الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الإيمان إذا تجرد عن العمل كان إيمانًا عقيمًا، وكان كالشجرة التى لا تثمر ثمرًا، ولا تمد ظلاً؛ فهى بالقطع أولى منها بالبقاء.
والعمل إذا خلا عن الإيمان، كان رياء ونفاقًا؛ والنفاق والرياء هما شر ما يصاب به الإنسان.
إن الإيمان بهذا المعنى، هو الإيمان القرآنى، وهو الإيمان الذى أراده الله لعباده.
وإذا تحقق، فإنه يتحول إلى قوة إيجابية فى الحياة، وهو الذى يحول الضعف إلى قوة، والهزيمة إلى نصر، واليأس إلى أمل، والأمل إلى عمل.
{وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ} (3).
*
ثمار الإيمان:
وإذا عرف الإنسان ربه عن طريق العقل والقلب .. أثمرت له هذه المعرفة ثمارًا يانعة، وتركت فى نفسه آثارًا طيبة، ووجهت سلوكه وجهة الخير والحق، والسموّ والجمال.
(1) سورة العصر.
(2)
سورة غافر - الآية 51.
(3)
سورة الروم - الآية 47.
وهذه الثمار نجمل بعضها فيما يلى:
1 -
تحرر النفس من سيطرة الغير، وذلك أن الإيمان يقتضى الإقرار بأن الله هو المحى، المميت، الخافض، الرافع، الضار، النافع.
إن الذى عوق البشرية عن النهوض، وحال بينها وبين الرقى، هو الخضوع للاستبداد، سواء أكان هذا الاستبداد استبدادًا سياسيًا للحكام والرؤساء، أم استبدادًا كهنوتيًا لرجال الدين والكهنوت.
وبتقرير الإسلام لهذه الحقيقة، قضى على هذا الأسر، وأطلق حرية الإنسان من سيطرة هؤلاء المستبدين التى لازمته قرونًا طوالاً.
2 -
والإيمان يبعث فى النفس احتقار الموت والرغبة فى الاستشهاد من أجل الحق.
إذ الإيمان يوحى بأن واهب العمر هو الله، وأنه لا ينقص بالإقدام، ولا يزيد بالأحجام؛ فكم من إنسان يموت وهو على فراشه الوثير، وكم من إنسان ينجو وهو يخوض غمرات المعارك والحروب!
{وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَاّ بِإِذْنِ اللَّهِ كِتَاباً مُؤَجَّلاً} (2).
{وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَلْ لَنَا مِنَ الأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ قُلْ إِنَّ الأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ يُخْفُونَ فِي
(1) سورة الأعراف - الآية 188.
(2)
سورة آل عمران - الآية 145.
أَنْفُسِهِمْ مَا لا يُبْدُونَ لَكَ يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنَا هَاهُنَا قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ} (1).
{أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ} (2).
3 -
والإيمان يقتضى الاعتقاد بأن الله هو الرزاق، وأن الرزق لا يسوقه حرص حريص، ولا يرده كراهية كاره.
وإذا سيطرت هذه العقيدة على النفس، تخلص الإنسان من رذيلة البخل والحرص والشره، والطمع، واتصف بفضيلة الجود، والبذل، والسخاء، والأنفة، والعفة، وكان إنسانًا مأمول الخير مأمون الشر.
4 -
والطمأنينة أثر من آثار الإيمان .. أى طمأنينة القلب، وسكينة النفس.
(1) سورة آل عمران - الآية 154.
(2)
سورة النساء - الآية 48.
(3)
سورة هود - الآية 6.
(4)
سورة العنكبوت - الآية 60.
(5)
سورة العنكبوت - الآية 62.
وإذا اطمأن القلب، وسكنت النفس .. شعر الإنسان ببرد الراحة، وحلاوة اليقين، واحتل الأهوال بشجاعة، وثبت إزاء الخطوب مهما اشتدت، ورأى أن يد الله ممدودة إليه، وأنه القادر على فتح الأبواب المغلقة، فلا يتسرب إليه الجزع، ولا يعرف اليأس إلى قلبه سبيلاً.
5 -
والإيمان يرفع من قوى الإنسان المعنوية، ويربطه بمثل أعلى، وهو الله مصدر الخير، والبر، والكمال.
وبهذا يسمو الإنسان عن الماديات، ويرتفع عن الشهوات، ويستكبر على لذائذ الدنيا، ويرى أن الخير والسعادة فى النزاهة والشرف، وتحقيق القيم الصالحة .. ومن ثم يتجه المرء اتجاهًا تلقائيًا لخير نفسه، ولخير أمته، ولخير الناس جميعًا.
وهذا هو السر فى اقتران العمل الصالح - بجميع شعبه وفروعه - بالإيمان، إذ أنه الأصل الذى تصدر عنه، وتتفرع منه.
{إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ} (4).
(1) سورة الرعد - الآية 28.
(2)
سورة الفتح - الآية 4.
(3)
سورة البقرة - الآية 257.
(4)
سورة يونس - الآية 9.
{وَإِنَّ اللَّهَ لَهَادِ الَّذِينَ آمَنُوا إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} (1).
{وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ} (2).
وإذا اهتدى القلب، فأى شىء من الخير يفوته؟!
6 -
والحياة الطيبة يعجل الله بها للمؤمنين فى الدنيا قبل الآخرة.
وتتمثل هذه الحياة فى ولاية الله للمؤمن، وهدايته له، ونصره على أعدائه، وحفظه مما يبيّت له، وأخذه بيده كلما عثر أو زلت به قدم؛ فضلاً عما يفيضه عليه من متاع مادى، يكون عونًا له على قطع مرحلة الحياة فى يسر.
(1) سورة الحج - الآية 54.
(2)
سورة التغابن - الآية 11.
(3)
سورة النحل - الآية 97.
(4)
سورة النحل - الآية 30.
(5)
سورة النور - الآية 55.
(6)
سورة غافر - الآية 51.
وقد انتهى العالم إلى هذه الحقائق الإيمانية؛ ولا يتسع المجال لإثبات شهادات كبار العلماء، وتسجيل ما
شاهدوه.
ونكتفى هنا بتسجيل ما نشر بجريدة الجمهورية، يوم السبت 29/ 11/1962م فقد قالت الصحيفة تحت عنوان (العلماء يلجأون إلى الدين لعلاج مرضى الأمراض العقلية):
عزاء وسلوان لأولئك الذين تشبثوا بدينهم، ولم يتزعزع إيمانهم فى أحلك لحظات المدنية وأنصعها، أقصد تلك اللحظات التى يتشدق فيها دعاة النظريات العتيدة، وفى مقدمتها نظرية النشوء والارتقاء لـ (داروين) ، ويتشدقون فيها بأن الدين بدعة، وبأن الإنسان يقف وحده فى هذا الكون كما زعم (جوليان هاكسلى) جد الكاتب الفيلسوف البريطانى الكبير (الدوسى هاكسلى).
إن علماء الأمراض العقلية، لا يجدون اليوم سلاحًا أمضى وأبعد فاعلية لعلاج مرضاهم، من الدين والإيمان بالله .. والتطلع إلى رحمة السماء .. والتشبث بالرعاية الإلهية .. والالتجاء إلى قوة الخالق الهائلة عندما يتضح عجز كل قوة سواه!
لقد بدأت التجربة فى مستشفى بولاية نيويورك، وهو مستشفى خاص بمرتكبى الجرائم من المصابين بالأمراض العقلية.
(1) سورة الأعراف - الآية 96.
(2)
سورة يونس - الآية 98.
بدأت التجربة بإدخال الدين كوسيلة جديدة للعلاج بجانب الصدمات الكهربائية لخلايا المخ، والعقاقير المسكنة والمهدئة للأعصاب.
وكانت النتيجة رائعة .. إن أولئك الذين تعذر شفاؤهم، بل فقدوا الأمل فيه، انتقلوا من عالم المجانين إلى عالم العقلاء .. أولئك الذين ارتكبوا أفظع الجرائم، وهم مسلوبو الإرادة، باتوا يسيطرون على إرادتهم وتفكيرهم وتصرفاتهم، ويذرفون الدمع ندمًا، وكلهم أمل فى رحمة السماء ومغفرة الله.
واستسلم العلماء، ورفعوا أيديهم إلى السماء، يعترفون بضعفهم، ويعلنون للدنيا: أن العلم يدعو إلى الإيمان، وليس أبدًا إلى الإلحاد.
وأنت طبعًا لست فى حاجة لأكثر من الإلمام بالقراءة، وحتى إذا كان قد فاتك قطار التعليم، فأمامك بيوت الله، وفيها السلوى .. وفيها العزاء.