الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وما غزواته المظفرة إلا مظهر من مظاهر إرادته العليا التى تجرى حسب مشيئة الله وقدره.
وقد حذر رسول الله صلى الله علية وسلم من أن يفهم فهمًا خاطئًا، ودعا إلى مجاهدة من يرى هذا الفهم الخطأ.
فقد روى عن جابر رضى الله عنه عن النبى صلى الله علية وسلم أنه قال: «يكون فى آخر الزمان قوم يعملون المعاصى، ثم يقولون: الله قدّرها علينا، الرّادّ عليهم يومئذ كالشاهر سيفه فى سبيل الله» .
هذا هو القدْر الذى ينبغى أن نعرفه عن القدَر، وما وراء هذه المعرفة عنه فلا يحل لنا البحث فيه ولا التنازع فى شأنه؛ فإن هذا من أسرار الله التى لا تحيط بها العقول، ولا تدركها الأفكار.
فعن أبى هريرة رضى الله عنه قال: خرج علينا رسول الله صلى الله علية وسلم ونحن نتنازع فى القدر، فغضب حتى احمر وجهه، وقال:«أبهذا أرسلت إليكم؟ إنما هلك من قبلكم حين تنازعوا فى هذا الأمر، عزمت عليكم ألا تنازعوا فيه» .
وفى هذا يقول صلى الله علية وسلم لمن سأله فى مثل هذا: طريق مظلم لا نسلكه، كرر عليه السؤال فقال: بحر عميق لا تمجه، كرر عليه السؤال فقال: سر الله قد خفى عليك فلا تفشه .. فمثل هذا النهى إنما ينصب على السؤال عن نظام الله فى الحياة والموت، وبسط الرزق وضيقه، وهكذا .. لا على الكلام فى القدر نفسه.
*
حرية الإنسان:
منذ أقدم العصور، أخذ الإنسان يفكر فى نفسه، وفى الكون المحيط به، وكانت حرية الإنسان إحدى القضايا التى تناولها عقله، وشغلت حيزًا كبيرًا من تفكيره، ولا تزال هذه القضية إلى يومنا هذا مثار جدل ومناقشة بين المفكرين
والفلاسفة، ولا يزال اهتمامهم بها اهتمامًا بالغًا، إذ أنها قضية تتعلق بحياة الإنسان، وتتصل بمصيره، فهو يبحث فيها، ويكد، ويجد فى البحث، علّه يهتدى إلى الحل الصحيح، كى يرسم لنفسه السلوك على ضوء الحل الذى يهتدى إليه.
وبدهى أن الإنسان حينما حال الكشف عن وجه الصواب فى هذه القضية، وأراد البحث فيها، لم يجعل ميدان بحثه الأعمال الخارجة عن إرادته واختياره، ككونه أبيض، أو أسود؛ وككونه وُلد من هذا الوالد، أو ذاك؛ وكنبضات قلبه؛ وتنفسه؛ وجريان الدم فى عروقه .. فإن هذه الأشياء خارجة عن نطاق البحث، لأن الإنسان لا اختيار له فيها، وهى غير خاضعة لإرادته.
وإنما اتجه الإنسان وهو بصدد البحث فى هذه القضية إلى الأعمال الإدارية التى تدخل فى نطاق الإرادة والاختيار، ومدى حريته فى ممارسة هذه الأعمال، مثل خروجه من البيت؛ واتخاذه طعامًا معينًا؛ ولبسه نوعًا من الملابس؛ وتفضيله لونًا من العلم، أو الكتابة؛ وممارسته حرفة من الحرف؛ وزيارته لغيره وهكذا فى كل عمل من الأعمال الاختيارية.
وقد اختلفت الأنظار، وتضاربت الأفكار تضاربًا كادت تضيع معه معالم الحق.
فمن قائل بأن الإنسان مسيّر (1) غير مخيّر، ومجبر على ممارسة نشاطه الاختيارى، وأنه كالريشة فى مهب الريح تتقاذفها ذات اليمن وذات الشمال.
ومن قائل بأن الإنسان مخيّر (2) غير مسيّر، ،انه يمارس أعماله الاختيارية بمحض إرادته ومشيئته.
ومن قائل بأن الإنسان ليس له من أعماله إلا الكسب (3) ، أى أن الله يخلق
(1) هذا مذهب الجبرية.
(2)
مذهب المعتزلة والإمامية.
(3)
رأى الأشاعرة.