الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذَلِكَ وَيَعْضُدُهُ حَدِيثُ الْقَائِلِ لَئِنْ قَدَرَ اللَّهُ عَلَيَّ لَيُعَذِّبَنِّي الْحَدِيثَ. وَحَدِيثُ «السَّوْدَاءِ لَمَّا قَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَيْنَ اللَّهُ قَالَتْ فِي السَّمَاءِ» قَالَ، وَلَوْ كُوشِفَ أَكْثَرُ النَّاسِ عَلَى الصِّفَاتِ لَمْ يَعْلَمْهَا (قُلْتُ) فَنَفْيُ الصِّفَاتِ وَالْجَزْمُ بِنَفْيِهَا هُوَ الْمُجْمَعُ عَلَيْهِ، وَلَيْسَ مَعْنَاهُ نَفْيَ الْعِلْمِ أَوْ الْكَلَامِ أَوْ الْإِرَادَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ بَلْ الْعَالِمُ وَالْمُتَكَلِّمُ وَالْمُرِيدُ فَمَنْ نَفَى أَصْلَ الْمَعْنَى وَحُكْمَهُ هُوَ الْمُجْمَعُ عَلَى كُفْرِهِ وَهَذَا هُوَ مَذْهَبُ جَمْعٍ كَثِيرٍ مِنْ الْفَلَاسِفَةِ وَالدَّهْرِيَّةِ دُونَ أَرْبَابِ الشَّرَائِعِ.
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
ذَلِكَ وَيُعَضِّدُهُ حَدِيثُ الْقَائِلِ لَئِنْ قَدَرَ اللَّهُ عَلَيَّ لِيُعَذِّبَنِّي، الْحَدِيثَ. وَحَدِيثُ «السَّوْدَاءِ لَمَّا قَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَيْنَ اللَّهُ فَقَالَتْ فِي السَّمَاءِ» قَالَ وَلَوْ كُوشِفَ أَكْثَرُ النَّاسِ عَلَى الصِّفَاتِ لَمْ يَعْلَمْهَا قَالَ شِهَابُ الدِّينِ قُلْتُ: فَنَفْيُ الصِّفَاتِ وَالْجَزْمُ بِنَفْيِهَا هُوَ الْمُجْمَعُ عَلَيْهِ، وَلَيْسَ مَعْنَاهُ نَفْيَ الْعِلْمِ أَوْ الْكَلَامِ أَوْ الْإِرَادَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ بَلْ الْعَالِمُ وَالْمُتَكَلِّمُ وَالْمُرِيدُ فَمَنْ نَفَى أَصْلَ الْمَعْنَى وَحُكْمَهُ هُوَ الْمُجْمَعُ عَلَى كُفْرِهِ وَهَذَا هُوَ مَذْهَبُ كَثِيرٍ مِنْ الْفَلَاسِفَةِ وَالدَّهْرِيَّةِ دُونَ أَرْبَابِ الشَّرَائِعِ) قُلْتُ: أَكْثَرُ ذَلِكَ كُلِّهِ نَقْلٌ لَا كَلَامَ فِيهِ إلَّا الِاسْتِدْلَال بِالْحَدِيثِ فَإِنَّهُ مَوْضِعٌ لَا يَكْفِي فِي مِثْلِهِ الظَّوَاهِرُ مَعَ تَعَيُّنِ التَّأْوِيلِ فِي الْحَدِيثَيْنِ مِنْ جِهَةِ أَنَّ حَدِيثَ لَئِنْ قَدَرَ اللَّهُ عَلَيَّ ظَاهِرُهُ يَنْفِي أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَادِرٌ وَاحْتِمَالُ أَنْ يَكُونَ تَارَةً قَادِرًا وَتَارَةً غَيْرَ قَادِرٍ، وَلَيْسَ ظَاهِرُهُ نَفْيَ أَنَّهُ قَادِرٌ بِقُدْرَةٍ وَكَذَلِكَ حَدِيثُ السَّوْدَاءِ ظَاهِرُهُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى مُسْتَقِرٌّ فِي السَّمَاءِ اسْتِقْرَارَ الْأَجْسَامِ
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
قَالَ مَالِكٌ وَابْنُ الْقَاسِمِ تَقَعُ الْفُرْقَةُ بِتَمَامِ التَّحَالُفِ دُونَ حُكْمِ حَاكِمٍ، وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ لَا تَقَعُ الْفُرْقَةُ بِتَمَامِ تَلَاعُنِهِمَا حَتَّى يُفَرِّقَ الْإِمَامُ بَيْنَهُمَا.
(وَمِنْهَا) مَا إذَا تَزَوَّجَتْ الْحَاضِنَةُ فَهَلْ يَسْقُطُ حَقُّهَا مِنْ الْحَضَانَةِ بِالدُّخُولِ أَوْ بِالْحُكْمِ بِأَخْذِ الْوَلَدِ مِنْهَا قَوْلَانِ (وَمِنْهَا) مَا إذَا قَالَ لِزَوْجَتِهِ إنْ لَمْ تَحِيضِي فَأَنْتِ طَالِقٌ فَإِنَّهُ يَحْنَثُ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَعَلَيْهِ فَهَلْ يَفْتَقِرُ الطَّلَاقُ إلَى حُكْمِ الْحَاكِمِ أَوْ يَقَعُ بِمُجَرَّدِ نُطْقِهِ قَوْلَانِ اخْتَارَ اللَّخْمِيُّ أَنَّهُ لَا يَقَعُ إلَّا بِالْحُكْمِ (وَمِنْهَا) السَّلَمُ الْمُخْتَلَفُ فِي فَسَادِهِ اُخْتُلِفَ هَلْ يَفْتَقِرُ إلَى حُكْمِ الْحَاكِمِ أَوْ لَا، وَعَلَى الْأَوَّلِ فَهُوَ كَالسَّلَمِ الصَّحِيحِ حَتَّى يُبَاشِرَهُ الْحُكْمُ بِالْفَسْخِ (وَمِنْهَا) مَا إذَا هَرَبَ الْجَمَّالُ، وَكَانَ الْكِرَاءُ لِقَصْدِ أَمْرٍ لَهُ أَبَانَ يَفُوتُ بِفَوَاتِهِ كَالْحَجِّ وَالْخُرُوجِ إلَى الْبِلَادِ الشَّاسِعَةِ مَعَ الرُّفْقَةِ الْعَظِيمَةِ فَجَاءَهُ الْجَمَّالُ بِالْجِمَالِ بَعْدَ فَوَاتِ الْوَقْتِ قِيلَ يَنْفَسِخُ بِفَوَاتِ ذَلِكَ كَالزَّمَنِ الْمُعَيَّنِ، وَقِيلَ لَا يَنْفَسِخُ لِتَوَقُّعِ الْحَجِّ وَالسَّفَرِ فِي وَقْتٍ ثَانٍ، وَفِي الْمُدَوَّنَةِ لَا يَنْفَسِخُ إلَّا فِي الْحَجِّ وَحْدَهُ، وَلَا يَخْتَلِفُ أَنَّهُ إذَا رَفَعَهُ إلَى الْحَاكِمِ فَفَسَخَهُ أَنَّهُ يَنْفَسِخُ مِنْ كِتَابِ قَيْدِ الْمُشْكِلِ (وَمِنْهَا) الْقَاضِي إذَا فَسَقَ هَلْ يَنْعَزِلُ بِمُجَرَّدِ فِسْقِهِ أَوْ لَا حَتَّى يَعْزِلَهُ الْإِمَامُ قَوْلَانِ.
(وَمِنْهَا) الْمُفْلِسُ إذَا قَسَّمَ مَالَهُ، وَحَلَفَ أَنَّهُ لَمْ يَكْتُمْ شَيْئًا، وَوَافَقَهُ الْغُرَمَاءُ عَلَى ذَلِكَ فَهَلْ يَنْفَكُّ عَنْهُ الْحَجْرُ، وَيَكُونُ لَهُ التَّصَرُّفُ فِيمَا يَكُونُ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ الْمَالِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُزِيلَ عَنْهُ الْحَاكِمُ حَجْرَ التَّفْلِيسِ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ نُصُوصِهِمْ، وَاخْتَارَهُ اللَّخْمِيُّ أَوْ لَا يَنْفَكُّ عَنْهُ إلَّا بِحُكْمِ حَاكِمٍ، وَهُوَ قَوْلُ الْقَاضِي عَبْدِ الْوَهَّابِ وَالْقَاضِي أَبِي الْحَسَنِ بْنِ الْقَصَّارِ، وَتَتَبُّعُ هَذَا يُخْرِجُ عَنْ الْمَقْصُودِ اهـ كَلَامَ ابْنِ فَرْحُونٍ، وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.
[الفرق بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يَلْزَمُ فِيهِ الْإِعْذَارُ وَقَاعِدَةِ مَا لَا يَلْزَمُ فِيهِ الْإِعْذَارُ]
2
(الْفَرْقُ الْخَامِسُ وَالثَّلَاثُونَ وَالْمِائَتَانِ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يَلْزَمُ فِيهِ الْإِعْذَارُ وَقَاعِدَةِ مَا لَا يَلْزَمُ فِيهِ الْإِعْذَارُ) وَهُوَ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ ابْنِ فَرْحُونٍ فِي تَبْصِرَتِهِ أَنَّ مَا يَلْزَمُ فِيهِ الْإِعْذَارُ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ
(الْأَوَّلُ) كُلُّ مَا قَامَتْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ بِحَقٍّ مِنْ مُعَامَلَةٍ أَوْ نَحْوِهَا
(وَالنَّوْعُ الثَّانِي) كُلُّ مَنْ قَامَتْ عَلَيْهِ دَعْوَى بِفَسَادٍ أَوْ غَصْبٍ أَوْ تَعَدٍّ، وَلَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِ الْفَسَادِ الظَّاهِرِ، وَلَا مِنْ الزَّنَادِقَةِ الْمَشْهُورِينَ بِمَا يُنْسَبُ إلَيْهِمْ
(النَّوْعُ الثَّالِثُ) كُلُّ مَا قَامَتْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ غَيْرُ مُسْتَفِيضَةٍ بِالْأَسْبَابِ الْقَدِيمَةِ وَالْحَدِيثَةِ، وَبِالْمَوْتِ الْقَدِيمِ وَالْحَدِيثِ وَبِالنِّكَاحَاتِ الْقَدِيمَةِ وَالْحَدِيثَةِ، وَبِالْوَلَاءِ الْقَدِيمِ، وَالْأَحْبَاسِ الْقَدِيمَةِ، وَبِالضَّرَرِ يَكُونُ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ (وَأَمَّا مَا لَا يَلْزَمُ فِيهِ الْإِعْذَارُ) فَثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ أَيْضًا (الْأَوَّلُ) كُلُّ مَنْ قَامَتْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ بِغَيْرِ حَقٍّ مُعَامَلَةً وَنَحْوَهَا انْتَفَتْ الظُّنُونُ وَالتُّهْمَةُ عَنْهُمْ وَيَتَحَقَّقُ بِمَسَائِلَ
(الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى) قَالَ إِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ التُّجِيبِيِّ، وَمِمَّا لَا إعْذَارَ فِيهِ اسْتِفَاضَةُ الشَّهَادَاتِ الْمَشْهُودِ بِهَا عِنْدَ الْحُكَّامِ فِي الْأَسْبَابِ الْقَدِيمَةِ وَالْحَدِيثَةِ، وَفِي الْمَوْتِ الْقَدِيمِ وَالْحَدِيثِ، وَفِي النِّكَاحَاتِ الْقَدِيمَةِ وَالْحَدِيثَةِ، وَفِي الْوَلَاءِ الْقَدِيمِ، وَفِي الْأَحْبَاسِ الْقَدِيمَةِ، وَفِي الضَّرَرِ يَكُونُ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ، وَفِي أَشْيَاءَ غَيْرِهَا يَطُولُ ذِكْرُهَا قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ قَوْلُهُ، وَالضَّرَرُ مَعْنَاهُ أَنَّهُ يُسْقِطُ الْإِعْذَارَ فِي الشَّهَادَةِ بِالضَّرَرِ لِهَذِهِ الشَّهَادَاتِ بَابٌ مُسْتَوْعِبٌ يَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى
(الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ إذَا انْعَقَدَ فِي مَجْلِسِ الْقَاضِي مَقَالٌ بِإِقْرَارٍ أَوْ إنْكَارٍ، وَشَهِدَتْ بِهِ شُهُودُ الْمَجْلِسِ عِنْدَ الْقَاضِي أَنْفَذَ تِلْكَ الْمَقَالَةَ عَلَى قَائِلِهَا، وَلَمْ يَعْذُرْ إلَيْهِ فِي شَهَادَةِ شُهُودِهَا لِكَوْنِهَا بَيْنَ يَدَيْهِ، وَعِلْمِهِ بِهَا، وَقَطْعِهِ بِحَقِيقَتِهَا، وَهَذَا هُوَ الْإِجْمَاعُ مِنْ الْمُتَقَدِّمِينَ وَالْمُتَأَخِّرِينَ قَالَهُ أَبُو إبْرَاهِيمَ إِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ التُّجِيبِيِّ.
وَقَالَ ابْنُ الْعَطَّارِ، وَبِهِ جَرَى الْحُكْمُ وَالْعَمَلُ عِنْدَ الْحُكَّامِ لَكِنْ قَالَ ابْنُ سَهْلٍ، وَرَأَيْت فِي غَيْرِ كِتَابِ ابْنِ الْعَطَّارِ أَنَّ شُهُودَ الْمَجْلِسِ
الْقِسْمُ الثَّالِثُ) مَا اُخْتُلِفَ فِي التَّكْفِيرِ بِهِ وَهُوَ مَنْ أَثْبَتَ الْأَحْكَامَ دُونَ الصِّفَاتِ فَقَالَ إنَّ اللَّهَ تَعَالَى عَالِمٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَمُتَكَلِّمٌ بِغَيْرِ كَلَامٍ، وَمُرِيدٌ بِغَيْرِ إرَادَةٍ وَحَيٌّ بِغَيْرِ حَيَاةٍ وَكَذَلِكَ فِي بَقِيَّةِ الصِّفَاتِ فَهَذَا هُوَ حَقِيقَةُ مَذْهَبِ الْمُعْتَزِلَةِ وَلِلْأَشْعَرِيِّ، وَمَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ وَالْبَاقِلَّانِيّ فِي تَكْفِيرِهِمْ قَوْلَانِ.
(الْقِسْمُ الرَّابِعُ) مَا اخْتَلَفَ أَهْلُ الْحَقِّ فِيهِ هَلْ هُوَ جَهْلٌ تَجِبُ إزَالَتُهُ أَمْ هُوَ حَقٌّ لَا تَجِبُ إزَالَتُهُ فَعَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ هُوَ مَعْصِيَةٌ، وَمَا رَأَيْتُ مَنْ يُكَفِّرُ بِهِ وَذَلِكَ كَالْقِدَمِ وَالْبَقَاءِ فَهَلْ يَجِبُ أَنْ يَعْتَقِدَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى بَاقٍ بِبَقَاءٍ قَدِيمٍ وَيَعْصِي مَنْ لَمْ يَعْتَقِدْ ذَلِكَ أَوْ يَجِبُ أَنْ لَا يَعْتَقِدَ ذَلِكَ بَلْ اللَّهُ تَعَالَى بَاقٍ بِغَيْرِ بَقَاءٍ وَقَدِيمٌ بِغَيْرِ قِدَمٍ، وَاعْتِقَادُ خِلَافِ ذَلِكَ جَهْلٌ حَرَامٌ عَكْسُ الْمَذْهَبِ الْأَوَّلِ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
وَهَذَا، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُجْمَعٍ عَلَى أَنَّهُ كُفْرٌ فَإِنَّهُ بَاطِلٌ قَطْعًا لِقِيَامِ الدَّلِيلِ عَلَى ذَلِكَ وَقَدْ أَقَرَّهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَلَى ذَلِكَ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقِرَّ عَلَى بَاطِلٍ قَطْعًا فَتَعَيَّنَ التَّأْوِيلُ هُنَا؛ لِأَنَّ إقْرَارَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عَلَى الْبَاطِلِ لَا يَجُوزُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
قَالَ: (شِهَابُ الدِّينِ الْقِسْمُ الثَّالِثُ مَا اُخْتُلِفَ فِي التَّكْفِيرِ بِهِ وَهُوَ مَنْ أَثْبَتَ الْأَحْكَامَ دُونَ الصِّفَاتِ إلَى آخِرِهِ) قُلْتُ: مَا قَالَهُ فِي ذَلِكَ صَحِيحٌ وَهُوَ نَقْلٌ لَا كَلَامَ فِيهِ، وَمَا قَالَهُ فِي الْقِسْمِ الرَّابِعِ صَحِيحٌ غَيْرَ مَا فِي قَوْلِ بَاقٍ بِغَيْرِ بَقَاءٍ مِنْ إيهَامِ التَّنَاقُضِ، وَمُرَادُ مَنْ عَبَّرَ بِهَذِهِ الْعِبَارَةِ لَيْسَ ظَاهِرُهَا بَلْ مُرَادُهُ أَنَّ الْبَقَاءَ لَيْسَ بِصِفَةٍ ثُبُوتِيَّةٍ، وَمَا قَالَهُ فِي الْقِسْمِ الْخَامِسِ صَحِيحٌ
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
إذَا كَتَبُوا شَهَادَتَهُمْ عَلَى مَقَالِ مُقِرٍّ أَوْ مُنْكِرٍ فِي مَجْلِسِ الْقَاضِي، وَلَمْ يَشْهَدُوا بِهَا عِنْدَ الْقَاضِي فِي ذَلِكَ الْمَجْلِسِ ثُمَّ أَرَادُوا الشَّهَادَةَ بَعْدَ ذَلِكَ عِنْدَهُ إذَا اُحْتِيجَ إلَيْهَا فَإِنَّهُ يُعْذَرُ فِي شَهَادَتِهِ إلَى الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ بِخِلَافِهِمْ إذَا أَدَّوْهَا فِي الْمَجْلِسِ نَفْسِهِ الَّذِي كَانَ فِيهِ الْمَقَالُ، وَكَذَلِكَ لَوْ حَفِظُوهَا، وَلَمْ يَكْتُبُوهَا ثُمَّ أَدَّوْهَا بَعْدَ ذَلِكَ إذَا طَلَبُوا بِهَا، وَكَانُوا عُدُولًا فَإِنَّهُ يُعْذَرُ فِيهَا إلَى مَنْ شَهِدُوا عَلَيْهِ بِهَا اهـ
(الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ الشُّهُودُ الَّذِينَ يَحْضُرُونَ تَطْلِيقَ الْمَرْأَةِ نَفْسَهَا، وَأَخْذِهَا بِشَرْطِهَا فِي الطَّلَاقِ فِي مَسَائِلِ الشُّرُوطِ فِي النِّكَاحِ لَا يُحْتَاجُ إلَى تَسْمِيَتِهِمْ لِأَنَّهُ لَا إعْذَارَ فِيهِمْ اهـ
(وَالنَّوْعُ الثَّانِي) كُلُّ مَنْ قَامَتْ عَلَيْهِ بِغَيْرِ حَقِّ مُعَامَلَةٍ، وَنَحْوِهَا بَيِّنَةٌ أَقَامَهُمْ الْحَاكِمُ مُقَامَ نَفْسِهِ، وَيَتَّضِحُ بِمَسَائِلَ (الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى) قَالَ أَبُو إبْرَاهِيمَ لَا يُعْذَرُ الْقَاضِي فِيمَنْ أَعْذَرَهُ إلَى مَشْهُودٍ عَلَيْهِ مِنْ امْرَأَةٍ أَوْ مَرِيضٍ لَا يَخْرُجَانِ (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) قَالَ أَبُو إبْرَاهِيمَ لَا يُعْذَرُ فِي الشَّاهِدَيْنِ الَّذِينَ يُوَجِّهُهُمَا الْحَاكِمُ لِحُضُورِ حِيَازَةِ الشُّهُودِ لِمَا شَهِدُوا فِيهِ مِنْ دَارٍ أَوْ عَقَارٍ، وَقَالَ ابْنُ سَهْلٍ، وَسَأَلْت ابْنَ عَتَّابٍ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ لَا إعْذَارَ فِيمَنْ وَجَّهَ لِلْإِعْذَارِ، وَأَمَّا الْمُوَجِّهَانِ لِلْحِيَازَةِ فَيُعْذَرُ فِيهِمَا، وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي ذَلِكَ.
(الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ الشَّاهِدَانِ الْمُوَجَّهَانِ لِحُضُورِ الْيَمِينِ لَا يُحْتَاجُ إلَى تَسْمِيَتِهِمْ لِأَنَّهُ لَا إعْذَارَ فِيهِمَا فِي الْمَشْهُورِ مِنْ الْقَوْلِ لِأَنَّ الْحَاكِمَ أَقَامَهُمَا مُقَامَ نَفْسِهِ، وَقِيلَ لَا بُدَّ مِنْ الْإِعْذَارِ فِيهِمَا، وَمِنْ هَذَا النَّوْعِ تَعْدِيلُ السِّرِّ فَلَا يُعْذَرُ الْقَاضِي فِي الْمُعَدِّلِينَ سِرًّا كَمَا تَقَدَّمَ، وَمِنْهُ أَيْضًا حُكْمُ الْحُكْمَيْنِ فَيُسْقِطُ الْإِعْذَارَ فِيهِ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ لِأَنَّهُمَا يَحْكُمَانِ فِي ذَلِكَ بِمَا خَلَصَ إلَيْهِمَا بَعْدَ النَّظَرِ وَالْكَشْفِ، وَلَيْسَ حُكْمُهُمَا بِالشَّهَادَةِ الْقَاطِعَةِ اهـ
(وَالنَّوْعُ الثَّالِثُ) كُلُّ مَنْ قَامَتْ عَلَيْهِ دَعْوَى بِفَسَادٍ أَوْ غَصْبٍ أَوْ تَعَدٍّ، وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْفَسَادِ الظَّاهِرِ أَوْ مِنْ الزَّنَادِقَةِ الْمَشْهُورِينَ بِمَا يُنْسَبُ إلَيْهِمْ فَلَا يُعْذَرُ إلَيْهِمْ فِيمَا شَهِدَ بِهِ عَلَيْهِمْ فَفِي آخِرِ الْجُزْءِ الثَّانِي مِنْ كِتَابِ ابْنِ سَهْلٍ أَنَّ أَبَا الْخَيْرِ الزِّنْدِيقَ لَمَّا شَهِدَ عَلَيْهِ بِمَا يَتَعَاطَاهُ مِنْ الْقَوْلِ الْمُصَرِّحِ بِالْكُفْرِ وَالِانْسِلَاخِ مِنْ الْإِيمَانِ، وَقَامَتْ الْبَيِّنَةُ عَلَيْهِ بِذَلِكَ، وَكَانُوا ثَمَانِيَةَ عَشَرَ شَاهِدًا، وَكَانَ الْقَاضِي يَوْمَئِذٍ مُنْذِرَ بْنَ سَعِيدٍ قَاضِي الْجَمَاعَةِ فَأَشَارَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ بِأَنْ يُعْذَرَ إلَيْهِ فِيمَا شَهِدَ بِهِ عَلَيْهِ، وَأَشَارَ قَاضِي الْجَمَاعَةِ وَإِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ التُّجِيبِيِّ، وَصَاحِبُ الصَّلَاةِ أَحْمَدُ بْنُ مُطَرِّفٍ بِأَنَّهُ يُقْتَلُ بِغَيْرِ إعْذَارٍ لِأَنَّهُ مُلْحِدٌ كَافِرٌ، وَقَدْ وَجَبَ بِدُونِ مَا ثَبَتَ عَلَيْهِ فَقُتِلَ بِغَيْرِ إعْذَارٍ فَقِيلَ لِأَبِي إبْرَاهِيمَ اشْرَحْ أَصْلَ الْفُتْيَا فِي قَتْلِهِ بِغَيْرِ إعْذَارٍ الَّذِي اعْتَمَدْت عَلَيْهِ فَذَكَرَ أَنَّهُ اعْتَمَدَ فِي ذَلِكَ عَلَى قَاعِدَةِ مَذْهَبِ مَالِكٍ رضي الله عنه فِي قَطْعِ الْإِعْذَارِ عَمَّنْ اسْتَفَاضَتْ عَلَيْهِ الشَّهَادَاتُ فِي الظُّلْمِ، وَعَلَى مَذْهَبِهِ فِي السَّلَّابَةِ وَالْمُغِيرِينَ، وَأَشْبَاهِهِمْ إذَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ الْمَسْلُوبُونَ وَالْمُنْتَهَبُونَ بِأَنْ تُقْبَلَ شَهَادَتُهُمْ عَلَيْهِمْ إذَا كَانُوا مِنْ أَهْلِ الْقَبُولِ، وَمِنْ قَبُولِهَا عَلَيْهِمْ سَفْكُ دِمَائِهِمْ، وَفِي الرَّجُلِ يَتَعَلَّقُ بِالرَّجُلِ، وَجَرْحُهُ يَدْمَى فَيُصَدَّقُ عَلَيْهِ.
وَفِي الَّتِي تَتَعَلَّقُ بِالرَّجُلِ فِي الْمَكَانِ الْخَالِي، وَقَدْ فَضَحَتْ نَفْسَهَا بِإِصَابَتِهِ لَهَا فَتُصَدَّقُ بِفَضِيحَةِ نَفْسِهَا، وَفِي الَّذِي وَجَدَهُ مَالِكٌ رضي الله عنه عِنْدَ أَحَدِ الْحُكَّامِ، وَهُوَ يُضْرَبُ بِدَعْوَى صَبِيٍّ قَدْ تَعَلَّقَ بِهِ، وَهُوَ يَدْمَى فَضَرَبَهُ الْحَاكِمُ فِيمَا ادَّعَاهُ عَلَيْهِ مِنْ إصَابَتِهِ لَهُ فَلَمْ يَزَلْ يُضْرَبُ وَمَالِكٌ جَالِسٌ عِنْدَهُ حَتَّى ضُرِبَ ثَلَاثَمِائَةِ سَوْطٍ، وَهُوَ سَاكِتٌ لَا يُنْكِرُ ذَلِكَ مَعَ مَا تَقَدَّمَ لَهُ مِنْ الضَّرْبِ قَبْلَ وُصُولِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -، وَقَدْ بَلَغَنِي أَنَّهُ انْتَهَى بِهِ الضَّرْبُ إلَى سِتِّمِائَةِ سَوْطٍ.
وَفِي أَهْلِ حِصْنٍ مِنْ الْعَدُوِّ يَأْتُونَ مُسْلِمِينَ رِجَالًا وَنِسَاءً حَوَامِلَ فَيُصَدَّقُونَ فِي أَنْسَابِهِمْ وَيَتَوَارَثُونَ إذَا كَانُوا جَمَاعَةً لَهُمْ عَدَدٌ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَالْعِشْرُونَ عِنْدِي جَمَاعَةٌ فَأَيْنَ الْإِعْذَارُ فِي هَؤُلَاءِ كُلِّهِمْ
وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْبَقَاءِ وَالْقِدَمِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ الصِّفَاتِ مَذْكُورٌ فِي كُتُبِ أُصُولِ الدِّينِ، وَالصَّحِيحُ هُنَالِكَ أَنَّ الْبَقَاءَ وَالْقِدَمَ لَا وُجُودَ لَهُمَا فِي الْخَارِجِ بِخِلَافِ الْعِلْمِ وَالْإِرَادَةِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ الصِّفَاتِ السَّبْعَةِ الَّتِي هِيَ الْحَيَاةُ وَالْعِلْمُ وَالْإِرَادَةُ وَالْقُدْرَةُ وَالْكَلَامُ وَالسَّمْعُ وَالْبَصَرُ.
(الْقِسْمُ الْخَامِسُ) جَهْلٌ يَتَعَلَّقُ بِالصِّفَاتِ لَا بِالذَّاتِ نَحْوَ تَعَلُّقِ قُدْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى بِجَمِيعِ الْكَائِنَاتِ وَهُوَ مَذْهَبُ أَهْلِ الْحَقِّ أَوْ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِأَفْعَالِ الْحَيَوَانَاتِ وَهُوَ مَذْهَبُ الْمُعْتَزِلَةِ وَكَتَعَلُّقِ إرَادَةِ اللَّهِ تَعَالَى بِتَخْصِيصِ جَمِيعِ الْكَائِنَاتِ وَهُوَ مَذْهَبُ أَهْلِ الْحَقِّ أَوْ لَمْ تَتَعَلَّقْ بِأَفْعَالِ الْحَيَوَانَاتِ وَهُوَ مَذْهَبُ الْمُعْتَزِلَةِ وَفِي تَكْفِيرِهِمْ بِذَلِكَ لِلْعُلَمَاءِ قَوْلَانِ، وَالصَّحِيحُ عَدَمُ تَكْفِيرِهِمْ.
(الْقِسْمُ السَّادِسُ) جَهْلٌ يَتَعَلَّقُ بِالذَّاتِ لَا بِصِفَةٍ مِنْ الصِّفَاتِ مَعَ الِاعْتِرَافِ بِوُجُودِهَا كَالْجَهْلِ بِسَلْبِ الْجِسْمِيَّةِ وَالْجِهَةِ وَالْمَكَانِ وَهُوَ مَذْهَبُ الْحَشَوِيَّةِ، وَمَذْهَبُ أَهْلِ الْحَقِّ اسْتِحَالَةُ جَمِيعِ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى وَفِي تَكْفِيرِ الْحَشَوِيَّةِ بِذَلِكَ قَوْلَانِ وَالصَّحِيحُ عَدَمُ التَّكْفِيرِ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
قَالَ (الْقِسْمُ السَّادِسُ: جَهْلٌ يَتَعَلَّقُ بِالذَّاتِ لَا بِصِفَةٍ مِنْ الصِّفَاتِ مَعَ الِاعْتِرَافِ بِوُجُودِهَا كَالْجَهْلِ بِسَلْبِ الْجِسْمِيَّةِ وَالْجِهَةِ وَالْمَكَانِ وَهُوَ مَذْهَبُ الْحَشَوِيَّةِ، وَمَذْهَبُ أَهْلِ الْحَقِّ اسْتِحَالَةُ جَمِيعِ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى وَفِي تَكْفِيرِ الْحَشَوِيَّةِ بِذَلِكَ قَوْلَانِ وَالصَّحِيحُ عَدَمُ تَكْفِيرِهِمْ) قُلْتُ: كَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ جَهْلٌ بِالصِّفَاتِ السَّلْبِيَّةِ لَا جَهْلٌ يَتَعَلَّقُ بِالذَّاتِ، وَلَا يَحْتَاجُ إلَى قَوْلِهِ مَعَ الِاعْتِرَافِ بِوُجُودِهَا
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
قَالَ، وَإِذَا كَانَ مَالِكٌ يَرَى فِي أَهْلِ الظُّلْمِ لِلنَّاسِ وَالسَّلَّابِينَ وَالْمُحَارِبِينَ وَنَحْوِهِمْ أَنْ يُقْطَعَ عَنْهُمْ الْإِعْذَارُ فَالظَّالِمُ لِلَّهِ تَعَالَى وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم أَحَقُّ بِأَنْ يُقْطَعَ عَنْهُ الْإِعْذَارُ فِيمَا ثَبَتَ عَلَيْهِ، وَأَنِّي مُتَقَرِّبٌ إلَى اللَّهِ تَعَالَى بِإِسْقَاطِ التَّوْسِعَةِ عَلَيْهِ فِي طَلَبِ الْمَخَارِجِ لَهُ بِالْإِعْذَارِ، وَقَدْ ثَبَتَ عَنْهُ صلى الله عليه وسلم فِي الْمُوَطَّإِ أَنَّهُ قَالَ «إنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إلَيَّ وَإِنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إلَيَّ فَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَلْحَنَ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ فَأَقْضِيَ لَهُ عَلَى نَحْوِ مَا أَسْمَعُ مِنْهُ» ، وَهَذَا الْحَدِيثُ هُوَ أُمُّ الْقَضَايَا، وَلَا إعْذَارَ فِيهِ.
وَكَذَلِكَ كِتَابُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ إلَى أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرَّاحِ، وَإِلَى أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ -، وَهُمَا أَيْضًا مَلَاذُ الْحُكَّامِ فِي الْأَحْكَامِ، وَلَا إعْذَارَ فِيهِ، وَلَا إقَالَةَ مِنْ حُجَّةٍ، وَلَا مِنْ كَلِمَةٍ غَيْرَ أَنَّ الْإِعْذَارَ فِيمَا يَتَحَاكَمُ النَّاسُ فِيهِ مِنْ غَيْرِ أَسْبَابِ الدِّيَانَاتِ اسْتِحْسَانٌ مِنْ أَئِمَّتِنَا، وَأَنَا عَلَى اتِّبَاعِهِمْ فِيهِ، وَالْأَخْذُ بِهِ عَلَى بَصِيرَةٍ مُسْتَحْكِمَةٍ فِيمَا أَوْجَبُوا الْإِعْذَارَ فِيهِ مِنْ الْحُقُوقِ، وَأَلْتَزِمُ التَّسْلِيمَ لِمَا اسْتَحْسَنُوهُ إذْ هُمْ الْقُدْوَةُ وَالْهُدَاةُ فَأَمَّا فِي إقَامَةِ الْحُدُودِ فِي الْإِلْحَادِ وَالزَّنْدَقَةِ وَتَكْذِيبِ الْقُرْآنِ وَالرَّسُولِ عليه الصلاة والسلام فَلَمْ أَسْمَعْ بِهِ، وَلَمْ أَرَهُ لِأَحَدٍ مِمَّنْ وَصَلَ إلَيْنَا عِلْمُهُ قَالَ فَإِلَى هَذِهِ الْأُمُورِ نَزَعْت فِي تَرْكِ الْإِعْذَارِ إلَى هَذَا الْمُلْحِدِ قَالَ ابْنُ سَهْلٍ لَقَدْ أَحْسَنَ أَبُو إبْرَاهِيمَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي هَذَا التَّبْيِينِ وَالنُّصْحِ لِلْمُسْلِمِينَ.
وَإِنْ كَانَ فِي فُصُولٍ مِنْ كَلَامِهِ اعْتِرَاضٌ عَلَى الْأُصُولِ، وَفِي بَعْضِهَا اخْتِلَافٌ، وَالْحَقُّ الْبَيِّنُ أَنَّ مَنْ تَظَاهَرَتْ الشَّهَادَاتُ عَلَيْهِ فِي إلْحَادٍ أَوْ غَيْرِهِ هَذَا التَّظَاهُرُ وَكَثُرَتْ الْبَيِّنَةُ الْعَادِلَةُ عَلَيْهِ هَذِهِ الْكَثْرَةُ فَالْإِعْذَارُ إلَيْهِ مَعْدُومُ الْفَائِدَةِ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَطِيعُ تَجْرِيحَ جَمِيعِهِمْ، وَلَا يُمْكِنُهُ الْإِتْيَانُ بِمَا يُسْقِطُ بِهِ شَهَادَتَهُمْ، وَمَنْ قَالَ بِالْإِعْذَارِ أَفَادَ أَصْلَهُ الْمُتَّفَقَ عَلَيْهِ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ وَالْحُكَّامِ فِي لُزُومِ الْإِعْذَارِ فِي الْأَمْوَالِ، وَمَنْ اجْتَهَدَ أَصَابَ، وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ لِلصَّوَابِ اهـ كَلَامُ ابْنِ فَرْحُونٍ فِي تَبْصِرَتِهِ وَكُلُّهُ بِنَصِّ لَفْظِهِ إلَّا النَّوْعَ الثَّالِثَ مِمَّا يَلْزَمُ فِيهِ الْإِعْذَارُ فَإِنَّهُ مَأْخُوذٌ مِنْ مَفْهُومِ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى مِنْ النَّوْعِ الْأَوَّلِ مِمَّا لَا يَلْزَمُ فِيهِ الْإِعْذَارُ فَافْهَمْ قَالَ وَالْإِعْذَارُ لَا يَكُونُ إلَّا بَعْدَ اسْتِيفَاءِ الشُّرُوطِ وَتَمَامِ النَّظَرِ فَإِنَّ الْإِعْذَارَ فِي شَيْءٍ نَاقِصٍ لَا يُفِيدُ شَيْئًا قَالَهُ ابْنُ سَهْلٍ.
وَفِي مُفِيدِ الْحُكَّامِ وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي وَقْتِ الْإِعْذَارِ إلَى الْمَحْكُومِ عَلَيْهِ فَقِيلَ يَحْكُمُ عَلَيْهِ، وَبَعْدَ ذَلِكَ يُعْذَرُ إلَيْهِ، وَاَلَّذِي بِهِ الْعَمَلُ أَنَّهُ يُعْذَرُ إلَيْهِ، وَحِينَئِذٍ يَحْكُمُ عَلَيْهِ اهـ.
قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ، وَيَحْكُمُ بَعْدَ أَنْ يَسْأَلَهُ أَبَقِيَتْ لَك حُجَّةٌ؟ فَيَقُولُ لَا فَإِنْ قَالَ نَعَمْ أَنْظَرَهُ مَا لَمْ يَتَبَيَّنْ لَدَدُهُ، وَالْمَحْكُومُ عَلَيْهِ أَعَمُّ مِنْ الْمُدَّعِي وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَالْمُتَبَادَرُ لِلذِّهْنِ هُوَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لِأَنَّهُ قَدْ تَقْوَى حُجَّةُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَيَتَوَجَّهُ الْحُكْمُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِالْإِبْرَاءِ أَوْ بِغَيْرِهِ مِنْ وُجُوهِ الْحُكْمِ اهـ. وَإِذَا حَصَلَتْ التَّزْكِيَةُ لِلشُّهُودِ فَلَا بُدَّ مِنْ الْإِعْذَارِ فِي الْمُزَكِّي، وَالْمُزَكَّى ثُمَّ هَلْ يُعْذَرُ إلَيْهِ قَبْلَ أَنْ يَسْأَلَهُ ذَلِكَ أَوْ بَعْدَ أَنْ يَسْأَلَهُ فِي الْمَذْهَبِ أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ قَالَ ابْنُ نَافِعٍ يَقُولُ لَهُ دُونَك فَجُرْحٌ، وَإِلَّا حَكَمْت عَلَيْك.
وَقَالَ مَالِكٌ فِي رِوَايَةِ أَشْهَبَ لَا قَوْلَ لَهُ ذَلِكَ، وَذَلِكَ وَهَنٌ لِلشَّاهِدِ، وَقَالَ أَشْهَبُ يَقُولُهُ ذَلِكَ إنْ كَانَ قَبُولُهُمْ بِالتَّزْكِيَةِ، وَلَا يَقُولُهُ فِي الْمُبَرَّزِينَ، وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ يَقُولُهُ لِمَنْ لَا يَدْرِي ذَلِكَ كَالْمَرْأَةِ وَالضَّعِيفِ ثُمَّ حَيْثُ قُلْنَا بِالْإِعْذَارِ فَمَا الَّذِي يُسْمَعُ مِنْهُ قَالَ ابْنُ شَاسٍ يُسْمَعُ فِي مُتَوَسِّطِ الْعَدَالَةِ الْقَدْحُ فِيهَا، وَأَمَّا الْمُبَرَّزُ الْمَعْرُوفُ بِالصَّلَاحِ فَيُسْمَعُ فِيهِ الْقَدْحُ بِالْعَدَاوَةِ وَالْقَرَابَةِ وَالْهِجْرَةِ، وَقَالَ سَحْنُونٌ يُمَكَّنُ مِنْ التَّجْرِيحِ وَلَمْ يُفَرِّقْ.
وَإِذَا قُلْنَا بِسَمَاعِ الْجَرْحِ فِي الْمُبَرَّزِ
وَأَمَّا سَلْبُ الْأُبُوَّةِ وَالْبُنُوَّةِ وَالْحُلُولِ وَالِاتِّحَادِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا هُوَ مُسْتَحِيلٌ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ فَأَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى تَكْفِيرِ مَنْ يُجَوِّزُ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى بِخِلَافِ تَجْوِيزِ غَيْرِهِ مِنْ الْمُسْتَحِيلَاتِ كَالْجِهَةِ وَنَحْوِهَا مِمَّا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ.
وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْقِسْمَيْنِ أَنَّ الْقِسْمَ الْأَوَّلَ الَّذِي هُوَ الْجِسْمِيَّةُ وَنَحْوُهَا فِيهِ عُذْرٌ عَادِيٌّ فَإِنَّ الْإِنْسَانَ يَنْشَأُ عُمُرَهُ كُلَّهُ وَهُوَ لَا يُدْرِكُ مَوْجُودًا إلَّا فِي جِهَةٍ وَهُوَ جِسْمٌ أَوْ قَائِمٌ بِجِسْمٍ فَكَانَ هَذَا عُذْرًا عِنْدَ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ، وَلَمْ يُضْطَرَّ الْإِنْسَانُ فِي مَجَارِي الْعَادَاتِ إلَى الْبُنُوَّةِ وَالْأُبُوَّةِ وَالْحُلُولِ وَالِاتِّحَادِ وَنَحْوِهَا فَكَمْ مِنْ مَوْجُودٍ فِي الْعَالَمِ لَمْ يَلِدْ، وَلَمْ يُولَدْ كَالْأَمْلَاكِ وَالْأَفْلَاكِ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
فَإِنَّهُ فِي كَلَامِهِ كَالْمُتَنَاقِضِ مَعَ أَنَّ الْحَشَوِيَّةَ لَيْسَ مَذْهَبُهُمْ الْجَهْلَ بِسَلْبِ الْجِسْمِيَّةِ بَلْ مَذْهَبُهُمْ إثْبَاتُ الْجِسْمِيَّةِ وَمَا فِي مَعْنَاهَا إلَّا أَنْ يُطْلَقَ عَلَى كُلِّ مَذْهَبٍ بَاطِلٍ أَنَّهُ جَهْلٌ فَذَلِكَ لَهُ وَجْهٌ.
قَالَ: (وَأَمَّا سَلْبُ الْبُنُوَّةِ وَالْأُبُوَّةِ وَالْحُلُولِ وَالِاتِّحَادِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا هُوَ مُسْتَحِيلٌ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى فَأَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى تَكْفِيرِ مَنْ يُجَوِّزُ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى بِخِلَافِ تَجْوِيزِ غَيْرِهِ مِنْ الْمُسْتَحِيلَاتِ كَالْجِهَةِ وَنَحْوِهَا مِمَّا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْقِسْمَيْنِ أَنَّ الْقِسْمَ الْأَوَّلَ الَّذِي هُوَ الْجِسْمِيَّةُ وَنَحْوُهَا فِيهِ عُذْرٌ عَادِيٌّ فَإِنَّ الْإِنْسَانَ يَنْشَأُ عُمُرَهُ كُلَّهُ وَهُوَ لَا يُدْرِكُ مَوْجُودًا إلَّا فِي جِهَةٍ، وَهُوَ جِسْمٌ أَوْ قَائِمٌ بِجِسْمٍ فَكَانَ عُذْرًا عِنْدَ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ، وَلَمْ يُضْطَرَّ الْإِنْسَانُ فِي مَجَارِي الْعَادَاتِ إلَى الْبُنُوَّةِ وَالْأُبُوَّةِ وَالْحُلُولِ وَالِاتِّحَادِ وَنَحْوِهَا فَكَمْ مِنْ مَوْجُودٍ فِي الْعَالَمِ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ كَالْأَمْلَاكِ وَالْأَفْلَاكِ
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
فَقَالَ سَحْنُونٌ لَا يُقْبَلُ ذَلِكَ إلَّا مِنْ الْمُبَرَّزِ فِي الْعَدَالَةِ، وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ يَجْرَحُ الشَّاهِدُ مَنْ هُوَ مِثْلُهُ وَفَوْقَهُ، وَلَا يَجْرَحُ مَنْ هُوَ دُونَهُ إلَّا بِالْعَدَاوَةِ وَالْهِجْرَةِ أَمَّا الْقَدْحُ فِي الْعَدَالَةِ فَلَا، وَقَالَ مُطَرِّفٌ يَجْرَحُهُ مَنْ هُوَ مِثْلُهُ، وَفَوْقَهُ وَدُونَهُ بِالْإِسْفَاهِ وَبِالْعَدَاوَةِ إذَا كَانَ عَدْلًا عَارِفًا بِوُجُوهِ الْجِرَاحِ، وَاخْتَارَهُ اللَّخْمِيُّ وَقَالَ عِنْدَ الْحُكْمِ لَا يُقْبَلُ التَّجْرِيحُ فِي الْمُبَرَّزِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمَجْرُوحُونَ مَعْرُوفِينَ بِالْعَدَالَةِ وَأَعْدَلَ مِنْهُ، وَيَذْكُرُونَ مَا جَرَحُوهُ بِهِ مِمَّا يَثْبُتُ بِالْكَشْفِ.
وَقَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ لَا يَجْرَحُ الشَّاهِدُ مَنْ دُونَهُ بِالْعَدَاوَةِ، وَأَجَازَهُ ابْنُ الْعَطَّارِ، وَفِي مُعِينِ الْحُكَّامِ، وَيُعْذَرُ فِي تَعْدِيلِ الْعَلَانِيَةِ دُونَ تَعْدِيلِ السِّرِّ فَلَا يَعْذُرُ الْقَاضِي فِي الْمُعَدَّلِينَ سِرًّا، وَالْأَصْلُ فِي الْإِعْذَارِ قَوْله تَعَالَى فِي قِصَّةِ الْهُدْهُدِ {لأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ} [النمل: 21] وقَوْله تَعَالَى {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولا} [الإسراء: 15] وقَوْله تَعَالَى {وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْنَاهُمْ بِعَذَابٍ مِنْ قَبْلِهِ لَقَالُوا رَبَّنَا لَوْلا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولا} [طه: 134] الْآيَةَ وقَوْله تَعَالَى {لِئَلا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ} [النساء: 165] وَمِثْلُ هَذَا كَثِيرٌ قَالَ ابْنُ سَهْلٍ وَالْإِعْذَارُ الْمُبَالَغَةُ فِي الْعُذْرِ، وَمِنْهُ قَدْ أَعْذَرَ مَنْ أَنْذَرَ قَدْ بَالَغَ فِي الْإِعْذَارِ مَنْ تَقَدَّمَ إلَيْك فَأَنْذَرَك.
وَمَنَعَ إعْذَارَ الْقَاضِي إلَى مَنْ ثَبَتَ عَلَيْهِ حَتَّى يُؤْخَذَ مِنْهُ فَنَعْذُرُ عَلَيْهِ فِيمَنْ شَهِدَ عَلَيْهِ بِذَلِكَ اهـ الْمُرَادُ مِنْ التَّبْصِرَةِ مِنْ مَوَاضِعَ.
(تَنْبِيهَانِ: الْأَوَّلُ) زِدْت هَذَا الْفَرْقَ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْأَصْلُ فِيمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَجْزَاءِ كَيْفِيَّةِ الْقَضَاءِ التِّسْعَةِ لِتَكْمُلَ، وَتَتَّضِحَ بِهَا كَيْفِيَّتُهُ الَّتِي هِيَ أَحَدُ أَرْكَانِهِ السِّتَّةِ الَّتِي تُسْتَفَادُ مِنْ كَلَامِ الْأَصْلِ الْمُتَقَدِّمِ، وَالْآتِي، وَذَكَرَهَا تُسُولِيُّ الْعَاصِمِيَّةِ تَبَعًا لِابْنِ فَرْحُونٍ بِقَوْلِهِ الْأَوَّلُ الْقَاضِي.
وَالثَّانِي وَالثَّالِثُ الْمُدَّعِي وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ قَالَ وَالْحُكْمُ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا بِأَنَّهُ مُدَّعٍ أَوْ مُدَّعًى عَلَيْهِ فَرْعُ تَصَوُّرِهِ، وَتَعَرُّفِ حَالِهِ فَافْهَمْ، وَالرَّابِعُ الْمُدَّعَى فِيهِ، وَالْخَامِسُ الْمَقْضِيُّ بِهِ يَعْنِي مِنْ كِتَابٍ أَوْ سُنَّةٍ أَوْ إجْمَاعٍ بِالنِّسْبَةِ لِلْمُجْتَهِدِ أَوْ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ أَوْ الْمَشْهُورِ أَوْ الرَّاجِحِ أَوْ مَا بِهِ الْعَمَلُ بِالنِّسْبَةِ لِلْمُقَلِّدِ، وَالسَّادِسُ كَيْفِيَّةُ الْقَضَاءِ قَالَ وَهِيَ تَتَوَقَّفُ عَلَى تِسْعَةِ أَشْيَاءَ الْأَوَّلُ مَعْرِفَةُ مَا هُوَ حُكْمٌ فَلَا يُتَعَقَّبُ لِأَنَّ حُكْمَ الْمُجْتَهِدِ يَرْفَعُ الْخِلَافَ، وَأَمَّا الْمُقَلِّدُ فَلَا يَرْفَعُ حُكْمُهُ الْخِلَافَ، وَمَا لَيْسَ بِحُكْمٍ كَقَوْلِهِ أَنَا لَا أُجِيزُ النِّكَاحَ بِغَيْرِ، وَلِيٍّ أَوْ لَا أَحْكُمُ بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ فَيَتَعَقَّبُ فَلِمَنْ بَعْدَهُ مِنْ حَنَفِيٍّ أَنْ يَحْكُمَ بِصِحَّةِ النِّكَاحِ أَوْ مَالِكِيٍّ أَنْ يَحْكُمَ بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ الثَّانِي مَعْرِفَةُ مَا يَفْتَقِرُ لِحُكْمِ، وَمَا لَا يَفْتَقِرُ الثَّالِثُ مَعْرِفَةُ مَا يَدْخُلُهُ الْحُكْمُ مِنْ أَبْوَابِ الْفِقْهِ، وَمَا لَا يَدْخُلُهُ الرَّابِعُ مَعْرِفَةُ الْفَرْقِ بَيْنَ أَلْفَاظِ الْحُكْمِ الَّتِي جَرَتْ بِهَا عَادَةُ الْحُكَّامِ.
وَمَا لَمْ تَجْرِ الْعَادَةُ بِهِ الْخَامِسُ مَعْرِفَةُ الْفَرْقِ بَيْنَ الثُّبُوتِ وَالْحُكْمِ السَّادِسُ مَعْرِفَةُ الدَّعْوَى الصَّحِيحَةِ، وَشُرُوطِهَا السَّابِعُ مَعْرِفَةُ حُكْمِ جَوَابِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مِنْ إقْرَارٍ أَوْ إنْكَارٍ أَوْ امْتِنَاعٍ مِنْهُمَا الثَّامِنُ مَعْرِفَةُ كَيْفِيَّةِ الْإِعْذَارِ التَّاسِعُ مَعْرِفَةُ صِفَةِ الْيَمِينِ وَمَكَانِهَا، وَالتَّغْلِيظُ فِيهَا اهـ الْمُرَادُ بِتَوْضِيحِ مَا
(التَّنْبِيهُ الثَّانِي) قَالَ تُسُولِيُّ الْعَاصِمِيَّةِ رِسَالَةُ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه الْمَعْرُوفَةُ بِرِسَالَةِ الْقَضَاءِ هِيَ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مِنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ إلَى أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ سَلَامُ اللَّهِ عَلَيْك أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ الْقَضَاءَ فَرِيضَةٌ مُحْكَمَةٌ، وَسُنَّةٌ مُتَّبَعَةٌ فَافْهَمْ إذَا أُدْلِيَ إلَيْكَ، وَأَنْفِذْ إذَا تَبَيَّنَ لَك فَإِنَّهُ لَا يَنْفَعُ تَكَلُّمٌ بِحَقٍّ لَا نَفَاذَ لَهُ، وَسَوِّ بَيْنَ النَّاسِ فِي وَجْهِك وَعَدْلِك وَمَجْلِسِك حَتَّى لَا يَطْمَعَ شَرِيفٌ فِي حَيْفِك، وَلَا يَيْأَسَ ضَعِيفٌ مِنْ عَدْلِك. الْبَيِّنَةُ عَلَى مَنْ ادَّعَى، وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ، وَالصُّلْحُ جَائِزٌ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ إلَّا صُلْحًا أَحَلَّ حَرَامًا أَوْ حَرَّمَ حَلَالًا، وَلَا يَمْنَعُك