشْتِقَاقُ تَعْلَمُ أَنَّ هَذَا الْحَمْدَ الْوَاقِعَ مِنْ الْمُصَنِّفِ مُقَيَّدٌ وَاقِعٌ فِي مُقَابَلَةِ نِعَمِهِ فَيُثَابُ عَلَيْهِ ثَوَابَ الْوَاجِبِ لَا أَنَّهُ مُطْلَقٌ وَاقِعٌ فِي مُقَابَلَةِ ذَاتِ اللَّهِ أَوْ صِفَاتِهِ

(قَوْلُهُ: الشَّرِيعَةِ) الْمُرَادُ بِهَا الْأَحْكَامُ الَّتِي شَرَعَهَا اللَّهُ لِعِبَادِهِ وَبَيَّنَهَا لَهُمْ بِمَعْنَى النِّسَبِ وَهِيَ كَمَا تُسَمَّى شَرِيعَةً بِاعْتِبَارِ تَشْرِيعِ الشَّارِعِ لَهَا تُسَمَّى أَيْضًا مِلَّةً بِاعْتِبَارِ أَنَّهَا تُمْلَى لِتُكْتَبَ وَتُسَمَّى أَيْضًا دِينًا بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ يُتَدَيَّنُ وَيُتَعَبَّدُ بِهَا وَالْمُرَادُ بِعُلَمَاءِ الشَّرِيعَةِ الْعُلَمَاءُ الْمُزَاوِلُونَ لَهَا تَقْرِيرًا وَاسْتِنْبَاطًا وَإِفَادَةً (قَوْلُهُ: عَلَى مَنْ سِوَاهُمْ) أَيْ عَلَى مَنْ كَانَ مُغَايِرًا لَهُمْ: أَيْ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي جَعَلَ عُلَمَاءَ الشَّرِيعَةِ أَفْضَلَ وَأَشْرَفَ مِمَّنْ كَانَ مُغَايِرًا لَهُمْ بِنَاءً عَلَى مَا قَالَهُ ابْنُ مَالِكٍ مِنْ أَنَّ سِوَى بِمَعْنَى غَيْرَ وَقَالَ غَيْرُهُ أَنَّهَا اسْمُ مَكَان وَفِي هَذَا بَرَاعَةُ اسْتِهْلَالٍ؛ لِأَنَّهُ يُشِيرُ أَنَّهُ يَذْكُرُ فِي هَذَا الْكِتَابِ الْأَحْكَامَ الشَّرْعِيَّةَ

(قَوْلُهُ: فِي الدَّارَيْنِ) أَيْ

ص: 4

وَاجْتَبَاهُمْ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى النَّبِيِّ الْأَعْظَمِ وَالرَّسُولِ الْأَكْرَمِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم وَعَلَى سَائِرِ إخْوَانِهِ مِنْ النَّبِيِّينَ وَالْمُرْسَلِينَ وَآلِ كُلٍّ وَالصَّحَابَةِ وَالْقَرَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَعَلَى سَائِرِ أَئِمَّةِ الدِّينِ خُصُوصًا الْأَرْبَعَةَ الْمُجْتَهَدِينَ وَمُقَلِّدِيهِمْ إلَى يَوْمِ الدِّينِ (أَمَّا بَعْدُ) فَيَقُولُ أَفْقَرُ الْعِبَادِ إلَى مَوْلَاهُ الْقَدِيرِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الدَّرْدِيرِ: هَذَا شَرْحٌ مُخْتَصَرٌ عَلَى الْمُخْتَصَرِ لِلْإِمَامِ الْجَلِيلِ الْعَلَّامَةِ أَبِي الضِّيَاءِ سَيِّدِي خَلِيلٍ اقْتَصَرْتُ فِيهِ عَلَى فَتْحِ مُغْلَقِهِ وَتَقْيِيدِ مُطْلَقِهِ وَعَلَى الْمُعْتَمَدِ مِنْ أَقْوَالِ أَهْلِ الْمَذْهَبِ

ــ

[حاشية الدسوقي]

يَلْجَئُونَ لَهُمْ فِي الدَّارَيْنِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ أَمَّا لُجُوءُهُمْ إلَيْهِمْ فِي الدُّنْيَا فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا فِي الْآخِرَةِ فَبِالنَّظَرِ لِشَفَاعَتِهِمْ لَهُمْ فِي رَفْعِ الدَّرَجَاتِ وَالْمَنَازِلِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ هَذِهِ الشَّفَاعَةَ غَيْرُ مُخْتَصَّةٍ بِهِ صلى الله عليه وسلم وَقِيلَ لِتَعْلِيمِهِمْ إيَّاهُمْ كَيْفِيَّةَ التَّمَنِّي عَلَى اللَّهِ عز وجل (قَوْلُهُ: وَاجْتَبَاهُمْ) أَيْ وَاخْتَارَهُمْ فِي أَزَلِهِ لِذَلِكَ عَمَّنْ عَدَاهُمْ مِنْ الْعُلَمَاءِ

(قَوْلُهُ: الْأَعْظَمِ) أَيْ مِنْ كُلِّ عَظِيمٍ (قَوْلُهُ: الْأَكْرَمِ) أَيْ مِنْ كُلِّ كَرِيمٍ (قَوْلُهُ: وَعَلَى سَائِرِ إلَخْ) أَيْ بَاقِي مِنْ السُّؤْرِ بِمَعْنَى الْبَقِيَّةِ أَوْ أَنَّ سَائِرَ بِمَعْنَى جَمِيعِ أَخْذًا لَهُ مِنْ سُورِ الْبَلَدِ الْمُحِيطِ بِجَمِيعِهَا (قَوْلُهُ: وَآلِ كُلٍّ) أَيْ وَعَلَى آلِ كُلٍّ أَيْ أَتْبَاعِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ أَيْ مِنْ الْمُرْسَلِينَ، وَقَوْلُهُ وَالْقَرَابَةِ أَيْ قَرَابَةِ الْأَنْبِيَاءِ أَيْ أَقَارِبِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ وَقَوْلُهُ وَالتَّابِعِينَ أَيْ لِلصَّحَابَةِ وَقَوْلُهُ: وَعَلَى سَائِرِ أَئِمَّةِ الدِّينِ أَيْ بَاقِيهِمْ فَهُوَ عَطْفٌ مُغَايِرٌ أَوْ جَمِيعِهِمْ فَيَكُونُ عَطْفَ عَامٍّ وَالْحَاصِلُ أَنَّ سَائِرَ قِيلَ: إنَّهَا بِمَعْنَى بَاقٍ وَقِيلَ بِمَعْنَى جَمِيعٍ وَكُلٌّ مِنْهُمَا صَالِحٌ هُنَا (قَوْلُهُ: خُصُوصًا) مَعْمُولٌ لِمَحْذُوفِ أَيْ أَخُصُّ بِتِلْكَ الصَّلَاةِ بَعْدَ مَنْ تَقَدَّمَ الْأَرْبَعَةَ الْمُجْتَهِدِينَ خُصُوصًا (قَوْلُهُ: إلَى يَوْمِ الدِّينِ) أَيْ الْجَزَاءِ وَهُوَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ وَإِنَّمَا سُمِّيَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ بِيَوْمِ الْجَزَاءِ لِوُقُوعِ الْجَزَاءِ عَلَى الْأَعْمَالِ فِيهِ ثُمَّ إنَّ الْغَايَةَ إنْ جُعِلَتْ رَاجِعَةً لِلْمُقَلِّدِينَ فَلَا بُدَّ مِنْ حَذْفٍ وَالْمَعْنَى وَمُقَلِّدِيهِمْ حَالَةَ كَوْنِهِمْ مُسْتَمِرِّينَ طَائِفَةً بَعْدَ طَائِفَةٍ إلَى قُرْبِ يَوْمِ الدِّينِ؛ لِأَنَّ السَّاعَةَ لَا تَقُومُ إلَّا عَلَى شِرَارِ النَّاسِ الْكُفَّارِ وَإِنْ جُعِلَتْ رَاجِعَةً لِلصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ كَانَ ذَلِكَ كِنَايَةً عَنْ التَّأْبِيدِ أَيْ الصَّلَاةُ عَلَى مَنْ ذُكِرَ حَالَةَ كَوْنِهَا مُسْتَمِرَّةً إلَى مَا لَا نِهَايَةَ لَهُ عَلَى مَا جَرَتْ بِهِ عَادَةُ الْعَرَبِ مِنْ ذِكْرِ الْغَايَةِ وَإِرَادَةِ التَّأْبِيدِ كَمَا فِي قَوْلِهِ

إذَا غَابَ عَنْكُمْ أَسْوَدُ الْعَيْنِ كُنْتُمْ

كِرَامًا وَأَنْتُمْ مَا أَقَامَ أَلَائِمُ

(قَوْلُهُ: أَفْقَرُ الْعِبَادِ) أَيْ أَشَدُّ الْعِبَادِ افْتِقَارًا إلَى مَوْلَاهُ وَهَذَا مُبَالَغَةٌ إذْ كُلُّ مَخْلُوقٍ مُفْتَقِرٌ إلَى خَالِقِهِ ابْتِدَاءً وَدَوَامًا فِي كُلِّ حَرَكَةٍ وَسُكُونٍ فَلَيْسَ أَحَدٌ أَشَدَّ افْتِقَارًا مِنْ أَحَدٍ (قَوْلُهُ: شَرْحٌ مُخْتَصَرٌ) أَيْ مِنْ الشَّيْخِ عَبْدِ الْبَاقِي والشبرخيتي وَالتَّتَّائِيِّ وَمِنْ حَاشِيَةِ شَيْخِنَا عَلَى الْخَرَشِيِّ، وَالْعُمْدَةُ فِي ذَلِكَ الْأَوَّلُ

(قَوْلُهُ: عَلَى فَتْحِ مُغْلَقِهِ) أَيْ بَيَانِ تَرَاكِيبِهِ فَالْمُرَادُ مِنْ مُغْلَقِهِ تَرَاكِيبُهُ أَيْ عِبَارَاتُهُ الصَّعْبَةُ وَالْمُرَادُ بِفَتْحِهَا تَبْيِينُهَا وَتَوْضِيحُهَا عَلَى طَرِيقِ الْمَجَازِ بِالِاسْتِعَارَةِ فَقَدْ شَبَّهَ صُعُوبَةَ التَّرَاكِيبِ بِغَلْقِ الْأَبْوَابِ بِجَامِعِ عُسْرِ التَّوَصُّلِ لِلْمَطْلُوبِ مَعَ كُلٍّ وَاسْتُعِيرَ اسْمُ الْمُشَبَّهِ بِهِ

ص: 5

بِحَيْثُ مَتَى اقْتَصَرْت عَلَى قَوْلٍ كَانَ هُوَ الرَّاجِحَ الَّذِي تَجِبُ بِهِ الْفَتْوَى وَإِنْ اعْتَمَدَ بَعْضُ الشُّرَّاحِ خِلَافَهُ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى أَسْتَعِينُ وَعَلَيْهِ أَتَوَكَّلُ فَإِنَّهُ الْمَوْلَى الْكَرِيمُ الَّذِي عَلَيْهِ الْمُعَوَّلُ قَالَ الْمُصَنِّفُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَعَنَّا بِهِ وَجَمَعَنَا مَعَهُ فِي دَارِ السَّلَامِ بِسَلَامٍ مَعَ مَزِيدِ الْإِنْعَامِ وَالْإِكْرَامِ (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) أَيْ أُؤَلِّفُ لِأَنَّ الْأَوْلَى تَقْدِيرُ الْمُتَعَلِّقِ مِنْ مَادَّةِ مَا جُعِلَتْ الْبَسْمَلَةُ مَبْدَأً لَهُ وَالِابْتِدَاءُ بِهَا مَنْدُوبٌ كَالْحَمْدَلَةِ وَالصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إذْ الِابْتِدَاءُ قِسْمَانِ حَقِيقِيٌّ وَهُوَ مَا لَمْ يُسْبَقْ بِشَيْءٍ وَإِضَافِيٌّ وَهُوَ مَا يُقَدَّمُ عَلَى الشُّرُوعِ فِي الْمَقْصُودِ بِالذَّاتِ أَوْ أَنَّهُ شَيْءٌ وَاحِدٌ وَهُوَ مَا تَقَدَّمَ أَمَامَ الْمَقْصُودِ وَإِنْ كَانَ ذَا أَجْزَاءٍ (يَقُولُ) أَصْلُهُ يَقُولُ كَيَنْصُرُ فَخُفِّفَ بِنَقْلِ الضَّمَّةِ الثَّقِيلَةِ عَلَى الْوَاوِ إلَى السَّاكِنِ قَبْلَهَا (الْفَقِيرُ) فَعِيلٌ صِفَةٌ مُشَبَّهَةٌ أَوْ صِيغَةُ مُبَالَغَةٍ

ــ

[حاشية الدسوقي]

لِلْمُشَبَّهِ عَلَى طَرِيقِ الِاسْتِعَارَةِ التَّصْرِيحِيَّةِ التَّبَعِيَّةِ، وَالْفَتْحُ تَرْشِيحٌ مُسْتَعَارٌ لِلْبَيَانِ فَشَبَّهَ الْبَيَانَ بِالْفَتْحِ وَاسْتُعِيرَ اسْمُ الْمُشَبَّهِ بِهِ لِلْمُشَبَّهِ (قَوْلُهُ: بِحَيْثُ مَتَى اقْتَصَرْت) أَيْ حَالَةُ كَوْنِ ذَلِكَ الِاخْتِصَارِ مُلْتَبِسًا بِحَالَةٍ هِيَ أَنِّي مَتَى اقْتَصَرْت إلَخْ، وَمَتَى هُنَا شَرْطِيَّةٌ وَهِيَ فِي الْأَصْلِ ظَرْفُ زَمَانٍ، وَقَدْ يُتَوَسَّعُ فِيهَا فَتُسْتَعْمَلُ لِلْمَكَانِ، وَالْمُرَادُ بِهَا هُنَا الْمَكَانُ أَيْ مَحَلُّ الرَّقْمِ أَيْ بِحَيْثُ إنِّي فِي أَيِّ مَكَان اقْتَصَرْتُ فِيهِ عَلَى قَوْلٍ كَانَ هُوَ الرَّاجِحَ (قَوْلُهُ: وَبِاَللَّهِ تَعَالَى أَسْتَعِينُ) أَيْ وَأَسْتَعِينُ بِاَللَّهِ عَلَى تَأْلِيفِ هَذَا الشَّرْحِ أَيْ أَطْلُبُ مِنْهُ الْإِعَانَةَ عَلَى تَأْلِيفِهِ أَيْ أَطْلُبُ مِنْهُ أَنْ يَخْلُقَ فِي قُدْرَةً عَلَى ذَلِكَ (قَوْلُهُ: وَعَلَيْهِ أَتَوَكَّلُ) أَيْ أُفَوِّضُ أُمُورِي كُلَّهَا إلَيْهِ وَقَوْلُهُ الَّذِي عَلَيْهِ الْمُعَوَّلُ أَيْ الِاعْتِمَادُ (قَوْلُهُ: وَعَنَّا بِهِ) أَيْ وَرَضِيَ عَنَّا بِسَبَبِهِ (قَوْلُهُ: فِي دَارِ السَّلَامِ) أَيْ دَارِ السَّلَامَةِ مِنْ الْآفَاتِ وَالْكَدُورَاتِ وَهِيَ الْجَنَّةُ مُطْلَقًا وَقَوْلُهُ بِسَلَامٍ أَيْ حَالَةَ كَوْنِنَا مُلْتَبِسِينَ بِالسَّلَامَةِ مِنْ أَهْوَالِ الْآخِرَةِ وَشَدَائِدِهَا مُصَاحِبِينَ لِمَزِيدِ الْإِنْعَامِ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْأَوْلَى إلَخْ) عِلَّةٌ لِتَقْدِيرِ الْمُتَعَلِّقِ خَاصًّا لَا عَامًّا كَأَبْتَدِئُ مَثَلًا، وَقَدَّرَ فِعْلًا؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْعَمَلِ لِلْأَفْعَالِ وَمُؤَخَّرًا لِإِفَادَةِ الْحَصْرِ وَالِاهْتِمَامِ

(قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْأَوْلَى إلَخْ) إنَّمَا كَانَ أَوْلَى؛ لِأَنَّ جَعْلَ الْمُتَعَلِّقِ مِنْ الْمَادَّةِ الْمَذْكُورَةِ أَلْيَقُ بِالْمَقَامِ؛ لِأَنَّ كُلَّ شَارِعٍ فِي شَيْءٍ يُضْمِرُ مَا جُعِلَتْ التَّسْمِيَةُ مَبْدَأً لَهُ وَأَوْفَى بِتَأْدِيَةِ الْمَرَامِ أَيْ الْمَطْلُوبِ لِدَلَالَةِ ذَلِكَ الْمُقَدَّرِ حِينَئِذٍ عَلَى تَلَبُّسِ الْفِعْلِ كُلِّهِ بِالْبَسْمَلَةِ عَلَى وَجْهِ التَّبَرُّكِ وَالِاسْتِعَانَةِ.

(قَوْلُهُ: مِنْ مَادَّةِ مَا جُعِلَتْ إلَخْ) أَيْ مِنْ مَادَّةِ تَأْلِيفٍ أَوْ أَكْلٍ أَوْ شُرْبٍ وَقَوْلُهُ مَبْدَأً لَهُ أَيْ ابْتِدَاءً وَأَوَّلًا لَهُ (قَوْلُهُ: وَالِابْتِدَاءُ بِهَا) أَيْ فِي الْأُمُورِ ذَوَاتِ الْبَالِ وَلَوْ شِعْرًا (قَوْلُهُ: مَنْدُوبٌ) ، وَقَدْ تَعْرِضُ الْكَرَاهَةُ لِلِابْتِدَاءِ بِهَا كَابْتِدَاءِ الْمَكْرُوهَاتِ، وَقَدْ يَحْرُمُ كَابْتِدَاءِ الْمُحَرَّمَاتِ عَلَى الْأَظْهَرِ، وَقِيلَ بِالْكَرَاهَةِ وَلَا يَكُونُ الِابْتِدَاءُ بِهَا وَاجِبًا إلَّا بِالنَّذْرِ وَلَا يَكُونُ مُبَاحًا، وَقَدْ عَلِمْت حَاصِلَ مَا فِي الْمَقَامِ (قَوْلُهُ: إذْ الِابْتِدَاءُ قِسْمَانِ إلَخْ) هَذَا جَوَابٌ عَنْ سُؤَالٍ مُقَدَّرٍ فُهِمَ مِنْ الْكَلَامِ تَقْدِيرُهُ إذَا كَانَ الِابْتِدَاءُ بِكُلٍّ مِنْ الْبَسْمَلَةِ وَالْحَمْدَلَةِ وَالصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مَنْدُوبًا فَكَيْفَ يَتَأَتَّى الِابْتِدَاءُ بِالثَّلَاثَةِ فِي آنٍ وَاحِدٍ مَعَ أَنَّ الِابْتِدَاءَ بِوَاحِدٍ يُفَوِّتُ الِابْتِدَاءَ بِغَيْرِهِ فَأَجَابَ بِأَنَّهُ يَتَأَتَّى ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الِابْتِدَاءَ قِسْمَانِ إلَخْ (قَوْلُهُ: وَهُوَ مَا لَمْ يُسْبَقْ بِشَيْءٍ) أَيْ وَهُوَ ابْتِدَاءٌ لَمْ يُسْبَقْ مُتَعَلَّقُهُ بِشَيْءٍ (قَوْلُهُ: بِالذَّاتِ) أَيْ فَيُجْعَلُ الِابْتِدَاءَ بِالْبَسْمَلَةِ حَقِيقِيًّا لِقُوَّةِ حَدِيثِهَا، وَيُجْعَلُ الِابْتِدَاءُ بِغَيْرِهَا كَالْحَمْدَلَةِ وَالصَّلَاةِ إضَافِيًّا

(قَوْلُهُ: أَوْ أَنَّهُ) أَيْ الِابْتِدَاءَ شَيْءٌ وَاحِدٌ أَيْ أَنَّ الْمُرَادَ بِالِابْتِدَاءِ بِكُلٍّ مِنْ الْبَسْمَلَةِ وَالْحَمْدَلَةِ وَالصَّلَاةِ الِابْتِدَاءُ الْعُرْفِيُّ الَّذِي يُعْتَبَرُ مُمْتَدًّا لِلشُّرُوعِ فِي الْمَقْصُودِ فَيَكُونُ شَامِلًا لِلْبَسْمَلَةِ وَالْحَمْدَلَةِ وَغَيْرِهِمَا وَلَا يَكُونُ الِابْتِدَاءُ بِوَاحِدٍ مُفَوِّتًا لِلِابْتِدَاءِ بِغَيْرِهِ حِينَئِذٍ (قَوْلُهُ: بِنَقْلِ الضَّمَّةِ الثَّقِيلَةِ عَلَى الْوَاوِ) وَإِنَّمَا ثُقِّلَتْ تِلْكَ الضَّمَّةُ عَلَى الْوَاوِ هُنَا

ص: 6

مِنْ الْفَقْرِ أَيْ الْحَاجَةِ أَيْ الدَّائِمِ الْحَاجَةِ أَوْ الْمُحْتَاجِ كَثِيرًا وَفِي نُسْخَةٍ الْعَبْدُ الْفَقِيرُ وَالْمُرَادُ بِالْعَبْدِ الْمَمْلُوكُ لِلَّهِ تَعَالَى لِكَوْنِهِ أَوْجَدَهُ مِنْ الْعَدَمِ (الْمُضْطَرُّ) اسْمُ مَفْعُولٍ مِنْ الِاضْطِرَارِ أَيْ شِدَّةُ الِاحْتِيَاجِ فَهُوَ أَخَصُّ مِنْ الْفَقِيرِ وَهَذَا اللَّفْظُ مِمَّا يَتَّحِدُ فِيهِ اسْمُ الْفَاعِلِ وَاسْمُ الْمَفْعُولِ لِزَوَالِ الْحَرَكَةِ الْفَارِقَةِ بَيْنَهُمَا بِالْإِدْغَامِ، وَأَصْلُهُ مُضْتَرَرٌ كَمُخْتَصَرٍ فَأُبْدِلَتْ التَّاءُ طَاءً لِوُقُوعِهَا بَعْدَ الضَّادِ وَأُدْغِمَتْ الرَّاءُ فِي الرَّاءِ (لِرَحْمَةِ رَبِّهِ)

ــ

[حاشية الدسوقي]

لِكَوْنِهَا لَازِمَةً إذْ هِيَ حَرَكَةٌ بِنِيَّةٍ بِخِلَافِ هَذَا دَلْوٌ فَإِنَّ الضَّمَّةَ فِيهِ لَمْ تُسْتَثْقَلْ عَلَى الْوَاوِ؛ لِأَنَّهَا حَرَكَةُ إعْرَابٍ عَارِضَةٌ بِعُرُوضِ عَامِلِ الرَّفْعِ وَتَزُولُ عِنْدَ عَدَمِهِ وَبِهَذَا انْدَفَعَ مَا يُقَالُ: إنَّ الضَّمَّةَ إنَّمَا تُسْتَثْقَلُ عَلَى الْوَاوِ إذَا تَحَرَّكَ مَا قَبْلَهَا لَا إذَا سُكِّنَ وَلِذَا أُعْرِبَ دَلْوٌ بِالْحَرَكَاتِ وَأُجِيبَ أَيْضًا بِأَنَّهَا إنَّمَا ظَهَرَتْ الضَّمَّةُ عَلَى الْوَاوِ فِي الِاسْمِ لِخِفَّتِهِ، وَأَمَّا الْفِعْلُ فَهُوَ ثَقِيلٌ، وَالثَّقِيلُ لَا يَحْتَمِلُ مَا فِيهِ ثِقَلٌ فَلِذَلِكَ نُقِلَتْ الضَّمَّةُ لِأَجْلِ الثِّقَلِ وَإِنَّمَا كَانَ الْفِعْلُ ثَقِيلًا لِتَرَكُّبِ مَدْلُولِهِ مِنْ الْحَدَثِ وَالزَّمَانِ وَالنِّسْبَةِ

(قَوْلُهُ: مِنْ الْفَقْرِ) أَيْ مَأْخُوذٌ مِنْ الْفَقْرِ وَقَوْلُهُ أَيْ الْحَاجَةِ هِيَ بِمَعْنَى الِاحْتِيَاجِ (قَوْلُهُ: أَيْ الدَّائِمِ الْحَاجَةِ) رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ صِفَةٌ مُشَبَّهَةٌ وَقَوْلُهُ: أَوْ الْمُحْتَاجُ كَثِيرًا رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ صِيغَةُ مُبَالَغَةٍ، فَهُوَ لَفٌّ وَنَشْرٌ مُرَتَّبٌ. وَقَوْلُهُ: كَثِيرًا أَيْ احْتِيَاجًا كَثِيرًا أَوْ زَمَنًا كَثِيرًا قِيلَ: وَالثَّانِي أَوْلَى؛ لِأَنَّ دَائِمَ الِاحْتِيَاجِ صَارَ مُتَمَرِّنًا عَلَى ذَلِكَ فَلَا يَكُونُ عِنْدَهُ شِدَّةُ تَأَلُّمٍ بِخِلَافِ الثَّانِي (قَوْلُهُ: وَالْمُرَادُ بِالْعَبْدِ الْمَمْلُوكِ لِلَّهِ) يُشِيرُ بِهَذَا إلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْعَبْدِ هُنَا عَبْدُ الْإِيجَادِ لَا عَبْدُ الْعُبُودِيَّةِ إذًا لَا يَصِحُّ إرَادَتُهُ هُنَا لِمُنَافَاتِهِ لِقَوْلِهِ بَعْدُ الْمُنْكَسِرُ خَاطِرُهُ لِقِلَّةِ الْعَمَلِ وَالتَّقْوَى إذْ لَا يَصِحُّ لَهُ بَعْدَ وَصْفِهِ نَفْسَهُ أَوَّلًا بِالْعُبُودِيَّةِ الَّتِي هِيَ مِنْ الصِّفَاتِ الْكَمَالِيَّةِ أَعْنِي غَايَةَ التَّذَلُّلِ وَالْخُضُوعِ أَنْ يَصِفَهَا ثَانِيًا بِقِلَّةِ التَّقْوَى لِمَا بَيْنَهُمَا مِنْ التَّنَافِي وَلَا عَبْدُ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ؛ لِأَنَّ الْمُصَنِّفَ حُرٌّ لَا رِقٌّ إلَّا أَنْ يُرَادَ بِاعْتِبَارِ لَازِمِهِ وَهُوَ الذُّلُّ وَالِانْكِسَارُ، وَلَا يَصِحُّ إرَادَةُ عَبْدِ الدِّينَارِ وَالدِّرْهَمِ الَّذِي دَعَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ «تَعِسَ عَبْدُ الدِّينَارِ وَالدِّرْهَمِ تَعِسَ وَانْتَكَسَ وَإِذَا شِيكَ فَلَا انْتَقَشَ» إذْ لَا يُسَوَّغُ لِأَحَدٍ أَنْ يُدْخِلَ نَفْسَهُ فِيمَنْ دَعَا عَلَيْهِمْ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَقَوْلُهُ تَعِسَ بِكَسْرِ الْعَيْنِ أَيْ هَلَكَ وَقَوْلُهُ: وَإِذَا شِيكَ أَيْ أَصَابَتْهُ شَوْكَةٌ فِي جِسْمِهِ وَالِانْتِقَاشُ انْتِزَاعُهَا بِالْمِنْقَاشِ كَمَا فِي شب (قَوْلُهُ: أَيْ شِدَّةِ الِاحْتِيَاجِ) أَيْ وَحِينَئِذٍ فَالْمُضْطَرُّ مَعْنَاهُ شَدِيدُ الِاحْتِيَاجِ الْمَجْهُودِ الَّذِي لَا يَرَى لِنَفْسِهِ شَيْئًا مِنْ الْحَوْلِ وَالْقُوَّةِ وَلَا يَرَى لِإِغَاثَتِهِ إلَّا مَوْلَاهُ

(قَوْلُهُ: فَهُوَ أَخَصُّ مِنْ الْفَقِيرِ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ صِفَةً مُشَبَّهَةً أَوْ صِيغَةَ مُبَالَغَةٍ لِعَدَمِ أَخْذِ الشِّدَّةِ فِي مَفْهُومِهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ وَقَوْلُهُ: أَخَصُّ مِنْ الْفَقِيرِ أَيْ أَقَلُّ أَفْرَادًا مِنْهُ (قَوْلُهُ: وَهَذَا اللَّفْظُ) أَيْ فِي حَدِّ ذَاتِهِ بِقَطْعِ النَّظَرِ عَنْ الْوَاقِعِ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ؛ لِأَنَّ الْوَاقِعَ فِيهِ اسْمُ مَفْعُولٍ لَا غَيْرُ (قَوْلُهُ: وَأَصْلُهُ) أَيْ بِاعْتِبَارِ مَا وَقَعَ فِي الْمَتْنِ (قَوْلُهُ: لِوُقُوعِهَا بَعْدَ الضَّادِ) أَيْ الَّتِي هِيَ أَحَدُ حُرُوفِ الْإِطْبَاقِ الْأَرْبَعَةِ الصَّادِ وَالضَّادِ وَالطَّاءِ وَالظَّاءِ وَالْحَاصِلُ أَنَّ تَاءَ الِافْتِعَالِ مَتَى وَقَعَتْ بَعْدَ حَرْفٍ مِنْ هَذِهِ الْحُرُوفِ الْأَرْبَعَةِ فَإِنَّهَا تُقْلَبُ طَاءً نَحْوُ مُظْطَلِمٍ وَمُطَّلَبٍ وَمُصْطَبَرٍ وَمُضْطَرِبٍ لِتَعَسُّرِ النُّطْقِ بِالتَّاءِ بَعْدَ هَذِهِ الْأَحْرُفِ، وَاخْتِيرَتْ الطَّاءُ لِقُرْبِهَا مَخْرَجًا مِنْ التَّاءِ (قَوْلُهُ: وَأُدْغِمَتْ الرَّاءُ إلَخْ) وَلَا يَجُوزُ إدْغَامُ الضَّادِ فِي الطَّاءِ لِزَوَالِ اسْتِطَالَةِ الضَّادِ بِالْإِدْغَامِ (قَوْلُهُ: لِرَحْمَةِ رَبِّهِ) تَنَازَعَهُ كُلٌّ مِنْ الْفَقِيرِ

ص: 7

أَيْ عَفْوِهِ وَإِنْعَامِهِ (الْمُنْكَسِرُ خَاطِرُهُ) يُقَالُ فُلَانٌ مُنْكَسِرُ الْخَاطِرِ أَيْ حَزِينٌ مِسْكِينٌ ذَلِيلٌ لِكَوْنِهِ لَا يُعْبَأُ بِهِ وَالْمُرَادُ بِالْخَاطِرِ الْقَلْبُ وَحَقِيقَةُ الِانْكِسَارِ تَفَرُّقُ أَجْزَاءِ الْمُتَّصِلِ الصُّلْبِ الْيَابِسِ كَالْحَجَرِ وَالْعَصَا بِخِلَافِ اللَّيِّنِ فَإِنَّ تَفَرُّقَ أَجْزَائِهِ يُسَمَّى قَطْعًا كَاللَّحْمِ وَالثَّوْبِ فَإِطْلَاقُ الْخَاطِرِ وَهُوَ مَا يَخْطِرُ فِي الْقَلْبِ مِنْ الْوَارِدَاتِ عَلَى الْقَلْبِ مَجَازٌ مُرْسَلٌ مِنْ إطْلَاقِ الْحَالِّ وَإِرَادَةِ الْمَحَلِّ ثُمَّ شَبَّهَهُ بِشَيْءٍ صُلْبٍ كَحَجَرٍ تَفَرَّقَتْ أَجْزَاؤُهُ بِحَيْثُ صَارَ لَا يُنْتَفَعُ بِهِ وَلَا يُعْبَأُ بِهِ بِجَامِعِ الْإِهْمَالِ فِي كُلٍّ عَلَى طَرِيقَةِ الْمَكْنِيَّةِ وَإِثْبَاتُ الِانْكِسَارِ تَخْيِيلِيَّةٌ ثُمَّ هُوَ كِنَايَةٌ عَنْ كَوْنِهِ حَزِينًا مِسْكِينًا ذَلِيلًا لِكَوْنِهِ لَا يُعْبَأُ بِهِ عِنْدَ أَهْلِ اللَّهِ الصِّدِّيقِينَ (لِقِلَّةِ الْعَمَلِ) الصَّالِحِ (وَالتَّقْوَى) أَيْ امْتِثَالِ الْمَأْمُورَاتِ وَاجْتِنَابِ الْمَنْهِيَّاتِ وَهَكَذَا شَأْنُ الْعَبِيدِ الصِّدِّيقِينَ مِنْ الْعُلَمَاءِ الْعَامِلِينَ عَرَّفُوا أَنْفُسَهُمْ بِالذُّلِّ وَالْهَوَانِ وَلَمْ يُثْبِتُوا لَهَا عَمَلًا وَلَا تَقْوًى وَلَا فَضْلَ إحْسَانٍ فَعَرَفُوا رَبَّهُمْ

ــ

[حاشية الدسوقي]

وَالْمُضْطَرِّ وَأُعْمِلَ الثَّانِي إذْ لَوْ أُعْمِلَ الْأَوَّلُ لَوَجَبَ أَنْ يُضْمَرَ فِي الثَّانِي بِحَيْثُ يَقُولُ الْمُضْطَرُّ لَهَا لِرَحْمَةِ رَبِّهِ وَاللَّامُ بِمَعْنَى إلَى وَلَا يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ لِلتَّعْلِيلِ لِفَسَادِ الْمَعْنَى؛ لِأَنَّ الرَّحْمَةَ عِلَّةٌ لِلْغِنَى لَا لِلْفَقْرِ؛ لِأَنَّ رَحْمَتَهُ صِفَةُ جَمَالٍ لَا يَصْدُرُ عَنْهَا الْفَقْرُ وَآثَرَ اللَّامَ عَلَى إلَى لِلِاخْتِصَارِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ اللَّامُ لِلتَّعَدِّيَةِ؛ لِأَنَّ الْفَقْرَ وَالِاضْطِرَارَ يَتَعَدَّيَانِ بِإِلَى أَيْ غَايَةُ فَقْرِهِ وَاضْطِرَارِهِ إلَى أَنْ يَلُوذَ بِرَحْمَةِ رَبِّهِ

(قَوْلُهُ: أَيْ عَفْوِهِ وَإِنْعَامِهِ) أَشَارَ إلَى أَنَّ الرَّحْمَةَ صِفَةُ فِعْلٍ وَيَصِحُّ أَنْ يُرَادَ بِهَا إرَادَةُ إنْعَامِهِ فَتَكُونُ صِفَةَ ذَاتٍ، وَالرَّبُّ مَعْنَاهُ الْمَالِكُ وَالسَّيِّدُ أَوْ بِمَعْنَى الْمُرَبِّي وَالْمُبَلِّغِ لَهُ شَيْئًا فَشَيْئًا (قَوْلُهُ: خَاطِرُهُ) بِالرَّفْعِ فَاعِلٌ لِلْمُنْكَسِرِ (قَوْلُهُ: لَا يُعْبَأُ بِهِ) أَيْ لَا يُعْتَنَى بِهِ (قَوْلُهُ: أَجْزَاءِ الْمُتَّصِلِ) أَيْ أَجْزَاءِ الشَّيْءِ الْمُتَّصِلِ وَقَوْلُهُ: الصُّلْبِ بِضَمِّ الصَّادِ (قَوْلُهُ: مِنْ إطْلَاقِ الْحَالِّ وَإِرَادَةِ الْمَحَلِّ) أَيْ وَالْعَلَاقَةُ الْحَالِّيَّةُ بِنَاءً عَلَى التَّحْقِيقِ مِنْ أَنَّهَا وَصْفُ الْمُنْتَقَلِ مِنْهُ أَوْ الْمَحَلِّيَّةُ بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا وَصْفُ الْمُنْتَقَلِ إلَيْهِ أَوْ الْحَالِّيَّةُ وَالْمَحَلِّيَّةُ مَعًا بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ يُعْتَبَرُ فِي الْعَلَاقَةِ وَصْفُ كُلٍّ مِنْ الْمُنْتَقَلِ مِنْهُ وَالْمُنْتَقَلِ إلَيْهِ

(قَوْلُهُ: ثُمَّ شَبَّهَهُ) أَيْ الْقَلْبَ بِشَيْءٍ صُلْبٍ إلَخْ فَلَفْظُ الْمُشَبَّهِ فِي هَذِهِ الِاسْتِعَارَةِ الْمَكِنِيَّةِ لَيْسَ مَذْكُورًا بِلَفْظِهِ الْمَوْضُوعِ لَهُ فَهُوَ عَلَى حَدِّ مَا قِيلَ فِي قَوْله تَعَالَى {فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ} [النحل: 112] اهـ وَلَك أَنْ تَقُولَ: إنَّهُ أَطْلَقَ الْخَاطِرَ عَلَى الْقَلْبِ مَجَازًا مُرْسَلًا لِعَلَاقَةِ الْحَالِّيَّةِ ثُمَّ شَبَّهَ حُزْنَ الْقَلْبِ بِالِانْكِسَارِ وَاسْتَعَارَ الِانْكِسَارَ لِلْحُزْنِ وَاشْتُقَّ مِنْ الِانْكِسَارِ مُنْكَسِرٌ بِمَعْنَى حَزِينٌ وَحِينَئِذٍ فَالْمَعْنَى حَزِينُ الْقَلْبِ وَذَلِيلُهُ لِقِلَّةِ الْعَمَلِ إلَخْ وَعَلَى هَذَا فَلَا كِنَايَةَ وَلَا شَيْءَ اهـ أَوْ أَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ الْمُنْكَسِرُ خَاطِرُهُ الْمُتَأَلِّمُ قَلْبُهُ فَأَطْلَقَ الْخَاطِرَ وَأَرَادَ مَحَلَّهُ وَهُوَ الْقَلْبُ وَأَطْلَقَ الِانْكِسَارَ الَّذِي هُوَ تَفَرُّقُ الْأَجْزَاءِ عَلَى مَا يَتَسَبَّبُ عَنْهُ وَهُوَ التَّأَلُّمُ مَجَازًا مُرْسَلًا لِعَلَاقَةِ الْحَالِّيَّةِ فِي الْأَوَّلِ وَالسَّبَبِيَّةِ فِي الثَّانِي

(قَوْلُهُ: ثُمَّ هُوَ) أَيْ ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ جَعَلَ اللَّفْظَ بِتَمَامِهِ كِنَايَةً إلَخْ (قَوْلُهُ: لِقِلَّةِ الْعَمَلِ) عِلَّةً لِانْكِسَارِ خَاطِرِهِ، وَإِنَّمَا قَدَّرَ الْوَصْفَ بِالصَّالِحِ لِأَجْلِ صِحَّةِ التَّعْلِيلِ؛ لِأَنَّ الْقَلْبَ لَا يَتَأَلَّمُ إلَّا مِنْ قِلَّةِ الْعَمَلِ الصَّالِحِ فَالْحَذْفُ لِقَرِينَةٍ، وَعَطْفُ التَّقْوَى عَلَى الْعَمَلِ مِنْ عَطْفِ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ؛ لِأَنَّ الْعَمَلَ قَدْ يَكُونُ امْتِثَالًا، وَقَدْ لَا يَكُونُ امْتِثَالًا لِمَا ذُكِرَ (قَوْلُهُ: عَرِّفُوا أَنْفُسَهُمْ) أَيْ أَنْ يُعَرِّفُوا أَنْفُسَهُمْ بِالذُّلِّ فَيَتَسَبَّبُ عَنْ ذَلِكَ مَعْرِفَتُهُمْ لِرَبِّهِمْ فَيَتَسَبَّبُ عَنْ ذَلِكَ أَنَّهُمْ يَكُونُونَ فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَهُ

ص: 8

فَكَانُوا فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ رضي الله عنهم وَالْمُصَنِّفُ كَانَ مِنْ أَجَلِّهِمْ وَكَانَ مِنْ أَهْلِ الْكَشْفِ كَشَيْخِهِ عَبْدِ اللَّهِ الْمَنُوفِيِّ (خَلِيلُ) اسْمُ الْمُصَنِّفِ وَهُوَ بَدَلٌ أَوْ بَيَانٌ لِلْفَقِيرِ الْمُضْطَرِّ أَوْ خَبَرُ مُبْتَدَإٍ مَحْذُوفٍ أَيْ هُوَ (خَلِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ) نَعْتٌ لِخَلِيلٍ أَوْ خَبَرٌ لِمَحْذُوفٍ ابْنِ مُوسَى وَوَهَمَ مَنْ قَالَ ابْنِ يَعْقُوبَ (الْمَالِكِيُّ) نِسْبَةٌ لِمَالِكٍ الْإِمَامِ لِكَوْنِهِ كَانَ يَتَعَبَّدُ عَلَى مَذْهَبِهِ وَيَبْحَثُ عَنْ الْأَحْكَامِ الَّتِي ذَهَبَ إلَيْهَا إفَادَةً وَاسْتِفَادَةً وَهُوَ نَعْتٌ ثَانٍ لِخَلِيلٍ لَا لِإِسْحَاقَ لِأَنَّهُ كَانَ حَنَفِيًّا وَشَغَلَ وَلَدَهُ بِمَذْهَبِ مَالِكٍ لِمَحَبَّتِهِ فِي شَيْخِهِ سَيِّدِي عَبْدِ اللَّهِ الْمَنُوفِيِّ وَسَيِّدِي أَبِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَاجِّ صَاحِبِ الْمَدْخَلِ وَكَانَ إِسْحَاقُ وَالِدُ الْمُصَنِّفِ مِنْ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ وَمِنْ أَهْلِ الْكَشْفِ نَصَّ عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ فِي مَنَاقِبِ سَيِّدِي عَبْدِ اللَّهِ الْمَنُوفِيِّ وَنَصُّهُ وَكَانَ الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - مِنْ الْأَوْلِيَاءِ الْأَخْيَارِ وَكَانَ قَدْ صَحِبَ جَمَاعَةً مِنْ الْأَخْيَارِ مِثْلَ سَيِّدِي الشَّيْخِ عَبْدِ اللَّهِ الْمَنُوفِيِّ وَسَيِّدِي الشَّيْخِ الصَّالِحِ الْعَارِفِ بِاَللَّهِ تَعَالَى أَبِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَاجِّ وَكَانَ سَيِّدِي الشَّيْخُ أَيْ الْمَنُوفِيُّ يَأْتِي إلَيْهِ يَزُورُهُ

وَمِنْ مُكَاشَفَاتِ الْوَالِدِ أَنِّي قُلْت لَهُ يَوْمًا وَهُوَ ضَعِيفٌ مُنْقَطِعٌ يَا وَالِدِي سَيِّدِي أَحْمَدُ بْنُ سَيِّدِي الشَّيْخِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَاجِّ ضَعِيفٌ عَلَى الْمَوْتِ فَقَالَ سَيِّدِي أَحْمَدُ لَا يُصِيبُهُ الْمَرَّةَ شَيْءٌ وَلَكِنَّ سَيِّدِي مُحَمَّدًا أَخُوهُ قَدْ مَاتَ فَذَهَبْتُ فَوَجَدْتُهُمْ كَمَا ذَكَرَ رَجَعُوا مِنْ دَفْنِهِ وَلَمْ يَكُنْ قَدْ جَاءَ أَحَدٌ أَعْلَمَهُ بِذَلِكَ وَذَكَرَ حِكَايَةً أُخْرَى مِنْ مُكَاشَفَاتِهِ فَرَاجِعْهُ إنْ شِئْتَ رضي الله عنه وَعَنْ وَالِدِهِ وَعَنْ أَشْيَاخِهِ آمِينَ تُوُفِّيَ الْمُصَنِّفُ سَنَةَ سَبْعٍ وَسِتِّينَ وَسَبْعِمِائَةٍ وَإِنَّمَا ذَكَرَ نَفْسَهُ فِي مَبْدَإِ كِتَابِهِ لِيَكُونَ كِتَابُهُ أَدْعَى لِلْقَبُولِ إذْ التَّأْلِيفُ الْمَجْهُولُ مُؤَلِّفُهُ لَا يُلْتَفَتُ إلَيْهِ غَالِبًا (الْحَمْدُ لِلَّهِ) هُوَ وَمَا بَعْدَهُ مَقُولُ الْقَوْلِ وَالْحَمْدُ لُغَةً

ــ

[حاشية الدسوقي]

تَعَالَى وَفِيهِ إشَارَةٌ لِمَا وَرَدَ مَنْ عَرَفَ نَفْسَهُ عَرَفَ رَبَّهُ (قَوْلُهُ: فَكَانُوا إلَخْ) هَذَا إشَارَةُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ} [القمر: 54]{فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ} [القمر: 55] وَهَذِهِ الْعِنْدِيَّةُ عِنْدِيَّةُ مَكَانَةٍ لَا عِنْدِيَّةُ مَكَان لِاسْتِحَالَتِهَا عَلَيْهِ تَعَالَى وَحِينَئِذٍ فَالْمَعْنَى أَنَّهُمْ يَكُونُونَ فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ بِحَيْثُ يَكُونُونَ مُقَرَّبِينَ مِنْهُ تَعَالَى قُرْبًا مَعْنَوِيًّا لَا حِسِّيًّا (قَوْلُهُ: خَلِيلُ) فَعِيلٌ مَأْخُوذٌ مِنْ الْخُلَّةِ بِالضَّمِّ وَهِيَ صَفَاءُ الْمَوَدَّةِ أَيْ الْمَحَبَّةُ الْخَالِصَةُ مِنْ مُشَارَكَةِ الْأَغْيَارِ فَهُوَ فِي الْأَصْلِ صِفَةٌ مُشَبَّهَةٌ ثُمَّ سُمِّيَ بِهِ الْمُصَنِّفُ فَهُوَ عَلَمٌ مَنْقُولٌ مِنْ الصِّفَةِ الْمُشَبَّهَةِ (قَوْلُهُ: أَيْ هُوَ خَلِيلُ) وَعَلَى هَذَا فَالْجُمْلَةُ مُسْتَأْنَفَةٌ اسْتِئْنَافًا بَيَانِيًّا وَاقِعَةٌ فِي جَوَابِ سُؤَالٍ مُقَدَّرٍ كَأَنَّهُ قِيلَ وَمَنْ ذَلِكَ الْعَبْدُ الْفَقِيرُ الْمُضْطَرُّ فَقِيلَ هُوَ خَلِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ

(قَوْلُهُ: نَعْتٌ لِخَلِيلٍ) أَيْ خَلِيلٍ الْمَنْسُوبِ لِإِسْحَاقَ بِالْبُنُوَّةِ فَهُوَ مُؤَوَّلٌ بِالْمُشْتَقِّ فَانْدَفَعَ مَا يُقَالُ: إنَّ ابْنَ جَامِدٌ فَكَيْفَ يَكُونُ نَعْتًا وَالنَّعْتُ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مُشْتَقًّا (قَوْلُهُ: أَوْ خَبَرٌ لِمَحْذُوفِ) أَيْ هُوَ ابْنُ إِسْحَاقَ وَعَلَى هَذَا فَالْجُمْلَةُ مُسْتَأْنَفَةٌ جَوَابُ سُؤَالٍ مُقَدَّرٍ كَأَنَّهُ قِيلَ وَمَنْ خَلِيلٌ (قَوْلُهُ: ابْنِ مُوسَى) هَذَا هُوَ الصَّوَابُ كَمَا فِي ح وَغَيْرِهِ (قَوْلُهُ وَوَهِمَ مَنْ قَالَ إلَخْ) أَيْ وَغَلِطَ مَنْ أَبْدَلَ مُوسَى بِيَعْقُوبَ وَهُوَ ابْنُ غَازِيٍّ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ إِسْحَاقَ إنَّمَا كَانَ وَالِدُهُ يُسَمَّى مُوسَى لَا يَعْقُوبَ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ كَانَ حَنَفِيًّا) أَيْ لِأَنَّ إِسْحَاقَ كَانَ حَنَفِيًّا (قَوْلُهُ: وَشَغَلَ وَلَدَهُ) أَيْ خَلِيلًا بِمَذْهَبِ مَالِكٍ وَفِي شب وَغَيْرِهِ أَنَّ الْمُصَنِّفَ مَكَثَ فِي تَأْلِيفِ هَذَا الْمُخْتَصَرِ نَيِّفًا وَعِشْرِينَ سَنَةً وَلَخَّصَهُ أَيْ بَيَّضَهُ فِي حَيَاتِهِ لِلنِّكَاحِ، وَبَاقِيهِ وُجِدَ فِي أَوْرَاقِ مُسَوَّدَةٍ فَجَمَعَهُ أَصْحَابُهُ وَفِي ح أَنَّ لَهُ شَرْحًا عَلَى بَعْضِهِ قَالَ وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ شَرَحَ أَلْفِيَّةَ ابْنِ مَالِكٍ وَلَمْ أَقِفْ عَلَيْهِ قَالَ بَعْضُ الشُّرَّاحِ: مَكَثَ الْمُصَنِّفُ عِشْرِينَ سَنَةً بِمِصْرَ لَمْ يَرَ النِّيلَ لِاشْتِغَالِهِ بِمَا يَعْنِي وَكَانَ يَلْبَسُ لُبْسَ الْجُنْدِ الْمُتَقَشِّفِينَ (قَوْلُهُ: وَإِنَّمَا ذَكَرَ نَفْسَهُ) أَيْ وَإِنَّمَا ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ اسْمُهُ فِي مَبْدَإِ كِتَابِهِ.

(قَوْلُهُ: وَمَا بَعْدَهُ) أَيْ لِآخِرِ الْكِتَابِ (قَوْلُهُ: مَقُولُ الْقَوْلِ) أَيْ فَمَحَلُّهُ نُصِبَ عَلَى أَنَّهُ مَفْعُولٌ بِهِ لَا عَلَى أَنَّهُ مَفْعُولٌ مُطْلَقٌ خِلَافًا لِابْنِ الْحَاجِبِ وَهَلْ كُلُّ جُمْلَةٍ مِنْ الْمَقُولِ لَهَا مَحَلٌّ عَلَى حِدَتِهَا أَوْ لَا بَلْ الْمَحَلُّ لِمَجْمُوعِهَا فَقَطْ فِيهِ خِلَافٌ (قَوْلُهُ: وَالْحَمْدُ) مُبْتَدَأٌ وَقَوْلُهُ وَالثَّنَاءُ خَبَرٌ وَقَوْلُهُ لُغَةً إمَّا حَالٌ مِنْ الْمُبْتَدَإِ عِنْدَ مَنْ أَجَازَهُ أَوْ مِنْ الْمُضَافِ إلَيْهِ إذْ الْأَصْلُ وَتَفْسِيرُ الْحَمْدِ حَالَةَ كَوْنِهِ لُغَةً أَيْ مِنْ جُمْلَةِ الْأَلْفَاظِ اللُّغَوِيَّةِ أَوْ نُصِبَ عَلَى التَّمْيِيزِ أَوْ عَلَى نَزْعِ الْخَافِضِ أَيْ وَالْحَمْدُ فِي اللُّغَةِ

ص: 9

الثَّنَاءُ بِاللِّسَانِ عَلَى جَمِيلٍ اخْتِيَارِيٍّ عَلَى جِهَةِ التَّعْظِيمِ كَانَ نِعْمَةً أَوْ لَا وَاصْطِلَاحًا فِعْلٌ يُنْبِئُ عَنْ تَعْظِيمِ الْمُنْعِمِ لِكَوْنِهِ مُنْعِمًا وَلَوْ عَلَى غَيْرِ الْحَامِدِ (حَمْدًا) مَنْصُوبٌ بِفِعْلٍ مُقَدَّرٍ أَيْ أَحْمَدُهُ حَمْدًا لَا بِالْحَمْدِ الْمَذْكُورِ لِفَصْلِهِ عَنْهُ بِالْخَبَرِ وَهُوَ أَجْنَبِيٌّ مِنْ الْحَمْدِ أَيْ غَيْرُ مَعْمُولٍ لَهُ

ــ

[حاشية الدسوقي]

قَوْلُهُ: الثَّنَاءُ) هَذَا التَّعْرِيفُ لِنَوْعٍ خَاصٍّ مِنْ الْحَمْدِ وَهُوَ الْحَمْدُ الْحَادِثُ إذْ الْحَمْدُ الْقَدِيمُ لَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَكُونَ بِلِسَانٍ لِاسْتِحَالَتِهِ عَلَيْهِ تَعَالَى، وَلَوْ قَالَ: الثَّنَاءُ بِالْكَلَامِ لَكَانَ شَامِلًا لِأَنْوَاعِ الْحَمْدِ الْأَرْبَعَةِ: حَمْدِ الْحَادِثِ لِلْحَادِثِ وَالْقَدِيمِ وَحَمْدِ الْقَدِيمِ لِلْقَدِيمِ وَلِلْحَادِثِ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ صَادِقٌ بِالْقَدِيمِ وَالْحَادِثِ (قَوْلُهُ: بِاللِّسَانِ) الْمُرَادُ بِهِ آلَةُ النُّطْقِ فَيَشْمَلُ مَا لَوْ نَطَقَتْ الْيَدُ بِالثَّنَاءِ عَلَى زَيْدٍ لِأَجْلِ جَمِيلٍ اخْتِيَارِيٍّ خَرْقًا لِلْعَادَةِ (قَوْلُهُ: عَلَى جَمِيلٍ) أَيْ لِأَجْلِ جَمِيلٍ فَعَلَى لِلتَّعْلِيلِ فَهُوَ إشَارَةٌ لِلْمَحْمُودِ عَلَيْهِ فَلَا بُدَّ فِيهِ أَنْ يَكُونَ جَمِيلًا أَيْ فِي الْوَاقِعِ عِنْدَ الْمَحْمُودِ، وَلَوْ بِحَسَبِ اعْتِقَادِ الْحَامِدِ وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ اخْتِيَارِيًّا وَإِلَّا كَانَ مَدْحًا وَلِذَا يُقَالُ: مَدَحْتُ اللُّؤْلُؤَةَ عَلَى صَفَاءِ لَوْنِهَا وَلَا يُقَالُ: حَمِدْتهَا عَلَى ذَلِكَ بِخِلَافِ الْمَحْمُودِ بِهِ فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ أَنْ يَكُونَ اخْتِيَارِيًّا كَأَنْ يُثْنِيَ عَلَيْهِ بِصَبَاحَةِ الْوَجْهِ لِأَجْلِ إكْرَامِهِ إيَّاهُ وَلِذَا تَرَاهُمْ يَقُولُونَ: إنَّ الْمَحْمُودَ بِهِ وَعَلَيْهِ تَارَةً يَخْتَلِفَانِ ذَاتًا وَاعْتِبَارًا كَمَا فِي الْمِثَالِ الْمَذْكُورِ وَتَارَةً يَتَّحِدَانِ ذَاتًا وَيَخْتَلِفَانِ اعْتِبَارًا كَأَنْ يُثْنِيَ عَلَيْهِ بِالْكَرَمِ لِأَجْلِ كَرَمِهِ فَالْكَرَمُ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ مُثْنًى بِهِ مَحْمُودٌ بِهِ وَمِنْ حَيْثُ إنَّهُ بَاعِثٌ عَلَى الْحَمْدِ مَحْمُودٌ عَلَيْهِ، وَقَدْ تَضَمَّنَ مَا ذَكَرَهُ مِنْ التَّعْرِيفِ أَرْكَانَ الْحَمْدِ الْخَمْسَةَ وَهِيَ الْحَامِدُ وَالْمَحْمُودُ وَالْمَحْمُودُ بِهِ وَالْمَحْمُودُ عَلَيْهِ وَالصِّيغَةُ فَالثَّنَاءُ بِاللِّسَانِ هُوَ الصِّيغَةُ، وَهُوَ يَسْتَلْزِمُ مُثْنِيًّا وَهُوَ الْحَامِدُ وَمُثْنًى عَلَيْهِ وَهُوَ الْمَحْمُودُ وَمُثْنًى بِهِ وَهُوَ مَدْلُولُ الصِّيغَةِ الْمَحْمُودِ بِهَا

وَقَوْلُهُ: عَلَى جَمِيلٍ اخْتِيَارِيٍّ إشَارَةٌ لِلْمَحْمُودِ عَلَيْهِ لَا يُقَالُ تَقْسِيمُهُمْ الْحَمْدَ لِمُطْلَقٍ وَمُقَيَّدٍ يَقْتَضِي أَنَّ الْمَحْمُودَ عَلَيْهِ لَيْسَ رُكْنًا لِتَحَقُّقِ الْحَمْدِ بِدُونِهِ كَمَا فِي الْمُطْلَقِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ مُرَادُهُمْ بِالْمُطْلَقِ مَا كَانَ فِي مُقَابَلَةِ ذَاتِ اللَّهِ أَوْ صِفَةٍ مِنْ صِفَاتِهِ، وَالْمُرَادُ بِالْمُقَيَّدِ مَا كَانَ فِي مُقَابَلَةِ نِعْمَةٍ وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِالْمُطْلَقِ مَا كَانَ لَا فِي مُقَابَلَةِ شَيْءٍ أَصْلًا فَالْمَحْمُودُ عَلَيْهِ لَا بُدَّ مِنْهُ فِي تَحَقُّقِ الْحَمْدِ إلَّا أَنَّهُ إنْ كَانَ ذَاتَ اللَّهِ أَوْ صِفَةً مِنْ صِفَاتِهِ فَالْحَمْدُ مُطْلَقٌ وَإِنْ كَانَ نِعْمَةً فَالْحَمْدُ مُقَيَّدٌ.

إنْ قُلْت: إنَّ الذَّاتَ وَالصِّفَاتِ لَيْسَتْ اخْتِيَارِيَّةً، وَالْمَحْمُودُ عَلَيْهِ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ اخْتِيَارِيًّا قُلْتُ مُرَادُهُمْ بِالِاخْتِيَارِيِّ مَا كَانَ غَيْرَ اضْطِرَارِيٍّ لَا مَا كَانَ حُصُولُهُ بِالِاخْتِيَارِ فَدَخَلَتْ الذَّاتُ وَالصِّفَاتُ فِي الِاخْتِيَارِيِّ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ

1 -

(قَوْلُهُ: عَلَى جِهَةِ التَّعْظِيمِ) قِيلَ يُغْنِي عَنْهُ قَوْلُهُ عَلَى جَمِيلٍ اخْتِيَارِيٍّ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ الثَّنَاءُ لِأَجْلِ جَمِيلٍ اخْتِيَارِيٍّ فَلَا يَكُونُ إلَّا عَلَى جِهَةِ التَّعْظِيمِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ أَتَى بِهِ إشَارَةً إلَى أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ مُوَافَقَةِ الْجِنَانِ لِلِّسَانِ عَلَى الثَّنَاءِ، أَمَّا إذَا أَثْنَى بِلِسَانِهِ، وَقَلْبُهُ مُعْتَقِدٌ خِلَافَهُ فَلَا يَكُونُ حَمْدًا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ عَلَى جِهَةِ التَّعْظِيمِ (قَوْلُهُ: كَانَ) أَيْ الْجَمِيلُ أَيْ الِاخْتِيَارِيُّ نِعْمَةً كَالْعَطَايَا أَوْ لَا كَالْعِبَادَاتِ وَحُسْنِ الْخَطِّ مَثَلًا فَهُوَ تَعْمِيمٌ فِي الْمَحْمُودِ عَلَيْهِ

(قَوْلُهُ: فِعْلٌ) أَيْ مِنْ الْحَامِدِ وَهُوَ شَامِلٌ لِلْقَوْلِ وَالْعَمَلِ وَالِاعْتِقَادِ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْفِعْلِ مَا قَابَلَ الِانْفِعَالَ فَيَشْمَلُ الْكَيْفَ كَالِاعْتِقَادَاتِ (قَوْلُهُ: يُنْبِئُ عَنْ تَعْظِيمِ الْمُنْعِمِ) أَيْ يَدُلُّ مَنْ اطَّلَعَ عَلَيْهِ عَلَى تَعْظِيمِ الْمُنْعِمِ الَّذِي هُوَ الْمَحْمُودُ فَدَخَلَ الِاعْتِقَادُ فَلَا يُقَالُ: الْإِنْبَاءُ إنَّمَا يَظْهَرُ فِي الْقَوْلِ وَالْعَمَلِ وَلَا يَظْهَرُ فِي الِاعْتِقَادِ إذْ لَا اطِّلَاعَ لِغَيْرِ الْحَامِدِ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ: وَلَوْ عَلَى غَيْرِ الْحَامِدِ) أَيْ، وَلَوْ كَانَ إنْعَامُهُ عَلَى غَيْرِ الْحَامِدِ، وَإِنَّمَا صَرَّحَ بِقَوْلِهِ لِكَوْنِهِ مُنْعِمًا لِأَجْلِ مَا بَعْدَهُ مِنْ الْمُبَالَغَةِ فَانْدَفَعَ مَا يُقَالُ: إنَّهُ لَا حَاجَةَ لِقَوْلِهِ لِكَوْنِهِ مُنْعِمًا؛ لِأَنَّهُ مَعْلُومٌ مِنْ تَعْلِيقِ الْحُكْمِ الَّذِي هُوَ التَّعْظِيمُ بِالْمُشْتَقِّ وَهُوَ الْمُنْعِمُ؛ لِأَنَّ تَعْلِيقَ الْحُكْمِ بِالْمُشْتَقِّ يُؤْذِنُ بِعِلِّيَّةِ مَا مِنْهُ الِاشْتِقَاقُ (قَوْلُهُ: مَنْصُوبٌ) أَيْ عَلَى أَنَّهُ

ص: 10

كَذَا قِيلَ وَالْمُرَادُ أَنَّهُ أَجْنَبِيٌّ مِنْ جِهَةِ الْمَصْدَرِيَّةِ لَا مِنْ جِهَةِ كَوْنِهِ مُبْتَدَأً يَعْنِي أَنَّ عَمَلَ الْحَمْدِ فِي حَمْدًا مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ مَصْدَرٌ بِحَسَبِ الْأَصْلِ، وَعَمَلُهُ فِي لِلَّهِ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ مُبْتَدَأٌ فَيَكُونُ الْخَبَرُ أَجْنَبِيًّا مِنْ الْحَمْدِ مِنْ جِهَةِ الْمَصْدَرِيَّةِ الَّتِي يَعْمَلُ بِهَا فِي حَمْدًا، وَالْفَصْلُ بِالْأَجْنَبِيِّ وَلَوْ بِاعْتِبَارٍ يَمْنَعُ عَمَلَ الْمَصْدَرِ (يُوَافِي) أَيْ يُقَابِلُ (مَا تَزَايَدَ) أَيْ زَادَ (مِنْ النِّعَمِ) جَمْعُ نِعْمَةٍ بِكَسْرِ النُّونِ بِمَعْنَى إنْعَامٍ أَوْ مُنْعَمٍ بِهِ بَيَانٌ لِمَا (وَالشُّكْرُ)

ــ

[حاشية الدسوقي]

مَفْعُولٌ مُطْلَقٌ (قَوْلُهُ: كَذَا قِيلَ) قَائِلُهُ الْعَلَّامَةُ النَّاصِرُ اللَّقَانِيُّ فِي شَرْحِ خُطْبَةِ الْمُصَنِّفِ

(قَوْلُهُ: وَالْمُرَادُ أَنَّهُ) أَيْ الْخَبَرَ وَهُوَ لِلَّهِ وَقَوْلُهُ: أَجْنَبِيٌّ أَيْ مِنْ الْحَمْدِ (قَوْلُهُ: مِنْ جِهَةِ الْمَصْدَرِيَّةِ) أَيْ مَصْدَرِيَّةِ الْحَمْدِ (قَوْلُهُ: لَا مِنْ جِهَةِ كَوْنِهِ) أَيْ الْحَمْدِ مُبْتَدَأً أَيْ؛ لِأَنَّهُ مِنْ هَذِهِ الْجِهَةِ لَيْسَ أَجْنَبِيًّا مِنْهُ؛ لِأَنَّ الْخَبَرَ مَعْمُولٌ لِلْمُبْتَدَإِ (قَوْلُهُ: يَعْنِي إلَخْ) حَاصِلُهُ أَنَّ الْحَمْدَ لَهُ جِهَتَانِ جِهَةُ كَوْنِهِ مَصْدَرًا وَجِهَةُ كَوْنِهِ مُبْتَدَأً وَهُوَ بِهَذِهِ الْجِهَةِ يُغَايِرُ نَفْسَهُ مِنْ الْجِهَةِ الْأُخْرَى، وَقَدْ عَمِلَ بِاعْتِبَارِ كَوْنِهِ مُبْتَدَأً فِي لِلَّهِ فَلَوْ عَمِلَ فِي حَمْدًا لَكَانَ بِالْجِهَةِ الْأُخْرَى وَهِيَ جِهَةُ الْمَصْدَرِيَّةِ فَإِنْ قُلْنَا: إنَّ التَّغَايُرَ الِاعْتِبَارِيَّ يُنَزَّلُ مَنْزِلَةَ التَّغَايُرِ الذَّاتِيِّ مُنِعَ عَمَلُهُ فِي حَمْدًا لِوُجُودِ الْفَصْلِ بِالْأَجْنَبِيِّ، وَإِنْ قُلْنَا: إنَّ التَّغَايُرَ الِاعْتِبَارِيَّ لَا يُنَزَّلُ مَنْزِلَةَ التَّغَايُرِ الذَّاتِيِّ صَحَّ عَمَلُهُ فِيهِ إذْ لَيْسَ هُنَاكَ فَصْلٌ بِأَجْنَبِيٍّ حَقِيقَةً وَالْأَوَّلُ مَلْحَظُ النَّاصِرِ وَالثَّانِي مَلْحَظُ غَيْرِهِ وَهُوَ الْحَقُّ (قَوْلُهُ: يُوَافِي مَا تَزَايَدَ إلَخْ) أَيْ يُقَابِلُ مَا تَزَايَدَ مِنْ نِعَمِ اللَّهِ وَيَأْتِي عَلَيْهَا وَلَمَّا كَانَتْ النِّعَمُ لَا تُحْصَى وَلَا تَتَنَاهَى لَزِمَ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ هَذَا الْحَمْدَ لَا يُحْصَى وَلَا يُعَدُّ؛ لِأَنَّ مَا لَا يَتَنَاهَى لَا يُقَابِلُهُ إلَّا مِثْلُهُ

إنْ قُلْتَ حَمْدُ الْمُصَنِّفِ جُزْئِيٌّ فَكَيْفَ لَا يَتَنَاهَى؟ قُلْتُ: الْمُرَادُ أَنَّهُ لَا يَتَنَاهَى بِاعْتِبَارِ مُتَعَلَّقِهِ وَهُوَ الْمَحْمُودُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ أَثْنَى عَلَيْهِ بِصِفَاتِهِ الْكَمَالِيَّةِ وَهِيَ لَا تَتَنَاهَى أَوْ يُقَالُ جَعَلَهُ غَيْرَ مُتَنَاهٍ بِاعْتِبَارِ ذَاتِهِ لَكِنْ تَخْيِيلًا لَا تَحْقِيقًا (قَوْلُهُ: أَيْ زَادَ) هُوَ بِمَعْنَى كَثُرَ وَأَشَارَ إلَى أَنَّ الْمُفَاعَلَةَ لَيْسَتْ عَلَى بَابِهَا؛ لِأَنَّ الْقَصْدَ أَنَّ الْحَمْدَ يَفِي بِالنِّعَمِ لَا الْعَكْسُ، وَإِنَّمَا عَدَلَ الْمُصَنِّفُ عَنْ ذَلِكَ إلَى صِيغَةِ الْمُفَاعَلَةِ لِإِفَادَةِ الْمُبَالَغَةِ فِي الْوَفَاءِ بِسَبَبِ مَا فِي الصِّيغَةِ مِنْ الْمُبَالَغَةِ فَكَأَنَّ الْحَامِدَ يُرِيدُ أَنْ يَغْلِبَ النِّعَمَ وَيَزِيدَ عَلَيْهَا (قَوْلُهُ: بِمَعْنَى إنْعَامٍ أَوْ مُنْعَمٍ بِهِ) حَاصِلُهُ أَنَّ النِّعَمَ جَمْعُ نِعْمَةٍ بِكَسْرِ النُّونِ وَلَمَّا كَانَتْ النِّعْمَةُ تُطْلَقُ عَلَى الْإِنْعَامِ الَّذِي هُوَ إيصَالُ الْمُنْعَمِ بِهِ لِلْمُنْعَمِ عَلَيْهِ وَهُوَ هُنَا فِعْلٌ مِنْ أَفْعَالِ اللَّهِ تَعَالَى وَتُطْلَقُ أَيْضًا عَلَى الشَّيْءِ الْمُنْعَمِ بِهِ نَبَّهَ الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ بِمَعْنَى إنْعَامٍ أَوْ مُنْعَمٍ بِهِ عَلَى جَوَازِ إرَادَةِ كُلٍّ مِنْهُمَا إلَّا أَنَّ إرَادَةَ الْمَعْنَى الْأَوَّلِ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الْحَمْدَ عَلَى الْإِنْعَامِ أَمْكَنُ مِنْ الْحَمْدِ عَلَى الْمُنْعَمِ بِهِ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْحَمْدَ عَلَى الْإِنْعَامِ بِلَا وَاسِطَةٍ، وَأَمَّا عَلَى الْمُنْعَمِ بِهِ فَبِوَاسِطَةِ أَنَّهُ أَثَرُ الْإِنْعَامِ وَمَا كَانَ بِلَا وَاسِطَةٍ أَقْوَى.

وَاعْلَمْ أَنَّ الشَّيْءَ الْمُنْعَمَ بِهِ لَا يَكُونُ نِعْمَةً حَقِيقَةً إلَّا إذَا كَانَتْ تُحْمَدُ عَاقِبَتُهُ كَذَا قَالَتْ الْأَشَاعِرَةُ فَمِنْ ثَمَّ لَا نِعْمَةَ لِلَّهِ عَلَى كَافِرٍ بَلْ مَا أَلَذَّهُ اللَّهُ بِهِ مِنْ مَتَاعِ الدُّنْيَا فَهُوَ اسْتِدْرَاجٌ لَهُ حَيْثُ يُلِذُّهُ مَعَ عِلْمِهِ بِإِصْرَارِهِ عَلَى الْكُفْرِ إلَى الْمَوْتِ، وَقَالَتْ الْمُعْتَزِلَةُ: إنَّهَا نِعْمَةٌ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا الشُّكْرُ وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمَلَاذَّ الْوَاصِلَةَ إلَيْهِمْ نِقَمٌ فِي صُورَةِ نِعَمٍ فَسَمَّاهَا الْأَشَاعِرَةُ نِقَمًا نَظَرًا لِحَقِيقَتِهَا وَالْمُعْتَزِلَةُ سَمَّتْهَا نِعَمًا

ص: 11

هُوَ لُغَةً الْحَمْدُ عُرْفًا، وَاصْطِلَاحًا صَرْفُ الْعَبْدِ جَمِيعَ مَا أَنْعَمَ اللَّهُ بِهِ عَلَيْهِ مِنْ عَقْلٍ وَغَيْرِهِ إلَى مَا خُلِقَ لِأَجْلِهِ (لَهُ) تَعَالَى (عَلَى مَا أَوْلَانَا) أَيْ أَعْطَانَا إيَّاهُ (مِنْ الْفَضْلِ وَالْكَرَمِ) بَيَانٌ (لِمَا) وَهُمَا بِمَعْنًى وَاحِدٍ وَالْمُرَادُ بِهِمَا النِّعَمُ الْوَاصِلَةُ لَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ مِنْ إخْوَانِهِ الْعُلَمَاءِ أَوْ الْمُسْلِمِينَ عَامَّةً إذْ الْكَرَمُ كَمَا يُطْلَقُ عَلَى إعْطَاءِ مَا يَنْبَغِي لَا لِغَرَضٍ وَلَا لِعِوَضٍ يُطْلَقُ أَيْضًا عَلَى الشَّيْءِ الْمُعْطَى مَجَازًا وَلَمَّا كَانَ قَوْلُهُ حَمْدًا يُوَافِي إلَخْ يُوهِمُ أَنَّهُ أَحْصَى الثَّنَاءَ عَلَيْهِ تَعَالَى تَفْصِيلًا دَفَعَهُ بِقَوْلِهِ (لَا أُحْصِي) أَيْ لَا أَعُدُّ (ثَنَاءً) هُوَ الْوَصْفُ بِالْجَمِيلِ (عَلَيْهِ. هُوَ) تَعَالَى أَيْ لَا قُدْرَةَ لِي عَلَى عَدِّ ذَلِكَ تَفْصِيلًا لِأَنَّ نِعَمَهُ تَعَالَى لَا تُحْصَى

ــ

[حاشية الدسوقي]

نَظَرًا لِصُورَتِهَا (قَوْلُهُ: هُوَ لُغَةً الْحَمْدُ عُرْفًا) أَيْ وَحِينَئِذٍ فَالشُّكْرُ لُغَةً فِعْلٌ يُنْبِئُ عَنْ تَعْظِيمِ الْمُنْعِمِ بِسَبَبِ كَوْنِهِ مُنْعِمًا عَلَى الشَّاكِرِ أَوْ غَيْرِهِ سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ الْفِعْلُ قَوْلًا بِاللِّسَانِ أَوْ اعْتِقَادًا بِالْجِنَانِ أَوْ عَمَلًا بِالْأَرْكَانِ (قَوْلُهُ: صَرْفُ الْعَبْدِ إلَخْ) الْمُرَاد بِصَرْفِ تِلْكَ النِّعَمِ فِيمَا خُلِقَتْ لِأَجْلِهِ أَنْ لَا يَصْرِفَهَا أَصْلًا فِيمَا نُهِيَ عَنْهُ وَلَيْسَ الْمُرَادُ اسْتِعْمَالَهَا دَائِمًا وَأَبَدًا فِيمَا خُلِقَتْ لِأَجْلِهِ وَإِلَّا لَخَرَجَ مِثْلُ الْأَنْبِيَاءِ إذْ كَانُوا فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ يَشْتَغِلُونَ بِنَوْمٍ أَوْ أَكْلٍ أَوْ جِمَاعٍ أَوْ حَدِيثٍ مَعَ النَّاسِ مَعَ أَنَّهُمْ قَطْعًا شَاكِرُونَ

(قَوْلُهُ: وَغَيْرِهِ) أَيْ الْقُوَى الْخَمْسِ السَّمْعِ وَالْبَصَرِ وَالشَّمِّ وَالذَّوْقِ وَاللَّمْسِ وَالْأَعْضَاءِ كَالْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ (قَوْلُهُ: إيَّاهُ) أَشَارَ الشَّارِحُ بِهَذَا إلَى أَنَّ الْمُصَنِّفَ حَذَفَ الْمَفْعُولَ الثَّانِيَ لِأَوْلَى، وَأَمَّا الْأَوَّلُ فَهُوَ نَا فِي أَوْلَانَا (قَوْلُهُ: النِّعَمُ الْوَاصِلَةُ لَهُ إلَخْ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَتْ تِلْكَ النِّعَمُ مِمَّا بِهِ كَمَالُ الذَّاتِ مِنْ ذُكُورَةٍ وَسَلَامَةِ أَعْضَاءٍ وَصِحَّةِ بَدَنٍ أَوْ كَانَتْ مِمَّا بِهِ كَمَالُ الصِّفَاتِ مِنْ الْإِيمَانِ وَتَوَابِعِهِ مِنْ الْمَعَارِفِ وَالطَّاعَاتِ (قَوْلُهُ: إذْ الْكَرَمُ إلَخْ) عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ: وَالْمُرَادُ بِهِمَا النِّعَمُ الْوَاصِلَةُ لَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ إلَخْ (قَوْلُهُ: يُوهِمُ) أَيْ يُوقِعُ فِي وَهْمِ السَّامِعِ وَفِي ذِهْنِهِ، وَقَوْلُهُ: إنَّهُ أَحْصَى أَيْ ضَبَطَ وَعَدَّ الثَّنَاءَ عَلَيْهِ تَفْصِيلًا أَيْ وَهَذَا لَا يَتَأَتَّى؛ لِأَنَّ نِعَمَهُ تَعَالَى لَا تُحْصَى فَلَا يَتَأَتَّى إحْصَاءُ الثَّنَاءِ عَلَيْهَا تَفْصِيلًا

(قَوْلُهُ: دَفَعَهُ بِقَوْلِهِ لَا أُحْصِي إلَخْ) أَيْ فَكَأَنَّهُ يَقُولُ: أَنَا وَإِنْ أَشَرْت فِي حَمْدِي إلَى أَنَّهُ مُحْصًى مُتَنَاهٍ فَإِنَّ ذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ التَّسَاهُلِ إذْ لَيْسَ فِي قُدْرَتِي أَنْ أَعُدَّ مَا يَسْتَحِقُّهُ الْمَوْلَى مِنْ الثَّنَاءِ عَلَى سَبِيلِ التَّفْصِيلِ (قَوْلُهُ: أَيْ لَا قُدْرَةَ لِي عَلَى عَدِّ ذَلِكَ تَفْصِيلًا) فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْمَعْنَى عَلَى سَلْبِ الْعُمُوم أَيْ لَا أَقْدِرُ عَلَى عَدِّ الثَّنَاءَاتِ عَلَيْهِ تَفْصِيلًا، وَإِنْ كَانَ اللَّفْظُ مِنْ قَبِيلِ عُمُومِ السَّلْبِ فَاللَّفْظُ لَمْ يُطَابِقْ الْمُرَادَ مِنْهُ بَلْ يُضَادُّهُ وَالْحَاصِلُ أَنَّ شَأْنَ النَّكِرَةِ فِي سِيَاقِ

ص: 12

فَكَيْفَ يُحْصَى الثَّنَاءُ عَلَيْهَا تَفْصِيلًا (كَمَا أَثْنَى عَلَى نَفْسِهِ) أَيْ كَثَنَائِهِ عَلَى نَفْسِهِ فَإِنَّهُ فِي قُدْرَتِهِ تَعَالَى تَفْصِيلًا وَهَذَا مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «لَا أُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْك أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْتَ عَلَى نَفْسِك» (وَنَسْأَلُهُ اللُّطْفَ) مِنْ لَطَفَ كَنَصَرَ مَعْنَاهُ الرِّفْقُ لَا مِنْ لَطُفَ كَكَرُمَ فَإِنَّ مَعْنَاهُ الدِّقَّةُ (وَالْإِعَانَةَ) أَيْ الْإِقْدَارَ عَلَى فِعْلِ الطَّاعَاتِ وَتَرْكِ الْمَنْهِيَّاتِ وَالتَّخَلُّصِ مِنْ الْمُهِمَّاتِ وَالْمُلِمَّاتِ (فِي جَمِيعِ الْأَحْوَالِ) تَنَازَعَهُ كُلٌّ مِنْ اللُّطْفِ وَالْإِعَانَةِ (وَ) فِي (حَالِ حُلُولِ) يَعْنِي مُكْثِ (الْإِنْسَانِ) يَعْنِي نَفْسَهُ وَيُحْتَمَلُ وَغَيْرُهُ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ وَهُوَ أَوْلَى فَاللَّامُ لِلْجِنْسِ عَلَى هَذَا (فِي رَمْسِهِ) أَيْ قَبْرِهِ

ــ

[حاشية الدسوقي]

النَّفْيِ تُفِيدُ عُمُومَ السَّلْبِ أَيْ تَسَلُّطَ النَّفْيِ عَلَى كُلِّ فَرْدٍ وَهَذَا غَيْرُ صَحِيحٍ هُنَا؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ عَدُّ أَفْرَادٍ كَثِيرَةٍ مِنْ أَفْرَادِ الثَّنَاءِ فَضْلًا عَنْ ثَنَاءٍ وَاحِدٍ فَتَعَيَّنَ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ اللَّفْظِ إنَّمَا هُوَ سَلْبُ الْعُمُومِ وَهُوَ تَسَلُّطُ النَّفْيِ عَلَى مَجْمُوعِ الْأَفْرَادِ أَيْ لَا أَعُدُّ كُلَّ ثَنَاءٍ عَلَيْك تَفْصِيلًا؛ لِأَنَّ الثَّنَاءَ عَلَيْك أَفْرَادُهُ لَا تَتَنَاهَى فَاللَّفْظُ لَا يُوَافِقُ الْمُرَادَ مِنْهُ بَلْ يُنَاقِضُهُ؛ لِأَنَّ سَلْبَ الْعُمُومِ يَتَضَمَّنُ إثْبَاتًا جُزْئِيًّا وَعُمُومُ السَّلْبِ يَتَضَمَّنُ سَلْبًا كُلِّيًّا.

(قَوْلُهُ: فَكَيْفَ يُحْصَى إلَخْ) اسْتِفْهَامٌ إنْكَارِيٌّ بِمَعْنَى النَّفْيِ أَنْ لَا يُمْكِنَ ذَلِكَ (قَوْلُهُ: هُوَ كَمَا أَثْنَى عَلَى نَفْسِهِ) يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ هُوَ تَأْكِيدًا لِلضَّمِيرِ فِي عَلَيْهِ فَهُوَ رَاجِعٌ لِلَّهِ كَضَمِيرِ عَلَيْهِ فَقَوْلُهُ كَمَا أَثْنَى عَلَى نَفْسِهِ صِفَةٌ لِثَنَاءٍ أَيْ لَا أُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْهِ مِثْلَ ثَنَائِهِ عَلَى نَفْسِهِ فِي عَدَمِ التَّنَاهِي، وَهَذَا الِاحْتِمَالُ هُوَ مَا سَلَكَهُ الشَّارِحُ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ هُوَ مُبْتَدَأً وَحِينَئِذٍ يَصِحُّ رُجُوعُهُ إلَى اللَّهِ وَإِلَى الثَّنَاءِ، فَإِنْ رَجَعَ لِلَّهِ تَعَالَى فَقَوْلُهُ كَمَا أَثْنَى عَلَى نَفْسِهِ خَبَرُهُ وَالْكَافُ فِيهِ زَائِدَةٌ، وَمَا إمَّا مَوْصُولَةٌ أَوْ مَصْدَرِيَّةٌ وَالْمَصْدَرُ بِمَعْنَى اسْمِ الْفَاعِلِ وَالتَّقْدِيرُ: اللَّهُ الَّذِي أَثْنَى عَلَى نَفْسِهِ أَوْ اللَّهُ مُثْنٍ عَلَى نَفْسِهِ وَيَصِحُّ رُجُوعُهُ لِلثَّنَاءِ وَهُوَ مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ كَمَا أَيْضًا أَيْ الثَّنَاءُ الَّذِي يَسْتَحِقُّهُ مِثْلُ الثَّنَاءِ الَّذِي أَثْنَاهُ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ مِثْلُ ثَنَائِهِ عَلَى نَفْسِهِ فِي كَوْنِهِ غَيْرَ مُتَنَاهٍ

(قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ فِي قُدْرَتِهِ تَفْصِيلًا) الْأَنْسَبُ أَنْ يَقُولَ أَيْ كَثَنَائِهِ عَلَى نَفْسِهِ فِي عَدَمِ التَّنَاهِي، وَإِنْ كَانَ فِي قُدْرَتِهِ عَدُّ ذَلِكَ تَفْصِيلًا تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: لَا أُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْك أَنْتَ إلَخْ) يَجْرِي فِي الْحَدِيثِ مَا جَرَى فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ مِنْ الْإِعْرَابِ مَا عَدَا الْوَجْهِ الْأَخِيرِ (قَوْلُهُ: كَمَا أَثْنَيْت عَلَى نَفْسِك) أَيْ كَثَنَائِك عَلَى نَفْسِك فِي عَدَمِ التَّنَاهِي، وَإِنْ كَانَ فِي قُدْرَتِك أَنْ تُحْصِيَهُ (قَوْلُهُ: وَنَسْأَلُهُ اللُّطْفَ إلَخْ) أَسْنَدَ الْمُصَنِّفُ الْفِعْلَ مِنْ لَا أُحْصِي إلَى ضَمِيرِ الْوَاحِدِ وَمِنْ وَنَسْأَلُهُ إلَى ضَمِيرِ الْجَمَاعَةِ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ فِيهِ اعْتِرَافٌ بِالْعَجْزِ، وَالشَّأْنُ أَنَّهُ إنَّمَا يُثْبِتُهُ الْإِنْسَانُ لِنَفْسِهِ وَالثَّانِي دُعَاءٌ وَالْمَطْلُوبُ فِيهِ مُشَارَكَةُ الْمُسْلِمِينَ؛ لِأَنَّهُ مَظِنَّةُ الْإِجَابَةِ كَذَا قِيلَ، وَالْحَقُّ أَنَّ ضَمِيرَ وَنَسْأَلُهُ لِلْمُصَنِّفِ وَحْدَهُ؛ لِأَنَّ الْمُشَارَكَةَ الَّتِي هِيَ مَظِنَّةُ الْإِجَابَةِ إنَّمَا هِيَ الْمُشَارَكَةُ فِي الْمَطْلُوبِ بِأَنْ يَكُونَ الْمَدْعُوُّ لَهُ عَامًّا لَا فِي الطَّلَبِ بِحَيْثُ يَكُونُ الدَّاعِي جَمَاعَةً وَفِي سُؤَالِهِ اللُّطْفَ رَدٌّ عَلَى الْمُعْتَزِلَةِ الَّذِينَ أَوْجَبُوهُ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى إذْ لَوْ كَانَ وَاجِبًا عَقْلِيًّا لَمْ يَسْأَلْهُ كَمَا لَا يُسْأَلُ الْمَوْتُ الَّذِي هُوَ وَاجِبٌ عَادِيٌّ ثُمَّ إنَّ الْوَاوَ فِي وَنَسْأَلُهُ لِلِاسْتِئْنَافِ إنْ جَعَلْتَ جُمْلَةَ الْحَمْدِ خَبَرِيَّةً وَلَا يَصِحُّ جَعْلُهَا حِينَئِذٍ عَاطِفَةً لِمَا يَلْزَمُ عَلَيْهِ مِنْ عَطْفِ الْإِنْشَاءِ عَلَى الْخَبَرِ، وَأَمَّا لَوْ جَعَلْتَ جُمْلَةَ الْحَمْدِ إنْشَائِيَّةً كَانَتْ الْوَاوُ عَاطِفَةً لِجُمْلَةٍ إنْشَائِيَّةٍ عَلَى مِثْلِهَا (قَوْلُهُ: الدِّقَّةُ) أَيْ قِلَّةُ الْأَجْزَاءِ، وَهَذَا الْمَعْنَى لَا تَصِحُّ إرَادَتُهُ هُنَا (قَوْلُهُ: وَالْإِعَانَةَ) هِيَ وَالْعَوْنُ وَالْمَعُونَةُ أَلْفَاظٌ مُتَرَادِفَةٌ مَعْنَاهَا وَاحِدٌ وَهُوَ الْإِقْدَارُ عَلَى فِعْلِ الطَّاعَاتِ إلَخْ وَعَطْفُهَا عَلَى اللُّطْفِ مِنْ عَطْفِ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ؛ لِأَنَّهَا مِنْ أَفْرَادِ اللُّطْفِ (قَوْلُهُ: الْإِقْدَارَ) أَيْ خَلْقَ الْقُدْرَةِ (قَوْلُهُ: وَالْمُلِمَّاتِ) أَيْ الْأُمُورِ الشَّاقَّةِ النَّازِلَةِ بِالْعَبْدِ الَّتِي لَا تُلَائِمُهُ، مِنْ أَلَمَّ إذَا نَزَلَ جَمْعُ مُلِمَّةٍ (قَوْلُهُ: فِي جَمِيعِ الْأَحْوَالِ) جَمْعُ حَالٍ قَالَ النَّاصِرُ وَالْمُرَادُ بِالْأَحْوَالِ الْأَوْقَاتُ وَقَالَ ح: الْمُرَادُ بِالْأَحْوَالِ صِفَاتُ الشَّخْصِ الَّتِي يَكُونُ عَلَيْهَا سَوَاءٌ كَانَتْ مِنْ الْمُتَّصِلَاتِ أَوْ مِنْ الْإِضَافِيَّاتِ وَالْمُرَادُ بِالْمُتَّصِلَاتِ الصِّفَاتُ الَّتِي لَهَا قِيَامٌ بِالشَّخْصِ بِاعْتِبَارِ نَفْسِهَا لَا بِاعْتِبَارِ أَمْرٍ آخَرَ كَالصِّحَّةِ وَالْمَرَضِ وَالْغِنَى وَالْفَقْرِ، وَالْمُرَادُ بِالْإِضَافِيَّاتِ الصِّفَاتُ الَّتِي لَا اسْتِقْرَارَ لَهَا فِي الشَّخْصِ بِذَاتِهَا بَلْ بِاعْتِبَارِ أَمْرٍ آخَرَ كَالِاسْتِقْرَارِ فِي الزَّمَانِ الْفُلَانِيِّ أَوْ الْمَكَانِ الْفُلَانِيِّ (قَوْلُهُ: يَعْنِي نَفْسَهُ) هَذَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ ضَمِيرَ نَسْأَلُهُ لِلْمُصَنِّفِ وَحْدَهُ وَقَوْلُهُ: وَيَحْتَمِلُ وَغَيْرُهُ أَيْ بِنَاءً عَلَى جَعْلِ ضَمِيرِ نَسْأَلُهُ لِلْمُتَكَلِّمِ وَمَعَهُ غَيْرُهُ مِنْ إخْوَانِهِ الْمُسْلِمِينَ وَعَلَى كُلِّ حَالٍ فَقَوْلُهُ: الْإِنْسَانُ إظْهَارٌ فِي مَحَلِّ الْإِضْمَارِ وَالْأَصْلُ وَحَالَ حُلُولِي أَوْ حُلُولِنَا (قَوْلُهُ: فِي رَمْسِهِ)

ص: 13

وَإِنَّمَا خَصَّ هَذِهِ الْحَالَةَ مَعَ دُخُولِهَا فِيمَا قَبْلَهَا لِشِدَّةِ احْتِيَاجِهِ لِلُّطْفِ وَالْإِعَانَةِ فِيهَا أَكْثَرَ مِنْ غَيْرِهَا.

وَلَمَّا كَانَ النَّبِيُّ عليه الصلاة والسلام هُوَ الْوَاسِطَةَ فِي كُلِّ نِعْمَةٍ وَصَلَتْ إلَيْنَا مِنْ اللَّهِ تَعَالَى وَلَا سِيَّمَا عِلْمُ الشَّرَائِعِ وَجَبَ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَيْهِ بَعْدَ أَنْ أَثْنَى عَلَى مَوْلَى النِّعَمِ فَقَالَ (وَالصَّلَاةُ) هِيَ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى النِّعْمَةُ الْمَقْرُونَةُ بِالتَّعْظِيمِ وَالتَّبْجِيلِ فَهِيَ أَخَصُّ مِنْ مُطْلَقِ الرَّحْمَةِ وَلِذَا لَا تُطْلَبُ لِغَيْرِ الْمَعْصُومِ إلَّا تَبَعًا، وَمِنْ غَيْرِهِ تَعَالَى التَّضَرُّعُ وَالدُّعَاءُ بِاسْتِغْفَارٍ أَوْ غَيْرِهِ (وَالسَّلَامُ) أَيْ التَّحِيَّةُ

ــ

[حاشية الدسوقي]

اعْلَمْ أَنَّ الرَّمْسَ فِي الْأَصْلِ مَصْدَرُ رَمَسَتْ الرِّيحُ الْأَرْضَ بِالتُّرَابِ إذَا سَتَرَتْهُ بِهِ فَهُوَ سَتْرُ الْأَرْضِ بِالتُّرَابِ ثُمَّ نُقِلَ لِتُرَابِ الْقَبْرِ ثُمَّ لِلْقَبْرِ نَفْسِهِ وَهُوَ الْمُرَادُ هُنَا، وَإِنَّمَا سُمِّيَ رَمْسًا؛ لِأَنَّهُ يُرْمَسُ فِيهِ الْمَيِّتُ أَيْ يُغَيَّبُ فِيهِ

(قَوْلُهُ: وَإِنَّمَا خَصَّ إلَخْ) جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ ذِكْرُ الْخَاصِّ بَعْدَ الْعَامِّ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ نُكْتَةٍ وَمَا النُّكْتَةُ هُنَا (قَوْلُهُ: لِشِدَّةِ احْتِيَاجِهِ لِلُّطْفِ وَالْإِعَانَةِ فِيهَا) أَيْ لِشِدَّةِ احْتِيَاجِ الْإِنْسَانِ لِلرِّفْقِ وَالتَّخَلُّصِ مِنْ الْمُلِمَّاتِ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ حَالَةِ حُلُولِهِ فِي قَبْرِهِ (قَوْلُهُ: هُوَ الْوَاسِطَةَ فِي كُلِّ نِعْمَةٍ وَصَلَتْ إلَيْنَا مِنْ اللَّهِ) أَيْ حَتَّى الْهِدَايَةِ لِلْإِسْلَامِ أَيْ الَّتِي هِيَ أَعْظَمُ النِّعَمِ فَهِيَ إنَّمَا حَصَلَتْ لَنَا بِبَرَكَتِهِ وَعَلَى يَدَيْهِ (قَوْلُهُ: وَلَا سِيَّمَا عِلْمَ الشَّرَائِعِ) أَيْ خُصُوصًا عِلْمَ الشَّرِيعَةِ فَإِنَّ وُصُولَهُ إلَيْنَا مِنْ اللَّهِ إنَّمَا هُوَ عَلَى يَدَيْهِ وَبِوَاسِطَتِهِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ. وَأَصْلُ سِيَّ سِيْوَ اجْتَمَعَتْ الْوَاوُ وَالْيَاءُ وَسَبَقَتْ إحْدَاهُمَا بِالسُّكُونِ قُلِبَتْ الْوَاوُ يَاءً وَأُدْغِمَتْ الْيَاءُ فِي الْيَاءِ وَسِيُّ الشَّيْءِ مِثْلُهُ فَمَعْنَى لَا سِيَّمَا زَيْدٌ لَا مِثْلَ زَيْدٍ فَإِذَا قِيلَ أُحِبُّ الْعُلَمَاءَ لَا سِيَّمَا زَيْدٌ فَمَعْنَاهُ لَا مِثْلَ زَيْدٍ بَلْ مَحَبَّةُ زَيْدٍ أَكْثَرُ مِنْ مَحَبَّةِ غَيْرِهِ مِنْ الْعُلَمَاءِ وَلَزِمَتْهَا لَا النَّافِيَةُ وَالْوَاوُ عَلَى الْمَشْهُورِ فِيهَا فَاسْتِعْمَالُهَا بِدُونِ لَا أَوْ بِدُونِ وَاوٍ قَلِيلٌ.

وَاعْلَمْ أَنَّ مَا بَعْدَهَا إنْ كَانَ مَعْرِفَةً كَمَا هُنَا جَازَ فِيهِ الرَّفْعُ عَلَى أَنَّهُ خَبَرٌ لِمَحْذُوفٍ هُوَ صَدْرُ الصِّلَةِ وَفَتْحَةُ سِيَّ فَتْحَةُ إعْرَابٍ لِإِضَافَتِهَا لِمَا الْمَوْصُولَةِ، وَجَازَ فِيهِ الْجَرُّ عَلَى أَنَّ مَا زَائِدَةٌ بَيْنَ الْمُضَافِ وَالْمُضَافِ إلَيْهِ، وَجَازَ فِيهِ النَّصْبُ عَلَى أَنَّ مَا بِمَعْنَى شَيْءٌ وَالْمَعْرِفَةُ مَفْعُولٌ لِمَحْذُوفٍ لَا تَمْيِيزَ خِلَافًا لِمَنْ تَوَهَّمَ ذَلِكَ فَمَنَعَ النَّصْبَ؛ لِأَنَّ التَّمْيِيزَ وَاجِبُ التَّنْكِيرِ، وَإِنْ كَانَ مَا بَعْدَهَا نَكِرَةٌ كَمَا فِي وَلَا سِيَّمَا يَوْمٌ بِدَارَةِ جَلْجَلَ جَازَ فِي النَّكِرَةِ الْأَوْجُهُ الثَّلَاثَةُ لَكِنَّ النَّصْبَ عَلَى التَّمْيِيزِ (قَوْلُهُ: وَجَبَ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَيْهِ) أَيْ تَأَكَّدَ؛ لِأَنَّ الصَّلَاةَ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إنَّمَا تَجِبُ فِي الْعُمْرِ مَرَّةً وَيَبْعُدُ أَنَّ الْمُصَنِّفَ أَخَّرَهَا لِزَمَنِ التَّأْلِيفِ وَقَالَتْ الشَّافِعِيَّةُ تَجِبُ فِي كُلِّ تَشَهُّدٍ يَعْقُبُهُ سَلَامٌ وَقَالَ قَوْمٌ: إنَّهَا تَجِبُ عِنْدَ ذِكْرِهِ وَبِهِ قَالَ اللَّخْمِيُّ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ وَالْحَلِيمِيُّ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ وَالطَّحَاوِيُّ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ وَابْنُ بَطَّةَ مِنْ الْحَنَابِلَةِ

(قَوْلُهُ: وَالتَّبْجِيلِ) مُرَادِفٌ لِمَا قَبْلَهُ (قَوْلُهُ: فَهِيَ) أَيْ الصَّلَاةُ أَخَصُّ مِنْ مُطْلَقِ الرَّحْمَةِ أَيْ أَقَلُّ إفْرَادًا مِنْهَا وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الرَّحْمَةَ بِمَعْنَى النِّعْمَةِ وَهِيَ أَعَمُّ مِنْ أَنْ تَكُونَ مَقْرُونَةً بِتَعْظِيمٍ أَوْ لَا، وَعَلَى هَذَا فَعَطْفُ الرَّحْمَةِ عَلَى الصَّلَوَاتِ فِي قَوْله تَعَالَى {أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ} [البقرة: 157] مِنْ عَطْفِ الْعَامِّ عَلَى الْخَاصِّ (قَوْلُهُ: وَلِذَا) أَيْ لِأَجْلِ كَوْنِهَا أَخَصَّ (قَوْلُهُ: لَا تُطْلَبُ) أَيْ مِنْ اللَّهِ (قَوْلُهُ: إلَّا تَبَعًا) أَيْ لِطَلَبِهَا لِلْمَعْصُومِ وَطَلَبِهَا لِغَيْرِ الْمَعْصُومِ اسْتِقْلَالًا قِيلَ حَرَامٌ وَقِيلَ مَكْرُوهٌ وَهُوَ الْأَظْهَرُ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا (قَوْلُهُ: وَمِنْ غَيْرِهِ تَعَالَى) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ الْغَيْرُ إنْسًا أَوْ جِنًّا أَوْ مَلَكًا (قَوْلُهُ: وَالدُّعَاءُ) عَطْفُ تَفْسِيرٍ وَقَوْلُهُ: بِاسْتِغْفَارٍ أَيْ كَانَ الدُّعَاءُ بِاسْتِغْفَارٍ أَوْ غَيْرِهِ (قَوْلُهُ: أَيْ التَّحِيَّةُ)

ص: 14

أَوْ الْأَمَانُ (عَلَى مُحَمَّدٍ) عَلَمٌ مَنْقُولٌ مِنْ اسْمِ مَفْعُولِ الْمُضَعَّفِ أَيْ الْمُكَرَّرِ الْعَيْنُ سُمِّيَ بِهِ نَبِيُّنَا عليه الصلاة والسلام رَجَاءَ أَنْ يَكُونَ عَلَى أَكْمَلِ الْخِصَالِ فَيَحْمَدُهُ أَهْلُ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَقَدْ حَقَّقَ اللَّهُ ذَلِكَ الرَّجَاءَ (سَيِّدِ) يُطْلَقُ عَلَى الشَّرِيفِ الْكَامِلِ وَعَلَى التَّقِيِّ الْفَاضِلِ وَعَلَى ذِي الرَّأْيِ الشَّامِلِ وَعَلَى الْحَلِيمِ الْكَرِيمِ وَعَلَى الْفَقِيهِ الْعَالِمِ وَلَا شَكَّ أَنَّهُ عليه السلام اشْتَمَلَ عَلَى ذَلِكَ كُلِّهِ (الْعَرَبِ) بِفَتْحَتَيْنِ أَوْ ضَمٍّ فَسُكُونٍ مَنْ يَتَكَلَّمُ بِاللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ سَجِيَّةً (وَالْعَجَمِ)

ــ

[حاشية الدسوقي]

أَيْ مِنْ اللَّهِ لَهُ عليه الصلاة والسلام فِي الْجَنَّةِ بِتَحِيَّةٍ لَائِقَةٍ بِهِ كَمَا يُحَيِّي بَعْضُنَا بَعْضًا بِقَوْلِنَا السَّلَامُ عَلَيْكُمْ (قَوْلُهُ: أَوْ الْأَمَانُ) أَيْ مِنْ الْمَخَاوِفِ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ مِنْ حَيْثُ كَوْنُهُ بَشَرًا يَلْحَقُهُ الْخَوْفُ مِنْ اللَّهِ بَلْ هُوَ أَشَدُّ النَّاسِ خَوْفًا؛ لِأَنَّ الْخَوْفَ عَلَى قَدْرِ الْمَعْرِفَةِ وَلِذَا قَالَ: أَنَا أَخْوَفُكُمْ مِنْ اللَّهِ (قَوْلُهُ: عَلَى مُحَمَّدٍ) خَبَرٌ عَنْ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ أَيْ كَائِنَانِ عَلَى مُحَمَّدٍ أَيْ لَهُ، وَهَذِهِ الْجُمْلَةُ خَبَرِيَّةٌ لَفْظًا إنْشَائِيَّةٌ مَعْنًى فَقَدْ طَلَبَ الْمُصَنِّفُ مِنْ اللَّهِ صَلَاتَهُ أَيْ نِعْمَتَهُ الْمَقْرُونَةَ بِالتَّعْظِيمِ وَسَلَامَهُ لِسَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ (قَوْلُهُ: عَلَمٌ) أَيْ شَخْصِيٌّ عَلَى الذَّاتِ الشَّرِيفَةِ (قَوْلُهُ: مَنْقُولٌ) أَيْ لَا مُرْتَجَلٌ ثُمَّ إنَّ نَقْلَ الْأَعْلَامِ تَارَةً يَكُونُ مِنْ اسْمِ الْفَاعِلِ كَحَارِثٍ وَحَامِدٍ وَتَارَةً يَكُونُ مِنْ الْمَصْدَرِ كَزَيْدٍ فَإِنَّهُ فِي الْأَصْلِ مَصْدَرُ زَادَ الْمَالُ يَزِيدُ زَيْدًا وَتَارَةً يَكُونُ مِنْ الصِّفَةِ الْمُشَبَّهَةِ كَحَسَنٍ وَسَعِيدٍ وَتَارَةً يَكُونُ مِنْ اسْمِ الْجِنْسِ كَأَسَدٍ وَتَارَةً يَكُونُ مِنْ الْفِعْلِ كَيَزِيدَ وَيَشْكُرَ وَتَارَةً يَكُونُ مِنْ اسْمِ الْمَفْعُولِ كَمُحَمَّدٍ وَلِذَا قَالَ مَنْقُولٌ مِنْ اسْمِ الْمَفْعُولِ أَيْ لَا مِنْ اسْمِ الْفَاعِلِ وَلَا مِمَّا ذُكِرَ مَعَهُ (قَوْلُهُ: الْمُضَعَّفِ) صِفَةٌ لِمَحْذُوفِ أَيْ الْفِعْلُ الْمُضَعَّفُ (قَوْلُهُ: أَيْ الْمُكَرَّرُ الْعَيْنُ) أَيْ وَهُوَ حَمَّدَ بِتَشْدِيدِ الْمِيمِ وَقَوْلُهُ: أَيْ الْمُكَرَّرُ إلَخْ أَيْ وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِالْمُضَعَّفِ مَا كَانَتْ لَامُهُ وَعَيْنُهُ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ كَمَسَّ وَظَلَّ لِعَدَمِ صِحَّةِ إرَادَةِ ذَلِكَ هُنَا (قَوْلُهُ: سُمِّيَ بِهِ) أَيْ بِذَلِكَ الْعَلَمِ الْمَنْقُولِ نَبِيُّنَا إلَخْ وَاَلَّذِي سَمَّاهُ بِهِ جَدُّهُ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ فِي سَابِعِ وِلَادَتِهِ لِمَوْتِ أَبِيهِ قَبْلَهَا (قَوْلُهُ: رَجَاءَ أَنْ يَكُونَ إلَخْ) أَيْ لِأَجْلِ رَجَاءِ ذَلِكَ وَالْمُتَرَجِّي لِذَلِكَ هُوَ جَدُّهُ الْمُسَمِّي لَهُ بِذَلِكَ الِاسْمِ (قَوْلُهُ: وَقَدْ حَقَّقَ اللَّهُ ذَلِكَ) أَيْ الْأَمْرَ الْمَرْجُوَّ لِجَدِّهِ (قَوْلُهُ: الْكَامِلِ) أَيْ فِي الشَّرَفِ (قَوْلُهُ: الشَّامِلِ) أَيْ لِكُلِّ الْأُمُورِ (قَوْلُهُ: وَعَلَى التَّقِيِّ) أَيْ الْمُمْتَثِلِ لِلْأَوَامِرِ وَالْمُجْتَنِبِ لِلنَّوَاهِي وَقَوْلُهُ: الْفَاضِلِ أَيْ الَّذِي عِنْدَهُ فَضِيلَةٌ بِعِلْمٍ أَوْ طَاعَةٍ (قَوْلُهُ: وَعَلَى الْحَلِيمِ) أَيْ الَّذِي عِنْدَهُ صَفْحٌ عَنْ الزَّلَّاتِ وَقَوْلُهُ: الْكَرِيمُ أَيْ الَّذِي عِنْدَهُ كَرَمٌ وَسَخَاوَةٌ (قَوْلُهُ: وَعَلَى الْفَقِيهِ الْعَالِمِ) الْفَقِيهِ مَنْ عِنْدَهُ دِرَايَةٌ بِالْفِقْهِ وَالْعَالِمُ مَنْ عِنْدَهُ دِرَايَةٌ بِالْعِلْمِ سَوَاءٌ كَانَ فِقْهًا أَوْ غَيْرَهُ مِنْ الْعُلُومِ فَالْوَصْفُ بِالْعَالِمِ أَبْلَغُ مِنْ الْوَصْفِ بِالْفَقِيهِ فَهُوَ مِنْ بَابِ التَّرَقِّي، وَالْمُرَادُ أَنَّ السَّيِّدَ مَنْ كَانَ عِنْدَهُ دِرَايَةٌ فِي الْفِقْهِ وَفِي غَيْرِهِ مِنْ الْعُلُومِ.

(قَوْلُهُ: مَنْ يَتَكَلَّمُ بِاللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ سَجِيَّةً) أَيْ سَوَاءٌ كَانُوا سُكَّانَ بَادِيَةٍ أَوْ حَاضِرَةٍ أَيْ وَأَمَّا الْأَعْرَابُ فَهُمْ سُكَّانُ الْبَادِيَةِ بِقَيْدِ أَنْ يَتَكَلَّمُوا بِاللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ وَقِيلَ مُطْلَقًا، وَلَوْ تَكَلَّمُوا بِالْعَجَمِيَّةِ، وَالْأَوَّلُ هُوَ الْحَقُّ وَعَلَيْهِ فَبَيْنَ الْعَرَبِ وَالْأَعْرَابِ عُمُومٌ وَخُصُوصٌ مُطْلَقٌ لِاجْتِمَاعِهِمَا فِي سُكَّانِ الْبَادِيَةِ الَّذِينَ يَتَكَلَّمُونَ بِالْعَرَبِيَّةِ سَجِيَّةً، وَانْفِرَادُ الْعَرَبِ فِيمَنْ يَتَكَلَّمُ بِالْعَرَبِيَّةِ سَجِيَّةً وَهُمْ سُكَّانُ الْحَاضِرَةِ، وَأَمَّا عَلَى الثَّانِي فَبَيْنَهُمَا الْعُمُومُ وَالْخُصُوصُ الْوَجْهِيُّ وَالنِّسْبَةُ إلَى الْعَرَبِ عَرَبِيٌّ وَإِلَى الْأَعْرَابِ أَعْرَابِيٌّ

1 -

ص: 15

فِيهِ مِنْ الضَّبْطِ مَا فِي الْعَرَبِ مَنْ يَتَكَلَّمُ بِغَيْرِ الْعَرَبِيَّةِ (الْمَبْعُوثِ) أَيْ الْمُرْسَلِ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى (لِسَائِرِ) أَيْ لِجَمِيعِ لِأَنَّ سَائِرَ قَدْ يَأْتِي لَهُ وَإِنْ كَانَ أَصْلُ مَعْنَاهُ بَاقِيَ (الْأُمَمِ) جَمْعُ أُمَّةٍ أَيْ طَائِفَةٍ وَالْمُرَادُ بِهِمْ الْمُكَلَّفُونَ مِنْ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ عَلَى كَثْرَةِ أَصْنَافِهِمْ وَغَيْرِهِمْ كَالْمَلَائِكَةِ (وَعَلَى آلِهِ) الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِمْ أَقَارِبُهُ الْمُؤْمِنُونَ وَإِنْ كَانَ قَدْ يُطْلَقُ عَلَى الْأَتْبَاعِ لِأَنَّهُ يُسْتَغْنَى عَنْهُ بِقَوْلِهِ أُمَّتِهِ (وَأَصْحَابِهِ) جَمْعٌ لِصَاحِبِ عَلَى الصَّحِيحِ لِأَنَّ فَاعِلًا يُجْمَعُ عَلَى أَفْعَالٍ عِنْدَ سِيبَوَيْهِ عَلَى التَّحْرِيرِ وَالْأَخْفَشِ بِمَعْنَى الصَّحَابِيِّ وَهُوَ مَنْ اجْتَمَعَ بِالنَّبِيِّ عليه السلام فِي حَيَاتِهِ مُؤْمِنًا وَمَاتَ عَلَى ذَلِكَ وَالصَّاحِبُ

ــ

[حاشية الدسوقي]

قَالَ ابْنُ كَثِيرٍ: الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ أَنَّ الْعَرَبَ كَانُوا قَبْلَ إسْمَاعِيلَ وَيُقَالُ لَهُمْ الْعَرَبُ الْعَارِبَةُ وَهُمْ قَبَائِلُ مِنْهُمْ عَادٌ وَثَمُودُ وَقَحْطَانُ وَجُرْهُمُ وَغَيْرُهُمْ، وَأَمَّا الْعَرَبُ الْمُسْتَعْرِبَةُ فَهُمْ مِنْ وَلَدِ إسْمَاعِيلَ وَهُوَ أَخَذَ الْعَرَبِيَّةَ مِنْ جُرْهُمَ وَمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مِنْ أَنَّ أَوَّلَ مَنْ تَكَلَّمَ بِالْعَرَبِيَّةِ إسْمَاعِيلُ فَمُرَادُهُ عَرَبِيَّةُ قُرَيْشٍ الَّتِي نَزَلَ بِهَا الْقُرْآنُ.

وَأَمَّا عَرَبِيَّةُ يَعْرُبَ وَقَحْطَانَ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَجُرْهُمَ فَكَانَتْ قَبْلَ إسْمَاعِيلَ كَذَا فِي حَاشِيَةِ شَيْخِنَا (قَوْلُهُ: فِيهِ مِنْ الضَّبْطِ مَا فِي الْعَرَبِ) أَيْ لَكِنَّ الْأَوْلَى إذَا اقْتَرَنَا فَتْحُهُمَا أَوْ ضَمُّهُمَا لِلْمُشَاكَلَةِ، وَأَمَّا فَتْحُ الْأَوَّلِ وَضَمُّ الثَّانِي أَوْ الْعَكْسُ فَهُوَ، وَإِنْ جَازَ إلَّا أَنَّهُ خِلَافُ الْأَوْلَى (قَوْلُهُ: لِأَنَّ سَائِرًا قَدْ يَأْتِي لَهُ) أَيْ لِجَمِيعٍ أَيْ قَدْ يَأْتِي بِمَعْنَى جَمِيعٍ أَخْذًا لَهُ مِنْ سُورِ الْبَلَدِ الْمُحِيطِ بِجَمِيعِهَا وَظَاهِرُ إتْيَانِهِ بِقَدْ أَنَّ اسْتِعْمَالَهُ بِمَعْنَى جَمِيعٍ مَجَازٌ وَهُوَ كَذَلِكَ عَلَى مَا يُفِيدُهُ قَوْلُ الْقَامُوسِ السَّائِرُ الْبَاقِي لَا الْجَمِيعُ كَمَا تَوَهَّمَهُ بَعْضُهُمْ، وَقَدْ يُسْتَعْمَلُ لَهُ اهـ، وَقَوْلُهُ وَقَدْ يُسْتَعْمَلُ لَهُ أَيْ مَجَازًا كَمَا هُوَ قَاعِدَتُهُ

(قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَ أَصْلُ مَعْنَاهُ بَاقِيَ) أَيْ لِأَخْذِهِ مِنْ السُّؤْرِ بِالْهَمْزِ بِمَعْنَى الْبَقِيَّةِ، وَيَصِحُّ حَمْلُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ عَلَى هَذَا أَيْضًا؛ لِأَنَّ أُمَّتَهُ عليه الصلاة والسلام بَقِيَّةُ الْأُمَمِ أَيْ الطَّوَائِفِ بِالنِّسْبَةِ لِمَنْ مَضَى قَبْلَهَا وَعَلَى هَذَا فَيَكُونُ الْمُصَنِّفُ الْتَفَتَ لِمَنْ أُرْسِلَ إلَيْهِمْ مُبَاشَرَةً بِاعْتِبَارِ عَالَمِ الْأَجْسَامِ، وَأَمَّا عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ جَمِيعُ الْأُمَمِ فَيَصِحُّ أَنْ يُرَادَ الْبَعْثُ بِالْجِسْمِ لِلْجِسْمِ أَيْضًا وَيَكُونُ الْمُرَادُ بِالْأُمَمِ طَوَائِفَ أُمَّتِهِ وَيَصِحُّ أَنْ يُرَادَ جَمِيعُ الْأُمَمِ حَتَّى السَّابِقِينَ وَيُرَادُ بِالْبَعْثِ مَا يَشْمَلُ الْبَعْثَ بِالرُّوحِ؛ لِأَنَّ رُوحَهُ الشَّرِيفَةَ أُرْسِلَتْ لِأَرْوَاحِ مَنْ سَبَقَ وَهَذَا مَعْنَى مَا اُشْتُهِرَ مِنْ أَنَّ الْأَنْبِيَاءَ نُوَّابُهُ (قَوْلُهُ: وَالْمُرَادُ بِهِمْ) أَيْ بِجَمِيعِ الْأُمَمِ الْمُرْسَلِ إلَيْهِمْ (قَوْلُهُ: وَغَيْرُهُمْ) بِالرَّفْعِ عَطْفًا عَلَى الْمُكَلَّفِينَ فَيُفِيدُ أَنَّ الْمَلَائِكَةَ غَيْرُ مُكَلَّفِينَ وَهُوَ قَوْلٌ وَعَلَيْهِ فَإِرْسَالُهُ إلَيْهِمْ رِسَالَةَ تَشْرِيفٍ وَبِالْجَرِّ عَطْفًا عَلَى الْإِنْسِ وَالْجِنِّ فَيُفِيدُ أَنَّ الْمَلَائِكَةَ مُكَلَّفُونَ وَهُوَ قَوْلٌ آخَرُ وَارْتَضَاهُ اللَّقَانِيُّ فِي شَرْحِهِ عَلَى الْجَوْهَرَةِ وَعَلَيْهِ فَتَكْلِيفُهُمْ إنَّمَا هُوَ بِبَعْضِ الْفُرُوعِ الَّتِي تَتَأَتَّى مِنْهُمْ كَالصَّلَاةِ وَالْحَجِّ لَا الزَّكَاةِ وَنَحْوِهَا مِمَّا لَا يَتَأَتَّى مِنْهُمْ، وَهَذَا أَقْوَى الْقَوْلَيْنِ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا

(قَوْلُهُ: وَعَلَى آلِهِ) عَطْفٌ عَلَى مُحَمَّدٍ وَفِيهِ إيمَاءٌ لِجَوَازِ الصَّلَاةِ عَلَى غَيْرِ الْأَنْبِيَاءِ تَبَعًا لَهُمْ، وَأَمَّا اسْتِقْلَالًا فَقِيلَ: إنَّهَا خِلَافُ الْأَوْلَى وَقِيلَ حَرَامٌ وَقِيلَ تُكْرَهُ قَالَ النَّوَوِيُّ وَهُوَ الْمَعْرُوفُ وَأَصْلُ آلِ أَوَلٌ كَجَمَلٍ تَحَرَّكَتْ الْوَاوُ وَانْفَتَحَ مَا قَبْلَهَا قُلِبَتْ أَلِفًا وَقِيلَ أَصْلُهُ أَهَلٌ قُلِبَتْ الْهَاءُ هَمْزَةً ثُمَّ الْهَمْزَةُ أَلِفًا وَهُوَ اسْمُ جَمْعٍ لَا وَاحِدَ لَهُ مِنْ لَفْظِهِ (قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَ) أَيْ الْآلُ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ يُسْتَغْنَى عَنْهُ إلَخْ) أَيْ لِأَنَّ أَتْبَاعَهُ هُمْ أُمَّتُهُ وَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ؛ لِأَنَّهُ يُسْتَغْنَى بِهَذَا عَنْ قَوْلِهِ وَأُمَّتُهُ؛ لِأَنَّ هَذَا وَاقِعٌ فِي مَرْكَزِهِ وَالْمُكَرَّرُ الْمُسْتَغْنَى عَنْهُ هُوَ الْوَاقِعُ بَعْدَ تَأَمُّلٍ (قَوْلُهُ: عِنْدَ سِيبَوَيْهِ عَلَى التَّحْرِيرِ إلَخْ) أَيْ خِلَافًا لِمَنْ قَالَ: إنَّ أَصْحَابَ اسْمُ جَمْعٍ لِصَاحِبٍ عِنْدَ سِيبَوَيْهِ وَجَمْعٍ لَهُ عِنْدَ الْأَخْفَشِ.

وَالْحَاصِلُ أَنَّ التَّحْرِيرَ أَنَّ سِيبَوَيْهِ وَالْأَخْفَشَ يَتَّفِقَانِ عَلَى أَنَّ أَصْحَابَ جَمْعٌ لِصَاحِبٍ وَأَنَّ فَاعِلًا يُجْمَعُ عَلَى أَفْعَالٍ، وَالْخِلَافُ بَيْنَهُمَا إنَّمَا هُوَ فِي صَحْبٍ فَإِنَّهُ اسْمُ جَمْعٍ لِصَاحِبٍ عِنْدَ سِيبَوَيْهِ وَجَمْعٌ لَهُ عِنْدَ الْأَخْفَشِ كَذَا ذَكَرَ شَيْخُنَا (قَوْلُهُ: بِمَعْنَى الصَّحَابِيِّ) أَيْ أَنَّ صَاحِبًا الَّذِي هُوَ مُفْرَدُ أَصْحَابٍ الْمُرَادُ بِهِ هُنَا الصَّحَابِيُّ لَا مُطْلَقُ صَاحِبٍ (قَوْلُهُ: مَنْ اجْتَمَعَ بِالنَّبِيِّ إلَخْ) أَيْ سَوَاءٌ رَآهُ بِبَصَرِهِ أَوْ لَا كَالْعُمْيَانِ (قَوْلُهُ: فِي حَيَاتِهِ) خَرَجَ مَنْ اجْتَمَعَ بِهِ صلى الله عليه وسلم بَعْدَ مَوْتِهِ مَنَامًا أَوْ يَقَظَةً كَالْجَلَالِ السُّيُوطِيّ وَأَبِي الْعَبَّاسِ الْمُرْسِيِّ فَلَا يَكُونُ صَحَابِيًّا (قَوْلُهُ: مُؤْمِنًا) أَيْ بِهِ لَا بِغَيْرِهِ فَقَطْ (قَوْلُهُ: وَمَاتَ عَلَى ذَلِكَ) خَرَجَ مَنْ اجْتَمَعَ مُؤْمِنًا بِهِ ثُمَّ ارْتَدَّ وَمَاتَ

ص: 16

لُغَةً مَنْ بَيْنَك وَبَيْنَهُ مُطْلَقُ مُوَاصَلَةٍ (وَ) عَلَى (أَزْوَاجِهِ) أَيْ نِسَائِهِ الطَّاهِرَاتِ، وَالْمُرَادُ مَا يَشْمَلُ سَرَارِيَّهُ (وَذُرِّيَّتَهُ) نَسْلُهُ الصَّادِقُ بِالذَّكَرِ وَالْأُنْثَى إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ (وَأُمَّتِهِ) أَيْ جَمَاعَتِهِ مِنْ كُلِّ مَنْ آمَنَ بِهِ مِنْ يَوْمِ بُعِثَ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ (أَفْضَلِ الْأُمَمِ) أَيْ أَكْثَرِهَا فَضْلًا أَيْ ثَوَابًا لِمَزِيدِ فَضْلِ نَبِيِّهَا عَلَى جَمِيعِ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِمْ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ (وَبَعْدُ) هِيَ ظَرْفُ زَمَانٍ هُنَا مَقْطُوعٌ عَنْ الْإِضَافَةِ لَفْظًا لَا مَعْنًى وَلِذَا بُنِيَتْ عَلَى الضَّمِّ، وَالْوَاوُ نَائِبَةٌ عَنْ أَمَّا أَيْ مَهْمَا يَكُنْ مِنْ شَيْءٍ بَعْدَ مَا تَقَدَّمَ (فَقَدْ) أَيْ فَأَقُولُ قَدْ (سَأَلَنِي جَمَاعَةٌ أَبَانَ) أَيْ أَظْهَرَ (اللَّهُ لِي وَلَهُمْ مَعَالِمَ) جَمْعُ مَعْلَمٍ

ــ

[حاشية الدسوقي]

عَلَى رِدَّتِهِ كَابْنِ خَطَلٍ وَاعْتُرِضَ هَذَا الْقَيْدُ بِأَنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّ الصُّحْبَةَ لَا تَتَحَقَّقُ لِأَحَدٍ فِي حَالِ حَيَاتِهِ؛ لِأَنَّ الْمَوْتَ قَيْدٌ فَتَنْتَفِي الْحَقِيقَةُ بِانْتِفَائِهِ وَهُوَ خِلَافُ الْإِجْمَاعِ وَعَدَمُ وَصْفِ الْمُرْتَدِّ بِهَا بَعْدَ الرِّدَّةِ؛ لِأَنَّ الرِّدَّةَ أَحْبَطَتْهَا بَعْدَ وُجُودِهَا كَالْإِيمَانِ سَوَاءً (قَوْلُهُ: الصَّادِقُ بِالذَّكَرِ وَالْأُنْثَى) أَيْ فَيَشْمَلُ بَنَاتِهِ الْأَرْبَعَ فَاطِمَةَ وَرُقَيَّةَ وَزَيْنَبَ وَأُمَّ كُلْثُومٍ وَأَوْلَادَهُ الذُّكُورَ الثَّلَاثَةَ الْقَاسِمَ وَعَبْدَ اللَّهِ وَإِبْرَاهِيمَ، وَأَمَّا الطَّيِّبُ وَالطَّاهِرُ فَهُمَا لَقَبَانِ لِعَبْدِ اللَّهِ وَكُلُّ أَوْلَادِهِ الْمَذْكُورِينَ مِنْ خَدِيجَةَ إلَّا إبْرَاهِيمَ؛ لِأَنَّهُ مِنْ مَارِيَةَ الْقِبْطِيَّةِ وَيَشْمَلُ جَمِيعَ أَوْلَادِ الْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ ذُكُورًا وَإِنَاثًا (قَوْلُهُ: أَيْ أَكْثَرُهَا ثَوَابًا) أَيْ وَمَنَاقِبُ أَيْ مَفَاخِرُ وَكَمَالَاتٍ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ كَثْرَةِ الثَّوَابِ أَكْثَرِيَّةُ الْمَنَاقِبِ (قَوْلُهُ: هِيَ ظَرْفُ زَمَانٍ هُنَا) أَيْ وَحِينَئِذٍ فَالْمَعْنَى مَهْمَا يَكُنْ مِنْ شَيْءٍ بَعْدَ الْبَسْمَلَةِ وَالْحَمْدَلَةِ أَيْ فِي الزَّمَانِ الَّذِي ذُكِرَتْ فِيهِ الْبَسْمَلَةُ وَالْحَمْدَلَةُ فَأَقُولُ قَدْ سَأَلَنِي إلَخْ وَاحْتُرِزَ بِقَوْلِهِ هُنَا عَنْهَا فِي قَوْلِك دَارُ زَيْدٍ بَعْدَ دَارِ عَمْرٍو فَإِنَّهَا ظَرْفُ مَكَان هَذَا وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ هُنَا ظَرْفَ مَكَان بِاعْتِبَارِ الرَّقْمِ وَالْمَعْنَى مَهْمَا يَكُنْ مِنْ شَيْءٍ بَعْدَ الْبَسْمَلَةِ وَالْحَمْدَلَةِ أَيْ فِي الْمَكَانِ الَّذِي رُسِمَتْ فِيهِ الْبَسْمَلَةُ وَالْحَمْدَلَةُ فَأَقُولُ قَدْ سَأَلَنِي إلَخْ.

وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ يَصِحُّ جَعْلُهَا هُنَا ظَرْفَ زَمَانٍ بِاعْتِبَارِ النُّطْقِ وَظَرْفَ مَكَان بِاعْتِبَارِ الرَّقَمِ خِلَافًا لِمَا نُقِلَ عَنْ الشَّارِحِ مِنْ مَنْعِ ذَلِكَ (قَوْلُهُ: لَفْظًا لَا مَعْنًى) أَيْ فِي اللَّفْظِ لَا فِي الْمَعْنَى (قَوْلُهُ: وَلِذَا بُنِيَتْ عَلَى الضَّمِّ) أَيْ وَلِأَجْلِ إضَافَتِهَا فِي الْمَعْنَى بُنِيَتْ لِأَدَائِهَا لِمَعْنَى الْإِضَافَةِ الَّذِي هُوَ نِسْبَةُ جُزْئِيَّةٍ حَقُّهَا أَنْ تُؤَدَّى بِالْحَرْفِ فَالْبِنَاءُ لِلشَّبَهِ الْمَعْنَوِيِّ ثُمَّ إنَّ ظَاهِرَ الشَّارِحِ أَنَّ مَا ذُكِرَ عِلَّةً لِلْبِنَاءِ عَلَى الضَّمِّ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ مَا ذُكِرَ عِلَّةً لِلْبِنَاءِ، وَأَمَّا الْعِلَّةُ فِي كَوْنِهِ عَلَى الضَّمِّ فَهُوَ تَكْمِيلُ الْحَرَكَاتِ الثَّلَاثِ لَهَا وَذَلِكَ لِأَنَّهَا فِي حَالَةِ إعْرَابِهَا إمَّا أَنْ تُنْصَبَ عَلَى الظَّرْفِيَّةِ أَوْ تُجَرَّ بِمِنْ فَنَاسَبَ أَنْ تَكُونَ مَضْمُومَةً فِي حَالِ بِنَائِهَا لِأَجْلِ أَنْ تُسْتَوْفَى الْحَرَكَاتُ الثَّلَاثُ وَالْعِلَّةُ فِي كَوْنِ الْبِنَاءِ عَلَى حَرَكَةِ التَّخَلُّصِ مِنْ الْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ (قَوْلُهُ: وَالْوَاوُ نَائِبَةٌ عَنْ أَمَّا) أَيْ وَأَمَّا نَائِبَةٌ عَنْ مَهْمَا وَيَكُنْ فَالْعِبَارَةُ فِيهَا حَذْفٌ بِدَلِيلِ التَّفْسِيرِ الَّذِي بَعْدَهُ (قَوْلُهُ: أَيْ مَهْمَا يَكُنْ مِنْ شَيْءٍ بَعْدَ إلَخْ) أَشَارَ بِذَلِكَ إلَى أَنَّ بَعْدَ مِنْ مَعْمُولَاتِ الشَّرْطِ، وَالْأَحْسَنُ جَعْلُهَا مَعْمُولَةً لِلْجَزَاءِ وَالْمَعْنَى مَهْمَا يَكُنْ مِنْ شَيْءٍ فَأَقُولُ بَعْدَ الْبَسْمَلَةِ قَدْ سَأَلَنِي فَيَكُونُ الْجَزَاءُ الَّذِي هُوَ قَوْلُهُ الْمَذْكُورُ مُعَلَّقًا عَلَى وُجُودِ شَيْءٍ فِي الدُّنْيَا، وَالدُّنْيَا مَا دَامَتْ مَوْجُودَةً لَا بُدَّ مِنْ وُجُودِ شَيْءٍ فِيهَا فَيَكُونُ الْجَوَابُ مُعَلَّقًا عَلَى مُحَقَّقٍ وَالْمُعَلَّقُ عَلَى مُحَقَّقٍ مُحَقَّقٌ بِخِلَافِ جَعْلِهَا مَعْمُولَةً لِلشَّرْطِ فَإِنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّ الْجَوَابَ مُعَلَّقٌ عَلَى وُجُودِ شَيْءٍ مُقَيَّدٍ بِكَوْنِهِ بَعْدَ الْبَسْمَلَةِ وَالْحَمْدَلَةِ وَالْمُعَلَّقُ عَلَى الْمُقَيَّدِ غَيْرُ مُحَقَّقِ الْوُقُوعِ (قَوْلُهُ: بَعْدَ مَا تَقَدَّمَ إلَخْ) أَيْ فَحَذَفَ الْمُضَافَ إلَيْهِ وَنَوَى مَعْنَاهُ وَبَنَى الظَّرْفَ عَلَى الضَّمِّ وَحُذِفَتْ مَهْمَا وَيَكُنْ وَأُقِيمَتْ مَا مَقَامَهُمَا ثُمَّ حُذِفَتْ أَمَّا وَأُقِيمَتْ الْوَاوُ مَقَامَهَا (قَوْلُهُ: أَيْ فَأَقُولُ إلَخْ) إنَّمَا قَدَّرَهُ؛ لِأَنَّ جَوَابَ الشَّرْطِ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ غَيْرَ وَاقِعٍ إذْ لَا صِحَّةَ لِتَعْلِيقِ الْوَاقِعِ وَكَوْنُهُ قَدْ سَأَلَهُ جَمَاعَةٌ مُخْتَصَرًا

ص: 17

وَهُوَ لُغَةً الْأَثَرُ الَّذِي يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى الطَّرِيقِ وَأَرَادَ بِهَا أَدِلَّةَ (التَّحْقِيقِ) مَصْدَرُ حَقَّقَ الشَّيْءَ أَثْبَتَهُ بِالدَّلِيلِ أَوْ أَتَى بِهِ عَلَى الْوَجْهِ الْحَقِّ وَلَوْ لَمْ يَذْكُرْ الدَّلِيلَ وَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا مَا كَانَ حَقًّا أَيْ مُطَابِقًا لِلْوَاقِعِ فَفِي مَعَالِمَ اسْتِعَارَةٌ تَصْرِيحِيَّةٌ وَيَصِحُّ أَنْ يُرَادَ بِالْمَعْلَمِ الْأَثَرُ نَفْسُهُ فَفِي التَّحْقِيقِ اسْتِعَارَةٌ بِالْكِنَايَةِ بِأَنْ شَبَّهَ التَّحْقِيقَ بِطَرِيقِ سُلُوكٍ تَشْبِيهًا مُضْمَرًا فِي النَّفْسِ عَلَى طَرِيقِ الْمَكْنِيَّةِ وَفِي مَعَالِمَ اسْتِعَارَةٌ تَخْيِيلِيَّةٌ (وَسَلَكَ) أَيْ ذَهَبَ (بِنَا وَبِهِمْ أَنْفَعَ طَرِيقٍ) أَيْ طَرِيقًا أَنْفَعَ تَأْلِيفًا (مُخْتَصَرًا) مَفْعُولٌ ثَانٍ لَسَأَلَ وَجُمْلَةُ أَبَانَ وَمَا بَعْدَهَا اعْتِرَاضٌ قُصِدَ بِهَا الدُّعَاءُ لَهُ وَلَهُمْ وَالِاخْتِصَارُ تَقْلِيلُ اللَّفْظِ مَعَ كَثْرَةِ الْمَعْنَى (عَلَى مَذْهَبِ الْإِمَامِ)

ــ

[حاشية الدسوقي]

أَمْرٌ وَاقِعِيٌّ فَلَا صِحَّةَ لِتَعْلِيقِهِ وَجَعْلِهِ جَوَابًا وَالْحَاصِلُ أَنَّ جُمْلَةَ قَوْلِهِ قَدْ سَأَلَنِي مَقُولَةً لِقَوْلٍ مَحْذُوفٍ هُوَ الْجَوَابُ لَا أَنَّ الْجُمْلَةَ الْمَذْكُورَةَ هِيَ الْجَوَابُ لِمَا عَلِمْت (قَوْلُهُ: الْأَثَرُ) أَيْ الْعَلَامَةُ (قَوْلُهُ: أَرَادَ بِهَا أَدِلَّةَ التَّحْقِيقِ) أَيْ عَلَى جِهَةِ الْمَجَازِ (قَوْلُهُ: أَوْ أَتَى بِهِ إلَخْ) فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ التَّحْقِيقَ يُطْلَقُ بِالِاشْتِرَاكِ عَلَى إثْبَاتِ الْمَسْأَلَةِ بِالدَّلِيلِ وَعَلَى الْإِتْيَانِ بِهَا عَلَى الْوَجْهِ الْحَقِّ، وَإِنْ لَمْ يُذْكَرْ لَهَا دَلِيلٌ (قَوْلُهُ: وَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا مَا كَانَ حَقًّا) أَيْ مِنْ الْأَحْكَامِ

(قَوْلُهُ: اسْتِعَارَةٌ تَصْرِيحِيَّةٌ) تَقْرِيرُهَا أَنْ يُقَالَ شَبَّهْت الْأَدِلَّةَ بِالْمَعَالِمِ أَيْ الْعَلَامَاتِ الَّتِي يُسْتَدَلُّ بِهَا بِجَامِعِ التَّوَصُّلِ بِكُلٍّ لِلْمَقْصُودِ وَاسْتُعِيرَ اسْمُ الْمُشَبَّهِ بِهِ لِلْمُشَبَّهِ عَلَى طَرِيقِ الِاسْتِعَارَةِ الْمُصَرِّحَةِ وَالْمَعْنَى أَظْهَرَ اللَّهُ لِي وَلَهُمْ أَدِلَّةَ الْأَحْكَامِ الْحَقَّةِ الْمُطَابِقَةِ لِلْوَاقِعِ.

لَا يُقَالُ: إنَّ هَذِهِ رُتْبَةُ الْمُجْتَهِدِ لَا الْمُقَلِّدِ وَالْمُصَنِّفُ مُقَلِّدٌ؛ لِأَنَّا نَقُولُ الِاجْتِهَادُ بَذْلُ الْوُسْعِ فِي اسْتِنْبَاطِ الْأَحْكَامِ مِنْ الْأَدِلَّةِ لَا إثْبَاتُ الْأَحْكَامِ الْمُقَرَّرَةِ بِأَدِلَّتِهَا وَالْمُصَنِّفُ سَأَلَ ظُهُورَ الْأَدِلَّةِ لِأَجْلِ أَنْ يُثْبِتَ بِهَا الْأَحْكَامَ الْمُقَرَّرَةَ (قَوْلُهُ: بِطَرِيقِ سُلُوكِ) أَيْ ذَاتِ مَعَالِمَ (قَوْلُهُ: وَسَلَكَ بِنَا إلَخْ) السُّلُوكُ هُوَ الذَّهَابُ وَالسَّيْرُ فِي الْأَرْضِ اسْتَعَارَهُ هُنَا لِلتَّوْفِيقِ أَيْ وَوَفَّقَنَا وَإِيَّاهُمْ إلَى الطَّرِيقِ الْأَحْسَنِ الْمُوصِلَةِ لِرِضَاهُ تَعَالَى أَيْ خَلَقَ فِينَا وَفِيهِمْ قُدْرَةً عَلَى ارْتِكَابِ أَحْسَنِ الطُّرُقِ الْمُوصِلَةِ إلَى رِضَاهُ وَقَالَ شَيْخُنَا فِي الْحَاشِيَةِ جُمْلَةُ وَسَلَكَ إلَخْ خَبَرِيَّةٌ لَفْظًا إنْشَائِيَّةٌ مَعْنًى وَالْمَعْنَى اللَّهُمَّ اُسْلُكْ بِنَا وَبِهِمْ أَنْفَعَ طَرِيقٍ إلَّا أَنَّ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيَّ وَهُوَ كَوْنُ الْمَوْلَى يَذْهَبُ مَعَهُمْ فِي الطَّرِيقِ الْحِسِّيَّةِ الْأَنْفَعِ غَيْرُ مُرَادٍ؛ لِأَنَّهُ مُسْتَحِيلٌ، وَإِنَّمَا الْكَلَامُ مِنْ قَبِيلِ الِاسْتِعَارَةِ التَّصْرِيحِيَّةِ التَّبَعِيَّةِ وَتَقْرِيرُهَا أَنْ يُقَالَ شَبَّهَ صَرْفَ اللَّهِ إرَادَتَهُمْ لِلْوَجْهِ الْأَنْفَعِ مِنْ عِلْمٍ أَوْ غَيْرِهِ بِسُلُوكِهِ مَعَهُمْ الطَّرِيقَ الْمُسْتَقِيمَ عَلَى فَرْضِ تَحَقُّقِهِ، وَإِنْ كَانَ مُسْتَحِيلًا وَاسْتَعَارَ اسْمَ الْمُشَبَّهِ بِهِ لِلْمُشَبَّهِ وَاشْتُقَّ مِنْ السُّلُوكِ سَلَكَ بِمَعْنَى اُسْلُكْ مُرَادًا بِهِ صَرْفُ إرَادَتِنَا لِلْوَجْهِ الْأَنْفَعِ مِنْ عِلْمٍ أَوْ غَيْرِهِ (قَوْلُهُ: أَنْفَعَ طَرِيقٍ) نُصِبَ عَلَى الظَّرْفِيَّةِ وَلَا يُقَالُ أَنْفَعَ لَيْسَ بِظَرْفٍ، وَإِنَّمَا هُوَ اسْمُ تَفْضِيلٍ لَيْسَ فِيهِ مَعْنَى الظَّرْفِيَّةِ؛ لِأَنَّ الظَّرْفَ اسْمُ الزَّمَانِ أَوْ الْمَكَانِ الْمُضَمَّنِ مَعْنَى فِي بِاطِّرَادٍ لِأَنَّا نَقُولُ لَمَّا أُضِيفَ أَفْعَلُ إلَى ظَرْفِ الْمَكَانِ كَانَ بَعْضُ مَا يُضَافُ إلَيْهِ فَقَدْ آلَ الْأَمْرُ إلَى أَنَّهُ ظَرْفٌ (قَوْلُهُ: أَيْ طَرِيقًا أَنْفَعَ) أَيْ فِي طَرِيقٍ أَنْفَعَ مِنْ غَيْرِهَا وَأَشَارَ الشَّارِحُ بِهَذَا إلَى أَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ أَنْفَعَ طَرِيقٍ مِنْ إضَافَةِ الصِّفَةِ لِلْمَوْصُوفِ وَارْتَكَبَهَا الْمُصَنِّفُ مَعَ كَوْنِهَا خِلَافَ الْأَصْلِ رِعَايَةً لِلسَّجْعِ (قَوْلُهُ: تَأْلِيفًا) قَدَّرَهُ إشَارَةً إلَى أَنَّ مُخْتَصَرًا صِفَةً لِمَوْصُوفٍ مَحْذُوفٍ (قَوْلُهُ: وَالِاخْتِصَارُ إلَخْ) وَعَلَى هَذَا فَالْمُخْتَصَرُ مَا قَلَّ لَفْظُهُ وَكَثُرَ مَعْنَاهُ وَيُقَابِلُهُ الْمُطَوَّلُ وَهُوَ مَا كَثُرَ لَفْظُهُ وَمَعْنَاهُ وَعَلَى هَذَا فَمَا كَثُرَ لَفْظُهُ وَقَلَّ مَعْنَاهُ أَوْ قَلَّ لَفْظُهُ وَمَعْنَاهُ وَاسِطَةٌ بَيْنَ الْمُخْتَصَرِ وَالْمُطَوَّلِ وَالْحَقُّ أَنَّهُ

ص: 18

أَيْ فِيمَا ذَهَبَ إلَيْهِ مِنْ الْأَحْكَامِ الِاجْتِهَادِيَّةِ إمَامُ الْأَئِمَّةِ (مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ) ابْنُ مَالِكٍ الْأَصْبَحِيُّ (- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - مُبَيِّنًا) بِكَسْرِ الْيَاءِ الْمُشَدَّدَةِ اسْمُ فَاعِلٍ نَعْتٌ ثَانٍ لِمُخْتَصَرٍ

ــ

[حاشية الدسوقي]

لَا وَاسِطَةَ بَيْنَهُمَا وَأَنَّ الْمُخْتَصَرَ مَا قَلَّ لَفْظُهُ وَكَثُرَ مَعْنَاهُ أَمْ لَا وَأَنَّ الْمُطَوَّلَ مَا كَثُرَ لَفْظُهُ كَثُرَ مَعْنَاهُ أَوْ قَلَّ فَقَوْلُ الشَّارِحِ الِاخْتِصَارُ تَقْلِيلُ اللَّفْظِ مَعَ كَثْرَةِ الْمَعْنَى هَذَا أَحَدُ قَوْلَيْنِ، وَالْآخَرُ أَنَّهُ تَقْلِيلُ اللَّفْظِ مُطْلَقًا أَيْ سَوَاءٌ كَثُرَ الْمَعْنَى أَمْ لَا (قَوْلُهُ: أَيْ فِيمَا ذَهَبَ إلَيْهِ مِنْ الْأَحْكَامِ الِاجْتِهَادِيَّةِ) أَشَارَ إلَى أَنَّ عَلَى فِي كَلَامِ الْمُصَنِّف بِمَعْنَى فِي وَأَنَّ مَذْهَبَ مَالِكٍ مَثَلًا عِبَارَةٌ عَمَّا ذَهَبَ إلَيْهِ مِنْ الْأَحْكَامِ الِاجْتِهَادِيَّةِ أَيْ الَّتِي بَذَلَ وُسْعَهُ فِي تَحْصِيلِهَا فَالْأَحْكَامُ الَّتِي نَصَّ الشَّارِعُ عَلَيْهَا فِي الْقُرْآنِ أَوْ فِي السُّنَّةِ لَا تُعَدُّ مِنْ مَذْهَبِ أَحَدٍ مِنْ الْمُجْتَهِدِينَ وَفِي ح عِنْدَ قَوْلِهِ وَبِالتَّرَدُّدِ لِتَرَدُّدِ الْمُتَأَخِّرِينَ سُئِلَ ابْنُ عَرَفَةَ هَلْ يُقَالُ فِي أَقْوَالِ الْأَصْحَابِ: إنَّهَا مِنْ مَذْهَبِ الْإِمَامِ فَقَالَ: إنْ كَانَ الْمُسْتَخْرِجُ لَهَا عَارِفًا بِقَوَاعِدِ إمَامِهِ وَأَحْسَنَ مُرَاعَاتَهَا صَحَّ نِسْبَتُهَا لِلْإِمَامِ وَجَعْلُهَا مِنْ مَذْهَبِهِ وَإِلَّا نُسِبَتْ لِقَائِلِهَا (قَوْلُهُ: إمَامُ الْأَئِمَّةِ) أَمَّا إمَامَتُهُ بِالنِّسْبَةِ لِلْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ وَالْإِمَامِ أَحْمَدَ فَظَاهِرَةٌ؛ لِأَنَّ الشَّافِعِيَّ أَخَذَ عَنْهُ كَمَا قَالَ مَالِكٌ أُسْتَاذِي وَعَنْهُ أَخَذْت الْعِلْمَ وَالْإِمَامُ أَحْمَدُ قَدْ أَخَذَ عَنْ الشَّافِعِيِّ، وَأَمَّا بِالنِّسْبَةِ لِأَبِي حَنِيفَةَ فَقَدْ أَلَّفَ السُّيُوطِيّ تَزْيِينَ الْمَمَالِكِ بِتَرْجَمَةِ الْإِمَامِ مَالِكٍ وَأَثْبَتَ فِيهِ أَخْذَ أَبِي حَنِيفَةَ عَنْهُ قَالَ وَأَلَّفَ الدَّارَقُطْنِيُّ جُزْءًا فِي الْأَحَادِيثِ الَّتِي رَوَاهَا أَبُو حَنِيفَةَ عَنْ مَالِكٍ.

(قَوْلُهُ: ابْنُ مَالِكٍ) أَيْ بْنُ أَبِي عَامِرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ بْنِ غَيْمَانَ بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ أَوَّلُهُ بَعْدَهَا مُثَنَّاةٌ تَحْتِيَّةٌ سَاكِنَةٌ ابْنُ خُثَيْمٍ بِالْمُثَلَّثَةِ مُصَغَّرًا أَوَّلُهُ خَاءٌ مُعْجَمَةٌ وَيُقَالُ أَيْضًا بِالْجِيمِ كَمَا فِي الْقَامُوسِ (قَوْلُهُ: الْأَصْبَحِيُّ) نِسْبَةٌ لِذِي أَصْبَحَ بَطْنٌ مِنْ حِمْيَرَ فَهُوَ مِنْ بُيُوتِ الْمُلُوكِ؛ لِأَنَّ أَذْوَاءَ الْيَمَنِ التَّبَابِعَةَ كَذِي يَزِنَ كَمَا فِي طفى يَزِيدُونَ لِلْمَلِكِ مِنْهُمْ فِي عِلْمِهِ ذُو تَعْظِيمًا كَذِي يَزِنَ أَيْ صَاحِبُ هَذَا الِاسْمِ وَلَمَّا كَانَتْ بُيُوتُ الْمُلُوكِ مِنْ أَصْبَحَ زَادُوا فِيهَا ذُو وَقَالُوا ذُو أَصْبَحَ وَكَانَ أَنَسٌ وَالِدُ الْإِمَامِ فَقِيهًا وَكَانَ جَدُّهُ مَالِكٌ مِنْ التَّابِعِينَ أَحَدَ الْأَرْبَعَةِ الَّذِينَ حَمَلُوا عُثْمَانَ إلَى قَبْرِهِ لَيْلًا وَدَفَنُوهُ فِي الْبَقِيعِ

وَأَبُو عَامِرٍ صَحَابِيٌّ شَهِدَ الْمَغَازِيَ كُلَّهَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إلَّا بَدْرًا وَالْإِمَامُ مِنْ تَابِعِ التَّابِعِينَ وَقِيلَ: إنَّهُ تَابِعِيٌّ؛ لِأَنَّهُ أَدْرَكَ عَائِشَةَ بِنْتَ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، وَقَدْ قِيلَ بِصُحْبَتِهَا لَكِنَّ الصَّحِيحَ أَنَّهَا لَيْسَتْ صَحَابِيَّةً وَحَمَلَتْ أُمُّ الْإِمَامِ مَالِكٍ وَهِيَ الْعَالِيَةُ بِنْتُ شَرِيكٍ الْأَزْدِيَّةُ بِهِ ثَلَاثَ سِنِينَ عَلَى الْأَشْهَرِ بِذِي الْمَرْوَةِ مَوْضِعٌ بِمَسَاجِدِ تَبُوكَ عَلَى ثَمَانِيَةِ بُرُدٍ مِنْ الْمَدِينَةِ وَكَانَ وِلَادَتُهُ سَنَةَ تِسْعِينَ وَوَفَاتُهُ سَنَةَ مِائَةٍ وَتِسْعٍ وَسَبْعِينَ وَكَانَ عُمْرُهُ تِسْعًا وَثَمَانِينَ (قَوْلُهُ: نَعْتٌ ثَانٍ لِمُخْتَصَرٍ) لَكِنَّ إسْنَادَ الْبَيَانِ لَهُ مَجَازٌ عَقْلِيٌّ؛ لِأَنَّهُ مُبَيِّنٌ فِيهِ لَا مُبَيِّنٌ وَيَصِحُّ جَعْلُهُ حَالًا مِنْ يَاءِ

ص: 19

مَطْلَبٌ فِي أَنَّ الْإِمَامَ مَنْ تَابَعَ التَّابِعِينَ (مَبْحَثٌ) تَفْسِيرُ الرَّاجِحِ وَالْمَشْهُورِ وَحُكْمُ الْفَتْوَى بِكُلٍّ وَغَيْرُ ذَلِكَ (مَبْحَثٌ) مَنْ أَتْلَفَ بِفَتْوَاهُ شَيْئًا وَأَخَذَ الْأُجْرَةَ عَلَى الْفُتْيَا وَغَيْرُ ذَلِكَ (لِمَا) أَيْ لِلْقَوْلِ الَّذِي تَجِبُ (بِهِ الْفَتْوَى) لِكَوْنِهِ الْمَشْهُورَ أَوْ الْمُرَجَّحَ (فَأَجَبْت) عَطْفٌ عَلَى سَأَلَنِي (سُؤَالَهُمْ) لَمْ يَقُلْ أَجَبْتُهُمْ إشَارَةً إلَى أَنَّهُ لَمْ يُضَيِّعْ مِنْ سُؤَالِهِمْ شَيْئًا بَلْ أَتَى بِهِ مُتَّصِفًا بِالْأَوْصَافِ الثَّلَاثَةِ الِاخْتِصَارِ وَكَوْنِهِ عَلَى الْمَذْهَبِ الْمَذْكُورِ وَالتَّبْيِينِ لِمَا بِهِ الْفَتْوَى (بَعْدَ الِاسْتِخَارَةِ) مُتَعَلِّقٌ بِأَجَبْتُ أَيْ بَعْدَ طَلَبِ الْخِيَرَةِ بِفَتْحِ الْخَاءِ وَكَسْرِهَا مَعَ فَتْحِ الْيَاءِ فِيهِمَا وَطَلَبِهَا بِصَلَاتِهَا وَدُعَائِهَا الْوَارِدَيْنِ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَهِيَ مِنْ الْكُنُوزِ الَّتِي أَظْهَرَهَا اللَّهُ تَعَالَى عَلَى يَدِ رَسُولِهِ عليه الصلاة والسلام فَلَا يَنْبَغِي لِعَاقِلٍ هَمَّ بِأَمْرٍ تَرْكُهَا

ــ

[حاشية الدسوقي]

سَأَلَنِي أَيْ سَأَلَنِي جَمَاعَةٌ تَأْلِيفًا مُخْتَصَرًا حَالَةَ كَوْنِي مُبَيِّنًا لَهُمْ فِيهِ الْقَوْلَ الَّذِي بِهِ الْفَتْوَى مِنْ أَقْوَالِ أَهْلِ الْمَذْهَبِ الْمَذْكُورِ

(قَوْلُهُ: لِمَا بِهِ الْفَتْوَى) فِيهِ أَنَّ مَا مِنْ صِيَغِ الْعُمُومِ مَعَ أَنَّ الْمُصَنِّفَ لَمْ يَذْكُرْ كُلَّ قَوْلٍ بِهِ الْفَتْوَى، وَقَدْ يُقَالُ: إنَّ هَذَا إخْبَارٌ عَمَّا عَزَمَ عَلَيْهِ وَلَا شَكَّ أَنَّ الْإِنْسَانَ قَدْ يَعْزِمُ عَلَى أَمْرٍ وَلَا يَتِمُّ لَهُ مَا عَزَمَ عَلَيْهِ لِنِسْيَانٍ أَوْ نَحْوِهِ (قَوْلُهُ: أَوْ الْمُرَجَّحَ) أَوْ مَانِعَةُ خُلُوٍّ تُجَوِّزُ الْجَمْعَ؛ لِأَنَّ مَا بِهِ الْفَتْوَى إمَّا مَشْهُورٌ فَقَطْ أَوْ رَاجِحٌ فَقَطْ أَوْ مَشْهُورٌ وَرَاجِحٌ وَالْمُرَجَّحُ مَا قَوِيَ دَلِيلُهُ وَالْمَشْهُورُ فِيهِ أَقْوَالٌ قِيلَ إنَّهُ مَا قَوِيَ دَلِيلُهُ فَيَكُونُ بِمَعْنَى الرَّاجِحِ وَقِيلَ مَا كَثُرَ قَائِلُهُ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ وَقِيلَ رِوَايَةُ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ ثُمَّ إنَّ كَلَامَ الشَّارِحِ يَقْتَضِي أَنَّ الْفَتْوَى إنَّمَا تَكُونُ بِالْقَوْلِ الْمَشْهُورِ أَوْ الرَّاجِحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَأَمَّا الْقَوْلُ الشَّاذُّ وَالْمُرَجَّحُ أَيْ الضَّعِيفُ فَلَا يُفْتَى بِهِمَا وَهُوَ كَذَلِكَ فَلَا يَجُوزُ الْإِفْتَاءُ بِوَاحِدٍ مِنْهُمَا وَلَا الْحُكْمُ بِهِ وَلَا يَجُوزُ الْعَمَلُ بِهِ فِي خَاصَّةِ النَّفْسِ بَلْ يُقَدَّمُ الْعَمَلُ بِقَوْلِ الْغَيْرِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ قَوْلَ الْغَيْرِ قَوِيَ فِي مَذْهَبِهِ كَذَا قَالَ الْأَشْيَاخُ وَذَكَرَ الْحَطَّابُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ جَوَازَ الْعَمَلِ بِالشَّاذِّ فِي خَاصَّةِ النَّفْسِ وَأَنَّهُ يُقَدَّمُ عَلَى الْعَمَلِ بِمَذْهَبِ الْغَيْرِ؛ لِأَنَّهُ قَوْلٌ فِي الْمَذْهَبِ وَالْأَوَّلُ هُوَ اخْتِيَارُ الْمِصْرِيِّينَ وَالثَّانِي اخْتِيَارُ الْمَغَارِبَةِ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا وَفِي ح أَنَّ مَنْ أَتْلَفَ بِفَتْوَاهُ شَيْئًا وَتَبَيَّنَ خَطَؤُهُ فِيهَا، فَإِنْ كَانَ مُجْتَهِدًا لَمْ يَضْمَنْ، وَإِنْ كَانَ مُقَلِّدًا ضَمِنَ إنْ انْتَصَبَ وَتَوَلَّى فِعْلَ مَا أَفْتَى فِيهِ وَإِلَّا كَانَتْ فَتْوَاهُ غُرُورًا قَوْلِيًّا لَا ضَمَانَ فِيهِ وَيُزْجَرُ، وَإِنْ لَمْ يَتَقَدَّمْ لَهُ اشْتِغَالٌ بِالْعِلْمِ أُدِّبَ وَتَجُوزُ الْأُجْرَةُ عَلَى الْفُتْيَا إنْ لَمْ تَتَعَيَّنْ وَفِيهِ أَيْضًا عَنْ زَرُّوقٍ قَدْ سَمِعْت بِأَنَّ بَعْضَ الشُّيُوخِ أَفْتَى بِأَنَّ مَنْ أَفْتَى مِنْ التَّقَايِيدِ فَإِنَّهُ يُؤَدَّبُ وَاسْتَظْهَرَ ح حَمْلَهُ عَلَى التَّقَايِيدِ الْمُخَالِفَةِ لِلنُّصُوصِ أَوْ الْقَوَاعِدِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُعَوَّلُ عَلَيْهَا، وَأَمَّا التَّقَايِيدُ الْمَنْقُولَةُ مِنْ الشُّرَّاحِ وَالنُّصُوصِ فَيَجُوزُ الْإِفْتَاءُ مِنْهَا قَطْعًا، فَإِنْ جَهِلَ حَالَ تِلْكَ التَّقَايِيدِ فَقَالَ فِي عج الظَّاهِرُ أَنَّهَا لَا تُعَدُّ نَقْلًا عِنْدَ جَهْلِ الْحَالِ وَفِي شب يَمْتَنِعُ تَتَبُّعُ رُخَصِ الْمَذَاهِبِ وَفَسَّرَهَا بِمَا يُنْقَضُ بِهِ حُكْمُ الْحَاكِمِ مِنْ مُخَالِفِ النَّصِّ وَجَلِيِّ الْقِيَاسِ وَقَالَ غَيْرُهُ: إنَّ الْمُرَادَ بِتَتَبُّعِ الرُّخَصِ رَفْعُ مَشَقَّةِ التَّكْلِيفِ بِاتِّبَاعِ كُلِّ سَهْلٍ وَفِيهِ أَيْضًا امْتِنَاعُ التَّلْفِيقِ وَاَلَّذِي سَمِعْنَاهُ مِنْ شَيْخِنَا نَقْلًا عَنْ شَيْخِهِ الصَّغِيرِ وَغَيْرِهِ أَنَّ الصَّحِيحَ جَوَازُهُ وَهُوَ فُسْحَةٌ اهـ وَبِالْجُمْلَةِ فَفِي التَّلْفِيقِ فِي الْعِبَادَةِ الْوَاحِدَةِ مِنْ مَذْهَبَيْنِ طَرِيقَتَانِ: الْمَنْعُ وَهُوَ طَرِيقَةُ الْمَصَارِوَةِ وَالْجَوَازُ وَهُوَ طَرِيقَةُ الْمَغَارِبَةِ وَرُجِّحَتْ.

(قَوْلُهُ: فَأَجَبْت سُؤَالَهُمْ) أَيْ بِوَضْعِ جَمِيعِ التَّأْلِيفِ إنْ كَانَتْ الْخُطْبَةُ مُتَأَخِّرَةً عَنْهُ أَوْ بِالشُّرُوعِ فِيهِ إنْ كَانَتْ مُتَقَدِّمَةً وَلَيْسَ قَوْلُهُ: بَعْدَ الِاسْتِخَارَةِ مُعَيَّنًا أَنَّ الْإِجَابَةَ بِالشُّرُوعِ لِصِدْقِهِ عَلَى الِاحْتِمَالَيْنِ؛ لِأَنَّ بَعْدَ ظَرْفٌ مُتَّسِعٌ (قَوْلُهُ: بَلْ أَتَى بِهِ) أَيْ بِمَا سَأَلُوهُ (قَوْلُهُ: أَيْ بَعْدَ طَلَبِ الْخِيَرَةِ) أَيْ بَعْدَ طَلَبِ مَا فِيهِ خَيْرٌ أَيْ طَلَبِ بَيَانٍ مَا هُوَ خَيْرٌ لِي وَأَوْلَى لِي هَلْ الِاشْتِغَالُ بِتَأْلِيفِ مُخْتَصَرٍ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي طَلَبُوهُ أَوْ الِاشْتِغَالُ بِغَيْرِهِ مِنْ أَوْجَهِ الطَّاعَاتِ (قَوْلُهُ: وَطَلَبُهَا) أَيْ وَطَلَبُ بَيَانِهَا (قَوْلُهُ: بِصَلَاتِهَا إلَخْ) أَيْ بِأَنْ يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ يَقْرَأُ فِي الْأُولَى الْكَافِرُونَ بَعْدَ الْفَاتِحَةِ وَفِي الثَّانِيَة الْإِخْلَاصَ كَذَلِكَ ثُمَّ بَعْدَ السَّلَامِ مِنْهُمَا يَسْتَغْفِرُ

ص: 20

ثُمَّ ذَكَرَ اصْطِلَاحَهُ فِي كِتَابِهِ لِيَقِفَ النَّاظِرُ عَلَيْهِ وَقَصْدُهُ بِذَلِكَ الِاخْتِصَارُ فَقَالَ (مُشِيرًا) حَالٌ مِنْ فَاعِلِ أَجَبْت مُقَدَّرَةٌ أَيْ أَجَبْتُهُمْ حَالَ كَوْنِي مُقَدِّرًا الْإِشَارَةَ (بِفِيهَا) أَيْ بِهَذَا اللَّفْظِ أَيْ وَنَحْوِهِ مِنْ كُلِّ ضَمِيرٍ مُؤَنَّثٍ غَائِبٍ عَائِدٍ عَلَى غَيْرِ مَذْكُورٍ أَوْ إنَّهُ عَبَّرَ بِفِيهَا عَنْ كُلِّ مَا ذُكِرَ مَجَازًا فَشَمِلَ نَحْوَ حَمَلْت وَقَيَّدْت وَنَحْوَ وَظَاهِرَهَا وَأُقِيمَ مِنْهَا (لِلْمُدَوَّنَةِ الَّتِي) هِيَ الْأُمُّ وَهِيَ تَدْوِينُ سَحْنُونٍ لِلْأَحْكَامِ الَّتِي أَخَذَهَا ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ الْإِمَامِ أَوْ رُبَّمَا ذَكَرَ فِيهَا مَا رَوَاهُ غَيْرُهُ وَمَا قَالَهُ مِنْ اجْتِهَادِهِ (وَ) مُشِيرًا (بِأُوِّلَ) أَيْ بِمَادَّةِ بِأُوِّلَ (إلَى اخْتِلَافِ شَارِحِيهَا) أَيْ شَارِحِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ مِنْهَا وَإِنْ لَمْ يَتَصَدَّوْا لِشَرْحِ سَائِرِهَا (فِي فَهْمِهَا) أَيْ فَهْمِ الْمُرَادِ مِنْ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ الْمُؤَدِّي إلَى فَهْمِ كُلٍّ لَهُ إلَى خِلَافِ فَهْمِ الْآخَرِ وَيَخْتَلِفُ الْمَعْنَى بِهِ وَيَصِيرُ قَوْلًا غَيْرَ الْآخَرِ، وَيَجُوزُ الْإِفْتَاءُ بِكُلٍّ إنْ لَمْ يُرَجِّحْ الْأَشْيَاخُ بَعْضَهَا وَهُوَ وَاضِحٌ لَا خَفَاءَ بِهِ وَلَيْسَ بِلَازِمٍ أَنَّ كُلَّ مَنْ ذَهَبَ إلَى تَأْوِيلٍ يَكُونُ مُوَافِقًا

ــ

[حاشية الدسوقي]

اللَّهَ نَحْوَ الثَّلَاثِ مَرَّاتٍ وَيُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ يَقُولُ: اللَّهُمَّ إنِّي أَسْتَخِيرُك بِعِلْمِك وَأَسْتَقْدِرُك بِقُدْرَتِك وَأَسْأَلُك مِنْ فَضْلِك الْعَظِيمِ فَإِنَّك تَقْدِرُ وَلَا أَقْدِرُ وَتَعْلَمُ وَلَا أَعْلَمُ وَأَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ اللَّهُمَّ إنْ كُنْت تَعْلَمُ أَنَّ هَذَا الْأَمْرَ خَيْرٌ لِي فِي دِينِي وَمَعَاشِي وَعَاقِبَةِ أَمْرِي فَاقْدُرْهُ لِي وَيَسِّرْهُ لِي وَبَارِكْ لِي فِيهِ، وَإِنْ كُنْت تَعْلَمُ أَنَّ هَذَا الْأَمْرَ شَرٌّ لِي فِي دِينِي وَمَعَاشِي وَعَاقِبَةِ أَمْرِي فَاصْرِفْهُ عَنْهُ وَاصْرِفْنِي عَنْهُ وَاقْدُرْ لِي الْخَيْرَ حَيْثُ كَانَ وَرَضِّنِي بِهِ اهـ وَقَوْلُهُ: إنْ كَانَ هَذَا الْأَمْرُ أَيْ الْمُلَاحَظُ فِي ذِهْنِهِ، وَإِنْ شَاءَ صَرَّحَ بِهِ بِأَنْ يَقُولَ إنْ كَانَ الشَّيْءُ الْفُلَانِيُّ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا ثُمَّ إذَا فَرَغَ مِنْ عَمَلِ الِاسْتِخَارَةِ فَكُلُّ مَا انْشَرَحَ لَهُ صَدْرُهُ مِنْ فِعْلٍ أَوْ تَرْكٍ مَضَى إلَيْهِ (قَوْلُهُ: لِيَقِفَ النَّاظِرُ عَلَيْهِ) أَيْ لِيَقِفَ عَلَى ذَلِكَ الِاصْطِلَاحِ النَّاظِرُ فِي كِتَابِهِ (قَوْلُهُ: مُقَدَّرَةٌ) أَيْ لَا مُقَارَنَةٌ؛ لِأَنَّ الْإِشَارَةَ لَيْسَتْ مُقَارِنَةً لِإِجَابَتِهِمْ بِالشُّرُوعِ فِي التَّأْلِيفِ

(قَوْلُهُ: وَنَحْوِهِ إلَخْ) إشَارَةً إلَى أَنَّ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ حَذْفَ الْوَاوِ مَعَ مَا عُطِفَتْ (قَوْلُهُ: مِنْ كُلِّ ضَمِيرٍ مُؤَنَّثٍ غَائِبٍ) أَيْ مِثْلُ أُقِيمُ مِنْهَا وَظَاهِرُهَا وَحُمِلَتْ وَقُيِّدَتْ (قَوْلُهُ: أَوْ إنَّهُ إلَخْ) أَشَارَ إلَى أَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ عَبَّرَ بِفِيهَا عَنْ كُلِّ مَا ذُكِرَ مَجَازًا مِنْ إطْلَاقِ الْخَاصِّ وَإِرَادَةِ الْعَامِّ وَصَحَّ عَوْدُ الضَّمِيرِ عَلَيْهَا غَيْرَ مَذْكُورَةٍ لِتَقَرُّرِهَا فِي أَذْهَانِ أَهْلِ الْمَذْهَبِ الْمَالِكِيِّ حَتَّى قَالَ مَشَايِخُهُمْ: إنَّهَا بِالنِّسْبَةِ لِغَيْرِهَا مِنْ كُتُبِ الْمَذْهَبِ كَالْفَاتِحَةِ فِي الصَّلَاةِ تُجْزِي عَنْ غَيْرِهَا وَلَا يُجْزِي غَيْرُهَا عَنْهَا (قَوْلُهُ: الَّتِي هِيَ الْأُمُّ) أَيْ لِكُتُبِ الْمَذْهَبِ أَوْ لِلْمَذْهَبِ نَفْسِهِ (قَوْلُهُ: مَا رَوَاهُ غَيْرُهُ) أَيْ مَا رَوَاهُ غَيْرُ ابْنِ الْقَاسِمِ كَأَشْهَبَ عَنْ مَالِكٍ (قَوْلُهُ: وَمَا قَالَهُ) أَيْ ابْنُ الْقَاسِمِ مِنْ اجْتِهَادِهِ (قَوْلُهُ: أَيْ بِمَادَّةٍ أَوَّلَ) أَيْ فَيَنْدَرِجُ فِيهِ تَأْوِيلَانِ وَتَأْوِيلَاتٌ (قَوْلُهُ: الْمُؤَدَّى) نَعْتٌ لِمَوْضِعٍ وَقَوْلُهُمْ كُلٌّ أَيْ مِنْ الشُّرَّاحِ وَهُوَ مَرْفُوعٌ فَاعِلٌ بِالْمُؤَدَّى وَقَوْلُهُ: لَهُ أَيْ لِذَلِكَ الْمَوْضِعِ وَقَوْلُهُ: إلَى خِلَافٍ مُتَعَلِّقٌ بِالْمُؤَدَّى (قَوْلُهُ: وَيَخْتَلِفُ الْمَعْنَى بِهِ) أَيْ بِذَلِكَ الْفَهْمِ (قَوْلُهُ: وَيَصِيرُ) أَيْ ذَلِكَ الْفَهْمُ وَقَوْله بِكُلٍّ أَيْ

ص: 21

لِقَوْلٍ كَانَ مَوْجُودًا مِنْ قَبْلُ بَلْ يَجُوزُ وَالْأَغْلَبُ عَدَمُ الْمُوَافَقَةِ (وَ) مُشِيرًا (بِالِاخْتِيَارِ) أَيْ بِمَادَّتِهِ الشَّامِلَةِ لِلِاسْمِ وَالْفِعْلِ (لِ) اخْتِيَارِ الْإِمَامِ (أَبِي الْحَسَنِ عَلِيٍّ اللَّخْمِيِّ) صَاحِبِ التَّبْصِرَةِ (لَكِنْ إنْ كَانَ) مَادَّةُ الِاخْتِيَارِ الَّتِي أَشَرْت بِهَا مُلْتَبِسَةً (بِصِيغَةِ الْفِعْلِ) كَاخْتَارَهُ (فَذَلِكَ) الِاخْتِيَارُ إشَارَةٌ (لِاخْتِيَارِهِ هُوَ فِي نَفْسِهِ) أَيْ مِنْ قِبَلِ نَفْسِهِ لَا مِنْ أَقْوَالِ أَهْلِ الْمَذْهَبِ (وَ) إنْ كَانَ (بِالِاسْمِ) كَالْمُخْتَارِ (فَذَلِكَ لِاخْتِيَارِهِ) لِذَلِكَ الْقَوْلِ (مِنْ الْخِلَافِ) بَيْنَ أَهْلِ الْمَذْهَبِ وَسَوَاءٌ وَقَعَ مِنْهُ بِلَفْظِ الِاخْتِيَارِ أَوْ التَّصْحِيحِ أَوْ التَّرْجِيحِ أَوْ التَّحْسِينِ أَوْ غَيْرِهَا (وَ) مُشِيرًا بِالتَّرْجِيحِ (لِ) تَرْجِيحِ الْإِمَامِ أَبِي بَكْرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ (ابْنِ يُونُسَ) وَسَوَاءٌ وَقَعَ مِنْهُ بِلَفْظِ التَّرْجِيحِ أَوْ غَيْرِهِ حَالَ كَوْنِ التَّرْجِيحِ الَّذِي أَشَرْت بِهِ (كَذَلِكَ) أَيْ مُشَابِهًا لِلِاخْتِيَارِ الْمُشَارِ بِهِ لِلَّخْمِيِّ فِي كَوْنِهِ إنْ كَانَ بِصِيغَةِ الْفِعْلِ فَذَلِكَ لِاخْتِيَارِهِ هُوَ فِي نَفْسِهِ وَإِنْ كَانَ بِالِاسْمِ فَذَلِكَ لِاخْتِيَارِهِ مِنْ الْخِلَافِ (وَبِالظُّهُورِ لِ) لِإِمَامِ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ (ابْنِ رُشْدٍ كَذَلِكَ وَبِالْقَوْلِ لِ) لِإِمَامِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدِ بْنِ (عَلِيِّ بْنِ عُمَرَ الْمَازِرِيِّ) نِسْبَةٌ لِمَازَرَةَ بِفَتْحِ الزَّايِ وَكَسْرِهَا مَدِينَةٌ فِي جَزِيرَةِ صِقِلِّيَّةَ وَهُوَ تِلْمِيذُ اللَّخْمِيِّ (كَذَلِكَ) أَيْ فِي التَّفْصِيلِ الْمُتَقَدِّمِ وَالْمُرَادُ مَتَى ذَكَرْت ذَلِكَ فَهُوَ إشَارَةٌ إلَى تَرْجِيحِهِمْ لَا أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ مَتَى رَجَّحَ بَعْضُهُمْ شَيْئًا أَشَرْت لَهُ بِمَا مَرَّ (وَحَيْثُ) أَيْ وَكُلُّ مَكَان مِنْ هَذَا الْمُخْتَصَرِ أَوْ وَكُلُّ وَقْتٍ (قُلْت) فِيهِ (خِلَافٌ)

ــ

[حاشية الدسوقي]

مِنْ الْفَهْمَيْنِ (قَوْلُهُ: بَلْ يَجُوزُ) أَيْ بَلْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُوَافِقًا لِقَوْلٍ كَانَ مَوْجُودًا، وَالْأَغْلَبُ أَنْ لَا يَكُونَ مُوَافِقًا لِقَوْلٍ مَوْجُودٍ (قَوْلُهُ: مُلْتَبِسَةً بِصِيغَةِ الْفِعْلِ) أَيْ مِنْ الْتِبَاسِ الْعَامِّ بِالْخَاصِّ

(قَوْلُهُ: فَذَلِكَ لِاخْتِيَارِهِ هُوَ فِي نَفْسِهِ) وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْفِعْلَ يَقْتَضِي التَّجَدُّدَ وَالْحُدُوثَ الْمُنَاسِبَ لِمَا يُجَدِّدُهُ وَيُحْدِثُهُ مِنْ عِنْدِ نَفْسِهِ (قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَ بِالِاسْمِ) أَيْ، وَإِنْ كَانَ مَادَّةُ الِاخْتِيَارِ مُلْتَبِسَةً بِصِيغَةِ الِاسْمِ وَقَوْلُهُ: فَذَلِكَ أَيْ الِاخْتِيَارُ إشَارَةٌ لِاخْتِيَارِهِ مِنْ الْخِلَافِ الْوَاقِعِ بَيْنَ أَهْلِ الْمَذْهَبِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الِاسْمَ يَقْتَضِي الثُّبُوتَ الْمُنَاسِبَ لِلثَّابِتِ بَيْنَ أَهْلِ الْمَذْهَبِ (قَوْلُهُ: وَسَوَاءٌ وَقَعَ مِنْهُ إلَخْ) أَيْ وَسَوَاءٌ وَقَعَ الِاخْتِيَارُ لِقَوْلٍ مِنْ اللَّخْمِيِّ بِلَفْظِ الِاخْتِيَارِ إلَخْ أَيْ فَإِنَّهُ عَلَى كُلِّ حَالٍ يُشِيرُ الْمُصَنِّفُ لِاخْتِيَارِهِ بِصِيغَةِ الِاسْمِ أَوْ الْفِعْلِ مِنْ مَادَّةِ الِاخْتِيَارِ (قَوْلُهُ: وَمُشِيرًا بِالتَّرْجِيحِ) أَيْ بِمَادَّتِهِ الشَّامِلَةِ لِلِاسْمِ وَالْفِعْلِ (قَوْلُهُ: وَسَوَاءٌ وَقَعَ مِنْهُ بِلَفْظِ التَّرْجِيحِ إلَخْ) أَيْ وَسَوَاءٌ كَانَ التَّرْجِيحُ الْوَاقِعُ مِنْ ابْنِ يُونُسَ بِلَفْظِ التَّرْجِيحِ أَوْ التَّصْحِيحِ أَوْ الِاخْتِيَارِ أَوْ الِاسْتِحْسَانِ فَإِنَّهُ عَلَى كُلِّ حَالٍ يُشِيرُ الْمُصَنِّفُ لِتَرْجِيحِهِ بِصِيغَةِ الْفِعْلِ أَوْ الِاسْمِ مِنْ مَادَّةِ التَّرْجِيحِ (قَوْلُهُ: فَذَلِكَ لِاخْتِيَارِهِ مِنْ الْخِلَافِ) أَيْ الْوَاقِعِ بَيْنَ الْمُتَقَدِّمِينَ مِنْ أَهْلِ الْمَذْهَبِ (قَوْلُهُ: وَبِالظُّهُورِ) أَيْ وَبِمَادَّةِ الظُّهُورِ الشَّامِلَةِ لِلِاسْمِ وَالْفِعْلِ وَكَذَا يُقَالُ فِي قَوْلِهِ بَعْدُ وَبِالْقَوْلِ (قَوْلُهُ: كَذَلِكَ) أَيْ حَالَ كَوْنِ الظُّهُورِ الَّذِي أَشَرْت بِهِ لِابْنِ رُشْدٍ مُشَابِهًا لِلِاخْتِيَارِ الْمُشَارِ بِهِ لِلَّخْمِيِّ فِي كَوْنِهِ إنْ كَانَ بِصِيغَةِ الْفِعْلِ فَذَلِكَ لِاخْتِيَارِهِ فِي نَفْسِهِ، وَإِنْ كَانَ بِصِيغَةِ الِاسْمِ فَذَلِكَ لِاخْتِيَارِهِ مِنْ الْخِلَافِ الْوَاقِعِ بَيْنَ الْمُتَقَدِّمِينَ مِنْ أَهْلِ الْمَذْهَبِ

(قَوْلُهُ: فِي جَزِيرَةِ صِقِلِّيَّةَ) أَيْ وَهِيَ الْمُسَمَّاةُ الْآنَ بِسِلْسِلِيَّةَ وَهِيَ جَزِيرَةٌ بِالْقُرْبِ مِنْ مَالِطَةَ أَعَادَهَا اللَّهُ لِلْإِسْلَامِ (قَوْلُهُ: فِي التَّفْصِيلِ الْمُتَقَدِّمِ) أَيْ فِي كَوْنِهِ إنْ كَانَ بِصِيغَةِ الْفِعْلِ فَذَلِكَ لِاخْتِيَارِهِ فِي نَفْسِهِ، وَإِنْ كَانَ بِصِيغَةِ الِاسْمِ فَذَلِكَ لِاخْتِيَارِهِ مِنْ الْخِلَافِ بَيْنَ أَهْلِ الْمَذْهَبِ الْمُتَقَدِّمِينَ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ: وَالْمُرَادُ إلَخْ) جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ: إنَّ هَؤُلَاءِ الْأَشْيَاخَ لَهُمْ تَرْجِيحَاتٌ كَثِيرَةٌ مَشَى الْمُصَنِّفُ عَلَيْهَا وَلَمْ يُشِرْ لَهَا بِشَيْءٍ مِمَّا ذُكِرَ (قَوْلُهُ: مَتَى ذَكَرْت ذَلِكَ) أَيْ مَا تَقَدَّمَ مِنْ مَادَّةِ الِاخْتِيَارِ أَوْ التَّرْجِيحِ أَوْ الظُّهُورِ أَوْ الْقَوْلِ (قَوْلُهُ: لَا أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ) أَيْ الْحَالَ وَالشَّأْنَ مَتَى رَجَّحَ بَعْضُهُمْ شَيْئًا إلَخْ أَيْ حَتَّى يَعْتَرِضَ بِوُجُودِ تَرْجِيحَاتٍ كَثِيرَةٍ لَهُمْ مَشَى الْمُصَنِّفُ عَلَيْهَا وَلَمْ يُشِرْ إلَيْهَا وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ هَؤُلَاءِ الْمَشَايِخَ الْأَرْبَعَةَ عَلَى تَرْتِيبِهِمْ فِي الْوُجُودِ وَأَقْدَمُهُمْ ابْنُ يُونُسَ الصَّقَلِّيُّ تُوُفِّيَ سَنَةَ أَرْبَعمِائَةٍ وَوَاحِدٍ وَخَمْسِينَ ثُمَّ اللَّخْمِيُّ الصَّفَاقُصِيُّ تُوُفِّيَ سَنَةَ أَرْبَعِمِائَةٍ وَثَمَانِيَةٍ وَسَبْعِينَ ثُمَّ ابْنُ رُشْدٍ الْقُرْطُبِيُّ تُوُفِّيَ سَنَةَ خَمْسِمِائَةٍ وَثَلَاثِينَ ثُمَّ الْمَازِرِيُّ تُوُفِّيَ سَنَةَ خَمْسِمِائَةٍ وَسِتٍّ وَثَلَاثِينَ وَخَصَّ هَؤُلَاءِ الْأَرْبَعَةَ بِالذِّكْرِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقَعْ لِأَحَدٍ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ مَا وَقَعَ لَهُمْ مِنْ التَّعَبِ فِي تَحْرِير الْمَذْهَبِ وَتَهْذِيبِهِ وَخُصَّ ابْنُ يُونُسَ بِالتَّرْجِيحِ؛ لِأَنَّ أَكْثَرَ اجْتِهَادِهِ فِي الْمَيْلِ إلَى بَعْضِ أَقْوَالِ مَنْ سَبَقَهُ وَمَا يَخْتَارُهُ لِنَفْسِهِ قَلِيلٌ وَخُصَّ ابْنُ رُشْدٍ بِالظُّهُورِ لِاعْتِمَادِهِ كَثِيرًا عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَاتِ فَيَقُولُ يَأْتِي عَلَى رِوَايَةِ كَذَا كَذَا وَظَاهِرُ مَا فِي سَمَاعِ فُلَانٍ كَذَا وَخُصَّ الْمَازِرِيُّ بِالْقَوْلِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا قَوِيَتْ عَارِضَتُهُ فِي الْعُلُومِ وَتَصَرَّفَ فِيهَا تَصَرُّفَ الْمُجْتَهِدِينَ كَانَ صَاحِبَ قَوْلٍ يُعْتَمَدُ عَلَيْهِ وَخُصَّ اللَّخْمِيُّ بِمَادَّةِ الِاخْتِيَارِ؛ لِأَنَّهُ كَانَ أَجْرَأَهُمْ عَلَى ذَلِكَ (قَوْلُهُ: أَيْ وَكُلُّ مَكَان إلَخْ) أَشَارَ بِهَذَا إلَى أَنَّ حَيْثُ مُبْتَدَأٌ وَأَنَّهَا إمَّا بِمَعْنَى الْمَكَانِ أَوْ الزَّمَانِ وَقَوْلُهُ: فَذَلِكَ إلَخْ هُوَ الْخَبَرُ وَدَخَلَتْ الْفَاءُ عَلَيْهِ لِإِجْرَاءِ كَلِمَةِ الظَّرْفِ مَجْرَى كَلِمَةِ الشَّرْطِ فِي الْعُمُومِ وَحَاصِلُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ

ص: 22

أَيْ هَذَا اللَّفْظُ (فَذَلِكَ) أَيْ قَوْلِي خِلَافٌ إشَارَةً (لِلِاخْتِلَافِ) بَيْنَ أَئِمَّةِ أَهْلِ الْمَذْهَبِ (فِي التَّشْهِيرِ) لِلْأَقْوَالِ إنْ تَسَاوَى الْمُشَهِّرُونَ فِي الرُّتْبَةِ عِنْدَهُ وَسَوَاءٌ وَقَعَ مِنْهُمْ بِلَفْظِ التَّشْهِيرِ أَوْ بِمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ كَالْمَذْهَبِ كَذَا أَوْ الظَّاهِرِ كَذَا أَوْ الرَّاجِحِ أَوْ الْمَعْرُوفِ أَوْ الْمُعْتَمَدِ كَذَا فَالْمُرَادُ بِالتَّشْهِيرِ التَّرْجِيحُ، فَإِنْ لَمْ يَتَسَاوَ الْمُرَجِّحُونَ اقْتَصَرَ عَلَى مَا رَجَّحَهُ الْأَقْوَى عُرِفَ ذَلِكَ مِنْ تَتَبُّعِ كَلَامِهِ (وَحَيْثُ ذَكَرْت قَوْلَيْنِ أَوْ أَقْوَالًا) بِلَا تَرْجِيحٍ (فَذَلِكَ) إشَارَةٌ (لِعَدَمِ اطِّلَاعِي فِي الْفَرْعِ) أَيْ الْحُكْمِ الْفِقْهِيِّ الَّذِي وَقَعَ فِيهِ الِاخْتِلَافُ (عَلَى أَرْجَحِيَّةِ) أَيْ رَاجِحِيَّةٍ (مَنْصُوصَةٍ) لِأَهْلِ الْمَذْهَبِ أَيْ لَمْ أَجِدْ تَرْجِيحًا أَصْلًا فَأَفْعَلُ التَّفْضِيلِ فِي الْمُصَنَّفِ لَيْسَ عَلَى بَابِهِ فَتَأَمَّلْ أَمَّا لَوْ وَجَدَ رَاجِحِيَّةً أَوْ أَرْجَحِيَّةً لِأَحَدِ الْأَقْوَالِ لَاقْتَصَرَ عَلَى الرَّاجِحِ أَوْ الْأَرْجَحِ وَلَوْ وَجَدَ رَاجِحِيَّةً لِلْكُلِّ لَعَبَّرَ بِخِلَافٍ كَمَا مَرَّ فَالصُّوَرُ أَرْبَعٌ (وَأَعْتَبِرُ)

ــ

[حاشية الدسوقي]

أَنَّ الشُّيُوخَ إذَا اخْتَلَفُوا فِي تَشْهِيرِ أَقْوَالٍ فِي مَسْأَلَةٍ فَإِنَّهُ يَذْكُرُ الْقَوْلَيْنِ الْمَشْهُورَيْنِ أَوْ الْأَقْوَالَ الْمَشْهُورَةَ وَيَأْتِي بَعْدَهَا بِلَفْظِ خِلَافٌ إشَارَةً لِذَلِكَ

(قَوْلُهُ: أَيْ هَذَا اللَّفْظُ) أَشَارَ بِذَلِكَ إلَى أَنَّ " خِلَافٌ " فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا مَرْفُوعٌ عَلَى الْحِكَايَةِ إذْ هُوَ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ الْآتِي لَهُ فِي الْأَبْوَابِ مَرْفُوعٌ مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ مَحْذُوفٌ تَارَةً وَمَذْكُورٌ أُخْرَى، وَإِنَّمَا لَمْ يَنْصِبْهُ نَظَرًا لِكَوْنِهِ مَقُولَ الْقَوْلِ لِاقْتِضَائِهِ أَنَّهُ مَتَى ذَكَرَ أَقْوَالًا مُخْتَلِفَةً فِي مَسْأَلَةٍ كَقَوْلِهِ: اُعْتُدَّ بِهِ عِنْدَ مَالِكٍ لَا ابْنِ الْقَاسِمِ وَكَقَوْلِهِ وَتَصَرُّفُهُ قَبْلَ الْحَجْرِ مَحْمُولٌ عَلَى الْإِجَازَةِ عِنْدَ مَالِكٍ لَا ابْنِ الْقَاسِمِ كَانَتْ تِلْكَ الْأَقْوَالُ مُخْتَلِفَةً فِي التَّشْهِيرِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ لَا يُقَالُ الْقَوْلُ لَا يَنْصِبُ الْمُفْرَدَ.

لِأَنَّا نَقُولُ: إنَّهُ يَنْصِبُهُ إذَا أُوِّلَ الْقَوْلُ بِالذِّكْرِ وَحِينَئِذٍ فَلَوْ نَصَبَ خِلَافًا لَكَانَ الْمَعْنَى وَحَيْثُ ذَكَرْت خِلَافًا أَيْ اخْتِلَافًا وَنِزَاعًا فِي مَسْأَلَةٍ سَوَاءٌ عَبَّرَ بِمَادَّةِ الْخِلَافِ أَوْ الْأَقْوَالِ أَوْ لَمْ يُعَبِّرْ بِذَلِكَ (قَوْلُهُ: وَسَوَاءٌ وَقَعَ مِنْهُمْ إلَخْ) أَيْ سَوَاءٌ وَقَعَ الِاخْتِلَافُ فِي التَّشْهِيرِ مِنْ هَؤُلَاءِ الْمُشَهِّرِينَ الْمُتَسَاوِينَ فِي الرُّتْبَةِ عِنْدَهُ بِلَفْظِ التَّشْهِيرِ بِأَنْ عَبَّرَ كُلٌّ مِنْهُمْ بِالْمَشْهُورِ كَذَا وَقَوْلُهُ: أَوْ بِمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ إلَخْ أَيْ بِأَنْ عَبَّرَ كُلٌّ مِنْهُمْ بِالْمَذْهَبِ كَذَا أَوْ الْمَعْرُوفِ كَذَا أَوْ الْمُعْتَمَدِ كَذَا أَوْ الرَّاجِحِ كَذَا

(قَوْلُهُ: فَإِنْ لَمْ يَتَسَاوَ الْمُرَجِّحُونَ) أَيْ فِي الرُّتْبَةِ عِنْدَهُ (قَوْلُهُ: اقْتَصَرَ عَلَى مَا رَجَّحَهُ الْأَقْوَى) أَيْ عَلَى مَا رَجَّحَهُ أَعْلَاهُمْ فِي الرُّتْبَةِ وَاقْتِصَارُهُ عَلَى مَا رَجَّحَهُ الْأَقْوَى بِالنَّظَرِ لِلْغَالِبِ وَمِنْ غَيْرِ الْغَالِبِ قَدْ يَذْكُرُ أَوَّلًا الْمُعْتَمَدُ وَيَذْكُرُ بَعْدَهُ الْقَوْلُ الضَّعِيفُ كَقَوْلِهِ فِي الذَّكَاةِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ مَا شَهَرَهُ الْأَعْلَى وَشَهَرَ أَيْضًا الِاكْتِفَاءَ بِنِصْفِ الْحُلْقُومِ وَالْوَدَجَيْنِ (قَوْلُهُ: وَحَيْثُ ذَكَرْت قَوْلَيْنِ إلَخْ) أَيْ وَكُلُّ مَكَان مِنْ هَذَا الْكِتَابِ وَقَعَ مِنِّي فِيهِ ذِكْرُ قَوْلَيْنِ أَوْ أَقْوَالٍ بِأَنْ قَالَ: هَلْ كَذَا أَوْ كَذَا قَوْلَانِ أَوْ أَقْوَالٌ أَوْ قَالَ هَلْ كَذَا أَوْ كَذَا ثَالِثُهَا كَذَا وَرَابِعُهَا كَذَا فَلَا فَرْقَ بَيْنَ تَلَفُّظِهِ بِصِيغَةِ الْقَوْلِ وَعَدَمِهِ (قَوْلُهُ: فَذَلِكَ) أَيْ ذِكْرُ الْقَوْلَيْنِ أَوْ الْأَقْوَالِ بِلَا تَرْجِيحٍ (قَوْلُهُ: إشَارَةٌ) أَيْ ذُو إشَارَةٍ أَوْ مُشِيرٌ (قَوْلُهُ: أَيْ الْحُكْمُ الْفِقْهِيُّ) أَشَارَ بِهَذَا التَّعْرِيفِ لِلْفَرْعِ وَهُوَ الْحُكْمُ الْفِقْهِيُّ أَيْ الْحُكْمُ الشَّرْعِيُّ الْمُتَعَلِّقُ بِكَيْفِيَّةِ عَمَلٍ قَلْبِيٍّ أَوْ غَيْرِهِ فَالْأَوَّلُ كَثُبُوتِ الْوُجُوبِ لِلنِّيَّةِ فِي الْوُضُوءِ فَإِنَّهُ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ تَعَلَّقَ بِالْوُجُوبِ الَّذِي هُوَ كَيْفِيَّةٌ لِلنِّيَّةِ الَّتِي هِيَ عَمَلٌ قَلْبِيٌّ، وَالثَّانِي كَثُبُوتِ الْوُجُوبِ لِلْوُضُوءِ فَإِنَّهُ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ تَعَلَّقَ بِالْوُجُوبِ الَّذِي هُوَ كَيْفِيَّةٌ لِلْعَمَلِ الْغَيْرِ الْقَلْبِيِّ أَعْنِي الْوُضُوءَ، وَالْمُرَادُ بِكَوْنِ الْحُكْمِ شَرْعِيًّا أَنَّهُ مَأْخُوذٌ مِنْ الشَّرْعِ الَّذِي جَاءَ بِهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِالِاسْتِنْبَاطِ (قَوْلُهُ: أَيْ لَمْ أَجِدْ تَرْجِيحًا أَصْلًا) أَيْ لَمْ أَجِدْ فِي تِلْكَ الْأَقْوَالِ الْمَوْجُودَةِ فِي ذَلِكَ الْفَرْعِ تَرْجِيحًا لِأَحَدٍ أَصْلًا (قَوْلُهُ: فَتَأَمَّلْ) أَمْرٌ بِالتَّأَمُّلِ لِصُعُوبَةِ الْمَقَامِ؛ لِأَنَّ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ بِحَسَبِ ظَاهِرِهِ يَصْدُقُ بِمَا إذَا اطَّلَعَ عَلَى رَاجِحِيَّةٍ لِأَحَدِ الْقَوْلَيْنِ أَوْ الْأَقْوَالِ وَبِمَا إذَا اطَّلَعَ عَلَى رَاجِحِيَّةٍ لِكُلٍّ مِنْ الْقَوْلَيْنِ أَوْ الْأَقْوَالِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ الْأَمْرُ فِي ذَلِكَ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ (قَوْلُهُ: أَمَّا لَوْ وَجَدَ رَاجِحِيَّةً) أَيْ لِأَحَدِ الْقَوْلَيْنِ وَكَانَ مُقَابِلُهُ ضَعِيفًا (قَوْلُهُ: وَأَرْجَحِيَّةً) أَيْ لِأَحَدِ الْأَقْوَالِ وَكَانَ مُقَابِلُهُ رَاجِحًا فَقَطْ

(قَوْلُهُ: فَالصُّوَرُ أَرْبَعٌ) الْأُولَى مَا إذَا اطَّلَعَ عَلَى رَاجِحِيَّةٍ فِي كُلٍّ مِنْ الْقَوْلَيْنِ وَفِي هَذِهِ

ص: 23

لُزُومًا (مِنْ الْمَفَاهِيمِ) جَمْعُ مَفْهُومٍ وَهُوَ مَا دَلَّ عَلَيْهِ اللَّفْظُ لَا فِي مَحَلِّ النُّطْقِ (مَفْهُومَ الشَّرْطِ فَقَطْ) أَيْ أَنَّهُ يُنَزِّلُهُ مَنْزِلَةَ الْمَنْطُوقِ وَهُوَ مَا دَلَّ عَلَيْهِ اللَّفْظُ فِي مَحَلِّ النُّطْقِ حَتَّى لَا يَحْتَاجَ إلَى التَّصْرِيحِ بِهِ إلَّا لِنُكْتَةٍ كَمَا سَتَرَاهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ، وَأَمَّا غَيْرُهُ مِنْ الْمَفَاهِيمِ فَلَا يُعْتَبَرُ لُزُومًا بَلْ تَارَةً وَتَارَةً، وَإِنَّمَا اعْتَبَرَهُ لُزُومًا لِتَبَادُرِ الْفَهْمِ إلَيْهِ لِقُرْبِهِ مِنْ الْمَنْطُوقِ وَكَثْرَتِهِ فِي كَلَامِهِ إذْ لَوْ لَمْ يَعْتَبِرْهُ لَفَاتَهُ الِاخْتِصَارُ وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمَفْهُومَ قِسْمَانِ مَفْهُومُ مُوَافَقَةٍ وَهُوَ مَا وَافَقَ الْمَنْطُوقَ فِي حُكْمِهِ كَضَرْبِ الْوَالِدَيْنِ الْمَفْهُومِ مِنْ قَوْله تَعَالَى {فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ} [الإسراء: 23] وَكَإِحْرَاقِ مَالِ الْيَتِيمِ الْمَفْهُومِ مِنْ قَوْله تَعَالَى {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا} [النساء: 10]

فَإِنَّ كُلًّا مِنْ الضَّرْبِ وَالْإِحْرَاقِ مُوَافِقٌ لِلتَّأْفِيفِ وَالْأَكْلِ فِي الْحُرْمَةِ بِالنَّظَرِ لِلْمَعْنَى، وَالْأَوَّلُ مَفْهُومٌ بِالْأُولَى وَالثَّانِي بِالْمُسَاوَاةِ وَمَفْهُومُ مُخَالَفَةٍ وَهُوَ مَا خَالَفَ الْمَنْطُوقَ فِي حُكْمِهِ وَهُوَ عَشْرَةُ أَنْوَاعٍ

ــ

[حاشية الدسوقي]

يُعَبَّرُ بِخِلَافَ الثَّانِيَةُ أَنْ يَطَّلِعَ عَلَى أَرْجَحِيَّةٍ لِأَحَدِ الْأَقْوَالِ. الثَّالِثَةُ أَنْ يَطَّلِعَ عَلَى أَرْجَحِيَّةٍ لِأَحَدِ الْأَقْوَالِ وَفِي الْأُولَى مِنْ هَاتَيْنِ الصُّورَتَيْنِ يَقْتَصِرُ عَلَى الرَّاجِحِ وَفِي الثَّانِيَةِ مِنْهُمَا يَقْتَصِرُ عَلَى الْأَرْجَحِ. الرَّابِعَةُ أَنْ لَا يَطَّلِعَ عَلَى تَرْجِيحٍ لِقَوْلِ مِنْ الْأَقْوَالِ الَّتِي فِي الْمَسْأَلَةِ أَصْلًا وَفِي هَذِهِ يُعَبَّرُ بِقَوْلَيْنِ أَوْ أَقْوَالٍ (قَوْلُهُ: لُزُومًا) أَيْ دَائِمًا وَفِي كُلِّ مَحَلٍّ مِنْ هَذَا الْمُخْتَصَرِ بِخِلَافِ غَيْرِ مَفْهُومِ الشَّرْطِ مِنْ الْمَفَاهِيمِ فَتَارَةً يَعْتَبِرُهُ وَيُنَزِّلُهُ مَنْزِلَةَ الْمَنْطُوقِ وَتَارَةً لَا يَعْتَبِرُهُ (قَوْلُهُ: مِنْ الْمَفَاهِيمِ) مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ حَالٍ مِنْ مَفْهُومِ الشَّرْطِ مُقَدَّمٌ عَلَيْهِ وَمَفْهُومُ الشَّرْطِ مَفْعُولُ اعْتَبَرَ أَوْ أَنَّ الظَّرْفَ لَغْوٌ مُتَعَلِّقٌ بِاعْتَبَرَ (قَوْلُهُ: مَا دَلَّ عَلَيْهِ اللَّفْظُ) أَيْ مَعْنَى دَلَّ عَلَيْهِ اللَّفْظُ (قَوْلُهُ: لَا فِي مَحَلِّ النُّطْقِ) فِي لِلظَّرْفِيَّةِ وَإِضَافَةُ مَحَلٍّ لِلنُّطْقِ بَيَانِيَّةٌ وَالْمُرَادُ بِالنُّطْقِ الْمَنْطُوقُ بِهِ أَيْ مَعْنَى دَلَّ عَلَيْهِ اللَّفْظُ حَالَةَ كَوْنِ ذَلِكَ الْمَعْنَى غَيْرَ مَظْرُوفٍ فِي اللَّفْظِ الْمَنْطُوقِ بِهِ بَلْ فِي الْمَسْكُوتِ عَنْهُ.

وَمُحَصَّلُهُ أَنَّ الْمَفْهُومَ عِبَارَةٌ عَنْ الْمَعْنَى الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ اللَّفْظُ الْمَسْكُوتُ عَنْهُ وَذَلِكَ كَضَرْبِ الْأَبَوَيْنِ فِي قَوْله تَعَالَى {فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ} [الإسراء: 23] فَإِنَّهُ مَعْنًى دَلَّ عَلَيْهِ اللَّفْظُ الْمَسْكُوتُ عَنْهُ وَهُوَ لَا تَضْرِبْهُمَا (قَوْلُهُ: مَفْهُومَ الشَّرْطِ فَقَطْ) أَيْ بِالنِّسْبَةِ لِلْمَفَاهِيمِ السِّتَّةِ الْمَذْكُورَةِ بَعْدَهُ فِيمَا سَيَأْتِي فِي الشَّرْحِ، وَأَمَّا الْمَفَاهِيمُ الثَّلَاثَةُ الْمَذْكُورَةُ قَبْلَهُ فِيمَا يَأْتِي فِي عِبَارَةِ الشَّارِحِ وَهِيَ مَفْهُومُ الْحَصْرِ وَمَفْهُومُ الْغَايَةِ وَالِاسْتِثْنَاءِ فَإِنَّهُ يَعْتَبِرُهَا مِنْ بَابٍ أَوْلَى؛ لِأَنَّهَا أَقْوَى مِنْ مَفْهُومِ الشَّرْطِ إذْ قَدْ قِيلَ فِيهَا أَنَّهَا مِنْ قَبِيلِ الْمَنْطُوقِ (قَوْلُهُ: أَيْ أَنَّهُ) أَيْ الْمُصَنِّفَ وَقَوْلُهُ: يُنَزِّلُهُ أَيْ مَفْهُومَ الشَّرْطِ مَنْزِلَةَ الْمَنْطُوقِ وَهَذَا بَيَانٌ لِمَعْنَى اعْتِبَارِهِ لِمَفْهُومِ الشَّرْطِ وَحَاصِلُهُ أَنَّ مَعْنَى اعْتِبَارِهِ لَهُ أَنَّهُ إذَا ذَكَرَ شَرْطًا فَلَا يَذْكُرُ مَفْهُومُهُ؛ لِأَنَّهُ كَالْمُصَرَّحِ بِهِ فَيَصِيرُ ذِكْرُهُ كَالتَّكْرَارِ

(قَوْلُهُ: مَا دَلَّ عَلَيْهِ اللَّفْظُ فِي مَحَلِّ النُّطْقِ) مَا وَاقِعَةٌ عَلَى مَعْنًى وَفِي لِلظَّرْفِيَّةِ وَإِضَافَةُ مَحَلٍّ لِلنُّطْقِ بَيَانِيَّةٌ وَالْمُرَادُ بِالنُّطْقِ الْمَنْطُوقُ بِهِ أَيْ مَعْنًى دَلَّ عَلَيْهِ اللَّفْظُ حَالَةَ كَوْنِ ذَلِكَ الْمَعْنَى مَظْرُوفًا فِي مَحَلٍّ هُوَ الْمَنْطُوقُ بِهِ أَيْ حَالَةَ كَوْنِ ذَلِكَ الْمَعْنَى مَظْرُوفًا فِي اللَّفْظِ الْمَنْطُوقِ بِهِ أَوْ أَنَّ الْمَعْنَى مَا دَلَّ عَلَيْهِ اللَّفْظُ حَالَةَ كَوْنِ ذَلِكَ اللَّفْظِ مَظْرُوفًا فِي اللَّفْظِ الْمَنْطُوقِ بِهِ وَمُتَحَقِّقًا فِيهِ مِنْ ظَرْفِيَّةِ الْعَامِّ فِي الْخَاصِّ وَذَلِكَ كَالتَّأْفِيفِ فَإِنَّهُ مَعْنًى دَلَّ عَلَيْهِ اللَّفْظُ الْمَنْطُوقُ بِهِ وَمَظْرُوفٌ فِيهِ مِنْ ظَرْفِيَّةِ الْمَدْلُولِ فِي الدَّالِّ، وَقَدْ يُطْلَقُ الْمَنْطُوقُ عَلَى حُرْمَتِهِ (قَوْلُهُ: حَتَّى لَا يَحْتَاجَ إلَى التَّصْرِيحِ بِهِ) أَيْ بِمَفْهُومِ الشَّرْطِ وَهَذَا مُفَرَّعٌ عَلَى قَوْلِهِ أَيْ أَنَّهُ يُنَزِّلُهُ إلَخْ وَقَوْلُهُ: لِنُكْتَةٍ أَيْ كَالْمُبَالَغَةِ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ: بِالنَّظَرِ لِلْمَعْنَى) أَيْ بِالنَّظَرِ لِلْعِلَّةِ وَهِيَ الْإِيذَاءُ وَالْإِتْلَافُ لِمَالِ الْيَتِيمِ وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْعِلَّةَ فِي حُرْمَةِ التَّأْفِيفِ الْإِيذَاءُ وَهُوَ مَوْجُودٌ فِي الضَّرْبِ فَيَكُونُ مِثْلَ التَّأْفِيفِ فِي الْحُرْمَةِ بِجَامِعِ الْإِيذَاءِ وَالْعِلَّةُ فِي حُرْمَةِ أَكْلِ مَالِ الْيَتِيمِ إتْلَافُهُ وَذَلِكَ مَوْجُودٌ فِي حَرْقِهِ فَيَكُونُ حَرْقُهُ حَرَامًا قِيَاسًا عَلَى أَكْلِهِ بِجَامِعِ الْإِتْلَافِ فِي كُلٍّ (قَوْلُهُ: وَالْأَوَّلُ) أَيْ ضَرْبُ الْأَبَوَيْنِ (قَوْلُهُ: مَفْهُومٌ بِالْأَوْلَى) أَيْ مَفْهُومٌ حُكْمُهُ بِالْأَوْلَى مِنْ الْمَنْطُوقِ وَقَوْلُهُ: وَالثَّانِي أَيْ إحْرَاقُ مَالِ الْيَتِيمِ وَقَوْلُهُ: بِالْمُسَاوَاةِ أَيْ مَفْهُومُ حُكْمِهِ بِالْمُسَاوَاةِ لِلْمَنْطُوقِ وَأَشَارَ الشَّارِحُ بِهَذَا إلَى أَنَّ مَفْهُومَ الْمُوَافَقَةِ

ص: 24

مَفْهُومُ الْحَصْرِ بِالنَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ أَوْ بِإِنَّمَا وَقِيلَ: إنَّهُ مِنْ الْمَنْطُوقِ وَمَفْهُومُ الْغَايَةِ نَحْوُ {ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} [البقرة: 187] وَمَفْهُومُ الِاسْتِثْنَاءِ نَحْوُ قَامَ الْقَوْمُ إلَّا زَيْدًا وَمَفْهُومُ الشَّرْطِ نَحْوُ مَنْ قَامَ فَأَكْرِمْهُ وَمَفْهُومُ الصِّفَةِ نَحْوُ أَكْرِمْ الْعَالِمَ وَمَفْهُومُ الْعِلَّةِ نَحْوُ أَكْرِمْ زَيْدًا لِعِلْمِهِ وَمَفْهُومُ الزَّمَانِ نَحْوُ سَافِرْ يَوْمَ الْخَمِيسِ وَمَفْهُومُ الْمَكَانِ نَحْوُ جَلَسْت أَمَامَهُ وَمَفْهُومُ الْعَدَدِ نَحْوُ {فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً} [النور: 4] وَمَفْهُومُ اللَّقَبِ أَيْ الِاسْمِ الْجَامِدِ نَحْوُ فِي الْغَنَمِ زَكَاةٌ وَكُلُّهَا حُجَّةٌ إلَّا اللَّقَبُ (وَأُشِيرُ بِصُحِّحَ أَوْ اُسْتُحْسِنَ إلَى أَنَّ شَيْخًا) مِنْ مَشَايِخِ الْمَذْهَبِ (غَيْرِ) الْأَرْبَعَةِ (الَّذِينَ قَدَّمْتُهُمْ صَحَّحَ هَذَا) الْفَرْعَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ صَحَّحَهُ مِنْ الْخِلَافِ وَقَوْلُهُ (أَوْ اسْتَظْهَرَهُ) مِنْ عِنْدِ نَفْسِهِ وَهُوَ الْأَقْرَبُ (وَ) أُشِيرُ (بِالتَّرَدُّدِ) لِأَحَدِ أَمْرَيْنِ إمَّا (لِتَرَدُّدِ) جِنْسِ (الْمُتَأَخِّرِينَ) ابْنِ أَبِي زَيْدٍ وَمَنْ بَعْدَهُ (فِي النَّقْلِ) عَنْ الْمُتَقَدِّمِينَ

ــ

[حاشية الدسوقي]

قِسْمَانِ أَحَدُهُمَا يُسَمَّى فَحْوَى الْخِطَابِ وَالثَّانِي يُسَمَّى لَحْنُ الْخِطَابِ فَفَحْوَى الْخِطَابِ هُوَ الْمَفْهُومُ الْأَوْلَى بِالْحُكْمِ مِنْ الْمَنْطُوقِ نَظَرًا لِلْمَعْنَى كَمَا فِي الْمِثَالِ الْأَوَّلِ أَعْنِي ضَرْبَ الْوَالِدَيْنِ الدَّالُّ عَلَيْهِ قَوْله تَعَالَى {فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ} [الإسراء: 23] فَهُوَ أَوْلَى بِالتَّحْرِيمِ مِنْ التَّأْفِيفِ الْمَنْطُوقِ بِهِ نَظَرًا لِلْمَعْنَى الْمُوجِبِ لِلْحُكْمِ وَهُوَ الْإِيذَاءُ وَالْعُقُوقُ؛ لِأَنَّ الضَّرْبَ أَشَدُّ مِنْ التَّأْفِيفِ فِي الْإِيذَاءِ وَالْعُقُوقِ، وَأَمَّا لَحْنُ الْخِطَابِ فَهُوَ الْمَفْهُومُ الْمُسَاوِي لِلْمَنْطُوقِ فِي الْحُكْمِ نَظَرًا لِلْمَعْنَى كَتَحْرِيمِ إحْرَاقِ مَالِ الْيَتِيمِ الدَّالِّ عَلَيْهِ قَوْله تَعَالَى {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا} [النساء: 10] الْآيَةَ فَإِنَّ الْإِحْرَاقَ مُسَاوٍ لِلْأَكْلِ فِي الْحُرْمَةِ نَظَرًا لِلْمَعْنَى وَهُوَ الْإِتْلَافُ لِتَسَاوِي الْحَرْقِ وَالْأَكْلِ فِي إتْلَافِهِ عَلَى الْيَتِيمِ (قَوْلُهُ: مَفْهُومُ الْحَصْرِ بِالنَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ) أَيْ نَحْوُ مَا قَامَ إلَّا زَيْدٌ فَمَنْطُوقُهُ نَفْيُ الْقِيَامِ عَنْ غَيْرِ زَيْدٍ وَمَفْهُومُهُ ثُبُوتُ الْقِيَامِ لِزَيْدٍ (قَوْلُهُ: أَوْ بِإِنَّمَا) نَحْوُ {وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ} [البقرة: 163] أَيْ مَنْطُوقُهُ قَصْرُ الْإِلَهِ عَلَى الْوَحْدَانِيَّةِ وَمَفْهُومُهُ نَفْيُ تَعَدُّدِ الْإِلَهِ

(قَوْلُهُ: إنَّهُ مِنْ الْمَنْطُوقِ) أَيْ وَقِيلَ: إنَّ مَفْهُومَ الْحَصْرِ مِنْ جُمْلَةِ الْمَنْطُوقِ فَيَكُونُ مَنْطُوقُ الْحَصْرِ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ كُلًّا مِنْ الثُّبُوتِ وَالنَّفْيِ لَا أَحَدُهُمَا فَقَطْ كَمَا هُوَ الْقَوْلُ الْأَوَّلُ قَوْلُهُ: {ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} [البقرة: 187] أَيْ أَنَّ غَايَةَ الْإِتْمَامِ دُخُولُ اللَّيْلِ فَمَفْهُومُهُ أَنَّهُ لَا إتْمَامَ بَعْدَ دُخُولِهِ وَقِيلَ: إنَّ هَذَا مِنْ جُمْلَةِ الْمَنْطُوقِ (قَوْلُهُ: وَمَفْهُومُ الِاسْتِثْنَاءِ) أَيْ مِنْ الْكَلَامِ التَّامِّ الْمُوجِبِ وَإِلَّا كَانَ مِنْ أَفْرَادِ مَفْهُومِ الْحَصْرِ (قَوْلُهُ: نَحْوُ قَامَ الْقَوْمُ إلَّا زَيْدًا) فَمَنْطُوقُهُ ثُبُوتُ الْقِيَامِ لِلْقَوْمِ غَيْرِ زَيْدٍ وَمَفْهُومُهُ نَفْيُ الْقِيَامِ عَنْ زَيْدٍ (قَوْلُهُ: نَحْوُ مَنْ قَامَ فَأَكْرِمْهُ) أَيْ فَمَفْهُومُهُ أَنَّ مَنْ لَمْ يَقُمْ لَمْ يُكْرَمْ (قَوْلُهُ: نَحْوُ أَكْرِمْ الْعَالِمَ) أَيْ فَمَفْهُومُهُ أَنَّ غَيْرَ الْعَالِمِ لَا يُكْرَمُ (قَوْلُهُ: نَحْوُ أَكْرِمْ زَيْدًا لِعِلْمِهِ) أَيْ فَمَفْهُومُهُ أَنَّهُ لَا يُكْرَمُ لِغَيْرِ الْعِلْمِ (قَوْلُهُ: نَحْوُ سَافِرْ يَوْمَ الْخَمِيسِ) أَيْ فَمَفْهُومُهُ أَنَّ غَيْرَ الْخَمِيسِ لَا يُسَافَرُ فِيهِ (قَوْلُهُ: نَحْوُ جَلَسْت أَمَامَهُ) أَيْ فَمَفْهُومُهُ أَنَّهُ لَمْ يَجْلِسْ فِي غَيْرِ أَمَامِهِ كَخَلْفِهِ مَثَلًا قَوْلُهُ: {فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً} [النور: 4] أَيْ فَمَفْهُومُهُ أَنَّهُمْ لَا يُجْلَدُونَ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ مِنْهُ قَوْلُهُ: «فِي الْغَنَمِ الزَّكَاةُ» أَيْ فَمَفْهُومُهُ أَنَّ غَيْرَ الْغَنَمِ مِنْ الْحَيَوَانَاتِ لَا زَكَاةَ فِيهِ وَكَمَا فِي قَوْلِك جَاءَ زَيْدٌ فَمَفْهُومُهُ أَنَّ غَيْرَ زَيْدٍ لَمْ يَجِئْ (قَوْلُهُ: وَكُلُّهَا) أَيْ مَفَاهِيمُ الْمُخَالَفَةِ حُجَّةٌ أَيْ عِنْدَ مَالِكٍ وَجَمَاعَةٍ مِنْ الْعُلَمَاءِ

(قَوْلُهُ: إلَّا اللَّقَبَ) أَيْ فَإِنَّهُ لَمْ يَقُلْ بِحُجِّيَّتِهِ إلَّا الدَّقَّاقُ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ وَابْنُ خُوَيْزِ مَنْدَادٍ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ وَبَعْضُ الْحَنَابِلَةِ (قَوْلُهُ: وَبِصُحِّحَ أَوْ اُسْتُحْسِنَ) أَيْ مَبْنِيَّيْنِ لِلْمَفْعُولِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُرِدْ تَعْيِينَ ذَلِكَ الْفَاعِلِ (قَوْلُهُ: إلَى أَنَّ شَيْخًا مِنْ مَشَايِخِ الْمَذْهَبِ) أَيْ كَابْنِ رَاشِدٍ وَابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ وَكَالْمُؤَلِّفِ نَفْسِهِ بِدَلِيلِ اسْتِقْرَاءِ كَلَامِهِ فَإِنَّهُ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ يُشِيرُ لِاسْتِظْهَارِ نَفْسِهِ بِمَا ذُكِرَ (قَوْلُهُ: يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ صَحَّحَهُ مِنْ الْخِلَافِ) أَيْ الْوَاقِعِ فِيهِ لِأَهْلِ الْمَذْهَبِ بِأَنْ يَأْتِيَ لِقَوْلٍ مِنْ الْخِلَافِ الَّذِي فِيهِ وَيُصَحِّحُهُ (قَوْلُهُ: أَوْ اسْتَظْهَرَهُ مِنْ عِنْدِ نَفْسِهِ) أَيْ بِأَنْ يَسْتَظْهِرَ وَاحِدٌ غَيْرُ الْأَرْبَعَةِ قَوْلًا فِي فَرْعٍ مِنْ عِنْدِ نَفْسِهِ (قَوْلُهُ: وَهُوَ الْأَقْرَبُ) رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ يَجُوزُ إلَخْ وَكَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَزِيدَ قَبْلَ قَوْلِهِ وَهُوَ الْأَقْرَبُ فَالْأَوَّلُ يُشِيرُ إلَيْهِ بِصَحَّحَ وَالثَّانِي يُشِيرُ إلَيْهِ بِأَسْتَحْسِنُ يَعْنِي أَنَّ الْأَقْرَبَ أَنَّهُ يُشِيرُ بِالتَّصْحِيحِ لِمَا يُصَحِّحُهُ الشَّيْخُ الَّذِي مِنْ غَيْرِ الْأَرْبَعَةِ مِنْ كَلَامِ غَيْرِهِ وَيُشِيرُ بِالِاسْتِحْسَانِ لِمَا يَرَاهُ مِنْ عِنْدِ نَفْسِهِ وَخِلَافُ الْأَقْرَبِ الشُّمُولُ فِيهِمَا (قَوْلُهُ: وَبِالتَّرَدُّدِ) اُعْتُرِضَ بِأَنَّ الْأَوْلَى وَبِتَرَدُّدٌ بِالرَّفْعِ عَلَى الْحِكَايَةِ كَقَوْلِهِ خِلَافٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُشِرْ بِهِ إلَّا كَذَلِكَ أَيْ مَرْفُوعًا مُجَرَّدًا مِنْ اللَّامِ وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ لَوْ قَالَ كَذَلِكَ كَانَ فِيهِ حِكَايَةُ الْمُفْرَدِ بِغَيْرِ الْقَوْلِ وَهِيَ شَاذَّةٌ (قَوْلُهُ: إمَّا لِتَرَدُّدِ الْمُتَأَخِّرِينَ فِي النَّقْلِ) أَيْ وَلَهُ ثَلَاثُ صُوَرٍ كَمَا فِي الشَّارِحِ وَزَادَ الشَّارِحُ جِنْسٌ لِأَجْلِ أَنْ يَصْدُقَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ بِتَرَدُّدِ الْوَاحِدِ وَالْمُتَعَدِّدِ (قَوْلُهُ: ابْنُ أَبِي زَيْدٍ وَمَنْ بَعْدَهُ) أَشَارَ بِهَذَا إلَى أَنَّ

ص: 25

مَطْلَبٌ أَوَّلُ طَبَقَاتِ الْمُتَأَخِّرِينَ كَأَنْ يَنْقُلُوا عَنْ الْإِمَامِ أَوْ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي مَكَان حُكْمًا ثُمَّ يَنْقُلُوا عَنْهُ فِي مَكَان آخَرَ خِلَافَهُ أَوْ يَنْقُلَ بَعْضُهُمْ عَنْهُ حُكْمًا وَيَنْقُلَ عَنْهُ آخَرُ خِلَافَهُ وَسَبَبُ ذَلِكَ إمَّا اخْتِلَافُ قَوْلِ الْإِمَامِ بِأَنْ يَكُونَ لَهُ قَوْلَانِ وَإِمَّا الِاخْتِلَافُ فِي فَهْمِ كَلَامِهِ فَيُنْسَبُ لَهُ كُلُّ مَا فَهِمَهُ مِنْهُ وَكَأَنْ يَنْقُلَ بَعْضُهُمْ عَنْ الْمُتَقَدِّمِينَ أَنَّهُمْ عَلَى قَوْلٍ وَاحِدٍ فِي حُكْمٍ وَيَنْقُلَ غَيْرُهُ أَنَّهُمْ عَلَى قَوْلَيْنِ فِيهِ وَغَيْرُهُمَا أَنَّهُمْ عَلَى أَقْوَالٍ (أَوْ) تَرَدُّدِهِمْ فِي الْحُكْمِ نَفْسِهِ (لِعَدَمِ نَصِّ الْمُتَقَدِّمِينَ) عَلَيْهِ فَلَيْسَ قَوْلُهُ لِعَدَمِ عَطْفًا عَلَى التَّرَدُّدِ بَلْ الْمَعْطُوفُ مَحْذُوفٌ وَالْمَعْطُوفُ عَلَيْهِ قَوْلُهُ فِي النَّقْلِ

(وَ) أُشِيرُ غَالِبًا (بِلَوْ) الْمُقْتَرِنَةِ بِالْوَاوِ وَلَمْ يَذْكُرْ بَعْدَهَا الْجَوَابَ اكْتِفَاءً بِمَا تَقَدَّمَهَا نَحْوُ الْحُكْمِ كَذَا وَلَوْ كَانَ كَذَا (إلَى) رَدِّ (خِلَافٍ مَذْهَبِيٍّ) بِيَاءِ النِّسْبَةِ مُنَوَّنًا نَعْتٌ لِخِلَافٍ أَيْ خِلَافٍ مَنْسُوبٍ لِلْمَذْهَبِ الَّذِي أَلَّفْت فِيهِ هَذَا الْمُخْتَصَرَ أَيْ لِخِلَافٍ وَاقِعٍ فِيهِ بِدَلِيلِ الِاسْتِقْرَاءِ

ــ

[حاشية الدسوقي]

أَوَّلَ طَبَقَاتِ الْمُتَأَخِّرِينَ طَبَقَةُ ابْنِ أَبِي زَيْدٍ، وَأَمَّا مَنْ قَبْلَهُ فَمُتَقَدِّمُونَ (قَوْلُهُ: كَأَنْ يَنْقُلُوا) أَيْ الْمُتَأَخِّرُونَ، وَلَوْ وَاحِدًا (قَوْلُهُ: فِي مَكَان) أَيْ كَالْبَيْعِ (قَوْلُهُ: ثُمَّ يَنْقُلُوا عَنْهُ) أَيْ النَّاقِلِ الْأَوَّلِ أَوْ غَيْرِهِ، وَقَوْلُهُ فِي مَكَان آخَرَ أَيْ كَالْإِجَازَةِ فَفِي هَذِهِ الْحَالَةِ قَدْ تَعَدَّدَ الْمَكَانُ الَّذِي اخْتَلَفَ فِيهِ قَوْلُ الْمُتَقَدِّمِينَ عَلَى نَقْلِ الْمُتَأَخِّرِينَ (قَوْلُهُ: أَوْ يَنْقُلُ بَعْضُهُمْ عَنْهُ حُكْمًا) أَيْ فِي مَسْأَلَةٍ وَقَوْلُهُ: عَنْهُ أَيْ عَمَّنْ ذُكِرَ مِنْ مَالِكٍ أَوْ ابْنِ الْقَاسِمِ (قَوْلُهُ: وَيُنْقَلُ عَنْهُ آخَرُ خِلَافَهُ) أَيْ فِي تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ بِعَيْنِهَا كَأَنْ يَنْقُلَ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وُجُوبَ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ وَيَنْقُلَ عَنْهُ الْقَابِسِيُّ السُّنِّيَّةَ وَعَدَمَ الْوُجُوبِ (قَوْلُهُ: وَسَبَبُ ذَلِكَ) أَيْ سَبَبُ اخْتِلَافِ الْمُتَأَخِّرِينَ فِي النَّقْلِ عَنْ الْإِمَامِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْوَاحِدَةِ (قَوْلُهُ: بِأَنْ يَكُونَ لَهُ قَوْلَانِ) أَيْ فِي مَسْأَلَةٍ فَيَنْقُلُ عَنْهُ نَاقِلٌ قَوْلًا وَيَنْقُلُ عَنْهُ النَّاقِلُ الثَّانِي الْقَوْلَ الْآخَرَ وَسَوَاءٌ عُلِمَ رُجُوعُهُ عَنْ أَحَدِهِمَا أَمْ لَا (قَوْلُهُ: وَكَأَنْ يَنْقُلَ بَعْضُهُمْ) أَيْ الْمُتَأَخِّرِينَ (قَوْلُهُ: أَنَّهُمْ عَلَى قَوْلَيْنِ فِيهِ) أَيْ فِي ذَلِكَ الْحُكْمِ الْمُعَيَّنِ (قَوْلُهُ: وَغَيْرُهُمَا) أَيْ وَيُنْقَلُ غَيْرُهُمَا

(قَوْلُهُ: أَنَّهُمْ عَلَى أَقْوَالٍ) أَيْ فِي ذَلِكَ الْحُكْمِ الْمُعَيَّنِ (قَوْلُهُ: أَوْ تَرَدُّدُهُمْ فِي الْحُكْمِ نَفْسِهِ) أَيْ وَإِمَّا لِتَرَدُّدِ جِنْسِ الْمُتَأَخِّرِينَ الصَّادِقِ بِالْوَاحِدِ وَالْمُتَعَدِّدِ فِي الْحُكْمِ نَفْسِهِ هَذَا وَقَدْ اُعْتُرِضَ عَلَى الْمُصَنِّفِ بِأَنَّهُ قَدْ حَصَرَ التَّرَدُّدَ هُنَا فِي مَحَلَّيْنِ مَعَ أَنَّهُ قَدْ يَقَعُ فِي كَلَامِهِ التَّرَدُّدُ بِمَعْنَى خِلَافٍ مُنْتَشِرٍ كَقَوْلِهِ وَفِي تَمْكِينِ الدَّعْوَى عَلَى غَائِبٍ بِلَا وَكَالَةٍ تَرَدُّدٌ أَيْ خِلَافٌ مُنْتَشِرٌ أَيْ أَقْوَالٌ كَثِيرَةٌ.

وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ اسْتِعْمَالُهُ التَّرَدُّدَ بِهَذَا الْمَعْنَى نَادِرًا كَانَ كَالْعَدَمِ فَلِذَا تَرَكَهُ أَوْ أَنَّ أَوْ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ مَانِعَةُ جَمْعٍ تُجَوِّزُ الْخُلُوَّ لَكِنَّ الْجَوَابَ الثَّانِيَ لَا يُلَائِمُ قَوْلَ الشَّارِحِ لِأَحَدِ أَمْرَيْنِ تَأَمَّلْ

1 -

(قَوْلُهُ: فَلَيْسَ قَوْلُهُ: لِعَدَمِ عَطْفًا عَلَى لِتَرَدُّدِ) أَيْ لِأَنَّ الْعَطْفَ حِينَئِذٍ يَقْتَضِي أَنَّهُ يُشِيرُ بِالتَّرَدُّدِ لِعَدَمِ نَصِّ الْمُتَقَدِّمِينَ، وَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ تَرَدُّدٌ بَلْ جَزَمُوا كُلُّهُمْ بِحُكْمٍ وَلَيْسَ كَذَلِكَ لِفَقْدِ مَعْنَى التَّرَدُّدِ حِينَئِذٍ إذْ لَا تَرَدُّدَ مَعَ جَزْمِ الْمُتَأَخِّرِينَ الْمُقْتَدَى بِهِمْ وَاعْلَمْ أَنَّ التَّرَدُّدَ فِي الْحُكْمِ إنْ كَانَ مِنْ وَاحِدٍ كَانَ مَعْنَاهُ التَّحَيُّرَ، وَإِنْ كَانَ مِنْ مُتَعَدِّدٍ فَمَعْنَاهُ الِاخْتِلَافُ مَعَ الْجَزْمِ (قَوْلُهُ: بَلْ الْمَعْطُوفُ مَحْذُوفٌ) أَيْ وَهُوَ قَوْلُهُ: أَوْ فِي الْحُكْمِ نَفْسِهِ وَهُوَ عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ فِي النَّقْلِ وَحِينَئِذٍ فَالْفَرْقُ بَيْنَ التَّرَدُّدَيْنِ ظَاهِرٌ إذْ الْأَوَّلُ فِي النَّقْلِ عَنْ الْإِمَامِ وَأَصْحَابِهِ.

وَالثَّانِي لِتَرَدُّدِهِمْ فِي الْحُكْمِ لِعَدَمِ نَصِّ الْمُتَقَدِّمِينَ وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ عَلَامَةً يُمَيَّزُ بِهَا بَيْنَ التَّرَدُّدَيْنِ أَيْ التَّرَدُّدِ فِي النَّقْلِ وَالتَّرَدُّدِ فِي الْحُكْمِ إلَّا أَنَّ الْأَوَّلَ فِي كَلَامِهِ أَكْثَرُ وَالثَّانِي أَقَلُّ كَقَوْلِهِ وَفِي حَقِّ غَصْبٍ تَرَدُّدٌ وَفِي رَابِعٍ تَرَدُّدٌ وَفِي إجْزَاءِ مَا وُقِفَ بِالْبِنَاءِ تَرَدُّدٌ وَفِي جَوَازِ بَيْعِ مَنْ أَسْلَمَ بِخِيَارٍ تَرَدُّدٌ (قَوْلُهُ: وَبِلَوْ إلَخْ) يَعْنِي أَنَّهُ إذَا قَالَ الْحُكْمُ كَذَا، وَلَوْ كَانَ كَذَا فَإِنَّهُ يُشِيرُ بِإِتْيَانِهِ بِلَوْ إلَى أَنَّ فِي مَذْهَبِ مَالِكٍ قَوْلًا آخَرَ فِي الْمَسْأَلَةِ مُخَالِفًا لِمَا ذَكَرَهُ وَفِي لَفْظِ الْمُصَنِّفِ قَلَقٌ؛ لِأَنَّ ظَاهِرَ قَوْلِهِ وَبِلَوْ أَنَّهَا تُفِيدُ مَا ذُكِرَ حَيْثُمَا وَقَعَتْ، وَلَوْ صَرَّحَ بِجَوَابِهَا بَعْدَهَا، وَلَوْ لَمْ تَقْتَرِنْ بِوَاوٍ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ إنَّمَا تُفِيدُ مَا ذُكِرَ عِنْدَ اقْتِرَانِهَا بِالْوَاوِ وَالِاكْتِفَاءُ عَنْ جَوَابِهَا بِمَا تَقَدَّمَ وَأَشَارَ الشَّارِحُ لِلْجَوَابِ بِأَنَّ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ حَذْفَ الصِّفَةِ وَالْحَالِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ الْمَحْذُوفِ اسْتِقْرَاءُ كَلَامِهِ، وَلَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ وَبِلَوْ وَلَا جَوَابَ بَعْدَهَا إلَى خِلَافٍ مَذْهَبِيٍّ كَانَ أَظْهَرَ

(قَوْلُهُ: الْمُقْتَرِنَةِ بِالْوَاوِ) أَيْ الَّتِي لِلْحَالِ (قَوْلُهُ: وَلَمْ يُذْكَرْ بَعْدَهَا الْجَوَابُ) أَيْ وَالْحَالُ أَنَّهُ لَمْ يُذْكَرْ بَعْدَ لَوْ جَوَابُهَا (قَوْلُهُ: اكْتِفَاءً بِمَا تَقَدَّمَهَا) أَيْ عَلَيْهَا (قَوْلُهُ: إلَى رَدِّ خِلَافٍ) أَيْ قَوِيٍّ أَمَّا إذَا كَانَ الْمُقَابِلُ ضَعِيفًا فَلَا يُشِيرُ لِرَدِّهِ بِلَوْ وَلَا يَتَعَرَّضُ لَهُ أَصْلًا لِتَنْزِيلِهِ مَنْزِلَة الْعَدَمِ (قَوْلُهُ: أَيْ خِلَافٌ مَنْسُوبٌ إلَخْ) هَذَا جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ: إنَّ مَعْنَى الْمُصَنِّفِ إلَى خِلَافِ مَنْسُوبِ الْمَذْهَبِ وَهُوَ نَكِرَةٌ صَادِقٌ بِمَذْهَبِ مَالِكٍ وَغَيْرِهِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذْ لَا يُشِيرُ بِلَوْ إلَى خِلَافٍ وَاقِعٍ فِي

ص: 26

وَمِنْ غَيْرِ الْغَالِبِ قَدْ يَكُونُ لِمُجَرَّدِ الْمُبَالَغَةِ (وَاَللَّهَ أَسْأَلَ) أَيْ لَا غَيْرَهُ (أَنْ يَنْفَعَ بِهِ) أَيْ بِهَذَا الْمُخْتَصَرِ (مَنْ كَتَبَهُ) لِنَفْسِهِ أَوْ لِغَيْرِهِ وَلَوْ بِأُجْرَةٍ (أَوْ قَرَأَهُ) بِحِفْظٍ أَوْ مُطَالَعَةٍ تَفَهُّمًا أَوْ تَعْلِيمًا أَوْ تَعَلُّمًا (أَوْ حَصَّلَهُ) بِمِلْكٍ بِشِرَاءٍ أَوْ غَيْرِهِ أَوْ بِاسْتِعَارَةٍ أَوْ إجَارَةٍ (أَوْ سَعَى فِي شَيْءٍ مِنْهُ) أَيْ مِنْ الْمُخْتَصَرِ وَالشَّيْءُ صَادِقٌ بِبَعْضِ كُلِّ وَاحِدٍ مِمَّا ذُكِرَ وَبِبَعْضٍ وَاحِدٍ مِنْهَا فَقَطْ وَبِغَيْرِ ذَلِكَ كَإِعَانَةِ الْكَاتِبِ بِمِدَادٍ أَوْ وَرَقٍ أَوْ إعَانَةِ الْقَارِئِ بِنَفَقَةٍ وَالْمُحَصَّلُ بِشَيْءٍ مِنْ الثَّمَنِ أَوْ الْأُجْرَةِ، وَقَرَائِنُ الْأَحْوَالِ دَالَّةٌ عَلَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ تَقَبَّلَ مِنْهُ هَذَا السُّؤَالَ

(وَاَللَّهُ يَعْصِمُنَا) أَيْ يَحْفَظُنَا وَيَمْنَعُنَا (مِنْ) الْوُقُوعِ فِي (الزَّلَلِ) كَالزَّلَقِ لَفْظًا وَمَعْنًى يُرِيدُ بِهِ لَازِمَهُ وَهُوَ النَّقْصُ لِأَنَّ مَنْ زَلَقَتْ رِجْلُهُ فِي طِينٍ أَوْ زَلَقَ لِسَانُهُ فِي مَنْطِقٍ فَقَدْ نَقَصَ وَهَذِهِ جُمْلَةٌ طَلَبِيَّةٌ مَعْنًى كَقَوْلِهِ (وَيُوَفِّقُنَا) لِمَا يُحِبُّهُ وَيَرْضَاهُ (فِي الْقَوْلِ وَالْعَمَلِ) أَيْ أَقْوَالِنَا وَأَعْمَالِنَا بِأَنْ يَخْلُقَ فِينَا قُدْرَةَ الطَّاعَةِ فِي كُلِّ حَالٍ وَمِنْهُ تَأْلِيفُ هَذَا الْكِتَابِ فَنَسْأَلُ اللَّهَ أَنْ يَعْصِمَنَا مِنْ وُقُوعِ الْخَلَلِ فِيهِ وَيُوَفِّقَنَا فِيهِ لِمَا يُرْضِيهِ (ثُمَّ) بَعْدُ أَنْ أَعْلَمْتُك بِأَنِّي أَجَبْت سُؤَالَهُمْ وَبِاصْطِلَاحِي فِي هَذَا الْمُخْتَصَرِ

ــ

[حاشية الدسوقي]

غَيْرِ مَذْهَبِ مَالِكٍ وَالْجَوَابُ أَنَّ الْكَلَامَ، وَإِنْ كَانَ عَامًّا لَكِنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ مَذْهَبُ مَالِكٍ فَقَطْ بِدَلِيلِ اسْتِقْرَاءِ كَلَامِهِ (قَوْلُهُ: وَمِنْ غَيْرِ الْغَالِبِ قَدْ تَكُونُ إلَخْ) هَذِهِ الْحَالَةُ الَّتِي ارْتَكَبَهَا فِي لَوْ ارْتَكَبَ عَكْسَهَا فِي أَنَّ فَيَسْتَعْمِلُهَا فِي الْمُبَالَغَةِ غَالِبًا وَلِلرَّدِّ عَلَى الْمُخَالِفِ قَلِيلًا (قَوْلُهُ: وَاَللَّهَ أَسْأَلُ) أَيْ وَأَسْأَلُ اللَّهَ أَيْ أَطْلُبُ مِنْهُ (قَوْلُهُ: أَيْ لَا غَيْرَهُ) أَخَذَ الْحَصْرَ مِنْ تَقْدِيمِ الْمَفْعُولِ وَهَذَا يَقْتَضِي قِرَاءَةَ لَفْظِ الْجَلَالَةِ بِالنَّصْبِ وَيَجُوزُ قِرَاءَتُهُ بِالرَّفْعِ عَلَى أَنَّهُ مُبْتَدَأٌ وَالْجُمْلَةُ بَعْدَهُ خَبَرٌ وَالرَّابِطُ لَهَا مَحْذُوفٌ (قَوْلُهُ: مِنْ كَتَبَهُ لِنَفْسِهِ) أَيْ، وَلَوْ لَمْ يَقْرَأْ فِيهِ (قَوْلُهُ: أَوْ قَرَأَهُ بِحِفْظٍ إلَخْ) بَلْ، وَلَوْ قَرَأَهُ بِمُقَابَلَةِ (قَوْلُهُ: أَوْ غَيْرِهِ) أَيْ كَمِيرَاثٍ أَوْ هِبَةٍ (قَوْلُهُ: أَوْ بِاسْتِعَارَةٍ) عَطْفٌ عَلَى بِمِلْكٍ أَوْ عَلَى قَوْلِهِ بِشِرَاءٍ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ يَشْمَلُ مِلْكَ الذَّاتِ وَمِلْكَ الْمَنْفَعَةِ (قَوْلُهُ: أَوْ سَعَى فِي شَيْءٍ) أَيْ فِي تَحْصِيلِ شَيْءٍ مِنْهُ (قَوْلُهُ: أَيْ مِنْ الْمُخْتَصَرِ) جَعْلُهُ الضَّمِيرَ رَاجِعًا لِلْمُخْتَصَرِ أَوْلَى مِنْ عَوْدِهِ لِوَاحِدٍ مِمَّا ذَكَرَهُ أَيْ أَوْ سَعَى فِي تَحْصِيلِ بَعْضِ وَاحِدٍ مِمَّا ذُكِرَ؛ لِأَنَّ عَوْدَهُ عَلَى الْمُخْتَصَرِ أَعَمُّ كَمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ (قَوْلُهُ: وَالشَّيْءُ) أَيْ وَتَحْصِيلُ الشَّيْءِ صَادِقٌ بِبَعْضِ كُلِّ وَاحِدٍ أَيْ صَادِقٌ بِتَحْصِيلِ بَعْضِ كُلِّ وَاحِدٍ بِأَنْ كَتَبَ الْبَعْضُ مِنْهُ وَمَلَكَهُ وَقَرَأَهُ (قَوْلُهُ: وَبِبَعْضٍ وَاحِدٍ مِنْهَا فَقَطْ) أَيْ بِأَنْ كَتَبَ بَعْضَهُ فَقَطْ أَوْ قَرَأَ بَعْضَهُ أَوْ مَلَكَ بَعْضَهُ بِشِرَاءٍ أَوْ غَيْرِهِ، وَالْمُرَادُ بَعْضٌ مُنْتَفَعٌ بِهِ احْتِرَازًا عَنْ كِتَابَةِ كَلِمَةٍ أَوْ كَلِمَتَيْنِ أَوْ قِرَاءَةِ ذَلِكَ (قَوْلُهُ: وَالْمُحَصِّلُ إلَخْ) عَطْفٌ عَلَى الْقَارِئِ أَيْ وَإِعَانَةُ الْمُحَصِّلِ إلَخْ

(قَوْلُهُ: وَقَرَائِنُ الْأَحْوَالِ دَالَّةٌ إلَخْ) وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ اللَّهَ نَشَرَ ذِكْرَهُ فِي الْآفَاقِ وَجَبَلَ قُلُوبَ كَثِيرٍ مِنْ النَّاسِ عَلَى مَحَبَّتِهِ وَالِاشْتِغَالِ بِهِ وَهَذَا مِنْ عَلَامَاتِ الْقَبُولِ (قَوْلُهُ: وَاَللَّهُ يَعْصِمُنَا) مَأْخُوذٌ مِنْ الْعِصْمَةِ وَهِيَ لُغَةً الْحِفْظُ وَالْمَنْعُ وَاصْطِلَاحًا مَلَكَةٌ تَمْنَعُ الْفُجُورَ أَيْ كَيْفِيَّةً يَخْلُقُهَا اللَّهُ فِي الْعَبْدِ تَمْنَعُهُ مِنْ ارْتِكَابِ الْفُجُورِ بِطَرِيقِ جَرْيِ الْعَادَةِ وَالْمُرَادُ هُنَا الْمَعْنَى اللُّغَوِيُّ كَمَا أَشَارَ لَهُ الشَّارِحُ (قَوْلُهُ: لَفْظًا وَمَعْنًى) يُقَالُ زَلَّ يَزِلُّ كَضَرَبَ يَضْرِبُ بِمَعْنَى زَلَقَ (قَوْلُهُ: فَقَدْ نَقَصَ) أَيْ فِي مَالِهِ أَوْ فِي بَدَنِهِ أَوْ فِي عِرْضِهِ بِمَعْنَى أَنَّهُ يُحْتَقَرُ بَيْنَ النَّاسِ (قَوْلُهُ: وَهَذِهِ جُمْلَةٌ طَلَبِيَّةٌ مَعْنًى) أَيْ فَهِيَ خَبَرِيَّةٌ لَفْظًا إنْشَائِيَّةٌ مَعْنًى وَهِيَ مَعْطُوفَةٌ عَلَى الْجُمْلَةِ الْإِنْشَائِيَّةِ الدُّعَائِيَّةِ، وَلَوْ تَجَرَّدَتْ هَذِهِ الْجُمْلَةُ لِلْخَبَرِيَّةِ لَمْ يَصِحَّ الْعَطْفُ بِاتِّفَاقِ الْبَيَانِيِّينَ وَعَلَى الْخِلَافِ عِنْدَ النَّحْوِيِّينَ، وَلَوْ نَصَبَ اللَّهَ هُنَا بِأَسْأَلُ لَمْ يَصِحَّ لِمَا يَلْزَمُ عَلَيْهِ مِنْ الْعَطْفِ عَلَى مَعْمُولَيْ عَامِلَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ وَالْعَاطِفُ وَاحِدٌ وَهُوَ الْوَاوُ وَسِيبَوَيْهِ يَمْنَعُ ذَلِكَ (قَوْلُهُ: أَيْ أَقْوَالِنَا وَأَعْمَالِنَا) أَشَارَ بِذَلِكَ إلَى أَنَّ أَلْ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ عِوَضٌ عَنْ الْمُضَافِ إلَيْهِ وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ بَعْدَ فِي كُلِّ حَالٍ إلَى أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ الْأَقْوَالِ وَالْأَفْعَالِ تَعْمِيمُ الْأَحْوَالِ (قَوْلُهُ: وَمِنْهُ) أَيْ وَمِنْ كُلِّ حَالٍ أَيْ مِنْ جُمْلَةِ أَفْرَادِهِ

ص: 27

(أَعْتَذِرُ) أَيْ أُظْهِرُ عُذْرِي (لِذَوِي) أَيْ أَصْحَابِ (الْأَلْبَابِ) جَمْعُ لُبٍّ بِمَعْنَى الْعَقْلِ أَيْ الْعُقُولِ الْكَامِلَةِ لِأَنَّهُمْ هُمْ الَّذِينَ يَقْبَلُونَ الْعُذْرَ وَلَا يُلَامُونَ لِكَمَالِ إيمَانِهِمْ (مِنْ) أَجْلِ (التَّقْصِيرِ) أَيْ الْخَلَلِ (الْوَاقِعِ) مِنِّي (فِي هَذَا الْكِتَابِ) وَالْعَقْلُ عَلَى الصَّحِيحِ نُورٌ رُوحَانِيٌّ بِهِ تُدْرِكُ النَّفْسُ الْعُلُومَ الضَّرُورِيَّةَ وَالنَّظَرِيَّةَ وَابْتِدَاءُ وُجُودِهِ نَفْخُ الرُّوحِ فِي الْجَنِينِ ثُمَّ لَمْ يَزَلْ يَنْمُو إلَى أَنْ يَكْمُلَ عِنْدَ الْبُلُوغِ خَلَقَهُ اللَّهُ فِي الْقَلْبِ وَجَعَلَ نُورَهُ مُتَّصِلًا بِالدِّمَاغِ، وَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّ كَمَالَهُ عِنْدَ الْأَرْبَعِينَ (وَأَسْأَلُ) حَذَفَ الْمَفْعُولَ اخْتِصَارًا أَيْ أَسْأَلُهُمْ لِأَنَّهُمْ هُمْ الَّذِينَ يُسْأَلُونَ (بِلِسَانِ التَّضَرُّعِ) أَيْ ذِي التَّضَرُّعِ أَوْ أَنَّهُ جَعَلَ نَفْسَهُ تَضَرُّعًا مُبَالَغَةً أَوْ الْمُرَادُ الْمُتَضَرِّعُ الْخَاشِعُ عَلَى حَدِّ زَيْدٌ عَدْلٌ أَوْ الْمُرَادُ بِلِسَانِ تَضَرُّعِي أَيْ تَذَلُّلِي فَيَكُونُ عَلَى هَذَا فِي الْكَلَامِ اسْتِعَارَةٌ بِالْكِنَايَةِ (وَالْخُشُوعِ) أَيْ الْخُضُوعِ وَالذُّلِّ (وَخِطَابِ التَّذَلُّلِ) أَيْ التَّضَرُّعِ (وَالْخُضُوعِ) أَيْ الْخُشُوعِ فَالْأَلْفَاظُ الْأَرْبَعَةُ بِمَعْنًى وَاحِدٍ وَأَسْنَدَ اللِّسَانَ لِلتَّضَرُّعِ وَالْخِطَابَ لِلتَّذَلُّلِ

ــ

[حاشية الدسوقي]

قَوْلُهُ: أَعْتَذِرُ) مَأْخُوذٌ مِنْ الِاعْتِذَارِ وَهُوَ إظْهَارُ الْعُذْرِ (قَوْلُهُ: بِمَعْنَى الْعَقْلِ) كَذَا فِي الْقَامُوسِ وَقَوْلُهُ: أَيْ الْعُقُولُ الْكَامِلَةُ أَخْذُ الْوَصْفِ بِالْكَمَالِ مِنْ جَعْلِ أَلْ فِي الْأَلْبَابِ لِلْكَمَالِ وَقَالَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ: اللُّبُّ هُوَ الْعَقْلُ الرَّاجِحُ فَيَكُونُ الْكَمَالُ مَأْخُوذًا مِنْ مَعْنَى الْأَلْبَابِ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُمْ إلَخْ)، وَإِنَّمَا خَصَّهُمْ بِالِاعْتِذَارِ إلَيْهِمْ؛ لِأَنَّهُمْ إلَخْ (قَوْلُهُ: وَلَا يَلُومُونَ) أَيْ فَلَا يَقُولُونَ أَخْطَأَ الْمُؤَلِّفُ أَوْ خَبَطَ خَبْطَ عَشْوَاءَ وَنَحْوَ ذَلِكَ بَلْ إذَا رَأَوْا خَطَأً قَالُوا هَذَا سَبْقُ قَلَمٍ أَوْ هَذَا سَهْوٌ إذَا لَمْ يُمْكِنْهُمْ تَأْوِيلُ الْعِبَارَةِ وَصَرْفُهَا عَنْ ظَاهِرِهَا (قَوْلُهُ: لِكَمَالِ إيمَانِهِمْ) أَيْ الْمُوجِبِ لِشَفَقَتِهِمْ وَرَحْمَتِهِمْ (قَوْلُهُ: مِنْ أَجْلِ التَّقْصِيرِ) هُوَ عَدَمُ بَذْلِ الْوُسْعِ فِي تَحْصِيلِ الْمَقْصُودِ وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّهُ وَصْفٌ قَائِمٌ بِهِ لَا بِالْكِتَابِ وَأَجَابَ الشَّارِحُ بِأَنَّهُ أَرَادَ بِالتَّقْصِيرِ مَا يَنْشَأُ عَنْهُ مِنْ الْخَلَلِ فَقَوْلُ الشَّارِحِ أَعْنِي الْخَلَلَ تَفْسِيرٌ بِاللَّازِمِ فَالْمُصَنِّفُ قَدْ أَطْلَقَ الْمَلْزُومَ وَأَرَادَ اللَّازِمَ ثُمَّ إنَّ الْمُرَادَ بِهِ مَا نَظُنُّ أَنَّهُ خَلَلٌ وَإِلَّا فَلَا يَجُوزُ لِلشَّخْصِ ارْتِكَابُ الْخَطَإِ ثُمَّ يَعْتَذِرُ عَنْهُ أَوْ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ الْوَاقِعُ فِي هَذَا الْكِتَابِ أَيْ الْمَظْنُونُ وُقُوعُهُ فِيهِ لَا أَنَّهُ وَاقِعٌ فِيهِ بِالْفِعْلِ قَطْعًا (قَوْلُهُ: رُوحَانِيٌّ) بِضَمِّ الرَّاءِ نِسْبَةٌ لِلرُّوحِ بِضَمِّهَا لَا لِلرَّوْحِ بِفَتْحِهَا الَّذِي هُوَ الرَّائِحَةُ، وَإِنَّمَا نُسِبَ لِلرُّوحِ؛ لِأَنَّهُ آلَةٌ لِإِدْرَاكِهَا وَعُلِمَ مِنْ قَوْلِهِ نُورٌ أَنَّهُ جَوْهَرٌ لَا عَرَضٌ وَعَرَّفَهُ بَعْضُهُمْ بِقَوْلِهِ قُوَّةٌ لِلنَّفْسِ مُعَدَّةٌ لِاكْتِسَابِ الْآرَاءِ وَالْعُلُومِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ عَرَضٌ (قَوْلُهُ: الْعُلُومَ الضَّرُورِيَّةَ) أَيْ وَهِيَ الَّتِي لَا يَتَوَقَّفُ حُصُولُهَا فِي النَّفْسِ عَلَى نَظَرٍ وَاسْتِدْلَالٍ، وَإِنْ تَوَقَّفَ عَلَى حَدْسٍ أَوْ تَجْرِبَةٍ وَالنَّظَرِيَّةُ هِيَ الَّتِي يَتَوَقَّفُ حُصُولُهَا فِي النَّفْسِ عَلَى نَظَرٍ وَاسْتِدْلَالٍ

(قَوْلُهُ: ثُمَّ لَمْ يَزَلْ يَنْمُو) أَيْ يَتَزَايَدُ (قَوْلُهُ: خَلَقَهُ اللَّهُ فِي الْقَلْبِ إلَخْ) وَقِيلَ: إنَّ مَحَلَّهُ الرَّأْسُ وَيَتَرَتَّبُ عَلَى الْخِلَافِ أَنَّهُ إذَا ضَرَبَهُ فِي رَأْسِهِ فَأَوْضَحَهُ فَذَهَبَ عَقْلُهُ هَلْ تَلْزَمُهُ دِيَةُ الْمُوضِحَةِ فَقَطْ وَلَا دِيَةَ لِلْعَقْلِ لِاتِّحَادِ الْمَحَلِّ أَوْ تَلْزَمُهُ دِيَةٌ لِمُوضِحَةٍ وَدِيَةٌ لِلْعَقْلِ لِتَعَدُّدِ الْمَحَلِّ (قَوْلُهُ: أَيْ أَسْأَلُهُمْ) أَيْ ذَوِي الْأَلْبَابِ فَأَسْأَلُ مُتَعَلِّقٌ بِمَفْعُولٍ مَعْنًى هُوَ ضَمِيرُ ذَوِي الْأَلْبَابِ السَّابِقِ ذِكْرُهُمْ حَذَفَهُ اخْتِصَارًا أَوْ اقْتِصَارًا لِقَرِينَةِ تَقَدُّمِ ذِكْرِهِمْ وَيَجُوزُ أَنْ لَا يَتَعَلَّقَ الْفِعْلُ بِمَفْعُولٍ تَنْزِيلًا لَهُ مَنْزِلَةَ اللَّازِمِ لِيَعُمَّ كُلَّ مَنْ يَصْلُحُ لَهُ السُّؤَالُ مِنْ النَّاظِرِينَ فِي كِتَابِهِ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُمْ هُمْ الَّذِينَ يُسْأَلُونَ) أَيْ لِشَفَقَتِهِمْ وَرَحْمَتِهِمْ وَكَمَالِ إيمَانِهِمْ

(قَوْلُهُ: بِلِسَانِ التَّضَرُّعِ إلَخْ) فِيهِ أَنَّ التَّضَرُّعَ هُوَ التَّذَلُّلُ وَلَا لِسَانَ لَهُ وَأَجَابَ الشَّارِحُ بِأَرْبَعَةِ أَجْوِبَةٍ وَبَقِيَ خَامِسٌ وَهُوَ أَنَّ الْإِضَافَةَ لِأَدْنَى مُلَابَسَةٍ أَيْ بِلِسَانِي عِنْدَ تَضَرُّعِي وَتَذَلُّلِي (قَوْلُهُ: أَيْ ذَوِي التَّضَرُّعِ) أَرَادَ بِهِ نَفْسَهُ وَكَذَا يُقَالُ فِي الْمُتَضَرِّعِ الْخَاشِعِ (قَوْلُهُ: أَوْ الْمُرَادُ بِلِسَانِ تَضَرُّعِي) أَيْ فَأَلْ عِوَضٌ عَنْ الْمُضَافِ إلَيْهِ (قَوْلُهُ: اسْتِعَارَةٌ بِالْكِنَايَةِ) أَيْ حَيْثُ شَبَّهَ تَضَرُّعَهُ بِإِنْسَانٍ ذِي لِسَانٍ تَشْبِيهًا مُضْمَرًا فِي النَّفْسِ عَلَى طَرِيقِ الْمَكْنِيَّةِ وَإِثْبَاتُ اللِّسَانِ تَخْيِيلٌ (قَوْلُهُ: وَالْخُشُوعِ) عَطَفَهُ عَلَى التَّضَرُّعِ مِنْ عَطْفِ الْمُرَادِ فَالْمُرَادُ بِهِمَا شَيْءٌ وَاحِدٌ وَهُوَ التَّذَلُّلُ (قَوْلُهُ: وَخِطَابُ التَّذَلُّلِ) الِاحْتِمَالَاتُ الْأَرْبَعُ الَّتِي فِي قَوْلِهِ بِلِسَانِ التَّضَرُّعِ تَجْرِي هُنَا (قَوْلُهُ: فَالْأَلْفَاظُ الْأَرْبَعَةُ) أَيْ التَّضَرُّعُ وَالْخُشُوعُ وَالتَّذَلُّلُ وَالْخُضُوعُ (قَوْلُهُ: وَأَسْنَدَ)

ص: 28

تَفَنُّنًا وَالْخِطَابُ هُوَ الْكَلَامُ الَّذِي يُقْصَدُ بِهِ إفْهَامُ الْمُخَاطَبِ وَقِيلَ: الصَّالِحُ لِلْإِفْهَامِ (أَنْ يُنْظَرَ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ أَيْ اسْأَلْهُمْ أَنْ يَتَأَمَّلَ هَذَا الْكِتَابَ (بِعَيْنِ) ذِي (الرِّضَا) أَيْ الْقَبُولِ وَالْمَحَبَّةِ (وَالصَّوَابِ) أَيْ الْإِنْصَافِ لَا بِعَيْنِ السَّخَطِ وَالِاعْتِسَافِ أَوْ أَنَّ إضَافَةَ عَيْنٍ لِمَا بَعْدَهُ لِأَدْنَى مُلَابَسَةٍ كَمَا قِيلَ

وَعَيْنُ الرِّضَا عَنْ كُلِّ عَيْبٍ كَلِيلَةٌ

كَمَا أَنَّ عَيْنَ السُّخْطِ تُبْدِي الْمَسَاوِيَا

(فَمَا كَانَ) مَا شَرْطِيَّةٌ مُبْتَدَأٌ وَكَانَ تَامَّةٌ فِعْلُ الشَّرْطِ وَفَاعِلُهَا يَعُودُ عَلَى مَا وَ (مِنْ نَقْصٍ) بَيَانٌ لِمَا أَيْ فَمَا وُجِدَ فِيهِ مِنْ نَقْصِ لَفْظٍ يُخِلُّ بِالْمَعْنَى الْمُرَادِ (كَمَّلُوهُ) فِعْلٌ مَاضٍ جَوَابُ الشَّرْطِ أَيْ كَمَّلُوا ذَلِكَ النَّقْصَ أَيْ اللَّفْظَ النَّاقِصَ أَوْ الْمَنْقُوصَ فَلَيْسَ الْمُرَادُ بِالنَّقْصِ الْمَعْنَى الْمَصْدَرِيَّ أَيْ التَّرْكَ إذْ لَا مَعْنَى لِتَكْمِيلِ التَّرْكِ إذْ لَا يَكْمُلُ إلَّا الْمَوْجُودُ نَاقِصًا (وَ) مَا كَانَ (مِنْ خَطَإٍ) فِي الْمَعَانِي وَالْأَحْكَامِ وَفِي إعْرَابِ الْأَلْفَاظِ (أَصْلَحُوهُ) بِفَتْحِ اللَّامِ فِعْلٌ مَاضٍ أَيْ أَصْلَحُوا ذَلِكَ الْخَطَأَ بِالتَّنْبِيهِ عَلَيْهِ فِي الشُّرُوحِ أَوْ الْحَاشِيَةِ أَوْ التَّقْرِيرِ بِأَنْ يُقَالَ قَدْ وَقَعَ مِنْهُ هَذَا سَهْوًا أَوْ قَدْ سَبَقَهُ الْقَلَمُ وَصَوَابُهُ كَذَا أَوْ هُوَ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ مَثَلًا أَوْ فِيهِ تَقْدِيمٌ وَتَأْخِيرٌ مِنْ غَيْرِ تَغْيِيرٍ وَتَبْدِيلٍ فِي أَصْلِ الْكِتَابِ، فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ وَلَا إذْنَ فِيهِ لِأَحَدٍ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ وَالْحَذَرُ مِنْ قِلَّةِ الْأَدَبِ كَأَنْ يُقَالَ: هَذَا خَبْطٌ أَوْ كَذِبٌ أَوْ كَلَامٌ فَاسِدٌ لَا مَعْنَى لَهُ فَإِنَّ قِلَّةَ الْأَدَبِ مَعَ أَئِمَّةِ الدِّينِ لَا تُفِيدُ إلَّا الْوَبَالَ عَلَى صَاحِبِهَا دُنْيَا وَأُخْرَى وَانْظُرْ هَذَا الْإِمَامَ الْكَبِيرَ كَيْفَ اعْتَذَرَ وَتَذَلَّلَ

ــ

[حاشية الدسوقي]

أَيْ أَضَافَ (قَوْلُهُ: تَفَنُّنًا) أَيْ ارْتِكَابًا لِفَنَّيْنِ وَطَرِيقَتَيْنِ فِي التَّعْبِيرِ مُرَادًا مِنْهُمَا مَعْنًى وَاحِدٌ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ مِنْ الْخِطَابِ اللِّسَانُ فَقَوْلُهُ: بَعْدُ وَالْخِطَابُ إلَخْ بَيَانٌ لِمَعْنَاهُ الْحَقِيقِيِّ لَا لِلْمَعْنَى الْمُرَادِ مِنْهُ (قَوْلُهُ: وَقِيلَ الصَّالِحُ لِلْإِفْهَامِ) أَيْ فَعَلَى الْأَوَّلِ لَا يُقَالُ لِلْكَلَامِ خِطَابٌ إلَّا إذَا وُجِدَ مَنْ يُخَاطَبُ بِهِ وَكَانَ أَهْلًا لِفَهْمِهِ، وَأَمَّا عَلَى الثَّانِي فَيُقَالُ لَهُ خِطَابٌ، وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ مَنْ يُخَاطَبُ بِهِ فَكَلَامُ اللَّهِ فِي الْأَزَلِ لَا يُقَالُ لَهُ خِطَابٌ عَلَى الْأَوَّلِ وَيُقَالُ لَهُ عَلَى الثَّانِي (قَوْلُهُ: أَنْ يُنْظَرَ) أَيْ أَنْ يُنْظَرَ إلَيْهِ مَنْ نَظَرَهُ مِنْهُمْ

(قَوْلُهُ: بِعَيْنِ ذِي الرِّضَا) أَيْ فَفِي الْكَلَامِ مَجَازٌ بِالْحَذْفِ أَوْ الْمُرَادِ بِعَيْنِ الرَّاضِي وَالْمُصِيبِ، أَوْ الْكَلَامُ مِنْ بَابِ الْمُبَالَغَةِ أَيْ أَنَّهُ بَالَغَ فِي النَّاظِرِ حَتَّى جَعَلَهُ نَفْسَ الرِّضَا، أَوْ فِي الْكَلَامِ اسْتِعَارَةٌ بِالْكِنَايَةِ وَإِثْبَاتُ الْعَيْنِ تَخْيِيلٌ أَوْ أَنَّ إضَافَةَ عَيْنٍ لِمَا بَعْدَهُ لِأَدْنَى مُلَابَسَةٍ كَمَا قَالَ الشَّارِحُ أَيْ أَنْ يَنْظُرَ إلَيْهِ النَّاظِرُ مِنْهُمْ بِعَيْنِهِ فِي حَالِ رِضَاهُ (قَوْلُهُ: لَا بِعَيْنِ السَّخَطِ) هُوَ ضِدُّ الرِّضَا وَهُوَ تَصَوُّرُ الْحَقِّ بِصُورَةِ الْبَاطِلِ (قَوْلُهُ: وَالِاعْتِسَافِ) هُوَ الْبَاطِلُ فَهُوَ ضِدُّ الصَّوَابِ (قَوْلُهُ: أَوْ أَنَّ إضَافَةَ عَيْنٍ إلَخْ) أَيْ وَحِينَئِذٍ فَلَا يَحْتَاجُ لِتَقْدِيرِ ذِي (قَوْلُهُ: وَعَيْنُ الرِّضَا) أَيْ وَعَيْنُ النَّاظِرِ لِلشَّيْءِ فِي حَالِ رِضَاهُ عَنْهُ (قَوْلُهُ: كَمَا أَنَّ عَيْنَ السُّخْطِ) أَيْ كَمَا أَنَّ عَيْنَ النَّاظِرِ لِلشَّيْءِ فِي حَالِ سَخَطِهِ عَلَيْهِ تُبْدِي الْمَسَاوِيَا أَيْ الْقَبَائِحَ فِيهِ (قَوْلُهُ: مِنْ نَقْصٍ) أَيْ نَقْصِ لَفْظٍ أَيْ لَفْظٍ نَاقِصٍ سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ اللَّفْظُ كَلِمَةً أَوْ حَرْفًا لَا مَا كَانَ فِيهِ مِنْ نَقْصِ أَحْكَامٍ وَمَسَائِلَ لَمْ تُذْكَرْ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا غَايَةَ لَهُ وَلَا يَقْدِرُ أَحَدٌ عَلَى تَكْمِيلِ ذَلِكَ النَّقْصِ (قَوْلُهُ: كَمَّلُوهُ) أَيْ أَذِنْت لَهُمْ فِي تَكْمِيلِهِ بِمَا يُتَمِّمُهُ لِأَجْلِ أَنْ يُفْهَمَ الْمَعْنَى الْمُرَادُ

(قَوْلُهُ: فِعْلٌ مَاضٍ) أَيْ فَهُوَ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَلَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ بِكَسْرِ الْمِيمِ عَلَى أَنَّهُ فِعْلُ أَمْرٍ إذْنًا لِأُولِي الْأَلْبَابِ فِي التَّكْمِيلِ؛ لِأَنَّ مَا شَرْطِيَّةٌ مُبْتَدَأٌ وَالْأَمْرُ لَا يَكُونُ جَوَابًا لِلشَّرْطِ إلَّا إذَا قُرِنَ بِالْفَاءِ وَلَا يَجُوزُ حَذْفُهَا إلَّا فِي الشِّعْرِ (قَوْلُهُ: جَوَابُ الشَّرْطِ) وَهَلْ خَبَرُ الْمُبْتَدَإِ فِعْلُ الشَّرْطِ أَوْ جَوَابُهُ أَوْ هُمَا أَقْوَالٌ (قَوْلُهُ: أَيْ اللَّفْظَ النَّاقِصَ) أَيْ السَّاقِطَ وَتَكْمِيلُهُ بِالْإِتْيَانِ بِهِ وَقَوْلُهُ: أَوْ الْمَنْقُوصَ أَيْ وَهُوَ الْبَاقِي بَعْدَ الْإِسْقَاطِ وَتَكْمِيلُهُ بِالْإِتْيَانِ بِالسَّاقِطِ.

وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالنَّقْصِ إمَّا اللَّفْظُ الْمَحْذُوفُ الْمُسْقِطُ أَوْ الْبَاقِي بَعْدَ الْإِسْقَاطِ لَا نَفْسُ الْإِسْقَاطِ وَالتَّرْكِ إذْ لَا يَكْمُلُ وَاعْلَمْ أَنَّ النَّقْصَ يُطْلَقُ عَلَى الْأُمُورِ الثَّلَاثَةِ الْمَذْكُورَةِ لَكِنَّ إطْلَاقَهُ عَلَى الْأَخِيرِ حَقِيقَةٌ وَعَلَى الْأَمْرَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ مَجَازٌ (قَوْلُهُ: وَالْأَحْكَامِ) عَطْفُ تَفْسِيرٍ بِاعْتِبَارِ الْمُرَادِ، وَإِنْ كَانَتْ الْمَعَانِي فِي حَدِّ ذَاتِهَا أَعَمَّ (قَوْلُهُ: وَفِي إعْرَابِ الْأَلْفَاظِ) كَمَا إذَا رَفَعَ مَا حَقُّهُ النَّصْبُ أَوْ نَصَبَ مَا حَقُّهُ الرَّفْعُ أَوْ الْجَرُّ مَثَلًا (قَوْلُهُ: أَيْ أَصْلَحُوا ذَلِكَ الْخَطَأَ) أَيْ أَذِنْت لَهُمْ فِي إصْلَاحِهِ (قَوْلُهُ: بِالتَّنْبِيهِ عَلَيْهِ فِي الشُّرُوح) أَيْ لِمَنْ تَصَدَّى لِوَضْعِ شَرْحٍ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ: أَوْ الْحَاشِيَةِ) أَيْ أَوْ بِالتَّنْبِيهِ عَلَى ذَلِكَ بِالْكِتَابَةِ فِي الْحَاشِيَةِ أَيْ الْهَامِشِ (قَوْلُهُ: مِنْ غَيْرِ تَغْيِيرٍ إلَخْ) أَيْ بِأَنْ يَكْشِطَ أَلْفَاظَهُ وَيَأْتِيَ بِبَدَلِهَا أَوْ يَزِيدَ فِيهَا أَوْ يَنْقُصَ (قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ) أَيْ؛ لِأَنَّ فَتْحَ هَذَا الْبَابِ يُؤَدِّي لِنَسْخِ الْكِتَابِ بِالْكُلِّيَّةِ؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا ظَنَّ النَّاسِخُ أَنَّ الصَّوَابَ مَعَهُ مَعَ كَوْنِ مَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ بِخِلَافِهِ (قَوْلُهُ: كَأَنْ يُقَالَ إلَخْ) وَأَمَّا لَوْ قَالَ ظَاهِرُ الْعِبَارَةِ كَذَا وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَيُجَابُ عَنْهُ بِكَذَا فَلَا بَأْسَ بِهِ أَوْ يُقَالُ ظَاهِرُ الْعِبَارَةِ

ص: 29