الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
خاتمة
وبعد .. فإن سلوك الإنسان وتصرفاته فى الحياة مظهر من مظاهر عقيدته.
فإذا صلحت العقيدة صلح السلوك واستقام، وإذا فسدت فسد واعوج، ومن ثم كانت عقيدة التوحيد والإيمان ضرورة لا يستغنى عنها الإنسان ليستكمل شخصيته ويحقق إنسانيته.
ولقد كانت الدعوة إلى هذه العقيدة أول شىء قام به رسول الله صلى الله عليه وسلم لتكون حجر الزاوية فى بناء الأمة المسلمة، كما كانت أول شىء قام به رسل الله جميعًا، ذلك أن رسوخ هذه العقيدة فى النفس الإنسانية يسمو بها عن الماديات الوضيعة، ويوجهها دائمًا وجهة الخير والنبل، والنزاهة والشرف.
وإذا سيطرت هذه العقيدة، أثمرت الفضائل الإنسانية العليا من الشجاعة والكرم، والسماحة، والطمأنينة، والإيثار، والتضحية.
والتمكين لهذه العقيدة هو الذى يهذب الحياة، ويرقيها، ويصل بها إلى المدنية الحقة، ويبلغها ما تنشده من الخير والتقدم، وما تستهدفه من الحق والعدل فينعم الفرد، وتسعد الجماعة، وتحيا الحياة الطيبة.
{مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً} (1).
(1) سورة النحل - الآية 97.
وفى ظلال العقيدة، تتوافر عناصر الارتقاء المادى والروحى، ويجد الإنسان من عناية الله وولايته وكرامته، ما يبلغه ذروة الكمال الذى أراده الله له.
{اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ} (1).
{وَإِنَّ اللَّهَ لَهَادِ الَّذِينَ آمَنُوا إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} (2).
والعقيدة مثلها مثل الشجرة الطيبة التى لا ينقطع ثمرها، فهى تؤتى أكلها كل حين: فى صيف أو شتاء، ليل أو نهار، والمؤمن كذلك لا يزال يرفع له عمل صالح فى كل وقت وحين؛ ولهذا كثر فى القرآن الكريم اقتران الإيمان بالعمل الصالح، لأنه ثمرة من ثماره، وأثر من آثاره، وما أصدق قول الله عز وجل:
ولقد كان لعقيدة الإيمان فى تربية المؤمنين الأولين الأثر الكبير، فهى التى زكت النفوس، وطهرتها من الحسد والحقد، والكبر والعجب، والفسق والفحش، والظلم والجور، والقوة والغلظة، والأثرة والأنانية.
وهى التى خلصتهم من درن التربية الفاسدة، ووضر البيئة الرديئة، وشر الوراثات الدنيئة.
وهى التى أعلت هممهم، فطلبوا معالى الأمور، ووطنوا أنفسهم على إمامة
(1) سورة البقرة - الآية 257.
(2)
سورة الحج - الآية 54.
(3)
سورة إبراهيم - الآية 24، 25.
البشر، وقيادة الأمم، وتحريرها من الخرافات، واستبداد الملوك، وتطهير الأرض من الكفر والفساد.
وهى التى مكنت لهم من الفتح والظفر، والعلم والعمل، وإقامة الحضارة التى شع نورها، وعم خيرها مشارق الأرض ومغاربها، فى سنين تعد على الأصابع.
قال الدكتور " غوستاف لبون " فى كتابه " تطور الأمم: " إن ملكة الفنون لا يتم تكوينها لأمة من الأمم الناهضة إلا فى ثلاثة أجيال:
أولها: جيل التقليد.
ثانيها: جيل الخضرمة.
ثالثها: جيل الاستقلال والاختصاص.
إلا العرب وحدهم، فقد استحكمت لهم ملكة الفنون فى الجيل الأول الذى بدءوا فيه بمزاولتها ".
وما أصدق ما قاله النابغة الجعدى:
بلغنا السماء مجدُنا وسناؤنا
…
وإنا لنرجو فوق ذلك مظهرا
فقال له النبى صلى الله عليه وسلم: «ما المظهر يا أبا ليلى؟» قال: الجنة، قال:«إن شاء الله .. !» .