الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وصنف على وجوههم» قيل: يا رسول الله كيف يمشون على وجوههم؟ قال: «إن الذى أمشاهم على أقدامهم قادر على أن يمشيهم على وجوههم، أما إنهم يتقون بوجوههم كل حَدَب وشكوك» (1).
وفى الحديث يقول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم: «يحشر المتكبرون والمتجبرون يوم القيامة فى صور الذَّرِّ تطؤهم الناس، لهوانهم على الله عز وجل» .
وروى مسلم عن جابر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «يبعث كل عبد على ما مات عليه» ، أى إن من مات على خير بعث على حال سارّة، ومن مات على شر بعث على حال شنيعة.
ومع كون البعث بالأجساد والأرواح، إلا أن القوى الروحية تكون هى القادرة على التصرف فى الأجساد، فتستطيع قطع المسافات البعيدة فى أقصر مدة، والتخاطب بالكلام بين أهل الجنة والنار، ويكون مثلهم فى ذلك مثل الملائكة والجن فى قدرتها على التشكل وظهورها فى أجساد تأخذها من مادة الكون، وقد ثبت ذلك ثبوتًا علميًا، كما تقدم فى بحث مسألة الروح.
*
الشفاعة:
المقصود بالشفاعة: سؤال الله الخير للناس فى الآخرة، فهى نوع من أنواع الدعاء المستجاب.
ومنها الشفاعة العظمى، ولا تكون إلا لسيدنا محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنه يسأل الله عز وجل أن يقضى بين الخلق، ليستريحوا من هول الموقف، فيستجيب الله له، فيغبطه الأولون والآخرون، ويظهر بذلك فضله
(1) رواه الترمذى؛ والحدب ما ارتفع من الأرض.
على العاملين، وهذا هو المقام المحمود الذى وُعِد به فى قول الله عز وجل:
{وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَحْمُوداً} (1).
وعن ابن عمر رضي الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: «إن الشمس تدنو يوم القيامة، حتى يبلغ العَرَق نصف الأذن، فبينما هم كذلك استغاثوا بآدم، فيقول: لست بصاحب ذلك ثم بموسى، فيقول كذلك، ثم بمحمد، فيشفع، ليقضى بين الخلق، فيمشى حتى يـ أخذ بحلْقَة باب الجنة، فيومئذ، يبعثه الله مقامًا محمودًا يحمده أهل الجمع كلهم» (2).
وعن أبىّ بن كعب أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: «إذا كان يوم القيامة كنتُ إمام الأنبياء، وخطيبهم، وصاحب شفاعتهم من غير فخر» (3).
وما عدا هذه الشفاعة من الشفاعات (4) فهى مشروطة:
1 -
بأن تكون بإذن الله.
{مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَاّ بِإِذْنِهِ} (5).
2 -
وأن تكون لمن ارتضى الله أن يشفع له.
(1) سورة الإسراء - الآية 79.
(2)
رواه أبو داود والحاكم.
(3)
رواه أبو داود.
(4)
ستأتى شفاعة الرسول صلى الله عليه وسلم فى إخراج عصاة المؤمنين من النار.
(5)
سورة البقرة - الآية 255.
(6)
سورة الأنبياء - الآية 28.
ولا يرتضى الله الشفاعة إلا لمن يستحقون العفو على مقتضى العدل الإلهى، وتكون الشفاعة لإظهار كرامة الشافع ومنزلته عند ربه، تنفيذًا للإرادة الإلهية عقب دعائه وطلبه من الله، وليس فيها ما يدعو إلى الغرور أو التهاون فى ترك ما كلف الله به من إيمان تزكو به النفس، وعمل صالح يصل بالإنسان إلى كماله المنشود.
وكان الوثنيون يعتمدون على أوثانهم، ويعتقدون أنها ستشفع لهم عند الله.
فأيأسهم الله من الاعتماد على هؤلاء الشفعاء:
وقد اعتاد كثير من الناس الاعتماد على شفاعة الصلحاء، واستساغوا كل لون من ألوان الانحراف، والخروج عن طاعة الله، ارتكانًا على هذه العقيدة، فقطع الله حجتهم، وأنزل قوله:
{لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ وَلا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيّاً وَلا نَصِيراً *وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ نَقِيراً *وَمَنْ
(1) سورة يونس - الآية 18.
(2)
سورة المدثر - الآية 38 - 48.
أَحْسَنُ دِيناً مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً} (1).
إن الدين الحق هو إسلام الوجه لله، وإحسان العمل، وإن روح الإسلام هى وصاية رسول الله صلى الله عليه وسلم لابنته فاطمة رضى الله عنها:«اعملى يا فاطمة، فأنى لا أغنى عنك من الله شيئًا» .
والله يتنزه عن محاباة أحد من خلقه، وهذه سنته فى الأولين والآخرين.
(1) سورة النساء - الآية 123 - 125.
(2)
سورة النجم - الآية 36 - 41.