الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وعن أبى هريرة رضي الله عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم قال: «إن عفريتًا من الجن تفلَّت البارحة، ليقطع علىّ صلاتى، فـ أمكننى الله منه، فـ أخذته، فـ أردت أن أربطه إلى سارية من سوارى المسجد حتى تنظروا إليه كلكم، فذكرت دعوة أخى سليمان: " رب هب مُلكًا لا ينبغى لأحد من بعدى " فرددته خاسئًا» .
*
إبليس والشياطين:
إبليس اسم أعجمى، ولهذا كان ممنوعًا من الصرف، وقيل إنه عربى مشتق من الإبلاس، وهو اليأس من رحمة الله، أو الإبعاد عن الخير؛ ومنع من الصرف لأنه لا نظير له فى الأسماء، أو لأنه يشبه الأسماء الأعجمية .. وهو أبو الشياطين (1)، وأصلهم الأول (2) .. والشياطين هم المتمردون من عالم الجن.
وإذا كانت الملائكة هم جُند الله الذين يمثلون الخير والفلاح والصلاح، فإن إبليس ومن معه من الشياطين هم أعداء الله الذين يمثلون الشر والفساد، فأعمال الملائكة والشياطين على طرفى نقيض.
إذ أن أعمال الملائكة تتجه أول ما تتجه إلى عبادة الله، وترقية الحياة، وتنظيم أمر هذا الوجود، وإقامة معالم النظام .. وهى تعمل دائمًا على التأليف والتجميع والتنسيق، وهداية الإنسان إلى الحق، ودعاء الله أن يغفر له سيئاته ويحفظه منها.
(1) الشياطين جمع شيطان، والشيطان كل متمرد من الإنس أو الجن أو الحيوان، والمقصود بهم هنا المتمردون من عالم الجن.
(2)
وهو سيبقى إلى يوم القيامة، فقد طلب إنظاره، فأجابه الله:{قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ ? إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ} سورة الحجر - الآية 37، 38؛ وله ذرية:{أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي} سورة الكهف - الآية 50.
أما أعمال الشياطين فهى تتجه دائمًا إلى التمرد على الله، وإلى التفريق والتمزيق والتخريب والتدمير، وقطع ما أمر الله به أن يوصل، ووصل ما أمر الله به أن يقطع، فما من شر فى الأرض ولا فساد فى الوجود، إلا ولهم به صلة.
وهم الذين زينوا للأمم السابقة سوء العمل، وحسنوا لهم الكفر والمعاصى، ودعوهم إلى تكذيب الرسل ومخالفة أوامر الله، ولا تزال هذه أعمالهم.
وعن عياض المجاشعى رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ذات يوم فى خطبته: «أَلَا إِنَّ رَبِّى أَمَرَنِى أَنْ أُعَلِّمَكُمْ مَا جَهِلْتُمْ مِمَّا عَلَّمَنِى يَوْمِى هَذَا، كُلُّ مَالٍ نَحَلْتُهُ عَبْداً حَلَالٌ (2)، وَإِنِّى خَلَقْتُ عِبَادِى حُنَفَاءَ كُلَّهُمْ (3)، وَإِنَّهُمْ أَتَتْهُمُ الشَّيَاطِينُ فَاجْتَالَتْهُمْ عَنْ دِينِهِمْ (4)، وَحَرَّمَتْ عَلَيْهِمْ مَا أَحْلَلْتُ لَهُمْ (5)، وَأَمَرَتْهُمْ أَنْ يُشْرِكُوا بِى مَا لَمْ أُنْزِلْ بِهِ سُلْطَاناً، وَإِنَّ اللَّهَ نَظَرَ إِلَى أَهْلِ الأَرْضِ فَمَقَتَهُمْ عَرَبَهُمْ وَعَجَمَهُمْ إِلَاّ بَقَايَا مِنْ أَهْلِ
(1) سورة النحل - الآية 63.
(2)
أى وقال ربى كل مال أعطيته لعبدى من طريق مشروع فهو حلال له كمنحة من ذى سلطان، وهدية من بعض الناس، وصناعة، وزراعة، ووظيفة، ونحوها، فلا تحرموا على ما لم يحرم الله عليكم.
(3)
أى على الفطرة مستعدين لقبول الهداية.
(4)
ذهبت بهم للباطل.
(5)
من الأنعام كالبحيرة ونحوها.
الْكِتَابِ (1)، وَقَالَ إِنَّمَا بَعَثْتُكَ لأَبْتَلِيَكَ وَأَبْتَلِىَ بِكَ (2)، وَأَنْزَلْتُ عَلَيْكَ كِتَاباً لَا يَغْسِلُهُ الْمَاءُ تَقْرَؤُهُ نَائِماً وَيَقْظَانَ (3)».
فالشياطين هى التى دعت إلى تحريف الدين، والخروج على الفطرة، وإلى الإشراك بالله، وحرمت الحلال، وأحلت الحرام، ولا تزال الشياطين تقعد للإنسان بكل طريق صادة عن سبيل الله ومحاولة صرفه عن جلائل الأعمال.
ففى حديث سبره بن فاكه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن الشيطان قعد لابن آدم بطرق: فقعد له بطريق الإسلام فقال: أتسلم، وتترك دينك ودين آبائك؟ فعصاه، وأسلم .. ثم قعد له بطريق الهجرة، فقال: أتهاجر؟ أتدع أرضك وسماءك؟ فعصاه وهاجر .. ثم قعد له بطريق الجهاد، فقال: أتجاهد وهو تلف النفس والمال، فتقاتل، فتقتل فتنكح نساؤك ويقسم مالك؟ فعصاه وجاهد» .
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فمن فعل ذلك، فمات، كان حقًا على الله أن يدخله الجنة» .
والشيطان هو الذى قام بدور رئيسى فى القضاء على دعوة الإسلام فى أول صدام له مع أعدائه.
(1) نظر إلى أهل الأرض فغضب عليهم غضبًا شديدًا قبل بعثة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم إلا فريقًا من أهل الكتاب الأول لم يغيروه.
(2)
لابتليك هل تقوم بحق الرسالة أولاً وأبتلى بك الناس: هل يؤمنون بك أو يكفرون.
(3)
لا يغسله الماء لأنه ليس فى صحف بل محفوظ فى الصدور يقرأ فى كل حال.
وهذا الشيطان هو الذى يزين لكل فرد ما تهفوا إليه نفسه، ويميل إليه هواه من حب للجنس، أو طمع فى المال، أو حرص على المنصب، أو تطلع إلى الجاه، أو إيثار للاستبداد، أو ميل إلى الطغيان .. بل إنه ليتسلط على المتدينين أنفسهم، ليزيدوا فى شرع الله، أو ينقصوا منه، ليطوِّعوا الدين لأهوائهم، ويخضعوه لشهواتهم.
وهو الذى يغرى العداوة والبغضاء بين الناس، فيفرق بين الأخ وأخيه، وبين الزوج والزوجة، وبين طوائف الأمة وجماعاتها.
وهو الذى يوقد نيران الحروب بين الأمم والشعوب، وينفخ فيها لتهلك الحرث والنسل، وتأتى على الأخضر واليابس.
وكلما كان الشيطان أقدر على الشر كان أقرب منزلة وأعلى قدرًا لدى رئيسه إبليس لعنه الله.
عن جابر عن النبى صلى الله عليه وسلم قال: «إِنَّ إِبْلِيسَ يَضَعُ عَرْشَهُ عَلَى الْمَاءِ، ثُمَّ يَبْعَثُ سَرَايَاهُ، فَأَدْنَاهُمْ مِنْهُ مَنْزِلَةً أَعْظَمُهُمْ فِتْنَةً .. يَجِىءُ أَحَدُهُمْ فَيَقُولُ: فَعَلْتُ كَذَا وَكَذَا، فَيَقُولُ: مَا صَنَعْتَ شَيْئاً، قَالَ: ثُمَّ يَجِىءُ أَحَدُهُمْ فَيَقُولُ: مَا تَرَكْتُهُ حَتَّى فَرَّقْتُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ، قَالَ: فَيُدْنِيهِ مِنْهُ وَيَقُولُ: نِعْمَ أَنْتَ» .
إن الفساد الجنسى، والفساد الخلقى، والفساد الاجتماعى، والفساد السياسى، والفساد
(1) سورة الأنفال - الآية 48.