الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
اسْتَرْسَلَ بِنَفْسِهِ لَمْ يُؤْكَلْ صَيْدُهُ، وَالْبَعِيرُ الشَّارِدُ يَصِيرُ حُكْمُهُ حُكْمَ الصَّيْدِ عَلَى أَصْلِهِمْ، وَإِنْ فَتَحَ قَفَصًا فِيهِ طَائِرٌ فَقَعَدَ الطَّائِرُ سَاعَةً ثُمَّ طَارَ لَا يَضْمَنُ؛ لِأَنَّهُ طَارَ بِاخْتِيَارِهِ، وَأَمَّا قَوْلُهُمْ فِي الْآدَمِيِّ لَوْ طَرَحَ نَفْسَهُ فِي الْبِئْرِ لَمْ يُضْمَنْ بِخِلَافِ الْبَهِيمَةِ فَيَلْزَمُهُمْ أَنَّهُ لَوْ نَصَبَ شَبَكَةً فَوَقَعَتْ فِيهَا بَهِيمَةٌ لَمْ يَضْمَنْهَا؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَخْتَرْ ذَلِكَ، وَأَنَّهُ لَمْ يَخْتَرْهُ، وَأَمَّا تَعْلِيقُ الْجِنَايَةِ بِرَقَبَةِ الْعَبْدِ فَتَبْطُلُ بِالْعَبْدِ الصَّغِيرِ فَإِنَّهُ تَتَعَلَّقُ الْجِنَايَةُ بِرَقَبَتِهِ مَعَ مُسَاوَاتِهِ لِلدَّابَّةِ فِي الضَّمَانِ، وَعَنْ الثَّالِثِ أَنَّ الْهَدَرَ يَقْتَضِي عَدَمَ الضَّمَانِ مُطْلَقًا.
(مَسْأَلَةٌ) إنْ أُرْسِلَتْ الْمَاشِيَةُ بِالنَّهَارِ لِلرَّعْيِ أَوْ انْفَلَتَتْ فَأَتْلَفَتْ فَلَا ضَمَانَ، وَإِنْ كَانَ صَاحِبُهَا مَعَهَا وَهُوَ يَقْدِرُ عَلَى مَنْعِهَا فَلَمْ يَمْنَعْهَا ضَمِنَ وَوَافَقَنَا الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ رضي الله عنهما، وَإِنْ انْفَلَتَتْ بِاللَّيْلِ، وَأَرْسَلَهَا مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى مَنْعِهَا ضَمِنَ، وَقَالَهُ الشَّافِعِيُّ رضي الله عنه فِي الزَّرْعِ وَفِي غَيْرِ الزَّرْعِ اخْتِلَافٌ عِنْدَهُمْ وَقَالُوا يَضْمَنُ أَرْبَابُ الْقِطَطِ الْمُعْتَادَةِ لِلْفَسَادِ لَيْلًا أَفْسَدَتْ أَوْ نَهَارًا، وَإِنْ خَرَجَ الْكَلْبُ مِنْ دَارِهِ فَجَرَحَ ضَمِنَ أَوْ الدَّاخِلُ بِإِذْنٍ فَوَجْهَانِ أَوْ بِغَيْرِ إذْنٍ لَمْ يَضْمَنْ، وَإِنْ أَرْسَلَ الطَّيْرَ فَالْتَقَطَتْ حَبَّ الْغَيْرِ لَمْ يَضْمَنْ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: رحمه الله لَا ضَمَانَ فِي الزَّرْعِ لَيْلًا كَانَ أَوْ نَهَارًا.
لَنَا وُجُوهٌ الْأَوَّلُ قَوْله تَعَالَى {وَدَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ} [الأنبياء: 78] الْآيَةَ، وَجْهُ الدَّلِيلِ أَنَّ دَاوُد عليه السلام قَضَى بِتَسْلِيمِ الْغَنَمِ لِأَرْبَابِ الزَّرْعِ قُبَالَةَ زَرْعِهِ وَقَضَى سُلَيْمَانُ عليه السلام بِدَفْعِهَا لَهُمْ يَنْتَفِعُونَ بِدَرِّهَا وَنَسْلِهَا وَخَرَاجِهَا حَتَّى يَخْلُفَ الزَّرْعُ وَيَنْبُتَ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
[الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا هُوَ سِحْرٌ يَكْفُرُ بِهِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَيْسَ كَذَلِكَ]
الْفَرْقُ الرَّابِعُ وَالْأَرْبَعُونَ وَالْمِائَتَانِ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا هُوَ سِحْرٌ يَكْفُرُ بِهِ، وَبَيْنَ مَا هُوَ قَاعِدَةُ مَا لَيْسَ كَذَلِكَ) :
وَهُوَ أَنَّ أَنْوَاعَ السِّحْرِ أَرْبَعَةٌ: (الْأَوَّلُ) السِّيمْيَاءُ وَهُوَ عِبَارَةٌ عَمَّا يُرَكَّبُ مِنْ خَوَاصَّ أَرْضِيَّةٍ كَدُهْنٍ خَاصٍّ أَوْ مَائِعَاتٍ خَاصَّةٍ أَوْ كَلِمَاتٍ خَاصَّةٍ تُوجِبُ تَخَيُّلَاتٍ خَاصَّةً، وَإِدْرَاكَ الْحَوَاسِّ الْخَمْسِ أَوْ بَعْضِهَا لِحَقَائِقَ خَاصَّةٍ مِنْ الْمَأْكُولَاتِ وَالْمَشْمُومَاتِ وَالْمُبْصَرَاتِ وَالْمَلْمُوسَاتِ وَالْمَسْمُوعَاتِ وَقَدْ يَكُونُ لِذَلِكَ وُجُودٌ حَقِيقِيٌّ بِخَلْقِ اللَّهِ تَعَالَى تِلْكَ الْأَعْيَانِ عِنْدَ تِلْكَ الْمُحَاوَلَاتِ وَقَدْ لَا تَكُونُ لَهُ حَقِيقَةٌ بَلْ تَخَيُّلٌ صِرْفٍ، وَقَدْ يَسْتَوْلِي ذَلِكَ عَلَى الْأَوْهَامِ حَتَّى يَتَخَيَّلَ الْوَهْمُ مُضِيَّ السِّنِينَ الْمُتَدَاوَلَةِ فِي الزَّمَنِ الْيَسِيرِ وَتَكَرُّرَ الْفُصُولِ وَتَخَيُّلَ السِّنِّ وَحُدُوثَ الْأَوْلَادِ وَانْقِضَاءَ الْأَعْمَارِ فِي الْوَقْتِ الْمُتَقَارِبِ مِنْ السَّاعَةِ وَنَحْوِهَا وَيَسْلُبُ الْفِكْرَ الصَّحِيحَ بِالْكُلِّيَّةِ وَتَصِيرُ أَحْوَالُ الْإِنْسَانِ مَعَ تِلْكَ الْمُحَاوَلَاتِ كَحَالَاتِ النَّائِمِ مِنْ غَيْرِ فَرْقٍ وَيَخْتَصُّ ذَلِكَ كُلُّهُ بِمَنْ عُمِلَ لَهُ، وَأَمَّا مَنْ لَمْ يُعْمَلْ لَهُ فَلَا يَجِدُ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ.
قَالَ سَيِّدِي عَبْدُ اللَّهِ الْعَلَوِيُّ فِي شَرْحِ رُشْدِ الْغَافِلِ: وَهَذَا تَخْيِيلٌ لَا حَقِيقَةَ لَهُ بِخِلَافِ مَا يَقَعُ لِبَعْضِ الْأَوْلِيَاءِ فَإِنَّ لَهُ حَقِيقَةً خَرْقًا لِلْعَادَةِ فَقَدْ خَرَجَ بَعْضُهُمْ لِصَلَاةِ الْجُمُعَةِ وَارْتَفَعَ لِأَرْضٍ أُخْرَى سَكَنَ بِهَا وَتَزَوَّجَ وَحَصَلَتْ لَهُ عِدَّةُ أَوْلَادٍ فِي عِدَّةِ بُطُونٍ مِنْ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ قُدِّرَ لَهُ الرُّجُوعُ إلَى ذَلِكَ الْبَلَدِ فَوَجَدَهُمْ يَنْتَظِرُونَهُ فِي تِلْكَ الْجُمُعَةِ بِعَيْنِهَا، وَقَدْ قَرَأَ بَعْضُهُمْ عَشْرَ خِتْمَاتٍ فِي شَوْطٍ وَاحِدٍ مِنْ الطَّوَافِ قِرَاءَةً مُرَتَّلَةً، وَالطَّائِفُ يَسْمَعُ ذَلِكَ، وَالشَّوْطُ الْوَاحِدُ قَدْرُ مَا يُقْرَأُ فِيهِ ثُمُنُ حِزْبٍ مِنْ الْقُرْآنِ وَذَلِكَ كَثِيرٌ جِدًّا فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ يُطَوِّلُ الزَّمَانَ لِبَعْضِ النَّاسِ دُونَ بَعْضٍ اهـ بِلَفْظِهِ.
(النَّوْعُ الثَّانِي) الْهِيمْيَاءُ وَهِيَ عِبَارَةٌ عَمَّا تَقَدَّمَ مُضَافًا لِلْآثَارِ السَّمَاوِيَّةِ مِنْ الِاتِّصَالَاتِ الْفَلَكِيَّةِ وَغَيْرِهَا مِنْ أَحْوَالِ الْأَفْلَاكِ فَيَحْدُثُ جَمِيعُ مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ فَخَصَّصُوا هَذَا النَّوْعَ بِهَذَا الِاسْمِ تَمْيِيزًا بَيْنَ الْحَقَائِقِ.
(النَّوْعُ الثَّالِثُ) بَعْضُ خَوَاصِّ الْحَقَائِقِ أَيْ الذَّوَاتِ مِنْ الْحَيَوَانَاتِ وَالنَّبَاتَاتِ وَغَيْرِهِمَا الْمُغَيِّرَةِ لِأَحْوَالِ النُّفُوسِ كَأَخْذِ سَبْعَةِ أَحْجَارٍ فَيُرْجَمُ بِهَا نَوْعٌ مِنْ الْكِلَابِ الَّذِي مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يَعَضَّ مَا يُرْمَى بِهِ مِنْ الْأَحْجَارِ فَإِذَا عَضَّهَا كُلَّهَا لُقِطَتْ وَطُرِحَتْ فِي مَاءٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ ظَهَرَتْ فِيهِ آثَارٌ عَجِيبَةٌ خَاصَّةٌ نَصَّ عَلَيْهَا السَّحَرَةُ وَكَجَمْعِ مُشْطِ بِتَثْلِيثِ الْمِيمِ، وَمُشَاطَةٍ بِضَمِّ الْمِيمِ وَتَخْفِيفِ الشِّينِ أَيْ مَا سَقَطَ مِنْ الشَّعْرِ أَوْ الْكَتَّانِ عِنْدَ الْمَشْطِ وَوِعَاءِ طَلْعِ الذَّكَرِ مِنْ النَّخْلِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ مِنْ الْعَقَاقِيرِ وَجَعْلِهَا فِي الْأَنْهَارِ وَالْآبَارِ أَوْ زِيرِ الْمَاءِ أَوْ فِي قُبُورِ الْمَوْتَى أَوْ فِي بَابٍ يُفْتَحُ إلَى الْمَشْرِقِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْبِقَاعِ وَيَعْتَقِدُونَ أَنَّ الْآثَارَ تَحْدُثُ عِنْدَ تِلْكَ الْأُمُورِ بِخَوَاصِّ نُفُوسِهِمْ الَّتِي طَبَعَهَا اللَّهُ تَعَالَى عَلَى الرَّبْطِ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الْآثَارِ عِنْدَ صِدْقِ الْعَزْمِ.
(النَّوْعُ الرَّابِعُ) مَا يُحْدِثُ ضَرَرًا مِمَّا لَيْسَ بِمَشْرُوعٍ مِنْ نَحْوِ رُقَى الْجَاهِلِيَّةِ وَالْهِنْدِ وَغَيْرِهِمْ بَلْ رُبَّمَا كَانَ كُفْرًا فَهَذَا النَّوْعُ مِنْ الرُّقَى يُقَالُ لَهُ السِّحْرُ، وَلَا يُقَالُ عَلَيْهِ لَفْظُ الرُّقَى فَمَتَى وَقَعَتْ أَنْوَاعُ السِّحْرِ الْمَذْكُورَةِ بِمَا هُوَ كُفْرٌ مِنْ أَحَدِ ثَلَاثَةِ أُمُورٍ.
(الْأَوَّلُ) اعْتِقَادٌ كَاعْتِقَادِ انْفِرَادِ الْكَوَاكِبِ أَوْ بَعْضِهَا بِالرُّبُوبِيَّةِ فَيَقُومُ السَّاحِرُ إذَا أَرَادَ سِحْرَ سُلْطَانٍ لِبُرْجِ الْأَسَدِ قَائِلًا خَاضِعًا مُتَقَرِّبًا لَهُ وَيُنَادِيهِ يَا سَيِّدَاهُ يَا عَظِيمَاهُ أَنْتَ الَّذِي إلَيْك تَدِينُ الْمُلُوكُ وَالْجَبَابِرَةُ وَالْأُسُودُ أَسْأَلُك أَنْ تُذَلِّلَ لِي قَلْبَ فُلَانٍ الْجَبَّارِ.
(وَالثَّانِي) لَفْظٌ كَالسَّبِّ الْمُتَعَلِّقِ بِمَنْ سَبُّهُ كُفْرٌ بِاَللَّهِ تَعَالَى وَالْأَنْبِيَاءِ وَالْمَلَائِكَةِ.
(وَالثَّالِثُ) فِعْلٌ كَإِهَانَةِ مَا أَوْجَبَ اللَّهُ تَعْظِيمَهُ مِنْ الْكِتَابِ الْعَزِيزِ وَغَيْرِهِ كَانَ ذَلِكَ السِّحْرُ كُفْرًا لَا مِرْيَةَ فِيهِ ضَرُورَةَ أَنَّهُ وَاقِعٌ بِاعْتِقَادٍ هُوَ كُفْرٌ أَوْ
زَرْعُ الْآخَرِ وَالنَّفْشُ رَعْيُ اللَّيْلِ وَالْهَمْلُ رَعْيُ النَّهَارِ بِلَا رَاعٍ. الثَّانِي أَنَّهُ فَرَّطَ فَيَضْمَنُ كَمَا لَوْ كَانَ حَاضِرًا. الثَّالِثِ أَنَّهُ بِالنَّهَارِ يُمْكِنُهُ التَّحَفُّظُ دُونَ اللَّيْلِ وَقَدْ اعْتَبَرْتُمْ ذَلِكَ فِي قَوْلِكُمْ إنْ رَمَتْ الدَّابَّةُ حَصَاةً كَبِيرَةً أَصَابَتْ إنْسَانًا ضَمِنَ الرَّاكِبُ بِخِلَافِ الصَّغِيرَةِ لَا يُمْكِنُهُ التَّحَفُّظُ مِنْهَا وَالتَّحَفُّظُ مِنْ الْكَبِيرَةِ بِالتَّنَكُّبِ عَنْهُ وَقُلْتُمْ يَضْمَنُ مَا نَفَحَتْ بِيَدِهَا؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ رَدُّهَا بِلِجَامِهَا، وَلَا يَضْمَنُ مَا أَفْسَدَتْ بِرِجْلِهَا وَذَنَبِهَا. احْتَجُّوا بِوُجُوهٍ: الْأَوَّلِ قَوْلُهُ عليه السلام «جُرْحُ الْعَجْمَاءِ جُبَارٌ» الثَّانِي الْقِيَاسُ عَلَى النَّهَارِ، وَمَا ذَكَرْتُمُوهُ مِنْ الْفَرْقِ بِالْحِرَاسَةِ بِالنَّهَارِ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ مَنْ حَفِظَ مَالَهُ فَأَتْلَفَهُ إنْسَانٌ أَوْ أَهْمَلَهُ فَأَتْلَفَهُ أَنَّهُ يَضْمَنُ فِي الْوَجْهَيْنِ. الثَّالِثِ: الْقِيَاسُ عَلَى جِنَايَةِ الْإِنْسَانِ عَلَى نَفْسِهِ، وَمَالِهِ وَجِنَايَةُ مَالِهِ عَلَيْهِ وَجِنَايَتُهُ عَلَى مَالِ أَهْلِ الْحَرْبِ أَوْ أَهْلِ الْحَرْبِ عَلَيْهِ وَعَكْسُهُ جِنَايَةُ صَاحِبِ الْبَهِيمَةِ. وَالْجَوَابُ عَنْ الْأَوَّلِ أَنَّ الْجُرْحَ عِنْدَنَا جُبَارٌ إنَّمَا النِّزَاعُ فِي غَيْرِ الْجُرْحِ وَاتَّفَقْنَا عَلَى تَضْمِينِ السَّائِقِ وَالرَّاكِبِ وَالْقَائِدِ وَعَنْ الثَّانِي أَنَّ الْفَرْقَ الْمُتَقَدِّمَ، وَمَا ذَكَرْتُمُوهُ أَنَّ إتْلَافَ الْمَالِ بِسَبَبِ الْمَالِكِ هَاهُنَا فَهُوَ كَمَنْ تَرَكَ غُلَامَهُ يَصُولُ فَيَقْتُلُ فَإِنَّهُ لَا يَضْمَنُ وَعَنْ الثَّالِثِ أَنَّهُ قِيَاسٌ مُخَالِفٌ لِلْآيَةِ؛ لِأَنَّهُ بِاللَّيْلِ مُفَرِّطٌ بِالنَّهَارِ لَيْسَ بِمُفَرِّطٍ، وَالْجَوَابُ عَنْ تِلْكَ النُّقُوضِ أَنَّ أَحَدًا مِنْهُمْ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الضَّمَانِ، وَهَاهُنَا أَمْكَنَ التَّضْمِينُ.
(سُؤَالٌ) قَوْله تَعَالَى {فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ} [الأنبياء: 79] يَقْتَضِي أَنَّ حُكْمَهُ كَانَ أَقْرَبَ لِلصَّوَابِ مَعَ أَنَّ حُكْمَ دَاوُد عليه السلام لَوْ وَقَعَ فِي شَرْعِنَا أَمْضَيْنَاهُ؛ لِأَنَّ قِيمَةَ الزَّرْعِ يَجُوزُ أَنْ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
بِلَفْظٍ هُوَ كُفْرٌ أَوْ بِمَا هُوَ كُفْرٌ بِالْفِعْلِ كَإِلْقَاءِ شَيْءٍ مِنْ الْقُرْآنِ، وَلَوْ حَرْفًا بِقَدَرٍ، قَالَهُ سَيِّدِي عَبْدُ اللَّهِ فِي شَرْحِ رُشْدِ الْغَافِلِ، وَمَتَى وَقَعَتْ الْأَنْوَاعُ الْمَذْكُورَةُ بِشَيْءٍ مُبَاحٍ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ السِّحْرُ كُفْرًا بَلْ إمَّا مُحَرَّمٌ إنْ كَانَ لَا يَرُوجُ ذَلِكَ الْمُبَاحُ إلَّا بِنَحْوِ الزِّنَا وَاللِّوَاطِ.
وَإِمَّا مُبَاحٌ إنْ رَاجَ بِدُونِ ذَلِكَ نَعَمْ، وَيَكُونُ كُفْرًا مِنْ جِهَةٍ خَارِجَةٍ كَقَصْدِ إضْرَارِهِ صلى الله عليه وسلم كَمَا فِي شَرْحِ سَيِّدِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَى رُشْدِ الْغَافِلِ نَقْلًا عَنْ ابْن زِكْرِيٍّ فِي شَرْحِ النَّصِيحَةِ وَالْمُبَاحُ إمَّا فِعْلٌ كَمَا تَقَدَّمَ فِي وَضْعِ الْأَحْجَارِ فِي الْمَاءِ فَإِنَّهَا مُبَاحَةٌ، وَإِمَّا قَوْلٌ مَعَ قُوَّةِ نَفْسٍ كَقَوْلِ مَنْ يَسْحَرُ الْحَيَّاتِ الْعِظَامَ مِنْ السَّحَرَةِ: مُوسَى بِعَصَاهُ مُحَمَّدٌ بِفُرْقَانِهِ يَا مُعَلِّمَ الصِّغَارِ عَلِّمْنِي كَيْفَ آخُذُ الْحَيَّةَ وَالْحَوِيَّةَ، وَكَانَتْ لَهُ قُوَّةُ نَفْسٍ يَحْصُلُ مِنْهَا مَعَ هَذِهِ الْكَلِمَاتِ إقْبَالُ الْحَيَّاتِ إلَيْهِ وَتَمُوتُ بَيْنَ يَدَيْهِ سَاعَةً ثُمَّ تُفِيقُ ثُمَّ يُعَاوِدُ ذَلِكَ الْكَلَامَ فَيَعُودُ حَالُهَا كَذَلِكَ أَبَدًا فَإِنَّ هَذِهِ الْكَلِمَاتِ مُبَاحَةٌ لَيْسَ فِيهَا كُفْرُ وَقُوَّةُ نَفْسِهِ الَّتِي جُبِلَ عَلَيْهَا لَيْسَتْ مِنْ كَسْبِهِ فَلَا يَكْفُرُ بِهَا كَمَا أَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يَعْصِي بِمَا جُبِلَتْ عَلَيْهِ نَفْسُهُ مِنْ الْإِصَابَةِ بِالْعَيْنِ وَتَأْثِيرِهَا فِي قَتْلِ الْحَيَوَانَاتِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا يَأْثَمُ بِتَصَدِّيهِ وَاكْتِسَابِهِ لِذَلِكَ بِمَا حَرَّمَ الشَّرْعُ أَذِيَّتَهُ أَوْ قَتْلَهُ أَمَّا لَوْ تَصَدَّى صَاحِبُ الْعَيْنِ لِقَتْلِ أَهْلِ الْحَرْبِ أَوْ السِّبَاعِ الْمُهْلِكَةِ فَإِنَّهُ يَكُونُ طَائِعًا لِلَّهِ تَعَالَى بِإِصَابَتِهِ بِالْعَيْنِ الَّتِي طُبِعَتْ عَلَيْهَا نَفْسُهُ فَكَذَلِكَ هَاهُنَا، قَالَ الْأَصْلُ: وَأَمَّا جَمْعُ مُشْطٍ، وَمُشَاقٍ وَكُوَرِ طَلْعٍ مِنْ النَّخْلِ وَجَعْلُ الْجَمِيعِ فِي بِئْرٍ لِسِحْرِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَ هَذِهِ الْأُمُورِ الْمَوْضُوعَةِ فِي الْبِئْرِ كَلِمَاتٌ أُخْرَى أَوْ شَيْءٌ آخَرُ فَهِيَ أَمْرٌ مُبَاحٌ إلَّا مِنْ جِهَةِ مَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ قَدْ يَكُونُ كُفْرًا فِي صُورَةٍ كَمَا فِي قَصْدِ إضْرَارِهِ صلى الله عليه وسلم بِذَلِكَ.
وَقَدْ تَقْتَضِي الْقَوَاعِدُ الشَّرْعِيَّةُ وُجُوبَهُ فِي صُورَةٍ أُخْرَى أَوْ إنْ كَانَ مَعَ هَذِهِ الْأُمُورِ الْمَوْضُوعَةِ فِي الْبِئْرِ كَلِمَاتٌ أُخْرَى أَوْ شَيْءٌ آخَرُ وَهُوَ الظَّاهِرُ نَظَرَ فِيهِ هَلْ يَقْتَضِي كُفْرًا أَوْ هُوَ مُبَاحٌ مِثْلُهَا وَلِلسَّحَرَةِ فُصُولٌ كَثِيرَةٌ فِي كُتُبِهِمْ يُقْطَعُ مِنْ قِبَلِ الشَّرْعِ بِأَنَّهَا لَيْسَتْ مَعَاصِيَ، وَلَا كُفْرًا كَمَا أَنَّ لَهُمْ مَا يُقْطَعُ بِأَنَّهُ كُفْرٌ فَيَجِبُ حِينَئِذٍ التَّفْصِيلُ بِمَا حَكَاهُ الطُّرْطُوشِيُّ عَنْ قُدَمَاءِ أَصْحَابِنَا أَنَّا لَا نُكَفِّرُهُ حَتَّى يَثْبُتَ أَنَّهُ مِنْ السِّحْرِ الَّذِي كَفَّرَ اللَّهُ بِهِ أَوْ يَكُونُ سِحْرًا مُشْتَمِلًا عَلَى كُفْرٍ كَمَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ رضي الله عنه أَمَّا الْإِطْلَاقُ بِأَنَّ كُلَّ مَا يُسَمَّى سِحْرًا كُفْرٌ فَصَعْبٌ جِدًّا، وَإِنْ قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَالْمَذْهَبُ أَنَّ السَّاحِرَ كَافِرٌ
وَقَالَ الطُّرْطُوشِيُّ فِي تَعْلِيقِهِ قَالَ مَالِكٌ، وَأَصْحَابُهُ: السَّاحِرُ كَافِرٌ يُقْتَلُ، وَلَا يُسْتَتَابُ سَحَرَ مُسْلِمًا أَوْ ذِمِّيًّا كَالزِّنْدِيقِ قَالَ مُحَمَّدٌ: إنْ أَظْهَرَهُ قُبِلَتْ تَوْبَتُهُ قَالَ أَصْبَغُ إنْ أَظْهَرَهُ، وَلَمْ يَتُبْ فَقُتِلَ فَمَالُهُ لِبَيْتِ الْمَالِ، وَإِنْ اسْتَتَرَ فَلِوَرَثَتِهِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، وَلَا آمُرُهُمْ بِالصَّلَاةِ عَلَيْهِ فَإِنْ فَعَلُوا فَهُمْ أَعْلَمُ قَالَ وَتَعَلُّمُهُ وَتَعْلِيمُهُ عِنْدَ مَالِكٍ كُفْرٌ قَالَ وَدَلِيلُ الْمَالِكِيَّةِ قَوْله تَعَالَى {وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ} [البقرة: 102] أَيْ بِتَعَلُّمِهِ {وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ} [البقرة: 102] ؛ وَلِأَنَّهُ لَا يَتَأَتَّى إلَّا مِمَّنْ يَعْتَقِدُ أَنَّهُ يَقْدِرُ عَلَى تَغْيِيرِ الْأَجْسَامِ.
وَالْجَزْمُ بِذَلِكَ كُفْرٌ أَوْ نَقُولُ هُوَ عَلَامَةُ الْكُفْرِ بِإِخْبَارِ الشَّرْعِ فَلَوْ قَالَ الشَّارِعُ مَنْ دَخَلَ مَوْضِعَ كَذَا فَهُوَ كَافِرٌ اعْتَقَدْنَا كُفْرَ الدَّاخِلِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الدُّخُولُ كُفْرًا وَإِنْ أَخْبَرَنَا هُوَ أَنَّهُ مُؤْمِنٌ لَمْ نُصَدِّقْهُ قَالَ فَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ أَصْحَابِنَا إنَّ السِّحْرَ كُفْرٌ أَيْ دَلِيلُ الْكُفْرِ لَا أَنَّهُ كُفْرٌ فِي نَفْسِهِ كَأَكْلِ الْخِنْزِيرِ وَشُرْبِ الْخَمْرِ وَالتَّرَدُّدِ إلَى الْكَنَائِسِ فِي أَعْيَادِ النَّصَارَى فَنَحْكُمُ بِكُفْرِ فَاعِلِهِ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ هَذِهِ الْأُمُورُ كُفْرًا لَا سِيَّمَا وَتَعَلُّمُهُ لَا يَتَأَتَّى إلَّا بِمُبَاشَرَتِهِ كَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَتَعَلَّمَ الزَّمْرَ أَوْ ضَرْبَ الْعُودِ، وَالسِّحْرُ لَا يَتِمُّ إلَّا بِالْكُفْرِ كَقِيَامِهِ إذَا أَرَادَ سِحْرَ سُلْطَانٍ لِبُرْجِ الْأَسَدِ قَائِلًا خَاضِعًا مُتَقَرِّبًا لَهُ وَيُنَادِيهِ يَا سَيِّدَاهُ يَا عَظِيمَاهُ أَنْتَ الَّذِي إلَيْك تَدِينُ الْمُلُوكُ وَالْجَبَابِرَةُ وَالْأُسُودُ أَسْأَلُك أَنْ تُذَلِّلَ
يُؤْخَذَ فِيهَا غَنَمٌ؛ لِأَنَّ صَاحِبَهَا مُفْلِسٌ مَثَلًا أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ، وَأَمَّا حُكْمُ سُلَيْمَانَ عليه السلام لَوْ وَقَعَ فِي شَرْعِنَا مِنْ بَعْضِ الْقُضَاةِ مَا أَمْضَيْنَاهُ؛ لِأَنَّهُ إيجَابٌ لِقِيمَةٍ مُؤَجَّلَةٍ، وَلَا يَلْزَمُ ذَلِكَ صَاحِبَ الْحَرْثِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْقِيَمِ الْحُلُولُ إذَا وَجَبَتْ فِي الْإِتْلَافَاتِ؛ وَلِأَنَّهُ إحَالَةٌ عَلَى أَعْيَانٍ لَا يَجُوزُ بَيْعًا، وَمَا لَا يُبَاعُ لَا يُعَارَضُ بِهِ فِي الْقِيَمِ فَيَلْزَمُ أَحَدَ الْأَمْرَيْنِ إمَّا أَنْ تَكُونَ شَرِيعَتُنَا أَتَمَّ فِي الْمَصَالِحِ، وَأَكْمَلَ الشَّرَائِعِ أَوْ يَكُونَ دَاوُد عليه السلام فَهِمَ دُونَ سُلَيْمَانَ عليه السلام وَظَاهِرُ الْآيَةِ خِلَافُهُ وَهُوَ مَوْضِعٌ مُشْكِلٌ يَحْتَاجُ لِلْكَشْفِ وَالنَّظَرِ حَتَّى يُفْهَمَ الْمَعْنَى فِيهِ. وَوَجْهُ الْجَوَابِ أَنَّ الْمَصْلَحَةَ الَّتِي أَشَارَ إلَيْهَا سُلَيْمَانُ عليه السلام يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ أَتَمَّ بِاعْتِبَارِ ذَلِكَ الزَّمَانِ بِأَنْ تَكُونَ مَصْلَحَةُ زَمَانِهِمْ كَانَتْ تَقْتَضِي أَنْ لَا يَخْرُجَ عَيْنُ مَالِ الْإِنْسَانِ مِنْ يَدِهِ إمَّا لِقِلَّةِ الْأَعْيَانِ وَإِمَّا لِعَدَمِ ضَرَرِ الْحَاجَةِ أَوْ لِعِظَمِ الزَّكَاةِ لِلْفُقَرَاءِ بِأَنْ تُقَدَّمَ لِلنَّارِ الَّتِي تَأْكُلُ الْقُرْبَانَ أَوْ لِغَيْرِ ذَلِكَ وَتَكُونُ الْمَصْلَحَةُ الْأُخْرَى بِاعْتِبَارِ زَمَانِنَا أَتَمَّ فَيَتَغَيَّرُ الْحُكْمُ كَمَا أَنَّ النَّسْخَ حَسَنٌ بِاعْتِبَارِ اخْتِلَافِ الْمَصَالِحِ فِي الْأَزْمِنَةِ فَقَاعِدَةُ النَّسْخِ تَشْهَدُ لِهَذَا الْجَوَابِ.
(سُؤَالٌ) فِي قَوْله تَعَالَى {وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ} [الأنبياء: 78] الْمُرَادُ بِالشَّهَادَةِ هَاهُنَا الْعِلْمُ فَمَا فَائِدَةُ ذِكْرِهِ، وَالتَّمَدُّحُ بِهِ هَاهُنَا بَعِيدٌ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَا يَمْتَدِحُ بِالْعِلْمِ الْجُزْئِيِّ، وَلَيْسَ السِّيَاقُ سِيَاقَ تَهْدِيدٍ أَوْ تَرْغِيبٍ حَتَّى يَكُونَ الْمُرَادُ الْمُكَافَأَةَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {قَدْ يَعْلَمُ مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ} [النور: 64] {قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِوَاذًا} [النور: 63] وَنَحْوِهِ جَوَابُهُ أَنَّ هَذِهِ الْقِصَصَ إنَّمَا وَرَدَتْ لِتَقْرِيرِ أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِقَوْلِهِ تَعَالَى
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
لِي قَلْبَ فُلَانٍ الْجَبَّارِ اهـ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ فِي كِتَابِهِ الْأَحْكَامِ قَدْ بَيَّنَّا فِي كِتَابِ الْمُشْكِلِينَ أَنَّ مِنْ أَقْسَامِ السِّحْرِ فِعْلَ مَا يُفَرِّقُ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمِنْهُ مَا يَجْمَعُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَيُسَمَّى التُّوَلَةَ، وَكِلَاهُمَا كُفْرٌ وَالْكُلُّ حَرَامٌ كُفْرٌ قَالَهُ مَالِكٌ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ السِّحْرُ مَعْصِيَةٌ إنْ قَتَلَ بِهِ السَّاحِرُ قُتِلَ، وَإِنْ أَضَرَّ بِهِ أُدِّبَ عَلَى قَدْرِ الضَّرَرِ، وَهَذَا بَاطِلٌ مِنْ وَجْهَيْنِ. (أَحَدِهِمَا) أَنَّهُ لَمْ يَعْلَمْ السِّحْرَ، وَحَقِيقَتُهُ أَنَّهُ كَلَامٌ مُؤَلَّفٌ يُعَظَّمُ بِهِ غَيْرُ اللَّهِ تَعَالَى، وَتُنْسَبُ إلَيْهِ فِيهِ الْمَقَادِيرُ وَالْكَائِنَاتُ.
(وَالثَّانِي) أَنَّ اللَّهَ سبحانه وتعالى صَرَّحَ فِي كِتَابِهِ بِأَنَّهُ كُفْرٌ؛ لِأَنَّهُ تَعَالَى قَالَ {وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ} [البقرة: 102] أَيْ مِنْ السِّحْرِ {وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ} [البقرة: 102] أَيْ بِقَوْلِ السِّحْرِ {وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا} [البقرة: 102] أَيْ بِهِ وَبِتَعْلِيمِهِ وَهَارُوتُ وَمَارُوتَ يَقُولَانِ {إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ} [البقرة: 102] وَهَذَا تَأْكِيدٌ لِلْبَيَانِ اهـ.
وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ مَسْأَلَةَ إطْلَاقِ أَنَّ كُلَّ مَا يُسَمَّى سِحْرًا كُفْرٌ فِي غَايَةِ الْإِشْكَالِ عَلَى أُصُولِنَا فَإِنَّ السَّحَرَةَ يَعْتَمِدُونَ أَشْيَاءَ تَأْبَى قَوَاعِدُ الشَّرِيعَةِ تَكْفِيرَهُمْ بِهَا كَفِعْلِ الْحِجَارَةِ الْمُتَقَدِّمِ ذِكْرُهَا قَبْلَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَكَذَلِكَ يَجْمَعُونَ عَقَاقِيرَ وَيَجْعَلُونَهَا فِي الْأَنْهَارِ أَوْ الْآبَارِ أَوْ زِيرِ الْمَاءِ أَوْ قُبُورِ الْمَوْتَى أَوْ فِي بَابٍ يُفْتَحُ إلَى الْمَشْرِقِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْبِقَاعِ وَيَعْتَقِدُونَ أَنَّ الْآثَارَ تَحْدُثُ عِنْدَ تِلْكَ الْأُمُورِ بِخَوَاصِّ نُفُوسِهِمْ الَّتِي طَبَعَهَا اللَّهُ تَعَالَى عَلَى الرَّبْطِ بَيْنَهَا وَبَيْنَ تِلْكَ الْآثَارِ عِنْدَ صِدْقِ الْعَزْمِ كَمَا تَقَدَّمَ فَلَا يُمْكِنُنَا تَكْفِيرُهُمْ بِجَمْعِ الْعَقَاقِيرِ، وَلَا بِوَضْعِهَا فِي الْآبَارِ، وَلَا بِاعْتِقَادِهِمْ حُصُولَ تِلْكَ الْآثَارِ عَنْ ذَلِكَ الْفِعْلِ؛ لِأَنَّهُمْ جَرَّبُوا ذَلِكَ فَوَجَدُوهُ لَا يَنْخَرِمُ عَلَيْهِمْ لِأَجْلِ خَوَاصِّ نُفُوسِهِمْ فَصَارَ ذَلِكَ الِاعْتِقَادُ كَاعْتِقَادِ الْأَطِبَّاءِ حُصُولَ الْآثَارِ عِنْدَ شُرْبِ الْعَقَاقِيرِ لِخَوَاصِّ طَبَائِعَ تِلْكَ الْعَقَاقِيرِ، وَخَوَاصُّ النُّفُوسِ لَا يُمْكِنُ التَّكْفِيرُ بِهَا؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ كَسْبِهِمْ، وَلَا كُفْرَ بِغَيْرِ مُكْتَسِبٍ، وَأَمَّا اعْتِقَادُهُمْ أَنَّ الْكَوَاكِبَ تَفْعَلُ ذَلِكَ بِقُدْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى فَهَذَا خَطَأٌ؛ لِأَنَّهَا لَا تَفْعَلُ ذَلِكَ، وَلَا رَبَطَ اللَّهُ تَعَالَى ذَلِكَ بِهَا، وَإِنَّمَا جَاءَتْ الْآثَارُ مِنْ خَوَاصِّ نُفُوسِهِمْ الَّتِي رَبَطَ اللَّهُ تَعَالَى بِهَا تِلْكَ الْآثَارِ عِنْدَ ذَلِكَ الِاعْتِقَادِ فَيَكُونُ ذَلِكَ الِاعْتِقَادُ فِي الْكَوَاكِبِ خَطَأً كَمَا إذَا اعْتَقَدَ طَبِيبٌ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَوْدَعَ فِي الصَّبْرِ وَالسَّقَمُونْيَا عَقْلَ الْبَطْنِ وَقَطْعَ الْإِسْهَالِ فَإِنَّهُ خَطَأٌ، وَأَمَّا تَكْفِيرُهُ بِذَلِكَ فَلَا.
وَإِنْ اعْتَقَدُوا أَنَّ الْكَوَاكِبَ وَالشَّيَاطِينَ تَفْعَلُ ذَلِكَ بِقُدْرَتِهَا لَا بِقُدْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى فَقَدْ قَالَ بَعْضُ عُلَمَاءِ الشَّافِعِيَّةِ هَذَا هُوَ مَذْهَبُ الْمُعْتَزِلَةِ فِي اسْتِقْلَالِ الْحَيَوَانَاتِ بِقُدْرَتِهَا دُونَ قُدْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى فَكَمَا لَا تُكَفِّرُ الْمُعْتَزِلَةَ بِذَلِكَ لَا نُكَفِّرُ هَؤُلَاءِ وَتَفْرِيقُ بَعْضِهِمْ بِأَنَّ الْكَوَاكِبَ مَظِنَّةُ الْعِبَادَةِ فَإِنْ انْضَمَّ إلَى ذَلِكَ اعْتِقَادُ الْقُدْرَةِ وَالتَّأْثِيرِ كَانَ كُفْرًا مَدْفُوعٌ بِأَنَّ تَأْثِيرَ الْحَيَوَانِ فِي الْقَتْلِ وَالضَّرِّ وَالنَّفْعِ فِي مَجْرَى الْعَادَةِ مُشَاهَدٌ مِنْ السِّبَاعِ وَالْآدَمِيِّينَ وَغَيْرِ هَذَا.
وَأَمَّا كَوْنُ الْمُشْتَرَى أَوْ زُحَلَ يُوجِبُ شَقَاوَةً أَوْ سَعَادَةً فَإِنَّمَا هُوَ حَزْرٌ وَتَخْمِينٌ مِنْ الْمُنَجِّمِينَ لَا صِحَّةَ لَهُ وَقَدْ عُبِدَتْ الْبَقَرُ وَالشَّجَرُ وَالْحِجَارَةُ وَالثَّعَابِينُ فَصَارَتْ هَذَا الشَّائِبَةُ مُشْتَرَكَةً بَيْنَ الْكَوَاكِبِ وَغَيْرِهَا فَهُوَ مَوْضِعُ نَظَرٍ وَاَلَّذِي لَا مِرْيَةَ فِيهِ أَنَّهُ كُفْرٌ إنْ اعْتَقَدَ أَنَّهَا مُسْتَقِلَّةٌ بِنَفْسِهَا لَا تَحْتَاجُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى؛ لِأَنَّ هَذَا مَذْهَبُ الصَّابِئَةِ وَهُوَ كُفْرٌ صَرِيحٌ لَا سِيَّمَا إنْ صَرَّحَ بِنَفْيِ مَا عَدَاهَا.
وَبِهَذَا الْبَحْثِ يَظْهَرُ ضَعْفُ قَوْلِ الْحَنَفِيَّةِ إنْ اعْتَقَدَ أَنَّ الشَّيَاطِينَ تَفْعَلُ لَهُ مَا يَشَاءُ فَهُوَ كَافِرٌ، وَإِنْ اعْتَقَدَ أَنَّهُ تَخَيُّلٌ وَتَمْوِيهٌ لَمْ يَكْفُرْ بَلْ يَنْبَغِي لَهُمْ أَنْ يُفَصِّلُوا فِي هَذَا الْإِطْلَاقَ فَإِنَّ
فِي صَدْرِ السُّورَةِ حِكَايَةً عَنْ الْكُفَّارِ {هَلْ هَذَا إِلا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ} [الأنبياء: 3] فَبَسَطَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ الْقَوْلَ فِي هَذِهِ الْقِصَصِ لِيُبَيِّنَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ لَيْسَ بِدُعَاءٍ مِنْ الرُّسُلِ، وَأَنَّهُ يُفَضِّلُ مَنْ شَاءَ مِنْ الْبَشَرِ وَغَيْرِهِ، وَلَا يَخْرُجُ شَيْءٌ عَنْ حُكْمِهِ، وَلَا يَفْعَلُ ذَلِكَ غَفْلَةً بَلْ عَنْ عِلْمٍ وَلِذَلِكَ فَهْمُ سُلَيْمَانَ دُونَ دَاوُد عليهما السلام لَمْ يَكُنْ عَنْ غَفْلَةٍ بَلْ نَحْنُ عَالِمُونَ فَهُوَ إشَارَةٌ إلَى ضَبْطِ التَّصَرُّفِ، وَإِحْكَامِهِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ كَمَا يَقُولُ الْمَلِكُ الْعَظِيمُ أَعْرَضْتُ عَنْ زَيْدٍ، وَأَنَا عَالِمٌ بِحُضُورِهِ، وَلَيْسَ مَقْصُودُهُ التَّمَدُّحَ بِالْعِلْمِ بَلْ بِإِحْكَامِ التَّصَرُّفِ فِي مُلْكِهِ فَكَذَلِكَ هَاهُنَا.
(الْفَرْقُ الثَّامِنُ وَالْأَرْبَعُونَ وَالْمِائَتَانِ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا خَرَجَ عَنْ الْمُسَاوَاةِ وَالْمُمَاثَلَةِ فِي الْقِصَاصِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا بَقِيَ عَلَى الْمُسَاوَاةِ) . اعْلَمْ أَنَّ الْقِصَاصَ أَصْلُهُ مِنْ الْقَصِّ الَّذِي هُوَ الْمُسَاوَاةُ؛ لِأَنَّ مَنْ قَصَّ شَيْئًا مِنْ شَيْءٍ بَقِيَ بَيْنَهُمَا سَوَاءٌ مِنْ الْجَانِبَيْنِ فَهُوَ شَرْطٌ إلَّا أَنْ يُؤَدِّيَ إلَى تَعْطِيلِ الْقِصَاصِ قَطْعًا أَوْ غَالِبًا، وَلَهُ مُثُلٌ أَحَدُهَا التَّسَاوِي فِي أَجْزَاءِ الْأَعْضَاءِ وَسُمْكِ اللَّحْمِ فِي الْجَانِي لَوْ اُشْتُرِطَ لَمَا حَصَلَ إلَّا نَادِرًا بِخِلَافِ الْجِرَاحَاتِ فِي الْجَسَدِ وَثَانِيهِمَا التَّسَاوِي فِي مَنَافِعِ الْأَعْضَاءِ وَثَالِثُهَا الْعُقُولُ وَرَابِعُهَا الْحَوَاسُّ وَخَامِسُهَا قَتْلُ الْجَمَاعَةِ بِالْوَاحِدِ وَقَطْعُ الْأَيْدِي بِالْيَدِ لَوْ اُشْتُرِطَتْ الْوَاحِدَةُ لِتَسَاوِي الْأَعْدَادِ بِبَعْضِهِمْ وَسَقَطَ الْقِصَاصُ، السَّادِسُ الْحَيَاةُ الْيَسِيرَةُ كَالشَّيْخِ الْكَبِيرِ مَعَ الشَّابِّ، وَمَنْفُوذُ الْمَقَاتِلِ عَلَى الْخِلَافِ، السَّابِعُ تَفَاوُتُ الصَّنَائِعِ وَالْمَهَارَةِ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
الشَّيَاطِينَ كَانَتْ تَصْنَعُ لِسُلَيْمَانَ عليه السلام مَا يَأْمُرُهَا بِهِ مِنْ مَحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَغَيْرِ ذَلِكَ فَإِنْ اعْتَقَدَ السَّاحِرُ أَنَّ اللَّهَ عز وجل سَخَّرَ لَهُ الشَّيَاطِينَ بِسَبَبِ عَقَاقِيرِهِ مَعَ خَوَاصِّ نَفْسِهِ ضَعُفَ الْقَوْلُ بِتَكْفِيرِهِ.
وَأَمَّا قَوْلُ الْأَصْحَابِ إنَّهُ عَلَامَةُ الْكُفْرِ فَمُشْكِلٌ؛ لِأَنَّا نَتَكَلَّمُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِاعْتِبَارِ الْفُتْيَا، وَنَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّ حَالَ الْإِنْسَانِ فِي تَصْدِيقِهِ لِلَّهِ تَعَالَى وَرُسُلِهِ بَعْدَ عَمَلِ هَذِهِ الْعَقَاقِيرِ كَحَالِهِ قَبْلَ ذَلِكَ وَالشَّرْعُ لَا يُخْبِرُ عَلَى خِلَافِ الْوَاقِعِ، وَإِنْ أَرَادُوا الْخَاتِمَةَ فَمُشْكِلٌ أَيْضًا؛ لِأَنَّا لَا نُكَفِّرُ فِي الْحَالِ بِكُفْرٍ وَاقِعٍ فِي الْمَآلِ كَمَا أَنَّا لَا نَجْعَلُ مَنْ يَعْبُدُ الْأَصْنَامَ الْآنَ مُؤْمِنًا فِي الْحَالِ بِإِيمَانٍ وَاقِعٍ فِي الْمَآلِ بَلْ الْأَحْكَامُ الشَّرْعِيَّةُ تَتْبَعُ أَسْبَابَهَا وَتَحَقُّقَهَا لَا تَوَقُّعَهَا وَإِنْ قَطَعْنَا بِوُقُوعِهَا كَمَا أَنَّا نَقْطَعُ بِغُرُوبِ الشَّمْسِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَسْبَابِ، وَلَا تَتَرَتَّبُ مُسَبَّبَاتُهَا قَبْلَهَا، وَأَمَّا قَوْلُ أَصْحَابِنَا فِي التَّرَدُّدِ إلَى الْكَنَائِسِ، وَأَكْلِ الْخِنْزِيرِ وَغَيْرِهِ فَإِنَّمَا قَضَيْنَا بِكُفْرِهِ فِي الْقَضَاءِ دُونَ الْفُتْيَا، وَقَدْ يَكُونُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى مُؤْمِنًا، وَأَمَّا قَوْلُ مَالِكٍ إنَّ تَعَلُّمَهُ وَتَعْلِيمَهُ كُفْرٌ فَفِي غَايَةِ الْإِشْكَالِ فَقَدْ قَالَ الطُّرْطُوشِيُّ وَهُوَ مِنْ سَادَاتِ الْعُلَمَاءِ: أَنَّهُ إذَا وَقَفَ لِبُرْجِ الْأَسَدِ، وَحَكَى الْقَضِيَّةَ إلَى آخِرِهَا فَإِنَّ هَذَا سِحْرٌ فَقَدْ تَصَوَّرَهُ وَحَكَمَ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ سِحْرٌ فَهَذَا هُوَ تَعَلُّمُهُ فَكَيْفَ يَتَصَوَّرُ شَيْئًا لَمْ يَعْلَمْهُ، وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَمَا قَالَ أَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ التَّعَلُّمُ إلَّا بِالْمُبَاشَرَةِ كَضَرْبِ الْعُودِ بَلْ كُتُبُ السِّحْرِ مَمْلُوءَةٌ مِنْ تَعْلِيمِهِ، وَلَا يَحْتَاجُ إلَى ذَلِكَ بَلْ هُوَ كَتَعَلُّمِ أَنْوَاعِ الْكُفْرِ الَّذِي لَا يَكْفُرُ بِهِ الْإِنْسَانُ كَمَا تَقُولُ إنَّ النَّصَارَى يَعْتَقِدُونَ فِي عِيسَى عليه السلام كَذَا وَالصَّابِئَةَ مُعْتَقِدُونَ فِي النُّجُومِ كَذَا وَنَتَعَلَّمُ مَذَاهِبَهُمْ، وَمَا هُمْ عَلَيْهِ عَلَى وَجْهٍ حَتَّى نَرُدَّ عَلَيْهِمْ ذَلِكَ فَهُوَ قُرْبَةٌ لَا كُفْرٌ.
وَقَدْ قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: إنْ كَانَ تَعَلَّمَ السِّحْرَ لِيُفَرِّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُعْجِزَاتِ كَانَ ذَلِكَ قُرْبَةً وَكَذَلِكَ نَقُولُ إذَا عَمِلَ السَّحَرُ بِأَمْرٍ مُبَاحٍ لِيُفَرِّقَ بِهِ بَيْنَ الْمُجْتَمِعِينَ عَلَى الزِّنَا أَوْ قَطْعِ الطَّرِيقِ بِالْبَغْضَاءِ وَالشَّحْنَاءِ أَوْ لِيَقْتُلَ جَيْشُ الْكُفْرِ مَلِكَهُمْ بِهِ أَوْ لِيُوقِعَ بِهِ الْمَحَبَّةَ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ أَوْ بَيْنَ جَيْشِ الْإِسْلَامِ، وَمَلِكِهِمْ فَهَذَا كُلُّهُ قُرْبَةٌ فَتَأَمَّلْ هَذِهِ الْمَبَاحِثَ كُلَّهَا فَالْمَوْضِعُ مُشْكِلٌ جِدًّا.
وَأَمَّا قَوْلُ الطُّرْطُوشِيِّ إذَا قَالَ صَاحِبُ الشَّرْعِ مَنْ دَخَلَ الدَّارَ فَهُوَ كَافِرٌ قَضَيْنَا بِكُفْرِهِ عِنْدَ دُخُولِ الدَّارِ فَهُوَ فَرْضٌ مُحَالٌ إذْ لَا يُخْبِرُ صَاحِبُ الشَّرْعِ عَنْ إنْسَانٍ بِالْكُفْرِ إلَّا إذَا كَفَرَ وَقَوْلُهُمْ هُوَ دَلِيلُ الْكُفْرِ مَمْنُوعٌ وَقَوْلُهُمْ؛ لِأَنَّ صَاحِبَ الشَّرْعِ أَخْبَرَ بِذَلِكَ فِي الْكِتَابِ الْعَزِيزِ مُسَلَّمٌ إذْ لَا مُحَالَ فِي حَمْلِ الْآيَةِ عَلَى مَا هُوَ كُفْرٌ إنَّمَا الْمُحَالُ فِي أَنَّهُ هَلْ يَدْخُلُ التَّخْصِيصُ فِي عُمُومِهَا بِالْقَوَاعِدِ كَمَا هُوَ الشَّأْنُ فِي الْعُمُومَاتِ، وَهُوَ مَا نَقُولُ أَوْ لَا يَدْخُلُ كَمَا يَقُولُونَ فَيَلْزَمُ التَّكْفِيرُ بِغَيْرِ سَبَبِ الْكُفْرِ وَهُوَ خِلَافُ الْقَوَاعِدِ وَلَا شَاهِدَ لَهُ فِي الِاعْتِبَارِ، وَالِاسْتِدْلَالُ عَلَى أَنَّ تَعَلُّمَ السِّحْرِ أَوْ تَعَلُّمَهُ لَا يَكُونُ بِالْكُفْرِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ} [البقرة: 102] خَبَرٌ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ {يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ} [البقرة: 102] تَفْسِيرٌ لِقَوْلِهِ {كَفَرُوا} [البقرة: 102] وَنَحْنُ نَمْنَعُ أَنَّهُ تَفْسِيرٌ لَهُ بَلْ هُوَ إخْبَارٌ عَنْ حَالِهِمْ بَعْدَ تَقَرُّرِ كُفْرِهِمْ بِغَيْرِ السِّحْرِ سَلَّمْنَا أَنَّهُ تَفْسِيرٌ لَهُ لَكِنْ يَتَعَيَّنُ حَمْلُهُ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ السِّحْرَ كَانَ مُشْتَمِلًا عَلَى الْكُفْرِ، وَكَانَتْ الشَّيَاطِينُ تَعْتَقِدُ مُوجِبَ تِلْكَ الْأَلْفَاظِ كَالنَّصْرَانِيِّ إذَا عَلَّمَ الْمُسْلِمَ دِينَهُ فَإِنَّهُ يَعْتَقِدُ مُوجِبَهُ، وَأَمَّا الْأُصُولِيُّ إذَا عَلَّمَ تِلْمِيذَهُ الْمُسْلِمَ دِينَ النَّصْرَانِيِّ لِيَرُدَّ عَلَيْهِ وَيَتَأَمَّلَ فَسَادَ قَوَاعِدِهِ فَلَا يَكْفُرُ الْمُعَلِّمُ، وَلَا الْمُتَعَلِّمُ، وَهَذَا التَّقْيِيدُ عَلَى وَفْقِ الْقَوَاعِدِ، وَأَمَّا جَعْلُ التَّعَلُّمِ وَالتَّعْلِيمِ مُطْلَقًا كُفْرًا فَهُوَ خِلَافُ الْقَوَاعِدِ وَلْنَقْتَصِرْ عَلَى هَذَا الْقَدْرِ مِنْ التَّنْبِيهِ عَلَى غَوْرِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، هَذَا
فِيهَا.
وَهَاهُنَا ثَلَاثُ مَسَائِلَ. (الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى) : قَتْلُ الْجَمَاعَةِ بِالْوَاحِدِ إذَا قَتَلُوهُ عَمْدًا وَتَعَاوَنُوا عَلَى قَتْلِهِ بِالْحِرَابَةِ أَوْ غَيْرِهَا حَتَّى يُقْتَلَ عِنْدَنَا النَّاظُورُ وَوَافَقَنَا الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ، وَمَشْهُورُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ فِي قَتْلِ الْجَمَاعَةِ بِالْوَاحِدِ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ وَعَنْ أَحْمَدَ وَجَمَاعَةٍ مِنْ التَّابِعِينَ وَالصَّحَابَةِ أَنَّ عَلَيْهِمْ الدِّيَةَ وَعَنْ الزُّهْرِيِّ وَجَمَاعَةٍ أَنَّهُ يُقْتَلُ مِنْهُمْ وَاحِدٌ وَعَلَى الْبَاقِي حِصَصُهُمْ مِنْ الدِّيَةِ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مُكَافِئٌ لَهُ فَلَا يَسْتَوِي إبْدَالٌ فِي مُبْدَلٍ مِنْهُ وَاحِدٌ كَمَا لَا تَجِبُ دِيَاتٌ وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى {الْحُرُّ بِالْحُرِّ} [البقرة: 178] وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى {النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} [المائدة: 45] ؛ وَلِأَنَّ تَفَاوُتَ الْأَوْصَافِ يُمْنَعُ كَالْحُرِّ وَالْعَبْدِ فَالْعَدَدُ أَوْلَى بِالْمَنْعِ لَنَا إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ عَلَى قَتْلِ عُمَرَ سَبْعَةً مِنْ أَهْلِ صَنْعَاءَ بِرَجُلٍ وَاحِدٍ وَقَالَ لَوْ تَمَالَأَ عَلَيْهِ أَهْلُ صَنْعَاءَ لَقَتَلْتُهُمْ بِهِ وَقَتَلَ عَلِيٌّ ثَلَاثَةً وَهُوَ كَثِيرٌ، وَلَمْ يُعْرَفْ لَهُمْ مُخَالِفٌ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ؛ وَلِأَنَّهَا عُقُوبَةٌ كَحَدِّ الْقَذْفِ وَتُفَارِقُ الدِّيَةَ فَإِنَّهَا تَتَبَعَّضُ دُونَ الْقِصَاصِ؛ لِأَنَّ الشَّرِكَةَ لَوْ أَسْقَطَتْ الْقِصَاصَ كَانَ ذَلِكَ ذَرِيعَةً لِلْقَتْلِ.
(الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) وَافَقَنَا الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ فِي أَنَّهُ لَا يُقْتَلُ مُسْلِمٌ بِذِمِّيٍّ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يُقْتَلُ الْمُسْلِمُ بِالذِّمِّيِّ لَنَا مَا فِي الْبُخَارِيِّ «لَا يُقْتَلُ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ» احْتَجُّوا بِوُجُوهٍ الْأَوَّلِ قَوْله تَعَالَى {وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا} [الإسراء: 33] وَهَذَا قُتِلَ مَظْلُومًا فَيَكُونُ لِوَلِيِّهِ سُلْطَانٌ الثَّانِي قَوْله تَعَالَى {النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} [المائدة: 45] وَسَائِرُ الْعُمُومَاتِ، وَالْجَوَابُ عَنْ الْأَوَّلِ وَمَا بَعْدَهُ أَنَّ مَا ذَكَرْنَا خَاصٌّ فَيُقَدَّمُ عَلَى الْعُمُومَاتِ عَلَى مَا تَقَرَّرَ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ.
(الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) خَالَفَنَا الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ فِي قَتْلِ الْمُمْسِكِ وَقَالَا يُقْتَلُ الْقَاتِلُ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
خُلَاصَةُ كَلَامِ الْأَصْلِ.
وَفِي التَّبْصِرَةِ قَالَ ابْنُ الْغَرْسِ قَوْلُ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ رَوَى ابْنُ نَافِعٍ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمَبْسُوطِ فِي الْمَرْأَةِ تُقِرُّ أَنَّهَا عَقَدَتْ زَوْجَهَا عَنْ نَفْسِهَا أَوْ عَنْ غَيْرِهَا مِنْ النِّسَاءِ أَنَّهَا تُقْتَلُ، وَلَا تُنَكَّلُ قَالَ، وَلَوْ سَحَرَ نَفْسَهُ لَمْ يُقْتَلْ بِذَلِكَ يُؤْخَذُ مِنْهُ مَعَ قَوْلِ مَالِكٍ فِيمَنْ يَعْقِدُ الرِّجَالَ عَنْ النِّسَاءِ يُعَاقَبُ، وَلَا يُقْتَلُ اهـ أَنْ لَيْسَ كُلُّ سِحْرٍ كُفْرًا، وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ. اهـ
بِتَصَرُّفٍ وَأَيَّدَ الْإِمَامُ أَبُو الْقَاسِمِ بْنُ الشَّاطِّ إبْقَاءَ وقَوْله تَعَالَى: {وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ} [البقرة: 102] عَلَى عُمُومِهَا، وَأَنَّ قَوْله تَعَالَى {يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ} [البقرة: 102] تَفْسِيرٌ لِقَوْلِهِ {كَفَرُوا} [البقرة: 102] وَتَسْوِيغُ الطُّرْطُوشِيِّ الْقَوْلَ بِأَنَّهُ عَلَامَةٌ عَلَى الْكُفْرِ بِوُجُوهٍ.
(الْوَجْهِ الْأَوَّلِ) أَنَّ قَاعِدَةَ أَنَّ كَوْنَ أَمْرٍ مَا كُفْرًا أَيْ أَمْرٍ كَانَ لَيْسَ مِنْ الْأُمُورِ الْعَلِيَّةِ بَلْ هُوَ مِنْ الْأُمُورِ الْوَضْعِيَّةِ الشَّرْعِيَّةِ فَإِذَا قَالَ الشَّارِعُ فِي أَمْرٍ مَا هُوَ كُفْرٌ فَهُوَ كَذَلِكَ سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ الْقَوْلُ إنْشَاءً أَمْ إخْبَارًا يَقْتَضِي صِحَّةَ قَوْلِ الطُّرْطُوشِيِّ إنَّ الشَّارِعَ لَوْ قَالَ مَنْ دَخَلَ مَوْضِعَ كَذَا فَهُوَ كَافِرٌ اعْتَقَدْنَا كُفْرَ الدَّاخِلِ، وَأَنَّ الدُّخُولَ كُفْرٌ وَيَكُونُ ذَلِكَ الْقَوْلُ إنْشَاءَ شَرِيعَةٍ أَوْ إخْبَارًا عَنْ إنْشَاءِ شَرْعٍ لَا إخْبَارًا عَنْ كُفْرِ مَنْ لَمْ يَكْفُرْ حَتَّى يَكُونَ مُحَالٌ، وَصِحَّةُ قَوْلِهِ أَنَّ مَعْنَى قَوْلِ الْأَصْحَابِ أَنَّ السِّحْرَ كُفْرٌ أَيْ دَلِيلُ الْكُفْرِ إلَى قَوْلِهِ، وَإِنْ تَكُنْ هَذِهِ الْأُمُورُ كُفْرًا فَهِيَ كَأَكْلِ الْخِنْزِيرِ وَالتَّرَدُّدِ إلَى الْكَنَائِسِ.
(الْوَجْهِ الثَّانِي) أَنَّ اسْتِدْلَالَ الْمَالِكِيَّةِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ} [البقرة: 102] أَيْ بِتَعْلِيمِهِ ظَاهِرٌ وَاضِحٌ لِتَعَذُّرِ حَمْلِ قَوْلِهِ {فَلا تَكْفُرْ} [البقرة: 102] عَلَى الْكُفْرِ بِغَيْرِ التَّعْلِيمِ لِعَدَمِ الْتِئَامٍ. قَوْلِهِ {فَلا تَكْفُرْ} [البقرة: 102] مَعَ مَا قَبْلَهُ عَلَى تَقْدِيرِ أَنَّ الْكُفْرَ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ غَيْرُ التَّعَلُّمِ فَهُوَ مِنْ هَذِهِ الْجِهَةِ وَبِهَذِهِ الْقَرِينَةِ نَصٌّ فِي أَنَّ التَّعَلُّمَ هُوَ الْكُفْرُ، وَلَكِنْ يَبْقَى فِي ذَلِكَ أَنَّ الْآيَةَ إخْبَارٌ عَنْ وَاقِعٍ قَبْلَنَا وَخِطَابٌ عَنْ غَيْرِنَا فَلَا يَتِمُّ الِاسْتِدْلَال إلَّا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ شَرْعَ مَنْ قَبْلَنَا شَرْعٌ لَنَا وَهُوَ الْمَشْهُورُ الْمَنْصُوصُ فِي الْمَذْهَبِ.
(الْوَجْهِ الثَّالِثِ) أَنْ قَوْله تَعَالَى {يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ} [البقرة: 102] لَا يَلِيقُ بِفَصَاحَةِ الشَّارِعِ أَنَّهُ إخْبَارٌ عَنْ حَالِهِمْ بَعْدَ تَقَرُّرِ كُفْرِهِمْ بِغَيْرِ السِّحْرِ بَلْ اللَّائِقُ بِهَا أَنَّهُ تَفْسِيرٌ لِقَوْلِهِ كُفْرًا، وَلَا نُسَلِّمُ بِغَيْرِ حَمْلِهِ حِينَئِذٍ عَلَى أَنَّهُ كَانَ ذَلِكَ السِّحْرُ مُشْتَمِلًا عَلَى الْكُفْرِ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ تَعْلِيمُهُ وَتَعَلُّمُهُ كُفْرًا، وَهُوَ الظَّاهِرُ الَّذِي لَا مَعْدِلَ عَنْهُ.
(الْوَجْهِ الرَّابِعِ) أَنَّ تَعَلُّمَ السِّحْرِ عَلَى وَجْهَيْنِ أَحَدِهِمَا لِيَعْرِفَ حَقِيقَتَهُ خَاصَّةً إمَّا لِتَجَنُّبٍ أَوْ لِغَيْرِ ذَلِكَ وَهَذَا لَيْسَ بِكُفْرٍ وَثَانِيهِمَا أَنْ يَتَعَلَّمَهُ قَاصِدًا بِتَعَلُّمِهِ تَحْصِيلَ أَثَرِهِ مَتَى احْتَاجَ إلَى ذَلِكَ وَهَذَا هُوَ الَّذِي اقْتَضَى ظَاهِرُ الْكِتَابِ أَنَّهُ كُفْرٌ وَحِينَئِذٍ فَقَوْلُ الشِّهَابِ لَا يُمْكِنُ التَّكْفِيرُ بِجَمْعِ الْعَقَاقِيرِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَفْعَالِ صَحِيحٌ إذَا كَانَ ذَلِكَ الْجَمْعُ وَسَائِرُ تِلْكَ الْأَفْعَالِ غَيْرَ مَقْصُودٍ بِهَا اجْتِلَابُ الْآثَارِ الْمَطْلُوبَةِ مِنْ ذَلِكَ.
وَأَمَّا إذَا كَانَتْ مَقْصُودًا بِهَا ذَلِكَ فَهُوَ السِّحْرُ الَّذِي هُوَ كُفْرٌ بِنَفْسِهِ لِتَضَمُّنِهِ اعْتِقَادَ تَأْثِيرِ هَذِهِ الْأُمُورِ أَوْ دَلِيلَ الْكُفْرِ عَلَى مَذْهَبِ الْمَالِكِيَّةِ وَقَوْلُ الطُّرْطُوشِيِّ لَا سِيَّمَا وَتَعَلُّمُهُ لَا يَتَأَتَّى إلَّا بِمُبَاشَرَتِهِ إلَى قَوْلِهِ أَنْ تُذَلِّلَ لِي قَلْبَ فُلَانٍ الْجَبَّارِ، يَعْنِي أَنَّ تَعَلُّمَهُ لِتَحْصِيلِ ثَمَرَتِهِ لَا لِغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْمَقَاصِدِ، وَذَلِكَ صَحِيحٌ مِنْ جِهَةِ اشْتِرَاطِ أَهْلِ السِّحْرِ ذَلِكَ بَلْ الْجَزْمُ بِحُصُولِ الْأَثَرِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْفَخْرُ وَقَوْلُهُ وَاحْتَجُّوا إلَى قَوْلِهِ لَمْ يَأْثَمْ الْمَالِكِيَّةُ تَقُولُ بِمُوجِبِهِ، وَلَا يَلْزَمُ مَقْصُودُ الْحَنَفِيَّةِ فَإِنَّ مَا ذَكَرَهُ الْحَنَفِيَّةُ تَعَلُّمُ الْكُفْرِ لَا لِنَفْسِهِ بَلْ لِتَصْحِيحٍ يَقْتَضِيهِ وَقَوْلُ الشِّهَابِ إنَّ مَنْ قَالَ التَّعْلِيمُ وَالتَّعَلُّمُ مُطْلَقًا كُفْرٌ فَهُوَ خِلَافُ الْقَوَاعِدِ
وَحْدَهُ. لَنَا الْعُمُومَاتُ الْمُتَقَدِّمَةُ وَقَوْلُ عُمَرَ الْمُتَقَدِّمُ وَقِيَاسًا عَلَى الْمُمْسِكِ لِلصَّيْدِ الْمُحَرَّمِ فَإِنَّ عَلَيْهِ الْجَزَاءَ وَعَلَى الْمُكْرَهِ.
(الْفَرْقُ التَّاسِعُ وَالْأَرْبَعُونَ وَالْمِائَتَانِ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْعَيْنِ وَقَاعِدَةِ كُلِّ اثْنَيْنِ مِنْ الْجَسَدِ فِيهِمَا دِيَةٌ وَاحِدَةٌ كَالْأُذُنَيْنِ وَنَحْوِهِمَا) . أَنَّهُ إذَا ذَهَبَ سَمْعُ أَحَدِ أُذُنَيْهِ بِضَرْبَةِ رَجُلٍ ثُمَّ أَذْهَبَ سَمْعَ الْأُخْرَى فَعَلَيْهِ نِصْفُ الدِّيَةِ وَفِي عَيْنِ الْأَعْوَرِ الدِّيَةُ كَامِلَةً وَوَافَقَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ نِصْفُ الدِّيَةِ. لَنَا وُجُوهٌ (الْأَوَّلُ) أَنَّ عُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيًّا وَابْنَ عُمَرَ قَضَوْا بِذَلِكَ مِنْ غَيْرِ مُخَالِفٍ فَكَانَ ذَلِكَ إجْمَاعًا. (الثَّانِي) أَنَّ الْعَيْنَ الذَّاهِبَةَ يَرْجِعُ ضَوْءُهَا لِلْبَاقِيَةِ؛ لِأَنَّ مَجْرَاهَا فِي النُّورِ الَّذِي يَحْصُلُ بِهِ الْإِبْصَارُ وَاحِدٌ كَمَا شَهِدَ بِهِ عِلْمُ التَّشْرِيحِ وَلِذَلِكَ أَنَّ الصَّحِيحَ إذَا غَمَّضَ إحْدَى عَيْنَيْهِ اتَّسَعَ ثُقْبُ الْأُخْرَى بِسَبَبِ مَا انْدَفَعَ لَهَا مِنْ الْأُخْرَى وَقَوِيَ إبْصَارُهَا، وَلَا يُوجَدُ ذَلِكَ فِي إحْدَى الْأُذُنَيْنِ إذَا سُدَّتْ الْأُخْرَى أَوْ إحْدَى الْيَدَيْنِ إذَا ذَهَبَتْ الْأُخْرَى أَوْ قُطِعَتْ وَكَذَلِكَ جَمِيعُ أَعْضَاءِ الْجَسَدِ إلَّا الْعَيْنَ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ اتِّحَادِ الْمَجْرَى فَكَانَتْ الْعَيْنُ الْبَاقِيَةُ فِي مَعْنَى الْعَيْنَيْنِ فَوَجَبَ فِيهَا دِيَةٌ كَامِلَةٌ.
احْتَجُّوا بِوُجُوهٍ الْأَوَّلِ قَوْلُهُ عليه السلام «فِي الْعَيْنِ خَمْسُونَ مِنْ الْإِبِلِ» الثَّانِي قَوْلُهُ عليه السلام «فِي الْعَيْنَيْنِ الدِّيَةُ» وَهُوَ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ دِيَةٌ إلَّا إذَا قَلَعَ عَيْنَيْنِ وَهَذَا لَمْ يَقْلَعْ عَيْنَيْنِ. الثَّالِثِ أَنَّ مَا ضُمِنَ بِنِصْفِ الدِّيَةِ، وَمَعَهُ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
صَحِيحٌ أَيْضًا كَقَوْلِهِ إنَّ مُعَلِّمَ الْكُفْرِ، وَمُتَعَلِّمَهُ لِيَرُدَّ عَلَيْهِ لَيْسَ بِكَافِرٍ قَالَ ابْنُ الشَّاطِّ، وَإِذَا صَحَّ أَنَّ كَوْنَ أَمْرٍ مَا كُفْرًا أَمْرٌ وَضْعِيٌّ شَرْعِيٌّ وَثَبَتَ بِدَلِيلٍ شَرْعِيٍّ أَنَّ السِّحْرَ كُفْرٌ، وَأَنَّهُ عَلَامَةُ الْكُفْرِ فَلَا إشْكَالَ؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ حِينَئِذٍ مِنْ شَرْطِ الْمُؤْمِنِ أَنْ لَا يَعْمَلَ سِحْرًا وَعِنْدَ ذَلِكَ يَصِحُّ إيمَانُهُ إمَّا ظَاهِرًا وَبَاطِنًا إنْ كَانَ السِّحْرُ بِنَفْسِهِ كُفْرًا، وَإِمَّا ظَاهِرًا فَقَطْ إنْ كَانَ عَلَامَةُ الْكُفْرِ بِحَسَبِ الظَّاهِرِ فَسَقَطَ قَوْلُ الشِّهَابِ فِي تَوْجِيهِ الْإِشْكَالِ: لِأَنَّا نَعْلَمُ إلَى قَوْلِهِ عَلَى خِلَافِ الْوَاقِعِ. قَالَ: وَلَا أَعْرِفُ مَا قَالُوهُ مِنْ رَبْطِ اللَّهِ تِلْكَ الْآثَارِ بِخَوَاصِّ نُفُوسِهِمْ عِنْدَ اعْتِقَادِهِمْ أَنَّ الْكَوَاكِبَ تَفْعَلُ ذَلِكَ بِقُدْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى قَالَ وَقَوْلُ الشِّهَابِ، وَإِنْ اعْتَقَدُوا أَنَّ الْكَوَاكِبَ وَالشَّيَاطِينَ تَفْعَلُ ذَلِكَ بِقُدْرَتِهَا لَا بِقُدْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى إلَى قَوْلِهِ فَكَمَا لَا نُكَفِّرُ الْمُعْتَزِلَةَ بِذَلِكَ لَا نُكَفِّرُ هَؤُلَاءِ إنْ كَانَ الْمُرَادُ أَنَّهَا تَفْعَلُ بِقُدْرَتِهَا مِنْ غَيْرِ تَعَلُّقِ قُدْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى بِقُدْرَتِهَا فَذَلِكَ كُفْرٌ صَرِيحٌ، وَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ أَنَّهَا تَفْعَلُ بِقُدْرَتِهَا مُبَاشَرَةً مَعَ تَعَلُّقِ قُدْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى بِقُدْرَتِهَا فَهُوَ مَذْهَبُ الْمُعْتَزِلَةِ قَالَ: وَقَوْلُهُ وَتَفْرِيقُ بَعْضِهِمْ إلَى قَوْلِهِ كَانَ كُفْرًا إنْ كَانَ ذَلِكَ لِاعْتِقَادِ أَنَّ الْكَوَاكِبَ مُسْتَغْنِيَةٌ بِقُدْرَتِهَا عَنْ قُدْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى فَذَلِكَ كُفْرٌ صَرِيحٌ، وَلَيْسَ تَأْثِيرُ الْحَيَوَانِ بِمُشَاهَدٍ، وَإِنَّمَا الْمُشَاهَدُ التَّأَثُّرُ لَا غَيْرُ قَالَ: وَفِي قَوْلِهِ: وَكَذَلِكَ نَقُولُ إذَا عَمِلَ السِّحْرَ بِأَمْرٍ مُبَاحٍ، نَظَرٌ إذْ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ إنَّ عَمَلَ السِّحْرِ الْمَقْصُودِ بِهِ تَحْصِيلُ أَثَرِهِ عَلَى أَيِّ وَجْهٍ كَانَ كُفْرًا أَوْ دَلِيلُ الْكُفْرِ بِوَضْعِ الشَّارِعِ، وَهُوَ ظَاهِرُ الْآيَةِ كَمَا سَبَقَ وَتَوَهُّمُ كَوْنِهِ إذَا كَانَ أَثَرُهُ أَمْرًا مُبَاحًا التَّلَبُّسَ بِهِ فِي الشَّرْعِ كَانَ عَمَلُهُ مُبَاحًا لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ هَذَا مَا رَدَّهُ ابْنُ الشَّاطِّ مِنْ كَلَامِ الْأَصْلِ، وَأَمَّا مَا عَدَاهُ فَصَحَّحَهُ قُلْتُ فَتَحَصَّلَ أَنَّ أَقْوَالَ أَصْحَابِنَا فِي السِّحْرِ ثَلَاثَةٌ. (الْأَوَّلُ) أَنَّهُ كُفْرٌ مُطْلَقًا، وَهُوَ الَّذِي أَيَّدَهُ ابْنُ الْعَرَبِيِّ فِي أَحْكَامِهِ (وَالثَّانِي) أَنَّهُ عَلَامَةُ الْكُفْرِ مُطْلَقًا وَهُوَ الَّذِي أَيَّدَهُ ابْنُ الشَّاطِّ وَعَلَيْهِمَا فَيُقْتَلُ إذَا عَمِلَ ذَلِكَ بِنَفْسِهِ، وَأَمَّا مَنْ لَيْسَ بِمُبَاشِرٍ عَمَلَهُ وَلَكِنْ ذَهَبَ إلَى مَنْ يَعْمَلُهُ لَهُ فَفِي الْمَوَّازِيَّةِ يُؤَدَّبُ أَدَبًا شَدِيدًا كَمَا فِي التَّبْصِرَةِ.
(وَالثَّالِثُ) أَنَّهُ كُفْرٌ إنْ كَانَ بِمَا هُوَ كُفْرٌ وَغَيْرُ كُفْرٍ إنْ كَانَ بِأَمْرٍ مُبَاحٍ وَهُوَ الَّذِي أَيَّدَهُ الْأَصْلُ، وَفِي تَعْلِيمِهِ وَتَعَلُّمِهِ قَوْلَانِ الْأَوَّلُ أَنَّهُمَا كُفْرٌ إنْ كَانَا بِقَصْدِ تَحْصِيلِ أَثَرِهِ مَتَى احْتَاجَ إلَى ذَلِكَ لَا لِغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْمَقَاصِدِ وَهُوَ مَا أَيَّدَهُ ابْنُ الشَّاطِّ الثَّانِي أَنَّهُمَا كُفْرٌ إنْ كَانَا بِمُبَاشَرَةِ مَا هُوَ كُفْرٌ، وَإِلَّا فَقَدْ يَكُونَانِ قُرْبَةً وَهُوَ مَا أَيَّدَهُ الْأَصْلُ، وَأَمَّا الْقَوْلُ بِأَنَّ تَعْلِيمَهُ وَتَعَلُّمَهُ مُطْلَقًا كُفْرٌ فَقَدْ عَلِمْتَ اتِّفَاقَ الْأَصْلِ وَابْنِ الشَّاطِّ عَلَى أَنَّهُ خِلَافُ الْقَوَاعِدِ وَيَنْبَنِي الْخِلَافُ الْمَذْكُورُ فِي السِّحْرِ عَلَى مَا حَكَاهُ فِي التَّبْصِرَةِ عَنْ ابْنِ الْغَرْسِ مِنْ قَوْلِهِ وَاخْتَلَفَ السَّلَفُ هَلْ يَجُوزُ أَنْ يُسْأَلَ السَّاحِرُ حَلَّ السِّحْرِ عَنْ الْمَسْحُورِ أَمْ لَا فَكَرِهَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ عَمَلُ سِحْرٍ وَقَالَ لَا يَعْمَلُ ذَلِكَ إلَّا سَاحِرٌ، وَلَا يَجُوزُ إتْيَانُ السَّاحِرِ لِمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ مَنْ أَتَى إلَى كَاهِنٍ أَوْ سَاحِرٍ فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم، وَأَجَازَهُ ابْنُ الْمُسَيِّبِ؛ لِأَنَّهُ رَآهُ نَوْعًا مِنْ الْعِلَاجِ فَيُخَصِّصُ بِذَلِكَ فِي قَوْلِهِ {يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ} [البقرة: 102] ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ وَأَمَّا مَا حَكَاهُ فِيهَا مِنْ قَوْلِ ابْنِ الْغَرْسِ وَانْظُرْ هَلْ يَجُوزُ السِّحْرُ فِي الْإِصْلَاحِ بَيْنَ نَفْسَيْنِ كَالْمَرْأَةِ تَبْغِي إصْلَاحَ زَوْجِهَا وَاسْتِئْلَافَهُ وَعَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ السِّحْرَ كُفْرٌ فَإِنَّمَا يُرَادُ مَا شَهِدَ الشَّرْعُ لَهُ بِأَنَّهُ كُفْرٌ اهـ. فَمَبْنِيٌّ عَلَى مَا أَيَّدَهُ الْأَصْلُ فَافْهَمْ.
2 -
(مَسْأَلَةٌ) قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي الطُّرَرِ لِابْنِ عَاتٍ قَالَ لَا يَجُوزُ الْجُعْلُ عَلَى حَلِّ الْمَرْبُوطِ وَالْمَسْحُورِ وَكَذَلِكَ لَا يَجُوزُ الْجُعْلُ عَلَى إخْرَاجِ الْجَانِّ مِنْ الرَّجُلِ؛ لِأَنَّهُ لَا تُعْرَفُ حَقِيقَتُهُ، وَلَا يُوقَفُ عَلَيْهِ، وَلَا يَنْبَغِي لِأَهْلِ الْوَرَعِ الدُّخُولُ فِيهِ وَنُسِبَ نَقْلُ ذَلِكَ إلَى الِاسْتِغْنَاءِ لِابْنِ عَبْدِ الْغَفُورِ. اهـ بِلَفْظِهِ.
ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ السِّحْرَ مِنْ جِهَةِ الْخِلَافِ
نَظِيرُهُ ضُمِنَ بِنِصْفِهَا مُنْفَرِدًا كَالْأُذُنِ وَالْيَدِ. الرَّابِعُ أَنَّهُ لَوْ صَحَّ الْقَوْلُ بِانْتِقَالِ النُّورِ الْبَاصِرِ لَمْ يَجِبْ عَلَى الْأَوَّلِ نِصْفُ الدِّيَةِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَذْهَبْ نِصْفُ الْمَنْفَعَةِ، وَالْجَوَابُ عَنْ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى الْعَيْنِ غَيْرِ الْعَوْرَاءِ لِأَنَّهُمَا عُمُومَانِ مُطْلَقَانِ فِي الْأَحْوَالِ فَيُقَيَّدَانِ بِمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ الْأَدِلَّةِ وَعَنْ الثَّالِثِ الْفَرْقُ بِانْتِقَالِ قُوَّةِ الْعَيْنِ الْأُولَى بِخِلَافِ الْأُذُنِ وَالْيَدِ، وَلَوْ انْتَقَلَ الْتَزَمْنَاهُ وَعَنْ الرَّابِعِ لَا يَلْزَمُ إطْرَاحُ الْأَوَّلِ إذْ لَوْ جَنَى عَلَيْهِمَا فَاحْوَلَّتَا أَوْ عَمَشَتَا أَوْ نَقَصَ ضَوْءُهَا فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْعَقْلُ لِمَا نَقَصَ، وَلَا تَنْقُصُ الدِّيَةُ عَمَّنْ جَنَى ثَانِيًا عَلَى قَوْلٍ عِنْدَنَا، وَهَذَا السُّوَالُ قَوِيٌّ عَلَيْنَا، وَكَانَ يَلْزَمُنَا أَنْ نَقْلَعَ بِعَيْنَيْهِ عَيْنَيْنِ اثْنَيْنِ مِنْ الْجَانِي.
(تَفْرِيعٌ) قَالَ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ فِي النَّوَادِرِ فِيهَا أَلْفٌ وَإِنْ أَخَذَ فِي الْأُولَى دِيَتَهَا قَالَهُ مَالِكٌ وَأَصْحَابُهُ، وَقَالَ أَشْهَبُ: يُسْأَلُ عَنْ السَّمْعِ فَإِنْ كَانَ يَنْتَقِلُ فَكَالْعَيْنَيْنِ، وَإِلَّا فَكَالْيَدِ، وَإِنْ أُصِيبَ مِنْ كُلِّ عَيْنٍ نِصْفُ بَصَرِهَا ثُمَّ أُصِيبَ بَاقِيهِمَا فِي ضَرْبَةٍ فَنِصْفُ الدِّيَةِ؛ لِأَنَّهُ يَنْظُرُ بِهِمَا نِصْفَ نَظَرِهِمَا فَإِنْ أُصِيبَ بَاقِي إحْدَاهُمَا فَرُبُعُ الدِّيَةِ فَإِنْ أُصِيبَ بَعْدَ ذَلِكَ بَقِيَّةُ الْأُخْرَى فَنِصْفُ الدِّيَةِ؛ لِأَنَّهُ أُقِيمَ مَقَامَ نِصْفِ جَمِيعِ بَصَرِهِ فَإِنْ أَخَذَ صَحِيحٌ نِصْفَ دِيَةِ أَحَدِهِمَا ثُمَّ أُصِيبَ بِنِصْفِ الصَّحِيحَةِ فَثُلُثُ الدِّيَةِ؛ لِأَنَّهُ أَذْهَبَ مِنْ جَمِيعِ بَقِيَّةِ بَصَرِهِ ثُلُثَهُ وَإِنْ أُصِيبَ بِبَقِيَّةِ الْمُصَابَةِ فَقَطْ فَرُبُعُ الدِّيَةِ فَإِنْ ذَهَبَ بَاقِيهَا وَالصَّحِيحَةُ بِضَرْبَةٍ فَالدِّيَةُ كَامِلَةٌ أَوْ الصَّحِيحَةُ وَحْدَهَا فَثُلُثَا الدِّيَةِ؛ لِأَنَّهَا ثُلُثَا بَصَرِهِ فَإِنْ أُصِيبَ بَقِيَّةُ الْمُصَابَةِ فَنِصْفُ الدِّيَةِ بِخِلَافِ لَوْ أُصِيبَتْ وَالصَّحِيحَةُ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
فِي أَنَّ لَهُ حَقِيقَةً، وَأَنَّهُ يَلْتَبِسُ بِالْمُعْجِزَةِ وَنَحْوِهَا مِنْ خَوَارِقِ الْعَادَاتِ وَأَنَّهُ يَلْتَبِسُ بِتِسْعِ حَقَائِقَ مِنْ عُلُومِ الشَّرْعِ الَّتِي جَمَعَهَا سَيِّدِي عَبْدُ اللَّهِ الْعَلَوِيُّ فِي نَظْمِهِ رُشْدِ الْغَافِلِ وَشَرْحِهَا وَهِيَ أَنْوَاعُهُ الْأَرْبَعَةُ الْمَذْكُورَةُ وَالْخَوَاصُّ الْمَنْسُوبَةُ لِلنُّفُوسِ وَالطَّلْسَمَاتِ وَالْأَوْفَاقِ وَالْعَزَائِمِ وَالِاسْتِخْدَامَات يَفْتَقِرُ إلَى تَوْضِيحِ جِهَاتِهِ الثَّلَاثِ الْمَذْكُورَةِ فِي ثَلَاثِ مَقَاصِدَ.
(الْمَقْصِدُ الْأَوَّلُ) الْقَدَرِيَّةُ عَلَى أَنَّ السِّحْرَ لَا حَقِيقَةَ لَهُ، وَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّ لَهُ حَقِيقَةً، وَاخْتُلِفَ فِيهِ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ مِنْ ثَلَاثِ جِهَاتٍ.
(الْجِهَةِ الْأُولَى) قَالَ الْأَصْلُ: اخْتَلَفَ الْأُصُولِيُّونَ فِي السِّحْرِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا يَكُونُ إلَّا رُقًى أَجْرَى اللَّهُ تَعَالَى عَادَتَهُ أَنْ يَخْلُقَ عِنْدَهَا افْتِرَاقَ الْمُتَحَابِّينَ اهـ.
يُرِيدُ وَقَالَ بَعْضُهُمْ الْآخَرُ إنَّهُ كَمَا يَكُونُ بِالرُّقَى الْمَذْكُورَةِ كَذَلِكَ يَكُونُ بِغَيْرِهَا وَيَنْبَنِي عَلَيْهِ مَا حَكَاهُ عَنْ الطُّرْطُوشِيِّ فِي تَعْلِيقِهِ مِنْ أَنَّهُ وَقَعَ فِي الْمَوَّازِيَّةِ إنْ قَطَعَ أُذُنًا ثُمَّ أَلْصَقَهَا أَوْ أَدْخَلَ السَّكَاكِينَ فِي بَطْنِهِ فَقَدْ يَكُونُ هَذَا سِحْرًا، وَقَدْ لَا يَكُونُ سِحْرًا اهـ. وَعَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي كَلَامُ الْأَصْلِ الْمُتَقَدِّمِ وَعَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ مَا مَرَّ عَنْ ابْنِ الْعَرَبِيِّ مِنْ أَنَّ حَقِيقَتَهُ أَنَّهُ كَلَامٌ إلَخْ إلَّا أَنَّهُ خَصَّهُ بِالرُّقَى الْمُكَفِّرَةِ فَافْهَمْ.
(الْجِهَةِ الثَّانِيَةِ) هَلْ يُؤَثِّرُ فِي الْمَسْحُورِ فَيَمُوتُ أَوْ يَتَغَيَّرُ طَبْعُهُ وَعَادَتُهُ، وَإِنْ لَمْ يُبَاشِرْهُ وَهُوَ مَذْهَبُنَا، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَابْنُ حَنْبَلٍ أَوْ يَجُوزُ أَنْ يُؤَثِّرَ إنْ وَصَلَ إلَى بَدَنِهِ كَالدُّخَانِ وَنَحْوِهِ، وَإِلَّا فَلَا وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ قَوْلَانِ.
(الْجِهَةِ الثَّالِثَةِ) هَلْ يَقَعُ فِيهِ مَا لَيْسَ مَقْدُورًا لِلْبَشَرِ كَأَنْ يَصِلَ إلَى إحْيَاءِ الْمَوْتَى، وَإِبْرَاءِ الْأَكْمَهِ وَفَلْقِ الْبَحْرِ، وَإِنْطَاقِ الْبَهَائِمِ وَقَلْبِ الْجَمَادِ حَيَوَانًا وَعَكْسِهِ كَمَا يَقَعُ فِيهِ مَا هُوَ مَقْدُورٌ لِلْبَشَرِ أَوْ لَا يَقَعُ فِيهِ إلَّا مَا هُوَ مَقْدُورٌ لِلْبَشَرِ قَوْلَانِ الثَّانِي لِجَمَاعَةٍ مِنْهُمْ الْقَاضِي قَالَ: وَلَا يَقَعُ فِيهِ إلَّا مَا هُوَ مَقْدُورٌ لِلْبَشَرِ، وَأَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَصِلُ إلَى إحْيَاءِ الْمَوْتَى، وَإِبْرَاءِ الْأَكْمَهِ وَفَلْقِ الْبَحْرِ، وَإِنْطَاقِ الْبَهَائِمِ، وَمِنْهُمْ الْأُسْتَاذُ أَبُو إِسْحَاقَ: قَالَ وَقَدْ يَقَعُ التَّغْيِيرُ بِهِ وَالضَّنِي، وَرُبَّمَا أَتْلَفَ، وَأَوْجَبَ الْحُبَّ وَالْبُغْضَ وَالْبَلَهَ وَفِيهِ أَدْوِيَةٌ مِثْلُ الْمَرَائِرِ وَالْأَكْبَادِ وَالْأَدْمِغَةِ فَهَذَا الَّذِي يَجُوزُ عَادَةً، وَأَمَّا طُلُوعُ الزَّرْعِ فِي الْحَالِ أَوْ نَقْلُ الْأَمْتِعَةِ وَالْقَتْلُ عَلَى الْفَوْرِ وَالْعَمَى وَالصَّمَمُ وَنَحْوُهُ وَعِلْمَ الْغَيْبِ فَمُمْتَنِعٌ، وَإِلَّا لَمْ يَأْمَنْ أَحَدٌ عَلَى نَفْسِهِ عِنْدَ الْعَدَاوَةِ وَقَدْ وَقَعَ الْقَتْلُ وَالْعِنَادُ مِنْ السَّحَرَةِ وَلَمْ يَبْلُغْ فِيهَا أَحَدٌ هَذَا الْمَبْلَغَ، وَقَدْ وَصَلَ الْقِبْطُ فِيهِ إلَى الْغَايَةِ، وَلَمْ يَتَمَكَّنْ سَحَرَةُ فِرْعَوْنَ مِنْ الدَّفْعِ عَنْ أَنْفُسِهِمْ وَالتَّغَيُّبِ وَالْهُرُوبِ عِنْدَ قَطْعِ فِرْعَوْنَ أَيْدِيَهُمْ وَأَرْجُلَهُمْ.
وَمِنْهُمْ الْعَلْقَمِيُّ قَالَ كَمَا فِي الْعَزِيزِيِّ عَلَى الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَالْحَقُّ أَنَّ لِبَعْضِ أَسْبَابِ السِّحْرِ تَأْثِيرًا فِي الْقُلُوبِ كَالْحُبِّ وَالْبُغْضِ وَفِي الْبَدَنِ بِالْأَلَمِ وَالسَّقَمِ، وَإِنَّمَا الْمُنْكَرُ أَنَّ الْجَمَادَ يَنْقَلِبُ حَيَوَانًا وَعَكْسَهُ بِسِحْرِ السَّاحِرِ وَنَحْوِ ذَلِكَ اهـ. وَحَكَى ابْنُ الْجُوَيْنِيِّ أَنَّ أَكْثَرَ عُلَمَائِنَا جَوَّزُوا أَنْ يَسْتَدِقَّ جِسْمُ السَّاحِرِ حَتَّى يَلِجَ فِي الْكَوَّةِ وَيَجْرِيَ عَلَى خَيْطٍ مُسْتَدَقٍّ وَيَطِيرَ فِي الْهَوَاءِ وَيَقْتُلَ غَيْرَهُ.
(وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ) أَيَّدَهُ الْإِمَامُ أَبُو الْقَاسِمِ بْنُ الشَّاطِّ بِأَنَّ جَمِيعَ مَا هُوَ مَقْدُورٌ لِلْبَشَرِ، وَمَا هُوَ غَيْرُ مَقْدُورٍ لَهُمْ مِنْ جُمْلَةِ أَفْعَالِ اللَّهِ تَعَالَى الْجَائِزَةِ عَقْلًا فَلَا غَرْوَ أَنْ يَنْتَهِيَ إلَى الْإِحْيَاءِ وَالْإِمَاتَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَكُونَ هُنَالِكَ مَانِعٌ سَمْعِيٌّ مِنْ وُقُوعِ بَعْضِ تِلْكَ الْجَائِزَاتِ. قَالَ: وَإِجْمَاعُ الْأُمَّةِ عَلَى أَنَّهُ لَا يَصِلُ إلَى إحْيَاءِ الْمَوْتَى، وَإِبْرَاءِ الْأَكْمَهِ وَفَلْقِ الْبَحْرِ وَإِنْطَاقِ الْبَهَائِمِ الَّذِي حَكَاهُ لَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ مُسْتَنَدُهُ إلَّا التَّوْقِيفُ، وَلَا أَعْرِفُ الْآنَ صِحَّةَ ذَلِكَ الْإِجْمَاعِ، وَلَا التَّوْقِيفَ الَّذِي اسْتَنَدَ إلَيْهِ ذَلِكَ الْإِجْمَاعُ اهـ.
وَقَالَ الْأَصْلُ: وَوُصُولُهُ إلَى الْقَتْلِ وَتَغْيِيرِ الْخَلْقِ وَنَقْلِ الْإِنْسَانِ إلَى صُورَةِ الْبَهَائِمِ هُوَ الصَّحِيحُ الْمَنْقُولُ عَنْهُمْ، وَقَدْ كَانَ الْقِبْطُ
بَاقِيَةٌ قَالَهُ أَشْهَبُ وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لَيْسَ فِيمَا يُصَابُ مِنْ الصَّحِيحَةِ إذَا بَقِيَ مِنْ الْأُولَى شَيْءٌ إلَّا مِنْ حِسَابِ نِصْفِ الدِّيَةِ.
(الْفَرْقُ الْخَمْسُونَ وَالْمِائَتَانِ بَيْنَ قَاعِدَةِ أَسْبَابِ التَّوَارُثِ وَأَجْزَاءِ أَسْبَابِهَا الْعَامَّةِ وَالْخَاصَّةِ) اعْلَمْ أَنَّ هَذَا الْفَرْقَ غَرِيبٌ عَجِيبٌ نَادِرٌ بِسَبَبِ أَنَّ كُتُبَ الْفَرَائِضِ عَلَى الْعُمُومِ فِيمَا رَأَيْت لَمْ يَخْتَلِفْ مِنْهُمْ اثْنَانِ فِي أَنَّ أَسْبَابَ التَّوَارُثِ ثَلَاثَةٌ نَسَبٌ وَوَلَاءٌ وَنِكَاحٌ، وَهُوَ فِي غَايَةِ الْإِشْكَالِ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالثَّلَاثَةِ إمَّا الْأَسْبَابُ التَّامَّةُ، وَإِمَّا أَجْزَاءُ الْأَسْبَابِ، وَالْكُلُّ غَيْرُ مُسْتَقِيمٍ، وَبَيَانُهُ أَنَّهُمْ يَجْعَلُونَ أَحَدَ الْأَسْبَابِ الْقَرَابَةَ، وَالْأُمُّ لَمْ تَرِثْ الثُّلُثَ فِي حَالَةٍ وَالسُّدُسَ فِي أُخْرَى بِمُطْلَقِ الْقَرَابَةِ، وَإِلَّا لَكَانَ ذَلِكَ ثَابِتًا لِلِابْنِ أَوْ الْبِنْتِ لِوُجُودِ مُطْلَقِ الْقَرَابَةِ فِيهِمَا
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
قَالَ (الْفَرْقُ الْخَمْسُونَ وَالْمِائَتَانِ بَيْنَ قَاعِدَةِ أَسْبَابِ التَّوَارُثِ وَأَجْزَاءِ أَسْبَابِهَا الْعَامَّةِ وَالْخَاصَّةِ) اعْلَمْ أَنَّ هَذَا الْفَرْقَ غَرِيبٌ عَجِيبٌ نَادِرٌ بِسَبَبِ أَنَّ كُتُبَ الْفَرَائِضِ عَلَى الْعُمُومِ فِيمَا رَأَيْت لَمْ يَخْتَلِفْ مِنْهُمْ اثْنَانِ فِي أَنَّ أَسْبَابَ التَّوَارُثِ ثَلَاثَةٌ نَسَبٌ وَوَلَاءٌ وَنِكَاحٌ، وَهُوَ فِي غَايَةِ الْإِشْكَالِ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالثَّلَاثَةِ إمَّا الْأَسْبَابُ التَّامَّةُ، أَوْ أَجْزَاءُ الْأَسْبَابِ وَالْكُلُّ غَيْرُ مُسْتَقِيمٍ، وَبَيَانُهُ أَنَّهُمْ يَجْعَلُونَ أَحَدَ الْأَسْبَابِ الْقَرَابَةَ، وَالْأُمُّ لَمْ تَرِثْ الثُّلُثَ فِي حَالَةٍ، وَالسُّدُسَ فِي أُخْرَى بِمُطْلَقِ الْقَرَابَةِ، وَإِلَّا لَكَانَ ذَلِكَ ثَابِتًا لِلِابْنِ أَوْ الْبِنْتِ لِوُجُودِ مُطْلَقِ الْقَرَابَةِ فِيهِمَا قُلْت: هَذَا الْفَرْقُ لَيْسَ بِغَرِيبٍ، وَلَا عَجِيبٍ
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
فِي أَيَّامِ مَلِكَةِ مِصْرَ بَعْدَ فِرْعَوْنَ الْمُسَمَّاةِ بِدَلُوكَا وَضَعُوا السِّحْرَ فِي الْبَرَايَا، وَصَوَّرُوا فِيهِ عَسَاكِرَ الدُّنْيَا فَأَيُّ عَسْكَرٍ قَصَدَهُمْ، وَأَيُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ مِنْ قَلْعِ الْأَعْيُنِ أَوْ ضَرْبِ الرِّقَابِ تَخَيَّلَ ذَلِكَ الْجَيْشُ أَوْ رِجَالُهُ أَنَّهُ وَقَعَ بِذَلِكَ الْعَسْكَرِ فِي مَوْضِعِهِ فَتُحَاشِيهِمْ الْعَسَاكِرُ فَأَقَامُوا سِتَّمِائَةِ سَنَةً، وَالنِّسَاءُ هُنَّ الْمُلُوكُ وَالْأُمَرَاءُ بِمِصْرَ بَعْدَ غَرَقِ فِرْعَوْنَ وَجُيُوشِهِ كَمَا حَكَاهُ الْمُؤَرِّخُونَ.
وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ سَحَرَةِ فِرْعَوْنَ فَمِنْ وُجُوهٍ. (الْأَوَّلِ) أَنَّهُمْ تَابُوا فَمَنَعَتْهُمْ التَّوْبَةُ وَالْإِسْلَامُ الْعَوْدَةَ إلَى مُعَاوَدَةِ الْكُفْرِ الَّذِي تَكُونُ بِهِ تِلْكَ الْآثَارُ وَرَغِبُوا فِيمَا عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى وَلِذَلِكَ قَالُوا {لا ضَيْرَ إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنْقَلِبُونَ} [الشعراء: 50] .
(الثَّانِي) أَنَّهُ يَجُوزُ أَنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا مِمَّنْ وَصَلُوا لِذَلِكَ، وَإِنَّمَا قَصَدَ مَنْ يَقْدِرُ مِنْ السَّحَرَةِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ عَلَى قَلْبِ الْعَصَا حَيَّةً لِأَجْلِ مُوسَى عليه السلام.
(الثَّالِثِ) أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فِرْعَوْنُ قَدْ عَلَّمَهُ بَعْضُ السَّحَرَةِ حُجُبًا وَمَوَانِعَ يُبْطِلُ بِهَا سِحْرَ السَّحَرَةِ اعْتِنَاءً بِهِ وَالْحُجُبُ وَالْمُبْطِلَاتُ فِيهِ مُشْتَهِرَةٌ عِنْدَ أَهْلِهِ قَالَ وَدَلِيلُ أَنَّ لِلسِّحْرِ حَقِيقَةً الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ الْإِجْمَاعُ أَمَّا الْكِتَابُ فَقَوْلُهُ تَعَالَى {يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ} [البقرة: 102] ، وَمَا لَا حَقِيقَةَ لَهُ لَا يُعَلَّمُ، وَلَا يَلْزَمُ صُدُورُ الْكُفْرِ عَنْ الْمَلَائِكَةِ؛ لِأَنَّهُ قُرِئَ الْمَلِكَيْنِ بِكَسْرِ اللَّامِ أَوْ هُمَا مَلَكَانِ، وَأَذِنَ لَهُمَا فِي تَعْلِيمِ النَّاسِ السِّحْرَ لِلْفَرْقِ بَيْنَ الْمُعْجِزَةِ وَالسِّحْرِ؛ لِأَنَّ مَصْلَحَةَ الْخَلْقِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ كَانَتْ تَقْتَضِي ذَلِكَ ثُمَّ صَعِدَا إلَى السَّمَاءِ، وَقَوْلُهُمَا {فَلا تَكْفُرْ} [البقرة: 102] أَيْ لَا تَسْتَعْمِلْهُ عَلَى وَجْهِ الْكُفْرِ كَمَا يُقَالُ خُذْ الْمَالَ، وَلَا تَفْسُقْ بِهِ أَوْ يَكُونُ مَعْنَى قَوْلِهِ عز وجل {يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ} [البقرة: 102] أَيْ مَا يَصْلُحُ لِلْأَمْرَيْنِ.
وَأَمَّا السُّنَّةُ فَفِي الصَّحِيحَيْنِ «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم سُحِرَ فَكَانَ يُخَيَّلُ إلَيْهِ أَنَّهُ يَأْتِي النِّسَاءَ، وَلَا يَأْتِيهِنَّ» الْحَدِيثَ وَقَدْ سَحَرَتْ عَائِشَةَ رضي الله عنها جَارِيَةٌ اشْتَرَتْهَا وَفِي الْمُوَطَّإِ أَنَّ جَارِيَةً لِحَفْصَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم سَحَرَتْهَا وَقَدْ كَانَتْ دَبَّرَتْهَا فَأَمَرَتْ بِهَا فَقُتِلَتْ كَمَا فِي التَّبْصِرَةِ وَأَمَّا الْإِجْمَاعُ فَقَدْ كَانَ السِّحْرُ وَخَبَرُهُ مَعْلُومًا لِلصَّحَابَةِ - رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ - وَكَانُوا مُجْمِعِينَ عَلَيْهِ قَبْلَ ظُهُورِ الْقَدَرِيَّةِ؛ وَلِأَنَّ اللَّهَ عز وجل قَادِرٌ عَلَى خَلْقِ مَا يَشَاءُ عَقِبَ كَلَامٍ مَخْصُوصٍ أَوْ أَدْوِيَةٍ مَخْصُوصَةٍ.
وَأَمَّا الْوَجْهَانِ اللَّذَانِ احْتَجُّوا بِهِمَا. (فَالْأَوَّلُ) قَوْله تَعَالَى يُخَيَّلُ إلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى فَهُوَ تَخَيُّلٌ لَا حَقِيقَةَ لَهُ وَجَوَابُهُ أَنَّهُ حُجَّةٌ لَنَا؛ لِأَنَّهُ تَعَالَى أَثْبَتَ السِّحْرَ، وَإِنَّمَا لَمْ يَنْهَضْ بِالْخَيَالِ إلَى السَّعْيِ وَنَحْنُ لَا نَدَّعِي أَنَّ كُلَّ سِحْرٍ يَنْهَضُ إلَى كُلِّ الْمَقَاصِدِ.
(وَالثَّانِي) أَنَّهُ لَوْ كَانَتْ لَهُ حَقِيقَةٌ لَأَمْكَنَ السَّاحِرُ أَنْ يَدَّعِيَ بِهِ النُّبُوَّةَ فَإِنَّهُ يَأْتِي بِالْخَوَارِقِ عَلَى اخْتِلَافِهَا، وَجَوَابُهُ أَنَّ إضْلَالَ اللَّهِ تَعَالَى لِلْخَلْقِ مُمْكِنٌ لَكِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَجْرَى عَادَتَهُ بِضَبْطِ مَصَالِحِهِمْ فَمَا يَسَّرَ ذَلِكَ عَلَى السَّاحِرِ وَكَمْ مِنْ مُمْكِنٍ يَمْنَعُهُ اللَّهُ عز وجل عَنْ الدُّخُولِ فِي الْعَالَمِ؛ لِأَنْوَاعٍ مِنْ الْحِكَمِ مَعَ أَنَّنَا سَنُبَيِّنُ بَعْدُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى الْفَرْقَ بَيْنَ السِّحْرِ وَالْمُعْجِزَاتِ مِنْ وُجُوهٍ فَلَا يَحْصُلُ اللَّبْسُ وَالضَّلَالُ. اهـ بِزِيَادَةٍ مَا.
الْمَقْصِدُ الثَّانِي) السِّحْرُ عَلَى الْجُمْلَةِ نَوْعَانِ الْأَوَّلُ مَا هُوَ غَيْرُ خَارِقٍ لِلْعَوَائِدِ وَالثَّانِي مَا هُوَ خَارِقٌ لِلْعَوَائِدِ قَالَهُ ابْنُ الشَّاطِّ وَالنَّوْعُ الثَّانِي هُوَ مَا عَرَّفَهُ الْمُنَاوِيُّ عَلَى الْجَامِعِ الصَّغِيرِ بِقَوْلِهِ هُوَ مُزَاوَلَةُ النَّفْسِ الْخَبِيثَةِ لِأَقْوَالٍ وَأَفْعَالٍ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا أُمُورٌ خَارِقَةٌ اهـ.
وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ مُزَاوَلَةُ النَّفْسِ الْخَبِيثَةِ إلَى مَا قَالَهُ الْإِمَامُ فَخْرُ الدِّينِ بْنُ الْخَطِيبِ فِي كِتَابِهِ الْمُلَخَّصِ السِّحْر وَالْعَيْنِ لَا يَكُونَانِ مِنْ فَاضِلٍ، وَلَا يَقَعَانِ وَلَا يَصِحَّانِ مِنْهُ أَبَدًا؛ لِأَنَّ مِنْ شَرْطِ السِّحْرِ الْجَزْمَ بِصُدُورِ الْأَثَرِ وَكَذَلِكَ أَكْثَرُ الْأَعْمَالِ مِنْ شَرْطِهَا الْجَزْمُ وَالْفَاضِلُ الْمُتَبَحِّرُ فِي الْعُلُومِ يَرَى وُقُوعَ ذَلِكَ مِنْ الْمُمْكِنَاتِ الَّتِي يَجُوزُ أَنْ تُوجَدَ، وَأَنْ لَا تُوجَدَ فَلَا يَصِحُّ لِفَاضِلٍ أَصْلًا
بَلْ بِخُصُوصِ كَوْنِهَا أُمًّا مَعَ مُطْلَقِ الْقَرَابَةِ، وَكَذَلِكَ الْبِنْتُ تَرِثُ النِّصْفَ لَيْسَ بِمُطْلَقِ الْقَرَابَةِ، وَإِلَّا لَثَبَتَ ذَلِكَ لِلْجَدِّ أَوْ الْأُخْتِ لِلْأُمِّ بَلْ لِخُصُوصِ كَوْنِهَا بِنْتًا مَعَ مُطْلَقِ الْقَرَابَةِ فَحِينَئِذٍ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْوَرَثَةِ سَبَبٌ تَامٌّ يَخُصُّهُ مُرَكَّبٌ مِنْ جُزْأَيْنِ مِنْ خُصُوصِ كَوْنِهَا بِنْتًا أَوْ غَيْرَهُ وَعُمُومُ الْقَرَابَةِ وَكَذَلِكَ لِلزَّوْجِ النِّصْفُ لَيْسَ لِمُطْلَقِ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
كَمَا زَعَمَ وَمَا تَوَهَّمَهُ مِنْ الْإِشْكَالِ فِي كَلَامِ الْفَرْضِيِّينَ لَيْسَ كَمَا تَوَهَّمَ وَبَيَانُ ذَلِكَ أَنَّهُمْ بَيْنَ أَمْرَيْنِ أَحَدُهُمَا تَعْبِيرُهُمْ عَنْ تِلْكَ الْأَسْبَابِ بِلَفْظِ التَّنْكِيرِ، وَثَانِيهِمَا: التَّعْبِيرُ عَنْهَا بِلَفْظِ التَّعْرِيفِ فَمَنْ عَبَّرَ مِنْهُمْ بِلَفْظِ التَّنْكِيرِ لَمْ يُرِدْ كُلَّ نَسَبٍ، وَلَا كُلَّ نِكَاحٍ، وَلَا كُلَّ وَلَاءٍ بَلْ أَرَادَ نَسَبًا خَاصًّا وَوَلَاءً خَاصًّا وَنِكَاحًا خَاصًّا، وَلَا نُكْرَ فِي التَّعْبِيرِ بِلَفْظِ النَّكِرَةِ عَنْ مَخْصُوصٍ، فَإِنَّ اللَّفْظَ عَلَيْهِ صَادِقٌ وَلَهُ صَالِحٌ، وَمَنْ عَبَّرَ مِنْهُمْ بِلَفْظِ التَّعْرِيفِ لَمْ يُرِدْ أَيْضًا كُلَّ نَسَبٍ، وَلَا كُلَّ نِكَاحٍ، وَلَا كُلَّ وَلَاءٍ بَلْ أَرَادَ مَا أَرَادَهُ الْأَوَّلُ، وَأَحَالَ الْأَوَّلَ فِي تَقْيِيدِ ذَلِكَ الْمُطْلَقِ عَلَى تَعْيِينِ أَصْنَافِ الْوَارِثِينَ وَالْوَارِثَاتِ، وَأَحَالَ الثَّانِيَ فِي بَيَانِ الْمَعْهُودِ بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ عَلَى مَا أَحَالَهُ عَلَيْهِ الْأَوَّلُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
قَالَ (بَلْ بِخُصُوصِ كَوْنِهَا أُمًّا مَعَ مُطْلَقِ الْقَرَابَةِ، وَكَذَلِكَ الْبِنْتُ تَرِثُ النِّصْفَ لَيْسَ بِمُطْلَقِ الْقَرَابَةِ، وَإِلَّا لَثَبَتَ ذَلِكَ لِلْجَدِّ أَوْ لِلْأُخْتِ لِلْأُمِّ بَلْ لِخُصُوصِ كَوْنِهَا بِنْتًا مَعَ مُطْلَقِ الْقَرَابَةِ فَحِينَئِذٍ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْوَرَثَةِ سَبَبٌ تَامٌّ يَخُصُّهُ مُرَكَّبٌ مِنْ جُزْأَيْنِ مِنْ خُصُوصِ كَوْنِهَا بِنْتًا أَوْ غَيْرَهُ، وَعُمُومِ الْقَرَابَةِ، وَكَذَلِكَ لِلزَّوْجِ النِّصْفُ لَيْسَ لِمُطْلَقِ
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
وَأَمَّا الْعَيْنُ فَلَا بُدَّ فِيهَا مِنْ فَرْطِ التَّعْظِيمِ لِلْمَرْئِيِّ، وَالنَّفْسُ الْفَاضِلَةُ لَا تَصِلُ فِي تَعْظِيمِ مَا تَرَاهُ إلَى هَذِهِ الْغَايَةِ فَلِذَلِكَ لَا يَصِحُّ السِّحْرُ إلَّا مِنْ الْعَجَائِزِ وَالتُّرْكُمَانِ أَوْ السُّودَانِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ النُّفُوسِ الْجَاهِلَةِ. اهـ. لَكِنْ قَالَ ابْنُ الشَّاطِّ وَمَا قَالَهُ الْفَخْرُ يَتَوَقَّفُ عَلَى الِاخْتِبَارِ وَالتَّجْرِبَةِ، وَلَا نَعْلَمُ صِحَّةَ ذَلِكَ مِنْ سَقَمِهِ، قَالَ وَقَوْلُ الشِّهَابِ فِي الْفَرْقِ الْوَاقِعِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ بَيْنَ الْمُعْجِزَاتِ فِي النُّبُوَّاتِ وَبَيْنَ السِّحْرِ وَأَنْوَاعِهِ وَالطَّلْسَمَاتِ وَغَيْرِهَا مِنْ الْحَقَائِقِ وَنَحْوِهَا أَنَّ الْمُعْجِزَةَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي الْعَالَمِ عِنْدَ تَحَدِّي الْأَنْبِيَاءِ بِلَا سَبَبٍ فِي الْعَادَةِ أَصْلًا كَفَلْقِ الْبَحْرِ وَسَيْرِ الْجِبَالِ فِي الْهَوَاءِ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَجْعَلْ فِي الْعَالَمِ عَقَارًا يَفْلِقُ الْبَحْرَ أَوْ يُسَيِّرُ الْجِبَالَ فِي الْهَوَاءِ وَنَحْوِ ذَلِكَ.
وَأَمَّا السِّحْرُ، وَأَنْوَاعُهُ وَالطَّلْسَمَاتُ وَنَحْوُهَا فَهِيَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي الْعَالَمِ بِأَسْبَابٍ فِي الْعَادَةِ تَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا غَيْرَ أَنَّ تِلْكَ الْأَسْبَابَ لَمْ تَحْصُلْ لِكَثِيرٍ مِنْ النَّاسِ بَلْ لِقَلِيلٍ مِنْهُمْ فَهِيَ كَالْعَقَاقِيرِ الَّتِي تُعْمَلُ مِنْهَا الْكِيمْيَاءُ أَيْ نَقْلُ الشَّيْءِ مِنْ حَالَةٍ إلَى حَالَةٍ أَعْلَى مِنْهَا كَتَصْيِيرِ النُّحَاسِ ذَهَبًا أَوْ فِضَّةً إلَّا أَنَّهُمَا دُونَ الْخِلْقَةِ الْأَصْلِيَّةِ نَعَمْ مَا كَانَ فِيهِ الْكِبْرِيتُ الْأَحْمَرُ يَكُونُ ذَهَبُهُ وَفِضَّتُهُ جَيِّدًا كَالْخِلْقَةِ، وَقَدْ رُئِيَ الْكِبْرِيتُ الْأَحْمَرُ فِي تَرِكَةِ أَيْرَمَ أَبِي زَيْدٍ الْقَيْرَوَانِيِّ وَتَرِكَةِ أَبِي عِمْرَانَ الْفَاسِيِّ وَاسْتَدَلَّ بِذَلِكَ عَلَى جَوَازِ عَمَلِ الْكِيمْيَاءِ إذَا كَانَ الْمَعْمُولُ بِهَا لَا يَتَبَدَّلُ، وَلَا يَتَغَيَّرُ كَمَا فِي شَرْحِ رُشْدِ الْغَافِلِ لِلْعَلَوِيِّ، وَالْحَشَائِشُ الَّتِي يُعْمَلُ مِنْهَا النِّفْطُ الَّذِي يَحْرِقُ الْحُصُونَ وَالصُّخُورَ، وَالدُّهْنُ الَّذِي مَنْ ادَّهَنَ بِهِ لَمْ يَقْطَعْ فِيهِ حَدِيدٌ وَكَالسَّمَنْدَلِ الْحَيَوَانُ الَّذِي لَا تَعْدُو عَلَيْهِ النَّارُ، وَلَا يَأْوِي إلَّا فِيهَا، وَنَحْوُ ذَلِكَ مِنْ الْأُمُورِ الْغَرِيبَةِ قَلِيلَةُ الْوُقُوعِ فِي الْعَالَمِ، وَإِذَا وُجِدَتْ أَسْبَابُهَا وُجِدَتْ عَلَى الْعَادَةِ فِيهَا فَلَيْسَ فِيهَا شَيْءٌ خَارِقٌ لِلْعَادَةِ بَلْ هِيَ عَادَةٌ جَرَتْ مِنْ اللَّهِ بِتَرْتِيبِ مُسَبَّبَاتِهَا عَلَى أَسْبَابِهَا. اهـ. مَعَ زِيَادَةٍ إنْ كَانَ يُرِيدُ أَنَّ جَمِيعَ مَا يَحْدُثُ عَنْ السِّحْرِ فَهُوَ مُعْتَادٌ، وَلَيْسَ فِيهِ مَا هُوَ خَارِقٌ فَلَيْسَ ذَلِكَ بِصَحِيحٍ فَإِنَّ أَكْثَرَ الْأَشْعَرِيَّةِ أَوْ جَمِيعَهُمْ يُجَوِّزُونَ خَرْقَ الْعَادَةِ عَلَى يَدِ السَّاحِرِ إلَّا أَنْ يَقُولَ بِالْجَوَازِ وَعَدَمِ الْوُقُوعِ فَلَا أَدْرِي مَنْ يَعْلَمُ ذَلِكَ اهـ.
قُلْتُ: وَهَذَا الْخِلَافُ بَيْنَ الْأَصْلِ وَابْنِ الشَّاطِّ فِي أَنَّهُ هَلْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِنْهُ خَارِقٌ أَوْ لَا بَلْ جَمِيعُ مَا يَحْدُثُ عَنْهُ مُعْتَادٌ مَبْنِيٌّ عَلَى الْخِلَافِ الْمَارِّ فِي أَنَّهُ هَلْ يَقَعُ فِيهِ مَا لَيْسَ مَقْدُورًا لِلْبَشَرِ كَالْمَقْدُورِ لَهُمْ أَوْ لَا يَقَعُ فِيهِ إلَّا مَا هُوَ مَقْدُورٌ لَهُمْ وَعَلَى مَا لِابْنِ الشَّاطِّ فَلَا يَصْلُحُ فَارِقًا مَا ذُكِرَ عَنْهُ أَنَّهُ فَرْقٌ وَاقِعٌ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ بَلْ يَتَعَيَّنُ الْفَرْقَانِ الْبَاقِيَانِ فِي كَلَامِهِ اللَّذَانِ قَالَ أَنَّهُمَا بِاعْتِبَارِ الظَّاهِرِ لَكِنْ لَا كَمَا قَالَ بَلْ بِاعْتِبَارِ نَفْسِ الْأَمْرِ.
(الْفَرْقُ الْأَوَّلُ) أَنَّ السِّحْرَ، وَمَا يَجْرِي مَجْرَاهُ يَخْتَصُّ بِمَنْ عُمِلَ لَهُ حَتَّى أَنَّ أَهْلَ هَذِهِ الْحِرَفِ إذَا اسْتَدْعَاهُمْ الْمُلُوكُ وَالْأَكَابِرُ لِيُبَيِّنُوا لَهُمْ هَذِهِ الْأُمُورَ عَلَى سَبِيلِ التَّفَرُّجِ يَطْلُبُونَ مِنْهُمْ أَنْ تُكْتَبَ أَسْمَاءُ كُلِّ مَنْ يَحْضُرُ ذَلِكَ الْمَجْلِسَ فَيَصْنَعُونَ صُنْعَهُمْ لِمَنْ يُسَمَّى لَهُمْ فَإِنْ حَضَرَ غَيْرُهُمْ لَا يَرَى شَيْئًا مِمَّا رَآهُ الَّذِينَ سُمُّوا أَوَّلًا بِخِلَافِ الْمُعْجِزَةِ فَإِنَّهَا تَظْهَرُ لِمَنْ عُمِلَتْ لَهُ وَلِغَيْرِهِ قَالَ الْعُلَمَاءُ وَإِلَيْهِ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَاءُ لِلنَّاظِرِينَ} [الأعراف: 108] أَيْ كُلِّ نَاظِرٍ يَنْظُرُ إلَيْهَا عَلَى الْإِطْلَاقِ اهـ.
قَالَ ابْنُ الشَّاطِّ: وَإِنَّمَا يَظْهَرُ ذَلِكَ لِمَنْ جَرَّبَهُ وَتَكَرَّرَتْ مِنْهُ التَّجْرِبَةُ وَقَلَّ مَنْ يُجَرِّبُهُ اهـ. (وَالْفَرْقُ الثَّانِي) أَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ قَرَائِنِ الْأَحْوَالِ الْمُفِيدَةِ لِلْعِلْمِ الْقَطْعِيِّ الضَّرُورِيِّ الْمُحْتَفَّةِ بِالْأَنْبِيَاءِ عليهم السلام مَفْقُودَةٌ فِي حَقِّ غَيْرِهِمْ فَتَجِدُ النَّبِيَّ عليه الصلاة والسلام أَفْضَلَ النَّاسِ نَشْأَةً، وَمَوْلِدًا، وَمَزِيَّةً وَخَلْقًا وَخُلُقًا وَصِدْقًا
النِّكَاحِ، وَإِلَّا لَكَانَ لِلزَّوْجَةِ النِّصْفُ لِوُجُودِ مُطْلَقِ النِّكَاحِ فِيهَا بَلْ لِخُصُوصِ كَوْنِهِ زَوْجًا مَعَ عُمُومِ النِّكَاحِ كَمَا تَقَدَّمَ فَسَبَبُهُ مُرَكَّبٌ، وَكَذَلِكَ الزَّوْجَةُ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
النِّكَاحِ، وَإِلَّا لَكَانَ لِلزَّوْجَةِ النِّصْفُ لِوُجُودِ مُطْلَقِ النِّكَاحِ فِيهَا بَلْ لِخُصُوصِ كَوْنِهِ زَوْجًا مَعَ عُمُومِ النِّكَاحِ كَمَا تَقَدَّمَ فَسَبَبُهُ مُرَكَّبٌ، وَكَذَلِكَ الزَّوْجَةُ) قُلْت: إذَا كَانَ سَبَبُ الْإِرْثِ الْخَاصُّ الْوَصْفَ الْخَاصَّ فَلَا مَعْنَى لِذِكْرِ الْوَصْفِ الْعَامِّ مَعَهُ فَقَوْلُهُ: مَعَ مُطْلَقِ الْقَرَابَةِ لَا حَاجَةَ إلَيْهِ فَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ الْوَصْفَ الْعَامَّ صَادِقٌ عَلَى الْخَاصِّ لَكِنَّهُ لَيْسَ الْعَامُّ سَبَبًا مِنْ حَيْثُ عُمُومُهُ بَلْ مِنْ حَيْثُ اشْتَمَلَ عَلَى الْخَاصِّ، وَالْخَاصُّ سَبَبٌ، فَإِذَا قَالَ قَائِلٌ: مَا سَبَبُ وِرَاثَةِ الْبِنْتِ النِّصْفَ قِيلَ: كَوْنُهَا بِنْتًا، وَهُوَ جَوَابٌ مُسْتَقِيمٌ صَادِقٌ، وَإِنْ قِيلَ: كَوْنُهَا قَرِيبَةً لَمْ يَكُنْ جَوَابًا مُسْتَقِيمًا، وَلَا صَحِيحًا وَإِذَا قِيلَ: مَا سَبَبُ وِرَاثَةِ الْبِنْتِ فَقِيلَ كَوْنُهَا بِنْتًا كَانَ جَوَابًا مُسْتَقِيمًا وَصَحِيحًا أَيْضًا، وَإِنْ قِيلَ: كَوْنُهَا قَرِيبَةً لَمْ يَصِحَّ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْقَرَابَةَ لَيْسَتْ مُخْتَصَّةً بِالْبِنْتِ فَالصَّحِيحُ أَنَّ سَبَبَ مِيرَاثِ الْبِنْتِ النِّصْفَ كَوْنُهَا بِنْتًا عَلَى الْخُصُوصِ، وَكَذَلِكَ سَبَبُ مِيرَاثِ كُلِّ صِنْفٍ مِنْ أَصْنَافِ الْوَارِثِينَ وَالْوَارِثَاتِ أَسْبَابُ مِيرَاثِهِمْ خَاصَّةٌ لَا عَامَّةٌ، وَمَا قَالَهُ مِنْ أَنَّ السَّبَبَ مَرْكَبٌ لَا مَعْنَى لَهُ عِنْدَ النَّظَرِ إلَى خُصُوصِ الْمِيرَاثِ كَالنِّصْفِ وَشِبْهِهِ، وَلَا عِنْدَ النَّظَرِ إلَى عُمُومِ الْمِيرَاثِ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ الْعُمُومَ مُطْلَقَ الْقَرَابَةِ، وَلَيْسَ مُطْلَقُ الْقَرَابَةِ سَبَبًا لِمُطْلَقِ الْمِيرَاثِ عِنْدَنَا نَعَمْ هُوَ سَبَبٌ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
وَأَدَبًا، وَأَمَانَةً وَزَهَادَةً وَإِشْفَاقًا وَرِفْقًا وَبُعْدًا عَنْ الدَّنَاءَاتِ وَالْكَذِبِ وَالتَّمْوِيهِ {اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ} [الأنعام: 124] ثُمَّ أَصْحَابُهُ يَكُونُونَ فِي غَايَةِ الْعِلْمِ وَالنُّورِ وَالْبَرَكَةِ وَالتَّقْوَى وَالدِّيَانَةِ أَلَا تَرَى أَنَّ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ كَانُوا بِحَارًا فِي الْعُلُومِ عَلَى اخْتِلَافِ أَنْوَاعِهَا مِنْ الشَّرْعِيَّاتِ وَالْعَقْلِيَّاتِ وَالْحِسَابِيَّاتِ وَالسِّيَاسِيَّاتِ وَالْعُلُومِ الْبَاطِنَةِ وَالظَّاهِرَةِ حَتَّى يُرْوَى أَنَّ عَلِيًّا رضي الله عنه جَلَسَ عِنْدَ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما يَتَكَلَّمُ فِي الْبَاءِ مِنْ بِسْمِ اللَّهِ مِنْ الْعِشَاءِ إلَى أَنَّ طَلَعَ الْفَجْرُ مَعَ أَنَّهُمْ لَمْ يَدْرُسُوا وَرَقَةً، وَلَا قَرَءُوا كِتَابًا، وَلَا تَفَرَّغُوا مِنْ الْجِهَادِ وَقَتْلِ الْأَعْدَاءِ، وَإِنَّمَا كَانُوا عَلَى هَذِهِ الْحَالَةِ بِبَرَكَتِهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى قَالَ بَعْضُ الْأُصُولِيِّينَ لَوْ لَمْ يَكُنْ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مُعْجِزَةٌ إلَّا أَصْحَابُهُ لَكَفَوْهُ فِي إثْبَاتِ نُبُوَّتِهِ.
وَكَذَلِكَ مَا عُلِمَ مِنْ فَرْطِ صِدْقِهِ الَّذِي جَزَمَ بِهِ أَوْلِيَاؤُهُ وَأَعْدَاؤُهُ وَكَانَ يُسَمَّى فِي صِغَرِهِ الْأَمِينَ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا هُوَ مَبْسُوطٌ فِي مَوْضِعِهِ فَمَا مِنْ نَبِيٍّ إلَّا وَلَهُ مِنْ هَذِهِ الْقَرَائِنِ الْحَالِيَّةِ وَالْمَقَالِيَّةِ الْعَجَائِبُ وَالْغَرَائِبُ بِحَيْثُ إنَّ مَنْ وَقَفَ عَلَيْهَا وَعَرَفَهَا مِنْ صَاحِبِهَا جَزَمَ بِصِدْقِهِ فِيمَا يَدَّعِيهِ جَزْمًا قَاطِعًا وَجَزَمَ أَنَّ هَذِهِ الدَّعْوَى حَقٌّ وَلِذَلِكَ «لَمَّا أَخْبَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَبَا بَكْرٍ بِنُبُوَّتِهِ قَالَ لَهُ الصِّدِّيقُ صَدَقْتَ» مِنْ غَيْرِ احْتِيَاجٍ إلَى مُعْجِزَةٍ خَارِقَةٍ فَنَزَلَ فِيهِمَا قَوْله تَعَالَى {وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ} [الزمر: 33] أَيْ مُحَمَّدٌ جَاءَ بِالصِّدْقِ، وَأَبُو بَكْرٍ صَدَّقَ بِهِ. وَأَمَّا السَّاحِرُ فَعَلَى الْعَكْسِ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ فَلَا تَجِدُهُ فِي مَوْضِعٍ إلَّا مَمْقُوتًا حَقِيرًا بَيْنَ النَّاسِ، وَلَا نَجِدُ أَصْحَابَهُ، وَأَتْبَاعَهُ، وَأَتْبَاعَ كُلِّ مُبْطِلٍ إلَّا عَدِيمِينَ الطَّلَاوَةِ لَا بَهْجَةَ عَلَيْهِمْ بِحَيْثُ تَنْفِرُ النُّفُوسُ مِنْهُمْ، وَلَا فِيهِمْ مِنْ نَوَافِلِ الْخَيْرِ وَالسَّعَادَةِ أَثَرٌ اهـ.
قَالَ ابْنُ الشَّاطِّ: وَمَا قَالَهُ فِي هَذَا الْفَرْقِ صَحِيحٌ وَهُوَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْوَلِيِّ وَالسَّاحِرِ فَكَمَا أَنَّ الِاتِّصَافَ بِالصِّفَاتِ الْمَحْمُودَةِ دُونَ الْمَذْمُومَةِ فَرْقٌ بَيْنَ النَّبِيِّ وَالسَّاحِرِ كَذَلِكَ هُوَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْوَلِيِّ وَبَيْنَهُ ثُمَّ الْفَرْقُ بَيْنَ النَّبِيِّ وَالْوَلِيِّ بِالتَّحَدِّي مَبْنِيٌّ عَلَى مَذْهَبِ مَنْ يَمْنَعُ تَحَدِّيَ الْوَلِيِّ بِالْوِلَايَةِ، وَأَمَّا عَلَى مَذْهَبِ مَنْ يُجِيزُ تَحَدِّيَ الْوَلِيِّ بِالْوِلَايَةِ فَيُفَرَّقُ النَّبِيُّ مِنْ الْوَلِيِّ بِالتَّحَدِّي بِالنُّبُوَّةِ اهـ.
وَقَالَ الْعَلْقَمِيُّ كَمَا فِي الْعَزِيزِيِّ عَلَى الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَالْفَرْقُ أَنَّ السِّحْرَ يَكُونُ بِمُعَانَاةِ أَقْوَالٍ وَأَفْعَالٍ حَتَّى يَتِمَّ لِلسَّاحِرِ مَا يُرِيدُ، وَالْكَرَامَةُ لَا تَحْتَاجُ لِذَلِكَ بَلْ إنَّمَا تَقَعُ غَالِبًا اتِّفَاقًا، وَأَمَّا الْمُعْجِزَةُ فَتَمْتَازُ عَنْ الْكَرَامَةِ بِالتَّحَدِّي أَيْ دَعْوَى الرِّسَالَةِ اهـ، وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.
2 -
(الْمَقْصِدُ الثَّالِثُ) السِّحْرُ لَمَّا كَانَ اسْمَ جِنْسٍ عِبَارَةٌ عَنْ اعْتِقَادٍ وَلَا يَكُونُ إلَّا كُفْرًا، أَوْ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ وَيَكُونَانِ تَارَةً كُفْرًا وَتَارَةً غَيْرَ كُفْرٍ وَعَمَّا هُوَ خَارِقٌ لِلْعَوَائِدِ وَغَيْرُ خَارِقٍ كَمَا عُلِمَ مِمَّا تَقَدَّمَ عَنْ الْأَصْلِ وَابْنِ الشَّاطِّ وَكَانَتْ أَنْوَاعُهُ الْأَرْبَعَةُ الْمُتَقَدِّمَةُ وَالْحَقَائِقُ الْخَمْسَةُ الْأُخَرُ الَّتِي هِيَ مِنْ عُلُومِ الشَّرِّ وَهِيَ الْخَوَاصُّ الْمَنْسُوبَةُ لِلنُّفُوسِ وَالْأَوْفَاقُ وَالطَّلْسَمَاتُ وَالْعَزَائِمُ وَالِاسْتِخْدَامَات كُلُّهَا تَجْرِي مَجْرَاهُ فِيمَا ذُكِرَ تَحَقَّقَ الْتِبَاسُهُ بِهَذِهِ الْحَقَائِقِ التِّسْعِ وَافْتَقَرَتْ هَذِهِ الْحَقَائِقُ إلَى أَنْ تُمَيَّزَ عَنْهُ إمَّا بِبَيَانِ الْخُصُوصِ مُطْلَقًا وَقَدْ عُلِمَ مِمَّا مَرَّ فِي السِّيمِيَاءِ، وَالْهِيمْيَاءِ مِنْ أَنْوَاعِهِ الْأَرْبَعَةِ، وَإِمَّا بِبَيَانِ الْخُصُوصِ مِنْ جِهَةٍ كَمَا فِي النَّوْعَيْنِ الْبَاقِيَيْنِ مِنْ أَنْوَاعِهِ وَالْحَقَائِقِ الْخَمْسَةِ الْأُخَرِ الْمَذْكُورَةِ، وَهُوَ يَفْتَقِرُ إلَى سَبْعَةِ وُصُولٍ لِبَيَانِ الْحَقَائِقِ السَّبْعِ الْمَذْكُورَةِ.
(الْوَصْلُ الْأَوَّلُ) الْخَوَاصُّ الْمَنْسُوبَةُ لِلْحَقَائِقِ أَيْ الذَّوَاتِ مِنْ الْحَيَوَانَاتِ وَغَيْرِهَا أَسْرَارٌ عَظِيمَةٌ وَكَثِيرَةٌ أَوْدَعَهَا اللَّهُ تَعَالَى فِي أَجْزَاءِ الْعَالَمِ حَتَّى لَا يَكَادَ يُعَرَّى شَيْءٌ عَنْ خَاصِّيَّتِهِ فَلَا يَدْخُلُهَا فِعْلُ الْبَشَرِ بَلْ هِيَ ثَابِتَةٌ كَامِلَةٌ مُسْتَقِلَّةٌ بِقُدْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى مِنْهَا مَا هُوَ مَعْلُومٌ عَلَى الْإِطْلَاقِ كَإِرْوَاءِ الْمَاءِ وَإِحْرَاقِ النَّارِ، وَمِنْهَا مَا هُوَ مَجْهُولٌ عَلَى الْإِطْلَاقِ وَمِنْهَا مَا يَعْلَمُهُ الْأَفْرَادُ مِنْ النَّاسِ وَهَذِهِ إمَّا مُغَيِّرَةٌ لِأَحْوَالِ النُّفُوسِ وَهِيَ الَّتِي قَدَّمْنَا
إذَا ظَهَرَ هَذَا فَإِنْ أَرَادُوا حَصْرَ الْأَسْبَابِ التَّامَّةِ فِي ثَلَاثَةٍ فَهِيَ أَكْثَرُ مِنْ عَشَرَةٍ بِالْإِجْمَاعِ لِمَا تَقَدَّمَ أَوْ النَّاقِصَةِ الَّتِي هِيَ أَجْزَاءُ أَسْبَابٍ فَالْخُصُوصَاتُ كَمَا رَأَيْت كَثِيرَةٌ فَلَا يَسْتَقِيمُ الْحَصْرُ مُطْلَقًا لَا فِي التَّامِّ، وَلَا فِي النَّاقِصِ فَتَنَبَّهْ لِهَذَا الْمَعْنَى فَهُوَ حَسَنٌ لَمْ أَرَ أَحَدًا تَعَرَّضَ لَهُ، وَلَا لَخَّصَهُ، وَحِينَئِذٍ أَقُولُ: إنَّ أَسْبَابَ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
قَالَ (إذَا ظَهَرَ هَذَا فَإِنْ أَرَادُوا حَصْرَ الْأَسْبَابِ التَّامَّةِ فِي ثَلَاثَةٍ فَهِيَ أَكْثَرُ مِنْ عَشَرَةٍ بِالْإِجْمَاعِ لِمَا تَقَدَّمَ، أَوْ النَّاقِصَةَ الَّتِي هِيَ أَجْزَاءُ الْأَسْبَابِ فَالْخُصُوصَاتُ كَمَا رَأَيْت كَثِيرَةٌ فَلَا يَسْتَقِيمُ الْحَصْرُ مُطْلَقًا لَا فِي التَّامِّ، وَلَا فِي النَّاقِصِ) قُلْت: قَوْلُهُ: هِيَ أَكْثَرُ مِنْ عَشَرَةٍ إنْ أَرَادَ بِذَلِكَ مَا يَخُصُّ كُلَّ صِنْفٍ مِنْ الْوَارِثِينَ وَالْوَارِثَاتِ عَلَى مَا جَرَتْ بِهِ عَادَةُ أَكْثَرِ الْفَرْضِيِّينَ فِي عَدِّهِمْ أَصْنَافَ الْوَارِثِينَ عَشَرَةً وَأَصْنَافَ الْوَارِثَاتِ سَبْعَةً فَذَلِكَ صَحِيحٌ، وَإِنْ أَرَادَ بِذَلِكَ مَا يَخُصُّ كُلَّ صِنْفٍ عَلَى مَا هُوَ الْأَوْلَى فِي ذَلِكَ فَلَيْسَ قَوْلُهُ ذَلِكَ بِصَحِيحٍ فَإِنَّهَا أَكْثَرُ مِنْ عِشْرِينَ لَا أَكْثَرُ مِنْ عَشَرَةٍ، وَقَوْلُهُ: بِالْإِجْمَاعِ لَيْسَ بِصَحِيحٍ، وَأَيُّ إجْمَاعٍ فِي ذَلِكَ مَعَ تَوْرِيثِ الْحَنَفِيَّةِ ذَوِي الْأَرْحَامِ وَقَوْلُهُ: أَوْ النَّاقِصَةُ الَّتِي هِيَ أَجْزَاءُ الْأَسْبَابِ فَالْخُصُوصَاتُ كَمَا رَأَيْت كَثِيرَةٌ إنْ أَرَادَ بِالْخُصُوصَاتِ مُطْلَقَ الْقَرَابَةِ الَّتِي كُلُّ خُصُوصٍ مِنْهَا أَعَمُّ مِنْ الْخُصُوصِ الَّذِي تَحْتَهُ مِنْ الْخُصُوصَاتِ الَّتِي عَدَّهَا الْفَرَضِيُّونَ فَذَلِكَ صَحِيحٌ، وَإِلَّا فَلَا أَدْرِي مَا أَرَادَ قَالَ (فَتَنَبَّهْ لِهَذَا الْمَعْنَى فَهُوَ حَسَنٌ لَمْ أَرَ أَحَدًا تَعَرَّضَ لَهُ وَلَا لَخَّصَهُ وَحِينَئِذٍ أَقُولُ إنَّ أَسْبَابَ
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
أَنَّهَا نَوْعٌ مِنْ أَنْوَاعِ السِّحْرِ، وَإِمَّا مُخْتَصَّةٌ بِانْفِعَالَاتِ الْأَمْزِجَةِ صِحَّةً أَوْ سَقَمًا كَالْأَغْذِيَةِ وَالْأَدْوِيَةِ مِنْ الْجَمَادِ وَالنَّبَاتِ وَالْحَيَوَانِ الْمَسْطُورَةِ فِي كُتُبِ الْأَطِبَّاءِ وَالْعَشَّابِينَ والطبائعيين وَهَذِهِ مِنْ عِلْمِ الطِّبِّ لَا مِنْ عِلْمِ السِّحْرِ قَالَهُ الْأَصْلُ، وَسَلَّمَهُ ابْنُ الشَّاطِّ.
(الْوَصْلُ الثَّانِي) الرُّقَى أَلْفَاظٌ خَاصَّةٌ يَحْدُثُ عِنْدَهَا الشِّفَاءُ مِنْ الْأَسْقَامِ وَالْأَدْوَاءِ وَالْأَسْبَابِ الْمُهْلِكَةِ، وَهَذِهِ الْأَلْفَاظُ مِنْهَا مَا هُوَ مَشْرُوعٌ كَالْفَاتِحَةِ وَالْمُعَوِّذَتَيْنِ وَكَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلَمَّا دَخَلُوا مِنْ حَيْثُ أَمَرَهُمْ أَبُوهُمْ مَا كَانَ يُغْنِي عَنْهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ إِلا حَاجَةً فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضَاهَا} [يوسف: 68] تُقْرَأُ سَبْعَ مَرَّاتٍ عِنْدَ دُخُولِ مَحَلٍّ لِقَضَاءِ حَاجَةٍ مَا وَكَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلَمَّا سَكَتَ عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ} [الأعراف: 154] إلَى {يَرْهَبُونَ} [الأعراف: 154] سَبْعَ مَرَّاتٍ لِتَعْطِيفِ الْقُلُوبِ وَتَسْكِينِ غَضَبِ الْمُلُوكِ، وَمِنْهَا مَا هُوَ غَيْرُ مَشْرُوعٍ كَرُقَى الْجَاهِلِيَّةِ وَالْهِنْدِ وَغَيْرِهِمْ؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا كَانَ كُفْرًا أَوْ مُحَرَّمًا وَلِذَلِكَ نَهَى مَالِكٌ وَغَيْرُهُ عَنْ الرُّقَى بِالْعَجَمِيَّةِ وَغَيْرُ الْمَشْرُوعِ قَدْ يُحْدِثُ ضَرَرًا فَيُقَالُ لَهُ السِّحْرُ، وَلَا يُقَالُ لَفْظُ الرُّقَى عَلَيْهِ كَمَا تَقَدَّمَ قَالَ الْأَصْلُ: وَقَدْ نَهَى عُلَمَاءُ الْعَصْرِ عَنْ الرُّقْيَةِ الَّتِي تُكْتَبُ فِي آخِرِ جُمُعَةٍ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ لِمَا فِيهَا مِنْ اللَّفْظِ الْأَعْجَمِيِّ؛ وَلِأَنَّهُمْ يَشْتَغِلُونَ بِهَا عَنْ الْخُطْبَةِ وَيَحْصُلُ بِهَا مَعَ ذَلِكَ مَفَاسِدُ اهـ.
وَفِي الِاعْتِصَامِ لِأَبِي إِسْحَاقَ الشَّاطِبِيِّ وَإِنْ كَانَ أَصْلُ الدُّعَاءِ وَالْأَذْكَارِ غَيْرَ مَشْرُوعٍ كَالَّتِي يَزْعُمُ الْعُلَمَاءُ أَنَّهَا مَبْنِيَّةٌ عَلَى عِلْمِ الْحُرُوفِ، وَهُوَ الَّذِي اعْتَنَى بِهِ الْبَوْنِيُّ وَغَيْرُهُ مِمَّنْ حَذَا حَذْوَهُ أَوْ قَارَبَهُ فَهِيَ بِدْعَةٌ حَقِيقَةٌ مُرَكَّبَةٌ فَإِنَّ ذَلِكَ الْعِلْمَ فَلْسَفَةٌ أَلْطَفُ مِنْ فَلْسَفَةِ مُعَلِّمِهِمْ الْأَوَّلِ وَهُوَ أَرِسْطُو طَالِيسَ فَرَدُّوهَا إلَى أَوْضَاعِ الْحُرُوفِ وَجَعَلُوهَا هِيَ الْحَاكِمَةَ فِي الْعَالَمِ وَرُبَّمَا أَشَارُوا عِنْدَ الْعَمَلِ بِمُقْتَضَى تِلْكَ الْأَذْكَارِ.
وَمَا قُصِدَ بِهَا إلَى تَحَرِّي الْأَوْقَاتِ وَالْأَحْوَالِ الْمُلَائِمَةِ لِطَبَائِعِ الْكَوَاكِبِ لِيَحْصُلَ التَّأْثِيرُ عِنْدَهُمْ وَحْيًا فَحَكَّمُوا الْعُقُولَ وَالطَّبَائِعَ كَمَا تَرَى وَتَوَجَّهُوا شَطْرَهَا، وَأَعْرَضُوا عَنْ رَبِّ الْعَقْلِ وَالطَّبَائِعِ، وَإِنْ ظَنُّوا أَنَّهُمْ يَقْصِدُونَهُ اعْتِقَادًا فِي اسْتِدْلَالِهِمْ بِصِحَّةِ مَا انْتَحَلُوا عَلَى وُقُوعِ الْأَمْرِ وَفْقَ مَا يَقْصِدُونَهُ فَإِذَا تَوَجَّهُوا بِالذِّكْرِ وَالدُّعَاءِ الْمَفْرُوضِ عَلَى الْفَرْضِ الْمَطْلُوبِ حَصَلَ سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَنَفْعًا كَانَ أَمْ ضَرًّا وَخَيْرًا كَانَ أَمْ شَرًّا وَيَبْنُونَ عَلَى ذَلِكَ اعْتِقَادَ بُلُوغِ النِّهَايَةِ فِي إجَابَةِ الدُّعَاءِ أَوْ حُصُولِ نَوْعٍ مِنْ كَرَامَاتِ الْأَوْلِيَاءِ، كَلًّا لَيْسَ طَرِيقُ ذَلِكَ التَّأْثِيرِ مِنْ مُرَادِهِمْ، وَلَا كَرَامَاتُ الْأَوْلِيَاءِ مِنْ نَتَائِجِ أَوْرَادِهِمْ فَلَا تَلَاقِيَ بَيْنَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاءِ، وَلَا مُنَاسَبَةَ بَيْنَ النَّارِ وَالْمَاءِ وَحُصُولُ التَّأْثِيرِ حَسْبَمَا قَصَدُوا هُوَ فِي الْأَصْلِ مِنْ قَبِيلِ الْفِتْنَةِ الَّتِي اقْتَضَاهَا فِي الْخَلْقِ {ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ} [الأنعام: 96] فَالنَّظَرُ إلَى وَضْعِ الْأَسْبَابِ وَالْمُسَبَّبَاتِ أَحْكَامٌ وَضَعَهَا الْبَارِي تَعَالَى فِي النُّفُوسِ يَظْهَرُ عِنْدَهَا مَا شَاءَ اللَّهُ مِنْ التَّأْثِيرَاتِ عَلَى نَحْوِ مَا يَظْهَرُ عَلَى الْمَعْيُونِ عِنْدَ الْإِصَابَةِ، وَعَلَى الْمَسْحُورِ عِنْدَ عَمَلِ السِّحْرِ بَلْ هُوَ بِالسِّحْرِ أَشْبَهُ لِاسْتِمْدَادِهَا مِنْ أَصْلٍ وَاحِدٍ وَشَاهِدُهُ مَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ الَّذِي خَرَّجَهُ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ اللَّهَ يَقُولُ أَنَا عِنْدَ ظَنَّ عَبْدِي بِي، وَأَنَا مَعَهُ إذَا دَعَانِي» وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ «أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي فَلْيَظُنَّ بِي مَا شَاءَ» وَشَرْحُ هَذِهِ الْمَعَانِي لَا يَلِيقُ بِمَا نَحْنُ فِيهِ اهـ.
(الْوَصْلُ الثَّالِثُ) خَوَاصُّ النُّفُوسِ بِمَعْنَى مُقْتَضَى الْأَمْزِجَةِ وَالطَّبَائِعِ نَوْعٌ خَاصٌّ مِنْ الْخَوَاصِّ الْمُودَعَةِ فِي الْعَالَمِ فَالْحَيَوَانَاتُ لَا تَكَادُ تَتَّفِقُ طَبَائِعُهَا بَلْ نَقْطَعُ بِأَنَّهُ، وَلَوْ عَظُمَ شَبَهُ فَرْدٍ مِنْهَا بِفَرْدٍ آخَرَ لَا بُدَّ مِنْ فَرْقٍ بَيْنَهُمَا، وَذَلِكَ أَنَّ التَّبَايُنَ لَمَّا حَصَلَ فِي الصِّفَاتِ عَلَى الْإِطْلَاقِ وَجَبَ حُصُولُهُ فِي الْأَمْزِجَةِ عَلَى الْإِطْلَاقِ أَلَا تَرَى أَنَّ نَفْسًا مِنْ الْأَنَاسِيِّ طُبِعَتْ عَلَى الشَّجَاعَةِ إلَى الْغَايَةِ وَنَفْسًا عَلَى الْجُبْنِ إلَى الْغَايَةِ وَنَفْسًا عَلَى الشَّرِّ إلَى
الْقَرَابَةِ، وَإِنْ كَثُرَتْ فَنَحْنُ لَا نُرِيدُهَا، وَلَا نُرِيدُ التَّامَّةَ الَّتِي هِيَ الْخُصُوصَاتُ بَلْ النَّاقِصَةَ الَّتِي هِيَ الْمُشْتَرَكَاتُ، وَهِيَ مُطْلَقُ الْقَرَابَةِ وَمُطْلَقُ النِّكَاحِ وَمُطْلَقُ الْوَلَاءِ
وَالدَّلِيلُ عَلَى حَصْرِ غَيْرِ التَّامَّةِ فِي هَذِهِ الثَّلَاثِ أَنَّ الْأَمْرَ الْعَامَّ بَيْنَ جَمِيعِ الْأَسْبَابِ التَّامَّةِ إمَّا أَنْ يُمْكِنَ إبْطَالُهُ أَوْ لَا فَإِنْ أَمْكَنَ فَهُوَ النِّكَاحُ؛ لِأَنَّهُ يَبْطُلُ بِالطَّلَاقِ وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ إبْطَالُهُ فَإِمَّا أَنْ يَقْتَضِيَ التَّوَارُثَ مِنْ الْجَانِبَيْنِ غَالِبًا أَوْ لَا فَإِنْ اقْتَضَى التَّوَارُثَ مِنْ الْجَانِبَيْنِ غَالِبًا فَهُوَ الْقَرَابَةُ، وَإِنْ لَمْ يَقْتَضِهِ إلَّا مِنْ أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ فَهُوَ الْوَلَاءُ؛ لِأَنَّهُ يَرِثُ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
الْقَرَابَةِ وَإِنْ كَثُرَتْ فَنَحْنُ لَا نُرِيدُهَا، وَلَا نُرِيدُ التَّامَّةَ الَّتِي هِيَ الْخُصُوصَاتُ بَلْ النَّاقِصَةُ الَّتِي هِيَ الْمُشْتَرَكَاتُ، وَهِيَ مُطْلَقُ الْقَرَابَةِ وَمُطْلَقُ النِّكَاحِ وَمُطْلَقُ الْوَلَاءِ)
قُلْت: هَذَا الْكَلَامُ الَّذِي ذَكَرَهُ هُنَا مُنَاقِضٌ فِي ظَاهِرِهِ لِقَوْلِهِ إنَّ أَسْبَابَ الْقَرَابَةِ، وَإِنْ كَثُرَتْ فَنَحْنُ لَا نُرِيدُهَا لَكِنَّهُ إنَّمَا أَرَادَ لَا نُرِيدُ مُطْلَقَ الْقَرَابَةِ مِنْ حَيْثُ هِيَ الْقَرَابَةُ لَا خُصُوصَ كَوْنِ الْقَرَابَةِ بُنُوَّةً مَثَلًا، وَلَكِنْ نُرِيدُ مَا هُوَ أَخَصُّ مِنْ الْأَوَّلِ، وَأَعَمُّ مِنْ الثَّانِي، وَهُوَ قَرَابَةُ مَاءٍ، وَنِكَاحُ مَاءٍ، وَوَلَاءُ مَاءٍ ثُمَّ بَيَّنَ ذَلِكَ بِمَا قَرَّرَهُ ضَابِطًا بَعْدَ هَذَا
قَالَ (وَالدَّلِيلُ عَلَى حَصْرِ غَيْرِ التَّامَّةِ فِي هَذِهِ الثَّلَاثَةِ أَنَّ الْأَمْرَ الْعَامَّ بَيْنَ جَمِيعِ الْأَسْبَابِ التَّامَّةِ إمَّا أَنْ يُمْكِنَ إبْطَالُهُ أَوْ لَا فَإِنْ أَمْكَنَ فَهُوَ النِّكَاحُ؛ لِأَنَّهُ يَبْطُلُ بِالطَّلَاقِ، وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ إبْطَالُهُ، فَإِمَّا أَنْ يَقْتَضِيَ التَّوَارُثَ مِنْ الْجَانِبَيْنِ غَالِبًا، وَهُوَ الْقَرَابَةُ أَوْ لَا يَقْتَضِيَ إلَّا مِنْ أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ وَهُوَ الْوَلَاءُ؛ لِأَنَّهُ يَرِثُ
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
الْغَايَةِ وَنَفْسًا عَلَى الْخَيْرِ إلَى الْغَايَةِ وَنَفْسًا يَهْلَكُ مَا عَظَّمَتْهُ، وَهُوَ الْمُسَمَّى بِالْعَيْنِ، وَلَيْسَ كُلُّ أَحَدٍ يُؤْذِي بِالْعَيْنِ، وَأَحْوَالُ مَنْ يُؤْذِي بِهَا مُخْتَلِفَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَصِيدُ الطَّيْرَ فِي الْهَوَى وَيَقْلَعُ الشَّجَرَ الْعَظِيمَ مِنْ الْقُرَى، وَمِنْهُمْ مَنْ لَا يَصِلُ بِهَا إلَّا إلَى التَّمْرِيضِ اللَّطِيفِ وَنَحْوِهِ وَنَفْسًا عَلَى صِحَّةِ الْحَزْرِ بِحَيْثُ لَا يُخْطِئُ الْغَيْبَ عِنْدَ شَيْءٍ مَخْصُوصٍ، وَلَا يَتَأَتَّى لَهُ ذَلِكَ فِي غَيْرِهِ فَلِذَلِكَ تَجِدُ بَعْضَهُمْ لَا يُخْطِئُ فِي عِلْمِ الرَّمَلِ أَبَدًا وَآخَرُ لَا يُخْطِئُ فِي أَحْكَامِ النُّجُومِ أَبَدًا وَآخَرُ لَا يُخْطِئُ فِي عِلْمِ الْكَفِّ أَبَدًا وَآخَرُ لَا يُخْطِئُ فِي عِلْمِ السَّيْرِ أَبَدًا؛ لِأَنَّ نَفْسَهُ طُبِعَتْ عَلَى ذَلِكَ وَلَمْ تُطْبَعْ عَلَى غَيْرِهِ فَمَنْ تَوَجَّهَتْ نَفْسُهُ لِطَلَبِ الْغَيْبِ عِنْدَ ذَلِكَ الْفِعْلِ الْخَاصِّ أَدْرَكَتْهُ بِخَاصِّيَّتِهَا فَقَطْ، لَا لِأَنَّ النُّجُومَ فِيهَا شَيْءٌ، وَلَا الْكَتِفَ، وَلَا الرَّمَلَ، وَلَا بَقِيَّتَهَا بَلْ هِيَ خَوَاصُّ نُفُوسٍ فَقَطْ. أَلَا تَرَى أَنَّ بَعْضَهُمْ يَجِدُ صِحَّةَ أَعْمَالِهِ فِي ذَلِكَ وَهُوَ شَابٌّ فَإِذَا صَارَ كَبِيرًا فَقَدَهَا؛ لِأَنَّ الْقُوَّةَ نَقَصَتْ عَنْ تِلْكَ الْحِدَّةِ الَّتِي كَانَتْ فِي الشُّبُوبِيَّةِ، وَقَدْ ذَهَبَتْ.
قُلْتُ: ثُمَّ إنَّ خَوَاصَّ النُّفُوسِ عَلَى قِيَاسِ مَا تَقَدَّمَ فِي خَوَاصِّ الْحَقَائِقِ مِنْهَا مَا هُوَ مَعْرُوفٌ عَلَى الْإِطْلَاقِ كَخَوَاصِّ النُّفُوسِ الْمَذْكُورَةِ، وَمِنْهَا مَا هُوَ مَجْهُولٌ عَلَى الْإِطْلَاقِ وَمِنْهَا مَا يَعْلَمُهُ مِنْ النَّاسِ الْأَفْرَادُ قَالَ الْأَصْلُ كَجَمَاعَةٍ فِي الْهِنْدِ إذَا وَجَّهُوا أَنْفُسَهُمْ لِقَتْلِ شَخْصٍ انْتَزَعُوا قَلْبَهُ مِنْ صَدْرِهِ بِالْهِمَّةِ وَالْعَزْمِ وَقُوَّةِ النَّفْسِ فَإِذَا مَاتَ وَشُقَّ صَدْرُهُ لَا يُوجَدُ فِيهِ قَلْبُهُ وَيُجَرِّبُونَ بِالرُّمَّانِ فَيَجْمَعُونَ عَلَيْهِ هِمَمَهُمْ فَلَا تُوجَدُ فِيهِ حَبَّةٌ. اهـ. وَمِنْ حَيْثُ إنَّ هَذَا لَا يَعْلَمُهُ إلَّا الْأَفْرَادُ مِنْ النَّاسِ قَالَ ابْنُ الشَّاطِّ، وَمَا حَكَاهُ عَنْ الْهِنْدِ لَا أَدْرِي صِحَّتَهُ مِنْ سَقَمِهِ اهـ.
قَالَ الشَّيْخُ عَبْدُ اللَّهِ الْعَلَوِيُّ الشِّنْقِيطِيُّ فِي شَرْحِهِ عَلَى نَظْمِهِ رُشْدَ الْغَافِلِ: إنَّ مَصَّ دِمَاءِ الْقَلْبِ أَوْ نَزْعَ الْقَلْبِ نَفْسَهُ مِنْهُ مَا يَكُونُ عَنْ طَبْعٍ كَمَا هُوَ مِنْ جَمَاعَةٍ فِي الْهِنْدِ إذَا وَجَّهَ أَحَدُهُمْ نَفْسَهُ لِقَتْلِ شَخْصٍ انْتَزَعَ قَلْبَهُ مِنْ صَدْرِهِ بِالْهِمَّةِ وَالْعَزْمِ إلَى آخِرِ مَا قَالَهُ الْأَصْلُ وَحَكَاهُ عَنْ ابْنِ زِكْرِيٍّ فِي شَرْحِ النَّصِيحَةِ قَالَ: وَالْغَالِبُ حُصُولُ الْمَصِّ الْمَذْكُورِ وَالنَّزْعِ عَنْ كَسْبٍ وَهَذَا كَثِيرٌ فِي السُّودَانِ سَوَاءٌ وُلِدَ فِي أَرْضِهِمْ أَوْ فِي أَرْضِنَا، وَقَالَ قَبْلُ: وَبَعْضُ النَّاسِ يُسَمِّي الْمَصَّ الْمَذْكُورَ وَالنَّزْعَ بِسُغُنْيَا بِضَمِّ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَضَمِّ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَنُونٍ سَاكِنَةٍ، وَمُثَنَّاةٍ تَحْتِيَّةٍ مَفْتُوحَةٍ وَبَعْضُهُمْ يُسَمِّيهِ بِالسَّلَّالَةِ بِفَتْحِ السِّينِ وَتَشْدِيدِ اللَّامِ الْأُولَى فَأَلْفٌ فَلَامٌ مُخَفَّفَةٌ فَهَاءُ تَأْنِيثٍ اهـ وَسَيَأْتِي فِي وَصْلِ الْأَوْفَاقِ مَا قَالَهُ فِي شِفَاءِ مَنْ فُعِلَ بِهِ ذَلِكَ فَتَرَقَّبْ.
قُلْتُ: وَهَذَا النَّوْعُ وَنَحْوُهُ مِنْ خَوَاصِّ النُّفُوسِ هُوَ الَّذِي يَلْتَبِسُ بِهِ السِّحْرُ كَمَا لَا يَخْفَى قَالَ الْأَصْلُ وَتَبِعَهُ ابْنُ زِكْرِيٍّ فِي شَرْحِ النَّصِيحَةِ: وَخَوَاصُّ النُّفُوسِ كَثِيرَةٌ لَا تُعَدُّ وَلَا تُحْصَى، وَإِلَى تَبَايُنِ الْأَخْلَاقِ وَالْخَلْقِ وَالسَّجَايَا وَالْقُوَى كَمَا أَنَّ الْمَعَادِنَ كَذَلِكَ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «النَّاسُ مَعَادِنُ كَمَعَادِنِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ» اهـ قَالَ ابْنُ الشَّاطِّ، وَمَا قَالَهُ مِنْ أَنَّ فِي الْحَدِيثِ الْإِشَارَةَ إلَى مَا ذَكَرَهُ هُوَ الظَّاهِرُ مِنْهُ، وَيُحْتَمَلُ غَيْرُ ذَلِكَ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ اهـ.
(الْوَصْلُ الرَّابِعُ) الْأَوْفَاقُ وَتُسَمَّى عِلْمَ الْأَشْكَالِ وَعِلْمَ الْجَدَاوِلِ وَتُسَمَّى الْأَشْكَالَ وَالْجَدَاوِلَ بِالْمُثَلَّثِ وَالْمُرَبَّعِ وَالْمُخَمَّسِ وَنَحْوِهَا أَيْ كَمُسَبَّعِ السَّلَّالَةِ الْآتِي وَهِيَ مِنْ الْبَاطِلِ إذَا قَصَدَ بِهَا إضْرَارَ أَوْ نَفْعَ مَنْ لَا يَسْتَحِقُّ ذَلِكَ شَرْعًا مَعَ مَا فِي ذَلِكَ مِنْ الْجُرْأَةِ عَلَى أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى وَالتَّصَرُّفِ فِيهَا لِأَغْرَاضٍ دُنْيَوِيَّةٍ وَلِهَذَا يَقُولُ بَعْضُهُمْ بِابْنِ الْبَوْنِيِّ، وَأَشْكَالِهِ أَمَّا إذَا أُرِيدَ بِهَا غَرَضٌ لَا اعْتِرَاضَ لِلشَّرْعِ عَلَيْهِ فَلَا بَأْسَ بِهِ كَمُثَلَّثِ الْغَزَالِيِّ أَيْ مَمْلُوءُ الْوَسَطِ لِتَيْسِيرِ الْعَسِيرِ، وَإِخْرَاجِ الْمَسْجُونِ، وَإِيضَاعِ الْجَنِينِ مِنْ الْحَامِلِ وَتَيْسِيرِ الْوَضْعِ، وَكُلِّ مَا هُوَ مِنْ هَذَا الْمَعْنَى وَنُسِبَ لِلْغَزَالِيِّ؛ لِأَنَّهُ كَانَ يَعْتَنِي بِهِ كَثِيرًا، وَإِلَّا فَقَدْ قَالَ بَعْضُهُمْ: إنَّ هَذَا الْمُثَلَّثَ بِصُورَتِهِ الْآتِيَةِ يُسَمَّى بِخَاتَمِ أَبِي سَعِيدٍ
الْمَوْلَى الْأَعْلَى الْأَسْفَلَ، وَلَا يَرِثُ الْأَسْفَلُ الْأَعْلَى وَقَوْلُنَا غَالِبًا احْتِرَازٌ مِنْ الْعَمَّةِ وَنَحْوِهَا فَإِنَّهُ يَرِثُهَا ابْنُ أَخِيهَا وَلَا تَرِثُهُ
(الْفَرْقُ الْحَادِي وَالْخَمْسُونَ وَالْمِائَتَانِ بَيْنَ قَاعِدَةِ أَسْبَابِ التَّوَارُثِ وَقَاعِدَةِ شُرُوطِهِ وَمَوَانِعِهِ) لَمْ أَرَ أَحَدًا مِنْ الْفَرْضِيِّينَ يَذْكُرُ إلَّا أَسْبَابَ التَّوَارُثِ وَمَوَانِعَهُ وَلَا يَذْكُرُ أَحَدٌ مِنْهُمْ شُرُوطَهُ قَطُّ وَلَهُ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
الْمَوْلَى الْأَعْلَى الْأَسْفَلَ، وَلَا يَرِثُ الْأَسْفَلُ الْأَعْلَى وَقَوْلُنَا: غَالِبًا احْتِرَازٌ مِنْ الْعَمَّةِ وَنَحْوِهَا فَإِنَّهُ يَرِثُهَا ابْنُ أَخِيهَا، وَلَا تَرِثُهُ) قُلْت: مَا ذَكَرَهُ مِنْ سَبَبِ الْحَصْرِ لِلْأَسْبَابِ الثَّلَاثَةِ فِي ثَلَاثَةٍ، وَإِنْ كَانَ مُفِيدًا لِلْحَصْرِ لَيْسَ بِسَدِيدٍ فَإِنَّ مَا ذَكَرَهُ فِي النِّكَاحِ، وَهُوَ كَوْنُهُ يُمْكِنُ إبْطَالُهُ أَجْنَبِيٌّ عَنْ كَوْنِ النِّكَاحِ سَبَبَ الْمِيرَاثِ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ النِّكَاحُ اللَّاحِقُ بِهِ الْإِبْطَالُ سَبَبًا، وَإِنَّمَا يَكُونُ سَبَبًا النِّكَاحُ الَّذِي لَمْ يَلْحَقْهُ إبْطَالٌ فَإِذَا ثَبَتَتْ سَبَبِيَّتُهُ لَمْ تَرْتَفِعْ لِاسْتِحَالَةِ رَفْعِ الْوَاقِعِ، وَمَا ذَكَرَهُ فِي الْقَرَابَةِ أَمْرٌ ثَانٍ عَنْ كَوْنِ سَبَبِ الْإِرْثِ لَيْسَ مُطْلَقَ الْقَرَابَةِ؛ لِأَنَّ السَّبَبِيَّةَ ثَابِتَةٌ عَنْهُ مَعَ عَدَمِ اطِّرَادِهِ، وَمَا ذَكَرَهُ فِي الْوَلَاءِ كَذَلِكَ أَمْرٌ ثَانٍ عَنْ كَوْنِ سَبَبِيَّتِهِ لَيْسَتْ مُطْلَقَةً، وَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ: إنَّهُمْ مَا حَصَرُوهَا فِي ثَلَاثَةٍ إلَّا لِكَوْنِهَا أُمُورًا مُخْتَلِفَةً ثُمَّ لَمْ يُوجَدْ سَبَبُ الْمِيرَاثِ سِوَاهَا ثُمَّ إنَّهَا لَيْسَتْ أَسْبَابًا عَلَى الْإِطْلَاقِ بَلْ مُقَيَّدَةٌ بِتَعْيِينِ مَنْ يَرِثُ بِهَا
قَالَ (الْفَرْقُ الْحَادِي وَالْخَمْسُونَ وَالْمِائَتَانِ بَيْنَ قَاعِدَةِ أَسْبَابِ التَّوَارُثِ وَقَاعِدَةِ شُرُوطِهِ وَمَوَانِعِهِ) قُلْت: مَا قَالَهُ فِي صَدْرِ هَذَا الْفَرْقِ صَحِيحٌ ثُمَّ
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
اهـ. وَكَمُسَبَّعِ السُّلَالَةِ الْآتِي لَكِنَّهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهَا أَلْبَتَّةَ سَدًّا لِلذَّرِيعَةِ كَمَا فِي شَرْحِ سَيِّدِي عَبْدِ اللَّهِ الْعَلَوِيِّ عَلَى نَظْمِهِ رُشْدَ الْغَافِلِ بِتَصَرُّفٍ وَزِيَادَةٍ، قَالَ الْأَصْلُ: وَالْأَوْفَاقُ تَرْجِعُ إلَى مُنَاسَبَاتِ الْأَعْدَادِ وَجَعْلِهَا عَلَى شَكْلٍ مَخْصُوصٍ. اهـ. قَالَ ابْنُ الشَّاطِّ تَسَامَحَ فِي قَوْلِهِ أَنَّهَا تَرْجِعُ إلَخْ فَإِنَّهَا لَيْسَتْ كَذَلِكَ بَلْ هِيَ رَاجِعَةٌ إلَى الْمُسَاوَاةِ بِحَسَبِ جَمْعِ مَا فِي كُلِّ سَطْرٍ مِنْ بُيُوتِ مُرَبَّعَاتِهَا وَجَمِيعِ مَا فِي الْبُيُوتِ الْوَاقِعَةِ عَلَى الْقُطْرِ. اهـ. وَالشَّكْلُ الْمَخْصُوصُ إمَّا مُثَلَّثٌ كَمُثَلَّثِ بُدُوحٍ يُكْتَبُ إذَا أُرِيدَ جَلْبُ خَيْرٍ فِي كَاغِدٍ أَوْ رَقِّ غَزَالٍ هَكَذَا brok0004-0198-0001.jpg
، وَمُثَلَّثُ أَجْهَزَ يُكْتَبُ إذَا أُرِيدَ دَفْعُ شَرٍّ فِي كَاغِدٍ أَوْ رَقِّ غَزَالٍ هَكَذَا brok0004-0198-0002.jpg
ثُمَّ يُعَلَّقُ فِي الْعُنُقِ وَكَمُثَلَّثِ الْكَلِمَتَيْنِ الْمَذْكُورَتَيْنِ يُكْتَبُ إذَا أُرِيدَ كُلٌّ مِنْ جَلْبِ الْخَيْرِ وَدَفْعِ الشَّرِّ وَيُرَقَّمُ فِي خَانَاتِهِ إمَّا حُرُوفُ الْكَلِمَتَيْنِ هَكَذَا brok0004-0198-0003.jpg
، وَإِمَّا أَعْدَادُ كُلِّ حَرْفٍ مِنْهُمَا بِحِسَابِ الْجُمَلِ الْكَبِيرِ هَكَذَا brok0004-0198-0004.jpg.
وَضَابِطُهُ عَلَى اصْطِلَاحِهِمْ أَنَّك لَوْ جَمَعْتَ الْحُرُوفَ الْمُفْرَدَةَ فِي كُلِّ خَانَةٍ مِنْ الْخَانَاتِ الثَّلَاثِ مِنْ أَيِّ جِهَةٍ أُفُقِيَّةٍ أَوْ عَمُودِيَّةٍ أَوْ مُسْتَطِيلَةٍ يَكُونُ مَجْمُوعُهَا وَاحِدًا وَهُوَ عَدَدُ (15)، وَأَنْ تَكُونَ الْأَرْقَامُ الْمَكْتُوبَةُ فِي الْأَرْكَانِ الْأَرْبَعَةِ مِنْ الْخَاتَمِ زَوْجِيَّةً وَتُسَمَّى مُزْدَوَجَاتُ الْمُثَلَّثِ وَالْأَرْقَامُ الْمَكْتُوبَةُ فِي الْخَانَاتِ الْأُخْرَى فَرْدِيَّةً وَتُسَمَّى مُفْرَدَاتُ الْمُثَلَّثِ قَالَهُ بَعْضُهُمْ وَالْخَاتَمُ الْمَرْقُومُ فِي خَانَاتِهِ كُلٌّ مِنْ حُرُوفِ الْكَلِمَتَيْنِ أَوْ أَعْدَادِهَا هُوَ خَاتَمُ أَبِي حَامِدٍ الْغَزَالِيِّ مَمْلُوءُ الْوَسَطِ. قُلْت: وَذَكَرَ لِي بَعْضُ الْأَفَاضِلِ أَنَّ لِلْغَزَالِيِّ مُثَلَّثًا أَيْضًا خَالِيَ الْوَسَطِ وَبَيَّنَ لِي كَيْفِيَّةَ وَضْعِهِ، وَمَا يُبْدَأُ بِهِ مِنْ خَانَاتِهِ، وَمَا يَلِيهِ، وَمَا يَخْتِمُ بِهِ بِرَقْمٍ وَاحِدٍ عَلَى مَا يَبْدَأُ بِهِ وَاثْنَيْنِ عَلَى مَا يَلِيهِ وَهَكَذَا إلَى ثَمَانِيَةٍ، وَأَنَّ صُورَتَهُ هَكَذَا brok0004-0198-0005.jpg
وَضَابِطُهُ أَنَّك لَوْ جَمَعْت أَعْدَادَ الْخَانَاتِ الْعَمُودِيَّةِ أَوْ الْمُسْتَطِيلَةِ أَوْ الْخَانَتَيْنِ الْأُفُقِيَّةِ لَكَانَ مَجْمُوعُ كُلٍّ مِنْ الْخَانَاتِ وَالْخَانَتَيْنِ الْأُفُقِيَّةِ وَاحِدًا وَهُوَ عَدَدُ (66) وَإِنَّك تَكْتُبُ فِي وَسَطِهِ الْخَالِي حَاجَتَك الَّتِي تُرِيدُ قَضَاءَهَا وَتَبْتَدِئُ بِعَدَدِ (31) وَتَخْتِمُ بِعَدَدِ (35) فَافْهَمْ.
وَإِمَّا مُرَبَّعٌ كَمُرَبِّعِ بُدُوحٍ الَّذِي ذَكَرَهُ الْبَوْنِيُّ فِي شَمْسِ الْمَعَارِفِ الْكُبْرَى، وَأَنَّهُ يَكْتُبُ فِي رَقٍّ طَاهِرٍ وَيُعَلَّقُ عَلَى الشَّخْصِ لِتَيْسِيرِ الْفَهْمِ وَالْحِفْظِ وَالْحِكْمَةِ وَلِتَعْظِيمِ الْقَدْرِ عِنْدَ النَّاسِ وَفِي الْعَالَمِ الْعُلْوِيِّ وَالسُّفْلِيِّ وَعَلَى الْمَسْجُونِ لِإِطْلَاقِهِ مِنْ السِّجْنِ سَرِيعًا وَعَلَى الرَّايَةِ لِهَزْمِ الْأَعْدَاءِ مِنْ الْكَفَرَةِ وَالْبَاغِينَ، وَمَا فِي مَعْنَى ذَلِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ تَعَالَى، وَأَنَّهُ إمَّا أَنْ يُرَقِّمَ بِالْأَعْدَادِ هَكَذَا brok0004-0198-0006.jpg
، وَإِمَّا أَنْ يُوضَعَ مَحَلُّ الْأَعْدَادِ حُرُوفٌ هَكَذَا brok0004-0198-0007.jpg
وَذَكَرَ لِكِتَابَتِهِ شُرُوطًا، وَإِمَّا مُخَمَّسٌ، وَإِمَّا مُسَدَّسٌ، وَإِمَّا مُسَبَّعٌ كَمُسَبَّعِ السَّلَّالَةِ الَّذِي ذَكَرَ الشَّيْخُ عَبْدُ اللَّهِ الْعَلَوِيُّ فِي شَرْحِهِ عَلَى نَظْمِهِ رُشْدَ الْغَافِلِ أَنَّهُ يَكْتُبُ لِشِفَاءِ مَنْ فُعِلَ بِهِ مَصُّ الدَّمِ أَوْ نَزْعُ الْقَلْبِ الْمُسَمَّى بِالسُّلَالَةِ هَذِهِ الْآيَاتُ وَالْجَدْوَلُ الْمُسَبَّعُ بَعْدَهَا فِي وَرَقَتَيْنِ إحْدَاهُمَا تُجْعَلُ عَلَى
شُرُوطٌ قَطْعًا كَسَائِرِ أَبْوَابِ الْفِقْهِ فَإِنْ كَانُوا قَدْ تَرَكُوهَا؛ لِأَنَّهَا مَعْلُومَةٌ فَأَسْبَابُ التَّوَارُثِ مَعْلُومَةٌ أَيْضًا فَالصَّوَابُ اسْتِيعَابُ الثَّلَاثَةِ كَسَائِرِ أَبْوَابِ الْفِقْهِ، وَإِنْ قَالُوا لَا شُرُوطَ لِلتَّوَارُثِ بَلْ أَسْبَابٌ وَمَوَانِعُ فَقَطْ فَضَوَابِطُ الْأَسْبَابِ وَالشُّرُوطِ وَالْمَوَانِعِ تَمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ، وَقَدْ قَالَ الْفُضَلَاءُ: إذَا اخْتَلَفْتُمْ فِي الْحَقَائِقِ فَحَكِّمُوا الْحُدُودَ وَقَدْ تَقَدَّمَ أَوَّلَ الْكِتَابِ فِي الْفُرُوقِ أَنَّ السَّبَبَ يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِهِ الْوُجُودُ وَمِنْ عَدَمِهِ الْعَدَمُ وَالشَّرْطُ يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِهِ الْعَدَمُ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِهِ وُجُودٌ وَلَا عَدَمٌ وَالْمَانِعُ مَا يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِهِ الْعَدَمُ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِهِ وُجُودٌ، وَلَا عَدَمٌ فَبِهَذِهِ الْحُدُودِ وَالضَّوَابِطِ يَظْهَرُ أَنَّ لِلتَّوَارُثِ شُرُوطًا وَهَا أَنَا أَذْكُرُهَا عَلَى هَذَا الضَّابِطِ فَأَقُولُ: شُرُوطُ التَّوَارُثِ ثَلَاثَةٌ كَالْأَسْبَابِ تَقَدُّمُ مَوْتِ الْمَوْرُوثِ عَلَى الْوَارِثِ، وَاسْتِقْرَارُ حَيَاةِ الْوَارِثِ بَعْدَهُ كَالْجَنِينِ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
قَالَ (وَهَا أَنَا أَذْكُرُهَا عَلَى هَذَا الضَّابِطِ فَأَقُولُ: شُرُوطُ التَّوَارُثِ ثَلَاثَةٌ كَالْأَسْبَابِ تَقَدُّمُ مَوْتِ الْمَوْرُوثِ عَلَى الْوَارِثِ، وَاسْتِقْرَارُ حَيَاةِ الْوَارِثِ بَعْدَهُ كَالْجَنِينِ) قُلْت: لَا حَاجَةَ إلَى ذِكْرِ الْمَوْرُوثِ وَجَعْلِهِ شَرْطًا، وَحَيَاةُ الْوَارِثِ بَعْدَهُ شَرْطًا آخَرَ، وَلَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ مَوْتُ الْمَوْرُوثِ بِنَفْسِهِ قَبْلَ مَوْتِ الْوَارِثِ شَرْطًا لِامْتِنَاعِ تَوْرِيثِ مَنْ يَتَعَذَّرُ الْعِلْمُ فِيهِمَا بِالتَّقَدُّمِ وَالتَّأَخُّرِ وَلِصِحَّةِ التَّوْرِيثِ بِالتَّعْمِيرِ فِي الْمَفْقُودِ بَلْ الصَّحِيحُ أَنَّ شَرْطَ الْإِرْثِ وَاحِدٌ، وَهُوَ الْعِلْمُ أَوْ الْحُكْمُ بِحَيَاةِ الْوَارِثِ بَعْدَ مَوْتِ الْمَوْرُوثِ وَبِنِسْبَتِهِ وَرُتْبَتِهِ مِنْهُ
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
النَّارِ وَتُبَخَّرُ لَهُ وَالْأُخْرَى تُعَلَّقُ عَلَيْهِ وَصُورَةُ كِتَابَةِ الْآيَاتِ وَالْجَدْوَلِ هَكَذَا {وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلا} [النساء: 141]{وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ حِجَابًا مَسْتُورًا - وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِذَا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلَى أَدْبَارِهِمْ نُفُورًا} [الإسراء: 45 - 46]، {هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ} [المطففين: 36] ، {كَمَا يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحَابِ الْقُبُورِ} [الممتحنة: 13] وَقَدْ نَظَمَ بَعْضُهُمْ ضَبْطَهُ بِقَوْلِهِ brok0004-0199-0001.jpg:
وَإِنْ تُرِدْ لِجَدْوَلِ السَّلَّالَةِ
…
فَخُذْهُ بِالنَّظْمِ وَعِ الْمَقَالَةِ
مُجَدْوَلٌ مُسَبَّعٌ بَعْدَ الْآيَاتِ
…
مُعَمَّرٌ بِذِي الْحُرُوفِ بِالثَّبَاتِ
فَجّ شث ظخز بِصَدْرِ أَوَّلٍ
…
وَابْدَأْ بِثَانِيهَا وَاخْتِمْ بِأَوَّلِ
وَانْحَ لِذَاكَ النَّحْوِ حَتَّى تَنْتَهِيَ
…
بُيُوتُهُ فَخُذْ لِذَا النَّظْمِ الشَّهِيِّ
قَالَ الْأَصْلُ وَلِلْأَوْفَاقِ كُتُبٌ مَوْضُوعَةٌ لِتَعْرِيفِ كَيْفَ تُوضَعُ حَتَّى تَصْبِرَ عَلَى هَذِهِ النِّسْبَةِ مِنْ الِاسْتِوَاءِ، وَهِيَ كُلَّمَا كَثُرَتْ كَانَ وَضْعُهَا أَعْسَرَ، وَالضَّوَابِطُ الْمَوْضُوعَةُ لَهَا حَسَنَةٌ نَفِيسَةٌ لَا تَتَخَرَّمُ إذَا عُرِفَتْ أَعْنِي فِي صُورَةِ الْوَضْعِ، وَأَمَّا مَا يُنْسَبُ إلَيْهَا مِنْ الْآثَارِ فَقَلِيلَةُ الْوُقُوعِ أَوْ عَدِيمَتُهُ اهـ.
وَقَالَ ابْنُ الشَّاطِّ مَا قَالَهُ صَحِيحٌ وَتَبِعَهُ ابْنُ زِكْرِيٍّ فِي شَرْحِ النَّصِيحَةِ وَكَذَا الشَّيْخُ عَبْدُ اللَّهِ الْعَلَوِيُّ فِي شَرْحِهِ عَلَى نَظْمِهِ رُشْدِ الْغَافِلِ إلَّا أَنَّهُ قَالَ بَعْدُ وَلِشِفَاءِ مَنْ فُعِلَ بِهِ الْمَصُّ لِلدَّمِ وَالنَّزْعُ لِلْقَلْبِ الْمُسَمَّى بِالسَّلَّالَةِ تُكْتَبُ هَذِهِ الْآيَاتُ وَالْجَدْوَلُ بَعْدَهَا إلَخْ وَلِلْمُعَاصِرِ الْفَاضِلِ الشَّيْخِ مُحَمَّدٍ حَبِيبِ اللَّهِ مِنْ أَبْيَاتٍ نَظَمَهَا فِي مُسَبَّعِ السَّلَّالَةِ قَوْلُهُ:
هَذَا سَبْعٌ لِسِحْرٍ دَافِعٍ
…
وَأَنَّهُ فِي بَابِهِ لِنَافِعٍ
يُعْرَفُ عِنْدَ عُلَمَاءِ السِّرِّ
…
مُسَبَّعُ السَّلِّ مُفِيدُ الضُّرِّ
وَهُوَ مُجَرَّبٌ فَقَدْ جَرَّبْتُهُ
…
وَنَفْعُهُ إذْ ذَاكَ قَدْ وَجَدْته
وَكَيْفَ لَا وَهُوَ كَلَامٌ طَيِّبٌ
…
وَالْعُلَمَا فِي أَخْذِهِ قَدْ رَغِبُوا
وَفِيهِ أَسْمَاءٌ لِمَوْلَانَا عَلَا
…
يَحْصُلُ نَفْعُهَا لِمَنْ ذَا اسْتَعْمَلَا
وَنَفْعُهُ اشْتَهَرَ فِي بِلَادِي
…
وَطَنِنَا مِنْ حَاضِرٍ وَبَادِي
وَهُوَ مُضَافٌ لِكَلَامِ اللَّهِ
…
فِي خَمْسِ آيَاتٍ عَلَى تَنَاهِي
تُنَاسِبُ الدَّفْعَ لِكُلِّ شَرٍّ
…
لَا سِيَّمَا إنْ كَانَ شَرَّ السِّحْرِ
وَأَفَادَنِي أَنَّ شَيْخَ أَشْيَاخِهِ سَيِّدِي مُحَمَّدَ الْخَلِيفَةَ ابْنَ الشَّيْخِ سَيِّدِي الْمُخْتَارِ الْكَنَّتَيْ فِي كِتَابِهِ الطَّرَائِفِ اعْتَرَضَ قَوْلَ الْأَصْلِ أَوْ عَدِيمَتَهُ بِأَنَّهُ غَيْرُ صَحِيحٍ بِالتَّجْرِبَةِ. قَالَ: وَأَمَّا قَوْلُهُ فَقَلِيلَةُ الْوُقُوعِ فَغَيْرُ بَعِيدٍ لِفَقْدِ شَرْطِهَا فِي النَّاسِ وَهُوَ التَّقْوَى أَمَّا إذَا تَحَقَّقَ الشَّرْطُ فَتَحَقُّقُ الْمَشْرُوطِ ضَرُورِيٌّ اهـ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
(الْوَصْلُ الْخَامِسُ) الطَّلْسَمَاتُ حَقِيقَتُهَا نَقْشُ أَسْمَاءٍ خَاصَّةٍ لَهَا تَعَلُّقٌ بِالْأَفْلَاكِ وَالْكَوَاكِبِ عَلَى زَعْمِ أَهْلِ الطَّلَاسِمِ فِي جِسْمٍ مِنْ الْمَعَادِنِ أَوْ غَيْرِهَا تَحْدُثُ بِهَا آثَارٌ خَاصَّةٌ رُبِطَتْ بِهَا فِي مَجَارِي الْعَادَاتِ، وَلَا بُدَّ مَعَ ذَلِكَ مِنْ قُوَّةِ نَفْسٍ صَالِحَةٍ لِهَذِهِ الْأَعْمَالِ فَلَيْسَ كُلُّ النُّفُوسِ مَجْبُولَةً عَلَى ذَلِكَ بَلْ بَعْضُ النَّاسِ لَا تَجْرِي الْخَاصِّيَّةُ الْمَذْكُورَةُ عَلَى يَدِهِ فَلَا بُدَّ فِي الطَّلْسَمِ مِنْ هَذِهِ الْأَرْبَعَةِ
وَالْعِلْمُ بِالْقُرْبِ وَالدَّرَجَةِ الَّتِي اجْتَمَعَا فِيهَا احْتِرَازًا مِنْ مَوْتِ رَجُلٍ مِنْ مَضْرَ أَوْ قُرَيْشٍ لَا يُعْلَمُ لَهُ قَرِيبٌ فَإِنَّ مِيرَاثَهُ لِبَيْتِ الْمَالِ مَعَ أَنَّ كُلَّ قُرَشِيٍّ ابْنُ عَمِّهِ، وَلَا مِيرَاثَ لِبَيْتِ الْمَالِ مَعَ ابْنِ عَمٍّ لَكِنَّهُ فَاتَ شَرْطُهُ الَّذِي هُوَ الْعِلْمُ بِدَرَجَتِهِ مِنْهُ فَمَا مِنْ قُرَشِيٍّ إلَّا لَعَلَّ غَيْرَهُ أَقْرَبُ مِنْهُ فَهَذِهِ شُرُوطٌ لَا يُؤَثِّرُ وُجُودُهَا إلَّا فِي نُهُوضِ الْأَسْبَابِ لِتَرَتُّبِ مُسَبِّبَاتِهَا عَلَيْهَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِهَا الْعَدَمُ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِهَا مِنْ حَيْثُ هُوَ وُجُودٌ وَلَا عَدَمٌ، بَلْ الْوُجُودُ إنْ وَقَعَ فَهُوَ لِوُجُودِ الْأَسْبَابِ لَا لَهَا، وَإِنْ وَقَعَ الْعَدَمُ عِنْدَ وُجُودِهَا فَلِعَدَمِ السَّبَبِ أَوْ لِوُجُودِ الْمَانِعِ فَهَذِهِ حَقِيقَةُ الشَّرْطِ قَدْ وُجِدَتْ فِي هَذِهِ الثَّلَاثَةِ فَتَكُونُ شُرُوطًا
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
قَالَ (وَالْعِلْمُ بِالْقُرْبِ وَبِالدَّرَجَةِ الَّتِي اجْتَمَعَا فِيهَا احْتِرَازًا مِنْ مَوْتِ رَجُلٍ مِنْ مُضَرَ أَوْ مِنْ قُرَيْشٍ لَا يُعْلَمُ لَهُ قَرِيبٌ، فَإِنَّ مِيرَاثَهُ لِبَيْتِ الْمَالِ مَعَ أَنَّ كُلَّ قُرَشِيٍّ ابْنُ عَمِّهِ، وَلَا مِيرَاثَ لِبَيْتِ الْمَالِ مَعَ ابْنِ عَمٍّ لَكِنَّهُ فَاتَ شَرْطُهُ الَّذِي هُوَ الْعِلْمُ بِدَرَجَتِهِ مِنْهُ فَمَا مِنْ قُرَشِيٍّ إلَّا لَعَلَّ غَيْرَهُ أَقْرَبُ مِنْهُ) قُلْت: مَا قَالَهُ فِي ذَلِكَ صَحِيحٌ غَيْرَ أَنَّهُ نَقَصَهُ الْحُكْمُ بِالْقُرْبِ وَالدَّرَجَةِ إذَا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ مَعْلُومًا وَلَكِنَّهُ ثَبَتَ نَسَبُهُ عِنْدَ الْحَاكِمِ قَالَ: (فَهَذِهِ شُرُوطٌ لَا يُؤَثِّرُ وُجُودُهَا إلَّا فِي نُهُوضِ الْأَسْبَابِ لِتَرَتُّبِ مُسَبَّبَاتِهَا عَلَيْهَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِهَا الْعَدَمُ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِهَا مِنْ حَيْثُ هُوَ وُجُودٌ، وَلَا عَدَمٌ بَلْ الْوُجُودُ إنْ وَقَعَ فَهُوَ لِوُجُودِ الْأَسْبَابِ لَا لَهَا، وَإِنْ وَقَعَ الْعَدَمُ عِنْدَ وُجُودِهَا فَلِعَدَمِ السَّبَبِ أَوْ لِوُجُودِ الْمَانِعِ فَهَذِهِ حَقِيقَةُ الشَّرْطِ قَدْ وُجِدَتْ فِي هَذِهِ الثَّلَاثَةِ فَتَكُونُ شُرُوطًا) قُلْت: قَدْ ثَبَتَ أَنَّهُ شَرْطٌ وَاحِدٌ وَهُوَ الْعِلْمُ بِحَيَاةِ
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
الْأَوَّلُ: الْأَسْمَاءُ الْمَخْصُوصَةُ وَالثَّانِي تَعَلُّقُهَا بِبَعْضِ أَجْزَاءِ الْفَلَكِ. وَالثَّالِثُ جَعْلُهَا فِي جِسْمٍ مِنْ الْأَجْسَامِ. وَالرَّابِعُ قُوَّةُ النَّفْسِ الصَّالِحَةِ لِهَذِهِ الْأَعْمَالِ، قَالَهُ الْأَصْلُ.
وَقَالَ ابْنُ الشَّاطِّ: وَهِيَ مَمْنُوعَةٌ شَرْعًا ثُمَّ مَنْ اعْتَقَدَ لَهَا فِعْلًا وَتَأْثِيرًا فَذَلِكَ كُفْرٌ، وَإِلَّا فَعِلْمُهَا مَعْصِيَةٌ غَيْرُ كُفْرٍ إمَّا مُطْلَقًا، وَإِمَّا مَا يُؤَدِّي مِنْهَا إلَى مَضَرَّةٍ دُونَ مَا يُؤَدِّي إلَى مَنْفَعَةٍ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ اهـ بِلَفْظِهِ.
(الْوَصْلُ السَّادِسُ) الْعَزَائِمُ قَالَ الْأَصْلُ: حَقِيقَتُهَا كَلِمَاتٌ، وَأَسْمَاءٌ يَزْعُمُ أَهْلُ هَذَا الْعِلْمِ أَنَّهَا تُعَظِّمُهَا الْمَلَائِكَةُ فَمَتَى أَقْسَمَ عَلَيْهَا بِهَا أَطَاعَتْ، وَأَجَابَتْ وَفَعَلَتْ مَا طَلَبَ مِنْهَا فَالْمُعَزِّمُ يُقْسِمُ بِتِلْكَ الْأَسْمَاءِ عَلَى ذَلِكَ الْمَلَكِ فَيُحْضِرُ الْقَبِيلَ مِنْ الْجَانِّ الَّذِي طَلَبَهُ أَوْ الشَّخْصَ مِنْهُمْ فَيَحْكُمُ فِيهِ بِمَا يُرِيدُ وَذَلِكَ أَنَّهُمْ يَزْعُمُونَ أَنَّ سُلَيْمَانَ عليه السلام لَمَّا أَعْطَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَجَدَ الْجَانَّ يَعْبَثُونَ بِبَنِي آدَمَ وَيَسْخَرُونَ بِهِمْ فِي الْأَسْوَاقِ وَيَخْطَفُونَهُمْ مِنْ الطُّرُقَاتِ فَسَأَلَ اللَّهَ تَعَالَى أَنْ يُوَلِّيَ عَلَى كُلِّ قَبِيلٍ مِنْ الْجَانِّ مَلِكًا يَضْبِطُهُمْ عَنْ الْفَسَادِ فَوَلَّى اللَّهُ تَعَالَى الْمَلَائِكَةَ عَلَى قَبَائِلِ الْجِنِّ فَمَنَعُوهُمْ مِنْ الْفَسَادِ وَمُخَالَطَةِ النَّاسِ، وَأَلْزَمَهُمْ سُلَيْمَانُ عليه السلام سُكْنَى الْقِفَارِ وَالْخَرَابِ مِنْ الْأَرْضِ دُونَ الْعَامِرِ لِيَسْلَمَ النَّاسُ مِنْ شَرِّهِمْ وَيَزْعُمُونَ أَيْضًا أَنَّ لِكُلِّ نَوْعٍ مِنْ الْمَلَائِكَةِ أَسْمَاءً أُمِرَتْ بِتَعْظِيمِهَا فَإِذَا عَنَى الْقَبِيلُ مِنْ الْجَانِّ أَوْ الشَّخْصُ مِنْهُمْ ذَكَرَ الْمُعَزِّمُ الْأَسْمَاءَ الَّتِي تُعَظِّمُهَا تِلْكَ الْمَلَائِكَةُ لِيُحْضِرُوا لَهُ مَنْ عَنَى وَأَفْسَدَ مِنْ الْجَانِّ لِيَحْكُمَ فِيهِ بِمَا يُرِيدُ وَيَزْعُمُونَ أَيْضًا أَنَّ هَذَا الْبَابَ إنَّمَا دَخَلَهُ الْخَلَلُ مِنْ جِهَةِ عَدَمِ ضَبْطِ تِلْكَ الْأَسْمَاءِ فَإِنَّهَا أَعْجَمِيَّةٌ لَا يُدْرَى وَزْنُ صِيَغِهَا، وَأَنَّ كُلَّ حَرْفٍ مِنْهَا يَشُكُّ فِيهِ هَلْ هُوَ بِالضَّمِّ أَوْ الْفَتْحِ أَوْ الْكَسْرِ وَرُبَّمَا أَسْقَطَ النُّسَّاخُ بَعْضَ حُرُوفِ الِاسْمِ مِنْ غَيْرِ عِلْمٍ فَيَخْتَلُّ الْعَمَلُ فَإِنَّ الْمُقْسَمَ بِهِ لَفْظٌ آخَرُ لَا يُعَظِّمُهُ ذَلِكَ الْمَلَكُ فَلَا يُجِيبُ فَلَا يَحْصُلُ مَقْصُودُ الْمُعَزِّمِ قَالَهُ الْأَصْلُ وَصَحَّحَهُ ابْنُ الشَّاطِّ إلَّا أَنَّهُ قَالَ، وَلَمْ يَذْكُرْ حُكْمَ الْعَزَائِمِ فِي الشَّرْعِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ حُكْمُهَا حُكْمَ الرُّقَى إذَا تَحَقَّقَتْ وَتَحَقَّقَ أَنْ لَا مَحْذُورَ فِي تِلْكَ الْأَلْفَاظِ اهـ فَافْهَمْ.
(الْوَصْلُ السَّابِعُ) الِاسْتِخْدَامَاتُ لِرُوحَانِيَّاتِ الْكَوَاكِبِ وَلِمُلُوكِ الْجَانِّ حَقِيقَتُهَا كَلِمَاتٌ خَاصَّةٌ مَوْضُوعَةٌ فِي كُتُبِ أَهْلِ هَذَا الْعِلْمِ يَزْعُمُونَ أَنَّهَا إذَا حَصَلَتْ مَعَ الْبَخُورِ الْخَاصِّ وَاللِّبَاسِ الْخَاصِّ عَلَى الَّذِي يُبَاشِرُ الْبَخُورَ، وَمَعَ الْأَفْعَالِ الْخَاصَّةِ الَّتِي اسْتَوْعَبُوا فِي كُتُبِهِمْ اشْتِرَاطَهَا كَانَتْ رُوحَانِيَّةُ ذَلِكَ الْكَوْكَبِ مُطِيعَةً لَهُ وَكَذَلِكَ يَكُونُ كُلُّ مَلِكٍ مِنْ مُلُوكِ الْجَانِّ مُطِيعًا لَهُ، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ يَزْعُمُونَ أَنَّ لِلْكَوَاكِبِ إدْرَاكَاتٍ رُوحَانِيَّةً فَإِذَا قُوبِلَتْ الْكَوَاكِبُ أَوْ مُلُوكُ الْجَانِّ بِبَخُورٍ خَاصٍّ وَلِبَاسٍ خَاصٍّ عَلَى الَّذِي يُبَاشِرُ الْبَخُورَ وَرُبَّمَا تَقَدَّمَتْ مِنْهُ أَفْعَالٌ خَاصَّةٌ مِنْهَا مَا هُوَ مُحَرَّمٌ فِي الشَّرْعِ كَاللِّوَاطِ، وَمِنْهَا مَا هُوَ كُفْرٌ صَرِيحٌ كَالسُّجُودِ لِلْكَوَاكِبِ أَوْ مَلِكِ الْجِنِّ وَكَذَلِكَ الْأَلْفَاظُ الَّتِي يُخَاطِبُ بِهَا الْكَوَاكِبَ أَوْ مَلِكَ الْجِنِّ مِنْهَا مَا هُوَ كُفْرٌ صَرِيحٌ كَنِدَائِهِ بِلَفْظِ الْآلِهِيَّةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَمِنْهَا مَا هُوَ غَيْرُ مُحَرَّمٍ عَلَى قَدْرِ تِلْكَ الْكَلِمَاتِ الْمَوْضُوعَةِ فِي كُتُبِهِمْ، وَالْغَالِبُ عَلَيْهِمْ الْكُفْرُ فَلَا جَرَمَ لَا يَشْتَغِلُ بِهَذِهِ الْأُمُورِ مُفْلِحٌ قَالَهُ الْأَصْلُ، وَسَلَّمَهُ ابْنُ الشَّاطِّ وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.
2 -
(خَاتِمَةٌ) أَسْأَلُ اللَّهَ حُسْنَهَا فِي تَبْصِرَةِ ابْنِ فَرْحُونٍ قَالَ الْبَاجِيَّ قَدْ ذَكَرَ النَّاسُ فِي أَمْرِ الْعَيْنِ وُجُوهًا أَصَحُّهَا أَنْ يَكُونَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ قَدْ أَجْرَى الْعَادَةَ عِنْدَ تَعَجُّبِ النَّاظِرِ مِنْ أَمْرٍ وَنُطْقِهِ دُونَ أَنْ يُبَرِّكَ أَنْ يَمْرَضَ الْمُتَعَجَّبُ مِنْهُ أَوْ يَتْلَفَ أَوْ يَتَغَيَّرَ؛ لِأَنَّ الْعَائِنَ إذَا بَرَّكَ وَهُوَ أَنْ يَقُولَ بَارَكَ اللَّهُ فِيهِ بَطَلَ الْمَعْنَى الَّذِي يَخَافُ مِنْ الْعَيْنِ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ تَأْثِيرٌ فَإِنْ لَمْ يُبَرِّكَ أَوْقَعَ اللَّهُ مَا أَجْرَى بِهِ الْعَادَةَ عِنْدَ ذَلِكَ وَقَدْ يَتَلَافَى ذَلِكَ بَعْدَ وُقُوعِهِ بِمَا أَمَرَ بِهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم اهـ.
وَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ الْبَارِي سُبْحَانَهُ هُوَ الْخَالِقُ لِمَا فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ، وَلَيْسَ فِيهَا حَرَكَةٌ، وَلَا سَكْنَةٌ، وَلَا كَلِمَةٌ، وَلَا لَفْظَةٌ إلَّا سُبْحَانَهُ خَالِقُهَا فِي الْعَبْدِ وَهُوَ مُقَدِّرُهَا