الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
جَزَمَ بِرُؤْيَةِ مِثَالِهِ عليه السلام كَمَا يَجْزِمُ بِهِ مَنْ رَآهُ فَيَنْتَفِي عَنْهُ اللَّبْسُ وَالشَّكُّ فِي رُؤْيَتِهِ عليه السلام وَأَمَّا غَيْرُ هَذَيْنِ فَلَا يَحْصُلُ لَهُ الْجَزْمُ بَلْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ رَآهُ عليه السلام بِمِثَالِهِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مِنْ تَخْيِيلِ الشَّيْطَانِ، وَلَا يُفِيدُ قَوْلُ الْمَرْئِيِّ لِمَنْ يَرَاهُ: أَنَا رَسُولُ اللَّهِ، وَلَا قَوْلُ مَنْ يَحْضُرُ مَعَهُ هَذَا رَسُولُ اللَّهِ؛ لِأَنَّ الشَّيْطَانَ يَكْذِبُ لِنَفْسِهِ وَيَكْذِبُ لِغَيْرِهِ فَلَا يَحْصُلُ الْجَزْمُ إذَا تَقَرَّرَ هَذَا وَأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ رُؤْيَةِ مِثَالِهِ الْمَخْصُوصِ فَيُشْكِلُ ذَلِكَ بِمَا تَقَرَّرَ فِي كُتُبِ التَّعْبِيرِ أَنَّ الرَّائِيَ يَرَاهُ شَيْخًا وَشَابًّا وَأَسْوَدَ وَذَاهِبَ الْعَيْنَيْنِ وَذَاهِبَ الْيَدَيْنِ وَعَلَى أَنْوَاعٍ شَتَّى مِنْ الْمُثُلِ الَّتِي لَيْسَتْ مِثَالَهُ عليه السلام فَالْجَوَابُ عَنْ هَذَا أَنَّ هَذِهِ الصِّفَاتِ صِفَاتُ الرَّائِي، وَأَحْوَالُهُمْ تَظْهَرُ فِيهِ عليه السلام، وَهُوَ كَالْمِرْآةِ لَهُمْ قُلْت لِبَعْضِ مَشَايِخِي: فَكَيْفَ يَبْقَى الْمِثَالُ مَعَ هَذِهِ الْأَحْوَالِ الْمُضَادَّةِ لَهُ فَقَالَ لِي: لَوْ كَانَ لَك أَبٌ شَابٌّ تَغَيَّبْت عَنْهُ ثُمَّ جِئْته فَوَجَدْته شَيْخًا أَوْ أَصَابَهُ يَرَقَانُ أَصْفَرُ أَوْ يَرَقَانُ أَسْوَدُ أَوْ أَصَابَهُ بَرَصٌ، أَوْ جُذَامٌ، أَوْ قُطِعَتْ أَعْضَاؤُهُ أَكُنْت تَشُكُّ فِيهِ أَنَّهُ أَبُوك قُلْت: لَا فَقَالَ لِي مَا ذَاكَ إلَّا لِمَا ثَبَتَ فِي نَفْسِك مِنْ مِثَالِهِ الْمُتَقَدِّمِ عِنْدَك الَّذِي لَا تَجْهَلُهُ بِعُرُوضِ هَذِهِ الصِّفَاتِ لَهُ فَكَذَلِكَ مَنْ ثَبَتَ عِنْدَهُ فِي نَفْسِهِ مِثَالُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم هَكَذَا لَا يَشُكُّ فِيهِ مَعَ عُرُوضِ هَذِهِ الْأَحْوَالِ لَهُ وَمَنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ لَا يَثِقُ بِأَنَّهُ رَآهُ عليه السلام وَإِذَا صَحَّ لَهُ الْمِثَالُ، وَانْضَبَطَ فَالسَّوَادُ يَدُلُّ عَلَى ظُلْمِ الرَّائِي، وَالْعَمَى يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ إيمَانِهِ؛ لِأَنَّهُ إدْرَاكٌ ذَاهِبٌ وَقَطْعُ الْيَدِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يَمْنَعُ مِنْ ظُهُورِ الشَّرِيعَةِ وَنُفُوذِ أَوَامِرِهَا، فَإِنَّ الْيَدَ يُعَبَّرُ بِهَا عَنْ الْقُدْرَةِ وَكَوْنُهُ أَمْرَدَ يَدُلُّ عَلَى الِاسْتِهْزَاءِ بِهِ، فَإِنَّ الشَّابَّ يُحْتَقَرُ، وَكَوْنُهُ شَيْخًا يَدُلُّ عَلَى تَعْظِيمِ النُّبُوَّةِ؛ لِأَنَّ الشَّيْخَ يُعَظَّمُ، وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ الصِّفَاتِ الدَّالَّةِ عَلَى الْأَحْكَامِ الْمُخْتَلِفَةِ
(فَرْعٌ) فَلَوْ رَآهُ عليه السلام فَقَالَ لَهُ: إنَّ امْرَأَتَك طَالِقٌ ثَلَاثًا، وَهُوَ يَجْزِمُ بِأَنَّهُ لَمْ يُطَلِّقْهَا فَهَلْ تَحْرُمُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَا يَقُولُ إلَّا حَقًّا وَقَعَ فِيهِ الْبَحْثُ مَعَ الْفُقَهَاءِ وَاضْطَرَبَتْ آرَاؤُهُمْ فِي ذَلِكَ بِالتَّحْرِيمِ وَعَدَمِهِ لِتَعَارُضِ خَبَرِهِ عليه السلام عَنْ تَحْرِيمِهَا فِي النَّوْمِ وَإِخْبَارِهِ فِي الْيَقَظَةِ فِي شَرِيعَتِهِ الْمُعَظَّمَةِ أَنَّهَا مُبَاحَةٌ لَهُ، وَاَلَّذِي يَظْهَرُ لِي أَنَّ إخْبَارَهُ عليه السلام فِي الْيَقَظَةِ مُقَدَّمٌ عَلَى الْخَبَرِ فِي النَّوْمِ لِتَطَرُّقِ الِاحْتِمَالِ لِلرَّائِي بِالْغَلَطِ فِي ضَبْطِ الْمِثَالِ، فَإِذَا عَرَضْنَا عَلَى أَنْفُسِنَا احْتِمَالَ طُرُوءِ الطَّلَاقِ مَعَ الْجَهْلِ بِهِ وَاحْتِمَالَ طُرُوءِ الْغَلَطِ فِي الْمِثَالِ فِي النَّوْمِ وَجَدْنَا الْغَلَطَ فِي الْمِثَالِ أَيْسَرَ وَأَرْجَحَ، وَمَنْ هُوَ مِنْ النَّاسِ يَضْبِطُ الْمِثَالَ عَلَى النَّحْوِ الْمُتَقَدِّمِ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
الْحَرَامِ.
وَلَا يَتَخَلَّصُ مِنْهُ إلَّا إنْ قَوِيَ إيمَانُهُ وَرَسَخَ قَدَمُهُ فِي التَّقْوَى، وَمَهْمَا حَرَّكَهُ خَوْفَ نَقْصِهِ عَنْ غَيْرِهِ جَرَّهُ إلَى الْحَسَدِ الْمَحْظُورِ، وَإِلَى مَيْلِ الطَّبْعِ إلَى زَوَالِ نِعْمَةِ الْغَيْرِ حَتَّى يَنْزِلَ لِمُسَاوَاتِهِ، وَهَذَا لَا رُخْصَةَ فِيهِ بِوَجْهٍ سَوَاءٌ أَكَانَ فِي مَقَاصِدِ الدِّينِ أَمْ الدُّنْيَا قَالَ الْغَزَالِيُّ: وَلَكِنَّ ذَلِكَ يُعْفَى عَنْهُ مَا لَمْ يَعْمَلْ بِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ - تَعَالَى، وَتَكُونُ كَرَاهَتُهُ لِذَلِكَ مِنْ نَفْسِهِ كَفَّارَةٌ لَهُ اهـ وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.
[الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْكِبْرِ وَقَاعِدَةِ التَّجَمُّلِ بِالْمَلَابِسِ وَالْمَرَاكِبِ]
(الْفَرْقُ الْحَادِي وَالسِّتُّونَ وَالْمِائَتَانِ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْكِبْرِ وَقَاعِدَةِ التَّجَمُّلِ بِالْمُلَابِسِ وَالْمَرَاكِبِ وَغَيْرِ ذَلِكَ)
وَهُوَ مِنْ جِهَتَيْنِ
(الْجِهَةُ الْأُولَى) : أَنَّ الْكِبْرَ مِنْ أَعْمَالِ الْقُلُوبِ فَلَا يَتَعَلَّقُ بِهِ الْحُسْنُ وَأَمَّا التَّجَمُّلُ فَمِنْ أَفْعَالِ الْجَوَارِحِ فَيَتَعَلَّقُ بِهِ الْحُسْنُ
(وَالْجِهَةُ الثَّانِيَةُ) : أَنَّ أَصْلَ التَّجَمُّلِ الْإِبَاحَةُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ} [الأعراف: 32] ، وَقَدْ يَعْرِضُ لَهُ مَا يَنْقُلُهُ عَنْ الْإِبَاحَةِ إمَّا إلَى الْوُجُوبِ كَتَوَقُّفِ تَنْفِيذِ الْوَاجِبِ عَلَيْهِ فِي نَحْوِ وُلَاةِ الْأُمُورِ فَإِنَّ الْهَيْئَاتِ الرَّثَّةَ لَا تَحْصُلُ مَعَهَا مَصَالِحُ الْعَامَّةِ مِنْهُمْ، وَإِمَّا إلَى النَّدْبِ كَتَوَقُّفِ الْمَنْدُوبِ عَلَيْهِ كَمَا فِي الصَّلَوَاتِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} [الأعراف: 31] أَيْ صَلَاةٍ، وَفِي الْجَمَاعَاتِ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ أَنْ يَرَى أَثَرَ نِعْمَتِهِ عَلَى عَبْدِهِ» بِبِنَاءِ يُرَى لِلْمَجْهُولِ، وَقَوْلُهُ: صلى الله عليه وسلم «إنَّ اللَّهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ فِي حَدِيثٍ طَوِيلٍ سَيَأْتِي وَفِي الْحُرُوبِ لِرَهْبَةِ الْعَدُوِّ، وَفِي الْمَرْأَةِ لِزَوْجِهَا، وَفِي الْعُلَمَاءِ لِتَعْظِيمِ الْعِلْمِ فِي نُفُوسِ النَّاسِ، وَقَدْ قَالَ عُمَرُ أُحِبُّ أَنْ أَنْظُرَ إلَى قَارِئِ الْقُرْآنِ أَبْيَضَ الثِّيَابِ.
وَقَدْ أَنْشَدَ الْإِمَامُ مَالِكٌ لَمَّا اعْتَرَضَ عَلَيْهِ بَعْضُ مُعَاصِرِيهِ فِي التَّجَمُّلِ بِالثِّيَابِ الثَّمِينَةِ
حَسِّنْ ثِيَابَك مَا اسْتَطَعْت فَإِنَّهَا
…
زَيْنُ الرِّجَالِ بِهَا تُعَزُّ وَتُكْرَمُ
وَدَعْ التَّوَاضُعَ فِي اللِّبَاسِ تَخَشُّنًا
…
فَاَللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُسِرُّ وَتُعْلِنُ
فَرَثِيثُ ثَوْبِك لَا يَزِيدُك رِفْعَةً
…
عِنْدَ الْإِلَهِ وَأَنْتَ عَبْدٌ مُجْرِمُ
وَجَدِيدُ ثَوْبِك لَا يَضُرُّك بَعْدَمَا
…
تَخْشَى الْإِلَهَ وَتَتَّقِي مَا يَحْرُمُ
وَإِمَّا إلَى التَّحْرِيمِ كَكَوْنِهِ وَسِيلَةً لِمُحَرَّمٍ كَمَنْ يَتَزَيَّنُ لِلنِّسَاءِ الْأَجْنَبِيَّاتِ لِيَزْنِيَ بِهِنَّ فَإِذَا عُدِمَ الْمُعَارِضُ النَّاقِلُ لَهُ عَنْ الْإِبَاحَةِ وَعَرِيَ عَنْ هَذِهِ الْأَسْبَابِ بَقِيَتْ الْإِبَاحَةُ، وَأَصْلُ الْكِبْرِ التَّحْرِيمُ.
وَقَدْ يَعْرِضُ لَهُ مَا يَنْقُلُهُ عَنْ التَّحْرِيمِ إمَّا إلَى الْوُجُوبِ كَمَا فِي الْكِبْرِ عَلَى الْكُفَّارِ فِي الْحُرُوبِ وَغَيْرِهَا، وَإِمَّا إلَى النَّدْبِ كَمَا فِي الْكِبْرِ عَلَى أَهْلِ الْبِدَعِ تَقْلِيلًا لِلْبِدْعَةِ، وَالْإِبَاحَةُ فِيهِ بَعِيدَةٌ فَإِذَا عُدِمَ الْمُعَارِضُ النَّاقِلُ عَنْ