الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إن سعادة الإنسان لا تتم إلا بكبح جماح النفس، والتغلب على هواها باتباع وحى الله، ومحاربة نزغات الشيطان.
{وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ *وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ} (1).
*
حكمة خلق إبليس:
وقد يقال: لِمَ خلق الله إبليس يوسوس بالشر؟ ويدعو إلى محادة الله، ومحاربة تعاليمه؟ وقد أجاب عن ذلك بعض العلماء فقالوا أنه يظهر للعباد قدرة الله تعالى على خلق المتضادات المتقابلات، فخلق هذه الذات التى هى أخبث الذوات وسبب كل شر، فى مقابلة ذات جبريل عليه السلام التى هى من أشرف الذوات وأطهرها وأزكاها، وهى سبب كل خير، فتبارك الله خلق هذا وهذا؛ كما ظهرت قدرته فى خلق الليل والنهار، والدواء والداء، والحياة والموت، والحسن والقبيح، والخير والشر .. وذلك من أدل دليل على كمال قدرته وعزته وملكه وسلطانه، فإنه خلق هذه المتضادات، وقابل بعضها ببعض، وجعلها مجال تصرفه وتدبيره، فخلو العالم عن بعضها بالكلية تعطيل لحكمته وكمال تصرفه وتدبير مملكته.
ومنها ظهور آثار أسمائه القهرية مثل: القهار، والمنتقم، والعدل، والضار، والشديد العقاب، والسريع الحساب، وذى البطش الشديد، والخافض، والرافع، والمعز، والمذل؛ وأن هذه الأسماء والأفعال كمالات لابد من وجود متعلقها، ولو كان الجن والإنس على طبيعة الملائكة لم يظهر أثر هذه الأسماء.
(1) سورة المؤمنون - الآية 97، 98.
(2)
سورة الناس.
ومنها ظهور آثار أسمائه المتضمنة كلأه، وعفوه، ومغفرته، وستره، وتجاوزه عن حقه، وعتقه لمن يشاء من عبيده، فلولا خلق ما يكرهه من الأسباب المفضية إلى ظهور آثار هذه الأشياء لتعطلت هذه الحكم والفوائد، وقد أشار النبى صلى الله عليه وسلم إلى هذا بقوله:«وَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ لَوْ لَمْ تُذْنِبُوا لَذَهَبَ اللَّهُ بِكُمْ وَلَجَاءَ بِقَوْمٍ يُذْنِبُونَ فَيَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ فَيَغْفِرُ لَهُمْ» (1).
ومنها ظهور آثار أسماء الحكمة والخبرة، فإنه الحكيم، الخبير، الذى يضع الأشياء مواضعها، وينزلها منازلها اللائقة بها، فلا يضع الشىء فى غير موضعه ولا ينزله فى غير منزلته التى يقتضيها كمال علمه، وتمام حكمته، فهو أعلم حيث يجعل رسالاته، وأعلم بمن يصلح لقبولها، ويشكر له جميل صنعه، وأعلم بمن لا يصلح لذلك، فلو قرر عدم الأسباب المكروهة لتعطلت حكم كثيرة، ولفاتت مصالح عديدة، ولو عطلت تلك الأسباب لما فيها من الشر لتعطل الخير الذى هو أعظم من الشر الذى فى تلك الأسباب، وهذا كالشمس والمطر والرياح التى فيها من المصالح ما هو أضعاف ما يحصل بها من الشر.
ومنها حصول الطاعات المتنوعة التى لولا خلق إبليس لما حصلت، فإن طاعة الجهاد من أحب أنواع الطاعات، ولو كان الناس كلهم مؤمنين لتعطلت هذه الطاعة وتوابعها من الموالاة لله تعالى والمعاداة فيه، وطاعة الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر ومخالفة الهوى وإيثار محاب الله تعالى، والتوبة، والاستغفار والصبر، والاستعاذة بالله أن يجيره من عدوّه، ويعصمه من كيده وأذاه، إلى غير ذلك من الحكم التى تعجز العقول عن إدراكها.
(1) رواه مسلم عن أبى هريرة رضي الله عنه.