الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مِنْ أَصْحَابِنَا.
وَنَقَلَ ابْنُ يُونُسَ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ أَنَّهُ قَالَ يُنْتَقَضُ عِنْدَ مَالِكٍ قَضَاءُ الْقَاضِي لِمُخَالَفَةِ السُّنَّةِ كَالْقَضَاءِ بِاسْتِسْعَاءِ الْعَبْدِ لِعِتْقِ بَعْضِهِ فَإِنَّ الْحَدِيثَ وَرَدَ بِأَنَّهُ لَا يُسْتَسْعَى، وَكَالشُّفْعَةِ لِلْجَارِ بَعْدَ الْقِسْمَةِ لِقَوْلِهِ عليه السلام «الشُّفْعَةُ فِيمَا لَمْ يُقْسَمْ» أَوْ يُحْكَمُ بِشَهَادَةِ النَّصْرَانِيِّ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ} [المائدة: 106] أَوْ بِمِيرَاثِ الْعَمَّةِ، وَالْخَالَةِ، وَالْمَوْلَى الْأَسْفَلِ لِقَوْلِهِ عليه السلام «أَلْحِقُوا الْفَرَائِضَ بِأَهْلِهَا فَمَا أَبْقَتْ الْفَرَائِضُ فَلِأَوْلَى عَصَبَةٍ ذَكَرٍ» ، وَكُلُّ مَا هُوَ عَلَى خِلَافِ عَمَلِ الْمَدِينَةِ، وَلَمْ يَقُلْ بِهِ إلَّا شُذُوذُ الْعُلَمَاءِ، وَخَالَفَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ.
وَقَالَ لَا تُنْقَضُ شُفْعَةُ الْجَارِ، وَمَا ذُكِرَ مَعَهُ مِنْ الْفُرُوعِ لِضَعْفِ مُوجِبِ النَّقْصِ عِنْدَهُ، وَجُمْهُورُ الْأَصْحَابِ عَلَى خِلَافِهِ، وَفِي النَّوَادِرِ لِأَبِي مُحَمَّدٍ قَالَ مُحَمَّدٌ مِمَّا يُنْقَضُ نَقَضُ مَا لَا يُنْقَضُ فَإِذَا قَضَى قَاضٍ بِأَنْ يُنْقَضَ حُكْمُ الْأَوَّلِ، وَهُوَ مِمَّا لَا يُنْقَضُ نَقَضَ الثَّالِثُ حُكْمَ الثَّانِي لِأَنَّ نَقْضَهُ خَطَأٌ، وَيُقِرُّ الْأَوَّلَ، وَكَذَلِكَ لَوْ تَصَرَّفَ السَّفِيهُ الَّذِي تَحْتَ حَجْرِ الْقَاضِي بِالْبَيْعِ وَالنِّكَاحِ وَغَيْرِهِمَا فَرَدَّهُ فَجَاءَ قَاضٍ ثَانٍ فَأَنْفَذَهُ نَقَضَ الثَّالِثُ هَذَا التَّنْفِيذَ، وَأَقَرَّ الْأَوَّلَ، وَكَذَلِكَ لَوْ فَسَخَ الثَّانِي الْحُكْمَ بِالشَّاهِدِ، وَالْيَمِينِ رَدَّهُ الثَّالِثُ لِأَنَّ النَّقْضَ فِي مَوَاطِنِ الِاجْتِهَادِ خَطَأٌ، وَنَقْضُ الْخَطَأِ مُتَعَيِّنٌ.
(الْقِسْمُ الثَّالِثُ) مَا حَكَمَ بِهِ عَلَى خِلَافِ السَّبَبِ:
وَالْقِسْمُ الْمُتَقَدِّمُ عَلَى خِلَافِ الدَّلِيلِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْأَسْبَابِ، وَالْأَدِلَّةِ وَالْحِجَاجِ، وَأَنَّ الْقُضَاةَ يَعْتَمِدُونَ الْحِجَاجَ، وَالْمُجْتَهِدِينَ يَعْتَمِدُونَ الْأَدِلَّةَ، وَأَنَّ الْمُكَلَّفِينَ يَعْتَمِدُونَ الْأَسْبَابَ فَإِذَا قَضَى الْقَاضِي بِالْقَتْلِ عَلَى مَنْ لَمْ يَقْتُلْ أَوْ لِلْبَيْعِ عَلَى مَنْ لَمْ يَبِعْ أَوْ الطَّلَاقِ عَلَى مَنْ لَمْ يُطَلِّقْ أَوْ الدَّيْنِ عَلَى مَنْ لَمْ يَسْتَدِنْ فَهَذَا قَضَاءٌ عَلَى خِلَافِ الْأَسْبَابِ فَإِذَا اطَّلَعَ عَلَى ذَلِكَ وَجَبَ نَقْضُهُ عِنْدَ الْكُلِّ إلَّا قِسْمًا مِنْهُ خَالَفَ فِيهِ أَبُو حَنِيفَةَ رضي الله عنه، وَهُوَ مَا كَانَ فِيهِ عَقْدٌ، وَفُسِخَ فَيُجْعَلُ حُكْمُ الْحَاكِمِ كَالْعَقْدِ فِيمَا لَا عَقْدَ فِيهِ أَوْ كَالْفَسْخِ فِيمَا لَا فَسْخَ فِيهِ فَإِذَا شَهِدَ عِنْدَهُ شَاهِدَا زُورٍ بِطَلَاقِ امْرَأَةٍ فَحَكَمَ بِطَلَاقِهَا جَازَ لِذَلِكَ الشَّاهِدِ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا مَعَ عِلْمِهِ بِكَذِبِ نَفْسِهِ لِأَنَّ حُكْمَ الْحَاكِمِ فَسْخٌ لِذَلِكَ النِّكَاحِ، وَكَذَلِكَ إذَا شُهِدَ عِنْدَهُ بِبَيْعِ جَارِيَةٍ فَحَكَمَ بِبَيْعِهَا جَازَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ تِلْكَ الْبَيِّنَةِ أَنْ يَشْتَرِيَهَا مِمَّنْ حَكَمَ لَهُ بِهَا، وَيَطَأَهَا هَذَا الشَّاهِدُ مَعَ عِلْمِهِ بِكَذِبِ نَفْسِهِ لِأَنَّ حُكْمَ الْحَاكِمِ تَنَزَّلَ مَنْزِلَةَ الْبَيْعِ لِمَنْ حُكِمَ لَهُ، وَكَذَلِكَ كُلُّ مَا فِيهِ عَقْدٌ أَوْ فَسْخٌ.
وَأَمَّا الدُّيُونُ، وَمَا يَجْرِي مَجْرَاهَا مِمَّا لَا عَقْدَ فِيهِ، وَلَا فَسْخَ فَيُوَافِقُنَا فِيهِ، وَأَنَّهُ بَاقٍ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ قَبْلَ الْحُكْمِ، وَهَذَا هُوَ مَعْنَى قَوْلِ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ، وَالْحَنَابِلَةِ حُكْمُ الْحَاكِمِ لَا يُحِلُّ حَرَامًا، وَلَا يُحَرِّمُ حَلَالًا فِي نَفْسٍ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
بِهِ، وَمُقْتَضَى هَذِهِ الْقَاعِدَةِ أَنْ يُمْنَعَ بَيْعُ هَوَاءِ الْمَسْجِدِ وَالْأَوْقَافِ إلَى عَنَانِ السَّمَاءِ لِمَنْ أَرَادَ غَرْزَ خَشَبٍ حَوْلَهَا لِيَجْعَلَ عَلَى رُءُوسِ الْخَشَبِ سَقْفًا عَلَيْهِ بِنَاءٌ، وَأَنْ يُمْنَعَ إخْرَاجُ الرَّوَاشِنِ وَالْأَجْنِحَةِ عَلَى الْحِيطَانِ إلَى طَرِيقِ الْمُسْلِمِينَ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مُسْتَدَّةً إلَّا أَنْ يَرْضَى أَهْلُهَا كُلُّهُمْ أَوْ يَقْتَصِرَ عَلَى مَا تُلْجِئُ الضَّرُورَةُ إلَيْهِ، وَالْمُحَكَّمُ فِي ذَلِكَ الْعَادَةُ فَيَكُونُ قَوْلُ صَاحِبِ الْجَوَاهِرِ يَجُوزُ إخْرَاجُ الرَّوَاشِنِ وَالْأَجْنِحَةِ عَلَى الْحِيطَانِ إلَى طَرِيقِ الْمُسْلِمِينَ إذَا لَمْ تَكُنْ مُسْتَدَّةً فَإِذَا كَانَتْ مُسْتَدَّةً امْتَنَعَ إلَّا أَنْ يَرْضَى أَهْلُهَا كُلُّهُمْ اهـ.
مَوْضِعُ نَظَرٍ فَهَذَا كُلُّهُ لَا شَكَّ تَصْرِيحٌ بِمُخَالَفَةِ الْأَهْوِيَةِ لِمَا تَحْتَ الْأَبْنِيَةِ، وَأَنَّ بَيْنَهُمَا فَرْقًا إلَّا أَنَّ سِرَّهُ الَّذِي ذَكَرَهُ الشِّهَابُ لَمْ يَظْهَرْ بَلْ بَقِيَ سِرًّا كَمَا كَانَ اهـ.
فَتَأَمَّلْ بِإِمْعَانٍ لَعَلَّك تَظْفَرُ بِسِرِّهِ، وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.
[الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْأَمْلَاكِ النَّاشِئَةِ عَنْ الْإِحْيَاءِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ الْأَمْلَاكِ النَّاشِئَةِ عَنْ غَيْرِ الْإِحْيَاءِ]
(الْفَرْقُ الثَّالِثَ عَشَرَ وَالْمِائَتَانِ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْأَمْلَاكِ النَّاشِئَةِ عَنْ الْإِحْيَاءِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ الْأَمْلَاكِ النَّاشِئَةِ عَنْ غَيْرِ الْإِحْيَاءِ) بِنَاءً عَلَى مَذْهَبِنَا فِي الْإِحْيَاءِ مِنْ أَنَّهُ إذَا ذَهَبَ الْمِلْكُ، وَصَارَ مَوَاتًا كَمَا كَانَ، وَكَانَ لِغَيْرِ مَنْ أَحْيَاهُ أَوَّلًا أَنْ يُحْيِيَهُ فَهُوَ عِنْدَنَا مُخَالِفٌ لِغَيْرِهِ مِنْ أَسْبَابِ الْمِلْكِ الْقَوْلِيَّةِ فَإِنَّهَا لَا يَبْطُلُ الْمِلْكُ بِبُطْلَانِ أَصْوَاتِهَا وَانْقِطَاعِهَا، وَذَلِكَ أَنَّ الْإِحْيَاءَ لَمَّا كَانَ مِنْ الْأَسْبَابِ الْفِعْلِيَّةِ الَّتِي لَا تُرَدُّ إلَّا عَلَى غَيْرِ مِلْكٍ سَابِقٍ ضَرُورَةَ أَنَّهُ سَبَبٌ تُمَلَّكُ بِهِ الْمُبَاحَاتُ مِنْ الْأَرْضِ كَانَ ضَعِيفًا يَذْهَبُ الْمِلْكُ النَّاشِئُ عَنْهُ بِذَهَابِهِ كَمَا يَبْطُلُ تَمَلُّكُ الصَّيْدِ الْحَاصِلِ بِالِاصْطِيَادِ بِتَوَحُّشِهِ وَتَمَلُّكِ السَّمَكِ بِرُجُوعِهِ فِي النَّهْرِ، وَتَمَلُّكِ الْمَاءِ بِاخْتِلَاطِهِ بِالنَّهْرِ وَتَمَلُّكِ الطَّيْرِ وَالنَّحْلِ بِانْفِلَاتِهِ وَتَوَحُّشِهِ، وَأَمَّا غَيْرُ الْإِحْيَاءِ مِنْ الْأَسْبَابِ الْقَوْلِيَّةِ فَإِنَّهُ لَمَّا كَانَ يَرِدُ غَالِبًا عَلَى مَمْلُوكٍ قَدْ تَأَصَّلَ فِيهِ الْمِلْكُ قَبْلَهُ قَوِيَتْ إفَادَتُهُ لِلْمِلْكِ لِاجْتِمَاعِ إفَادَتِهِ مَعَ إفَادَةِ مَا قَبْلَهُ حَتَّى إنَّ الْمِلْكَ الْحَاصِلَ بِهِ لَا يُنْقَضُ بَعْدَ بُطْلَانِ أَصْوَاتِ تِلْكَ الْأَسْبَابِ الْقَوْلِيَّةِ وَانْقِطَاعِهَا.
وَنَظِيرُ ذَلِكَ أَمْرَانِ (الْأَوَّلُ) مَا إذَا وَرَدَ الْبَيْعُ عَلَى الْإِحْيَاءِ فَإِنَّ الْمِلْكَ الْحَاصِلَ بِهِ لَا يُنْتَقَضُ بَعْدَ ذَلِكَ لِتَظَافُرِ الْأَسْبَابِ (وَالثَّانِي) تَمَلُّكُ الْمُلْتَقَطِ فَإِنَّهُ لَمَّا وَرَدَ عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِيهِ الْمِلْكُ وَتَقَرَّرَ قَوِيَ بِحَيْثُ لَا يُنْتَقَضُ بِعَوْدِ اللُّقَطَةِ إلَى حَالِ الِالْتِقَاطِ، وَيُؤَكِّدُ لَك ذَلِكَ أَنَّ الْأَسْبَابَ الْقَوْلِيَّةَ وَنَحْوَهَا تَرْفَعُ مِلْكَ الْغَيْرِ كَالْبَيْعِ، وَنَحْوِهِ فَهِيَ فِي غَايَةِ الْقُوَّةِ.
وَأَمَّا الْفِعْلُ بِمُجَرَّدِهِ فَلَيْسَ لَهُ قُوَّةُ رَفْعِ مِلْكِ الْغَيْرِ بَلْ يَبْطُلُ ذَلِكَ الْفِعْلُ كَمَنْ بَنَى فِي مِلْكِ غَيْرِهِ فَلِذَلِكَ ذَهَبَ أَثَرُهُ بِذَهَابِهِ، وَالْإِقْطَاعُ وَإِنْ كَانَ سَبَبًا قَوْلِيًّا وَارِدًا عَلَى مَمْلُوكٍ لِلْمُسْلِمِينَ إلَّا أَنَّهُ بِدُونِ الْإِحْيَاءِ حُكْمٌ بِدُونِ سَبَبٍ أَوْ عِلَّةٍ فَلِذَا لَا يَمْلِكُ بَيْعُهُ فَهُوَ عَكْسُ
الْأَمْرِ خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ، وَوَافَقَنَا أَبُو حَنِيفَةَ أَيْضًا فِيمَا إذَا قَضَى بِنِكَاحِ أُخْتِ الْمَقْضِيِّ لَهُ أَوْ ذَاتِ مَحْرَمٍ فَإِنَّهُ لَا تَحِلُّ لَهُ لِأَنَّ الْمَقْضِيَّ لَهُ لَوْ تَزَوَّجَهَا لَمْ تَحِلَّ لَهُ فَفَاتَ قَبُولُ الْمَحِلِّ.
وَكَذَلِكَ وَافَقَنَا إذَا تَبَيَّنَ أَنَّ الشُّهُودَ عَبِيدٌ وَالْحُكْمُ فِي عَقْدِ النِّكَاحِ، وَفُرِّقَ بِأَنَّ الشَّهَادَةَ شَرْطٌ، وَلَمْ تُوجَدْ فِي الْأَمْوَالِ، وَلَمْ يَحْكُمْ الْحَاكِمُ بِالْمِلْكِ بَلْ بِالتَّسْلِيمِ، وَهُوَ لَا يُوجِبُ الْمِلْكَ، وَلَنَا قَوْلُهُ عليه السلام «أَنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ وَإِنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إلَيَّ، وَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَلْحَنَ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ فَأَقْضِي لَهُ عَلَى نَحْوِ مَا أَسْمَعُ فَمَنْ قَضَيْت لَهُ بِشَيْءٍ مِنْ حَقِّ أَخِيهِ فَلَا يَأْخُذُهُ فَإِنَّمَا أَقْتَطِعُ لَهُ قِطْعَةً مِنْ النَّارِ» ، وَهُوَ عَامٌّ فِي جَمِيعِ الْحُقُوقِ، وَقِيَاسًا عَلَى الْأَمْوَالِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى لِأَنَّ الْأَمْوَالَ أَضْعَفُ فَإِذَا لَمْ يُؤَثِّرْ فِيهَا فَأَوْلَى الْفُرُوجُ احْتَجُّوا بِقَضِيَّةِ هِلَالِ بْنِ أُمَيَّةَ فِي الصَّحِيحِ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم «حِينَ فَرَّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ بِاللِّعَانِ قَالَ فَإِنْ جَاءَتْ بِهِ عَلَى صِفَةِ كَذَا فَهُوَ لِشَرِيكٍ فَجَاءَتْ بِهِ عَلَى تِلْكَ الصِّفَةِ» ، وَتَبَيَّنَ الْأَمْرُ عَلَى مَا قَالَ هِلَالٌ، وَأَنَّ الْفُرْقَةَ لَمْ تَكُنْ مَوْجُودَةً، وَمَعَ ذَلِكَ لَمْ يَفْسَخْ تِلْكَ الْفُرْقَةَ.
وَأَمْضَاهَا فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ حُكْمَ الْحَاكِمِ يَقُومُ مَقَامَ الْفَسْخِ وَالْعَقْدِ، وَعَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه أَنَّهُ ادَّعَى عِنْدَهُ رَجُلٌ نِكَاحَ امْرَأَةٍ، وَشَهِدَ لَهُ شَاهِدَانِ فَقَضَى بَيْنَهُمَا بِالزَّوْجِيَّةِ فَقَالَتْ، وَاَللَّهِ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ مَا تَزَوَّجْت فَاعْقِدْ بَيْنَنَا عَقْدًا حَتَّى أَحِلَّ لَهُ فَقَالَ شَاهِدَاك زَوَّجَاك فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ النِّكَاحَ ثَبَتَ بِحُكْمِهِ، وَلِأَنَّ اللِّعَانَ يُفْسَخُ بِهِ النِّكَاحُ، وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا كَاذِبًا فَالْحُكْمُ أَوْلَى لِأَنَّ لِلْحَاكِمِ وِلَايَةً عَامَّةً عَلَى النَّاسِ فِي الْعُقُودِ، وَلِأَنَّ الْحَاكِمَ لَهُ أَهْلِيَّةُ الْعَقْدِ وَالْفَسْخِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ أَوْقَعَ الْعَقْدَ عَلَى وَجْهِ لَوْ فَعَلَهُ الْمَالِكُ نَفَذَ، وَلِأَنَّ الْمَحْكُومَ عَلَيْهِ لَا يَجُوزُ لَهُ الْمُخَالَفَةُ، وَيَجِبُ عَلَيْهِ التَّسْلِيمُ فَصَارَ حُكْمُ اللَّهِ تَعَالَى فِي حَقِّهِ مَا حَكَمَ بِهِ الْحَاكِمُ.
وَإِنْ عَلِمَ خِلَافَهُ فَكَذَلِكَ غَيْرُهُ قِيَاسًا عَلَيْهِ، وَالْجَوَابُ عَنْ الْأَوَّلِ أَنَّ الْفُرْقَةَ فِي اللِّعَانِ لَيْسَتْ بِسَبَبِ صِدْقِ الزَّوْجِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ قَامَتْ الْبَيِّنَةُ بِصِدْقِهِ لَمْ تَعُدْ إلَيْهِ، وَإِنَّمَا كَانَتْ بِسَبَبِ أَنَّهُمَا وَصَلَا إلَى أَسْوَأِ الْأَحْوَالِ فِي الْمُقَابَحَةِ بِالتَّلَاعُنِ فَلَمْ يَرَ الشَّارِعُ اجْتِمَاعَهُمَا بَعْدَ ذَلِكَ لِأَنَّ الزَّوْجِيَّةَ مَبْنَاهَا السُّكُونُ وَالْمَوَدَّةُ، وَمَا تَقَدَّمَ مِنْ اللِّعَانِ يَمْنَعُ ذَلِكَ فَعَلِمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْكَذِبَ، وَكَالْبَيِّنَةِ إذَا قَامَتْ، وَعَنْ الثَّانِي إنْ صَحَّ فَلَا حُجَّةَ فِيهِ لِأَنَّهُ رضي الله عنه أَضَافَ التَّزَوُّجَ لِلشُّهُودِ لَا لِحُكْمِهِ، وَمَنَعَهَا مِنْ الْعَقْدِ لِمَا فِيهِ مِنْ الطَّعْنِ عَلَى الشُّهُودِ فَأَخْبَرَهَا بِأَنَّهُ زَوْجُهَا ظَاهِرًا، وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِلْفُتْيَا، وَمَا النِّزَاعُ إلَّا فِيهَا
(وَعَنْ الثَّالِثِ) أَنَّ كَذِبَ أَحَدِهِمَا لَمْ يَتَعَيَّنْ بِاللِّعَانِ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
النَّقِيضِ لِلَّذِي ادَّعَيْنَاهُ، وَهُوَ إبْدَاءُ الْعِلَّةِ الَّتِي هِيَ الْإِحْيَاءُ بِدُونِ حُكْمِهَا الَّذِي هُوَ اسْتِمْرَارُ الْمِلْكِ، وَعَدَمُ قُصُورِهِ لِضَعْفِهَا، وَعَدَمُ بُطْلَانِ مِلْكِ الْإِقْطَاعِ إذَا أَحْيَا فِيهِ بِبُطْلَانِ إحْيَائِهِ إنَّمَا هُوَ لِتَحَقُّقِ سَبَبٍ غَيْرِ الْإِحْيَاءِ حِينَئِذٍ، وَهُوَ أَنَّ الْإِقْطَاعَ حُكْمٌ مِنْ أَحْكَامِ الْأَئِمَّةِ فَلَا يُنْقَضُ لِأَنَّ أَحْكَامَ الْأَئِمَّةِ تُصَانُ عَنْ النَّقْضِ، وَالْمِلْكُ الَّذِي جَعَلَهُ صلى الله عليه وسلم لِلْمُحْيِي بِقَوْلِهِ «مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيِّتَةً فَهِيَ لَهُ» مُرَتَّبٌ عَلَى وَصْفِ الْإِحْيَاءِ، وَالْقَاعِدَةُ أَنَّ تَرَتُّبَ الْحُكْمِ عَلَى الْوَصْفِ يَدُلُّ عَلَيْهِ ذَلِكَ الْوَصْفُ لِذَلِكَ الْحُكْمِ فَيَكُونُ الْإِحْيَاءُ سَبَبَهُ وَعِلِّيَّتَهُ.
وَالْقَاعِدَةُ أَنَّ الْحُكْمَ يَنْتَفِي بِانْتِفَاءِ عِلَّتِهِ وَسَبَبِهِ فَهَذَا الْحَدِيثُ لِهَاتَيْنِ الْقَاعِدَتَيْنِ إنَّمَا يَقْتَضِي الْمِلْكَ عِنْدَ ذَلِكَ كَمَا يَدَّعِي الْخَصْمُ عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ صلى الله عليه وسلم فَهِيَ لَهُ لَفْظٌ يَقْتَضِي مُطْلَقَ الْمِلْكِ لِأَنَّ لَفْظَ لَهُ لَيْسَ مِنْ صِيَغِ الْعُمُومِ بَلْ ذَلِكَ عَلَى أَصْلِ ثُبُوتِ الْمِلْكِ، وَلَا دَاعٍ فِي ثُبُوتِ مُطْلَقِ الْمِلْكِ بِالْإِحْيَاءِ بَلْ نَحْنُ نَقُولُ بِمُوجِبِهِ أَيْضًا، وَلَا يَقْتَضِي الْمِلْكَ بِوَصْفِ الدَّوَامِ حَتَّى يَحْصُلَ بِهِ مَقْصُودُ الْخَصْمِ إذَا عَلِمْت هَذَا ظَهَرَ لَك انْدِفَاعُ الْإِشْكَالِ الْوَارِدِ عَلَى مَذْهَبِنَا فِي ظَاهِرِ الْأَمْرِ، وَأَنَّهُ فِقْهٌ حَسَنٌ عَلَى الْقَوَاعِدِ، وَأَنَّ مُقَابِلَهُ لَمْ يَكُنْ أَقْوَى مِنْهُ إلَّا فِي بَادِئِ الرَّأْيِ فَتَأَمَّلْ كَذَا قَالَ الْأَصْلُ.
وَأَمَّا عَلَى مُقَابِلِ مَذْهَبِنَا، وَهُوَ قَوْلُ سَحْنُونٍ وَالشَّافِعِيِّ رضي الله عنهما لَا يَزُولُ الْمِلْكُ بِزَوَالِ الْإِحْيَاءِ لِوُجُوهٍ:(الْأَوَّلُ) أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم جَعَلَ لَهُ فِي الْحَدِيثِ السَّابِقِ الْمِلْكَ، وَالْأَصْلُ عَدَمُ إبْطَالِهِ، وَاسْتِصْحَابُهُ (وَالثَّانِي) قِيَاسُ الْإِحْيَاءِ عَلَى الْبَيْعِ وَالْهِبَةِ وَسَائِرِ أَسْبَابِ التَّمْلِيكِ (وَالثَّالِثُ) الْقِيَاسُ عَلَى مَنْ تَمَلَّكَ لُقَطَةً ثُمَّ ضَاعَتْ مِنْهُ فَإِنَّ عَوْدَهَا إلَى حَالِ الِالْتِقَاطِ لَا يُسْقِطُ مِلْكَ مُتَمَلِّكِهَا فَلَا يُسَلَّمُ الْفَرْقُ بَيْنَ الْإِحْيَاءِ وَغَيْرِهِ مِنْ أَسْبَابِ التَّمْلِيكِ قَالَ الْعَلَّامَةُ ابْنُ الشَّاطِّ مَا خُلَاصَتُهُ وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ أَقْوَى مِنْ مَذْهَبِنَا عَلَى الْإِطْلَاقِ لَا فِي بَادِئِ الرَّأْيِ فَقَطْ كَمَا زَعَمَ الشِّهَابُ لِوَجْهَيْنِ (الْأَوَّلُ) أَنَّ مَا قَالَهُ فِي الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا مُجَرَّدُ دَعْوَى يُقَابَلُ بِمِثْلِهَا بِأَنْ يُقَالَ إنَّ الْأَسْبَابَ الْقَوْلِيَّةَ هِيَ الضَّعِيفَةُ لِوُرُودِهَا عَلَى مِلْكٍ سَابِقٍ فَيَتَعَارَضُ الْمِلْكَانِ السَّابِقُ وَاللَّاحِقُ.
وَأَمَّا الْمَمْلُوكُ بِالْإِحْيَاءِ فَلَمْ يَسْبِقْهُ مَا يُعَارِضُهُ فَهُوَ أَقْوَى (الْوَجْهُ الثَّانِي) أَنَّ مَا قَالَهُ فِي الْجَوَابِ عَنْ الْحَدِيثِ السَّابِقِ مِنْ أَنَّهُ يَدُلُّ بِسَبَبِ الْقَاعِدَتَيْنِ الْمَذْكُورَتَيْنِ عَلَى بُطْلَانِ الْمِلْكِ بِذَهَابِ الْإِحْيَاءِ غَيْرُ صَحِيحٍ فَإِنَّ الْقَاعِدَتَيْنِ، وَإِنْ كَانَتَا صَحِيحَتَيْنِ مُسَلَّمَتَيْنِ لَكِنْ لَا يَلْزَمُهُمَا مَا قَالَهُ مِنْ بُطْلَانِ هَذَا الْحُكْمِ لِأَنَّ الْإِحْيَاءَ قَدْ ثَبَتَ فَتَرَتَّبَ عَلَيْهِ مُسَبِّبُهُ، وَلَمْ يَرْتَفِعْ الْإِحْيَاءُ بَلْ لَا يَصِحُّ ارْتِفَاعُهُ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ بَابِ الِارْتِفَاعِ الْوَاقِعِ وَهُوَ مُحَالٌ، وَإِنَّمَا مَغْزَاهُ أَنَّ الْإِحْيَاءَ لَمْ يَسْتَمِرَّ، وَذَلِكَ غَيْرُ لَازِمٍ فِي الْأَسْبَابِ كُلِّهَا