الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حقيقة الإيمان وثمرته
مظاهر الإيمان
ثماره
الإيمان بالله يمثل أكرم صلة بين الإنسان وخالقه .. ذلك أن أشرف ما فى الأرض الإنسان، وأشرف ما فى الإنسان قلبه، وأشرف ما فى القلب الإيمان.
ومن ثم كانت الهداية إلى الإيمان أجل نعمة، وأفضل آلاء الله على الإطلاق
وليس الإيمان هو مجرد النطق باللسان، واعتقاد بالجنان، إنما هو عقيدة تملأ القلب، وتصدر عنها آثارها، كما تصدر عن الشمس أشعتها، وكما يصدر عن الورد شذاه.
ومن آثاره أن يكون الله ورسوله أحب إلى المرء من كل شىء، وأن يظهر ذلك فى الأقوال، والأفعال، والتصرفات؛ فإن كان ثمة شىء أحب إلى المرء من الله ورسوله فالإيمان مدخول، والعقيدة مهزوزة.
{قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ
(1) سورة الحجرات - الآية 17.
(2)
سورة الحجرات - الآية 7، 8.
تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ} (1).
فالحياة بما فيها من الآباء، والأبناء، والأخوة، والأزواج، والعشيرة، والأموال، والتجارة، والمساكن .. إن كانت أحب إلى الإنسان من الله ورسوله، فلينتظر عقاب الله للذين شغلوا قلوبهم عنه بغيره.
إن الإيمان لا يكمل إلا بالحب الحقيقى: حب الله، وحب رسوله، وحب الشريعة التى أوحاها الله إليه.
ففى الحديث الصحيح: «ثلاث من كنّ فيه، وجد حلاوة الإيمان:
1 -
أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما.
2 -
وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله.
3 -
وأن يكره أن يعود فى الكفر، كما يكره أن يقذف فى النار».
وقال صلى الله علية وسلم: «لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده، وولده، ونفسه التى بين جنبيه، والناس أجمعين» .
وجاء عمر رضى الله عنه إلى رسول الله صلى الله علية وسلم، فقال:«يا رسول الله .. لأنت أحب إلىّ من كل شىء إلا من نفسى «، فقال صلى الله علية وسلم: «لا يا عمر حتى أكون أحب إليك من نفسك» فقال عمر: «والذى بعثك بالحق لأنت أحب إلىّ من نفسى «فقال صلى الله علية وسلم: «الآن يا عمر (أى الآن تم إيمانك)» .
وقال صلى الله علية وسلم: «لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعًا لما جئت به» .
(1) سورة التوبة - الآية 24.
وكما يتمثل الإيمان فى الحب، يتمثل فى الجهاد من أجل إعلاء كلمة الله، والكفاح لرفع راية الحق، والنضال لمنع الظلم والفساد فى الأرض.
وكثيرًا ما يقترن الإيمان بالجهاد على أنه روحه ومظهره العملى:
{إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ
الصَّادِقُونَ} (1).
ولقد برز هذا الكفاح فى الصفوة المؤمنة فى العهد الأول، حتى استحقوا ثناء الله عليهم.
وأثر الإيمان يبدو واضحًا فى خشية الله والخوف منه، فإن من عرف الله وعرف عظمته، واستشعر جلاله وكبرياءه، وعرف تقصيره فى حقه، خشيه وخاف منه.
{إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} (4).
وهذه سمة أهل الحق القوامين على دين الله.
(1) سورة الحجرات - الآية 15.
(2)
سورة التوبة - الآية 111.
(3)
سورة الأحزاب - الآية 23.
(4)
سورة فاطر - الآية 28.
وكلما كانت المعرفة أكمل، كانت الخشية أتم.
ويقول الرسول صلى الله علية وسلم: «إنى لأعلمكم بالله، وأخشاكم له» .
وأعظم ما يبدو فيه الإيمان الاستمساك بالوحى، لأنه النبع الصافى الذى لم يختلط بشائبة الهوى، أو آفة الظنون.
والاستمساك بالوحى، إنما هو اتصال بالله، وأخذ عنه مباشرة بدون توسيط وسطاء، وهذا هو أسمى أنواع الاتصال.
والمؤمنون عامة يتجهون هذا الاتجاه، حتى لا يلتبس الحق الذين يؤمنون به بالباطل الذى صنعته عقول الناس وأفهامهم.
(1) سورة الأحزاب - الآية 39.
(2)
سورة النور - الآية 51، 52.
(3)
سورة الأحزاب - الآية 36.
(4)
سورة النساء - الآية 65.
والإيمان ينشئ علاقات مختلفة:
فهو يربط بين المؤمنين وبين الله برباط المودة، والمحبة؛ ويقيم العلاقة بين المؤمنين بعضهم مع بعض، على أساس من الشفقة والرحمة.
ويقيم العلاقة بين المؤمنين وبين أعداء الله، الصادين عن الحق، على أساس من الغلظة والقسوة.
وقد تجلت هذه الصفات فى الرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته:
والعمل الصالح الذى تزكو به النفس، ويطهر به القلب، وتعمر به الحياة، أثر من آثار الإيمان.
ولهذا يأتى الإيمان فى الآيات القرآنية مقرونًا بالعمل الصالح؛ لأن
(1) سورة المائدة - الآية 54.
(2)
سورة الفتح - الآية 29.