الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَالشَّأْنِ فِي الْعِلْمِ وَالدِّينِ بَلْ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ أَوْ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ لَوْ ادَّعَى عَلَى أَفْسَقِ النَّاسِ وَأَدْنَاهُمْ دِرْهَمًا لَا يُصَدَّقُ فِيهِ، وَعَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ، وَهُوَ مُدَّعٍ، وَالْمَطْلُوبُ مُدَّعًى عَلَيْهِ، وَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ، وَعَكْسُهُ لَوْ ادَّعَى الطَّالِحُ عَلَى الصَّالِحِ لَكَانَ الْحُكْمُ كَذَلِكَ، وَبِهَذَا يَحْتَجُّ الشَّافِعِيُّ عَلَيْنَا، وَيُجِيبُ عَمَّا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ بِذَلِكَ، وَكَمَا أَنَّ هَذِهِ الصُّوَرَ حُجَّةٌ لِلشَّافِعِيِّ فَهُوَ نَقْضٌ عَلَى قَوْلِنَا الْمُدَّعِي مَنْ خَالَفَ قَوْلَهُ أَصْلًا أَوْ عُرْفًا، وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ مَنْ وَافَقَ قَوْلُهُ أَصْلًا أَوْ عُرْفًا فَإِنَّ الْعُرْفَ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ شَاهِدٌ، وَكَذَلِكَ الظَّاهِرُ، وَقَدْ أُلْغِيَا إجْمَاعًا فَكَانَ ذَلِكَ مُبْطِلًا لِلْحُدُودِ الْمُتَقَدِّمَةِ، وَنَقْصًا عَلَى الْمَذْهَبِ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ
(تَنْبِيهٌ) قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ قَوْلُ الْفُقَهَاءِ إذَا تَعَارَضَا الْأَصْلُ وَالْغَالِبُ يَكُونُ فِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلَانِ لَيْسَ عَلَى إطْلَاقِهِ بَلْ اجْتَمَعَتْ الْأُمَّةُ عَلَى اعْتِبَارِ الْأَصْلِ وَإِلْغَاءِ الْغَالِبِ فِي دَعْوَى الدِّينِ وَنَحْوِهِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ الطَّالِبُ أَصْلَحَ النَّاسِ وَأَتْقَاهُمْ لِلَّهِ تَعَالَى، وَمِنْ الْغَالِبِ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَدَّعِيَ إلَّا مَالَهُ فَهَذَا الْغَالِبُ مُلْغًى إجْمَاعًا، وَاتَّفَقَ النَّاسُ عَلَى تَقْدِيمِ الْغَالِبِ وَإِلْغَاءِ الْأَصْلِ فِي الْبَيِّنَةِ إذَا شَهِدَتْ فَإِنَّ الْغَالِبَ صِدْقُهَا، وَالْأَصْلُ بَرَاءَةُ ذِمَّةِ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ، وَأُلْغِيَ الْأَصْلُ هُنَا إجْمَاعًا عَكْسُ الْأَوَّلِ فَلَيْسَ الْخِلَافُ عَلَى الْإِطْلَاقِ.
(تَنْبِيهٌ) خُولِفَتْ قَاعِدَةُ الدَّعَاوَى فِي خَمْسِ مَوَاطِنَ يُقْبَلُ فِيهَا قَوْلُ الطَّالِبِ (أَحَدُهَا) اللِّعَانُ يُقْبَلُ فِيهِ قَوْلُ الزَّوْجِ لِأَنَّ الْعَادَةَ أَنَّ الرَّجُلَ يَنْفِي عَنْ زَوْجِهِ الْفَوَاحِشَ فَحَيْثُ أَقْدَمَ عَلَى رَمْيِهَا بِالْفَاحِشَةِ مَعَ إيمَانِهِ أَيْضًا قَدَّمَهُ الشَّرْعُ (وَثَانِيهَا) الْقَسَامَةُ يُقْبَلُ فِيهَا قَوْلُ الطَّالِبِ لِتَرَجُّحِهِ بِاللَّوْثِ، وَ (ثَالِثُهَا) قَبُولُ قَوْلِ الْأُمَنَاءِ فِي التَّلَفِ لِئَلَّا يُزْهَدَ فِي قَبُولِ الْأَمَانَاتِ فَتَوَقَّفَ مَصَالِحُهَا الْمُتَرَتِّبَةُ عَلَى حِفْظِ الْأَمَانَاتِ
(وَرَابِعُهَا) يَقْبَلُ قَوْلَ الْحَاكِمِ فِي التَّجْرِيحِ وَالتَّعْدِيلِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ الْأَحْكَامِ لِئَلَّا تَفُوتَ الْمَصَالِحُ الْمُتَرَتِّبَةُ عَلَى الْوِلَايَةِ لِلْأَحْكَامِ.
(وَخَامِسُهَا) قَبُولُ قَوْلِ الْغَاصِبِ فِي التَّلَفِ مَعَ يَمِينِهِ لِضَرُورَةِ الْحَاجَةِ لِئَلَّا يَخْلُدَ فِي الْحَبْسِ ثُمَّ الْأَمِينُ قَدْ يَكُونُ أَمِينًا مِنْ جِهَةِ مُسْتَحَقِّ الْأَمَانَةِ أَوْ مِنْ قِبَلِ الشَّرْعِ كَالْوَصِيِّ وَالْمُلْتَقِطِ، وَمَنْ أَلْقَتْ الرِّيحُ ثَوْبًا فِي بَيْتِهِ.
[الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يَحْتَاجُ لِلدَّعْوَى وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَا يَحْتَاجُ إلَيْهَا]
(الْفَرْقُ الثَّالِثُ وَالثَّلَاثُونَ وَالْمِائَتَانِ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يَحْتَاجُ لِلدَّعْوَى وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَا يَحْتَاجُ إلَيْهَا)
وَتَلْخِيصُ الْفَرْقِ أَنَّ كُلَّ أَمْرٍ مُجْمَعٌ عَلَى ثُبُوتِهِ، وَتَعَيَّنَ الْحَقُّ فِيهِ، وَلَا يُؤَدِّي أَخْذُهُ لِفِتْنَةٍ، وَلَا تَشَاجُرٍ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
أَوْ سَكْرَانُ الْآنَ أَوْ مُغْمًى عَلَيْهِ الْآنَ بِدِينَارٍ مِنْ ثَمَنِ بَيْعٍ قَبْلَ إقْرَارِهِ فَيُحْمَلُ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ الْبَيْعَ وَقَعَ مِنْ الْمَجْنُونِ حَالَةَ عَقْلِهِ، وَمِنْ السَّكْرَانِ حَالَةَ صَحْوِهِ، وَمِنْ الْمُغْمَى عَلَيْهِ حَالَةَ إفَاقَتِهِ، وَأَنَّ شُرُوطَ الْبَيْعِ الْآنَ مَفْقُودَةٌ فِي حَقِّهِمْ، وَكَمَا لَوْ أَقَرَّ أَنَّهُ يَسْتَحِقُّ عَلَيْهِ ثَمَنَ بَيْعِ هَذِهِ الدَّارِ الْمَوْقُوفَةِ الْآنَ فَيَصِحُّ إقْرَارُهُ، وَيُحْمَلُ عَلَى حَالَةٍ تَكُونُ فِيهِ هَذِهِ الدَّارُ طَلْقًا، وَأَمَّا النَّظَائِرُ الَّتِي تَتَعَذَّرُ فِيهَا الشُّرُوطُ فِي الْمَاضِي وَالْحَاضِرِ كَمَا لَوْ أَقَرَّ بِدِينَارٍ مِنْ ثَمَنِ هَذَا الْخِنْزِيرِ فَإِنَّ الْخِنْزِيرَ لَا يَكُونُ فِي الْمَاضِي غَيْرَ خِنْزِيرٍ فَيَبْطُلُ الْإِقْرَارُ فِي ذَلِكَ.
(الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) إذَا أَوْصَى لِجَنِينٍ أَوْ مَلَّكَهُ فَالشَّرْطُ الْمُقَارَنَةُ، وَإِذَا أَقَرَّ لَهُ فَالشَّرْطُ تَقَدُّمُ السَّبَبِ عَلَى الْإِقْرَارِ فَإِنْ حَصَلَ الشَّكُّ فِي تَقَدُّمِ الْجَنِينِ لَمْ يَلْزَمْ الْإِقْرَارُ لِأَنَّا شَكَكْنَا فِي الْمَحَلِّ الْقَابِلِ لِلْمِلْكِ، وَهُوَ شَرْطٌ، وَالشَّكُّ فِي الشَّرْطِ يَمْنَعُ تَرَتُّبَ الْمَشْرُوطِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ الْفُرُوقِ أَفَادَهُ الْأَصْلُ، وَسَلَّمَهُ أَبُو الْقَاسِمِ بْنِ الشَّاطِّ، وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.
[الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْإِقْرَارِ الَّذِي يَقْبَلُ الرُّجُوعَ عَنْهُ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ الْإِقْرَارِ الَّذِي لَا يَقْبَلُ الرُّجُوعَ عَنْهُ]
(الْفَرْقُ الثَّانِي وَالْعِشْرُونَ وَالْمِائَتَانِ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْإِقْرَارِ الَّذِي يُقْبَلُ الرُّجُوعُ عَنْهُ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ الْإِقْرَارِ الَّذِي لَا يُقْبَلُ الرُّجُوعُ عَنْهُ) وَهُوَ أَنَّهُ وَإِنْ كَانَ الْأَصْلُ فِي الْإِقْرَارِ اللُّزُومَ مِنْ الْبَرِّ وَالْفَاجِرِ لِأَنَّهُ عَلَى خِلَافِ الطَّبْعِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَلِذَا قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: الْإِقْرَارُ خَبَرٌ يُوجِبُ حُكْمَ صِدْقِهِ عَلَى قَائِلِهِ فَقَطْ بِلَفْظِهِ أَوْ لَفْظِ نَائِبِهِ لَكِنَّهُ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ قَدْ يَكُونُ لِلْمُقِرِّ فِي الرُّجُوعِ عَنْهُ عُذْرٌ عَادِيٌّ، وَقَدْ لَا يَكُونُ لَهُ ذَلِكَ انْقَسَمَ قِسْمَيْنِ:
(الْأَوَّلُ) مَا لَا يَجُوزُ الرُّجُوعُ عَنْهُ، وَضَابِطُهُ مَا لَيْسَ لِلْمُقِرِّ فِي رُجُوعِهِ عَنْهُ عُذْرٌ عَادِيٌّ، وَهَذَا هُوَ الْغَالِبُ إلَّا أَنَّ فِي نُفُوذِهِ تَفْصِيلًا أَشَارَ لَهُ ابْنُ عَاصِمٍ بِقَوْلِهِ:
وَمَالِكٌ لِأَمْرِهِ أَقَرَّ فِي
…
صِحَّتِهِ لِأَجْنَبِيٍّ اُقْتُفِيَ
وَمَا لِوَارِثٍ فَفِيهِ اُخْتُلِفَا
…
وَمَنْفَذٌ لَهُ لِتُهْمَةٍ نَفَى
وَرَأْسُ مَتْرُوكِ الْمُقِرِّ أُلْزِمَا
…
وَهُوَ بِهِ فِي فَلَسٍ كَالْغُرَمَا
وَإِنْ يَكُنْ لِأَجْنَبِيٍّ فِي الْمَرَضْ
…
غَيْرَ صَدِيقٍ فَهُوَ نَافِذُ الْغَرَضْ
وَلِصَدِيقٍ أَوْ قَرِيبٍ لَا يَرِثْ
…
يَبْطُلُ مِمَّنْ بِكَلَالَةٍ وَرِثْ
وَقِيلَ بَلْ يَمْضِي بِكُلِّ حَالِ
…
وَعِنْدَمَا يُؤْخَذُ بِالْإِبْطَالِ
قِيلَ بِإِطْلَاقٍ وَلِابْنِ الْقَاسِمِ
…
يَمْضِي مِنْ الثُّلْثِ بِحُكْمٍ جَازِمِ
وَلَا فَسَادِ عَرْضٍ أَوْ عُضْوٍ فَيَجُوزُ أَخْذُهُ مِنْ غَيْرِ رَفْعٍ لِلْحَاكِمِ فَمَنْ أَخَذَ عَيْنَ الْمَغْصُوبِ أَوْ وَجَدَ عَيْنَ سِلْعَتِهِ الَّتِي اشْتَرَاهَا أَوْ وَرِثَهَا، وَلَا يَخَافُ مِنْ أَخْذِهَا ضَرَرًا فَلَهُ أَخْذُهَا، وَمَا يَحْتَاجُ لِلْحَاكِمِ خَمْسَةُ أَنْوَاعٍ
(النَّوْعُ الْأَوَّلُ) الْمُخْتَلَفُ فِيهِ هَلْ هُوَ ثَابِتٌ أَمْ لَا فَلَا بُدَّ مِنْ رَفْعٍ لِلْحَاكِمِ حَتَّى يَتَوَجَّهَ ثُبُوتُهُ بِحُكْمِ الْحَاكِمِ فَهَذَا النَّوْعُ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ يَفْتَقِرُ إلَى الْحَاكِمِ فِي بَعْضِ مَسَائِلِهِ دُونَ بَعْضٍ كَاسْتِحْقَاقِ الْغُرَمَاءِ لِرَدِّ عِتْقِ الْمِدْيَانِ وَتَبَرُّعَاتِهِ قَبْلَ الْحَجْرِ عَلَيْهِ فَإِنَّ الشَّافِعِيَّ رضي الله عنه لَا يُثْبِتُ لَهُمْ حَقًّا فِي ذَلِكَ وَمَالِكٌ يُثْبِتُهُ فَيَحْتَاجُ لِقَضَاءِ الْحَاكِمِ بِذَلِكَ، وَقَدْ لَا يَفْتَقِرُ هَذَا النَّوْعُ لِلْحَاكِمِ كَمَنْ وُهِبَ لَهُ مَشَاعٌ فِي عَقَارٍ أَوْ غَيْرِهِ أَوْ اشْتَرَى مَبِيعًا عَلَى الصِّفَةِ أَوْ أَسْلَمَ فِي حَيَوَانٍ، وَنَحْوُ ذَلِكَ فَإِنَّ الْمُسْتَحِقَّ الْمُعْتَقِدَ لِصِحَّةِ هَذِهِ الْأَسْبَابِ يَتَنَاوَلُ هَذِهِ الْأُمُورَ مِنْ غَيْرِ حَاكِمٍ، وَهُوَ كَثِيرٌ، وَالْمُفْتَقِرُ مِنْهُ لِلْحَاكِمِ قَلِيلٌ، وَفِي الْفَرْقِ بَيْنَ مَا يَفْتَقِرُ مِنْ هَذَا النَّوْعِ وَمَا لَا يَفْتَقِرُ عُسْرٌ.
(النَّوْعُ الثَّانِي) مَا يَحْتَاجُ لِلِاجْتِهَادِ وَالتَّحْرِيرِ فَإِنَّهُ يَفْتَقِرُ لِلْحَاكِمِ كَتَقْوِيمِ الرَّقِيقِ فِي إعْتَاقِ الْبَعْضِ عَلَى الْمُعْتِقِ وَتَقْدِيرِ النَّفَقَاتِ لِلزَّوْجَاتِ وَالْأَقَارِبِ، وَالطَّلَاقُ عَلَى الْمُولِي بِعَدَمِ الْفَيْئَةِ فَإِنَّ فِيهِ تَحْرِيرَ عَدَمِ فَيْئَتِهِ، وَالْمُعْسِرُ بِالنَّفَقَةِ لِأَنَّهُ مُخْتَلَفٌ فِيهِ فَمَنَعَهُ الْحَنَفِيَّةُ، وَلِأَنَّهُ يَفْتَقِرُ لِتَحْرِيرِ إعْسَارِهِ وَتَقْدِيرِهِ، وَمَا مِقْدَارُ الْإِعْسَارِ الَّذِي يُطْلَقُ بِهِ فَإِنَّهُ مُخْتَلَفٌ فِيهِ فَعِنْدَ مَالِكٍ رحمه الله لَا يُطْلَقُ بِالْعَجْزِ عَنْ أَصْلِ النَّفَقَةِ وَالْكِسْوَةِ اللَّتَانِ يُفْرَضَانِ بَلْ بِالْعَجْزِ عَنْ الضَّرُورِيِّ الْمُقِيمِ لِلْبَيِّنَةِ، وَإِنْ كُنَّا لَا نَفْرِضُهُ ابْتِدَاءً.
(النَّوْعُ الثَّالِثُ) مَا يُؤَدِّي أَخْذُهُ لِلْفِتْنَةِ كَالْقِصَاصِ فِي النَّفْسِ وَالْأَعْضَاءِ يُرْفَعُ ذَلِكَ لِلْأَئِمَّةِ لِئَلَّا يَقَعَ لِسَبَبِ تَنَاوُلِهِ تَمَانُعٌ وَقَتْلٌ وَفِتْنَةٌ أَعْظَمُ مِنْ الْأُولَى، وَكَذَلِكَ التَّعْزِيرُ، وَفِيهِ أَيْضًا الْحَاجَةُ لِلِاجْتِهَادِ فِي مِقْدَارِهِ بِخِلَافِ الْحُدُودِ فِي الْقَذْفِ وَالْقِصَاصِ فِي الْأَطْرَافِ.
(النَّوْعُ الرَّابِعُ) مَا يُؤَدِّي إلَى فَسَادِ الْعِرْضِ وَسُوءِ الْعَاقِبَةِ كَمَنْ ظَفِرَ بِالْعَيْنِ الْمَغْصُوبَةِ أَوْ الْمُشْتَرَاةِ أَوْ الْمَوْرُوثَةِ لَكِنْ يَخَافُ مِنْ أَخْذِهَا أَنْ يُنْسَبَ إلَى السَّرِقَةِ فَلَا يَأْخُذُهَا بِنَفْسِهِ، وَيَرْفَعُهَا لِلْحَاكِمِ دَفْعًا لِهَذِهِ الْمَفْسَدَةِ.
(النَّوْعُ الْخَامِسُ) مَا يُؤَدِّي إلَى خِيَانَةِ الْأَمَانَةِ إذَا أَوْدَعَ عِنْدَك مَنْ لَك عَلَيْهِ حَقٌّ، وَعَجَزْتَ عَنْ أَخْذِهِ مِنْهُ لِعَدَمِ اعْتِرَافِهِ أَوْ عَدَمِ الْبَيِّنَةِ عَلَيْهِ فَهَلْ لَك جَحْدُ وَدِيعَتِهِ إذَا كَانَتْ قَدْرَ حَقِّك مِنْ جِنْسِهِ أَوْ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ فَمَنَعَهُ مَالِكٌ لِقَوْلِهِ عليه السلام «أَدِّ الْأَمَانَةَ إلَى مَنْ ائْتَمَنَك، وَلَا تَخُنْ مَنْ خَانَك» ، وَأَجَازَهُ الشَّافِعِيُّ «لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
إلَخْ، وَخُلَاصَتُهُ أَنَّ الْمَالِكَ لِأَمْرِهِ تَارَةً يُقِرُّ فِي صِحَّتِهِ، وَتَارَةً فِي مَرَضِهِ، وَفِي كُلٍّ مِنْهُمَا إمَّا أَنْ يَكُونَ الْمُقَرُّ لَهُ وَارِثًا أَوْ أَجْنَبِيًّا اُنْظُرْ شُرُوحَ الْعَاصِمِيَّةِ
(وَالْقِسْمُ الثَّانِي) مَا يَجُوزُ الرُّجُوعُ عَنْهُ، وَضَابِطُهُ مَا لِلْمُقِرِّ عُذْرٌ عَادِيٌّ فِي رُجُوعِهِ عَنْهُ، وَمَثَّلَ لَهُ الْأَصْلُ بِثَلَاثِ مَسَائِلَ فَقَالَ.
(الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى) إذَا أَقَرَّ الْوَارِثُ لِلْوَرَثَةِ أَنَّ مَا تَرَكَهُ أَبُوهُ مِيرَاثٌ بَيْنَهُمْ عَلَى مَا عُهِدَ فِي الشَّرِيعَةِ، وَمَا تُحْمَلُ عَلَيْهِ الدِّيَانَةُ ثُمَّ جَاءَ شُهُودٌ أَخْبَرُوهُ أَنَّ أَبَاهُ أَشْهَدَهُمْ أَنَّهُ تَصَدَّقَ عَلَيْهِ فِي صِغَرِهِ بِهَذِهِ الدَّارِ، وَحَازَهَا لَهُ أَوْ أَنَّ وَالِدَهُ أَقَرَّ أَنَّهُ مَلَّكَهَا عَلَيْهِ بِوَجْهٍ شَرْعِيٍّ فَإِنَّهُ يُقْبَلُ رُجُوعُهُ عَنْ إقْرَارِهِ، وَأَنَّهُ كَانَ بِنَاءً عَلَى الْعَادَةِ، وَمُقْتَضَى ظَاهِرِ الشَّرِيعَةِ، وَعُذْرُهُ بِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ عَالِمًا بِمَا أَخْبَرَتْهُ الْبَيِّنَةُ بِهِ مِنْ أَنَّ التَّرِكَةَ كُلَّهَا مَوْرُوثَةٌ إلَّا هَذِهِ الدَّارَ الْمَشْهُودَ بِهَا لَهُ دُونَ الْوَرَثَةِ لِأَنَّهُ عُذْرٌ عَادِيٌّ يُسْمَعُ مِثْلُهُ فَيُقِيمُ بَيِّنَتَهُ، وَلَا يَكُونُ إقْرَارُهُ السَّابِقُ مُكَذِّبًا لِلْبَيِّنَةِ وَقَادِحًا فِيهَا اهـ.
وَسَلَّمَهُ أَبُو الْقَاسِمِ بْنِ الشَّاطِّ، وَفِي شَرْحِ التَّسَوُّلِيِّ عَلَى الْعَاصِمِيَّةِ مَا نَصُّهُ قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْمَلَوِيُّ اعْتَمَدَ مَا لِلْقَرَافِيِّ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الْحُفَّاظِ الْمُتَأَخِّرِينَ، وَتَلَقَّوْهُ بِالْقَبُولِ مِنْهُمْ أَبُو سَالِمٍ إبْرَاهِيمُ الْيَزَنَاسَنِيُّ اهـ.
وَبِهِ يُعْلَمُ ضَعْفُ مَا فِي الْحَطَّابِ عَنْ سَحْنُونٍ مِنْ أَنَّ إقْرَارَهُ الْأَوَّلَ مُكَذِّبٌ لِلْبَيِّنَةِ فَلَا يُنْتَفَعُ بِهَا نَقَلَهُ فِي بَابَيْ الْإِقْرَارِ وَالْقِسْمَةِ بَعْدَ أَنْ نَقَلَ عَنْ الْمَازِرِيِّ أَنَّهُ أَفْتَى بِمِثْلِ مَا لِلْقَرَافِيِّ، وَبِالْجُمْلَةِ فَالْمُعْتَمَدُ مَا لِلْقَرَافِيِّ، وَبِهِ كُنْت أَفْتَيْت اُنْظُرْ شَرْحَنَا لِلشَّامِلِ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا مَرَّ أَوَّلَ الِاسْتِحْقَاقِ اهـ.
بِلَفْظِهِ، وَمَا مَرَّ أَوَّلَ الِاسْتِحْقَاقِ هُوَ مَا نَقَلَهُ عَنْ ابْنِ عَرَفَةَ مِنْ أَنَّ حُكْمَ الِاسْتِحْقَاقِ الْوُجُوبُ عِنْدَ تَيَسُّرِ أَسْبَابِهِ فِي الرَّبْعِ وَالْعَقَارِ بِنَاءً عَلَى عَدَمِ يَمِينِ مُسْتَحِقِّهِ، وَعَلَى يَمِينِهِ هُوَ مُبَاحٌ كَغَيْرِ الْعَقَارِ وَالرَّبْعِ لِأَنَّ الْحَلِفَ مَشَقَّةٌ اهـ.
قَالَ وَمُرَادُ ابْنِ عَرَفَةَ إذَا لَمْ تَسْمَحْ نَفْسُهُ بِذَلِكَ لِمَا فِيهِ حِينَئِذٍ مِنْ إطْعَامِ الْحَرَامِ لِغَيْرِهِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى مَنْعِهِ مِنْهُ، وَقَدْ قَالَ عليه السلام «لَا يَحِلُّ مَالُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إلَّا عَنْ طِيبِ نَفْسٍ مِنْهُ» .
وَقَالَ «اُنْصُرْ أَخَاك وَإِنْ ظَالِمًا، وَنَصْرُهُ أَنْ تَمْنَعَهُ عَنْ ظُلْمِهِ» فَالْمُسْتَحِقُّ حِينَئِذٍ آثِمٌ بِعَدَمِ قِيَامِهِ بِالِاسْتِحْقَاقِ لِأَنَّهُ تَرَكَ وَاجِبًا عَلَيْهِ فَهُوَ رَاجِعٌ إلَى تَغْيِيرِ الْمُنْكَرِ، وَهُوَ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مَنْ قَدَرَ عَلَيْهِ، وَالْمُسْتَحِقُّ مِنْ ذَلِكَ الْقَبِيلِ، وَهَذَا عَامٌّ سَوَاءٌ كَانَ الِاسْتِحْقَاقُ مِنْ ذِي الشُّبْهَةِ أَوْ مِنْ غَاصِبٍ لِأَنَّ الْمُسْتَحِقَّ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُعْلِمَ ذَا الشُّبْهَةِ بِأَنَّهُ لَا مِلْكَ لَهُ فِيهِ، وَأَنَّهُ يَسْتَحِقُّهُ مِنْهُ، وَإِنْ لَمْ تَسْمَحْ نَفْسُهُ بِهِ، وَيُطْلِعُهُ عَلَى بَيَانِ مِلْكِهِ لِلشَّيْءِ الْمُسْتَحَقِّ، وَإِذَا لَمْ يَعْلَمْهُ كَانَ قَدْ تَرَكَ وَاجِبًا عَلَيْهِ آثِمًا بِذَلِكَ، وَهُوَ مَعْنَى وُجُوبِ قِيَامِهِ بِالِاسْتِحْقَاقِ خِلَافًا لِمَا لِلشَّيْخِ الرَّهُونِيُّ مِنْ أَنَّهُ لَا يَظْهَرُ وُجُوبُهُ بِالنِّسْبَةِ لِذِي