الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَخَوَاصُّ النُّفُوسِ لَا يُمْكِنُ التَّكْفِيرُ بِهَا؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ كَسْبِهِمْ، وَلَا كُفْرَ بِغَيْرِ مُكْتَسِبٍ. وَأَمَّا اعْتِقَادُهُمْ بِأَنَّ الْكَوَاكِبَ تَفْعَلُ ذَلِكَ بِقُدْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى فَهَذَا خَطَأٌ؛ لِأَنَّهَا لَا تَفْعَلُ ذَلِكَ بِهَا، وَإِنَّمَا
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
هَذِهِ الْأُمُورُ كُفْرًا، قَوْلٌ صَحِيحٌ أَيْضًا كَأَكْلِ الْخِنْزِيرِ وَالتَّرَدُّدِ عَلَى الْكَنَائِسِ، وَقَوْلُهُ، وَلَا سِيَّمَا وَتَعَلُّمُهُ لَا يَتَأَتَّى إلَّا بِمُبَاشَرَتِهِ إلَى قَوْلِهِ أَنْ تُذَلِّلَ لِي قَلْبَ فُلَانٍ الْجَبَّارِ يَعْنِي أَنَّ تَعَلُّمَهُ لِتَحْصِيلِ ثَمَرَتِهِ لَا لِغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْمَقَاصِدِ وَذَلِكَ صَحِيحٌ مِنْ جِهَةِ اشْتِرَاطِ أَهْلِ السِّحْرِ ذَلِكَ بَلْ الْجَزْمُ بِحُصُولِ الْأَثَرِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْفَخْرُ وَقَوْلُهُ وَاحْتَجُّوا إلَى قَوْلِهِ لَمْ يَأْثَمْ قُلْتُ: تَقُولُ الْمَالِكِيَّةُ بِمُوجِبِ ذَلِكَ، وَلَا يَلْزَمُ مَقْصُودُ الْحَنَفِيَّةِ فَإِنَّ مَا ذَكَرَهُ الْحَنَفِيَّةُ تَعَلُّمُ الْكُفْرِ لَا لِنَفْسِهِ بَلْ لِتَصْحِيحٍ يَقْتَضِيهِ.
قَالَ شِهَابُ الدِّينِ (هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فِي غَايَةِ الْإِشْكَالِ عَلَى أُصُولِنَا إلَى قَوْلِهِ طَبَائِعُ تِلْكَ الْعَقَاقِيرِ) قُلْتُ: مَا قَالَهُ مِنْ أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ التَّكْفِيرُ بِجَمْعِ الْعَقَاقِيرِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَفْعَالِ صَحِيحٌ إذَا كَانَ ذَلِكَ الْجَمْعُ وَسَائِرُ تِلْكَ الْأَفْعَالِ غَيْرَ مَقْصُودٍ بِهِ اجْتِلَابُ الْآثَارِ الْمَطْلُوبَةِ مِنْ ذَلِكَ، وَأَمَّا إذَا كَانَتْ مَقْصُودًا بِهَا ذَلِكَ فَهُوَ السِّحْرُ الَّذِي هُوَ كُفْرٌ بِنَفْسِهِ لِتَضَمُّنِهِ اعْتِقَادَ تَأْثِيرِ هَذِهِ الْأُمُورِ أَوْ دَلِيلِ الْكُفْرِ عَلَى مَذْهَبِ الْمَالِكِيَّةِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
قَالَ شِهَابُ الدِّينِ (وَخَوَاصُّ النُّفُوسِ لَا يُمْكِنُ التَّكْفِيرُ بِهَا؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ كَسْبِهِمْ، وَلَا كُفْرَ بِغَيْرِ مُكْتَسِبٍ. وَأَمَّا اعْتِقَادُهُمْ بِأَنَّ الْكَوَاكِبَ تَفْعَلُ ذَلِكَ بِقُدْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى فَهَذَا خَطَأٌ؛ لِأَنَّهَا لَا تَفْعَلُ ذَلِكَ بِهَا، وَإِنَّمَا
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
وَتَوَقُّفٍ كَمَا فِي الْأَصْلِ.
وَقَالَهُ ابْنُ الشَّاطِّ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
(الْوَصْلُ الثَّانِي) فِي الْأَصْلِ قَالَ الشَّافِعِيُّ رضي الله عنه هَذِهِ الْحُجَّةُ أَقَلُّ حُجَّةً فِي الشَّرِيعَةِ بِسَبَبِ أَنَّا لَمْ نَجِدْ مُرَجِّحًا عِنْدَ الِاسْتِوَاءِ إلَّا الْيَمِينَ فَقُلْنَا بِالتَّرْجِيحِ بِهِ لِقَوْلِهِ عليه السلام «أُمِرْتُ أَنْ أَقْضِيَ بِالظَّاهِرِ، وَاَللَّهُ مُتَوَلِّي السَّرَائِرِ» ، وَهَذَا قَدْ صَارَ ظَاهِرًا بِالْيَمِينِ فَيُقْضَى بِهِ لِصَاحِبِهِ قَالَ الْأَصْلُ، وَلِأَنَّهَا إنْ كَانَتْ فِي أَيْدِيهِمَا أَوْ أَقَرَّ الثَّالِثُ بِأَنَّهَا لَا تَعْدُوهُمَا كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَدَهُ عَلَى النِّصْفِ أَوْ لَهُ النِّصْفُ بِإِقْرَارِ الثَّالِثِ فَتُدْفَعُ عَنْهُ بِيَمِينِهِ كَمَا تُدْفَعُ يَمِينُ سَائِرِ مَنْ ادَّعَى عَلَيْهِ فَتَنْدَرِجُ هَذِهِ الْيَمِينُ فِي قَوْلِهِ عليه السلام «الْبَيِّنَةُ عَلَى مَنْ ادَّعَى، وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ» .
وَقَوْلُهُ عليه السلام «شَاهِدَاك أَوْ يَمِينُهُ» لِأَنَّ الْمُرَادَ فِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ الْيَمِينُ الدَّافِعَةُ، وَهِيَ هَذِهِ بِعَيْنِهَا، وَلَيْسَتْ هِيَ الْجَالِبَةُ الَّتِي تَقْضِي بِالْمِلْكِ كَمَا اعْتَقَدَ كَثِيرٌ مِنْ الْفُقَهَاءِ اهـ كَلَامُ الْأَصْلِ، وَسَلَّمَهُ ابْنُ الشَّاطِّ، وَقَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ وَالْأَصْلُ فِي جَرَيَانِ التَّحَالُفِ وَالتَّفَاسُخِ مِنْ الْمُتَبَايِعَيْنِ فِي الْأَنْوَاعِ الْمَذْكُورَةِ حَدِيثُ إذَا اخْتَلَفَ الْمُتَبَايِعَانِ تَحَالَفَا، وَتَفَاسَخَا اهـ، وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.
[الْحُجَّةُ الثَّالِثَةُ عَشْرَةَ أَقَرَّ لِغَيْرِهِ بِحَقٍّ أَوْ عَيْنٍ]
(الْبَابُ الثَّانِي عَشَرَ) فِي بَيَانِ حَقِيقَةِ الْإِقْرَارِ وَحُكْمِهِ وَأَرْكَانِهِ فِي تَبْصِرَةِ ابْنِ فَرْحُونٍ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ حَقِيقَةُ الْإِقْرَارِ الْإِخْبَارُ عَنْ أَمْرٍ يَتَعَلَّقُ بِهِ حَقٌّ لِلْغَيْرِ وَحُكْمُهُ اللُّزُومُ، وَهُوَ أَبْلَغُ مِنْ الشَّهَادَةِ قَالَ أَشْهَبُ قَوْلُ كُلِّ أَحَدٍ عَلَى نَفْسِهِ أَوْجَبُ مِنْ دَعْوَاهُ عَلَى غَيْرِهِ.
وَمَنْ لَمْ يَجُزْ إقْرَارُهُ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ صَغِيرٍ، وَشَبَهِهِ لَمْ يَجُزْ شَهَادَتُهُ عَلَى غَيْرِهِ، وَلِلْأَوَّلِ أَرْكَانٌ أَرْبَعَةٌ الصِّيغَةُ وَالْمُقِرُّ وَالْمُقِرُّ لَهُ، وَالْمُقِرُّ بِهِ فَالرُّكْنُ الْأَوَّلُ، وَهِيَ الصِّيغَةُ نَوْعَانِ:
(الْأَوَّلُ) لَفْظٌ يَدُلُّ بِلَا خَفَاءٍ عَلَى تَوَجُّهِ الْحَقِّ قَبْلَ الْمُقِرِّ
(وَالنَّوْعُ الثَّانِي) مَا يَقُومُ مَقَامَهُ مِنْ الْإِشَارَةِ وَالْكِتَابَةِ وَالسُّكُوتِ فَأَمَّا الْإِشَارَةُ فَمِنْ الْأَبْكَمِ، وَمِنْ الْمَرِيضِ فَإِذَا قِيلَ لِلْمَرِيضِ لِفُلَانٍ عِنْدَك كَذَا فَأَشَارَ بِرَأْسِهِ أَنْ نَعَمْ فَهَذَا إقْرَارٌ إذَا فُهِمَ عَنْهُ مُرَادُهُ، وَأَمَّا الْكِتَابَةُ فَهِيَ مِثْلُ أَنْ يَكْتُبَ بِمَحْضَرِ قَوْمٍ، وَيَقُولَ اشْهَدُوا عَلَيَّ بِمَا فِيهِ فَذَلِكَ لَازِمٌ لَهُ، وَإِنْ لَمْ يَقْرَأْهُ عَلَيْهِمْ أَوْ يَكْتُبَ أَوْ عَلَى رِسَالَةٍ لِرَجُلٍ غَائِبٍ بِطَلَاقٍ وَغَيْرُهُ كَذَلِكَ
عَلَى كَذَا، وَيَعْتَرِفُ أَوْ تَقُومُ الْبَيِّنَةُ أَنَّهُ كَتَبَهُ أَوْ أَمْلَاهُ فَيَلْزَمُهُ كُلُّ مَا فِيهِ مِنْ طَلَاقٍ وَغَيْرِهِ خَلَا الْحُدُودِ فَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَنْ الْحَدِّ نَعَمْ يُؤْخَذُ بِغُرْمِ السَّرِقَةِ، وَلَا يُحَدُّ أَوْ يَكْتُبَ فِي الْأَرْضِ لِفُلَانٍ عَلَيَّ كَذَا، وَيَقُولُ اشْهَدُوا عَلَيَّ بِهَذَا فَيَلْزَمُهُ فَإِنْ لَمْ يَقُلْ اشْهَدُوا لَمْ يَلْزَمْهُ فِي هَذَا، وَيَلْزَمُهُ مُطْلَقًا إذَا كَتَبَ ذَلِكَ فِي صَحِيفَةٍ أَوْ لَوْحٍ أَوْ خِرْقَةٍ إنْ شَهِدَ أَنَّهُ خَطُّهُ، وَأَمَّا السُّكُوتُ فَكَالْمَيِّتِ تُبَاعُ تَرِكَتُهُ، وَتُقَسَّمُ، وَغَرِيمُهُ حَاضِرٌ سَاكِتٌ لَمْ يَقُمْ فَلَا قِيَامَ لَهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ عُذْرٌ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَكَمَنْ أَتَى إلَى قَوْمٍ فَقَالَ اشْهَدُوا أَنَّ لِي كَذَا وَكَذَا عَلَى هَذَا الرَّجُلِ، وَالرَّجُلُ سَاكِتٌ، وَلَمْ يَسْأَلْهُ الشُّهُودُ عَنْ شَيْءٍ فَلَمَّا طُولِبَ أَنْكَرَ قَالَ بَلْ يَلْزَمُهُ سُكُوتُهُ.
وَأَمَّا مَنْ سُئِلَ عِنْدَ مَوْتِهِ هَلْ لِأَحَدٍ عِنْدَك شَيْءٌ فَقَالَ لَا قِيلَ لَهُ، وَلَا لِامْرَأَتِك فَقَالَ لَا، وَالْمَرْأَةُ سَاكِتَةٌ، وَهِيَ تَسْمَعُ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ إنَّهَا تَحْلِفُ أَنَّ حَقَّهَا عَلَيْهِ تُرِيدُ إلَى الْآنَ، وَتَأْخُذُهُ إنْ قَامَتْ لَهَا بِهِ بَيِّنَةٌ، وَلَا يَضُرُّهَا سُكُوتُهَا مِنْ الْمَذْهَبِ لِابْنِ رُشْدٍ وَكَذَا مَنْ قَالَ لِرَجُلٍ فُلَانٌ السَّاكِنُ فِي مَنْزِلِك لِمَ أَسْكَنْته؟ فَقَالَ أَسْكَنْته بِلَا كِرَاءٍ، وَالسَّاكِنُ يَسْمَعُ، وَلَا يُنْكِرُ، وَلَا يُغَيِّرُ ثُمَّ ادَّعَى أَنَّ الْمَنْزِلَ لَهُ.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ لَا يَقْطَعُ بِسُكُوتِهِ دَعْوَاهُ إنْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَنَّ الْمَنْزِلَ لَهُ، وَيُحَلَّفُ لِأَنَّهُ يَقُولُ ظَنَنْته يُدَاعِبُهُ
(فَرْعَانِ الْأَوَّلُ) فِي أَحْكَامِ ابْنِ سَهْلٍ قَالَ مَالِكٌ فِي الرَّجُلِ يُقِرُّ لِقَوْمٍ أَنَّ أَبَاهُمْ أَسْلَفَهُ مَالًا، وَأَنَّهُ قَدْ قَضَاهُ إيَّاهُ أَنَّهُ إنْ كَانَ أَمَدُ ذَلِكَ قَرِيبًا، وَالزَّمَنُ غَيْرُ مُتَطَاوِلٍ لَمْ يُصَدَّقْ إلَّا بِبَيِّنَةٍ عَلَى الْقَضَاءِ، وَإِنْ تَطَاوَلَ زَمَانُ ذَلِكَ حَلَفَ الْمُقِرُّ وَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ، وَلَمْ يُحَدَّ الطُّولُ فَانْظُرْهُ
(الْفَرْعُ الثَّانِي) وَثَائِقُ أَبِي إِسْحَاقَ الْغَرْنَاطِيِّ مَنْ أَقَرَّ لِرَجُلٍ أَنَّهُ لَا حَقَّ لَهُ عَلَيْهِ بَرِئَ مِنْ الْحُقُوقِ
جَاءَتْ الْآثَارُ مِنْ خَوَاصِّ نُفُوسِهِمْ الَّتِي رَبَطَ اللَّهُ تَعَالَى بِهَا تِلْكَ الْآثَارَ عِنْدَ ذَلِكَ الِاعْتِقَادِ فَيَكُونُ ذَلِكَ الِاعْتِقَادُ فِي الْكَوَاكِبِ خَطَأً كَمَا إذَا اعْتَقَدَ طَبِيبٌ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَوْدَعَ فِي الصَّبْرِ وَالسَّقَمُونْيَا عَقْلَ الْبَطْنِ وَقَطْعَ الْإِسْهَالِ فَإِنَّهُ خَطَأٌ.
وَأَمَّا تَكْفِيرُهُ بِذَلِكَ فَلَا، وَإِنْ اعْتَقَدُوا أَنَّ الْكَوَاكِبَ تَفْعَلُ ذَلِكَ وَالشَّيَاطِينَ بِقُدْرَتِهَا لَا بِقُدْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى فَقَدْ قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ الشَّافِعِيَّةُ هَذَا هُوَ مَذْهَبُ الْمُعْتَزِلَةِ فِي اسْتِقْلَالِ الْحَيَوَانَاتِ بِقُدْرَتِهَا دُونَ قُدْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى فَكَمَا لَا نُكَفِّرُ الْمُعْتَزِلَةَ بِذَلِكَ لَا نُكَفِّرُ هَؤُلَاءِ، وَمِنْهُمْ مَنْ فَرَّقَ بِأَنَّ الْكَوَاكِبَ مَظِنَّةُ الْعِبَادَةِ فَإِنْ انْضَمَّ إلَى ذَلِكَ اعْتِقَادُ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
جَاءَتْ الْآثَارُ مِنْ خَوَاصِّ نُفُوسِهِمْ الَّتِي رَبَطَ اللَّهُ بِهَا تِلْكَ الْآثَارَ عِنْدَ ذَلِكَ الِاعْتِقَادِ) قُلْتُ لَا أَعْرِفُ صِحَّةَ مَا قَالُوهُ مِنْ رَبْطِ تِلْكَ الْآثَارِ بِخَوَاصِّ النُّفُوسِ. قَالَ: (فَيَكُونُ ذَلِكَ الِاعْتِقَادُ خَطَأً كَمَا إذَا اعْتَقَدَ طَبِيبٌ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَوْدَعَ فِي الصَّبْرِ السَّقَمُونْيَا عَقْلَ الْبَطْنِ وَقَطْعَ الْإِسْهَالِ، وَأَمَّا تَكْفِيرُهُ بِذَلِكَ فَلَا) قُلْتُ مَا قَالَهُ فِي ذَلِكَ صَحِيحٌ.
قَالَ: (وَإِنْ اعْتَقَدُوا أَنَّ الْكَوَاكِبَ تَفْعَلُ ذَلِكَ وَالشَّيَاطِينَ بِقُدْرَتِهَا لَا بِقُدْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى فَقَدْ قَالَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ هَذَا مَذْهَبُ الْمُعْتَزِلَةِ فِي اسْتِقْلَالِ الْحَيَوَانَاتِ بِقُدْرَتِهَا دُونَ اللَّهِ تَعَالَى فَكَمَا لَا نُكَفِّرُ الْمُعْتَزِلَةَ بِذَلِكَ لَا نُكَفِّرُ هَؤُلَاءِ) قُلْتُ إنْ كَانَ الْمُرَادُ أَنَّهَا تَفْعَلُ بِقُدْرَتِهَا مِنْ غَيْرِ تَعَلُّقِ قُدْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى بِقُدْرَتِهَا فَذَلِكَ كُفْرٌ صَحِيحٌ، وَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ أَنَّهَا تَفْعَلُ بِقُدْرَتِهَا مُبَاشَرَةً مَعَ تَعَلُّقِ قُدْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى بِقُدْرَتِهَا فَهُوَ مَذْهَبُ الْمُعْتَزِلَةِ. قَالَ: (وَمِنْهُمْ مَنْ فَرَّقَ بِأَنَّ الْكَوَاكِبَ مَظِنَّةُ الْعِبَادَةِ فَإِنْ انْضَمَّ إلَى ذَلِكَ اعْتِقَادُ
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
الْوَاجِبَةِ مِنْ الضَّمَانَاتِ وَالدُّيُونِ، وَإِنْ أَقَرَّ أَنَّهُ لَا حَقَّ لَهُ عِنْدَهُ أَوْ قِبَلَهُ بَرِئَ مِنْ الضَّمَانَاتِ، وَالْأَمَانَاتِ
(وَالرُّكْنُ الثَّانِي) ، وَهُوَ الْمُقِرُّ لَهُ ثَلَاثَةُ أَحْوَالٍ
(الْحَالَةُ الْأُولَى) أَنْ يُقِرَّ عَلَى نَفْسِهِ، وَهُوَ رَشِيدٌ طَائِعٌ فَإِنْ أَقَرَّ بِمَالٍ أَوْ بِقِصَاصٍ لَزِمَهُ، وَلَا يَنْفَعُهُ الرُّجُوعُ، وَإِنْ أَقَرَّ بِمَا يُوجِبُ عَلَيْهِ الْحَدَّ كَالزِّنَا وَالسَّرِقَةِ فَلَهُ الرُّجُوعُ لَكِنْ يَلْزَمُهُ الصَّدَاقُ وَالْمَالُ فَلَوْ كَانَ مُكْرَهًا لَمْ يَلْزَمْهُ، وَلَوْ كَانَ مَحْجُورًا عَلَيْهِ فَإِنْ كَانَ لِحَقِّ نَفْسِهِ كَالْمَجْنُونِ وَالصَّغِيرِ لَمْ يَلْزَمْهُ إلَّا أَنْ يَدَّعِيَ الصَّغِيرُ أَنَّهُ احْتَلَمَ فِي وَقْتِ إمْكَانِهِ إذْ لَا يُعْرَفْ إلَّا مِنْ جِهَتِهِ.
وَإِنْ كَانَ لِحَقِّ غَيْرٍ كَالْمُفْلِسِ، وَالْعَبْدِ، وَالْمَرِيضِ فَأَحْكَامُ إقْرَارِهِمْ مَشْهُورَةٌ مَبْسُوطَةٌ فِي كُتُبِ الْفِقْهِ
(الْحَالَةُ الثَّانِيَةُ) أَنْ يُقِرَّ عَلَى غَيْرِهِ فَإِنْ كَانَ سَبَبُهُ مِنْهُ كَقَتْلِ الْخَطَأِ، وَجِرَاحِ الْخَطَأِ الَّتِي فِيهَا ثُلُثُ الدِّيَةِ فَإِقْرَارُهُ غَيْرُ لَازِمٍ أَمَّا مَا فِيهَا دُونَ ثُلُثِهَا فَتَلْزَمُهُ فِي مَا لَهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ سَبَبُهُ مِنْهُ كَإِقْرَارِهِ فِي عَبْدِ زَيْدٍ أَنَّهُ لِعَمْرٍو فَلَا يُقْبَلُ إقْرَارُهُ
(الْحَالَةُ الثَّالِثَةُ) أَنْ يُقِرَّ عَلَى نَفْسِهِ وَغَيْرِهِ فَيُقْبَلُ فِي حَقِّ نَفْسِهِ، وَيَكُونُ شَاهِدًا لِغَيْرِهِ فَلَوْ قَالَ لِفُلَانٍ عَلَيَّ، وَعَلَى فُلَانٍ أَلْفُ دِرْهَمٍ فَعَلَيْهِ النِّصْفُ، وَيَحْلِفُ الطَّالِبُ مَعَهُ فَإِنْ نَكَلَ أَوْ كَانَ غَيْرَ عَدْلٍ فَلَا شَيْءَ لِلطَّالِبِ غَيْرُ النِّصْفِ، وَلَمْ يَذْكُرْ الْأَصْلُ إلَّا الْحَالَةَ الْأُولَى، وَالثَّانِيَةَ، وَقَسَّمَ الْأُولَى إلَى مَا يُؤَثِّرُ فِيهِ الْإِقْرَارُ، وَيَقْضِي فِيهِ بِالْمِلْكِ، وَمَا يُؤَثِّرُ، وَلَا يَقْضِي فِيهِ بِمُجَرَّدِ التَّسْلِيمِ فَقَالَ مَنْ أَقَرَّ لِغَيْرِهِ بِحَقٍّ أَوْ عَيْنٍ قَضَى عَلَيْهِ بِإِقْرَارِهِ كَانَ الْمُقِرُّ بَرًّا أَوْ فَاجِرًا فَإِنْ كَانَ الْمُقِرُّ بِهِ فِي الذِّمَّةِ كَالدَّيْنِ أَوْ عَيْنًا أَقَرَّ بِهَا مِنْ سَلَمٍ أُخِذَتْ مِنْهُ، وَقَضَى فِي جَمِيعِ ذَلِكَ بِالْمِلْكِ لِلْمُقِرِّ لَهُ، وَإِنْ كَانَ الْمُقِرُّ بِهِ عَيْنًا قَضَى عَلَى الْمُقِرِّ بِتَسْلِيمِهَا لِلْمُقِرِّ لَهُ إنْ كَانَتْ فِي يَدِ الْمُقِرِّ، وَلَا يُقْضَى بِالْمِلْكِ بَلْ بِإِلْزَامِ التَّسْلِيمِ لِاحْتِمَالِ أَنْ تَكُونَ الثَّالِثَ، وَإِنْ كَانَ الْمُقِرُّ بِهِ بِيَدِ الْغَيْرِ لَمْ يَقْضِ بِهِ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُؤَثِّرُ الْإِقْرَارُ فِيمَا فِي يَدِ الْمُقِرِّ، وَيَنْتَقِلُ بِيَدِهِ يَوْمًا مِنْ الدَّهْرِ فَيُقْضَى عَلَيْهِ حِينَئِذٍ بِمُوجَبِ إقْرَارِهِ اهـ، وَسَلَّمَهُ ابْنُ الشَّاطِّ
(الرُّكْنُ الثَّالِثُ) وَهُوَ الْمُقِرُّ لَهُ يُشْتَرَطُ فِيهِ شَرْطَانِ أَحَدُهُمَا أَنْ يَكُونَ أَهْلًا لِلِاسْتِحْقَاقِ فَلَا يَصِحُّ الْإِقْرَارُ لِلْجَمَادِ، وَالْحَيَوَانِ، وَثَانِيهِمَا أَنْ لَا يَكْذِبَ الْمُقِرُّ، وَإِلَّا فَلَا يَصِحُّ الْإِقْرَارُ، وَلَوْ رَجَعَ عَنْ تَكْذِيبِهِ لَمْ يُفِدْهُ رُجُوعُهُ إلَّا أَنْ يَرْجِعَ الْمُقِرُّ إلَى الْإِقْرَارِ
(وَالرُّكْنُ الرَّابِعُ) وَهُوَ الْمُقِرُّ بِهِ ضَرْبَانِ نَسَبٌ، وَمَالٌ
(فَالْأَوَّلُ) هُوَ الِاسْتِلْحَاقُ، وَمَسَائِلُهُ مَشْهُورَةٌ
(وَالثَّانِي) مُطْلَقٌ وَمُقَيَّدٌ فَالْمُطْلَقُ مَا صَدَرَ غَيْرَ مُقْتَرِنٍ بِمَا يُقَيِّدُهُ أَوْ يَرْفَعُ حُكْمَهُ أَوْ حُكْمَ بَعْضِهِ، وَالْمُقَيَّدُ عَشَرَةُ أَنْوَاعٍ لِأَنَّهُ إمَّا أَنْ يُقَيَّدَ بِالْمَحَلِّ أَوْ بِالْعِلْمِ أَوْ بِالْغَايَةِ أَوْ بِالْخِيَارِ أَوْ بِالشَّرْطِ أَوْ بِالِاسْتِثْنَاءِ أَوْ بِكَوْنِهِ عَلَى جِهَةِ الشُّكْرِ أَوْ الذَّمِّ أَوْ الِاعْتِذَارِ أَوْ بِتَعْقِيبِهِ بِمَا يُبْطِلُهُ فَالْمَحَلُّ كَقَوْلِهِ غَصَبْت فُلَانًا ثَوْبًا فِي مِنْدِيلٍ فَقَالَ سَحْنُونٌ يُؤْخَذُ بِالثَّوْبِ، وَالْمِنْدِيلِ، وَيُصَدَّقُ فِي صِفَتِهِمَا، وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ لَا يَلْزَمُهُ الْمِنْدِيلُ، وَالْعِلْمُ كَقَوْلِهِ لَهُ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ فِيمَا أَعْلَمُ أَوْ فِيمَا أَظُنُّ أَوْ فِيمَا حَسِبْت أَوْ فِيمَا رَأَيْت فَقَالَ سَحْنُونٌ هُوَ إقْرَارٌ، وَقَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ وَابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ إذَا قَالَ فِيمَا أَعْلَمُ أَوْ فِي عِلْمِي أَوْ فِيمَا يَحْضُرُنِي فَهُوَ شَكٌّ لَا يَلْزَمُ، وَالْغَايَةُ كَقَوْلِهِ عَلَيَّ مَا بَيْنَ دِرْهَمٍ إلَى مِائَتَيْ دِرْهَمٍ فَيَلْزَمُهُ مِائَةٌ، وَتِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ وَكَقَوْلِهِ عَلَى مَا بَيْنَ دِرْهَمٍ إلَى عَشْرٍ فَيَلْزَمُهُ تِسْعَةٌ.
وَقِيلَ يَلْزَمُهُ عَشَرَةٌ أَيْ بِنَاءً عَلَى دُخُولِ الْغَايَةِ وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ مِنْ دِرْهَمٍ إلَى ثَلَاثَةٍ فَيَلْزَمُهُ ثَلَاثَةٌ، وَالْخِيَارُ كَقَوْلِهِ لَهُ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ عَلَى أَنِّي بِالْخِيَارِ يَوْمَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً فَقِيلَ يَلْزَمُهُ، وَيَكُونُ الْخِيَارُ كَالْأَجَلِ، وَقِيلَ الْخِيَارُ بَاطِلٌ، وَالشَّرْطُ كَقَوْلِهِ لَهُ عَلَيَّ مِائَةٌ إنْ حَلَفَ أَوْ إذَا حَلَفَ أَوْ مَتَى حَلَفَ فَقَالَ الْمُقِرُّ مَا ظَنَنْت أَنَّهُ يَحْلِفُ لَمْ يَلْزَمْهُ إقْرَارُهُ إجْمَاعًا، وَالِاسْتِثْنَاءُ لِقَوْلِهِ لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ لَزِمَهُ، وَلَا يَنْفَعُهُ الِاسْتِثْنَاءُ بِالْمَشِيئَةِ، وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ لَا يَلْزَمُهُ لِأَنَّهُ أَدْخَلَ