الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
*
آيات الرسل:
لم يرسل الله رسولاً ليلغ الناس الدين، ويعملهم الشريعة، إلا وأيده بالآيات التى تقطع بأنه مرسل من عنده، وأنه موصول بالملأ الأعلى يتلقى عنه، ويأخذ تعاليمه منه.
وهذه الآيات التى يؤيد الله بها رسله، لابد أن تكون فوق مقدور البشر، وخارج نطاق طاقاتهم وعلومهم ومعارفهم؛ كما يجب أن تكون مخالفة للسنن الخاصة بالمادة، وخارقة للعادات المعروفة، والقوانين الطبيعية المألوفة.
ولذلك سمى العلماء هذه الآيات بالمعجزات، لأنها تعجز العقل عن تفسيرها، كما تعجز القدرة الإنسانية عن الإتيان بمثلها.
وعرّفوا المعجزة بأنها: الأمر الخارق للعادة، الذى يجريه الله على يدى نبى مرسل، ليقيم به الدليل القاطع على صدق نبوّته.
ومن ثم كانت المعجزة ضرورية، وإظهارها واجبًا، ليتم بها المقصود من تبليغ الرسالة، وتقام بها حجة الله على الناس.
وهذه الآيات ممكنة فى ذاتها، والعقل لا يمنعها، والعلم لا ينفيها، والواقع يؤيدها.
فقد قام رجال وادعوا أنهم رسل الله، وتحدّوا أممهم بما أظهروه من هذه الخوارق، ورآها الناس عيانًا، وآمن بها ألوف وألوف عبر القرون والأجيال.
بل إن العلم الحديث نفسه أثبت أن النواميس الطبيعية يمكن تخلفها عن إحداث آثارها بنواميس أخرى أرقى منها، كما أثبت العلم أيضًا أن معجزات الأنبياء كلها صحيحة.
والناظر فيما كتبه العلماء المحدثون عن عالم الأرواح، وعجائب استحضارها، وغرائب التنويم المغناطيسى، وما إلى ذلك يدرك لا محالة أن هذه الخوارق أمور ممكنة، وليس شىء منها بمحال أصلاً.
والمؤمنون بالله لا يتوقفون فى تصديق شىء، متى ثبت بالدليل القاطع الذى لا يتطرق إليه الشك، لأنهم يعلمون أنه عز وجل لا يتقيد بالسنن التى وضعها، فهم يعلمون بأن الذى قدر على جعل النار محرقة، قادر على سلبها خاصة الإحراق، كما فعل مع إبراهيم عليه السلام حين ألقى فى النار، فلم يحترق.
وهم يعلمون أن الذى قدر على خلق الإنسان من ذكر وأنثى، وخلق آدم من تراب، قادر على أن يخلق من السيدة مريم العذراء بدون لقاح طبيعى أو صناعى.
وهم يؤمنون بأن الذى أعطى المرأة الولود القدرة على الإخصاب، قادر على أن يعطى العقيم هذه القدرة، كما فعل ذلك لأم يحيى بن زكريا عليهما السلام.
(1) سورة الأنبياء - الآية 68، 69.
(2)
سورة مريم - الآية 20، 21.
(3)
سورة الأنبياء - الآية 91.
وهكذا يرى المؤمنون بالله أن الله خالق الكون، ومدبر أمره، وواضع سننه لا يتقيد بهذه السنن الظاهرة، وأن وراء هذه السنن سننًا أخرى فوق ما نعرف، وأن الكون ليس كما يزعم السطحيون من الماديين: ميكانيكيًا يسير حسب ما يتصورون، وأنه ليس له مدبر يدبر أمره وينظم شئونه .. لا، إن الكون أكبر مما يتصوره هؤلاء وأعظم، وما عرفوا منه إلا الأسماء التى يسترون بها جهلهم، وينفسون بها عن غرورهم .. وإن الأمر كما قال القرآن الكريم:
{وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَاّ قَلِيلاً} (2).
وجاء فى كتاب (الإسلام مع الحياة) بعنوان " العلم الحديث ورد الشمس ":
جاء فى قصص الأنبياء، أن يوشع بن نون كان فى معركة مع أعداء الله، وكانت الشمس تغرب قبل أن ينتهى القتال، فخشى أن يعجزوه إذا امتد القتال إلى اليوم التالى، فقال للشمس: أنت فى طاعة الله، وأنا فى طاعة الله، فأسألك أن تقفى حتى ينتقم الله من أعدائه قبل الغروب، فاستجاب الله الدعاء، ووقفت الشمس وزيد فى النهار حتى تم النصر ليوشع.
وقال الله تعالى:
(1) سورة آل عمران - الآية 38 - 40.
(2)
سورة الإسراء - الآية 58.
قال المفسرون: إن موسى عليه السلام ومن معه هربوا من فرعون لخوف القتل، ولما انتهوا إلى البحر، ولم يجدوا سبيلاً إلى ركوبه، أوحى الله إلى موسى عليه السلام أن يضرب البحر بعصاه، وحينما امتثل ما أمر الله به، تجمع الماء على الطرفين بعضه فوق بعض، حتى صار كالجبل، وخرج موسى وأنصاره، وتبعهم فرعون وقومه فى نفس الطريق، فأغرقهم الله، وكان البحر يبسًا فى طريق موسى، وماء فى طريق فرعون.
وكذب الكافرون كلاً من المعجزتين أو الحادثتين:
أولاً: لأنها خرق لقوانين الطبيعة.
ثانيًا: لو صحت لجاء ذكرها فى غير الكتب الدينية، لأنها من الأحداث العالمية العجيبة.
وقرأت فى جريدة الجمهورية عدد 13 - 12 - 57، أن كتابًا فى علوم الطبيعة ظهر حديثًا، وقد أثار ضجة كبرى فى الأوساط العلمية، ولدى المؤرخين حيث أثبت بالأرقام المحسوسة واقعة انشقاق البحر، ووقوف الشمس فى كبد السماء.
أما المؤلف فهو عالم روسى من علماء الطبيعة اسمه " إيمانويل فليكوفسكى " درس العلوم الطبيعية فى جامعة أدنبورج، ودرس التاريخ والقانون والطب فى جامعة موسكو، ودرس علم الإحياء فى برلين وفى زيورخ، ودرس الطب النفسى فى فينا، ولقد خرج المؤلف من أبحاثه التى استمرت أكثر من عشر سنوات إلى استنتاجات علمية تؤيد بدون قصد ما جاء فى القرآن الكريم، وسيرة الأنبياء.
وقد رأيت أن أنقل للقراء مقتطفات من الكتاب كما ترجمتها، ونشرتها جريدة الجمهورية.
(1) سورة الشعراء - الآية 63.
قالت الجريدة: يقول المؤلف: إن نيزكًا هائلاً مر إلى جوار الكرة الأرضية فى عهد يوشع خليفة موسى عليهما السلام، ثم عادت الظاهرة إلى الوجود بعد ذلك بسبعمائة عام .. وهذه الظاهرة الكونية الهائلة التى تسيرها قوى خارقة غير مرئية تفسر المعجزات التى جاء ذكرها فى الكتب السماوية والتوراة والإنجيل والقرآن.
إن اقتراب كوكب أو نيزك كبير من الأرض يحدث ظواهر متعددة، منها أن دوران الأرض حول نفسها يقل أو يقف حتى يخيل إلى الناس أن الشمس قد وقفت فى كبد السماء، ومنها انشقاق البحر، وانعقاد أعمدة من الغمام فى النهار والليل؛ ولقد مر كوكب فى عهد الفراعنة، فأمطر الأرض سيلاً أحمر طبع الأرض والنيل والبحر بلون الدم، وهذا يؤيد ما جاء فى الآية الكريمة:
{فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ} (1).
وقد تساقط هذا التراب الأحمر فى جهات متفرقة من الأرض.
إن المعجزة التى تخرق كل قوانين الفلك والطبيعة، لا تصنعها سوى قدرة الخالق وحده.
لقد تمت المعجزة حين هرب موسى عليه السلام من اضطهاد فرعون مصر، فتابعه فرعون بجيوشه، ولكن انشق البحر، فمر موسى عليه السلام ومن معه بسلام، حتى إذا اتبعهم فرعون وجنوده، عاد البحر إلى سيرته الأولى، فانطبق على المطاردين، وابتلع الرجال والفرسان، ولم ينج منهم أحد.
ويقول المؤلف: إنه فى العهد الذى يقابل عهد موسى عليه السلام، يقول المؤرخون الصينيون: إن الشمس آنذاك لم تغرب حتى لقد حرقت الغابات، وذاب الجليد؛ وهكذا لبثت الأرض ساكنة، كأن قوة جبارة قد صنعتها، ولا يعرف على وجه التحديد كم استمر
(1) سورة الأعراف - الآية 133.