الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عِنْدَ صِدْقِ الْعَزْمِ فَلَا يُمْكِنُنَا تَكْفِيرُهُمْ بِجَمْعِ الْعَقَاقِيرِ، وَلَا بِوَضْعِهَا فِي الْآبَارِ، وَلَا بِاعْتِقَادِهِمْ حُصُولَ تِلْكَ الْآثَارِ عِنْدَ ذَلِكَ الْفِعْلِ؛ لِأَنَّهُمْ جَرَّبُوا ذَلِكَ فَوَجَدُوهُ لَا يَنْخَرِمُ عَلَيْهِمْ لِأَجْلِ خَوَاصِّ نُفُوسِهِمْ فَصَارَ ذَلِكَ الِاعْتِقَادُ كَاعْتِقَادِ الْأَطِبَّاءِ حُصُولَ الْآثَارِ عِنْدَ شُرْبِ الْعَقَاقِيرِ لِخَوَاصِّ طَبَائِعَ تِلْكَ الْعَقَاقِيرِ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
عِنْدَ صِدْقِ الْعَزْمِ فَلَا يُمْكِنُنَا تَكْفِيرُهُمْ بِجَمْعِ الْعَقَاقِيرِ، وَلَا بِوَضْعِهَا فِي الْآبَارِ، وَلَا بِاعْتِقَادِهِمْ حُصُولَ تِلْكَ الْآثَارِ عِنْدَ ذَلِكَ الْفِعْلِ؛ لِأَنَّهُمْ جَرَّبُوا ذَلِكَ فَوَجَدُوهُ لَا يَنْخَرِمُ عَلَيْهِمْ لِأَجْلِ خَوَاصِّ نُفُوسِهِمْ فَصَارَ ذَلِكَ الِاعْتِقَادُ كَاعْتِقَادِ الْأَطِبَّاءِ حُصُولَ الْآثَارِ عِنْدَ شُرْبِ الْعَقَاقِيرِ لِخَوَاصِّ طَبَائِعِ تِلْكَ الْعَقَاقِيرِ وَخَوَاصُّ النُّفُوسِ لَا يُمْكِنُ التَّكْفِيرُ بِهَا؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ كَسْبِهِمْ، وَلَا كُفْرَ بِغَيْرِ مُكْتَسِبٍ.
وَأَمَّا اعْتِقَادُهُمْ أَنَّ الْكَوَاكِبَ تَفْعَلُ ذَلِكَ بِقُدْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى فَهَذَا خَطَأٌ؛ لِأَنَّهَا لَا تَفْعَلُ، وَلَا رَبَطَ اللَّهُ تَعَالَى ذَلِكَ بِهَا، وَإِنَّمَا جَاءَتْ الْآثَارُ مِنْ خَوَاصِّ نُفُوسِهِمْ الَّتِي رَبَطَ اللَّهُ تَعَالَى بِهَا تِلْكَ الْآثَارِ عِنْدَ ذَلِكَ الِاعْتِقَادِ فَيَكُونُ ذَلِكَ الِاعْتِقَادُ فِي الْكَوَاكِبِ خَطَأً كَمَا إذَا اعْتَقَدَ طَبِيبٌ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَوْدَعَ فِي الصَّبْرِ وَالسَّقَمُونْيَا عَقْلَ الْبَطْنِ وَقَطْعَ الْإِسْهَالِ فَإِنَّهُ خَطَأٌ، وَأَمَّا تَكْفِيرُهُ بِذَلِكَ فَلَا.
وَإِنْ اعْتَقَدُوا أَنَّ الْكَوَاكِبَ تَفْعَلُ ذَلِكَ وَالشَّيَاطِينَ بِقُدْرَتِهَا لَا بِقُدْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى فَقَدْ قَالَ بَعْضُ عُلَمَاءِ الشَّافِعِيَّةِ هَذَا مَذْهَبُ الْمُعْتَزِلَةِ فِي اسْتِقْلَالِ الْحَيَوَانَاتِ بِقُدْرَتِهَا دُونَ قُدْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى فَكَمَا لَا نُكَفِّرُ الْمُعْتَزِلَةَ بِذَلِكَ لَا نُكَفِّرُ هَؤُلَاءِ، وَمِنْهُمْ مَنْ فَرَّقَ بِأَنَّ الْكَوَاكِبَ مَظِنَّةُ الْعِبَادَةِ فَإِذَا انْضَمَّ إلَى ذَلِكَ اعْتِقَادُ الْقُدْرَةِ
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
فِي ثُبُوتِ الْحَقِّ بِإِثْبَاتِهِمَا مُقَامَ الشَّاهِدِينَ بِخِلَافِ الْقَسَامَةِ فِي الْخَطَأِ لِأَنَّهُ مَالٌ فَإِذَا أَثْبَتَ أَنَّ شَهَادَةَ الْوَاحِدِ فِي ذَلِكَ لَوْثٌ لَأَنْصَفَ شَهَادَةً تَكْمُلُ بِالْيَمِينِ فَكَذَلِكَ قَدْ يَكُونُ اللَّوْثُ بِغَيْرِ الْعَدْلِ، وَبِاللَّفِيفِ مِنْ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ لِأَنَّهُ لَطْخٌ لَا شَهَادَةٌ، وَالْقَسَامَةُ فِي هَذَا الْبَابِ أَصْلٌ مُخَصَّصٌ لِنَفْسِهِ لَا يَعْتَرِضُ عَلَيْهِ بِغَيْرِهِ عَلَى مَا وَرَدَتْ بِهِ السُّنَّةُ بِخِلَافِ سَائِرِ الْحُقُوقِ.
وَالْأَصَحُّ أَنْ لَا تَجِبَ الْقَسَامَةُ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، وَلَا يُرَاقُ دَمُ مُسْلِمٍ بِغَيْرِ الْعُدُولِ، وَذَكَرَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ فِي الْمَعُونَةِ أَنَّ مِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ يَجْعَلُ شَهَادَةَ الْعَبِيدِ وَالصِّبْيَانِ لَوْثًا، وَبِهِ قَالَ ابْنُ رَبِيعَةَ وَيَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، وَهَذَا حُكْمُ الْقَتْلِ عَلَى غَيْرِ وَجْهِ الْغِيلَةِ أَمَّا قَتْلُ الْغِيلَةِ فَقَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ إنْ شَهِدَ عَدْلٌ أَنَّهُ قَتَلَهُ غِيلَةً لَمْ يَقْسِمْ مَعَ شَهَادَتِهِ، وَلَا يُقْبَلُ فِي هَذَا إلَّا شَاهِدَانِ نَعَمْ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ رَأَيْت لِيَحْيَى بْنِ عُمَرَ أَنْ يَقْسِمَ مَعَهُ مِنْ الْمُنْتَقَى لِلْبَاجِيِّ اهـ الْمُرَادُ.
(الْوَصْلُ الثَّانِي) فِي التَّبْصِرَةِ صِفَةُ الْقَسَامَةِ أَنْ يَحْلِفَ الْأَوْلِيَاءُ خَمْسِينَ يَمِينًا أَنَّ فُلَانًا قَتَلَ وَلِيَّنَا فُلَانًا أَوْ أَنَّهُ ضَرَبَهُ، وَمِنْ ضَرْبِهِ مَاتَ إنْ كَانَ قَدْ عَاشَ بَعْدَ ذَلِكَ، وَيَقْتَصِرُ عَلَى قَوْلِهِ بِاَللَّهِ الَّذِي لَا إلَهَ غَيْرُهُ.
وَقَالَ الْمُغِيرَةُ يَزِيدُ الرَّحْمَنَ الرَّحِيمَ، وَيَحْلِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ النَّبَوِيَّةِ عِنْدَ الْمِنْبَرِ، وَفِي غَيْرِهَا بِالْجَامِعِ قِيَاسًا دُبُرَ الصَّلَاةِ بِمَحْضَرِ النَّاسِ، وَيُؤْتَى إلَى الْمَسَاجِدِ الثَّلَاثَةِ مِنْ مَسِيرَةِ عَشَرَةِ أَيَّامٍ، وَإِلَى سَائِرِ الْأَمْصَارِ مِنْ مَسِيرَةِ عَشَرَةِ أَمْيَالٍ، وَيَحْلِفُ فِي الْعَمْدِ مَنْ لَهُ الْقِصَاصُ مِنْ الرِّجَالِ الْمُكَلَّفِينَ، وَفِي الْخَطَأِ الْمُكَلَّفُونَ مِنْ الْوَرَثَةِ رِجَالًا وَنِسَاءً عَلَى قَدْرِ مِيرَاثِهِمْ، وَلَا قَسَامَةَ فِيمَنْ لَيْسَ لَهُ وَارِثٌ إذْ تَحْلِيفُ بَيْتِ الْمَالِ غَيْرُ مُمْكِنٍ، وَلَا قَسَامَةَ إلَّا بِنَسَبٍ أَوْ وَلَاءٍ، وَلَا يَقْسِمُ مِنْ الْقَبِيلَةِ إلَّا مِنْ التَّقِيِّ مَعَهُ فِي نَسَبٍ ثَابِتٍ، وَلَا يَقْسِمُ الْمَوْلَى الْأَسْفَلُ، وَلَكِنْ تُرَدُّ الْأَيْمَانُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَيَحْلِفُ خَمْسِينَ يَمِينًا فَإِنْ نَكَلَ سُجِنَ أَبَدًا حَتَّى يَحْلِفَ أَوْ يَمُوتَ اهـ الْمُرَادُ مِنْهَا فَانْظُرْهَا فِي الْأَصْلِ، وَأَيْمَانُ الْقَسَامَةِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهَا أَيْضًا مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةِ اهـ، وَسَلَّمَهُ ابْنُ الشَّاطِّ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
[الْحُجَّةُ الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ شَهَادَةُ النِّسَاءِ]
(الْبَابُ الْعَاشِرُ) فِي بَيَانِ مَا تَكُونُ فِيهِ الْحُجَّةُ الْحَادِيَةَ عَشَرَ، وَالْخِلَافُ فِي قَبُولِهَا وَدَلِيلُهُ، وَفِيهِ وَصْلَانِ:
(الْوَصْلُ الْأَوَّلُ) فِي التَّبْصِرَةِ الْقَضَاءُ بِقَوْلِ امْرَأَتَيْنِ بِانْفِرَادِهِمَا فِيمَا لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ إلَّا النِّسَاءُ كَالْوِلَادَةِ وَالْبَكَارَةِ وَالثُّيُوبَةِ وَالْحَيْضِ وَالْحَمْلِ وَالسِّقْطِ وَالِاسْتِهْلَالِ وَالرَّضَاعِ وَإِرْخَاءِ السُّتُورِ وَعُيُوبِ الْحَرَائِرِ وَالْإِمَاءِ، وَفِي كُلِّ مَا تَحْتَ ثِيَابِهِنَّ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَمَّا كَانَتْ هَذِهِ الْأُمُورُ مِمَّا لَا يَحْضُرُهَا الرِّجَالُ، وَلَا يَطَّلِعُونَ عَلَيْهَا أُقِيمَ فِيهَا النِّسَاءُ مُقَامَ الرِّجَالِ لِلضَّرُورَةِ قَالَ وَتَجُوزُ الْقَسَامَةُ مَعَ شَهَادَةِ امْرَأَتَيْنِ عَلَى أَحَدِ الْأَقْوَالِ فِيمَا تَجُوزُ مَعَهُ الْقَسَامَةُ قَالَ وَأَمَّا شَهَادَتُهُنَّ فِيمَا يَقَعُ بَيْنَهُنَّ فِي الْمَأْتَمِ وَالْحَمَّامِ مِنْ الْجِرَاحِ وَالْقَتْلِ فَفِي ذَلِكَ خِلَافٌ، وَالْأَصْلُ الْجَوَازُ لِلضَّرُورَةِ كَالصِّبْيَانِ فِيمَا يَقَعُ بَيْنَهُمْ مِنْ ذَلِكَ قَالَ ابْنُ الْمُنَاصِفِ وَكَذَلِكَ إنْ لَمْ يَكُونَا عَدْلَيْنِ لِأَنَّهُ مَوْضِعٌ لَا يَحْضُرُهُ الْعُدُولُ، وَرَأْيُ اللَّخْمِيِّ أَنْ يَقْسِمَ مَعَهُمَا فِي الْقَتْلِ ثُمَّ يُقَادَ، وَيَحْلِفَ فِي الْجِرَاحِ ثُمَّ يَقْتَصَّ، قَالَ وَإِنْ عَدَلَ مِنْهُنَّ فِي ذَلِكَ اثْنَتَانِ قَيَّدَ فِي الْقَتْلِ بِغَيْرِ قَسَامَةٍ وَاقْتَصَّ فِي الْجِرَاحِ بِغَيْرِ يَمِينٍ فَنَحَا بِهِنَّ مَنْحَى الرِّجَالِ، وَالصَّحِيحُ أَنَّ شَهَادَةَ النِّسَاءِ بَعْضِهِنَّ عَلَى بَعْضٍ فِي الْمَوَاضِعِ الَّتِي لَا يَحْضُرُهَا الرِّجَالُ كَمَا لِحَمَّامِ الْعُرْسِ وَالْمَآتِمِ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، وَلَا تَجُوزُ فِيمَا يَقَعُ بَيْنَهُنَّ مِنْ الْجِرَاحِ وَالْقَتْلِ لِأَنَّ الْغَالِبَ عَدَمُ ضَرُورَتِهِنَّ إلَى الِاجْتِمَاعِ فِي ذَلِكَ، وَقِيلَ تَجُوزُ لِحَاجَتِهِنَّ إلَى ذَلِكَ قَالَهُ ابْنُ رُشْدٍ قَالَ وَلَمْ يَزَلْ النِّسَاءُ يَجْمَعُهُنَّ فِي الْأَعْرَاسِ وَالْمَآتِمِ فِي زَمَنِهِ صلى الله عليه وسلم وَهَلُمَّ جَرًّا فَإِذَا لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُ بَعْضِهِنَّ عَلَى بَعْضٍ ذَهَبَتْ دِمَاؤُهُنَّ، وَفِي الْإِمْلَاءِ عَلَى الْجَلَّابِ الْمُقَيَّدُ عَنْ ابْنِ زَيْدٍ الْبُرْنَاسِيِّ قَالَ وَهَذَا إذَا كَانَ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
وَالتَّأْثِيرِ كَانَ كُفْرًا وَأُجِيبُ عَنْ هَذَا الْفَرْقِ بِأَنَّ تَأْثِيرَ الْحَيَوَانَاتِ فِي الْقَتْلِ وَالضَّرِّ وَالنَّفْعِ فِي مَجْرَى الْعَادَةِ مُشَاهَدٌ مِنْ السِّبَاعِ وَالْآدَمِيِّينَ وَغَيْرِهِمْ.
وَأَمَّا كَوْنُ الْمُشْتَرَى أَوْ زُحَلَ يُوجِبُ شَقَاوَةً أَوْ سَعَادَةً فَإِنَّمَا هُوَ حَزْرٌ وَتَخْمِينٌ مِنْ الْمُنَجِّمِينَ لَا صِحَّةَ لَهُ وَقَدْ عُبِدَتْ الْبَقَرُ وَالشَّجَرُ وَالْحِجَارَةُ وَالثَّعَابِينُ فَصَارَتْ هَذِهِ الشَّائِبَةُ مُشْتَرَكَةً بَيْنَ الْكَوَاكِبِ وَغَيْرِهَا فَهُوَ مَوْضِعُ نَظَرٍ وَاَلَّذِي لَا مِرْيَةَ فِيهِ أَنَّهُ كُفْرٌ إنْ اعْتَقَدَ أَنَّهَا مُسْتَقِلَّةٌ بِنَفْسِهَا لَا نَحْتَاجُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى فَهَذَا مَذْهَبُ الصَّائِبَةِ وَهُوَ كُفْرٌ صَرِيحٌ لَا سِيَّمَا إنْ صَرَّحَ بِنَفْيِ مَا عَدَاهَا وَبِهَذَا الْبَحْثِ يَظْهَرُ ضَعْفُ مَا قَالَتْهُ الْحَنَفِيَّةُ مِنْ أَنَّ أَمْرَ الشَّيَاطِينِ وَغَيْرِهِمْ كُفْرٌ بَلْ يَنْبَغِي لَهُمْ أَنْ يُفَصِّلُوا فِي هَذَا الْإِطْلَاقِ فَإِنَّ الشَّيَاطِينَ كَانَتْ تَصْنَعُ لِسُلَيْمَانَ عليه السلام مَا يَأْمُرُهُمْ بِهِ مِنْ مَحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَغَيْرِ ذَلِكَ فَإِنْ اعْتَقَدَ السَّاحِرُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى سَخَّرَ لَهُ بِسَبَبِ عَقَاقِيرِهِ مَعَ خَوَاصِّ نَفْسِهِ الشَّيَاطِينَ صَعُبَ الْقَوْلُ بِتَكْفِيرِهِ.
وَأَمَّا قَوْلُ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ عَلَامَةُ الْكُفْرِ فَمُشْكِلٌ؛ لِأَنَّا نَتَكَلَّمُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِاعْتِبَارِ الْفُتْيَا وَنَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّ حَالَ الْإِنْسَانِ فِي تَصْدِيقِهِ لِلَّهِ تَعَالَى وَرُسُلِهِ بَعْدَ عَمَلِ هَذِهِ الْعَقَاقِيرِ كَحَالِهِ قَبْلَ ذَلِكَ وَالشَّرْعُ لَا يُخْبِرُ عَلَى خِلَافِ الْوَاقِعِ فَإِنْ أَرَادُوا الْخَاتِمَةَ فَمُشْكِلٌ أَيْضًا لِأَنَّا لَا نُكَفِّرُ فِي الْحَالِ بِكُفْرٍ وَاقِعٍ فِي الْمَآلِ كَمَا أَنَّا لَا نَجْعَلُهُ مُؤْمِنًا فِي الْحَالِ بِإِيمَانٍ وَاقِعٍ فِي الْمَآلِ وَهُوَ يَعْبُدُ الْأَصْنَامَ الْآنَ بَلْ الْأَحْكَامُ الشَّرْعِيَّةُ تَتْبَعُ أَسْبَابَهَا وَتُحَقِّقُهَا لَا تُوقِعُهَا.
وَإِنْ قَطَعْنَا بِوُقُوعِهَا كَمَا أَنَّا نَقْطَعُ بِغُرُوبِ الشَّمْسِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَلَا نُرَتِّبُ مُسَبَّبَاتِهَا
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
فِي الْعُرْسِ الْمُبَاحِ الَّذِي لَا يَخْتَلِطُ فِيهِ الرِّجَالُ مَعَ النِّسَاءِ، وَلَمْ يَكُنْ هُنَاكَ مُنْكَرٌ بَيِّنٌ وَكَانَ دُخُولُهُنَّ الْحَمَّامَ بِالْمِئْزَرِ فِي هَذِهِ مَسْأَلَةُ الْخِلَافِ.
وَأَمَّا إذَا كُنَّ فِي الْحَمَّامِ بِغَيْرِ مِئْزَرٍ، وَفِي الْأَعْرَاسِ الَّتِي يَمْتَزِجُ فِيهِ الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ فَلَا يَخْتَلِفُ فِي الْمَذْهَبِ أَنَّ شَهَادَةَ بَعْضِهِنَّ لِبَعْضٍ لَا تُقْبَلُ وَكَذَلِكَ الْمَأْتَمُ لَا يَحْصُلُ حُضُورُهُ إذَا كَانَ فِيهِ نَوْحٌ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِمَّا حَرَّمَهُ الشَّارِعُ لِأَنَّ بِحُضُورِهِنَّ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ تَسْقُطُ عَدَالَتُهُنَّ، وَاَللَّهُ تَعَالَى اشْتَرَطَ الْعَدَالَةَ فِي الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ} [البقرة: 282] اهـ الْمُرَادُ فَانْظُرْهَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (الْوَصْلُ الثَّانِي) فِي الْأَصْلِ وَقَعَ خِلَافُ الْأَئِمَّةِ لَنَا فِي قَبُولِ شَهَادَةِ النِّسَاءِ، وَعَدَمِ قَبُولِهَا فِي ثَلَاثِ مَسَائِلَ
(الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى) خَالَفْنَا أَبُو حَنِيفَةَ فِي قَبُولِ النِّسَاءِ مُنْفَرِدَاتٍ فِي الرَّضَاعِ، وَلَنَا أَنَّهُ مَعْنًى لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ الرِّجَالُ غَالِبًا فَتَجُوزُ مُنْفَرِدَاتٍ كَالْوِلَادَةِ، وَالِاسْتِهْلَالِ (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) خَالَفَنَا الشَّافِعِيُّ فِي قَبُولِ الْمَرْأَتَيْنِ فِيمَا يَنْفَرِدَانِ فِيهِ، وَقَالَ لَا بُدَّ مِنْ أَرْبَعٍ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إنْ كَانَتْ الشَّهَادَةُ مَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ قُبِلَتْ فِيهِ وَاحِدَةٌ، وَقَبِلَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَاحِدَةً مُطْلَقًا فِيمَا لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ الرِّجَالُ، وَعِنْدَنَا لَا بُدَّ مِنْ اثْنَتَيْنِ مُطْلَقًا وَيَكْفِيَانِ لَنَا وَجْهَانِ
(الْأَوَّلُ) أَنَّ كُلَّ جِنْسٍ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ فِي شَيْءٍ عَلَى الِانْفِرَادِ كَفَى مِنْهُ اثْنَانِ، وَلَا يَكْفِي مِنْهُ وَاحِدٌ كَالرَّجُلِ فِي سَائِرِ الْحُقُوقِ
(الثَّانِي) أَنَّ شَهَادَةَ الرِّجَالِ أَقْوَى، وَأَكْثَرَ، وَلَمْ يَكْفِ وَاحِدٌ فَالنِّسَاءُ أَوْلَى، وَأَمَّا الْوُجُوهُ الَّتِي احْتَجُّوا بِهَا فَأَرْبَعَةٌ (الْأَوَّلُ) مَا رَوَى «عُقْبَةُ بْنُ الْحَارِثِ قَالَ تَزَوَّجَتْ أُمُّ يَحْيَى بِنْتُ أَبِي إيهَابٍ فَأَتَتْ أُمُّ سَوْرَةَ فَقَالَتْ أَرْضَعْتُكُمَا فَأَتَيْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَذَكَرْت لَهُ ذَلِكَ فَأَعْرَضَ عَنِّي ثُمَّ أَتَيْته فَقُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّهَا كَاذِبَةٌ قَالَ كَيْفَ، وَقَدْ عَلِمْت وَزَعَمْت ذَلِكَ» مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، وَجَوَابُهُ أَنَّهُ حُجَّةٌ لَنَا فَإِنَّ أَمْرَهُ صلى الله عليه وسلم فِيهِ بِطَرِيقِ الْفُتْيَا لَا بِطَرِيقِ الْحُكْمِ، وَالْإِلْزَامِ لِأَمْرَيْنِ
(الْأَوَّلِ) أَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّ أَخْبَارَ الْوَاحِدِ يُفِيدُ الظَّنَّ، وَالْقَاعِدَةُ أَنَّ مَنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ تَحْرِيمَ شَيْءٍ بِطَرِيقٍ مِنْ الطُّرُقِ كَانَ ذَلِكَ الطَّرِيقُ يُفْضِي إلَى الْحُكْمِ أَمْ لَا فَإِنَّ ذَلِكَ الشَّيْءَ يَحْرُمُ عَلَيْهِ فَمَنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ طُلُوعُ الْفَجْرِ فِي رَمَضَانَ حَرُمَ عَلَيْهِ الْأَكْلُ أَوْ أَنَّ الطَّعَامَ نَجَسٌ حَرُمَ عَلَيْهِ أَكْلُهُ، وَنَحْوِ ذَلِكَ
(الْأَمْرُ الثَّانِي) أَنَّ الْمَرْأَةَ الْوَاحِدَةَ لَوْ كَفَتْ فِي كَمَالِ الْحُجَّةِ لَأَمَرَهُ بِالتَّفْرِيقِ مِنْ أَوَّلِ مَرَّةٍ كَمَا لَوْ شَهِدَ عَدْلَانِ لِأَنَّ التَّنْفِيذَ عِنْدَ كَمَالِ الْحُجَّةِ وَاجِبٌ عَلَى الْفَوْرِ لَا سِيَّمَا فِي اسْتِبَاحَةِ الْفُرُوجِ فَلَا يَدُلُّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْوَاحِدَةَ كَافِيَةٌ فِي الْحُكْمِ بَلْ عَلَى أَنَّ مَعْنَاهُ مَا عَلِمْت
(الْوَجْهِ الثَّانِي) مَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ قَبِلَ شَهَادَةَ الْقَابِلَةِ وَحْدَهَا فِي الِاسْتِهْلَالِ، وَجَوَابُهُ أَنَّهُ مُعَارَضٌ بِأَدِلَّتِنَا الْمُتَقَدِّمَةِ فَيُحْمَلُ عَلَى الْفُتْيَا جَمْعًا بَيْنَ الْأَدِلَّةِ
(الْوَجْهِ الثَّالِثِ) مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ «فِي الرَّضَاعِ شَهَادَةُ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ تُجْزِئُ» ، وَجَوَابُهُ أَنَّهُ مُعَارَضٌ كَذَلِكَ بِأَدِلَّتِنَا فَيُحْمَلُ عَلَى الْفُتْيَا إلَخْ
(الْوَجْهِ الرَّابِعِ) الْقِيَاسُ عَلَى الرِّوَايَةِ، وَجَوَابُهُ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ الرِّوَايَةَ تَثْبُتُ حُكْمًا عَامًّا فِي الْأَمْصَارِ وَالْأَعْصَارِ لَا عَلَى مُعَيَّنٍ فَلَيْسَتْ مَظِنَّةَ الْعَدَاوَةِ فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهَا الْعَدَدُ فَتُقْبَلُ الْوَاحِدَةُ فِي الرِّوَايَةِ، وَلَا تُقْبَلُ فِي الشَّهَادَةِ اتِّفَاقًا.
(الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) قَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَابْنُ حَنْبَلٍ لَا يُقْبَلُ النِّسَاءُ فِي أَحْكَامِ الْأَبْدَانِ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يُقْبَلُ فِي أَحْكَامِ الْأَبْدَانِ شَاهِدٌ وَامْرَأَتَانِ إلَّا فِي الْجِرَاحِ الْمُوجِبَةِ لِلْقَوَدِ فِي النُّفُوسِ وَالْأَطْرَافِ لَنَا وُجُوهٌ:
(الْأَوَّلُ) قَوْله تَعَالَى فِي مَسَائِلِ الْمُدَايَنَاتِ {فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ} [البقرة: 282] فَكَانَ كُلُّ مَا يَتَعَلَّقُ بِالْمَالِ مِثْلُهُ، وَمَفْهُومُهُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ