الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يُنْسَبُ إلَيْهِ وَذَلِكَ لَا يَحْصُلُ لِلْمُوَكِّلِ بِخِلَافِ عَقْدِ النِّكَاحِ لِأَنَّ مَقْصُودَهُ تَحْقِيقُ سَبَبِ الْإِبَاحَةِ، وَهُوَ يَتَحَقَّقُ مِنْ الْوَكِيلِ، وَمَقْصُودُ الْأَيْمَانِ كُلِّهَا وَاللِّعَانِ إظْهَارُ الصِّدْقِ فِيمَا ادَّعَى، وَحَلِفُ زَيْدٍ لَيْسَ دَلِيلًا عَلَى صِدْقِ عَمْرٍو، وَكَذَلِكَ الشَّهَادَاتُ مَقْصُودُهَا الْوُثُوقُ بِعَدَالَةِ الْمُتَحَمِّلِ، وَذَلِكَ فَائِتٌ إذَا أَدَّى غَيْرُهُ، وَمَقْصُودُ الْمَعَاصِي إعْدَامُهَا فَلَا يُشْرَعُ التَّوْكِيلُ فِيهَا لِأَنَّ شُرُوعَ التَّوْكِيلِ فِيهَا فَرْعُ تَقْرِيرِهَا شَرْعًا فَضَابِطُ الْفَرْقِ أَنَّ مَقْصُودَ الْفِعْلِ مَتَى كَانَ يَحْصُلُ مِنْ الْوَكِيلِ كَمَا يَحْصُلُ مِنْ الْمُوَكِّلِ، وَهُوَ مِمَّا يَجُوزُ الْإِقْدَامُ عَلَيْهِ جَازَتْ الْوَكَالَةُ فِيهِ، وَإِلَّا فَلَا.
(الْفَرْقُ السَّابِعَ عَشَرَ وَالْمِائَتَانِ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يُوجِبُ الضَّمَانَ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَا يُوجِبُهُ)
أَسْبَابُ الضَّمَانِ ثَلَاثَةٌ فَمَتَى وُجِدَ وَاحِدٌ مِنْهَا وَجَبَ الضَّمَانُ، وَمَتَى لَمْ يُوجَدْ وَاحِدٌ مِنْهَا لَمْ يَجِبْ الضَّمَانُ. (أَحَدُهَا) التَّفْوِيتُ مُبَاشَرَةً كَإِحْرَاقِ الثَّوْبِ، وَقَتْلِ الْحَيَوَانِ، وَأَكْلِ الطَّعَامِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ.
(وَثَانِيهَا) التَّسَبُّبُ لِلْإِتْلَافِ كَحَفْرِ بِئْرٍ فِي مَوْضِعٍ لَمْ يُؤْذَنْ فِيهِ، وَوَضْعِ السَّمُومِ فِي الْأَطْعِمَةِ، وَوُقُودِ النَّارِ بِقُرْبِ الزَّرْعِ أَوْ الْأَنْدَرِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا شَأْنُهُ فِي الْعَادَةِ أَنْ يُفْضِيَ غَالِبًا لِلْإِتْلَافِ. (وَثَالِثُهَا) وَضْعُ الْيَدِ غَيْرِ الْمُؤْتَمَنَةِ فَيَنْدَرِجُ فِي غَيْرِ الْمُؤْتَمَنَةِ يَدُ الْغَاصِبِ، وَالْبَائِعُ يَضْمَنُ الْمَبِيعَ الَّذِي يَتَعَلَّقُ بِهِ حَقُّ تَوْفِيَةِ الْقَبْضِ فَإِنَّ ضَمَانَ الْمَبِيعِ الَّذِي هَذَا شَأْنُهُ مِنْهُ لِأَنَّ يَدَهُ غَيْرُ مُؤْتَمَنَةٍ، وَيَدُ الْمُتَعَدِّي بِالدَّابَّةِ فِي الْإِجَارَةِ، وَنَحْوِهَا، وَيَخْرُجُ بِهَذَا الْقَيْدِ يَدُ الْمُودَعِ، وَعَامِلِ الْقِرَاضِ، وَيَدُ الْمُسَاقِي، وَنَحْوِهِمْ فَإِنَّهُمْ أُمَنَاءُ فَلَا يَضْمَنُونَ، وَإِنَّمَا يَنْدَرِجُ فِيهِ الْغَاصِبُ وَنَحْوُهُ، وَحَدُّ السَّبَبِ مَا يُقَالُ عَادَةً حَصَلَ الْهَلَاكُ بِهِ مِنْ غَيْرِ تَوَسُّطٍ، وَالتَّسَبُّبُ مَا يَحْصُلُ الْهَلَاكُ عِنْدَهُ بِعِلَّةٍ أُخْرَى إذَا كَانَ السَّبَبُ هُوَ الْمُقْتَضِي لِوُقُوعِ الْفِعْلِ بِتِلْكَ الْعِلَّةِ كَحَفْرِ الْبِئْرِ فِي مَحَلٍّ عُدْوَانًا فَيَتَرَدَّى فِيهَا بَهِيمَةٌ أَوْ غَيْرُهَا فَإِنْ أَرَادَهَا غَيْرُ الْحَافِرِ فَالضَّمَانُ عَلَيْهِ دُونَ الْحَافِرِ تَقْدِيمًا لِلْمُبَاشِرِ عَلَى الْمُتَسَبِّبِ، وَيَضْمَنُ الْمُكْرَهُ عَلَى إتْلَافِ الْمَالِ لِأَنَّ الْإِكْرَاهَ سَبَبٌ، وَفَاتِحُ الْقَفَصِ بِغَيْرِ إذْنِ رَبِّهِ فَيَطِيرُ مَا فِيهِ حَتَّى لَا يَقْدِرَ عَلَيْهِ، وَاَلَّذِي يَحِلُّ دَابَّةً مِنْ رِبَاطِهَا أَوْ عَبْدًا مُقَيَّدًا خَوْفَ الْهَرَبِ فَيَهْرُبُ لِأَنَّهُ مُتَسَبِّبٌ سَوَاءٌ كَانَ الطَّيَرَانُ أَوْ الْهَرَبُ عَقِيبَ الْفَتْحِ وَالْحَلِّ أَمْ لَا، وَكَذَلِكَ السَّارِقُ يَتْرُكُ الْبَابَ مَفْتُوحًا، وَمَا فِي الدَّارِ أَحَدٌ.
وَقَالَ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
الثُّمْنَ، وَفِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ أَعْنِي مَسْأَلَةَ الصُّنْدُوقِ الرُّبْعَ، وَذَلِكَ أَنَّ الْبِئْرَ كُلَّمَا نَزَلَ فِيهَا ذِرَاعًا فَقَدْ شَالَ مِنْ التُّرَابِ بِسَاطًا مِسَاحَتُهُ عَشَرَةٌ فِي عَشَرَةٍ، وَذَلِكَ مِائَةٌ فَكُلُّ ذِرَاعٍ يُنْزِلُهُ فِي الْبِئْرِ حِينَئِذٍ مِائَةُ ذِرَاعٍ، وَالْأَذْرُعُ عَشَرَةٌ وَعَشَرَةٌ فِي مِائَةٍ بِأَلْفٍ فَالْمُسْتَأْجِرُ عَلَيْهِ أَلْفُ ذِرَاعٍ فَلَمَّا عَمِلَ خَمْسَةً فِي خَمْسَةٍ شَالَ فِي الذِّرَاعِ الْأَوَّلِ تُرَابَ خَمْسَةٍ فِي خَمْسَةٍ، وَذَلِكَ خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ فَكُلُّ ذِرَاعٍ مِنْ هَذَا الْمَعْمُولِ خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ، وَالْأَذْرُعُ الْمَعْمُولَةُ خَمْسَةٌ وَخَمْسَةٌ فِي خَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ بِمِائَةٍ وَخَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ، وَذَلِكَ مَا عَمِلَهُ، وَنِسْبَتُهُ إلَى الْأَلْفِ نِسْبَةُ الثَّمَنِ فَيَسْتَحِقُّ الثَّمَنَ.
وَأَمَّا الصُّنْدُوقُ فَمِنْ حَيْثُ إنَّهُ لَيْسَ فِيهِ نَقْرٌ يَكُونُ قَدْ اُسْتُؤْجِرَ عَلَى سِتَّةِ أَلْوَاحٍ، وَذَلِكَ دَائِرُهُ أَرْبَعَةُ وَقَعْرُهُ وَغِطَاؤُهُ، وَكُلُّ لَوْحٍ مِنْهَا عَشَرَةٌ فِي عَشَرَةٍ فَهُوَ مِائَةُ ذِرَاعٍ، وَالْأَلْوَاحُ سِتَّةٌ فَالْمُسْتَأْجِرُ عَلَيْهِ سِتُّمِائَةِ ذِرَاعٍ عَمِلَ سِتَّةً فِي خَمْسَةٍ فَيَكُونُ كُلُّ لَوْحٍ مِنْهَا خَمْسَةً وَعِشْرِينَ الْمُتَحَصِّلَةَ مِنْ ضَرْبِ خَمْسَةٍ فِي خَمْسَةٍ، وَخَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ فِي سِتَّةٍ بِمِائَةٍ وَخَمْسِينَ، وَنِسْبَتُهَا إلَى سِتِّمِائَةٍ كَنِسْبَةِ الرُّبْعِ فَيَسْتَحِقُّ الرُّبْعَ فَظَهَرَ بِهَذَا بُطْلَانُ أَنَّ هُنَاكَ قَاعِدَةً إنْ عَمِلَ النِّصْفَ لَا يَكُونُ لَهُ النِّصْفُ، وَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ ثَمَّ إلَّا قَاعِدَةٌ وَاحِدَةٌ، وَهِيَ أَنَّ كُلَّ مَنْ عَمِلَ النِّصْفَ فَلَهُ النِّصْفُ لَا مَحَالَةَ اهـ.
قَالَ الْأَصْلُ، وَهَاتَانِ الْمَسْأَلَتَانِ أَعْنِي: مَسْأَلَتَيْ الْبِئْرِ وَالصُّنْدُوقِ مِنْ أَبْدَعِ مَا يُلْقَى فِي مَسَائِلِ الْمُطَارَحَاتِ عَلَى الْفُقَهَاءِ فَتَأَمَّلْهُمَا فَكَمْ يَخْفَى عَلَى الْفَقِيهِ وَالْحَاكِمِ الْحَقُّ فِي الْمَسَائِلِ الْكَثِيرَةِ بِسَبَبِ الْجَهْلِ بِالْحِسَابِ وَالطِّبِّ وَالْهَنْدَسَةِ فَيَنْبَغِي لِذَوِي الْهِمَمِ الْعَلِيَّةِ أَنْ لَا يَتْرُكُوا الِاطِّلَاعَ عَلَى الْعُلُومِ مَا أَمْكَنَهُمْ:
فَلَمْ أَرَ فِي عُيُوبِ النَّاسِ شَيْئًا
…
كَنَقْصِ الْقَادِرِينَ عَلَى التَّمَامِ
اهـ.
وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.
[الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يَضْمَنُهُ الْأُجَرَاءُ إذَا هَلَكَ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَا يَضْمَنُونَهُ]
(الْفَرْقُ السَّابِعُ وَالْمِائَتَانِ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يَضْمَنُهُ الْأُجَرَاءُ إذَا هَلَكَ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَا يَضْمَنُونَهُ)
وَهُوَ أَنَّ الْهَلَاكَ خَمْسَةُ أَقْسَامٍ يَضْمَنُ الْأُجَرَاءُ الْمَهْلُوكَ فِي قِسْمَيْنِ (أَحَدُهُمَا) مَا غَرَّرُوا فِيهِ بِضِعْفِ حَبْلٍ يَضْمَنُونَ قِيمَتَهُ بِمَوْضِعِ الْهَلَاكِ لِأَنَّهُ مَوْضِعُ أَثَرِ التَّفْرِيطِ، وَلَهُمْ مِنْ الْكِرَاءِ بِحِسَابِهِ، وَقِيلَ بِمَوْضِعِ الْحَمْلِ لِأَنَّهُ مِنْهُ ابْتِدَاءَ التَّعَدِّي (وَثَانِيهِمَا) مَا هَلَكَ بِقَوْلِهِمْ مِنْ الطَّعَامِ لَا يُصَدَّقُونَ فِيهِ لِقِيَامِ التُّهْمَةِ، وَلَهُمْ الْكِرَاءُ كُلُّهُ لِأَنَّ شَأْنَ الطَّعَامِ امْتِدَادُ الْأَيْدِي إلَيْهِ لِأَنَّهُمْ اسْتَحَقُّوهُ بِالْعَقْدِ، وَلَا يَضْمَنُونَهُ فِي ثَلَاثِ أَقْسَامٍ:(أَحَدُهَا) مَا هَلَكَ بِسَبَبِ حَامِلِهِ مِنْ عِثَارٍ أَوْ ضَعْفِ حَبْلٍ لَمْ يُغَرِّرْ بِهِ أَوْ ذَهَابِ دَابَّةٍ
الشَّافِعِيُّ رضي الله عنه إنْ طَارَ الْحَيَوَانُ عَقِيبَ الْفَتْحِ ضَمِنَ، وَإِلَّا فَلَا لِأَنَّ الْحَيَوَانَ طَارَ حِينَئِذٍ بِإِدَارَتِهِ لَا بِالْفَتْحِ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رضي الله عنه لَا يَضْمَنُ إلَّا فِي الرِّقِّ إذَا حَلَّهُ فَيَتَبَدَّدُ مَا فِيهِ لَنَا أَنَّ هَذِهِ الْأُمُورَ سَبَبُ الْإِتْلَافِ عَادَةً فَتُوجِبُ بِالضَّمَانِ كَسَائِرِ صُوَرِ التَّسَبُّبِ الْمُجْمَعِ عَلَيْهَا وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} [البقرة: 194] سَقَطَ خُصُوصُ التَّسَبُّبِ بَقِيَ الْغُرْمُ، وَبِالْقِيَاسِ عَلَى مَا إذَا فَتَحَ مَرَاحَهُ فَخَرَجَتْ مَاشِيَتُهُ فَأَفْسَدَتْ الزَّرْعَ فَإِنَّهُ يَضْمَنُهُ احْتَجُّوا بِأَنَّهُ إذَا اجْتَمَعَ التَّسَبُّبُ وَالْمُبَاشَرَةُ اُعْتُبِرَتْ الْمُبَاشَرَةُ دُونَهُ، وَالطَّيْرُ مُبَاشِرٌ بِاخْتِيَارِهِ لِحَرَكَةِ نَفْسِهِ كَمَنْ حَفَرَ بِئْرًا عُدْوَانًا فَأَرْدَى فِيهَا غَيْرُهُ إنْسَانًا فَإِنَّ الْمُرْدِيَ يَضْمَنُ دُونَ الْأَوَّلِ، وَالْحَيَوَانُ قَصْدُهُ مُعْتَبَرٌ بِدَلِيلِ جَوَارِحِ الصَّيْدِ إنْ أَمْسَكَتْ لِأَنْفُسِهَا لَا يُؤْكَلُ الصَّيْدُ أَوْ لِلصَّائِدِ أَكَلَ، وَالْجَوَابُ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الطَّائِرَ كَانَ مُخْتَارًا لِلطَّيَرَانِ، وَلَعَلَّهُ كَانَ مُخْتَارًا لِلْإِقَامَةِ لِانْتِظَارِ الْعَلَفِ أَوْ خَوْفِ الْجَوَارِحِ الْكَوَاسِرِ، وَإِنَّمَا طَارَ خَوْفًا مِنْ الْفَاتِحِ وَإِذَا احْتَمَلَ، وَاحْتَمَلَ وَالسَّبَبُ مَعْلُومٌ فَيُضَافُ الضَّمَانُ إلَيْهِ كَحَافِرِ الْبِئْرِ يَقَعُ فِيهَا حَيَوَانٌ مَعَ إمْكَانِ اخْتِيَارِهِ لِنُزُولِهَا لِفَزَعٍ خَلْفَهُ أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ، وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ الصَّيْدَ لَا يُؤْكَلُ إذَا أَكَلَ مِنْهُ الْجَارِحُ سَلَّمْنَاهُ لَكِنْ الضَّمَانُ مُتَعَلِّقٌ بِالسَّبَبِ الَّذِي تَوَصَّلَ بِهِ الطَّائِرُ لِمَقْصِدِهِ كَمَنْ أَرْسَلَ بَازِيًا عَلَى طَائِرِ غَيْرِهِ فَقَتَلَهُ الْبَازِي بِاخْتِيَارِهِ فَإِنَّ الْمُرْسِلَ يَضْمَنُ.
وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ تَقْتَضِي اخْتِيَارَ الْحَيَوَانِ، وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْفَتْحَ سَبَبٌ مُجَرَّدٌ بَلْ هُوَ فِي مَعْنَى الْمُبَاشَرَةِ لِمَا فِي طَبْعِ الطَّائِرِ مِنْ النُّفُورِ مِنْ الْآدَمِيِّ، وَأَمَّا إلْقَاءُ غَيْرِ الْحَافِرِ لِلْبِئْرِ إنْسَانًا، وَإِلْقَاؤُهُ هُوَ نَفْسُهُ فِي الْبِئْرِ فَالْفَرْقُ أَنَّ قَصْدَ الطَّائِرِ وَنَحْوِهِ ضَعِيفٌ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «جُرْحُ الْعَجْمَاءِ جُبَارٌ» ، وَالْآدَمِيُّ يَضْمَنُ قَصَدَ أَوْ لَمْ يَقْصِدْ فَهَذَا هُوَ تَقْرِيرُ قَاعِدَةِ مَا يُوجِبُ الضَّمَانَ وَقَاعِدَةِ مَا لَا يُوجِبُهُ، وَهَاهُنَا مَسْأَلَتَانِ
(الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى) إذَا قُلْنَا بِالضَّمَانِ فَالضَّمَانُ عَلَى الْغَاصِبِ يَوْمَ الْغَصْبِ دُونَ مَا بَعْدَهُ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ تُعْتَبَرُ الْأَحْوَالُ كُلُّهَا فَيُضَمِّنُهُ أَعْلَى الْقِيَمِ، وَتَظْهَرُ فَائِدَةُ الْخِلَافِ إذَا غَصَبَهَا ضَعِيفَةً مُشَوَّهَةً مَعِيبَةً بِأَنْوَاعٍ مِنْ الْعُيُوبِ فَزَالَتْ تِلْكَ الْعُيُوبُ عِنْدَهُ فَعِنْدَنَا الْقِيمَةُ وَعِنْدَهُ الثَّانِيَةُ لِأَنَّهَا أَعْلَى، وَكَذَلِكَ خَالَفْنَا فِي وَطْءِ الشُّبْهَةِ فَعِنْدَنَا أَوَّلَ يَوْمِ الشُّبْهَةِ وَعِنْدَهُ يُعْتَبَرُ أَعْلَى الرُّتَبِ فَيُوجِبُ لَهَا صَدَاقَ الْمِثْلِ فِي أَشْرَفِ أَحْوَالِهَا كَمَا يُوجِبُ أَعْلَى الْقِيَمِ فِي الْغَصْبِ. لَنَا قَاعِدَةٌ أُصُولِيَّةٌ، وَهِيَ أَنَّ تَرْتِيبَ الْحُكْمِ عَلَى
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
أَوْ سَفِينَةٍ بِمَا فِيهَا فَلَا ضَمَانَ وَلَا أُجْرَةَ، وَلَا عَلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَ بِمِثْلِهِ لِيَحْمِلَهُ قَالَهُ مَالِكٌ وَقَالَ غَيْرُهُ: مَا هَلَكَ بِعِثَارٍ كَالْهَالِكِ بِأَمْرٍ سَمَاوِيٍّ.
وَقَالَ ابْنُ نَافِعٍ لِرَبِّ السَّفِينَةِ بِحِسَابِ مَا بَلَغَتْ (وَثَانِيهَا) مَا هَلَكَ بِأَمْرٍ سَمَاوِيٍّ بِالْبَيِّنَةِ فَلَهُ الْكِرَاءُ كُلُّهُ، وَعَلَيْهِ حَمْلُ مِثْلِهِ مِنْ مَوْضِعِ الْهَلَاكِ لِأَنَّ أَجْزَاءَ الْمَنْفَعَةِ مَضْمُونَةٌ عَلَيْهِ (وَثَالِثُهَا) مَا هَلَكَ بِأَيْدِيهِمْ مِنْ الْعُرُوضِ يُصَدَّقُونَ فِيهِ لِعَدَمِ التُّهْمَةِ، وَلَهُمْ الْكِرَاءُ كُلُّهُ، وَعَلَيْهِمْ حَمْلُ مِثْلِهِ مِنْ مَوْضِعِ الْهَلَاكِ لِأَنَّهُمْ لَمَّا صُدِّقُوا أَشْبَهَ مَا هَلَكَ بِأَمْرٍ سَمَاوِيٍّ.
وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ لَهُمْ مِنْ الْكِرَاءِ بِحَسَبِ مَا بَلَغُوا، وَيُفْسَخُ الْكِرَاءُ لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ لَا يُعْلَمُ إلَّا مِنْ قَوْلِهِمْ أَشْبَهَ مَا هَلَكَ بِعِثَارٍ، وَفِي بِدَايَةِ الْمُجْتَهِدِ لِحَفِيدِ ابْنِ رُشْدٍ أَنَّ الضَّمَانَ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ عَلَى وَجْهَيْنِ:(أَحَدُهُمَا) مَا كَانَ بِالتَّعَدِّي، وَهُوَ أَنَّ مَالِكًا جَعَلَ عِثَارَ الدَّابَّةِ لَوْ كَانَتْ عَثُورًا تَعَدِّيًا مِنْ صَاحِبِ الدَّابَّةِ يَضْمَنُ بِهَا الْحِمْلَ، وَكَذَلِكَ إنْ كَانَتْ الْحِبَالُ رَثَّةً. (وَثَانِيهِمَا) مَا كَانَ لِمَكَانِ الْمَصْلَحَةِ وَحِفْظِ الْأَمْوَالِ، وَهُوَ ضَمَانُ الصُّنَّاعِ، وَذَلِكَ أَنَّهُ لَا خِلَافَ عِنْدَهُمْ أَنَّ الْأَجِيرَ لَيْسَ بِضَامِنٍ لِمَا هَلَكَ عِنْدَهُ مِمَّا اُسْتُؤْجِرَ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يَتَعَدَّى مَا عَدَا حَامِلَ الطَّعَامِ وَالطَّحَّانَ فَإِنَّ مَالِكًا ضَمَّنَهُ مَا هَلَكَ عِنْدَهُ إلَّا أَنْ تَقُومَ لَهُ بَيِّنَةٌ عَلَى هَلَاكِهِ مِنْ غَيْرِ سَبَبِهِ، وَمَشْهُورُ مَالِكٍ فِي صَاحِبِ الْحَمَّامِ أَنَّهُ لَا يَضْمَنُ.
وَقَدْ قِيلَ يَضْمَنُ، وَشَذَّ أَشْهَبُ فَضَمَّنَ الصُّنَّاعَ مَا قَامَتْ الْبَيِّنَةُ عَلَى هَلَاكِهِ عِنْدَهُمْ مِنْ غَيْرِ تَعَدٍّ مِنْهُمْ وَلَا تَفْرِيطٍ، وَأَمَّا مَا ادَّعَوْا هَلَاكَهُ مِنْ الْمَصْنُوعَاتِ الْمَدْفُوعَةِ إلَيْهِمْ فَإِنَّهُمْ اخْتَلَفُوا فِي تَضْمِينِهِمْ فَقَالَ مَالِكٌ وَابْنُ أَبِي لَيْلَى وَأَبُو يُوسُفَ يَضْمَنُونَ مَا هَلَكَ عِنْدَهُمْ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يَضْمَنُ مَنْ عَمِلَ بِغَيْرِ أَجْرٍ، وَلَا الْخَاصِّ، وَيَضْمَنُ الْمُشْتَرِكُ وَمَنْ عَمِلَ بِأَجْرٍ وَلِلشَّافِعِيِّ قَوْلَانِ فِي الْمُشْتَرِكِ وَالْخَاصِّ عِنْدَهُمْ هُوَ الَّذِي يَعْمَلُ فِي مَنْزِلِ الْمُسْتَأْجِرِ، وَقِيلَ هُوَ الَّذِي لَمْ يَنْتَصِبْ لِلنَّاسِ، وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ فِي الْخَاصِّ، وَهُوَ عِنْدَهُ غَيْرُ ضَامِنٍ، وَتَحْصِيلُ مَذْهَبِ مَالِكٍ عَلَى هَذَا أَنَّ الصَّانِعَ الْمُشْتَرِكَ يَضْمَنُ سَوَاءٌ عَمِلَ بِأَجْرٍ أَوْ بِغَيْرِ أَجْرٍ، وَبِتَضْمِينِ الصُّنَّاعِ قَالَ عَلِيٌّ وَعُمَرُ وَإِنْ كَانَ قَدْ اُخْتُلِفَ عَنْ عَلِيٍّ فِي ذَلِكَ، وَعُمْدَةُ مَنْ لَمْ يَرَ الضَّمَانَ عَلَيْهِمْ أَنَّهُ شَبَّهَ الصَّانِعَ بِالْمُودَعِ عِنْدَهُ وَالشَّرِيكِ وَالْوَكِيلِ وَأَجِيرِ الْغَنَمِ، وَمَنْ ضَمَّنَهُ فَلَا دَلِيلَ لَهُ إلَّا النَّظَرُ إلَى الْمَصْلَحَةِ وَسَدِّ الذَّرِيعَةِ.
وَأَمَّا مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ أَنْ يَعْمَلُوا بِأَجْرٍ أَوْ لَا يَعْمَلُوا بِأَجْرٍ فَلِأَنَّ الْعَامِلَ بِغَيْرِ أَجْرٍ إنَّمَا قَبَضَ الْمَعْمُولَ لِمَنْفَعَةِ صَاحِبِهِ فَقَطْ فَأَشْبَهَ الْمُودَعَ، وَإِذَا قَبَضَهَا بِأَجْرٍ فَالْمَنْفَعَةُ لِكِلَيْهِمَا فَغُلِّبَتْ مَنْفَعَةُ الْقَابِضِ فَأَشْبَهَ الْقَرْضَ وَالْعَارِيَّةَ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ، وَكَذَلِكَ أَيْضًا مَنْ يُنَصِّبُ نَفْسَهُ لَمْ