الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَالْجَزْمُ بِذَلِكَ كُفْرٌ أَوْ نَقُولُ هُوَ عَلَامَةُ الْكُفْرِ بِإِخْبَارِ الشَّرْعِ فَلَوْ قَالَ الشَّارِعُ مَنْ دَخَلَ مَوْضِعَ كَذَا فَهُوَ كَافِرٌ اعْتَقَدْنَا كُفْرَ الدَّاخِلِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الدُّخُولُ كُفْرًا، وَإِنْ أَخْبَرَنَا هُوَ أَنَّهُ مُؤْمِنٌ لَمْ نُصَدِّقْهُ قَالَ فَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ أَصْحَابِنَا إنَّ السِّحْرَ كُفْرٌ أَيْ دَلِيلُ الْكُفْرِ لَا أَنَّهُ كُفْرٌ فِي نَفْسِهِ كَأَكْلِ الْخِنْزِيرِ وَشُرْبِ الْخَمْرِ وَالتَّرَدُّدِ إلَى الْكَنَائِسِ فِي أَعْيَادِ النَّصَارَى فَنَحْكُمُ بِكُفْرِ فَاعِلِهِ.
وَإِنْ لَمْ تَكُنْ هَذِهِ الْأُمُورُ كُفْرًا لَا سِيَّمَا وَتَعَلُّمُهُ لَا يَتَأَتَّى إلَّا بِمُبَاشَرَتِهِ كَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَتَعَلَّمَ الزَّمْرَ أَوْ ضَرْبَ الْعُودِ، وَالسِّحْرُ لَا يَتِمُّ إلَّا بِالْكُفْرِ كَقِيَامِهِ إذَا أَرَادَ سِحْرَ سُلْطَانٍ لِبُرْجِ الْأَسَدِ قَائِلًا خَاضِعًا مُتَقَرِّبًا لَهُ وَيُنَادِيهِ يَا سَيِّدَاهُ يَا عَظِيمَاهُ أَنْتَ الَّذِي إلَيْك تَدِينُ الْمُلُوكُ وَالْجَبَابِرَةُ وَالْأُسُودُ أَسْأَلُك أَنْ تُذَلِّلَ لِي قَلْبَ فُلَانٍ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
وَالْجَزْمُ بِذَلِكَ كُفْرٌ أَوْ نَقُولُ هُوَ عَلَامَةُ الْكُفْرِ بِإِخْبَارِ الشَّرْعِ فَلَوْ قَالَ الشَّارِعُ مَنْ دَخَلَ مَوْضِعَ كَذَا فَهُوَ كَافِرٌ اعْتَقَدْنَا كُفْرَ الدَّاخِلِ، وَأَنَّ الدُّخُولَ كُفْرٌ، وَإِنْ أَخْبَرَنَا هُوَ أَنَّهُ مُؤْمِنٌ لَمْ نُصَدِّقْهُ قَالَ فَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ أَصْحَابِنَا إنَّ السِّحْرَ كُفْرٌ أَيْ دَلِيلُ الْكُفْرِ لَا أَنَّهُ كُفْرٌ فِي نَفْسِهِ كَأَكْلِ الْخِنْزِيرِ وَشُرْبِ الْخَمْرِ وَالتَّرَدُّدِ لِلْكَنَائِسِ فِي أَعْيَادِ النَّصَارَى فَنَحْكُمُ بِكُفْرِ فَاعِلِهِ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ هَذِهِ الْأُمُورُ كُفْرًا لَا سِيَّمَا وَتَعَلُّمُهُ لَا يَتَأَتَّى إلَّا بِمُبَاشَرَتِهِ كَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَتَعَلَّمَ الزَّمْرَ أَوْ ضَرْبَ الْعُودِ وَالسِّحْرَ لَا يَتِمُّ إلَّا بِالْكُفْرِ كَقِيَامِهِ إذَا أَرَادَ سِحْرَ سُلْطَانٍ لِبُرْجِ الْأَسَدِ قَائِلًا خَاضِعًا مُتَقَرِّبًا لَهُ وَيُنَادِيهِ يَا سَيِّدَاهُ يَا عَظِيمَاهُ أَنْتَ الَّذِي إلَيْك تَدِينُ الْمُلُوكُ وَالْجَبَابِرَةُ وَالْأُسُودُ أَسْأَلُك أَنْ تُذَلِّلَ لِي قَلْبَ فُلَانِ
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
الدَّافِعَةِ لِئَلَّا يَأْخُذَ بِهَا مَالًا بَلْ يُحْكَمُ بِالظَّاهِرِ، وَهُوَ الصِّدْقُ
(وَالْوَجْهُ الثَّانِي) الْمَلَاعِنُ إذَا نَكَلَ حُدَّ بِمُجَرَّدِ النُّكُولِ، وَجَوَابُهُ أَنَّ الْمُوجِبَ لِحَدِّ الْمَلَاعِنِ قَذْفُهُ، وَإِنَّمَا أَيْمَانُهُ مُسْقِطَةٌ فَإِذَا فُقِدَ الْمَانِعُ عُومِلَ بِالْمُقْتَضَى، وَالنُّكُولُ عِنْدَكُمْ مُقْتَضًى فَلَا جَامِعَ بَيْنَهُمَا
(وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ) أَنَّ ابْنَ الزُّبَيْرِ وَلَّى ابْنَ أَبِي مُلَيْكَةَ قَضَاءَ الْيَمَنِ فَجَاءَ إلَى ابْنِ عَبَّاسٍ فَقَالَ إنَّ هَذَا الرَّجُلُ وَلَّانِي هَذَا الْبَلَدَ، وَأَنَّهُ لَا غِنَاءَ لِي عَنْهُ فَقَالَ لَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ اُكْتُبْ لِي بِمَا يَبْدُو لَك فَكَتَبَ إلَيْهِ فِي جَارِيَتَيْنِ جَرَحَتْ أَحَدُهُمَا الْأُخْرَى فِي كَفِّهَا فَكَتَبَ إلَيْهِ ابْنُ عَبَّاسٍ احْبِسْهَا إلَى بَعْدِ الْعَصْرِ وَاقْرَأْ عَلَيْهَا {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلا} [آل عمران: 77] قَالَ فَفَعَلَ ذَلِكَ، وَاسْتَحْلَفَهَا فَأَبَتْ فَأَلْزَمَهَا ذَلِكَ، وَجَوَابُهُ أَنَّهُ رُوِيَ عَنْ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ أَنَّهُ قَالَ اعْتَرَفَتْ فَأَلْزَمْتهَا ذَلِكَ، وَلَعَلَّهُ بِرَأْيِهِ لَا بِرَأْيِ ابْنِ عَبَّاسٍ فَإِنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ لَمْ يَأْمُرْهُ بِالْحُكْمِ عَلَيْهَا بِذَلِكَ، وَالتَّابِعِيُّ لَا حُجَّةَ فِي فِعْلِهِ
(وَالْوَجْهُ الرَّابِعُ) قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم «الْبَيِّنَةُ عَلَى مَنْ ادَّعَى، وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ» فَجَعَلَ الْيَمِينَ فِي حُجَّةِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَلَمْ يَبْقَ يَمِينٌ تُجْعَلُ فِي جِهَةِ الْمُدَّعِي، وَجَعَلَ حُجَّةَ الْمُدَّعِي الْبَيِّنَةَ، وَحُجَّةَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الْيَمِينَ، وَلَمَّا لَمْ يَجُزْ نَقْلُ حُجَّةِ الْمُدَّعِي إلَى حُجَّةِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لَمْ يَجُزْ أَيْضًا نَقْلُ حُجَّةِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إلَى جِهَةِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَجَوَابُهُ أَنَّهُ وَرَدَ لِمَنْ تَوَجَّهَ عَلَيْهِ الْيَمِينُ ابْتِدَاءً، وَنَحْنُ نَقُولُ بِهِ، وَأَمَّا مَا نَحْنُ فِيهِ فَلَمْ يَتَعَرَّضْ لَهُ الْحَدِيثُ أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُنْكِرَ قَدْ يُقِيمُ الْبَيِّنَةَ إذَا ادَّعَى الدِّينَ فَكَذَلِكَ قَدْ تُوجَدُ فِي حَقِّ الْمُدَّعِي فِي الرُّتْبَةِ الثَّانِيَةِ
(وَالْوَجْهُ الْخَامِسُ) قَوْلُهُ عليه السلام «شَاهِدَاك أَوْ يَمِينُهُ» ، وَلَمْ يَقُلْ أَوْ يَمِينُك، وَجَوَابُهُ أَنَّهُ لِبَيَانِ مَنْ تَتَوَجَّهُ عَلَيْهِ الْيَمِينُ ابْتِدَاءً فِي الرُّتْبَةِ الْأُولَى كَمَا تَقَدَّمَ تَقْرِيرُهُ
(وَالْوَجْهُ السَّادِسُ) أَنَّ الْبَيِّنَةَ لِلْإِثْبَاتِ، وَيَمِينُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لِلنَّفْيِ فَلَمَّا تَعَذَّرَ جَعَلُ الْبَيِّنَةَ لِلنَّفْيِ تَعَذَّرَ أَيْضًا جَعْلُ الْيَمِينِ لِلْإِثْبَاتِ، وَجَوَابُهُ أَنَّا لَمْ نَجْعَلْ الْيَمِينَ وَحْدَهَا لِلْإِثْبَاتِ بَلْ الْيَمِينَ مَعَ النُّكُولِ عَلَى أَنَّ الْبَيِّنَةَ قَدْ تَكُونُ لِلنَّفْيِ كَمَا تَقَدَّمَ تَقْرِيرُهُ مِثْلُ بَيِّنَةِ الْقَضَاءِ فَإِنَّهُ نَفْيٌ اهـ، وَسَلَّمَهُ ابْنُ الشَّاطِّ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
[الْحُجَّةُ التَّاسِعَةُ أَيْمَانُ اللِّعَانِ فِي الشَّهَادَةِ]
(الْبَابُ الثَّامِنُ) فِي بَيَانِ مَا تَكُونُ فِيهِ الْحُجَّةُ التَّاسِعَةُ، وَفِي صِفَتِهَا، وَفِيهِ وَصْلَانِ (الْوَصْلُ الْأَوَّلُ) فِي تَبْصِرَةِ ابْنِ فَرْحُونٍ لَا يَحْكُمُ بِاللِّعَانِ إلَّا بَعْدَ ثُبُوتِ الْحَمْلِ بِشَاهِدَةِ امْرَأَتَيْنِ، وَثُبُوتِ الزَّوْجِيَّةِ إنْ كَانَا مِنْ أَهْلِ الْمِصْرِ وَالْأَمْكِنَةِ مِنْ اللِّعَانِ قَبْلَ ثُبُوتِ الزَّوْجِيَّةِ وَالْحَمْلِ، وَلَا يَحُدُّهُ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَا مِنْ أَهْلِ الْمِصْرِ فَإِنَّهُ يُحَدُّ إذَا لَمْ يَثْبُتْ ذَلِكَ بِحَالٍ، وَلَا يَكُونُ اللِّعَانُ إلَّا بِمَجْلِسِ الْحَاكِمِ أَوْ فِي مَجْلِسِ رَجُلٍ مِنْ أَعْيَانِ الْفُقَهَاءِ بِأَمْرِ الْحَاكِمِ، وَقَالَ قِيلَ وَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ فِي أَشْرَفِ أَمْكِنَةِ الْبَلَدِ عِنْدَ الْمِنْبَرِ فِي الْمَدِينَةِ، وَعِنْدَ الرُّكْنِ بِمَكَّةَ، وَعِنْدَ الْمِحْرَابِ فِي غَيْرِهِمَا فِي الْجَامِعِ الْأَعْظَمِ، وَالْمُخْتَارُ أَنْ يَكُونَ بَعْدَ صَلَاةِ الْعَصْرِ، وَتَحْلِفُ الذِّمِّيَّةُ فِي كَنِيسَتِهَا لَا فِي الْمَسْجِدِ، وَالْمَرِيضُ بِمَوْضِعِهِ، وَيَكُونُ ذَلِكَ بِحُضُورِ جَمَاعَةٍ أَقَلُّهَا أَرْبَعَةٌ قَالَ وَحَقِيقَةُ اللِّعَانِ يَمِينُ الزَّوْجِ عَلَى زَوْجَتِهِ بِزِنًا أَوْ نَفْيُ حَمْلِهَا أَوْ وَلَدِهَا، وَيَمِينُ الزَّوْجَةِ عَلَى تَكْذِيبِهِ، وَسُمِّيَتْ أَيْمَانُهُمَا لِعَانًا لِأَنَّ فِيهَا ذِكْرَ اللَّعْنِ، وَلِكَوْنِهَا سَبَبًا فِي بُعْدِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ صَاحِبِهِ اهـ، وَفِي الْأَصْلِ وَسَلَّمَهُ ابْنُ الشَّاطِّ وَأَيْمَانُ اللِّعَانِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهَا فِيمَا عَلِمْت مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ اهـ
(الْوَصْلُ الثَّانِي) صِفَةُ اللِّعَانِ أَنَّهُ إنْ لَاعَنَ مِنْ دَعْوَى الزِّنَا، وَاعْتَمَدَ عَلَى الرُّؤْيَةِ قَالَ أَرْبَعُ مَرَّاتٍ أَشْهَدُ بِاَللَّهِ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَزِيدُ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ إنِّي لَمِنْ الصَّادِقِينَ لَرَأَيْتهَا تَزْنِي كَالْمِرْوَدِ فِي الْمُكْحُلَةِ ثُمَّ يَقُولُ فِي الْخَامِسَةِ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ إنْ كَانَ مِنْ الْكَاذِبِينَ
الْجَبَّارِ، وَاحْتَجُّوا بِأَنَّ تَعَلُّمَ صَرِيحِ الْكُفْرِ لَيْسَ بِكُفْرٍ فَإِنَّ الْأُصُولِيَّ يَتَعَلَّمُ جَمِيعَ أَنْوَاعِ الْكُفْرِ لِيَحْذَرَ مِنْهُ، وَلَا يَقْدَحُ فِي شَهَادَتِهِ وَمَأْخَذِهِ، فَالسِّحْرُ أَوْلَى أَنْ لَا يَكُونَ كُفْرًا، وَلَوْ قَالَ إنْسَانٌ إنَّمَا تَعَلَّمْت كَيْفَ يُكْفَرُ بِاَللَّهِ لِأَجْتَنِبَهُ أَوْ كَيْفَ الزِّنَا، وَأَنْوَاعِ الْفَوَاحِشِ لِأَجْتَنِبَهَا لَمْ يَأْثَمْ قُلْتُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فِي غَايَةِ الْإِشْكَالِ عَلَى أُصُولِنَا فَإِنَّ السَّحَرَةَ يَعْتَمِدُونَ أَشْيَاءَ تَأْبَى قَوَاعِدُ الشَّرِيعَةِ تَكْفِيرَهُمْ بِهَا كَفِعْلِ الْحِجَارَةِ الْمُتَقَدِّمِ ذِكْرُهَا قَبْلَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَكَذَلِكَ يَجْمَعُونَ عَقَاقِيرَ وَيَجْعَلُونَهَا فِي الْأَنْهَارِ وَالْآبَارِ أَوْ زِيرِ الْمَاءِ أَوْ فِي قُبُورِ الْمَوْتَى أَوْ فِي بَابٍ يُفْتَحُ إلَى الْمَشْرِقِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْبِقَاعِ وَيَعْتَقِدُونَ أَنَّ الْآثَارَ تَحْدُثُ عِنْدَ تِلْكَ الْأُمُورِ بِخَوَاصِّ نُفُوسِهِمْ الَّتِي طَبَعَهَا اللَّهُ تَعَالَى عَلَى الرَّبْطِ بَيْنَهَا وَبَيْنَ تِلْكَ الْآثَارِ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
الْجَبَّارِ وَاحْتَجُّوا بِأَنَّ تَعَلُّمَ صَرِيحِ الْكُفْرِ لَيْسَ بِكُفْرٍ فَإِنَّ الْأُصُولِيَّ يَتَعَلَّمُ جَمِيعَ أَنْوَاعِ الْكُفْرِ لِيَتَحَذَّرَ مِنْهُ، وَلَا يَقْدَحُ فِي شَهَادَتِهِ وَمَأْخَذِهِ فَالسِّحْرُ أَوْلَى أَنْ لَا يَكُونَ كُفْرًا، وَلَوْ قَالَ إنْسَانٌ إنَّمَا تَعَلَّمْتُ كَيْفَ يُكْفَرُ بِاَللَّهِ لِأَجْتَنِبَهُ أَوْ كَيْفَ الزِّنَا وَأَنْوَاعَ الْفَوَاحِشِ لِأَجْتَنِبَهَا لَمْ يَأْثَمْ.
قَالَ شِهَابُ الدِّينِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فِي غَايَةِ الْإِشْكَالِ عَلَى أُصُولِنَا فَإِنَّ السَّحَرَةَ يَعْتَمِدُونَ أَشْيَاءَ تَأْبَى قَوَاعِدُ الشَّرْعِ تَكْفِيرَهُمْ بِهَا كَفِعْلِ الْحِجَارَةِ الْمُتَقَدِّمِ ذِكْرُهَا قَبْلَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَكَذَلِكَ يَجْمَعُونَ عَقَاقِيرَ وَيَجْعَلُونَهَا فِي الْأَنْهَارِ وَالْآبَارِ أَوْ زِيرِ الْمَاءِ أَوْ قُبُورِ الْمَوْتَى أَوْ فِي بَابٍ يَفْتَحُ إلَى الْمَشْرِقِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْبِقَاعِ وَيَعْتَقِدُونَ أَنَّ الْآثَارَ تَحْدُثُ عِنْدَ تِلْكَ الْأُمُورِ بِخَوَاصِّ نُفُوسِهِمْ الَّتِي طَبَعَهَا اللَّهُ تَعَالَى عَلَى الرَّبْطِ بَيْنَهَا وَبَيْنَ تِلْكَ الْآثَارِ
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
ثُمَّ تَقُولُ الْمَرْأَةُ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ أَشْهَدُ بِاَللَّهِ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ أَنَّهُ لَمِنْ الْكَاذِبِينَ، وَمَا رَآنِي أَزْنِي ثُمَّ تَقُولُ فِي الْخَامِسَةِ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إنْ كَانَ مِنْ الصَّادِقِينَ، وَإِنْ لَاعَنَ مِنْ دَعْوَى لِنَفْيِ الْحَمْلِ، وَاعْتَمَدَ عَلَى الرُّؤْيَةِ وَحْدَهَا عَلَى أَحَدِ الْأَقْوَالِ زَادَ فِي الْأَرْبَعِ، وَمَا هَذَا الْحَمْلُ مَتَى، وَتَزِيدُ الْمَرْأَةُ، وَأَنَّ هَذَا الْحَمْلَ مِنْهُ، وَيَقُولُ فِي اللِّعَانِ إذَا اعْتَمَدَ عَلَى الِاسْتِبْرَاءِ وَحْدَهُ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ إنِّي لَمِنْ الصَّادِقِينَ لَقَدْ اسْتَبْرَأْتهَا مِنْ كَذَا فَاعْتَمَدَ عَلَيْهَا مَعَ ذِكْرِهِمَا مَعًا فِي الْأَرْبَعِ الْأَيْمَانِ، وَإِنْ لَاعَنَ مِنْ دَعْوَى الْغَصْبِ قَالَ أَشْهَدُ بِاَللَّهِ الَّذِي لَا إلَه إلَّا هُوَ مَا هَذَا الْحَمْلُ مِنِّي، وَأَنِّي لَمِنْ الصَّادِقِينَ.
وَقَالَ فِي الْخَامِسَةِ وَأَنَّ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَيْهِ إنْ كَانَ مِنْ الْكَاذِبِينَ، وَتَقُولُ الْمُغْتَصَبَةُ إذَا الْتَعَنَتْ لِنَفْيِ الْوَلَدِ أَشْهَدُ بِاَللَّهِ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ مَا زَنَيْت، وَلَا أَطَعْت، وَتَقُولُ فِي الْخَامِسَةِ إنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إنْ كَانَ مِنْ الصَّادِقِينَ فَيَتَعَيَّنُ لَفْظُ الشَّهَادَةِ، وَلَفْظُ اللَّعْنِ، وَالْغَضَبِ بَعْدَهَا، وَفِي مُعِينِ الْحُكَّامِ، وَالْحُرَّةُ الْمُسْلِمَةُ الَّتِي لَمْ تَبْلُغْ الْمَحِيضَ، وَقَدْ جُومِعَتْ تُلَاعِنُ زَوْجَهَا لِأَنَّ مَنْ قَذَفَهَا يُحَدُّ، وَالْمَشْهُورُ قَوْلُ مَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ الْفُرْقَةَ تَقَعُ بَيْنَهُمَا بِتَمَامِ التَّحَالُفِ دُونَ حُكْمِ حَاكِمٍ، وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ لَا تَقَعُ حَتَّى يُفَرِّقَ الْإِمَامُ بَيْنَهُمَا.
وَقَالَ ابْنُ نَافِعٍ يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا ثَلَاثًا عِنْدَ فَرَاغِهِ مِنْ اللِّعَانِ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ أَجْرَيَا عَلَى سُنَّةِ الْمُتَلَاعِنَيْنِ أَنَّهُمَا لَا يَتَنَاكَحَانِ أَبَدًا.
وَقَالَ ابْنُ لُبَابَةَ إنْ لَمْ يَفْعَلْ طَلَّقَهَا الْإِمَامُ ثَلَاثًا، وَلَمْ يَمْنَعْهُ مِنْ مُرَاجَعَتِهَا بَعْدَ زَوْجٍ، وَفِي كِتَابِ ابْنِ شَعْبَانَ، وَفُرْقَةُ الْمُتَلَاعِنَيْنِ ثَلَاثًا وَيَتَزَوَّجُهَا بَعْدَ زَوْجٍ آخَرَ، وَفِي الْجَلَّابِ فُرْقَةُ الْمُتَلَاعِنَيْنِ فَسْخٌ بِغَيْرِ طَلَاقٍ أَفَادَهُ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي التَّبْصِرَةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
2 -
(الْبَابُ التَّاسِعُ) فِي بَيَانِ مَا فِيهِ تَكُونُ الْقَسَامَةُ وَصِفَتُهَا وَفِيهِ وَصْلَانِ
(الْوَصْلُ الْأَوَّلُ) قَالَ ابْنُ رُشْدٍ الْقَسَامَةُ مُوجِبَةٌ مَعَ اللَّوْثِ لِلْقَتْلِ فِي الْعَمْدِ وَالدِّيَةِ فِي الْخَطَأِ، وَلَا قَسَامَةَ فِي الْأَطْرَافِ، وَلَا فِي الْجِرَاحِ، وَلَا فِي الْعَبِيدِ، وَلَا فِي الْكُفَّارِ قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ اللَّوْثُ بِثَاءٍ مُثَلَّثَةٍ الْمُرَادُ الْوُجُوهُ الَّتِي يَقَعُ بِهَا التَّلْوِيثُ وَالتَّلْطِيخُ فِي الدِّمَاءِ، وَهِيَ كَثِيرَةٌ، وَمَعَ كَثْرَتِهَا لَا يُتَوَصَّلُ بِهَا إلَى التَّمَكُّنِ مِنْ الدِّمَاءِ لِعِظَمِ خَطَرِهَا وَرَفِيعِ قَدْرِهَا فَوَجَبَ الْإِعْرَاضُ عَنْهَا إلَّا لِمَنْ فِيهَا مَالَهُ قُوَّةٌ لِأَجْلِ مَا أُضِيفَ بِهِ مِنْ الْقَرَائِنِ الْحَامِلَةِ عَلَى صِدْقِ مُدَّعِيهِ، وَلِذَلِكَ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي تَعْيِينِ مَا يُقْبَلُ مِنْ ذَلِكَ فَعِنْدَ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - عَنْهُ أَنَّ اللَّوْثَ هُوَ الشَّاهِدُ الْعَدْلُ عَلَى مُعَايَنَةِ الْقَتْلِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنْ يُقَوِّيَ جِهَةَ الْمُدَّعِيَيْنِ، وَلَا تَأْثِيرَ فِي نَقْلِ الْيَمِينِ إلَى جِهَةِ الْمُدَّعِيَيْنِ، وَأَخَذَ ابْنُ الْقَاسِمِ بِمَا قَالَهُ مَالِكٌ، وَوَافَقَهُ ابْنُ وَهْبٍ وَابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ، وَذَكَرَ ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ شَهَادَةَ الْمَرْأَتَيْنِ لَوْثٌ يُوجِبُ الْقَسَامَةَ وَلَا يُوجِبُ ذَلِكَ شَهَادَةَ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ، وَرَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ وَأَشْهَبُ أَنَّهُ يَقْسِمُ مَعَ الشَّاهِدِ غَيْرُ الْعَدْلِ، وَمَعَ الْمَرْأَةِ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ أَشْهَبَ، وَلَمْ يَخْتَلِفْ قَوْلُ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ أَنَّ الْعَبْدَ وَالذِّمِّيَّ لَيْسَ بِلَوْثٍ.
وَوَجْهُهُ رِوَايَةُ أَشْهَبَ، وَهُوَ اخْتِيَارُهُ أَنَّهُ لَوْثٌ فَلَمْ يَعْتَبِرْ فِيهِ الْعَدَالَةَ كَاَلَّذِي يَقُولُ دَمِي عِنْدَ فُلَانٍ فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْعَدَالَةُ بَلْ يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي الْعَمْدِ وَالْخَطَأِ، وَلَوْ كَانَ فَاسِقًا، وَفِي تَنْبِيهِ الْحُكَّامِ لِابْنِ الْمُنَاصِفِ، وَرَوَى أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ الْقَسَامَةَ تَجِبُ بِشَهَادَةِ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ عَدْلٍ، وَقِيلَ تَقْسِمُ مَعَ جَمَاعَةِ النِّسَاءِ، وَالصِّبْيَانُ وَالْقَوْمُ لَيْسُوا بِعُدُولٍ فَإِذَا وَقَعَتْ الْقَسَامَةُ بِشَيْءٍ مِنْ هَذَا عَلَى الْقَوْلِ فِيهِ بِالْجَوَازِ اسْتَحَقَّ أَوْلِيَاءُ الْمَقْتُولِ الدَّمَ قَالَ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْقَوَدَ إنَّمَا يَجِبُ بِمُجَرَّدِ الْقَسَامَةِ عِنْدَ مَالِكٍ، وَلَا حُكْمَ لِلشَّاهِدِ الْوَاحِدِ فِي ثُبُوتِ الْقَوَدِ، وَإِنْ كَانَ عَدْلًا لِأَنَّهُ مِنْ حُقُوقِ الْأَبْدَانِ الَّتِي لَا تَسْتَحِقُّ بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ، وَإِنَّمَا الْوَاحِدُ لَوْثٌ وَلُطِّخَ بِقُوَى الدَّعْوَى فِي إبَاحَةِ الْقَسَامَةِ لَا عَلَى جِهَةِ الشَّاهِدِ، وَالْيَمِينُ الَّذِي فِي حُقُوقِ الْأَمْوَالِ، وَلِذَلِكَ لَا يُقْبَلُ فِي قَسَامَةِ الْعَمْدِ إلَّا رَجُلَانِ فَصَاعِدًا أَوْ لَا مَدْخَلَ فِيهَا لِنِسَاءٍ، وَلَا حُكْمَ لِلْوَاحِدِ لِأَنَّهُمَا أُقِيمَا