الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والإنسان بمقتضى خلافته عن الله فى الأرض مكلف بأن ينمى فى نفسه معانى البِرّ، والصواب، والخير، والطاعة، والتقوى؛ وأن يقاوم نوازع الإثم، والخطأ، والشر، والفجور، حتى يبلغ الكمال الروحى الذى أراده الله له.
وفى هذه المعركة يتدخل الشيطان، ليصرف الإنسان عن تنمية قواه العليا من جانب، وليضعف من روح المقاومة بطريق الخداع والإغراء والتزيين من جانب آخر.
ومن ثم كان واجبًا على الإنسان أن يحذر مكايد الشيطان، ويعرف أساليبه التى يتخذها، ليصرف الإنسان عن وظيفته الأولى فى هذه الحياة.
فإذا زلّت به قدم، أو تورط فى الإثم، أو جانبه صواب، أو مارس شرًّا، أو اقترف معصية، أو ارتكب فجورًا .. فأمامه السبيل الذى رسمه له أبوه آدم من التوبة، واستئناف حياة أزكى وأطهر .. وبهذا يخلص الإنسان من سلطان الشيطان وسيطرته عليه.
*
مقاومة الشيطان:
إن الله لم يذكر فى القرآن النفس الأمارة بالسوء، ولا النفس اللوامة إلا مرة واحدة، ولكنه ذكر الشيطان وكرر التحذير منه فى صور متنوعة، وما فعل ذلك إلا ليكون الإنسان منه على حذر، كى لا يضل، ولا يشقى؛ ذلك أن عمل الشيطان فى النفس مثل عمل الميكروب فى الجسم، والميكروب ينتهز فرصة ضعف الجسم فيهجم عليه محاولاً القضاء عليه والفتك به، ولا خلاص للجسم من عمل الميكروب إلا إذا كانت له حصانة، وفيه مناعة تبطل عمل الميكروب، وتقضى على ضراوته.
وكذلك الشيطان ينتهز فرصة ضعف النفس ومرضها، فيهجم عليها محاولاً إفسادها.
ولا خلاص منه إلا إذا صحت النفس من أمراضها، التى هى المداخل الحقيقية للشيطان ووسوسته.
وأمراض النفس التى هى مداخل الشيطان هى نقائص الإنسان التى يجب عليه أن يتخلص منها حتى لا يكون للشيطان سبيل عليه، وهذه الأمراض أو هذه النقائص هى - على سبيل المثال لا الحصر (1) -: الضعف، واليأس، والقنوط، والبطر، والفرح، والعجب، والفخر، والظلم، والبغى، والجحود، والكنود، والعجلة، والطيش، والسفه، والبخل، والشح، والحرص، والجدل، والمراء، والشك، والريبة، والجهل، والغفلة، واللدد فى الخصومة، والغرور، والادعاء الكاذب، والهلع، والجزع، والمنع، والتمرد، والعناد، والطغيان، وتجاوز الحدود، وحب المال، والافتتان بالدنيا .. فهذه هى أمراض النفس، وبواسطتها يتدخل الشيطان ليدمر حياة الإنسان، وليزحزحه عن فضائله العليا، ولا سبيل إلى طرده ومعالجة وسوسته وإغرائه إلا إذا عولجت النفس أولاً عن طريق المجاهدة، حتى تبرأ من هذه الأمراض جميعها، وتعود إليها الصحة والعافية، وتكون نفسًا مطمئنة بالحق والخير.
وحينئذ يكون ذكر الله، والاستعاذة به من الشيطان، والتبرى من الحول والقوة، وإسلام الوجه لقيوم السماوات والأرض، مما يقوّى من معنويات الإنسان ويرفع من مستواه الروحى، حتى يصل الإنسان إلى درجة يخاف فيها الشيطان من أن يلقاه فى طريق من الطرق، كما حدث لعمر بن الخطاب رضي الله عنه ..
روى البخارى ومسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعمر: «وَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ مَا لَقِيَكَ الشَّيْطَانُ قَطُّ سَالِكاً فَجًّا (2)، إِلَاّ سَلَكَ فَجًّا غَيْرَ فَجِّكَ» .
(1) يراجع كتابنا عناصر القوة.
(2)
فجًا: طريقًا.