الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بِالسِّحْرِ مَا كَانَ سُلْطَانُهُ عَلَى النُّفُوسِ خَاصَّةً. قَالَ الطُّرْطُوشِيُّ: فِي تَعْلِيقِهِ وَقَعَ فِي الْمَوَّازِيَّةِ أَنَّ مَنْ قَطَعَ أُذُنًا ثُمَّ أَلْصَقَهَا أَوْ أَدْخَلَ السَّكَاكِينَ فِي بَطْنِهِ فَقَدْ يَكُونُ هَذَا سِحْرًا وَقَدْ لَا يَكُونُ سِحْرًا اخْتَلَفَ الْأُصُولِيُّونَ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا يَكُونُ السِّحْرُ إلَّا رُقًى أَجْرَى اللَّهُ تَعَالَى عَادَتَهُ أَنْ يَخْلُقَ عِنْدَهَا افْتِرَاقَ الْمُتَحَابِّينَ وَقَالَ الْأُسْتَاذُ أَبُو إِسْحَاقَ وَقَدْ يَقَعُ بِهِ التَّغْيِيرُ وَالضَّنَى، وَرُبَّمَا أَتْلَفَ وَأَوْجَبَ الْحُبَّ وَالْبُغْضَ وَالْبَلَهَ وَفِيهِ أَدْوِيَةٌ مِثْلُ الْمَرَائِرِ وَالْأَكْبَادِ وَالْأَدْمِغَةِ فَهَذَا الَّذِي يَجُوزُ عَادَةً.
وَأَمَّا طُلُوعُ الزَّرْعِ فِي الْحَالِ أَوْ نَقْلُ الْأَمْتِعَةِ وَالْقَتْلُ عَلَى الْفَوْرِ وَالْعَمَى وَالصَّمَمُ وَنَحْوُهُ وَعِلْمُ الْغَيْبِ فَمُمْتَنِعٌ، وَإِلَّا لَمْ يَأْمَنْ أَحَدٌ عَلَى نَفْسِهِ عِنْدَ الْعَدَاوَةِ وَقَدْ وَقَعَ الْقَتْلُ وَالْعِنَادُ مِنْ السَّحَرَةِ، وَلَمْ يَبْلُغْ فِيهَا أَحَدٌ هَذَا الْمَبْلَغَ، وَقَدْ وَصَلَ الْقِبْطُ فِيهِ إلَى الْغَايَةِ وَقَطَعَ فِرْعَوْنُ أَيْدِيَهُمْ وَأَرْجُلَهُمْ، وَلَمْ يَتَمَكَّنُوا مِنْ الدَّفْعِ عَنْ أَنْفُسِهِمْ وَالتَّغَيُّبِ وَالْهُرُوبِ وَحَكَى ابْنُ الْجُوَيْنِيِّ أَنَّ أَكْثَرَ عُلَمَائِنَا جَوَّزُوا أَنْ يُسْتَدَقَّ جِسْمُ السَّاحِرِ حَتَّى يَلِجَ فِي الْكَوَّةِ وَيَجْرِيَ عَلَى خَيْطٍ مُسْتَدَقٍّ وَيَطِيرَ فِي الْهَوَاءِ وَيَقْتُلَ غَيْرَهُ، قَالَ الْقَاضِي: وَلَا يَقَعُ فِيهِ إلَّا مَا هُوَ مَقْدُورٌ لِلْبَشَرِ، وَأَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَصِلُ إلَى إحْيَاءِ الْمَوْتَى، وَإِبْرَاءِ الْأَكْمَهِ وَفَلْقِ الْبَحْرِ، وَإِنْطَاقِ الْبَهَائِمِ قُلْتُ وَوُصُولُهُ إلَى الْقَتْلِ وَتَغْيِيرِ الْخَلْقِ وَنَقْلِ الْإِنْسَانِ إلَى صُورَةِ الْبَهَائِمِ هُوَ الصَّحِيحُ الْمَنْقُولُ عَنْهُمْ وَقَدْ كَانَ الْقِبْطُ فِي أَيَّامِ دَلُوكَا مَلِكَةَ مِصْرَ بَعْدَ فِرْعَوْنَ وَضَعُوا السِّحْرَ فِي الْبَرَابِي وَصَوَّرُوا فِيهِ عَسَاكِرَ الدُّنْيَا فَأَيُّ عَسْكَرٍ قَصَدَهُمْ، وَأَيُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ تَخَيَّلَ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
الْمُدَّعِيَ إذَا حَضَرَ خَطَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَثَبَتَ أَنَّهُ خَطُّهُ فَهُوَ كَثُبُوتِ إقْرَارِهِ تَجِبُ بِهِ الْخُلْطَةُ.
وَقَالَ ابْنُ لُبَابَةَ تَثْبُتُ بِشَهَادَةِ رَجُلٍ وَاحِدٍ وَامْرَأَةٍ، وَجَعَلَهُ مِنْ بَابِ الْخَبَرِ، وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَقَوْلُ ابْنِ لُبَابَةَ هُوَ الْمَشْهُورُ قَالَ ابْنُ كِنَانَةَ أَيْضًا تَثْبُتُ الْخُلْطَةُ بِشَهَادَةِ رَجُلٍ وَاحِدٍ وَامْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ بِغَيْرِ يَمِينٍ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ، وَقَوْلُ ابْنِ كِنَانَةَ أَحْسَنُ، وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ لِأَنَّ الْمُرَادَ إثْبَاتُ لَطْخِ الدَّعْوَى، وَذَلِكَ يَحْصُلُ بِالْمَرْأَةِ اهـ مِنْ الْأَصْلِ وَابْنُ فَرْحُونٍ فِي التَّبْصِرَةِ
(الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) فِي التَّبْصِرَةِ ثُبُوتُ الْخُلْطَةِ يُوجِبُ الْيَمِينَ عَلَى الْمَطْلُوبِ فِي دَعْوَى السَّلَفِ الْوَدِيعَةَ أَوْ الْمُقَارَضَةَ أَوْ الشَّرِكَةَ أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ إنْ كَانَتْ هَذِهِ الدَّعْوَى بَعْدَ الْمُدَّةِ الَّتِي يَحُدُّهَا الشُّهُودُ، وَلِذَلِكَ يَحْتَاجُ إلَى تَحْدِيدِهَا، وَيَعْقِدُ فِي إثْبَاتِ الْخَلْطِ شَهِدَ مَنْ يُسَمَّى أَسْفَلَ هَذَا الْعَقْدِ مِنْ الشُّهَدَاءِ أَنَّهُمْ يَعْرِفُونَ فُلَانًا وَفُلَانًا مَعْرِفَةً صَحِيحَةً تَامَّةً بِعَيْنِهِمَا وَاسْمِهِمَا، وَيَعْرِفُونَ فُلَانًا مُخَالِطًا لِفُلَانِ ابْنِ فُلَانٍ، وَمُدَاخِلًا لَهُ مِنْ كَذَا وَكَذَا عَامًا، وَلَا يَعْلَمُونَ ذَلِكَ انْقَطَعَ بَيْنَهُمَا فِي عِلْمِهِمْ إلَى حِينِ إيقَاعِ شَهَادَتِهِمْ فِي تَارِيخِ كَذَا، وَيَذْكُرُ فِيهِ تَعْرِيفَ الشَّاهِدَيْنِ بِهِمَا إنْ لَمْ يَكُنْ الْقَاضِي يَعْرِفُهُمَا، وَفَائِدَةُ التَّحْدِيدِ بِالتَّارِيخِ أَنْ تَكُونَ الدَّعْوَى دَاخِلَةً فِي هَذَا التَّحْدِيدِ فَلَوْ كَانَتْ قَبْلَهَا لَمْ تَجِبْ الْيَمِينُ إلَّا بِثُبُوتِ الْخُلْطَةِ، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مِنْ جُمْلَةِ الْمَسَائِلِ الَّتِي لَا بُدَّ مِنْ تَحْدِيدِ الْأَمَدِ فِيهَا، وَكَذَلِكَ شَهَادَةُ السَّمَاعِ فِي الْحَبْسِ، وَشَهَادَةُ الضَّرَرِ لِلِاخْتِلَافِ فِي مُدَّةِ الْحِيَازَةِ فِي ذَلِكَ، وَإِنْ قَالَ إنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي مُدَّةِ الْأَمَدِ الَّذِي تَحُدُّهُ الشُّهُودُ لِلْخُلْطَةِ لَمْ يَجِبْ الْيَمِينُ فِيهِ إلَّا بِثُبُوتِ الْخُلْطَةِ فِي مُدَّةِ الدَّعْوَةِ، وَلَا تَجِبُ بِمِثْلِ هَذِهِ الْخُلْطَةِ يَمِينٌ فِي دَعْوَى مُبَايَعَةٍ فِي عَقَارٍ أَوْ مَتَاعٍ أَوْ عَبِيدٍ أَوْ حَيَوَانٍ أَوْ عُرُوضٍ اهـ.
(الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) فِي التَّبْصِرَةِ قَالَ ابْنُ سَهْلٍ قَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ إنَّمَا تُرَاعَى الْخُلْطَةُ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالذِّمَمِ مِنْ الْحُقُوقِ، وَأَمَّا الْأَشْيَاءُ الْمُعَيَّنَةُ الَّتِي يَقَعُ التَّدَاعِي فِيهَا بَيْنَهُمَا فَالْيَمِينُ لَاحِقَةٌ مِنْ غَيْرِ خُلْطَةٍ، وَقِيلَ لَا تَجِبُ الْيَمِينُ إلَّا بِالْخُلْطَةِ فِي الْأَشْيَاءِ الْمُعَيَّنَةِ وَغَيْرِهَا قَالَ عَبْدُ الْحَقِّ، وَهَذَا أَبْيَنُ عِنْدِي لِأَنَّ الْخُلْطَةَ إنَّمَا رَآهَا الْعُلَمَاءُ لِلْمَضَرَّةِ الدَّاخِلَةِ لَوْ سَمِعَ مَعَ كُلِّ مُدَّعٍ اهـ.
(الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ) فِي التَّبْصِرَةِ اخْتَلَفَ إذَا شَهِدَ عَلَيْهِ شَاهِدَانِ فَدَفَعَهُمَا بِدَعْوَى الْعَدَاوَةِ هَلْ تَجِبُ لَهُ عَلَيْهِ يَمِينٌ بِغَيْرِ خُلْطَةٍ أَمْ لَا قَوْلَانِ الْمَشْهُورُ لَا يَجِبُ اهـ قَالَ الْأَصْلُ لِأَنَّ الْعَدَاوَةَ مُقْتَضَاهَا الْإِصْرَارُ بِالتَّحْلِيفِ وَالْبِذْلَةِ عِنْدَ الْحُكَّامِ اهـ، وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.
[الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا هُوَ حُجَّةٌ عِنْدَ الْحُكَّامِ وَقَاعِدَةِ مَا لَيْسَ بِحُجَّةٍ عِنْدَهُمْ]
[الْحُجَّةُ الْأُولَى الشَّاهِدَانِ]
(الْفَرْقُ الْأَرْبَعُونَ وَالْمِائَتَانِ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا هُوَ حُجَّةٌ عِنْدَ الْحُكَّامِ وَقَاعِدَةِ مَا لَيْسَ بِحُجَّةٍ عِنْدَهُمْ)
وَهُوَ أَنَّ الْحُجَّةَ وَاحِدُ الْحِجَاجِ الَّتِي هِيَ شَأْنُ الْقُضَاةِ وَالْمُتَحَاكِمِينَ بِخِلَافِ الْأَدِلَّةِ فَشَأْنُ الْمُجْتَهِدِينَ، وَبِخِلَافِ الْأَسْبَابِ فَإِنَّهَا تَعْتَمِدُ الْمُكَلَّفِينَ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْفَرْقِ بَيْنَهَا فَلَا تُغْفَلُ، وَالْحِجَاجُ الَّتِي يَقْضِي بِهَا الْحَاكِمُ مُنْحَصِرَةٌ عِنْدَنَا فِي سَبْعَ عَشْرَةَ حُجَّةً (الْأُولَى) الْأَرْبَعَةُ الشُّهُودُ (الثَّانِيَةُ) الشَّاهِدَانِ (الثَّالِثَةُ) الشَّاهِدَانِ وَالْيَمِينُ (الرَّابِعَةُ) الشَّاهِدُ وَالْيَمِينُ (الْخَامِسَةُ) الْمَرْأَتَانِ وَالْيَمِينُ (السَّادِسَةُ) الشَّاهِدُ وَالنُّكُولُ (السَّابِعَةُ) الْمَرْأَتَانِ وَالنُّكُولُ (الثَّامِنَةُ) الْيَمِينُ وَالنُّكُولُ (التَّاسِعَةُ) أَرْبَعَةُ أَيْمَانٍ (الْعَاشِرَةُ) خَمْسُونَ يَمِينًا (الْحَادِيَةَ عَشَرَةَ) الْمَرْأَتَانِ فَقَطْ (الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ) الْيَمِينُ وَحْدَهَا (الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ) الْإِقْرَارُ (الرَّابِعَةَ عَشْرَةَ) شَهَادَةُ الصِّبْيَانِ (الْخَامِسَةَ عَشْرَةَ) الْقَافَةُ (السَّادِسَةَ عَشْرَةَ) قُمُطُ الْحِيطَانِ وَشَوَاهِدِهَا (السَّابِعَةَ عَشْرَةَ) الْيَدُ وَمَا عَدَا هَذِهِ السَّبْعَ عَشْرَةَ لَا يُقْضَى بِهِ عِنْدَنَا، وَبَيَانُ كُلِّ حُجَّةٍ مِنْ السَّبْعَ عَشْرَةَ بِانْفِرَادِهَا بِتَوْضِيحِ مَا تَكُونُ فِيهِ، وَمَا فِيهَا مِنْ اشْتِبَاهٍ وَاخْتِلَافٍ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ يَسْتَدْعِي أَبْوَابًا، وَوُصُولًا لِيَحْصُلَ بِذَلِكَ
ذَلِكَ الْجَيْشَ الْمُصَوَّرَ أَوْ رِجَالَهُ مِنْ قَلْعِ الْأَعْيُنِ أَوْ ضَرْبِ الرِّقَابِ وَقَعَ بِذَلِكَ الْعَسْكَرِ فِي مَوْضِعِهِ فَتُحَاشِيهِمْ الْعَسَاكِرُ فَأَقَامُوا سِتَّمِائَةِ سَنَةً وَالنِّسَاءُ هُنَّ الْمُلُوكُ وَالْأُمَرَاءُ بِمِصْرَ بَعْدَ غَرَقِ فِرْعَوْنَ وَجُيُوشِهِ كَذَلِكَ حَكَاهُ الْمُؤَرِّخُونَ.
وَأَمَّا سَحَرَةُ فِرْعَوْنَ فَالْجَوَابُ عَنْهُمْ مِنْ وُجُوهٍ. (الْأَوَّلِ) أَنَّهُمْ تَابُوا فَمَنَعَتْهُمْ التَّوْبَةُ وَالْإِسْلَامُ الْعَوْدَةَ إلَى مُعَاوَدَةِ الْكُفْرِ الَّذِي تَكُونُ بِهِ تِلْكَ الْآثَارُ وَرَغِبُوا فِيمَا عِنْدَ اللَّهِ وَلِذَلِكَ قَالُوا {لا ضَيْرَ إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنْقَلِبُونَ} [الشعراء: 50](الثَّانِي) لَعَلَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا مِمَّا وَصَلُوا لِذَلِكَ، وَإِنَّمَا قَصَدَ مِنْ السَّحَرَةِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ مَنْ يَقْدِرُ عَلَى قَلْبِ الْعَصَا حَيَّةً لِأَجْلِ مُوسَى عليه السلام.
(الثَّالِثِ) أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فِرْعَوْنُ قَدْ عَلَّمَهُ بَعْضُ السَّحَرَةِ حُجُبًا وَمَوَانِعَ يُبْطِلُ بِهَا سِحْرَ السَّحَرَةِ اعْتِنَاءً بِهِ وَالْحُجُبُ وَالْمُبْطِلَاتُ فِيهِ مُشْتَهِرَةٌ عِنْدَ أَهْلِهِ فَانْدَفَعَ السُّؤَالُ فَهَذِهِ أَنْوَاعُ السِّحْرِ الثَّلَاثَةِ ثُمَّ هَذِهِ الْأَنْوَاعُ قَدْ تَقَعُ بِلَفْظٍ وَهُوَ كُفْرٌ أَوْ اعْتِقَادٍ هُوَ كُفْرٌ أَوْ فِعْلٍ هُوَ كُفْرٌ فَالْأَوَّلُ كَالسَّبِّ الْمُتَعَلِّقِ بِمَنْ سَبَّهُ كُفْرٌ وَالثَّانِي كَاعْتِقَادِ انْفِرَادِ الْكَوَاكِبِ أَوْ بَعْضِهَا بِالرُّبُوبِيَّةِ، وَالثَّالِثِ كَإِهَانَةِ مَا أَوْجَبَ اللَّهُ تَعْظِيمَهُ مِنْ الْكِتَابِ الْعَزِيزِ وَغَيْرِهِ فَهَذِهِ الثَّلَاثَةُ مَتَى وَقَعَ شَيْءٌ مِنْهَا فِي السِّحْرِ فَذَلِكَ السِّحْرُ كُفْرٌ لَا مِرْيَةَ فِيهِ وَقَدْ يَقَعُ السِّحْرُ بِشَيْءٍ مُبَاحٍ كَمَا تَقَدَّمَ فِي وَضْعِ الْأَحْجَارِ فِي الْمَاءِ فَإِنَّهَا مُبَاحَةٌ وَكَذَلِكَ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
قَالَ: (ثُمَّ هَذِهِ الْأَنْوَاعُ قَدْ تَقَعُ بِلَفْظٍ هُوَ كُفْرٌ أَوْ اعْتِقَادٍ هُوَ كُفْرٌ أَوْ فِعْلٍ هُوَ كُفْرٌ إلَى آخِرِهِ) قُلْتُ مَا قَالَهُ صَحِيحٌ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
تَمَامُ الْفَائِدَةِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
(الْبَابُ الْأَوَّلُ) فِي بَيَانِ مَا تَكُونُ فِيهِ الْحُجَّةُ الْأُولَى، وَدَلِيلُهَا وَشُرُوطُهَا، وَفِيهِ وَصْلَانِ:
(الْوَصْلُ الْأَوَّلُ) تَكُونُ هَذِهِ الْحُجَّةُ فِي عَشَرَةِ مَوَاضِعَ كَمَا فِي تَبْصِرَةِ ابْنِ فَرْحُونٍ (الْأَوَّلُ) الزِّنَا فَلَا بُدَّ فِيهَا مِنْ أَرْبَعَةٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [النور: 4] وَهِيَ عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ: (الْأَوَّلُ) عَلَى مُعَايَنَتِهِ، وَهُوَ الْمُتَّفَقُ عَلَى أَنَّهُ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ أَرْبَعَةِ شُهُودٍ.
(الْوَجْهُ الثَّانِي) عَلَى الْإِقْرَارِ بِهِ وَلَوْ مَرَّةً خِلَافًا لِمَنْ يَشْتَرِطُ الْإِقْرَارَ بِهِ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ، وَاخْتُلِفَ هَلْ لَا بُدَّ فِي الشَّهَادَةِ عَلَى الْإِقْرَارِ بِهِ أَرْبَعَةً لِأَنَّهَا تَئُولُ إلَى إقَامَةِ الْحَدِّ فَسَاوَتْ الشَّهَادَةَ عَلَى الْمُعَايَنَةِ لِتَسَاوِي مُوجِبِهَا أَوْ يَكْفِي فِيهَا رَجُلَانِ كَمَا هُوَ الْأَصْلُ فِي الشَّهَادَاتِ عَلَى الْإِقْرَارَاتِ إجْرَاءً لِلْإِقْرَارِ بِالزِّنَا عَلَى ذَلِكَ الْأَصْلِ؟
(الْوَجْهُ الثَّالِثُ) عَلَى الشَّهَادَةِ بِهِ، وَاخْتُلِفَ هَلْ يَكْفِي اثْنَانِ عَلَى شَهَادَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْأَرْبَعَةِ الَّذِينَ شَهِدُوا عَلَى الْمُعَايَنَةِ أَيْ فَتَكُونُ ثَمَانِيَةً أَوْ لَا بُدَّ مِنْ أَرْبَعَةٍ عَلَى كُلٍّ مِنْ الْأَرْبَعَةِ فَتَكُونُ سِتَّةَ عَشَرَ أَوْ يَكْفِي أَرْبَعَةٌ فَقَطْ يَشْهَدُونَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْأَرْبَعَةِ
(الْوَجْهُ الرَّابِعُ) عَلَى كِتَابِ الْقَاضِي بِثُبُوتِهِ، وَالْحُكْمُ بِهِ، وَاخْتُلِفَ أَيْضًا فِي ذَلِكَ هَلْ يَكْفِي اثْنَانِ أَوْ لَا بُدَّ مِنْ أَرْبَعَةٍ.
(الْمَوْضِعُ الثَّانِي) الْمُلَاعَنَةُ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ فَإِنَّ الْمَذْهَبَ أَنَّ أَقَلَّ مَنْ يَحْضُرُ لِعَانَ الزَّوْجَيْنِ أَرْبَعَةُ شُهُودٍ
(الْمَوْضِعُ الثَّالِثُ) شَهَادَةُ الْأَبْدَانِ فِي النِّكَاحِ، وَهِيَ كَمَا فِي الْمُخْتَصَرِ أَنْ يُنْكِحَ الرَّجُلُ ابْنَتَهُ الْبِكْرَ مِنْ رَجُلٍ، وَلَمْ يَحْضُرْهُمَا شُهُودٌ بَلْ إنَّمَا عَقَدَ النِّكَاحَ وَتَفَرَّقَا، وَقَالَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِصَاحِبِهِ أَشْهِدْ مَنْ لَاقَيْت فَلَا تَتِمُّ الشَّهَادَةُ إلَّا بِأَرْبَعَةٍ شَاهِدَانِ عَلَى الْأَبِ وَشَاهِدَانِ عَلَى الزَّوْجِ فَإِنْ أَشْهَدَ كُلٌّ مِنْهُمَا الشُّهُودَ الَّذِينَ أَشْهَدَهُمْ صَاحِبُهُ لَمْ تُسَمَّ هَذِهِ أَبْدَادًا فَلَوْ كَانَتْ الزَّوْجَةُ مَالِكَةً أَمْرَ نَفْسِهَا لَمْ تَكْمُلْ الشَّهَادَةُ عَلَى النِّكَاحِ إلَّا بِسِتَّةٍ اثْنَانِ عَلَى النَّاكِحِ وَاثْنَانِ عَلَى الْمُنْكَحِ، وَاثْنَانِ عَلَى الزَّوْجَةِ.
(الْمَوْضِعُ الرَّابِعُ) شَهَادَةُ جَلْدِ حَدِّ الزِّنَا لِمَنْ قَذَفَهُ شَخْصٌ فَلَا تَنْفَعُ الْقَاذِفُ إلَّا إذَا كَانَ الشُّهُودُ بِذَلِكَ أَرْبَعَةً نَعَمْ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي الْبَيَانِ، وَالْقِيَاسُ أَنَّهُ يَدْخُلُ الْخِلَافُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مِنْ اخْتِلَافِهِمْ فِي كِتَابِ الْقَاضِي بِثُبُوتِ الزِّنَا أَنَّهُ يَكْفِي فِيهِ اثْنَانِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ
(الْمَوْضِعُ الْخَامِسُ) شَهَادَةُ عُقُوبَةِ الزَّانِي فَلَا أَقَلَّ مِنْ أَرْبَعَةِ شُهُودٍ يَحْضُرُونَهُ.
(الْمَوْضِعُ السَّادِسُ) شَهَادَةُ السَّمَاعِ فِي الْأَحْبَاسِ، وَغَيْرِهِمَا فَلَا يَجْزِي فِيهَا أَقَلُّ مِنْ أَرْبَعَةٍ عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْمَاجِشُونِ نَعَمْ الْمَشْهُورُ أَنَّهُ يُجْزِئُ فِيهَا اثْنَانِ.
(الْمَوْضِعُ السَّابِعُ) الشَّهَادَةُ فِي بَابِ الِاسْتِرْعَاءِ فَأَقَلُّهُمْ أَرْبَعَةٌ أَيْضًا عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْمَاجِشُونِ، وَالْمَشْهُورُ اثْنَانِ.
(الْمَوْضِعُ الثَّامِنُ) مِنْ الشَّهَادَةِ فِي التَّرْشِيدِ وَالتَّسْفِيهِ قَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ وَغَيْرُهُ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ يَشْتَرِطُ فِيهِمْ الْكَثْرَةَ وَأَقَلُّهُمْ أَرْبَعَةُ شُهُودٍ، وَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ يُجْزِئُ فِي ذَلِكَ اثْنَانِ.
(الْمَوْضِعُ التَّاسِعُ) شَهَادَةُ مَنْ قَطَعَ اللُّصُوصُ عَلَيْهِمْ الطَّرِيقَ قَالَ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ عَلَيْهِمْ إذَا كَانُوا كَثِيرًا وَأَقَلُّ الْكَثِيرِ أَرْبَعَةٌ، وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ وَالْمُغِيرَةُ وَابْنُ دِينَارٍ لَا يُجْزِئُ فِي ذَلِكَ أَقَلُّ مِنْ أَرْبَعَةٍ، وَقَالَ مُطَرِّفٌ وَابْنُ الْقَاسِمِ يَجُوزُ عَدْلَانِ.
(الْمَوْضِعُ الْعَاشِرُ) الشَّهَادَةُ فِي الرَّضَاعِ قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ حَكَى بَعْضُهُمْ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ الْجَهْمِ مِنْ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ فِيهِ أَقَلُّ مِنْ أَرْبَعَةٍ، وَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ يَثْبُتُ بِشَاهِدَيْنِ وَبِامْرَأَتَيْنِ اهـ الْمُرَادُ مِنْ التَّبْصِرَةِ فَانْظُرْهَا
(الْوَصْلُ الثَّانِي) فِي تَبْصِرَةِ ابْنِ فَرْحُونٍ يُشْتَرَطُ فِي الشَّهَادَةِ عَلَى الزِّنَا أَنْ يَكُونُوا أَرْبَعَةَ رِجَالٍ ذُكُورٍ عُدُولٍ يَشْهَدُونَ بِزِنًا وَاحِدٍ مُجْتَمِعِينَ فِي أَدَاءِ الشَّهَادَةِ غَيْرَ مُفْتَرِقِينَ بِأَنَّهُ أَدْخَلَ فَرْجَهُ فِي فَرْجِهَا كَالْمِرْوَدِ فِي الْمُكْحُلَةِ، وَظَاهِرُ الْمَذْهَبِ جَوَازُ النَّظَرِ إلَى الْفَرْجِ قَصْدًا لِلتَّحَمُّلِ، وَلِلْحَاكِمِ أَنْ يَسْأَلَهُمْ كَمَا يَسْأَلُ الشُّهُودَ فِي السَّرِقَةِ مَا هِيَ، وَمِنْ أَيْنَ، وَإِلَى أَيْنَ، وَفُرُوعُ
رَأَيْت بَعْضَ السَّحَرَةِ يَسْحَرُ الْحَيَّاتِ الْعِظَامَ فَتُقْبِلُ إلَيْهِ وَتَمُوتُ بَيْنَ يَدَيْهِ سَاعَةً ثُمَّ تُفِيقُ ثُمَّ يُعَاوِدُ ذَلِكَ الْكَلَامَ فَيَعُودُ حَالُهَا كَذَلِكَ أَبَدًا وَكَانَ فِي ذَلِكَ يَقُولُ مُوسَى بِعَصَاهُ مُحَمَّدٌ بِفُرْقَانِهِ يَا مُعَلِّمَ الصِّغَارِ عَلِّمْنِي كَيْفَ آخُذُ الْحَيَّةَ وَالْحَوِيَّةَ وَكَانَتْ لَهُ قُوَّةُ نَفْسٍ يَحْصُلُ مِنْهَا مَعَ هَذِهِ الْكَلِمَاتِ هَذَا الْأَثَرُ وَهَذِهِ الْكَلِمَاتُ مُبَاحَةٌ لَيْسَ فِيهَا كُفْرٌ وَقُوَّةُ نَفْسِهِ الَّتِي جُبِلَ عَلَيْهَا لَيْسَتْ مِنْ كَسْبِهِ فَلَا يَكْفُرُ بِهَا كَمَا أَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يَعْصِي بِمَا جُبِلَتْ عَلَيْهِ نَفْسُهُ مِنْ الْإِصَابَةِ بِالْعَيْنِ وَتَأْثِيرِهَا فِي قَتْلِ الْحَيَوَانَاتِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا يَأْثَمُ بِتَصَدِّيهِ وَاكْتِسَابِهِ لِذَاكَ حَرَّمَ الشَّرْعُ أَذِيَّتَهُ أَوْ قَتْلَهُ أَمَّا لَوْ تَصَدَّى صَاحِبُ الْعَيْنِ لِقَتْلِ أَهْلِ الْحَرْبِ أَوْ السِّبَاعِ الْمُهْلِكَةِ كَانَ طَائِعًا لِلَّهِ تَعَالَى بِإِصَابَتِهِ بِالْعَيْنِ الَّتِي طُبِعَتْ عَلَيْهَا نَفْسُهُ فَكَذَلِكَ هَاهُنَا وَكَذَلِكَ سُحِرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي مُشْطٍ وَمُشَاطَةٍ وَكَوْرِ طَلْعٍ مِنْ النَّخْلِ وَجُعِلَ الْجَمِيعُ فِي بِئْرٍ فَهَذِهِ الْأُمُورُ فِي جَمْعِهَا وَجَعْلِهَا فِي الْبِئْرِ أَمْرٌ مُبَاحٌ إلَّا مِنْ جِهَةِ مَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ، وَإِلَّا لَوَجَبَ التَّفْصِيلُ فَقَدْ يَكُونُ كُفْرًا وَاجِبًا فِي صُورَةٍ أُخْرَى اقْتَضَتْ قَوَاعِدُ الشَّرْعِ وُجُوبَهَا فَإِنْ كَانَ مَعَ هَذِهِ الْأُمُورِ الْمَوْضُوعَةِ فِي الْبِئْرِ كَلِمَاتٌ أُخْرَى أَوْ شَيْءٌ آخَرُ وَهُوَ الظَّاهِرُ نَظَرَ فِيهِ هَلْ يَقْتَضِي كُفْرًا أَوْ هُوَ مُبَاحٌ مِثْلُهَا وَلِلسَّحَرَةِ فُصُولٌ كَثِيرَةٌ فِي كُتُبِهِمْ يُقْطَعُ مِنْ قِبَلِ الشَّرْعِ بِأَنَّهَا لَيْسَتْ مَعَاصِيَ، وَلَا كُفْرًا كَمَا أَنَّ لَهُمْ مَا يَقْطَعُ بِأَنَّهُ كُفْرٌ فَيَجِبُ حِينَئِذٍ التَّفْصِيلُ كَمَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ رضي الله عنه أَمَّا الْإِطْلَاقُ بِأَنَّ كُلَّ مَا يُسَمَّى سِحْرًا كُفْرٌ فَصَعْبٌ جِدًّا فَقَدْ تَقَرَّرَ بَيَانُ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
هَذَا الْبَابِ مَشْهُورَةٌ فِي مَحَالِّهَا اهـ بِلَفْظِهِ.
وَقَالَ الْأَصْلُ فِي نَظَائِرِ أَبِي عِمْرَانَ يُشْتَرَطُ اجْتِمَاعُ الشُّهُودِ عِنْدَ الْأَدَاءِ فِي الزِّنَا وَالسَّرِقَةِ، وَلَا يُشْتَرَطُ فِي غَيْرِهِمَا، وَصَعُبَ عَلَى دَلِيلٍ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْمُنَاسَبَاتِ بِمُجَرَّدِهَا لَا تَكْفِي فِي اشْتِرَاطِ الشُّرُوطِ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ قِيَاسٍ صَحِيحٍ أَوْ نَصٍّ، وَأَمَّا قَوْلُنَا ذَلِكَ أَبْلَغُ فِي طَلَبِ السَّتْرِ عَلَى الزُّنَاةِ وَحِفْظِ الْأَعْضَاءِ عَنْ الضَّيَاعِ فَهَذَا لَا يَكْفِي فِي هَذَا الشَّرْطِ، وَإِلَّا لَأَمْكَنَ عَلَى هَذَا السِّيَاقِ أَنْ يَشْتَرِطَ التَّبْرِيزَ فِي الْعَدَالَةِ أَوْ أَنْ يَكُونَ الشَّاهِدُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالْوِلَايَةِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْمُنَاسَبَاتِ أَيْضًا، وَهِيَ عَلَى خِلَافِ الْإِجْمَاعِ فَلَمْ يَبْقَ إلَّا اتِّبَاعُ مَوَارِدِ النُّصُوصِ وَالْأَدِلَّةِ الصَّحِيحَةِ، وَغَيْرُ ذَلِكَ صَعْبٌ جِدًّا اهـ، وَسَلَّمَهُ ابْنُ الشَّاطِّ فَافْهَمْ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(الْبَابُ الثَّانِي فِي بَيَانِ مَا تَكُونُ فِيهِ الْحُجَّةُ الثَّانِيَةُ وَشُرُوطِهَا، وَفِيهِ وَصْلَانِ) :
(الْوَصْلُ الْأَوَّلُ) فِي التَّبْصِرَةِ الْقَضَاءُ بِشَاهِدَيْنِ لَا يُجْزِئُ غَيْرُهُمَا فِي النِّكَاحِ وَالرَّجْعَةِ وَالطَّلَاقِ وَالْخُلْعِ وَالتَّمْلِيكِ وَالْمُبَارَأَةِ وَالْعِتْقِ وَالْإِسْلَامِ وَالرِّدَّةِ وَالْوَلَاءِ وَالنَّسَبِ وَالْكِتَابَةِ وَالتَّدْبِيرِ وَالْبُلُوغِ وَالْعِدَّةِ وَالْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ وَالشُّرْبِ وَالْقَذْفِ وَالْحِرَابَةِ وَالشَّرِكَةِ وَالْإِحْلَالِ وَالْإِحْصَانِ وَقَتْلِ الْعَمْدِ، وَكَذَلِكَ الْوَكَالَةُ
وَالْوَصِيَّةُ عِنْدَ أَشْهَبَ، وَفِي التَّنْبِيهِ لِابْنِ الْمُنَاصِفِ، وَاخْتُلِفَ فِي الشَّاهِدِ الْوَاحِدِ عَلَى التَّوْكِيلِ بِالْمَالِ عَنْ غَائِبٍ هَلْ يَحْلِفُ الْوَكِيلُ مَعَهُ لِيُثْبِتَ التَّوْكِيلَ أَوْ لَا؟ الْأَشْهَرُ الْمَنْعُ، وَاسْتَحْسَنَهُ اللَّخْمِيُّ إلَّا أَنْ يَتَعَلَّقَ بِذَلِكَ التَّوْكِيلِ حَقٌّ لِلْوَكِيلِ مِثْلَ أَنْ يَكُونَ عَلَى الْغَائِبِ دَيْنٌ أَوْ لِأَنَّهُ يُقِرُّ الْمَالَ فِي يَدِهِ قِرَاضًا، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ فَيَحْلِفُ، وَيَسْتَحِقُّ اهـ الْمُرَادُ
(الْوَصْلُ الثَّانِي) فِي التَّبْصِرَةِ هَذِهِ الْأَحْكَامُ لَا تَثْبُتُ إلَّا بِشَاهِدَيْنِ ذَكَرَيْنِ حُرَّيْنِ عَدْلَيْنِ قَالَهُ ابْنُ رُشْدٍ، وَغَيْرُهُ اهـ وَفِي الْأَصْلِ وَالْعَدَالَةِ فِيهِمَا شَرْطٌ عِنْدَنَا، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، وَهِيَ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى عِنْدَنَا يَجِبُ عَلَى الْحَاكِمِ أَنْ لَا يَحْكُمَ حَتَّى يُحَقِّقَهَا، وَالْمَنْقُولُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْعَدَالَةَ حَقٌّ لِلْخَصْمِ فَإِنْ طَلَبَهَا فَحَصَ الْحَاكِمُ عَنْهَا، وَإِلَّا فَلَا؛ وَقَالَ مُتَأَخِّرُو الْحَنَفِيَّةِ إنَّمَا كَانَ قَوْلُ الْمَجْهُولِ مَقْبُولًا فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ حَيْثُ كَانَ الْغَالِبُ الْعَدَالَةُ فَأُلْحِقَ النَّادِرُ بِالْغَالِبِ فَجَعَلَ الْكُلَّ عُدُولًا، وَأَمَّا الْيَوْمَ فَالْغَالِبُ الْفُسُوقُ فَيَلْحَقُ النَّادِرُ بِالْغَالِبِ حَتَّى تَثْبُتَ الْعَدَالَةُ نَعَمْ اسْتَثْنَى أَبُو حَنِيفَةَ الْحُدُودَ فَقَالَ لَا يُكْتَفَى فِيهَا بِمُجَرَّدِ الْإِسْلَامِ بَلْ لَا بُدَّ فِيهَا مِنْ الْعَدَالَةِ لِأَنَّ الْحُدُودَ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى، وَهُوَ ثَابِتٌ فَتُطْلَبُ الْعَدَالَةُ، وَإِذَا كَانَ الْمَحْكُومُ بِهِ حَقًّا لِآدَمِيٍّ وَجَبَ بِجَرْحِهَا الْبَحْثُ عَنْهَا لَنَا أَرْبَعَةُ وُجُوهٍ:
(الْأَوَّلُ) إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ، وَذَلِكَ أَنَّ رَجُلَيْنِ شَهِدَا عِنْدَ عُمَرَ فَقَالَ لَا أَعْرِفُكُمَا، وَلَا يَضُرُّكُمَا فَجَاءَ رَجُلٌ فَقَالَ أَتَعْرِفُهُمَا قَالَ نَعَمْ قَالَ لَهُ أَكُنْت مَعَهُمَا فِي سَفَرٍ يَتَبَيَّنُ عَنْ جَوَاهِرِ النَّاسِ قَالَ لَا قَالَ فَأَنْتَ جَارُهُمَا تَعْرِفُ صَبَاحَهُمَا وَمَسَاءَهُمَا قَالَ لَا قَالَ أَعَامَلْتهمَا بِالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ الَّتِي تُقْطَعُ بِهِمَا الْأَرْحَامُ قَالَ لَا قَالَ ابْنَ أَخِي مَا تَعْرِفُهُمَا ائْتِيَانِي بِمَنْ يَعْرِفُكُمَا، وَهَذَا بِحَضْرَةِ الصَّحَابَةِ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَحْكُمُ إلَّا بِحَضْرَتِهِمْ، وَلَمْ يُخَالِفْهُ أَحَدٌ فَكَانَ إجْمَاعًا، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مَا سَأَلَ عَنْ تِلْكَ الْأَسْبَابِ مِنْ السَّفَرِ وَغَيْرِهِ إلَّا، وَقَدْ عَرَفَ إسْلَامَهُمَا لِأَنَّهُ لَمْ يَقُلْ أَتَعْرِفُهُمَا مُسْلِمِينَ، وَلَيْسَ ذَلِكَ اسْتِحْبَابًا لِأَنَّ تَعْجِيلَ الْحُكْمِ وَاجِبٌ عَلَى الْفَوْرِ عِنْدَ وُجُودِ الْحُجَّةِ لِأَنَّ أَحَدَ الْخَصْمَيْنِ عَلَى مُنْكَرٍ غَالِبًا، وَإِزَالَةُ الْمُنْكَرِ وَاجِبٌ عَلَى الْفَوْرِ، وَالْوَاجِبُ لَا يُؤَخَّرُ إلَّا لِوَاجِبٍ.
(الْوَجْهُ الثَّانِي) قَوْلُهُ {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} [الطلاق: 2] فَإِنَّ مَفْهُومَهُ أَنَّ غَيْرَ الْعَدْلِ لَا يُسْتَشْهَدْ، وَقَوْلُهُ مِنْكُمْ إشَارَةٌ إلَى الْمُسْلِمِينَ فَلَوْ كَانَ الْإِسْلَامُ كَافِيًا لَمْ يَبْقَ فِي التَّقْيِيدِ فَائِدَةٌ، وَالْعَدْلُ مَأْخُوذٌ مِنْ الِاعْتِدَالِ فِي الْأَقْوَالِ وَالْأَفْعَالِ وَالِاعْتِقَادِ فَهُوَ وَصْفٌ