الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْأَمْرُ كَمَا قَالَ بَلْ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ عَلَى الْقَضَاءِ بِهِ، وَكَذَلِكَ بِشَهَادَةِ امْرَأَتَيْنِ فَإِنَّ الشَّافِعِيَّ لَا يُجِيزُ الْحُكْمَ إلَّا بِأَرْبَعِ نِسْوَةٍ، وَالْحُكْمُ الْوَاقِعُ بِشَهَادَةِ الصِّبْيَانِ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ، وَغَيْرِهِ فَإِنَّهَا مُدْرَكٌ ضَعِيفٌ مُخْتَلَفٌ فِيهِ فَيَتَطَرَّقُ النَّقْضُ لِجَمِيعِ هَذِهِ الْأَحْكَامِ لِأَنَّ الْحُكْمَ عِنْدَ الْمُخَالِفِ بِغَيْرِ مُدْرَكٍ، وَإِنْ كَانَ الْمُسْتَنَدُ فِي نَقْضِ الْقَضَاءِ بِالْعِلْمِ لَيْسَ كَوْنَهُ مُدْرَكًا مُخْتَلَفًا فِيهِ، وَأَنَّا لَا نَعْتَقِدُهُ مُدْرَكًا بَلْ مُسْتَنَدًا لِنَفْيِ التُّهْمَةِ كَمَا نَنْقُضُهُ إذَا حَكَمَ لِنَفْسِهِ فَلَا يُشَارِكُهُ فِي النَّقْضِ غَيْرُهُ مِنْ الْمَدَارِكِ الْمُخْتَلَفِ فِيهَا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ مَعَ أَنِّي قَدْ تَرَجَّحَ عِنْدِي فِيمَا، وَضَعْته فِي كِتَابِ الْأَحْكَامِ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ الْفَتَاوَى، وَالْأَحْكَامِ أَنَّ الْقَضَاءَ بِالْمُدْرَكِ الْمُخْتَلَفِ فِيهِ يَرْفَعُ الْخِلَافَ فِيهِ، وَيُعَيِّنُهُ لِأَنَّ الْخِلَافَ فِي ذَلِكَ الْمُدْرَكِ مَوْطِنُ اجْتِهَادٍ فَيَتَعَيَّنُ أَحَدُ الطَّرَفَيْنِ بِالْحُكْمِ فِيهِ كَمَا يَتَعَيَّنُ أَحَدُ الطَّرَفَيْنِ بِالِاجْتِهَادِ فِي الْمَسْأَلَةِ نَفْسِهَا الْمُخْتَلَفِ فِيهَا فَهَذِهِ الْأَقْسَامُ الْخَمْسَةُ هِيَ ضَابِطُ مَا يُنْتَقَضُ مِنْ قَضَاءِ الْقَاضِي، وَمَا خَرَجَ عَنْ هَذِهِ الْخَمْسَةِ لَا يُنْقَضُ، وَهُوَ مَا اجْتَمَعَ فِيهِ تَنَاوُلُ الْوِلَايَةِ لَهُ، وَالدَّلِيلِ، وَالسَّبَبِ، وَالْحُجَّةِ، وَانْتَفَتْ فِيهِ التُّهْمَةُ، وَوَقَعَ عَلَى الْأَوْضَاعِ الشَّرْعِيَّةِ كَانَ مُجْمَعًا عَلَيْهِ أَوْ مُخْتَلَفًا فِيهِ
(الْفَرْقُ الرَّابِعُ وَالْعِشْرُونَ وَالْمِائَتَانِ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْفَتْوَى وَقَاعِدَةِ الْحُكْمِ) :
وَيَنْبَنِي عَلَى الْفَرْقِ تَمْكِينُ غَيْرِهِ مِنْ الْحُكْمِ بِغَيْرِ مَا قَالَ فِي الْفُتْيَا فِي مَوَاضِعِ الْخِلَافِ بِخِلَافِ الْحُكْمِ اعْلَمْ أَنَّ الْعِبَادَاتِ كُلَّهَا عَلَى الْإِطْلَاقِ لَا يَدْخُلُهَا الْحُكْمُ أَلْبَتَّةَ بَلْ الْفُتْيَا فَقَطْ فَكُلُّ مَا وُجِدَ فِيهَا مِنْ الْإِخْبَارَاتِ فَهِيَ فُتْيَا فَقَطْ فَلَيْسَ لِحَاكِمٍ أَنْ يَحْكُمَ بِأَنَّ هَذِهِ الصَّلَاةَ صَحِيحَةٌ أَوْ بَاطِلَةٌ، وَلَا أَنَّ هَذَا الْمَاءَ دُونَ الْقُلَّتَيْنِ فَيَكُونُ نَجِسًا فَيَحْرُمُ عَلَى الْمَالِكِيِّ بَعْدَ ذَلِكَ اسْتِعْمَالُهُ بَلْ مَا يُقَالُ فِي ذَلِكَ إنَّمَا هُوَ فُتْيَا إنْ كَانَتْ مَذْهَبَ السَّامِعِ عَمِلَ بِهَا، وَإِلَّا فَلَهُ تَرْكُهَا، وَالْعَمَلُ بِمَذْهَبِهِ، وَيَلْحَقُ بِالْعِبَادَاتِ أَسْبَابُهَا فَإِذَا شَهِدَ بِهِلَالِ رَمَضَانَ شَاهِدٌ وَاحِدٌ فَأَثْبَتَهُ حَاكِمٌ شَافِعِيٌّ، وَنَادَى فِي الْمَدِينَةِ بِالصَّوْمِ لَا يَلْزَمُ ذَلِكَ الْمَالِكِيَّ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
قَالَ (الْفَرْقُ الرَّابِعُ وَالْعِشْرُونَ وَالْمِائَتَانِ قَاعِدَةُ الْفَتْوَى وَقَاعِدَةُ الْحُكْمِ إلَى قَوْلِهِ وَإِلَّا فَلَهُ تَرْكُهَا، وَالْعَمَلُ بِمَذْهَبِهِ) :
قُلْت مَا قَالَهُ فِي ذَلِكَ صَحِيحٌ قَالَ (وَيَلْحَقُ بِالْعِبَادَاتِ أَسْبَابُهَا فَإِذَا شَهِدَ بِهِلَالِ رَمَضَانَ وَاحِدٌ فَأَثْبَتَهُ حَاكِمٌ شَافِعِيٌّ، وَنَادَى فِي الْمَدِينَةِ بِالصَّوْمِ لَا يَلْزَمُ ذَلِكَ الْمَالِكِيَّ
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
مَعَ إمْكَانِ وُجُودِ غَيْرِهِ كَالشَّمْسِ أَيْ الْكَوْكَبِ النَّهَارِيِّ الْمُضِيءِ مِنْهَا وَاحِدٌ، وَيُمْكِنُ أَنْ يُوجَدَ مِنْهَا شُمُوسٌ كَثِيرَةٌ كَمَا فِي شَرْحِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ عَلَى أيسا غوجي الْمَنْطِق وَحَاشِيَةِ الْعَطَّارِ عَلَيْهِ فَتَأَمَّلْ بِإِنْصَافٍ، وَلَا تَأْخُذَ الْحَقَّ بِالرِّجَالِ بَلْ الرِّجَالَ بِالْحَقِّ كَمَا هُوَ أَدَبُ أَهْلِ الْكَمَالِ، وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.
[الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يَقْبَلُ الْقِسْمَةَ وَقَاعِدَةِ مَا لَا يَقْبَلُهَا]
(الْفَرْقُ الْخَامِسَ عَشَرَ وَالْمِائَتَانِ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يَقْبَلُ الْقِسْمَةَ وَقَاعِدَةِ مَا لَا يَقْبَلُهَا) الْقِسْمَةُ قَالَ التَّسَوُّلِيُّ عَلَى الْعَاصِمِيَّةِ تَصْيِيرُ مَشَاعٍ مَمْلُوكٍ لِمَالِكَيْنِ فَأَكْثَرَ مُعَيَّنًا بِقُرْعَةٍ أَوْ تَرَاضٍ بَلْ وَلَوْ بِاخْتِصَاصِ تَصَرُّفٍ فِيهِ وَقَوْلُهُ مُعَيَّنًا مَفْعُولٌ ثَانٍ لِتَصْيِيرٍ، وَقَوْلُهُ بِقُرْعَةٍ أَوْ تَرَاضٍ مُتَعَلِّقٌ بِهِ، وَقَوْلُهُ بَلْ وَلَوْ بِاخْتِصَاصٍ إلَخْ مُبَالَغَةٌ عَلَيْهِ يَعْنِي هِيَ أَنْ يَصِيرَ الْقَاسِمُ الْمَشَاعُ الْمَمْلُوكُ لِمَالِكَيْنِ فَأَكْثَرَ مُعَيَّنًا بِاخْتِصَاصٍ فِي الرِّقَابِ بِقُرْعَةٍ أَوْ تَرَاضٍ بَلْ وَلَوْ كَانَ التَّعْيِينُ بِاخْتِصَاصٍ فِي الْمَنَافِعِ فَقَطْ أَيْ بِقُرْعَةٍ أَوْ تَرَاضٍ مَعَ بَقَاءِ الْأَصْلِ مَشَاعًا كَسُكْنَى دَارٍ وَخِدْمَةِ عَبْدٍ هَذَا شَهْرًا وَهَذَا شَهْرًا. قَالَ ثُمَّ هِيَ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ (الْأَوَّلُ) قِسْمَةُ قُرْعَةٍ بَعْدَ تَعْدِيلٍ وَتَقْوِيمٍ وَهِيَ بَيْعٌ عِنْدَ مَالِكٍ، وَصَوَّبَهُ اللَّخْمِيُّ، وَالْأَصَحُّ عِنْدَ عِيَاضٍ وَابْنِ رُشْدٍ أَنَّهَا تَمْيِيزُ حَقٍّ، وَعَلَيْهِ عَوَّلَ خَلِيلٌ إذْ قَالَ فِي مُخْتَصَرِهِ، وَهِيَ تَمْيِيزُ حَقٍّ (النَّوْعُ الثَّانِي) قِسْمَةُ مُرَاضَاةٍ بَعْدَ تَعْدِيلٍ وَتَقْوِيمٍ كَذَلِكَ، وَهِيَ بَيْعٌ عَلَى الْمَشْهُورِ (النَّوْعُ الثَّالِثُ) قِسْمَةُ مُرَاضَاةٍ مِنْ غَيْرِ تَعْدِيلٍ، وَلَا تَقْوِيمٍ، وَهِيَ بَيْعٌ بِلَا خِلَافٍ اهـ.
الْمُرَادُ بِتَصَرُّفٍ وَزِيَادَةٍ، وَفِي شَرْحِ عَبْدِ الْبَاقِي عَلَى مُخْتَصَرِ خَلِيلٍ عِنْدَ قَوْلِهِ، وَمُرَاضَاةٍ فَكَالْبَيْعِ مَا حَاصِلُهُ أَنَّ قَوْلَهُ فَكَالْبَيْعِ أَفَادَ أَمْرَيْنِ (الْأَوَّلُ) أَنَّهُ يَجُوزُ هُنَا بِالتَّرَاضِي مَا لَا يَجُوزُ فِي الْبَيْعِ، وَلِذَلِكَ نَظَائِرُ مِنْهَا مَا عَارَضَ بِهِ ابْنُ رُشْدٍ قَوْلَهُمْ إنَّهَا بَيْعٌ، وَسَلَّمَهُ فِي التَّوْضِيحِ مِنْ مَسْأَلَةِ، وَفِي قَفِيزٍ أَخَذَ أَحَدُهُمَا ثُلُثَهُ، وَالْآخَرُ ثُلُثَيْهِ نَعَمْ قَالَ الرَّمَاصِيُّ إنَّ مَسْأَلَةَ الْقَفِيزِ صُبْرَةٌ وَاحِدَةٌ.
وَقَدْ قَالُوا إنَّ قِسْمَةَ الصُّبْرَةِ الْوَاحِدَةِ لَيْسَتْ حَقِيقَةً لِاتِّحَادِ الصِّفَةِ وَالْقَدْرِ اُنْظُرْهُ، وَمِنْهَا أَنَّهُ يَجُوزُ قِسْمَةُ مَا أَصْلُهُ أَنْ يُبَاعَ مَكِيلًا مِمَّا يَجُوزُ فِيهِ التَّفَاضُلُ مَعَ مَا أَصْلُهُ أَنْ يُبَاعَ جُزَافًا مَعَ خُرُوجِ كُلٍّ مِنْهُمَا عَنْ أَصْلِهِ كَأَنْ يَقْتَسِمَا فَدَّانًا مِنْ الزَّعْفَرَانِ مُزَارَعَةً مَا فِيهِ مِنْ الزَّعْفَرَانِ فَقَدْ قُسِمَ الزَّعْفَرَانُ جُزَافًا، وَأَصْلُهُ الْوَزْنُ، وَالْأَرْضُ كَيْلًا وَأَصْلُهَا الْجُزَافُ، وَلَا يَجُوزُ جَمْعُهُمَا فِي الْبَيْعِ، وَمِنْهَا أَنَّهُ يَجُوزُ قَسْمُ مَا زَادَ غَلَّتُهُ عَلَى الثُّلُثِ، وَلَمْ يُجِيزُوا بَيْعَهُ. (الْأَمْرُ الثَّانِي) أَنَّهُ يَجُوزُ بِالتَّرَاضِي مَا لَا يَجُوزُ، وَلِذَلِكَ نَظَائِرُ مِنْهَا أَنَّ قِسْمَةَ التَّرَاضِي
لِأَنَّ ذَلِكَ فُتْيَا لَا حُكْمٌ، وَكَذَلِكَ إذَا قَالَ حَاكِمٌ قَدْ ثَبَتَ عِنْدِي الدَّيْنُ يُسْقِطُ الزَّكَاةَ أَوْ لَا يُسْقِطُهَا أَوْ مِلْكُ نِصَابٍ مِنْ الْحُلِيِّ الْمُتَّخَذِ بِاسْتِعْمَالِ الْمُبَاحِ سَبَبُ وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِيهِ أَوْ أَنَّهُ لَا يُوجِبُ الزَّكَاةَ أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ مِنْ أَسْبَابِ الْأَضَاحِيِّ، وَالْعَقِيقَةِ، وَالْكَفَّارَاتِ، وَالنُّذُورِ، وَنَحْوِهَا مِنْ الْعِبَادَاتِ الْمُخْتَلَفِ فِيهَا أَوْ فِي أَسْبَابِهَا لَا يَلْزَمُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ مَنْ لَا يَعْتَقِدُهُ بَلْ يَتَّبِعُ مَذْهَبَهُ فِي نَفْسِهِ.
وَلَا يَلْزَمُهُ قَوْلُ ذَلِكَ الْقَائِلِ لَا فِي عِبَادَةٍ، وَلَا فِي سَبَبِهَا وَلَا شَرْطِهَا، وَلَا مَانِعِهَا، وَبِهَذَا يَظْهَرُ أَنَّ الْإِمَامَ لَوْ قَالَ لَا تُقِيمُوا الْجُمُعَةَ إلَّا بِإِذْنِي لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ حُكْمًا، وَإِنْ كَانَتْ مَسْأَلَةً مُخْتَلَفًا فِيهَا هَلْ تَفْتَقِرُ الْجُمُعَةُ إلَى إذْنِ السُّلْطَانِ أَمْ لَا، وَلِلنَّاسِ أَنْ يُقِيمُوا بِغَيْرِ إذْنِ الْإِمَامِ إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي ذَلِكَ صُورَةُ الْمَشَاقَّةِ، وَخَرْقُ أُبَّهَةِ الْوِلَايَةِ، وَإِظْهَارُ الْعِنَادِ وَالْمُخَالَفَةِ فَتُمْنَعُ إقَامَتُهَا بِغَيْرِ أَمْرِهِ لِأَجْلِ ذَلِكَ لَا لِأَنَّهُ مَوْطِنُ خِلَافٍ اتَّصَلَ بِهِ حُكْمُ حَاكِمٍ، وَقَدْ قَالَهُ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ.
وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ بَلْ حُكْمُ الْحَاكِمِ إنَّمَا يُؤَثِّرُ إذَا أَنْشَأَهُ فِي مَسْأَلَةٍ اجْتِهَادِيَّةٍ تَتَقَارَبُ فِيهَا الْمَدَارِكُ لِأَجْلِ مَصْلَحَةٍ دُنْيَوِيَّةٍ فَاشْتِرَاطِي قَيْدَ الْإِنْشَاءِ احْتِرَازٌ مِنْ حُكْمِهِ فِي مَوَاقِعِ الْإِجْمَاعِ فَإِنَّ ذَلِكَ إخْبَارٌ، وَتَنْفِيذٌ مَحْضٌ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
لِأَنَّ ذَلِكَ فُتْيَا لَا حُكْمٌ) قُلْت فِيمَا قَالَهُ فِي ذَلِكَ نَظَرٌ إذْ لِقَائِلٍ أَنَّهُ يَقُولُ إنَّهُ حُكْمٌ يَلْزَمُ جَمِيعَ أَهْلِ ذَلِكَ الْبَلَدِ قَالَ (وَكَذَلِكَ إذَا قَالَ حَاكِمٌ ثَبَتَ عِنْدِي أَنَّ الدَّيْنَ يُسْقِطُ الزَّكَاةَ أَوْ لَا يُسْقِطُهَا أَوْ مِلْكَ نِصَابٍ مِنْ الْحُلِيِّ الْمُتَّخَذِ لِاسْتِعْمَالٍ مُبَاحٍ سَبَبُ وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِيهِ أَوْ أَنَّهُ لَا يُوجِبُ الزَّكَاةَ إلَى قَوْلِهِ لَا فِي عِبَادَةٍ، وَلَا فِي سَبَبِهَا، وَلَا شَرْطِهَا وَلَا مَانِعِهَا) قُلْت لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ إنَّهُ يَلْزَمُ غَيْرَ ذَلِكَ الْحَاكِمَ مِمَّنْ يُخَالِفُ مَذْهَبُهُ مَذْهَبَهُ مَا بُنِيَ عَلَى ذَلِكَ الثُّبُوتِ كَمَا إذَا ثَبَتَ عِنْدَهُ أَنَّ الدَّيْنَ لَا يُسْقِطُ الزَّكَاةَ، وَأَرَادَ أَخْذَهَا مِمَّنْ يُخَالِفُ مَذْهَبُهُ مَذْهَبَهُ أَنَّهُ لَا يَسُوغُ لَهُ الِامْتِنَاعُ مِنْ دَفْعِهَا لَا لَهُ، وَكَذَلِكَ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ قَالَ (وَبِهَذَا يَظْهَرُ أَنَّ الْإِمَامَ لَوْ قَالَ لَا تُقِيمُوا الْجُمُعَةَ إلَّا بِإِذْنِي لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ حُكْمًا إلَى قَوْلِهِ، وَقَدْ قَالَهُ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ) قُلْت بَلْ هُوَ صَحِيحٌ كَمَا قَالَ ذَلِكَ الْفَقِيهُ لِأَنَّهُ حُكْمُ حَاكِمٍ اتَّصَلَ بِأَمْرٍ مُخْتَلَفٍ فِيهِ فَتَعَيَّنَ الْوُقُوفُ عِنْدَ حُكْمِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
قَالَ (بَلْ حُكْمُ الْحَاكِمِ إنَّمَا يُؤَثِّرُ إذَا أَنْشَأَهُ فِي مَسْأَلَةٍ اجْتِهَادِيَّةٍ تَتَقَارَبُ فِيهَا الْمَدَارِكُ لِأَجْلِ مَصْلَحَةٍ دُنْيَوِيَّةٍ فَاشْتِرَاطِي قَيْدَ الْإِنْشَاءِ احْتِرَازٌ مِنْ حُكْمِهِ فِي مَوَاقِعِ الْإِجْمَاعِ فَإِنَّ ذَلِكَ إخْبَارٌ وَتَنْفِيذٌ مَحْضٌ) قُلْت لَيْسَ مَا قَالَهُ مِنْ أَنَّهُ إخْبَارٌ بِصَحِيحٍ بَلْ
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
تَكُونُ فِيهَا تَمَاثُلٌ أَوْ اخْتِلَافُ جِنْسٍ، وَمِنْهَا أَنَّهَا تَكُونُ فِي الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ وَفِي غَيْرِهِ، وَمِنْهَا أَنَّهُ لَا يُقَامُ فِيهَا بِالْغَبْنِ حَيْثُ لَمْ يُدْخِلَا مُقَوَّمًا، وَمِنْهَا أَنَّهُ لَا يُجْبِرُ عَلَيْهَا أَبَاهُ، وَمِنْهَا أَنَّهَا لَا تَحْتَاجُ لِتَعْدِيلٍ وَتَقْوِيمٍ، وَمِنْهَا أَنَّهُ يُجْمَعُ فِيهَا بَيْنَ حَظِّ اثْنَيْنِ فَأَكْثَرَ بِخِلَافِ الْقُرْعَةِ فِي الْجَمِيعِ عَلَى خِلَافِ مَنَافِعَ فِي الْبَعْضِ كَمَا سَيَأْتِي اهـ.
بِبَعْضِ إصْلَاحٍ مِنْ الْبُنَانِيِّ فَالْمَقْسُومُ نَوْعَانِ: (الْأَوَّلُ) رِقَابُ الْأَمْوَالِ (وَالثَّانِي) الرِّقَابُ، وَهُمَا إمَّا قَابِلَانِ لِلْقِسْمَةِ بِالْقُرْعَةِ، وَإِمَّا غَيْرُ قَابِلَيْنِ لَهَا فَمَا لَا يَقْبَلُهَا أَحَدٌ أَرْبَعَةُ أُمُورٍ (الْأَوَّلُ) مَا فِي قِسْمَةِ الْغَرَرِ كَمَشْرُوعِيَّةِ الْقُرْعَةِ فِي الْمُخْتَلِفَاتِ فَإِنَّ الْغَرَرَ يَعْظُمُ، وَالْمُخْتَلِفَاتُ إمَّا مِنْ الرِّبَاعِ، وَإِمَّا مِنْ الْعُرُوضِ، وَإِمَّا مِمَّا يُكَالُ أَوْ يُوزَنُ فَإِنْ كَانَتْ مِنْ الرِّبَاعِ فَقَالَ حَفِيدٌ ابْنُ رُشْدٍ فِي بِدَايَتِهِ لَا خِلَافَ فِي أَنَّهُ لَا يُجْمَعُ بَيْنَ أَنْوَاعِ الرِّبَاعِ الْمُخْتَلِفَةِ مِثْلُ أَنْ يَكُونَ مِنْهَا دُورٌ، وَمِنْهَا حَوَائِطُ، وَمِنْهَا أَرْضٌ فِي الْقِسْمَةِ بِالسُّهْمَةِ، وَإِنْ كَانَتْ مِنْ الْعُرُوضِ فَقَالَ التَّسَوُّلِيُّ عَلَى الْعَاصِمِيَّةِ، وَلَيْسَ لَهُمْ أَنْ يَجْعَلُوا الْبَقَرَ مَثَلًا فِي نَاحِيَةِ الْعَقَارِ أَوْ الْإِبِلِ الَّتِي تُعَادِلُهَا فِي الْقِيمَةِ فِي نَاحِيَةٍ، وَيَقْتَرِعُونَ لِأَنَّ الْقُرْعَةَ لَا يُجْمَعُ فِيهَا بَيْنَ جِنْسَيْنِ، وَلَا بَيْنَ نَوْعَيْنِ عَلَى الْمَشْهُورِ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ الْغَرَرِ اهـ.
مَحَلُّ الْحَاجَةِ مِنْهُ، وَقَالَ حَفِيدٌ ابْنُ رُشْدٍ فِي الْبِدَايَةِ، وَإِذَا كَانَتْ أَكْثَرَ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى قِسْمَتِهَا عَلَى التَّرَاضِي، وَاخْتَلَفُوا فِي قِسْمَتِهَا بِالتَّعْدِيلِ وَالسُّهْمَةِ فَمَنَعَهَا مَالِكٌ فِي غَيْرِ الصِّنْفِ الْوَاحِدِ، وَذَهَبَ ابْنُ حَبِيبٍ إلَّا أَنَّهُ يُجْمَعُ فِي الْقِسْمَةِ مَا تَقَارَبَ مِنْ الصِّنْفَيْنِ مِثْلُ الْقَزِّ وَالْحَرِيرِ وَالْقُطْنِ وَالْكَتَّانِ، وَأَجَازَ أَشْهَبُ جَمْعَ صِنْفَيْنِ فِي الْقِسْمَةِ بِالسُّهْمَةِ مَعَ التَّرَاضِي، وَذَلِكَ ضَعِيفٌ لِأَنَّ الْغَرَرَ لَا يَجُوزُ بِالتَّرَاضِي، وَإِنْ كَانَتْ مِمَّا يُكَالُ أَوْ يُوزَنُ فَقَالَ الْحَفِيدُ أَيْضًا أَمَّا مَا كَانَ مِنْهَا صُبْرَتَيْنِ فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ مِمَّا لَا يَجُوزُ فِيهِ التَّفَاضُلُ فَعَلَى جِهَةِ الْجَمْعِ لَا تَجُوزُ قِسْمَتُهَا عَلَى مَذْهَبِ مَالِكٍ إلَّا بِالْكَيْلِ الْمَعْلُومِ فِيمَا يُكَالُ، وَبِالْوَزْنِ بِالصَّنْجَةِ الْمَعْرُوفَةِ فِيمَا يُوزَنُ لِأَنَّ أَصْلَ مَذْهَبِهِ أَنَّهُ يَحْرُمُ التَّفَاضُلُ فِي الصِّنْفَيْنِ إذَا تَقَارَبَتْ مَنَافِعُهَا مِثْلُ الْقَمْحِ وَالشَّعِيرِ، وَإِذَا كَانَتْ بِمِكْيَالٍ مَجْهُولٍ لَمْ يَدْرِ كَمْ يَحْصُلْ فِيهِ مِنْ الْكَيْلِ الْمَعْلُومِ مِنْ الصِّنْفِ الْوَاحِدِ مِنْهُمَا. وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ مِمَّا يَجُوزُ فِيهِ التَّفَاضُلُ فَعَلَى جِهَةِ الْجَمْعِ تَجُوزُ قِسْمَتُهَا عَلَى الِاعْتِدَالِ وَالتَّفَاضُلِ الْبَيِّنِ الْمَعْرُوفِ بِالْكَيْلِ الْمَعْلُومِ أَوْ الصَّنْجَةِ الْمَعْرُوفَةِ، وَهَذَا الْجَوَازُ كُلُّهُ فِي الْمَذْهَبِ عَلَى جِهَةِ الرِّضَاءِ. وَأَمَّا فِي وَاجِبِ الْحُكْمِ فَلَا تَنْقَسِمُ كُلُّ صُبْرَةٍ إلَّا عَلَى حِدَةٍ بِالْمِكْيَالِ الْمَعْلُومِ وَالْمَجْهُولِ اهـ بِتَلْخِيصٍ وَإِصْلَاحٍ.
(الْأَمْرُ الثَّانِي) مَا فِي قِسْمَةِ الرِّبَا كَقَسْمِ الثِّمَارِ بِشَرْطِ التَّأْخِيرِ إلَى الطِّيبِ بِمَا يَدْخُلُهُ مِنْ بَيْعِ الطَّعَامِ بِالطَّعَامِ غَيْرِ مَعْلُومِ التَّمَاثُلِ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ إمَّا بَيْعٌ بِاتِّفَاقٍ أَوْ عَلَى الْخِلَافِ كَمَا عَلِمْت
وَفِي مَوَاقِعِ الْخِلَافِ يُنْشِئُ حُكْمًا، وَهُوَ إلْزَامُ أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ اللَّذَيْنِ قِيلَ بِهِمَا فِي الْمَسْأَلَةِ، وَيَكُونُ إنْشَاؤُهُ إخْبَارًا خَاصًّا عَنْ اللَّهِ تَعَالَى فِي تِلْكَ الصُّورَةِ مِنْ ذَلِكَ الْبَابِ، وَجَعَلَ اللَّهُ تَعَالَى إنْشَاءَهُ فِي مَوَاطِنِ الْخِلَافِ نَصًّا، وَرَدَ مِنْ قِبَلِهِ فِي خُصُوصِ تِلْكَ الصُّورَةِ كَمَا لَوْ قَضَى فِي امْرَأَةٍ عُلِّقَ طَلَاقُهَا قَبْلَ الْمِلْكِ بِوُقُوعِ الطَّلَاقِ فَيَتَنَاوَلُ هَذِهِ الصُّورَةَ الدَّلِيلُ الدَّالُّ عَلَى عَدَمِ لُزُومِ الطَّلَاقِ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ، وَحُكْمُ الْمَالِكِيِّ بِالنَّقْضِ، وَلُزُومِ الطَّلَاقِ نَصٌّ خَاصٌّ تَخْتَصُّ بِهِ هَذِهِ الْمَرْأَةُ الْمُعَيَّنَةُ، وَهُوَ نَصٌّ مِنْ قِبَلِ اللَّهِ تَعَالَى فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ ذَلِكَ لِلْحَاكِمِ رَفْعًا لِلْخُصُومَاتِ وَالْمُشَاجَرَاتِ، وَهَذَا النَّصُّ الْوَارِدُ مِنْ هَذَا الْحَاكِمِ أَخَصُّ مِنْ ذَلِكَ الدَّلِيلِ الْعَامِّ فَيُقَدَّمُ عَلَيْهِ لِأَنَّ الْقَاعِدَةَ الْأُصُولِيَّةَ أَنَّهُ إذَا تَعَارَضَ الْخَاصُّ وَالْعَامُّ قُدِّمَ الْخَاصُّ عَلَى الْعَامِّ فَلِذَلِكَ لَا يَرْجِعُ الشَّافِعِيُّ يُفْتِي بِمُقْتَضَى دَلِيلِهِ الْعَامِّ الشَّامِلِ لِجُمْلَةِ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ مِنْهَا لِتَنَاوُلِهَا نَصٌّ خَاصٌّ بِهَا مُخْرِجٌ لَهَا عَنْ مُقْتَضَى ذَلِكَ الدَّلِيلِ الْعَامِّ، وَيُفْتِي الشَّافِعِيُّ بِمُقْتَضَى دَلِيلِهِ الْعَامِّ فِيمَا عَدَا هَذِهِ الصُّورَةِ مِنْ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ.
وَكَذَلِكَ لَوْ حَكَمَ الشَّافِعِيُّ بِاسْتِمْرَارِ الزَّوْجِيَّةِ بَيْنَهُمَا خَرَجَتْ هَذِهِ الصُّورَةُ عَنْ دَلِيلِ الْمَالِكِيِّ وَأَفْتَى فِيهِ بِلُزُومِ النِّكَاحِ وَدَوَامِهِ، وَفِي غَيْرِهَا بِلُزُومِ الطَّلَاقِ لِأَجَلِ مَا أَنْشَأَهُ الشَّافِعِيُّ مِنْ الْحُكْمِ تَقْدِيمًا لِلْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ فَهَذَا هُوَ مَعْنَى الْإِنْشَاءِ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
هُوَ تَنْفِيذٌ مَحْضٌ، وَهُوَ الْحُكْمُ بِعَيْنِهِ إذْ لَا مَعْنَى لِلْحُكْمِ إلَّا التَّنْفِيذُ، وَمِمَّا يُوَضِّحُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ أَنَّ حَاكِمًا ثَبَتَ عِنْدَهُ بِوَجْهِ الثُّبُوتِ أَنَّ لِزَيْدٍ عِنْدَ عَمْرٍو مِائَةَ دِينَارٍ فَأَمَرَهُ أَنْ يُعْطِيَهُ إيَّاهَا أَنَّ ذَلِكَ الْأَمْرَ لَا يَصِحُّ بِوَجْهٍ أَنْ يَكُونَ إخْبَارًا، وَهَذَا الْمَوْضِعُ، وَمَا أَشْبَهَهُ مِنْ مَوَاقِعِ الْإِجْمَاعِ فَلَا يَصِحُّ قَوْلُهُ إنَّ مَوَاقِعَ الْإِجْمَاعِ لَا يَدْخُلُهَا الْحُكْمُ بَلْ الْإِخْبَارُ بِوَجْهٍ أَصْلًا قَالَ (وَفِي مَوَاقِعِ الْخِلَافِ يُنْشِئُ حُكْمًا، وَهُوَ إلْزَامُ أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ اللَّذَيْنِ قِيلَ بِهِمَا فِي الْمَسْأَلَةِ) قُلْت إلْزَامُهُ أَحَدَ الْقَوْلَيْنِ هُوَ تَنْفِيذُ الْحُكْمِ وَإِمْضَاؤُهُ بِعَيْنِهِ قَالَ (وَيَكُونُ إنْشَاؤُهُ إخْبَارًا خَاصًّا عَنْ اللَّهِ تَعَالَى فِي تِلْكَ الصُّورَةِ مِنْ ذَلِكَ الْبَابِ) قُلْت وَكَيْفَ يَكُونُ إنْشَاءً، وَيَكُونُ مَعَ ذَلِكَ خَبَرًا، وَقَدْ تَقَدَّمَ لَهُ الْفَرْقُ بَيْنَ الْإِنْشَاءِ وَالْخَبَرِ هَذَا مَا لَا يَصِحُّ بِوَجْهٍ قَالَ (وَجَعَلَ اللَّهُ تَعَالَى إنْشَاءَهُ فِي مَوَاطِنِ الْخِلَافِ نَصًّا، وَرَدَ مِنْ قِبَلِهِ فِي خُصُوصِ تِلْكَ الصُّورَةِ إلَى قَوْلِهِ فَهَذَا هُوَ مَعْنَى الْإِنْشَاءِ) قُلْت لَا كَلَامَ أَشَدَّ فَسَادًا مِنْ كَلَامِهِ
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
فَإِنْ تَبَايَنَ الْجِنْسُ الْوَاحِدُ بِالْجَوْدَةِ وَالرَّدَاءَةِ فَفِي جَوَازِهِ بِالْقُرْعَةِ قَوْلَانِ حَكَاهُمَا اللَّخْمِيُّ كَمَا فِي الْأَصْلِ، وَفِي بِدَايَةِ حَفِيدِ ابْنِ رُشْدٍ لَا تَجُوزُ الْقُرْعَةُ فِي الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ بِاتِّفَاقٍ إلَّا مَا حَكَى اللَّخْمِيُّ اهـ.
فَمُفَادُ الْأَصْلِ أَنَّ الْقَوْلَيْنِ بِجَوَازِ الْقُرْعَةِ وَمَنْعِهَا حَكَاهُمَا اللَّخْمِيُّ عَنْ الْمَذْهَبِ فِي خُصُوصِ مَا إذَا تَبَايَنَ الْجِنْسُ الْوَاحِدُ بِالْجَوْدَةِ وَالرَّدَاءَةِ بِلَا تَرْجِيحٍ لِأَحَدِهِمَا، وَمَفَادُ الْحَفِيدِ أَنَّ الْقَوْلَ بِمَنْعِهَا فِي الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ مُطْلَقًا اتَّفَقَ عَلَيْهِ أَهْلُ الْمَذْهَبِ، وَأَنَّ الْقَوْلَ بِجَوَازِهَا فِي ذَلِكَ ضَعِيفٌ حَكَاهُ اللَّخْمِيُّ مُخَالِفًا لِإِجْمَاعِهِمْ، وَسَيَأْتِي عَنْ الْبُنَانِيِّ عَلَى عبق مَا سَلَّمَ لَهُ الرَّهُونِيُّ وَكَنُونِ مِنْ أَنَّ الْقَوْلَيْنِ فِي الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ مُطْلَقًا بِلَا تَرْجِيحٍ لِأَحَدِهِمَا، وَأَنَّ الْقَوْلَ بِالْجَوَازِ أَخَذَهُ اللَّخْمِيُّ وَأَبُو الْحَسَنِ مِنْ كَلَامِ الْمُدَوَّنَةِ مُقَيَّدًا بِمَا إذَا اسْتَوَى الْوَزْنُ وَالْقِيمَةُ فَإِنْ اخْتَلَفَتْ الْقِيمَةُ مُنِعَتْ الْقُرْعَةُ فَانْظُرْ ذَلِكَ (الْأَمْرُ الثَّالِثُ) مَا كَانَ فِي قَسْمِهِ إضَاعَةُ الْمَالِ لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى كَقَسْمِ الْيَاقُوتِيَّةِ (الْأَمْرُ الرَّابِعُ) مَا كَانَ فِي قَسْمِهِ إضَاعَةُ الْمَالِ لِحَقٍّ آدَمِيٍّ كَقَسْمِ الدَّارِ اللَّطِيفَةِ وَالْحَمَّامِ وَالْخَشَبَةِ وَالثَّوْبِ وَالْمِصْرَاعَيْنِ قَالَ الْأَصْلُ: وَلِكَوْنِ إضَاعَةِ الْمَالِ فِي هَذَا الْأَمْرِ لِحَقٍّ آدَمِيٍّ يَجُوزُ عِنْدَنَا قَسْمُهُ بِالتَّرَاضِي لِأَنَّ لِلْآدَمِيِّ إسْقَاطُ حَقِّهِ بِخِلَافِ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى فِي إضَاعَةِ الْمَالِ وَغَيْرِهِ وَمَنَعَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ قَسْمَ مَا فِيهِ ضَرَرٌ أَوْ تَغَيُّرُ نَوْعِ الْمَقْسُومِ اهـ.
بِتَوْضِيحٍ مَا، وَفِي بِدَايَةِ الْمُجْتَهِدِ لِحَفِيدِ ابْنِ رُشْدٍ اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ قِسْمَةُ وَاحِدٍ مِنْ الْحَيَوَانِ وَالْعُرُوضِ لِلْفَسَادِ الدَّاخِلِ فِي ذَلِكَ اهـ.
وَظَاهِرُهُ أَنَّ اتِّفَاقَهُمْ عَلَى مَنْعِ قِسْمَةِ ذَلِكَ لِمُطْلَقِ الْفَسَادِ كَانَ لِحَقِّ اللَّهِ أَوْ لِحَقٍّ آدَمِيٍّ، وَلَكِنْ الْأَوْلَى حَمْلُهُ عَلَى الْفَسَادِ لِحَقِّ اللَّهِ فَقَطْ كَمَا فِي الْأَصْلِ فَافْهَمْ قَالَ الْحَفِيدُ، وَاخْتَلَفُوا إذَا تَشَاحَّ الشَّرِيكَانِ فِي الْعَيْنِ الْوَاحِدَةِ مِنْهُمَا، وَإِنْ لَمْ يَتَرَاضَيَا بِالِانْتِفَاعِ بِهَا عَلَى الشِّيَاعِ، وَأَرَادَ أَحَدُهُمَا أَنْ يَبِيعَ صَاحِبُهُ مَعَهُ فَقَالَ مَالِكٌ وَأَصْحَابُهُ يُجْبَرُ عَلَى ذَلِكَ فَإِنْ أَرَادَ أَحَدَهُمَا أَنْ يَأْخُذَهُ بِالْقِيمَةِ الَّتِي أَعْطَى فِيهَا أَخَذَهُ.
وَقَالَ أَهْلُ الظَّاهِرِ لَا يُجْبَرُ لِأَنَّ الْأُصُولَ تَقْتَضِي أَنْ لَا يَخْرُجَ مِلْكُ أَحَدٍ مِنْ يَدِهِ إلَّا بِدَلِيلٍ مِنْ كِتَابٍ أَوْ سُنَّةٍ أَوْ إجْمَاعٍ، وَحُجَّةُ مَالِكٍ أَنَّ فِي تَرْكِ الْإِجْبَارِ ضَرَرًا، وَهَذَا مِنْ بَابِ الْقِيَاسِ الْمُرْسَلِ، وَقَدْ قُلْنَا فِي غَيْرِ مَا مَوْضِعٍ أَنَّهُ لَا يَقُولُ بِهِ أَحَدٌ مِنْ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ إلَّا مَالِكٍ، وَلَكِنَّهُ كَالضَّرُورِيِّ فِي بَعْضِ الْأَشْيَاءِ اهـ.
قُلْت، وَلَعَلَّ مُرَادَهُ بِالْقِيَاسِ الْمُرْسَلِ الْمَصْلَحَةُ الْمُرْسَلَةُ، وَقَدْ حَقَّقْت فِي رِسَالَتِي انْتِصَارِ الِاعْتِصَامِ وَجْهَهَا، وَأَنَّ مَالِكًا لَمْ يَخْتَصَّ بِالْقَوْلِ بِهَا فَانْظُرْهَا إنْ شِئْت.
وَأَمَّا مَا يَقْبَلُ الْقِسْمَةَ بِالْقُرْعَةِ فَهُوَ مَا عُرِّيَ عَنْ هَذِهِ الْأُمُورِ الْأَرْبَعَةِ (وَتَوْضِيحُ
وَقَوْلِي فِي مَسْأَلَةٍ اجْتِهَادِيَّةٍ احْتِرَازٌ مِنْ مَوَاقِعِ الْإِجْمَاعِ فَإِنَّ الْحُكْمَ هُنَالِكَ ثَابِتٌ بِالْإِجْمَاعِ فَيَتَعَذَّرُ فِيهِ الْإِنْشَاءُ لِتَعَيُّنِهِ وَثُبُوتِهِ إجْمَاعًا، وَقَوْلِي تَتَقَارَبُ مَدَارِكُهَا احْتِرَازٌ مِنْ الْخِلَافِ الشَّاذِّ الْمَبْنِيِّ عَلَى الْمُدْرَكِ الضَّعِيفِ فَإِنَّهُ لَا يَرْفَعُ الْخِلَافَ بَلْ يُنْقَضُ فِي نَفْسِهِ إذَا حَكَمَ بِالْفَتْوَى الْمَبْنِيَّةِ عَلَى الْمُدْرَكِ، وَقَوْلِي لِأَجْلِ مَصَالِحِ الدُّنْيَا احْتِرَازٌ مِنْ الْعِبَادَاتِ كَالْفَتْوَى بِتَحْرِيمِ السِّبَاعِ، وَطَهَارَةِ الْأَوَانِي
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
فِي هَذَا الْفَصْلِ.
وَكَيْفَ يَكُونُ إنْشَاءُ الْحَاكِمِ الْحُكْمَ فِي مَوَاقِعِ الْخِلَافِ نَصًّا خَاصًّا مِنْ قِبَلِ اللَّهِ تَعَالَى، وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم «إذَا اجْتَهَدَ أَحَدُكُمْ فَأَصَابَ فَلَهُ أَجْرَانِ، وَإِنْ اجْتَهَدَ فَأَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ وَاحِدٌ» وَكَيْفَ يَصِحُّ الْخَطَأُ فِيمَا فِيهِ النَّصُّ مِنْ قِبَلِ اللَّهِ تَعَالَى هَذَا كَلَامٌ بَيِّنُ الْخَطَأِ بِلَا شَكٍّ فِيهِ، وَمَا تَخَيَّلَ هُوَ أَوْ غَيْرُهُ مِنْ ذَلِكَ لَا يَصِحُّ، وَلَا حَاجَةَ إلَيْهِ، وَإِنَّمَا هُوَ يُعَيِّنُ فِي الْقَضِيَّةِ الْمُعَيَّنَةِ أَحَدَ الْقَوْلَيْنِ أَوْ الْأَقْوَالَ إذَا اتَّصَلَ بِهِ حُكْمُ الْحَاكِمِ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ الْمَصْلَحَةِ فِي نُفُوذِ الْحُكْمِ وَثَبَاتِهِ، وَلِمَا فِيهِ مِنْ الْمَفْسَدَةِ لَوْ لَمْ يُنَفَّذْ لَا لِمَا قَالَهُ مِنْ أَنَّهُ إنْشَاءٌ مِنْ الْحَاكِمِ مَوْضُوعٌ كَنَصٍّ خَاصٍّ مِنْ قِبَلِ اللَّهِ تَعَالَى، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ (وَقَوْلِي فِي مَسْأَلَةٍ اجْتِهَادِيَّةٍ احْتِرَازٌ مِنْ مَوْقِعِ الْإِجْمَاعِ فَإِنَّ الْحُكْمَ هُنَالِكَ ثَابِتٌ بِالْإِجْمَاعِ فَيَتَعَذَّرُ فِيهِ الْإِنْشَاءُ لِتَعَيُّنِهِ وَثُبُوتِهِ إجْمَاعًا) قُلْت هَذَا كَلَامٌ سَاقِطٌ أَيْضًا، وَكَمَا أَنَّ الْحُكْمَ فِي مَوَاقِعِ الْإِجْمَاعِ ثَابِتٌ بِالْإِجْمَاعِ فَالْحُكْمُ فِي مَوَاقِعِ الْخِلَافِ ثَابِتٌ بِالْخِلَافِ فَعَلَى الْقَوْلِ بِالتَّصْوِيبِ كِلَاهُمَا حَقٌّ وَحُكْمُ اللَّهِ تَعَالَى، وَعَلَى الْقَوْلِ بِعَدَمِ التَّصْوِيبِ أَحَدُهُمَا حَقٌّ، وَحُكْمُ اللَّهِ تَعَالَى، وَلَكِنْ ثَبَتَ الْعُذْرُ لِلْمُكَلَّفِ فِي ذَلِكَ، وَمَا أَوْقَعَهُ فِيمَا وَقَعَ فِيهِ إلَّا الِاشْتِرَاكُ الَّذِي فِي لَفْظِ الْحُكْمِ فَإِنَّهُ يُقَالُ الْحُكْمُ فِي الطَّلَاقِ الْمُعَلَّقِ عَلَى النِّكَاحِ اللُّزُومُ لِلْمُقَلِّدِ الْمَالِكِيِّ، وَيُقَالُ الْحُكْمُ الَّذِي حَكَمَ بِهِ الْحَاكِمُ الْفُلَانِيُّ عَلَى فُلَانٍ مُعَلِّقِ الطَّلَاقِ لُزُومُ الطَّلَاقِ، وَالْمُرَادُ بِالْحُكْمِ الْأَوَّلِ لُزُومُ الطَّلَاقِ لِكُلِّ مُعَلِّقٍ لِلطَّلَاقِ مِنْ مَالِكِيٍّ أَوْ مُقَلِّدٍ لِمَالِكِيٍّ، وَالْمُرَادُ بِالْحُكْمِ الثَّانِي لُزُومُ الطَّلَاقِ بِإِلْزَامِ الْحَاكِمِ الْمَحْكُومِ عَلَيْهِ مِنْ مَالِكِيٍّ أَوْ غَيْرِ الْمَالِكِيِّ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
قَالَ (وَقَوْلِي تَتَقَارَبُ مَدَارِكُهَا احْتِرَازٌ مِنْ الْخِلَافِ الشَّاذِّ الْمَبْنِيِّ عَلَى الْمُدْرَكِ الضَّعِيفِ فَإِنَّهُ لَا يَرْفَعُ الْخِلَافَ بَلْ يُنْقَضُ فِي نَفْسِهِ إذَا حُكِمَ بِالْفَتْوَى الْمَبْنِيَّةِ عَلَى الْمُدْرَكِ الضَّعِيفِ) قُلْت لِلْكَلَامِ فِي الْقَوْلِ الشَّاذِّ وَالْمُدْرَكِ الضَّعِيفِ مَجَالٌ لَيْسَ هَذَا مَوْضِعُهُ قَالَ (وَقَوْلِي لِأَجْلِ مَصَالِحِ الدُّنْيَا احْتِرَازٌ مِنْ الْعِبَادَاتِ كَالْفَتْوَى بِتَحْرِيمِ السِّبَاعِ وَطَهَارَةِ الْأَوَانِي
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
الْكَلَامِ) فِيهِ أَنَّ الْمَقْسُومَ كَمَا مَرَّ إمَّا رِقَابُ أَمْوَالٍ، وَإِمَّا مَنَافِعُ الرِّقَابِ، وَأَقْسَامُ الرِّقَابِ ثَلَاثَةٌ لِأَنَّهَا إمَّا أَنْ تُنْقَلَ وَتُحَوَّلَ أَمْ لَا، وَالثَّانِي هُوَ الرِّبَاعُ، وَالْأُصُولُ وَالْأَوَّلُ إمَّا مَكِيلٌ أَوْ مَوْزُونٌ، وَإِمَّا غَيْرُ مَكِيلٍ وَلَا مَوْزُونٍ، وَهُوَ الْحَيَوَانُ وَالْعُرُوضُ أَمَّا الْحَيَوَانُ وَالْعُرُوضُ فَقَالَ حَفِيدُ ابْنِ رُشْدٍ فِي بِدَايَتِهِ اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى جَوَازِ قِسْمَةِ الْمُتَعَدِّدِ مِنْهُمَا عَلَى التَّرَاضِي، وَاخْتَلَفُوا فِي قِسْمَتِهِ بِالتَّعْدِيلِ وَالسُّهْمَةِ فَأَجَازَهَا مَالِكٌ وَأَصْحَابُهُ فِي الصِّنْفِ الْوَاحِدِ، وَمَنَعَ مِنْ ذَلِكَ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ، وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُ مَالِكٍ فِي تَمْيِيزِ الصِّنْفِ الْوَاحِدِ الَّذِي تَجُوزُ فِيهِ السُّهْمَةُ مِنْ الَّذِي لَا تَجُوزُ فِيهِ فَاعْتَبَرَ أَشْهَبُ بِمَا لَا يَجُوزُ تَسْلِيمُ بَعْضِهِ فِي بَعْضٍ.
وَأَمَّا ابْنُ الْقَاسِمِ فَاضْطَرَبَ فَمَرَّةً أَجَازَ الْقَسْمَ بِالسُّهْمَةِ فِيمَا لَا يَجُوزُ تَسْلِيمُ بَعْضِهِ فِي بَعْضٍ فَجَعَلَ الْقِسْمَةَ أَخَفَّ مِنْ السَّلَمِ، وَمَرَّةً مَنَعَ الْقِسْمَةَ فِيمَا مَنَعَ فِيهِ السَّلَمُ، وَقَدْ قِيلَ إنَّ مَذْهَبَهُ أَنَّ الْقِسْمَةَ فِي ذَلِكَ أَخَفُّ، وَأَنَّ مَسَائِلَهُ الَّتِي يُظَنُّ مِنْ قِبَلِهَا أَنَّ الْقِسْمَةَ عِنْدَهُ أَشَدُّ مِنْ السَّلَمِ تَقْبَلُ التَّأْوِيلَ عَلَى أَصْلِهِ الثَّانِي اهـ.
مَحَلُّ الْحَاجَةِ مِنْهُ، وَقَالَ التَّسَوُّلِيُّ عَلَى الْعَاصِمِيَّةِ، وَلَا بُدَّ فِيمَا تَفَاوَتَتْ أَجْزَاؤُهُ مِنْ التَّقْوِيمِ فَتُجْمَعُ الدُّورُ عَلَى حِدَتِهَا، وَالْأَقْرِحَةُ أَيْ الْفَدَّادِينَ عَلَى حِدَتِهَا وَالْأَجِنَاتُ عَلَى حِدَتِهَا، وَالْبَقَرُ صَغِيرُهَا وَكَبِيرُهَا عَلَى حِدَتِهَا وَالْإِبِلُ كَذَلِكَ عَلَى حِدَتِهَا، وَالرَّقِيقُ كَذَلِكَ عَلَى حِدَتِهَا، وَالْحَمِيرُ صَغِيرُهَا وَكَبِيرُهَا عَلَى حِدَتِهِ، وَالْبِغَالُ كَذَلِكَ، وَهَكَذَا ثُمَّ يُجَزَّأُ الْمَقْسُومُ مِنْ كُلِّ نَوْعٍ بِالْقِسْمَةِ عَلَى أَقَلِّهِمْ نَصِيبًا، وَيَقْتَرِعُونَ اهـ.
بِلَفْظِهِ، وَقَالَ الْأَصْلُ مَنْعُ أَبُو حَنِيفَةَ قَسْمَ الرَّقِيقِ، وَأَجَازَهُ الشَّافِعِيِّ، وَحُجَّةُ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ مَنَافِعَهُ مُخْتَلِفَةٌ بِالْعَقْلِ وَالشَّجَاعَةِ وَغَيْرِهِمَا فَلَا يُمْكِنُ فِيهِ التَّعْدِيلُ، وَجَوَابُهُ أَنَّهُ لَوْ امْتَنَعَ تَعْدِيلُهُ لَامْتَنَعَ بَيْعُهُ وَتَقْوِيمُهُ لِأَنَّهُمَا مَبْنِيَّانِ عَلَى مَعْرِفَةِ الْقِيمَةِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ اهـ.
(وَأَمَّا) الْمَكِيلُ وَالْمَوْزُونُ فَإِمَّا أَنْ يَقَعَ قَسْمُهُمَا بِالْكَيْلِ أَوْ الْوَزْنِ الْمَعْلُومِ أَوْ الْمَجْهُولِ أَوْ جُزَافًا بِلَا تَحَرٍّ أَوْ بِتَحَرٍّ فَمَا وَقَعَ بِالْكَيْلِ أَوْ الْوَزْنِ الْمَعْلُومِ أَوْ الْمَجْهُولِ يَجُوزُ بِالتَّرَاضِي بِلَا خِلَافٍ كَانَا مِمَّا يَجُوزُ فِيهِ التَّفَاضُلُ أَمْ لَا قَالَ الرَّمَاصِيُّ، وَمَا فِي الْحَطَّابِ مَنْ مَنَعَ الْمُرَاضَاةَ فِيمَا فِيهِ التَّفَاضُلُ مَحْمُولٌ عَلَى قَسْمِ مَا لَيْسَ صُبْرَةً وَاحِدَةً كَقَمْحٍ وَشَعِيرٍ أَوْ مَحْمُولَةٍ وَسَمْرَاءَ أَوْ مَغْلُوتٍ وَغَيْرِهِ لِأَنَّهُ مُبَادَلَةٌ اهـ.
وَفِي جَوَازِهِ بِالْقُرْعَةِ وَمَنْعِهِ بِهَا قَوْلَانِ الْأَوَّلُ لِلَّخْمِيِّ فِي قَوْلِ الْمُدَوَّنَةِ، وَمَنْ هَلَكَ، وَتَرَكَ مَتَاعًا وَحُلِيًّا قُسِّمَ الْمَتَاعُ بَيْنَ الْوَرَثَةِ بِالْقِيمَةِ، وَالْحُلِيُّ بِالْوَزْنِ فَإِنَّهُ قَالَ يُرِيدُ أَوْ يَتَرَاضَيَانِ أَحَدُهُمَا هَذَا، وَالْآخَرُ هَذَا أَوْ بِالْقُرْعَةِ إذَا اسْتَوَى الْوَزْنُ، وَالْقِيمَةُ فَإِنْ اخْتَلَفَتْ الْقِيمَةُ لَمْ يَجُزْ
وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَكُونُ اخْتِلَافُ الْمُجْتَهِدِينَ فِيهِ لَا لِلدُّنْيَا بَلْ لِلْآخِرَةِ بِخِلَافِ الِاخْتِلَافِ فِي الْعُقُودِ وَالْأَمْلَاكِ وَالرُّهُونِ وَالْأَوْقَافِ وَنَحْوِهَا إنَّمَا ذَلِكَ لِمَصَالِحِ الدُّنْيَا، وَبِهَذَا يَظْهَرُ أَنَّ الْأَحْكَامَ الشَّرْعِيَّةَ قِسْمَانِ مِنْهَا مَا يَقْبَلُ حُكْمَ الْحَاكِمِ مَعَ الْفُتْيَا فَيُجْمَعُ الْحُكْمَانِ، وَمِنْهَا لَا يَقْبَلُ إلَّا الْفَتْوَى، وَيَظْهَرُ لَك بِهَذَا أَيْضًا تَصَرُّفُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إذَا وَقَعَ هَلْ هُوَ مِنْ بَابِ الْفَتْوَى أَوْ مِنْ بَابِ الْقَضَاءِ، وَالْإِنْشَاءِ، وَأَيْضًا يَظْهَرُ أَنَّ إخْبَارَ الْحَاكِمِ عَنْ نِصَابٍ اُخْتُلِفَ فِيهِ أَنَّهُ يُوجِبُ الزَّكَاةَ فَتْوَى، وَأَمَّا أَخْذُهُ لِلزَّكَاةِ فِي مَوَاطِنِ الْخِلَافِ فَحُكْمٌ، وَفَتْوَى مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ تَنَازُعٌ بَيْنَ الْفُقَرَاءِ.
وَالْأَغْنِيَاءِ فِي الْمَالِ الَّذِي هُوَ مَصْلَحَةٌ دُنْيَوِيَّةٌ، وَلِذَلِكَ أَنَّ تَصَرُّفَاتِ السُّعَاةِ، وَالْجُبَاةِ فِي الزَّكَاةِ أَحْكَامٌ لَا نَنْقُضُهَا، وَإِنْ كَانَتْ الْفَتْوَى عِنْدَنَا عَلَى خِلَافِهَا، وَيَصِيرُ حِينَئِذٍ مَذْهَبَنَا، وَيَظْهَرُ بِهَذَا التَّقْرِيرِ أَيْضًا سِرُّ قَوْلِ الْفُقَهَاءِ إنَّ حُكْمَ الْحَاكِمِ فِي مَسَائِلِ الِاجْتِهَادِ لَا يُنْقَضُ، وَأَنَّهُ يَرْجِعُ إلَى الْقَاعِدَةِ الْأُصُولِيَّةِ، وَتَصِيرُ هَذِهِ الصُّورَةُ مُسْتَثْنَاةً مِنْ تِلْكَ الْأَدِلَّةِ الْعَامَّةِ كَاسْتِثْنَاءِ الْمُصَرَّاةِ، وَالْعَرَايَا، وَالْمُسَاقَاةِ، وَغَيْرِهَا مِنْ الْمُسْتَثْنَيَاتِ، وَيَظْهَرُ بِهَذَا أَيْضًا أَنَّ التَّقْرِيرَاتِ مِنْ الْحُكَّامِ لَيْسَتْ أَحْكَامًا فَتَبْقَى الصُّورَةُ قَابِلَةً لِحُكْمِ جَمِيعِ تِلْكَ الْأَقْوَالِ الْمَنْقُولَةِ فِيهَا قَالَ صَاحِبُ الْجَوَاهِرِ مَا قَضَى بِهِ مِنْ نَقْلِ الْأَمْلَاكِ، وَفَسْخِ الْعُقُودِ فَهُوَ حُكْمٌ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ أَكْثَرَ مِنْ تَقْرِيرِ الْحَادِثَةِ لَمَا رُفِعَتْ إلَيْهِ كَامْرَأَةٍ زَوَّجَتْ نَفْسَهَا بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهَا فَأَقَرَّهُ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَكُونُ اخْتِلَافُ الْمُجْتَهِدِينَ فِيهِ لَا لِلدُّنْيَا إلَى قَوْلِهِ لَا نَنْقُضُهَا، وَإِنْ كَانَتْ الْفَتْوَى عِنْدَنَا عَلَى خِلَافِهَا) قُلْت مَا قَالَهُ فِي ذَلِكَ صَحِيحٌ قَالَ (وَيَصِيرُ حِينَئِذٍ مَذْهَبَنَا) قُلْت لَا يَصِيرُ مَذْهَبَنَا، وَلَكِنَّا لَا نَنْقُضُهُ لِمَصْلَحَةِ الْأَحْكَامِ قَالَ (وَيَظْهَرُ بِهَذَا التَّقْرِيرِ أَيْضًا سِرُّ قَوْلِ الْفُقَهَاءِ إنَّ حُكْمَ الْحَاكِمِ فِي مَسَائِلِ الِاجْتِهَادِ لَا يُنْقَضُ، وَأَنَّهُ يَرْجِعُ إلَى الْقَاعِدَةِ الْأُصُولِيَّةِ إلَى قَوْلِهِ وَغَيْرِهَا مِنْ الْمُسْتَثْنَيَاتِ) قُلْت لَا رُجُوعَ هُنَا لِلْقَاعِدَةِ الْأُصُولِيَّةِ إنْ كَانَ يَعْنِي قَاعِدَةَ الْخَاصِّ وَالْعَامِّ، وَلَكِنْ يَرْجِعُ إلَى قَاعِدَةٍ فِقْهِيَّةٍ، وَهِيَ أَنَّ الْحُكْمَ إذَا نُفِّذَ عَلَى مَذْهَبٍ مَا لَا يُنْقَضُ، وَلَا يُرَدُّ، وَذَلِكَ لِمَصْلَحَةِ الْأَحْكَامِ وَرَفْعِ التَّشَاجُرِ وَالْخِصَامِ قَالَ (وَيَظْهَرُ بِهَذَا أَيْضًا أَنَّ التَّقْرِيرَاتِ مِنْ الْحُكَّامِ لَيْسَتْ أَحْكَامًا إلَى قَوْلِهِ فَهُوَ مَوْكُولٌ إلَى مَنْ يَأْتِي مِنْ الْحُكَّامِ وَالْفُقَهَاءِ) قُلْت ذَلِكَ صَحِيحٌ، وَأَكْثَرُهُ أَوْ كُلُّهُ نَقْلٌ لَا كَلَامَ فِيهِ غَيْرَ أَنَّ قَوْلَ ابْنِ الْقَاسِمِ هُوَ الصَّحِيحُ عِنْدِي، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
بِالْقُرْعَةِ اهـ.
وَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ عَقِبَ كَلَامِ الْمُدَوَّنَةِ الْمَذْكُورَةِ يَقُومُ مِنْهُ جَوَازُ الْقُرْعَةِ فِي الْوَدِيعَةِ إذَا اسْتَوَتْ فِي الْوَزْنِ وَالْقِيمَةِ، وَكَذَلِكَ فِي جَمِيعِ الْمُدَّخَرَاتِ اهـ.
وَالثَّانِي لِابْنِ رُشْدٍ وَالْبَاجِيِّ كَمَا قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ قَالَ، وَعَزَاهُ ابْنُ زَرْقُونٍ لِسَحْنُونٍ اهـ.
عَلَيْهِ اقْتَصَرَ صَاحِبُ الْمُعِينِ وَصَاحِبُ التُّحْفَةِ، وَوَجْهُ الْمَنْعِ أَنَّهُ إذَا كِيلَ أَوْ وُزِنَ فَقَدْ اسْتَغْنَى عَنْ الْقُرْعَةِ فَلَا مَعْنَى لِدُخُولِهَا، وَمَا وَقَعَ جُزَافًا بِلَا تَحَرٍّ قَالَ فِي الْبِدَايَةِ لَا يَجُوزُ يَعْنِي كَانَ بِالتَّرَاضِي أَوْ بِالْقُرْعَةِ كَمَا يُفِيدُهُ تَفْصِيلُ ابْنِ رُشْدٍ الْآتِي فَتَنَبَّهْ، وَمَا وَقَعَ بِالتَّحَرِّي قَدْ تَقَدَّمَ عَنْ عَبْدِ الْبَاقِي مَا يُفِيدُ جَوَازَهُ بِالتَّرَاضِي فَلَا تَغْفُلْ، وَقَدْ حَكَى الْبُنَانِيُّ عَلَى عبق فِي جَوَازِهِ بِالْقُرْعَةِ أَقْوَالًا الْجَوَازُ مُطْلَقًا عَنْ الْبَاجِيَّ قَالَ فَقَدْ سُئِلَ سَيِّدِي عِيسَى بْنُ عَلَّالٍ عَنْ صِفَةِ قِسْمَةِ الْوَزِيعَةِ بِالْقُرْعَةِ الَّتِي جَرَى بِهَا الْعُرْفُ عِنْدَنَا فَقَالَ كَانَ شَيْخُنَا سَيِّدِي مُوسَى الْعَبْدُوسِيُّ يَقُولُ إنْ قُسِمَتْ وَزْنًا فَإِنْ شَاءُوا اقْتَرَعُوا أَوْ تَرَكُوا عَلَى مَا قَالَهُ اللَّخْمِيُّ فِي قِسْمَةِ الْحُلِيِّ، وَإِنْ قُسِمَتْ تَحَرَّيَا فَهَذَا مَوْضِعُ الْقُرْعَةِ ثُمَّ قَالَ قَالَ الْبَاجِيَّ فِي قِسْمَةِ الثِّمَارِ فِي رُءُوسِ النَّخْلِ بِالتَّحَرِّي عِنْدِي أَنَّهَا لَا تَجُوزُ إلَّا بِالْقُرْعَةِ، وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِ أَصْحَابِنَا لِأَنَّهَا تَمْيِيزُ حَقٍّ اهـ.
وَالْمَنْعُ مُطْلَقًا عَنْ ابْنِ زَرْقُونٍ فَقَدْ قَالَ وَمِثْلُ مَا قُسِمَ بِالْكَيْلِ وَالْوَزْنِ فِي مَنْعِ الْقُرْعَةِ عِنْدِي مَا قُسِمَ بِالتَّحَرِّي لِأَنَّ مَا يَتَسَاوَى فِي الْجِنْسَيْنِ وَالْجُودَةِ وَالْقَدْرِ لَا يَحْتَاجُ إلَى سَهْمٍ كَالدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ اهـ.
قَالَ الْعَبْدُوسِيُّ، وَالظَّاهِرُ مَا قَالَهُ الْبَاجِيَّ، وَالْوَزِيعَةُ تَجْرِي عَلَيْهِ اهـ.
نَقَلَهُ فِي تَكْمِيلِ التَّقْيِيدِ، وَعَنْ ابْنِ رُشْدٍ الْقَوْلُ بِالتَّفْصِيلِ بَيْنَ الْقَسْمِ بِالْكَيْلِ أَوْ الْوَزْنِ فَيَجُوزُ التَّفَاضُلُ أَوْ بِالتَّحَرِّي فَيَجُوزُ أَيْ التَّفَاضُلُ فِي الْمَوْزُونِ دُونَ الْمَكِيلِ أَوْ بِدُونِهِمَا فَيَمْتَنِعُ مُطْلَقًا لِلْمُزَابَنَةِ قَالَ وَذَلِكَ التَّفْصِيلُ إنَّمَا هُوَ فِي الصُّبْرَةِ الْوَاحِدَةِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ ابْنُ رُشْدٍ لِأَنَّ قَسْمَ الصُّبْرَةِ الْوَاحِدَةِ غَيْرُ حَقِيقِيٍّ لِاتِّحَادِ الصِّفَةِ وَالْقَدْرِ اهـ.
بِتَلْخِيصٍ، وَسَلَّمَهُ الرَّهُونِيُّ، وَأَنَّ مَا وكنو الرِّبَاع وَالْأُصُول فَقَالَ حَفِيدُ ابْنُ رُشْدٍ فِي بِدَايَتِهِ اتَّفَقَ أَهْلُ الْعِلْمِ اتِّفَاقًا مُجْمَلًا عَلَى جَوَازِ قِسْمَةِ الرِّبَاعِ وَالْأُصُولِ بِالتَّرَاضِي سَوَاءٌ كَانَتْ بَعْدَ تَقْوِيمٍ وَتَعْدِيلٍ أَوْ بِدُونِ ذَلِكَ كَانَتْ الرِّقَابُ مُتَّفِقَةً أَوْ مُخْتَلِفَةً لِأَنَّهَا بَيْعٌ مِنْ الْبُيُوعِ فَلَا يَحْرُمُ فِيهَا إلَّا مَا يَحْرُمُ فِيهَا فِي الْبُيُوعِ، وَكَذَا عَلَى جَوَازِهَا بِالسُّهْمَةِ إذَا عُدِّلَتْ بِالْقِيمَةِ لَكِنَّهُمْ اخْتَلَفُوا فِي مَحَلِّ ذَلِكَ وَشُرُوطِهِ فَأَمَّا بَيَانُهُ فِي مَحَلِّهِ أَنَّ الْقِسْمَةَ لَا تَخْلُو مِنْ أَنْ تَكُونَ فِي مَحَلٍّ وَاحِدٍ أَوْ فِي مَحَالَّ كَثِيرَةٍ فَإِذَا كَانَتْ فِي مَحَلٍّ وَاحِدٍ فَإِنْ انْقَسَمَتْ إلَى أَجْزَاءَ مُتَسَاوِيَةٍ بِالصِّفَةِ، وَلَمْ تَنْقُصْ بِالِانْقِسَامِ مَنْفَعَةُ الْأَجْزَاءِ فَلَا
وَأَجَازَهُ ثُمَّ عُزِلَ، وَجَاءَ قَاضٍ بَعْدَهُ قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ لَيْسَ بِحُكْمٍ، وَلِغَيْرِهِ فَسْخُهُ.
وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ هُوَ حُكْمٌ لِأَنَّهُ أَمْضَاهُ، وَالْإِقْرَارُ عَلَيْهِ كَالْحُكْمِ بِإِجَازَتِهِ فَلَا يُنْقَضُ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ مُحْرِزٍ، وَقَالَ إنَّهُ حُكْمٌ فِي حَادِثَةٍ بِاجْتِهَادِهِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ حُكْمُهُ فِيهِ بِإِمْضَائِهِ أَوْ فَسْخِهِ أَمَّا لَوْ رُفِعَ إلَيْهِ هَذَا النِّكَاحُ فَقَالَ أَنَا لَا أُجِيزُ هَذَا النِّكَاحَ بِغَيْرِ وَلِيٍّ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَحْكُمَ بِفَسْخِ هَذَا النِّكَاحِ بِعَيْنِهِ فَهَذِهِ فَتْوَى، وَلَيْسَتْ بِحُكْمٍ أَوْ رُفِعَ إلَيْهِ حُكْمٌ بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ فَقَالَ أَنَا لَا أُجِيزُ الشَّاهِدَ وَالْيَمِينَ فَهُوَ فَتْوَى مَا لَمْ يَقَعْ حُكْمٌ عَلَى عَيْنِ الْحُكْمِ قَالَ وَلَا أَعْلَمُ فِي هَذَا الْوَجْهِ خِلَافًا قَالَ وَإِنْ حَكَمَ بِالِاجْتِهَادِ فِيمَا طَرِيقُهُ التَّحْرِيمُ وَالتَّحْلِيلُ، وَلَيْسَ بِنَقْلِ مِلْكٍ لِأَحَدِ الْخَصْمَيْنِ إلَى الْآخَرِ، وَلَا فَصْلِ خُصُومَةٍ بَيْنَهُمَا، وَلَا إثْبَاتِ عَقْدٍ، وَلَا فَسْخِهِ مِثْلُ رَضَاعِ كَبِيرٍ فَيَحْكُمُ بِأَنَّهُ رَضَاعٌ مُحَرَّمٌ.
وَيُفْسَخُ النِّكَاحُ لِأَجْلِهِ فَالْفَسْخُ حُكْمٌ، وَالتَّحْرِيمُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ لَا يَثْبُتُ بِحُكْمِهِ بَلْ هُوَ مَعْرِضٌ لِلِاجْتِهَادِ أَوْ رُفِعَتْ إلَيْهِ امْرَأَةٌ تَزَوَّجَتْ فِي عِدَّتِهَا فَفَسَخَ نِكَاحَهَا، وَحَرَّمَهَا عَلَى زَوْجِهَا فَفَسْخُهُ حُكْمٌ دُونَ تَحْرِيمِهَا فِي الْمُسْتَقْبَلِ، وَحُكْمُهُ بِنَجَاسَةِ مَاءٍ أَوْ طَعَامٍ أَوْ تَحْرِيمِ بَيْعٍ أَوْ نِكَاحٍ أَوْ إجَارَةٍ فَهُوَ فَتْوَى لَيْسَ حُكْمًا عَلَى التَّأْبِيدِ، وَإِنَّمَا يُعْتَبَرُ مِنْ ذَلِكَ مَا شَهِدَهُ، وَمَا حَدَثَ بَعْدَ ذَلِكَ فَهُوَ مَوْكُولٌ لِمَنْ يَأْتِي مِنْ الْحُكَّامِ وَالْفُقَهَاءِ فَظَهَرَ أَيْضًا مِنْ هَذِهِ الْفَتَاوِي، وَالْمَبَاحِثِ أَنَّ الْفَتْوَى وَالْحُكْمَ كِلَاهُمَا إخْبَارٌ عَنْ حُكْمِ اللَّهِ تَعَالَى، وَيَجِبُ عَلَى السَّامِعِ اعْتِقَادُهُمَا، وَكِلَاهُمَا يَلْزَمُ الْمُكَلَّفَ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ لَكِنْ الْفَتْوَى إخْبَارٌ عَنْ اللَّهِ تَعَالَى فِي إلْزَامٍ أَوْ إبَاحَةٍ، وَالْحُكْمُ إخْبَارٌ مَعْنَاهُ الْإِنْشَاءُ وَالْإِلْزَامُ مِنْ قِبَلِ اللَّهِ تَعَالَى وَبَيَانُ ذَلِكَ بِالتَّمْثِيلِ أَنَّ الْمُفْتِيَ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى كَالْمُتَرْجِمِ مَعَ الْقَاضِي يَنْقُلُ مَا وَجَدَهُ عَنْ الْقَاضِي، وَاسْتَفَادَهُ مِنْهُ بِإِشَارَةٍ أَوْ عِبَارَةٍ أَوْ فِعْلٍ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
قَالَ (فَظَهَرَ أَيْضًا مِنْ هَذِهِ الْفَتَاوَى وَالْمَبَاحِثِ أَنَّ الْفَتْوَى، وَالْحُكْمَ كِلَاهُمَا إخْبَارٌ عَنْ حُكْمِ اللَّهِ تَعَالَى، وَيَجِبُ عَلَى السَّامِعِ اعْتِقَادُهُمَا، وَكِلَاهُمَا يَلْزَمُ الْمُكَلَّفَ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ لَكِنْ الْفَتْوَى إخْبَارٌ عَنْ اللَّهِ تَعَالَى فِي إلْزَامٍ أَوْ إبَاحَةٍ، وَالْحُكْمُ إخْبَارٌ مَعْنَاهُ الْإِنْشَاءُ، وَالْإِلْزَامُ مِنْ قِبَلِ اللَّهِ تَعَالَى) قُلْت كَيْفَ يَكُونُ الْإِخْبَارُ إنْشَاءً، وَقَدْ فَرَّقَ هُوَ قَبْلَ هَذَا فِي أَوَّلِ كِتَابِهِ بَيْنَهُمَا، وَكَيْفَ يَكُونُ الْحُكْمُ إلْزَامًا مِنْ قِبَلِ اللَّهِ تَعَالَى، وَهُوَ مُمْكِنُ الْخَطَأِ عَلَى مَا نَصَّ عَلَيْهِ النَّبِيُّ عليه الصلاة والسلام فِي الْحَدِيثِ الَّذِي تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ هَذَا مَا لَا يَصِحُّ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ (وَبَيَانُ ذَلِكَ بِالتَّمْثِيلِ أَنَّ الْمُفْتِيَ مَعَ اللَّهِ كَالْمُتَرْجِمِ مَعَ الْقَاضِي بِنَقْلِ مَا وَجَدَهُ عَنْ الْقَاضِي، وَاسْتَفَادَهُ مِنْهُ بِإِشَارَةٍ أَوْ عِبَارَةٍ أَوْ فِعْلٍ
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
خِلَافَ فِي جَوَازِهَا، وَيُجْبَرُ الشَّرِيكَانِ عَلَى ذَلِكَ.
وَإِنْ انْقَسَمَتْ عَلَى مَا لَا مَنْفَعَةَ فِيهِ فَقَالَ مَالِكٌ إنَّهَا تُقْسَمُ بَيْنَهُمْ إذَا دَعَا أَحَدُهُمَا لِذَلِكَ، وَلَوْ لَمْ يَصِرْ لِوَاحِدٍ مِنْهُمْ إلَّا مَا لَا مَنْفَعَةَ فِيهِ مِثْلُ قَدْرِ الْقَدَمِ، وَبِهِ قَالَ ابْنُ كِنَانَةَ مِنْ أَصْحَابِهِ فَقَطْ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ، وَعُمْدَتُهُمْ فِي ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا} [النساء: 7] .
وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ لَا يُقْسَمُ إلَّا أَنْ يَصِيرَ لِكُلِّ وَاحِدٍ فِي حَظِّهِ مَا يَنْتَفِعُ بِهِ مِنْ غَيْرِ مَضَرَّةٍ دَاخِلَةٍ عَلَيْهِ فِي الِانْتِفَاعِ مِنْ قِبَلِ الْقِسْمَةِ، وَإِنْ كَانَ لَا يُرَاعِي فِي ذَلِكَ نُقْصَانَ الثَّمَنِ، وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ يُقْسَمُ إذَا صَارَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مَا يَنْتَفِعُ بِهِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ غَيْرِ جِنْسِ الْمَنْفَعَةِ الَّتِي كَانَتْ فِي الِاشْتِرَاكِ أَوْ كَانَتْ أَقَلَّ.
وَقَالَ مُطَرِّفٌ مِنْ أَصْحَابِهِ إنْ لَمْ يَصِرْ فِي حَظِّ كُلِّ وَاحِدٍ مَا يَنْتَفِعُ بِهِ لَمْ يُقْسَمْ، وَإِنْ صَارَ فِي حَظِّ بَعْضِهِمْ مَا يَنْتَفِعُ بِهِ، وَفِي حَظِّ بَعْضِهِمْ مَا لَا يَنْتَفِعُ بِهِ قُسِمَ، وَجُبِرُوا عَلَى ذَلِكَ سَوَاءٌ دَعَا إلَى ذَلِكَ صَاحِبُ النَّصِيبِ الْقَلِيلِ أَوْ الْكَثِيرِ، وَقِيلَ يُجْبَرُ إنْ دَعَا صَاحِبُ النَّصِيبِ الْقَلِيلِ، وَلَا يُجْبَرُ إنْ دَعَا صَاحِبُ النَّصِيبِ الْكَثِيرِ، وَقِيلَ بِعَكْسِ هَذَا، وَهُوَ ضَعِيفٌ، هَذَا وَبَقِيَ مَا إذَا انْتَقَلَتْ مَنْفَعَةُ الْمَقْسُومِ إلَى مَنْفَعَةٍ أُخْرَى مِثْلُ الْحَمَّامِ فَقَالَ مَالِكٌ يُقْسَمُ إذَا طُلِبَ كَأَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ، وَبِهِ قَالَ أَشْهَبُ، وَعُمْدَتُهُمَا ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا} [النساء: 7] .
وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ لَا يُقْسَمُ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَعُمْدَتُهُمَا قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم «لَا ضَرَرَ، وَلَا ضِرَارَ» ، وَحَدِيثُ جَابِرٍ عَنْ أَبِيهِ لَا تَعْضِيَةَ عَلَى أَهْلِ الْمِيرَاثِ إلَّا مَا حَمَلَ الْقَسْمَ، وَالتَّعْضِيَةُ التَّفْرِقَةُ يَقُولُ لَا قِسْمَةَ بَيْنَهُمْ.
وَأَمَّا إذَا كَانَتْ الْقِسْمَةُ فِي أَكْثَرَ مِنْ مَحَلٍّ وَاحِدٍ فَإِنْ كَانَتْ الْمَحَالُّ مُخْتَلِفَةَ الْأَنْوَاعِ كَأَنْ يَكُونَ مِنْهَا دُورٌ، وَمِنْهَا حَوَائِطُ، وَمِنْهَا أَرْضٌ فَقَدْ تَقَدَّمَ حُكْمُهَا، وَإِنْ كَانَتْ مُتَّفِقَةَ الْأَنْوَاعِ قُسِمَتْ بِالتَّقْوِيمِ وَالتَّعْدِيلِ وَالسُّهْمَةِ عِنْدَ مَالِكٍ لِأَنَّهُ أَقَلُّ لِلضَّرَرِ الدَّاخِلِ عَلَى الشُّرَكَاءِ مِنْ الْقِسْمَةِ، نَعَمْ اخْتَلَفَ أَصْحَابُهُ فِيمَا إذَا اخْتَلَفَ الْأَنْوَاعُ الْمُتَّفِقَةُ فِي النَّفَاقِ، وَإِنْ تَبَاعَدَتْ مَوَاضِعُهَا عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ بَلْ يُقْسَمُ كُلُّ عَقَارٍ عَلَى حِدَةٍ لِأَنَّ كُلَّ عَقَارٍ قَائِمٌ بِنَفْسِهِ لِأَنَّهُ تَتَعَلَّقُ بِهِ الشُّفْعَةُ اهـ.
كَلَامُ الْحَفِيدِ فِي الْبِدَايَةِ بِتَصَرُّفٍ، وَفِي الْأَصْلِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَابْنُ حَنْبَلٍ لَا يَجُوزُ أَنْ يُجْمَعَ بَيْنَ دَارَيْنِ فِي الْقَسْمِ وَإِنْ تَقَارَبَتَا لِأَمْرَيْنِ (الْأَوَّلُ) أَنَّ الشُّفْعَةَ تَكُونُ فِي إحْدَاهُمَا دُونَ الْأُخْرَى فَكَذَلِكَ تَكُونُ الْقِسْمَةُ (الثَّانِي) أَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَهُمَا يُفْضِي إلَى كَثْرَةِ الْغَرَرِ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَزُولُ مِلْكُهُ عَنْ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْ الدَّارَيْنِ بِغَيْرِ رِضَاهُ.
وَالْجَوَابُ (عَنْ الْأَوَّلِ) أَنَّ الشَّرِكَةَ إذَا عَمَّتْ فِيهِمَا، وَالْبَيْعُ عَمَّتْ الشُّفْعَةُ فَنَقِيسُ الْقَسْمَ عَلَى الشُّفْعَةِ فَيَنْقَلِبُ الدَّلِيلُ عَلَيْكُمْ، وَلِأَنَّ اسْتِقْلَالَ كُلِّ وَاحِدٍ
أَوْ تَقْرِيرٍ أَوْ تَرْكٍ، وَالْحَاكِمُ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى كَنَائِبِ الْحَاكِمِ يُنْشِئُ الْأَحْكَامَ، وَالْإِلْزَامَ بَيْنَ الْخُصُومِ، وَلَيْسَ بِنَاقِلٍ ذَلِكَ عَنْ مُسْتَنِيبِهِ بَلْ مُسْتَنِيبُهُ قَالَ لَهُ أَيُّ شَيْءٍ حَكَمْت بِهِ عَلَى الْقَوَاعِدِ فَقَدْ جَعَلْته حُكْمِي فَكِلَاهُمَا مُوَافِقٌ لِلْقَاضِي، وَمُطِيعٌ لَهُ، وَسَاعٍ فِي تَنْفِيذِ مَوَادِّهِ غَيْرَ أَنَّ أَحَدَهُمَا يُنْشِئُ، وَالْآخَرُ يَنْقُلُ نَقْلًا مَحْضًا مِنْ غَيْرِ اجْتِهَادٍ لَهُ فِي الْإِنْشَاءِ كَذَلِكَ الْمُفْتِي، وَالْحَاكِمُ كِلَاهُمَا مُطِيعٌ لِلَّهِ تَعَالَى قَابِلٌ لِحُكْمِهِ غَيْرَ أَنَّ الْحَاكِمَ مُنْشِئٌ، وَالْمُفْتِيَ مُخْبِرٌ مَحْضٌ، وَقَدْ، وَضَعْت فِي هَذَا الْمَقْصِدِ كِتَابًا سَمَّيْته الْإِحْكَامَ فِي الْفَتَاوَى وَالْأَحْكَامِ، وَتَصَرُّفِ الْقَاضِي، وَالْإِمَامِ، وَفِيهِ أَرْبَعُونَ مَسْأَلَةً فِي هَذَا الْمَعْنَى، وَذَكَرْت فِيهِ نَحْوَ ثَلَاثِينَ نَوْعًا مِنْ تَصَرُّفَاتِ الْحَاكِمِ لَيْسَ فِيهَا حُكْمٌ، وَلْنَقْتَصِرْ هُنَا عَلَى هَذَا الْقَدْرِ فِي هَذَا الْفَرْقِ.
(الْفَرْقُ الْخَامِسُ وَالْعِشْرُونَ وَالْمِائَتَانِ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْحُكْمِ وَقَاعِدَةِ الثُّبُوتِ)
اُخْتُلِفَ فِيهِمَا هَلْ هُمَا بِمَعْنًى وَاحِدٍ أَوْ الثُّبُوتُ غَيْرُ الْحُكْمِ، وَالْعَجَبُ أَنَّ الثُّبُوتَ يُوجِبُ فِي الْعِبَادَاتِ الْمَوَاطِنَ الَّتِي لَا حُكْمَ فِيهَا بِالضَّرُورَةِ إجْمَاعًا فَيَثْبُتُ هِلَالُ شَوَّالٍ، وَهِلَالُ رَمَضَانَ، وَتَثْبُتُ طَهَارَةُ الْمِيَاهِ، وَنَجَاسَتُهَا، وَيَثْبُتُ عِنْدَ الْحَاكِمِ التَّحْرِيمُ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ بِسَبَبِ الرَّضَاعِ، وَالتَّحْلِيلُ بِسَبَبِ الْعَقْدِ، وَمَعَ ذَلِكَ لَا يَكُونُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ حُكْمًا.
وَإِذَا وُجِدَ الثُّبُوتُ بِدُونِ الْحُكْمِ كَانَ أَعَمَّ مِنْ الْحُكْمِ، وَالْأَعَمُّ مِنْ الشَّيْءِ غَيْرُهُ بِالضَّرُورَةِ ثُمَّ الَّذِي يُفْهَمُ مِنْ الثُّبُوتِ هُوَ نُهُوضُ الْحُجَّةِ كَالْبَيِّنَةِ، وَغَيْرِهَا السَّالِمَةِ مِنْ الْمَطَاعِنِ فَمَتَى وُجِدَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ يُقَالُ فِي عُرْفِ الِاسْتِعْمَالِ ثَبَتَ عِنْدَ الْقَاضِي ذَلِكَ، وَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ يُوجَدُ الْحُكْمُ بِدُونِ الثُّبُوتِ أَيْضًا كَالْحُكْمِ بِالِاجْتِهَادِ فَيَكُونُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَعَمَّ مِنْ الْآخَرِ مِنْ وَجْهٍ، وَأَخَصَّ مِنْ وَجْهٍ ثُمَّ ثُبُوتُ الْحُجَّةِ مُغَايِرٌ لِلْكَلَامِ النَّفْسَانِيِّ وَالْإِنْشَائِيِّ الَّذِي هُوَ الْحُكْمُ فَيَكُونَانِ غَيْرَيْنِ بِالضَّرُورَةِ، وَيَكُونُ الثُّبُوتُ نُهُوضَ الْحُجَّةِ، وَالْحُكْمُ إنْشَاءُ كَلَامٍ فِي النَّفْسِ هُوَ إلْزَامٌ أَوْ إطْلَاقٌ يَتَرَتَّبُ عَلَى هَذَا الثُّبُوتِ، وَهَذَا فَرْقٌ آخَرُ مِنْ جِهَةِ أَنَّ الثُّبُوتَ يَجِبُ تَقْدِيمُهُ عَلَى الْحُكْمِ، وَمَنْ قَالَ بِأَنَّ الْحُكْمَ هُوَ الثُّبُوتُ لَمْ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
أَوْ تَقْرِيرٍ أَوْ تَرْكٍ، وَالْحَاكِمُ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى كَنَائِبِ الْحَاكِمِ يُنْشِئُ الْأَحْكَامَ وَالْإِلْزَامَ بَيْنَ الْخُصُومِ إلَى آخِرِ الْفَرْقِ) قُلْت مَا قَالَهُ صَحِيحٌ، وَمَا مَثَّلَ بِهِ كَذَلِكَ إنْ كَانَ يُرِيدُ بِالْإِنْشَاءِ التَّنْفِيذَ، وَالْإِمْضَاءَ لِمَا كَانَ قَبْلَ الْحُكْمِ فَتْوَى، وَإِلَّا فَلَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ.
(الْفَرْقُ الْخَامِسُ وَالْعِشْرُونَ وَالْمِائَتَانِ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْحُكْمِ وَقَاعِدَةِ الثُّبُوتِ) .
قُلْت مَا قَالَهُ صَحِيحٌ وَقَدْ يُطْلَقُ عَلَى الثُّبُوتِ حُكْمٌ فَالْأَمْرُ فِي ذَلِكَ لَفْظِيٌّ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
مِنْهُمَا بِإِحْدَاهُمَا أَتَمُّ فِي الِانْتِفَاعِ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِبَعْضِ دَارٍ (وَعَنْ الثَّانِي) الْمُعَارَضَةُ، وَالنَّقْضُ بِالِاخْتِلَافِ فِي الدَّارِ الْوَاحِدَةِ بَلْ هَا هُنَا أَوْلَى لِأَنَّا إنَّمَا نَجْمَعُ الْمُتَقَارِبَ، وَهُنَالِكَ نَجْمَعُ الْمُخْتَلِفَ اهـ.
وَأَمَّا بَيَانُ الْخِلَافِ فِي الشُّرُوطِ فَهُوَ أَنَّ مِنْ شَرْطِ قِسْمَةِ الْحَوَائِطِ الْمُثْمِرَةِ أَنْ لَا تُقْسَمَ مَعَ الثَّمَرَةِ إذَا بَدَا صَلَاحٌ بِاتِّفَاقٍ فِي الْمَذْهَبِ لِأَنَّهُ يَكُونُ بَيْعُ الطَّعَامِ بِالطَّعَامِ عَلَى رُءُوسِ الشَّجَرِ، وَذَلِكَ مُزَابَنَةٌ.
وَأَمَّا قِسْمَتُهَا قَبْلَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ فَاخْتَلَفَ فِيهِ أَصْحَابُ مَالِكٍ فَابْنُ الْقَاسِمِ لَا يُجِيزُ ذَلِكَ قَبْلَ الْإِبَّانِ بِحَالٍ مِنْ الْأَحْوَالِ، وَيُعْتَلُّ لِذَلِكَ بِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى بَيْعِ طَعَامٍ بِطَعَامٍ مُتَفَاضِلًا، وَلِذَلِكَ زَعَمَ أَنَّ مَالِكًا لَمْ يُجِزْ شِرَاءَ الثَّمَرِ الَّذِي لَمْ يَطِبْ بِالطَّعَامِ لَا نَسِيئَةً، وَلَا نَقْدًا.
وَأَمَّا إنْ كَانَ ذَلِكَ بَعْدَ الْإِبَّانِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ عِنْدَهُ إلَّا بِشَرْطِ أَنْ يَشْتَرِطَ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ أَنَّ مَا وَقَعَ مِنْ الثَّمَرِ فِي نَصِيبِهِ فَهُوَ دَاخِلٌ فِي نَصِيبِهِ، وَمَا لَمْ يَدْخُلْ فَهُوَ فِيهِ عَلَى الشَّرِكَةِ وَالْعِلَّةِ فِي ذَلِكَ عِنْدَهُ أَنَّهُ يَجُوزُ اشْتِرَاطُ الْمُشْتَرِي الثَّمَرَ بَعْدَ الْإِبَّانِ، وَلَا يَجُوزُ قَبْلَ الْإِبَّانِ فَكَانَ أَحَدُهُمَا اشْتَرَطَ حَظَّ صَاحِبِهِ مِنْ جَمِيعِ الثَّمَرَاتِ الَّتِي وَقَعَتْ فِي الْقِسْمَةِ بِحَظِّهِ مِنْ الثَّمَرَاتِ الَّتِي وَقَعَتْ لِشَرِيكِهِ، وَاشْتَرَطَ الثَّمَرَ، وَصِفَةُ الْقَسَمِ بِالْقُرْعَةِ أَنْ تُقْسَمَ الْفَرِيضَةُ وَتُحَقَّقَ وَتُضْرَبَ إنْ كَانَ فِي سِهَامِهَا كَسْرٌ إلَى أَنْ تَصِحَّ السِّهَامُ ثُمَّ يُقَوِّمُ كُلَّ مَوْضِعٍ مِنْهَا، وَكُلَّ نَوْعٍ مِنْ غِرَاسَاتِهَا ثُمَّ يُعَدِّلُ عَلَى أَقَلِّ السِّهَامِ بِالْقِيمَةِ فَرُبَّمَا عُدِّلَ جُزْءٌ مِنْ مَوْضِعِ ثَلَاثِ أَجْزَاءٍ مِنْ مَوْضِعٍ آخَرَ عَلَى قِيَمِ الْأَرْضِينَ وَمَوَاضِعُهَا فَإِذَا قُسِمَتْ عَلَى هَذِهِ الصِّفَاتِ، وَعُدِّلَتْ كُتِبَتْ فِي بَطَائِقَ أَسْمَاءُ الِاشْتِرَاكِ، وَأَسْمَاءُ الْجِهَاتِ فَمَنْ خَرَجَ اسْمُهُ عَلَى جِهَةٍ أَخَذَ مِنْهَا فَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ السَّهْمِ ضُوعِفَ لَهُ حَتَّى يَتِمَّ حَظُّهُ فَهَذِهِ هِيَ حَالُ قُرْعَةِ السُّهْمَةِ فِي الرِّقَابِ كَمَا فِي بِدَايَةِ الْمُجْتَهِدِ لِحَفِيدٍ ابْنِ رُشْدٍ
(وَأَمَّا قِسْمَةُ) مَنَافِعِ الرِّقَابِ فَقَالَ الْحَفِيدُ أَيْضًا هِيَ عِنْدَ الْجَمِيعِ بِالْمُهَايَأَةِ، وَالْمُهَايَأَةُ إمَّا أَنْ تَكُونَ بِالْأَزْمَانِ بِأَنْ يَنْتَفِعَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالْعَيْنِ مُدَّةً مُسَاوِيَةً لِمُدَّةِ انْتِفَاعِ صَاحِبِهِ، وَتَجُوزُ فِيمَا لَا يُنْقَلُ، وَلَا يُحَوَّلُ فِي الْمُدَّةِ الْبَعِيدَةِ وَالْأَجَلِ الْبَعِيدِ عِنْدَ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ، وَلَا تَجُوزُ فِيمَا يَنْتَقِلُ، وَيُحَوَّلُ إلَّا فِي الْمُدَّةِ الْيَسِيرَةِ، وَاخْتُلِفَ فِيهَا أَمَّا فِي الِاغْتِلَالِ فَقِيلَ الْيَوْمُ الْوَاحِدُ، وَنَحْوُهُ، وَقِيلَ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ فِي الدَّابَّةِ وَالْعَبْدِ.
وَأَمَّا فِي الِانْتِفَاعِ فَقِيلَ مِثْلُ الْخَمْسَةِ أَيَّامٍ، وَقِيلَ الشَّهْرُ، وَأَكْثَرُ مِنْ الشَّهْرِ قَلِيلًا، وَإِمَّا أَنْ تَكُونَ بِالْأَعْيَانِ بِأَنْ يَسْتَعْمِلَ هَذَا دَارًا مُدَّةً مِنْ الزَّمَانِ، وَهَذَا دَارًا تِلْكَ الْمُدَّةَ بِعَيْنِهَا فَقِيلَ تَجُوزُ فِي سُكْنَى الدَّارِ وَزِرَاعَةِ الْأَرْضِينَ، وَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ فِي الْغَلَّةِ وَالْكِرَاءِ، وَقِيلَ يَجُوزُ عَلَى قِيَاسِ التَّهَايُؤِ بِالْأَزْمَانِ، وَكَذَلِكَ الْقَوْلُ