الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْفَتْحُ أَمَّا إذَا انْهَدَمَتْ تِلْكَ الْأَبْنِيَةُ، وَبَنَى أَهْلُ الْإِسْلَامِ دُورًا غَيْرَ دُورِ الْكُفَّارِ فَهَذِهِ الْأَبْنِيَةُ لَا تَكُونُ وَقْفًا إجْمَاعًا، وَحَيْثُ قَالَ مَالِكٌ لَا تُكْرَى دُورُ مَكَّةَ يُرِيدُ مَا كَانَ فِي زَمَانِهِ بَاقِيًا مِنْ دُورِ الْكُفَّارِ الَّتِي صَادَفَهَا الْفَتْحُ، وَالْيَوْمَ قَدْ ذَهَبَتْ تِلْكَ الْأَبْنِيَةُ فَلَا يَكُونُ قَضَاءُ الْحَاكِمِ بِذَلِكَ خَطَأً نَعَمْ يَخْتَصُّ ذَلِكَ بِالْقَضَاءِ بِالْمِلْكِ وَالشُّفْعَةِ فِي الْأَرَضِينَ فَإِنَّهَا بَاقِيَةٌ أَوْ نَقُولُ قَوْلُ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - إنَّ الْبَلَدَ الْفُلَانِيَّ فُتِحَ عَنْوَةً لَيْسَ هَذَا بِفُتْيَا يُقَلَّدُ فِيهَا، وَلَا مَذْهَبًا لَهُ يَجِبُ عَلَى مُقَلِّدِيهِ اتِّبَاعُهُ فِيهِ بَلْ هَذِهِ شَهَادَةٌ، وَكَذَا لَوْ قَالَ مَالِكٌ فُلَانٌ أَخَذَ مَالَهُ غَصْبًا أَوْ خَالَعَ امْرَأَتَهُ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ فُتْيَا بَلْ شَهَادَةٌ، وَالْقَاعِدَةُ أَنَّ كُلَّ إمَامٍ أَخْبَرَ عَنْ حُكْمٍ بِسَبَبٍ اُتُّبِعَ فِيهِ، وَكَانَ فُتْيَا وَمَذْهَبًا أَوْ أَخْبَرَ عَنْ وُقُوعِ ذَلِكَ السَّبَبِ فَهُوَ شَهَادَةٌ، وَأَنَّ الْمَذْهَبَ الَّذِي يُقَلَّدُ فِيهِ الْإِمَامُ خَمْسَةُ أُمُورٍ لَا سَادِسَ لَهَا الْأَحْكَامُ كَوُجُوبِ الْوِتْرِ، وَالْأَسْبَابُ كَالْمُعَاطَاةِ.
وَالشُّرُوطُ كَالنِّيَّةِ فِي الْوُضُوءِ، وَالْمَوَانِعُ كَالدَّيْنِ فِي الزَّكَاةِ، وَالْحِجَاجُ كَشَهَادَةِ الصِّبْيَانِ وَالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ فَهَذِهِ الْخَمْسَةُ إنْ اُتُّفِقَ عَلَى شَيْءٍ مِنْهَا فَلَيْسَ مَذْهَبًا لِأَحَدٍ بَلْ ذَلِكَ لِلْجَمِيعِ فَلَا يُقَالُ إنَّ وُجُوبَ رَمَضَانَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَلَا غَيْرِهِ بَلْ ذَلِكَ ثَابِتٌ بِالْإِجْمَاعِ فَإِنَّهُ إنَّمَا يُفْهَمُ مِنْ مَذْهَبِ الْإِنْسَانِ فِي الْعَادَةِ مَا اخْتَصَّ بِهِ كَقَوْلِك هَذَا طَرِيقُ زَيْدٍ إذَا اخْتَصَّ بِهِ أَوْ هَذِهِ عَادَتُهُ إذَا اخْتَصَّتْ بِهِ، وَإِذَا اُخْتُلِفَ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ نُسِبَ إلَى الْقَائِلِ بِهِ، وَمَا عَدَا هَذِهِ الْخَمْسَةِ لَا يُقَالُ إنَّهَا مَذْهَبٌ يُقَلِّدُ فِيهِ بَلْ هُوَ إمَّا رِوَايَةٌ أَوْ شَهَادَةٌ أَوْ غَيْرُهُمَا كَمَا لَوْ قَالَ مَالِكٌ أَنَا جَائِعٌ أَوْ عَطْشَانُ فَلَيْسَ كُلُّ مَا يَقُولُهُ الْإِمَامُ هُوَ مَذْهَبٌ لَهُ بَلْ تِلْكَ الْخَمْسَةُ خَاصَّةٌ، وَلَوْ قَالَ إمَامٌ زَيْدٌ زَنَى لَمْ نُوجِبْ الرَّجْمَ بِقَوْلِهِ بَلْ نَقُولُ هَذِهِ شَهَادَةٌ هُوَ فِيهَا
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
قَالَ (أَوْ نَقُولُ قَوْلَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - إنَّ الْبَلَدَ الْفُلَانِيَّ فُتِحَ عَنْوَةً هَذَا لَيْسَ بِفُتْيَا يُقَلَّدُ فِيهَا إلَى قَوْلِهِ أَوْ أَخْبَرَ عَنْ وُقُوعِ ذَلِكَ السَّبَبِ فَهُوَ شَهَادَةٌ)
قُلْت لَا يَتَعَيَّنُ كَوْنُهُ شَهَادَةً بَلْ يَتَعَيَّنُ أَنْ يَكُونَ غَيْرَ شَهَادَةٍ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ مِنْ شَرْطِهَا أَنْ تَكُونَ خَبَرًا يَقْصِدُ الْمُخْبِرُ بِهِ أَنْ يَتَرَتَّبَ عَلَيْهِ فَصْلُ قَضَاءٍ، وَقَوْلُ مَالِكٍ إنَّهَا فُتِحَتْ عَنْوَةً لَا إشْعَارَ فِيهِ بِذَلِكَ الْقَصْدِ فَهُوَ نَوْعٌ مِنْ الْخَبَرِ غَيْرِ الشَّهَادَةِ قَالَ (وَإِنَّ الْمَذْهَبَ الَّذِي يُقَلَّدُ فِيهِ الْإِمَامُ خَمْسَةُ إلَى قَوْلِهِ فَلَيْسَ كُلُّ مَا يَقُولُهُ الْإِمَامُ هُوَ مَذْهَبٌ لَهُ بَلْ تِلْكَ الْخَمْسَةُ خَاصَّةً) قُلْت مَا قَالَهُ فِي ذَلِكَ صَحِيحٌ.
قَالَ (وَلَوْ قَالَ إمَامٌ زَيْدٌ زَنَى لَمْ نُوجِبْ الرَّجْمَ بَلْ نَقُولُ هَذِهِ شَهَادَةٌ هُوَ فِيهَا
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
أَنَّ الْعَارِيَّةَ بِعِوَضٍ إجَارَةٌ، وَالْإِجَارَةُ لَا يُتَصَوَّرُ فِيهَا الرِّبَا، وَلَا تِلْكَ الْمَفَاسِدُ الثَّلَاثُ، وَالْقَرْضُ بِالْعِوَضِ بَيْعٌ فَيُتَصَوَّرُ فِيهِ الرِّبَا، وَكَذَلِكَ إذَا وَقَعَ الْقَرْضُ فِي الْعُرُوضِ هُوَ رِبًا فَيَحْرُمُ لِلْآيَةِ إلَّا مَا خَصَّهُ الدَّلِيلُ اهـ وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.
[الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الصُّلْحِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْعُقُودِ]
الْفَرْقُ الثَّانِي وَالْمِائَتَانِ بَيْنَ قَاعِدَةِ الصُّلْحِ وَقَاعِدَةِ غَيْرِهِ مِنْ الْعُقُودِ)
وَهُوَ كَمَا يُشِيرُ لَهُ كَلَامُ الْأَصْلِ أَنَّ غَيْرَهُ مِنْ الْعُقُودِ إمَّا مُعَاوَضَةٌ فِي أَعْيَانٍ فَقَطْ، وَهُوَ الْبَيْعُ إنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ أَحَدُ النَّقْدَيْنِ عَنْ الْآخَرِ أَوْ الصَّرْفُ إنْ كَانَ فِيهِ ذَلِكَ، وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا شُرُوطٌ تَخُصُّهُ مُوَضَّحَةً فِي كُتُبِ الْفِقْهِ، وَإِمَّا مُعَاوَضَةٌ فِي مَنَافِعَ فَقَطْ مُعَيَّنَةٍ أَوْ مَضْمُونَةٍ، وَهُوَ الْإِجَارَةُ، وَلَهَا شُرُوطٌ تَخُصُّهَا مُوَضَّحَةً كَذَلِكَ فِي كُتُبِ الْفِقْهِ، وَإِمَّا إحْسَانٌ، وَهُوَ الْهِبَةُ، وَلَهَا شُرُوطَ تَخُصُّهَا مُوَضَّحَةً كَذَلِكَ فِي كُتُبِ الْفِقْهِ، وَهَكَذَا وَأَمَّا الصُّلْحُ فِي الْأَمْوَالِ فَقَدْ قَالَ عِيَاضٌ هُوَ مُعَاوَضَةٌ عَلَى دَعْوَى اهـ قَالَ كنون أَيْ ثَابِتَةٍ أَمْ لَا اهـ.
فَالدَّعْوَى الثَّابِتَةُ كَانَ ثُبُوتُهَا بِإِقْرَارٍ أَوْ بِسُكُوتٍ بِنَاءً عَلَى الْمَشْهُورِ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ مَعًا مِنْ أَنَّ حُكْمَ السُّكُوتِ حُكْمُ الْإِقْرَارِ، وَرَجَّحَهُ عِيَاضٌ إمَّا أَنْ تَكُونَ الْمُعَاوَضَةُ عَلَيْهَا بِبَعْضِ الْمُدَّعَى بِهِ فَيَكُونُ الصُّلْحُ حِينَئِذٍ هِبَةً، وَإِمَّا أَنْ تَكُونَ بِغَيْرِهِ، وَحِينَئِذٍ فَالْمُدَّعَى بِهِ إمَّا أَعْيَانٌ، وَإِمَّا مَنَافِعُ فَإِنْ كَانَ أَعْيَانًا فَغَيْرُهُ الْمُصَالَحُ بِهِ إمَّا أَعْيَانٌ فَيَكُونُ الصُّلْحُ بَيْعًا إنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ أَحَدُ النَّقْدَيْنِ عَنْ الْآخَرِ وَصَرْفًا إنْ كَانَ فِيهِ أَحَدُ النَّقْدَيْنِ عَنْ الْآخَرِ، وَإِمَّا مَنَافِعُ فَيَكُونُ إجَارَةً، وَإِنْ كَانَ أَيْ الْمُدَّعَى بِهِ مَنَافِعَ فَإِنْ وَقَعَ الصُّلْحُ عَلَيْهَا بِغَيْرِهَا مُطْلَقًا قَبْلَ أَنْ يَسْتَوْفِيَهَا الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَالصُّلْحُ إجَارَةٌ أَيْضًا، وَإِنْ وَقَعَ بَعْدَ أَنْ اسْتَوْفَاهَا الْمُدَّعَى عَلَيْهِ كَانَتْ الدَّعْوَى فِي عِوَضِ الْمَنَافِعِ، وَهُوَ فِي الْغَالِبِ عَيْنٌ فَيَكُونُ الصُّلْحُ بِغَيْرِهِ بَيْعًا إنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ أَحَدُ النَّقْدَيْنِ عَنْ الْآخَرِ، وَصَرْفًا إنْ كَانَ فِيهِ ذَلِكَ، وَبِبَعْضِهِ هِبَةٌ، وَالدَّعْوَى الْغَيْرُ الثَّابِتَةِ، لَا تَكُونُ عَلَى الْمَشْهُورِ إلَّا عَنْ إنْكَارِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَيَدْخُلُ فِيهِ الِافْتِدَاءُ بِمَالٍ عَنْ يَمِينٍ تَوَجَّهَتْ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَلَوْ عَلِمَ بَرَاءَةَ نَفْسِهِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ، ابْنُ نَاجِي، وَهُوَ الْمَعْرُوفُ خِلَافًا لِمَنْ مَنَعَهُ حَيْثُ عَلِمَ بَرَاءَةَ نَفْسِهِ قَالَ الْبُنَانِيُّ يَجْرِي فِي الْمُعَاوَضَةِ عَلَيْهَا بِالنَّظَرِ لِلْمُدَّعَى بِهِ مَا جَرَى عَلَى الصُّلْحِ عَلَى الْإِقْرَارِ أَيْ، وَلَوْ حُكْمًا مِنْ كَوْنِهِ إمَّا هِبَةً وَإِمَّا بَيْعًا، وَإِمَّا صَرْفًا وَإِمَّا إجَارَةً إلَّا أَنَّ الْمُعَاوَضَةَ عَلَى غَيْرِ الثَّابِتَةِ تَنْفَرِدُ عَنْ صُلْحِ الْإِقْرَارِ بِشُرُوطٍ ثَلَاثَةٍ كَمَا سَيَأْتِي اهـ.
بِزِيَادَةٍ قَدْ سَلَّمَهُ الرَّهُونِيُّ وَكَنُونِ، وَعَلَيْهِ فَلَا يَكُونُ الصُّلْحُ فِي الْأَمْوَالِ
أُسْوَةُ جَمِيعِ الْعُدُولِ إنْ كَمُلَ النِّصَابُ بِشُرُوطِهِ رَجَمْنَاهُ، وَإِلَّا فَلَا فَكَذَلِكَ قَوْلُ مَالِكٍ فُتِحَتْ مِصْرُ عَنْوَةً أَوْ مَكَّةُ شَهَادَةٌ، وَإِذَا كَانَتْ شَهَادَةً فَهُوَ لَمْ يُبَاشِرْ الْفَتْحَ فَيَتَعَيَّنُ أَنَّهُ نَقَلَ هَذِهِ الشَّهَادَةَ عَنْ غَيْرِهِ، وَلَا يَدْرِي هَلْ أَذِنَ لَهُ ذَلِكَ الْغَيْرُ فِي النَّقْلِ عَنْهُ أَمْ لَا، وَإِنْ سَلَّمْنَا أَنَّهُ أَذِنَ لَهُ فَقَدْ عَارَضَتْ هَذِهِ الْبَيِّنَةَ بَيِّنَةٌ أُخْرَى.
وَهِيَ أَنَّ اللَّيْثَ وَابْنَ مَسْعُودٍ وَالشَّافِعِيَّ وَغَيْرَهُمَا قَالُوا الْفَتْحُ وَقَعَ صُلْحًا فَهَلْ يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ إنَّ أَحَدَ الْبَيِّنَتَيْنِ أَعْدَلُ فَتُقَدَّمُ أَوْ يُقَالُ هَذَا لَا سَبِيلَ إلَيْهِ، وَالْعُلَمَاءُ أَجَلُّ مِنْ أَنْ نُفَاوِتَ نَحْنُ بَيْنَ عَدَالَتِهِمْ، وَلَوْ سَلَّمْنَا الْهُجُومَ عَلَيْهِمْ فِي ذَلِكَ فَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ لَا يُقْضَى بِأَعْدَلَ الْبَيِّنَتَيْنِ إلَّا فِي الْأَمْوَالِ، وَالْعَنْوَةُ وَالصُّلْحُ لَيْسَا مِنْ هَذَا الْبَابِ فَلِمَ قُلْتُمْ إنَّهُ يُقْضَى فِيهِ بِأَعْدَلِ الْبَيِّنَتَيْنِ، وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ هَذِهِ الشَّهَادَةُ لَيْسَتْ نَقْلًا عَنْ أَحَدٍ بَلْ هِيَ اسْتِقْلَالٌ، وَمُسْتَنَدُهَا السَّمَاعُ لِأَنَّا نَمْنَعُ أَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ مِمَّا تَجُوزُ فِيهِ الشَّهَادَةُ بِالسَّمَاعِ، وَقَدْ عَدَّ الْأَصْحَابُ مَسَائِلَ السَّمَاعِ خَمْسَةً وَعِشْرِينَ مَسْأَلَةً لَيْسَتْ هَذِهِ مِنْهَا وَلَوْ سَلَّمْنَا أَنَّهَا مِنْهَا لَكِنْ حَصَلَ الْمُعَارِضُ الْمَانِعُ مِنْ الْحُكْمِ بِهَذِهِ الشَّهَادَةِ، وَبِهَذَا التَّقْرِيرِ يَظْهَرُ لَك أَنَّ مَنْ أَفْتَى بِتَحْرِيمِ الْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ وَالشُّفْعَةِ فِي هَذِهِ الْبِقَاعِ بِنَاءً عَلَى قَوْلِ مَالِكٍ إنَّهَا فُتِحَتْ عَنْوَةً خَطَأٌ، وَأَنَّ هَذَا لَيْسَ مَذْهَبًا لِمَالِكٍ بَلْ هِيَ شَهَادَةٌ لَا يُقَلَّدُ فِيهَا بَلْ تَجْرِي مَجْرَى الشَّهَادَاتِ، وَكَمَا يَرِدُ هَذَا السُّؤَالُ عَلَى الْمَالِكِيَّةِ فِي الْعَنْوَةِ يَرِدُ عَلَى الشَّافِعِيَّةِ فِي قَوْلِ الشَّافِعِيِّ إنَّهَا فُتِحَتْ صُلْحًا، وَيَبْنُونَ عَلَى ذَلِكَ الْفُتْيَا بِالْإِبَاحَةِ، وَيَجْعَلُونَ هَذَا مِمَّا يُقَلَّدُ فِيهِ، وَإِنَّمَا هُوَ شَهَادَةٌ أَيْضًا بِالصُّلْحِ، وَلَيْتَ شِعْرِي لَوْ أَنَّ حَاكِمًا شَافِعِيًّا جَاءَهُ الشَّافِعِيُّ فَقَالَ لَهُ إنَّ فُلَانًا صَالَحَ امْرَأَتَهُ عَلَى أَلْفِ دِينَارٍ نَقْدًا، وَقَدْ صَارَتْ خُلْعًا مِنْهُ هَلْ يَقْضِي بِقَوْلِهِ وَحْدَهُ فَيَخْرِقَ الْإِجْمَاعَ أَوْ نَقُولُ هَذِهِ شَهَادَةٌ لَا بُدَّ فِيهَا مِنْ آخَرَ مَعَ الشَّافِعِيِّ يَشْهَدُ بِالْخُلْعِ فَيَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَفْعَلَ هُنَا كَذَلِكَ، وَقَدْ بَسَطْت هَذِهِ الْمَسَائِلَ فِي كِتَابِ الْأَحْكَامِ فِي الْفَرْقِ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
أُسْوَةُ جَمِيعِ الْعُدُولِ إلَى آخِرِ قَوْلِهِ أَوْ نَقُولُ هَذِهِ شَهَادَةٌ لَا بُدَّ فِيهَا مِنْ آخَرَ مَعَ الشَّافِعِيِّ يَشْهَدُ بِالْخُلْعِ فَيَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَفْعَلَ هُنَا كَذَلِكَ) قُلْت مَا قَالَهُ فِي ذَلِكَ كَلَامٌ لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ، وَلَا حَاجَةَ إلَيْهِ، وَمَا الْحَامِلُ لَهُ عَلَى دَعْوَى أَنَّ ذَلِكَ مِنْ مَالِكٍ شَهَادَةٌ حَتَّى يَحْتَاجَ فِي ذَلِكَ إلَى آخَرَ مَعَهُ هَذَا كَلَامٌ مَبْنِيٌّ عَلَى تَوَهُّمِ كَوْنِ قَوْلِ مَالِكٍ شَهَادَةٌ، وَذَلِكَ لِتَوَهُّمِ وَهْمٍ لَا شَكَّ فِيهِ قَالَ (وَقَدْ بَسَطْت هَذِهِ الْمَسَائِلَ فِي كِتَابِ الْأَحْكَامِ فِي الْفَرْقِ
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
عَلَى كُلٍّ إلَّا دَائِرًا بَيْنَ أَرْبَعَةِ أُمُورٍ الْبَيْعُ إنْ كَانَتْ الْمُعَاوَضَةُ عَنْ أَعْيَانٍ، وَالصَّرْفُ إنْ كَانَ فِيهِ أَحَدُ النَّقْدَيْنِ عَنْ الْآخَرِ، وَالْإِجَارَةُ إنْ كَانَ عَنْ مَنَافِعَ، وَالْإِحْسَانُ إنْ كَانَ عَنْ بَعْضِ الْمُدَّعَى بِهِ، وَهُوَ مَا يُسْقِطُهُ الْمُدَّعِي عَنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَيُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ الْأَصْلِ وَبِهِ صَرَّحَ عبق أَنَّ الْمُعَاوَضَةَ عَلَى غَيْرِ الثَّابِتَةِ لَا يَتَعَيَّنُ فِيهَا شَيْءٌ مِمَّا ذُكِرَ مِنْ بَيْعٍ أَوْ صَرْفٍ أَوْ إجَارَةٍ أَوْ هِبَةٍ بَلْ هُوَ دَفْعٌ عَنْ الْخُصُومَةِ نَظَرًا إلَى أَنَّ مَالِكًا - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - خَصَّهُ بِثَلَاثَةِ شُرُوطٍ
(الْأَوَّلُ) أَنْ يَكُونَ الصُّلْحُ جَائِزًا عَلَى دَعْوَى الْمُدَّعِي
(وَالثَّانِي) أَنْ يَكُونَ جَائِزًا عَلَى دَعْوَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَيْ عَلَى تَقْدِيرِ أَنَّ الْمُنْكِرَ يُقِرُّ
(وَالثَّالِثُ) أَنْ يَكُونَ جَائِزًا عَلَى ظَاهِرِ الْحُكْمِ قَالَ الْبُنَانِيُّ أَيْ عَلَى ظَاهِرِ مَا يَطْرَأُ بَيْنَهُمَا فِي الْمُخَاصَمَةِ، وَمَجْلِسِ الْفَصْلِ، وَسَلَّمَهُ الرَّهُونِيُّ وَكَنُونِ، وَاعْتَبَرَ ابْنُ الْقَاسِمِ الشَّرْطَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ فَقَطْ وَأَصْبَغُ أَمْرًا وَاحِدًا، وَهُوَ أَنْ لَا تَتَّفِقَ دَعْوَاهُمَا عَلَى فَسَادٍ اُنْظُرْ شُرَّاحَ الْمُخْتَصَرِ فَلِذَا قَالَ الْأَصْلُ إنَّ الصُّلْحَ فِي الْأَمْوَالِ دَائِرٌ بَيْنَ خَمْسَةِ أُمُورٍ الْبَيْعِ إنْ كَانَتْ الْمُعَاوَضَةُ عَنْ أَعْيَانٍ، وَالصَّرْفِ إنْ كَانَ فِيهِ أَحَدُ النَّقْدَيْنِ عَنْ الْآخَرِ، وَالْإِجَارَةِ إنْ كَانَ عَنْ مَنَافِعَ، وَدَفْعِ الْخُصُومَةِ إنْ لَمْ يَتَعَيَّنْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ، وَالْإِحْسَانِ، وَهُوَ مَا يُعْطِيهِ الْمُصَالَحُ مِنْ غَيْرِ الْجَانِي فَمَتَى تَعَيَّنَ أَحَدُ هَذِهِ الْأَبْوَابِ رُوعِيَتْ فِيهِ شُرُوطُ ذَلِكَ الْبَابِ لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «الصُّلْحُ جَائِزٌ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ إلَّا صُلْحًا أَحَلَّ حَرَامًا أَوْ حَرَّمَ حَلَالًا» اهـ.
مِنْهُ بِلَفْظِهِ يَعْنِي أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم ضَبَطَ شُرُوطَ الصُّلْحِ الْمُخْتَلِفَةِ بِهَذَا الْحَدِيثِ قَالَ الْعَدَوِيُّ عَلَى الْخَرَشِيِّ، وَالْمُرَادُ بِالْجَوَازِ الْإِذْنُ فَلَا يُنَافِي قَوْلَ ابْنِ عَرَفَةَ الصُّلْحُ فِي حَدِّ ذَاتِهِ مَنْدُوبٌ اهـ.
إذَا عَلِمْت هَذَا عَلِمْت أَنَّهُ لَا يَظْهَرُ وَجْهٌ لِقَوْلِ الْإِمَامِ ابْنِ الشَّاطِّ مَا قَالَهُ أَيْ الْأَصْلُ فِيهِ أَيْ فِي هَذَا الْفَرْقِ غَيْرُ صَحِيحٍ لِأَنَّهُ لَمْ يُبْدِ فَرْقًا بَيْنَ الصُّلْحِ وَغَيْرِهِ، وَلَكِنَّهُ تَكَلَّمَ عَلَى حُكْمِ الصُّلْحِ، وَكَلَامُهُ فِي ذَلِكَ صَحِيحٌ اهـ بِلَفْظِهِ فَتَأَمَّلْهُ لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا
(وَصْلٌ) قَالَ الْحَفِيدُ فِي الْبِدَايَةِ اتَّفَقَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى جَوَازِ الصُّلْحِ عَلَى الْإِقْرَارِ، وَاخْتَلَفُوا فِي جَوَازِهِ عَلَى الْإِنْكَارِ فَقَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ يَجُوزُ عَلَى الْإِنْكَارِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَجُوزُ عَلَى الْإِنْكَارِ اهـ مَحَلُّ الْحَاجَةِ مِنْهُ، وَاحْتَجَّ الشَّافِعِيُّ بِوُجُوهٍ ثَلَاثَةٍ
(الْوَجْهُ الْأَوَّلُ) أَنَّ الصُّلْحَ عَلَى الْإِنْكَارِ مِنْ أَكْلِ الْمَالِ بِالْبَاطِلِ لِأَنَّهُ لَيْسَ عَنْ مَالٍ لِعَدَمِ ثُبُوتِهِ، وَلَا عَنْ الْيَمِينِ، وَإِلَّا لَجَازَتْ إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ بَعْدَهُ، وَلَجَازَ أَخْذُ الْعَقَارِ، وَالْمُصَالِحَ بِهِ بِالشُّفْعَةِ، وَقَدْ انْتَقَلَ بِغَيْرِ مَالٍ، وَلَا هُوَ عَنْ الْخُصُومَةِ، وَإِلَّا لَجَازَ عَنْ النِّكَاحِ وَالْقَذْفِ
(وَجَوَابُهُ)
بَيْنَ الْفَتَاوَى وَالْأَحْكَامِ وَتَصَرُّفِ الْقَاضِي وَالْإِمَامِ.
وَهُوَ كِتَابٌ نَفِيسٌ فِيهِ أَرْبَعُونَ مَسْأَلَةً مِنْ هَذَا النَّوْعِ.
(الْفَرْقُ الرَّابِعُ وَالْمِائَتَانِ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لِلْمُسْتَأْجِرِ أَخْذُهُ مِنْ مَالِهِ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْإِجَارَةِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَيْسَ لَهُ أَخْذُهُ)
الْفَرْقُ بَيْنَ هَاتَيْنِ الْقَاعِدَتَيْنِ مَبْنِيٌّ عَلَى قَاعِدَةٍ، وَهِيَ أَنَّ الشَّرْعَ لَا يُعْتَبَرُ مِنْ الْمَقَاصِدِ إلَّا مَا تَعَلَّقَ بِهِ غَرَضٌ صَحِيحٌ مُحَصِّلٌ لِمَصْلَحَةٍ أَوْ دَارِئٌ لِمَفْسَدَةٍ لِذَلِكَ لَا يَسْمَعُ الْحَاكِمُ الدَّعْوَى فِي الْأَشْيَاءِ التَّافِهَةِ الْحَقِيرَةِ الَّتِي لَا يَتَشَاحُّ الْعُقَلَاءُ فِيهَا عَادَةً كَالسِّمْسِمَةِ، وَنَحْوِهَا فَلِهَذِهِ الْقَاعِدَةِ أَيْضًا لَا يُقْبَلُ قَوْلُ الْمُسْتَأْجِرِ فِي قَلْعِ الْأَشْيَاءِ الَّتِي لَا قِيمَةَ لَهَا بَعْدَ الْقَلْعِ، وَإِنْ كَانَتْ عَظِيمَةَ الْمَالِيَّةِ قَبْلَ الْقَلْعِ، وَكَذَلِكَ الْبِنَاءُ الْعَظِيمُ الَّذِي لَا قِيمَةَ لَهُ بَعْدَ الْهَدْمِ، وَإِنْ عَظُمَتْ قِيمَتُهُ قَبْلَ الْهَدْمِ، وَكَذَلِكَ الْمُسْتَحِقُّ مِنْهُ، وَالْغَاصِبُ وَنَحْوُهُمَا الْجَمِيعُ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ لِأَنَّ قَلْعَهُ لِمُجَرَّدِ الْفَسَادِ لَا لِحُصُولِ مَصْلَحَةٍ تَحْصُلُ لِلْقَالِعِ، وَلَا لِدَرْءِ مَفْسَدَةٍ عَنْهُ فَيَتَعَيَّنُ بَقَاؤُهُ فِي الْأَرْضِ الْمُسْتَأْجَرَةِ يَنْتَفِعُ بِهِ صَاحِبُ الْأَرْضِ، وَيَحْصُلُ لَهُ بِسَبَبِهِ تِلْكَ الْمَالِيَّةُ الْعَظِيمَةُ، وَيُعْطِيهِ لَهُ بِغَيْرِ شَيْءٍ فَإِنَّهُ مُسْتَحِقٌّ الْإِزَالَةَ شَرْعًا، وَعَلَى تَقْدِيرِ الْإِزَالَةِ تَبْطُلُ تِلْكَ الْمَالِيَّةُ فَهِيَ مَالِيَّةٌ مُسْتَهْلَكَةٌ عَلَى، وَاضِعِهَا شَرْعًا، وَالْمُسْتَهْلَكُ شَرْعًا لَا يَجِبُ فِيهِ قِيمَةٌ، وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ «نَهْيُهُ عليه السلام عَنْ إضَاعَةِ الْمَالِ» ، وَهَدْمُ مِثْلِ هَذَا الْبِنَاءِ.
وَقَلْعُ مِثْلِ هَذَا الشَّجَرِ إضَاعَةٌ لِلْمَالِ فَوَجَبَ الْمَنْعُ مِنْهُ فَلِهَذِهِ الْقَاعِدَةِ أَجْمَعَ النَّاسُ عَلَى أَنَّ الْعُرُوضَ تَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ، وَكَذَلِكَ الْحَيَوَانُ وَالطَّعَامُ لِأَنَّ لِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ مِنْ الْخُصُوصِيَّاتِ وَالْأَوْصَافِ مَا تَتَعَلَّقُ بِهِ الْأَغْرَاضُ الصَّحِيحَةُ، وَتَمِيلُ إلَيْهِ الْعُقُولُ السَّلِيمَةُ، وَالنُّفُوسُ الْخَالِصَةُ لِمَا فِي تِلْكَ الْمَعْنِيَّاتِ مِنْ الْمَلَاذِّ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
بَيْنَ الْفَتَاوَى وَالْأَحْكَامِ وَتَصَرُّفِ الْقَاضِي وَالْإِمَامِ وَهُوَ كِتَابٌ نَفِيسٌ فِيهِ أَرْبَعُونَ مَسْأَلَةً مِنْ هَذَا النَّوْعِ) قُلْت إنْ كَانَتْ تِلْكَ الْمَسَائِلُ مِنْ هَذَا النَّوْعِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَلَيْسَ ذَلِكَ الْكِتَابُ بِنَفِيسٍ قَالَ.
(الْفَرْقُ الرَّابِعُ وَالْمِائَتَانِ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لِلْمُسْتَأْجِرِ أَخْذُهُ مِنْ مَالِهِ بَعْدَ انْقِضَاء الْإِجَارَةِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَيْسَ لَهُ أَخْذُهُ)
قُلْت فِيهِ نَقْلُ أَقْوَالٍ، وَلَكِنْ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ نَظَرٌ فَإِنَّ تَقْدِيرَ بِنَاءٍ أَوْ شَجَرٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ لَا تَكُونُ لَهُ قِيمَةٌ بَعْدَ الْقَلْعِ بِخِلَافِ.
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
إنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ لَيْسَ عَنْ مَالٍ إذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ ثُبُوتِهِ عَدَمُهُ نَعَمْ مَنْ عَلِمَ أَنَّهُ عَلَى بَاطِلٍ حَرُمَ عَلَيْهِ أَخْذُ ذَلِكَ الْمَالِ، سَلَّمْنَا أَنَّهُ لَيْسَ عَنْ مَالٍ لَكِنْ لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ مِنْ أَكْلِ الْمَالِ بِالْبَاطِلِ حِينَئِذٍ بَلْ نَقُولُ هُوَ عِوَضٌ إمَّا عَنْ انْدِفَاعِ الْيَمِينِ عَنْهُ، وَنَلْتَزِمُ جَوَازَ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ بَعْدَهُ، قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْوَلِيدِ تَتَخَرَّجُ إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ بَعْدَهُ عَلَى الْخِلَافِ فِيمَنْ حَلَّفَ خَصْمَهُ، وَلَهُ بَيِّنَةٌ فَلَهُ إقَامَتُهَا عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ مَعَ الْعُذْرِ، وَعِنْدَ أَشْهَبَ مُطْلَقًا اهـ.
وَإِمَّا عَنْ سُقُوطِ الْخُصُومَةِ عَنْهُ، وَنَلْتَزِمُ الْجَوَازَ فِي النِّكَاحِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْوَلِيدِ قَالَ أَصْحَابُنَا إذَا أَنْكَرَتْ الْمَرْأَةُ الزَّوْجِيَّةَ أَنَّ مِنْ النَّاسِ مَنْ يُوجِبُ عَلَيْهَا الْيَمِينَ فَتَفْتَدِي بِيَمِينِهَا اهـ. وَنَلْتَزِمُ الشُّفْعَةَ، وَأَمَّا الْقَذْفُ فَلَا مَدْخَلَ لِلْمَالِ فِيهِ، وَلَا يَجُوزُ فِيهِ الصُّلْحُ مَعَ الْإِقْرَارِ فَكَذَلِكَ مَعَ الْإِنْكَارِ
(وَالْوَجْهُ الثَّانِي) أَنَّهُ عَاوَضَ عَنْ مِلْكِهِ فَيَمْتَنِعُ كَشِرَاءِ مَالِهِ مِنْ وَكِيلِهِ
(وَجَوَابُهُ) بِالْفَرْقِ بِأَنَّهُ مَعَ وَكِيلِهِ مُتَمَكِّنٌ مِنْ مَالِهِ بِخِلَافِ صُورَةِ النِّزَاعِ فَإِنَّهَا لِدَرْءِ مَفْسَدَةِ الْخُصُومَةِ.
(وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ) أَنَّهَا مُعَاوَضَةٌ فَلَا تَصِحُّ مَعَ الْجَهْلِ كَالْبَيْعِ
(وَجَوَابُهُ) أَنَّ الضَّرُورَةَ هُنَا تَدْعُو لِلْجَهْلِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ قَالَ أَبُو الْوَلِيدِ لَوْ ادَّعَى عَلَيْهِ مِيرَاثًا مِنْ جِهَةِ مُوَرِّثٍ صَحَّ الصُّلْحُ فِيهِ مَعَ الْجَهْلِ اهـ.
وَالْعَجَبُ مِنْ الشَّافِعِيِّ رضي الله عنه أَنَّهُ يَقُولُ لِلْمُدَّعِي أَنْ يَدْخُلَ دَارَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِاللَّيْلِ، وَيَأْخُذَ قَدْرَ حَقِّهِ فَكَيْفَ يَمْنَعُ مَعَ الْمُوَافَقَةِ مِنْ الْخَصْمِ عَلَى الْأَخْذِ عَلَى أَنَّ قَوْلَنَا يَتَأَكَّدُ بِوُجُوهٍ
(الْوَجْهُ الْأَوَّلُ) مَا وَرَدَ مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ فِي الصُّلْحِ فَمِنْ الْكِتَابِ قَوْله تَعَالَى {وَالصُّلْحُ خَيْرٌ} [النساء: 128] وقَوْله تَعَالَى {وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ} [الأنفال: 1] وقَوْله تَعَالَى {لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ} [النساء: 114] ، وَمِنْ السُّنَّةِ حَدِيثُ «أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِصَدَقَةٍ يَسِيرَةٍ يُحِبُّهَا اللَّهُ تَعَالَى قَالُوا بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ إصْلَاحُ ذَاتِ الْبَيْنِ إذَا تَقَاطَعُوا» ، وَمَا رُوِيَ عَنْ الْحَسَنِ عَنْهُ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ «أَفْضَلُ النَّاسِ عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ الْمُصْلِحُونَ بَيْنَ النَّاسِ، وَمَا» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم قَالَ «أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِأَفْضَلَ مِنْ دَرَجَةِ الصِّيَامِ وَالصَّدَقَةِ قَالُوا بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ إصْلَاحُ ذَاتِ الْبَيْنِ» وَعَنْ بَعْضِ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم أَنَّهُ قَالَ مَنْ أَرَادَ فَضْلَ الْعَابِدِينَ فَلْيُصْلِحْ بَيْنَ النَّاسِ، وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ مَنْ أَصْلَحَ بَيْنَ اثْنَيْنِ أَعْطَاهُ اللَّهُ بِكُلِّ كَلِمَةٍ عِتْقَ رَقَبَةٍ، وَمَا أَحْسَنَ قَوْلَ الْقَائِلِ:
إنَّ الْفَضَائِلَ كُلَّهَا لَوْ جُمِعَتْ
…
رَجَعَتْ بِأَجْمَعِهَا إلَى ثِنْتَيْنِ
تَعْظِيمُ أَمْرِ اللَّهِ جل جلاله
…
وَالسَّعْيُ فِي إصْلَاحِ ذَاتِ الْبَيْنِ